[1 - سورة الفاتحة]
[1.1-2]
{ الحمد لله } جملة خبرية قصد بها الثناء على الله بمضمونها من أنه تعالى مالك: لجميع الحمد من الخلق أو مستحق لأن يحمدوه و(الله) علم على المعبود بحق { رب العلمين } أي مالك جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة والدواب وغيرهم وكل منها يطلق عليه عالم، يقال: عالم الإنس وعالم الجن إلى غير ذلك. وغلب في جمعه بالياء والنون أولو العلم على غيرهم وهو من العلامة لأنه علامة على موجده.
[1.3]
{ الرحمن الرحيم } أي ذي الرحمة وهي إرادة الخير لأهله.
[1.4]
{ ملك يوم الدين } أي الجزاء وهو يوم القيامة وخص بالذكر لأنه لا ملك ظاهرا فيه لأحد إلا لله تعالى بدليل
لمن الملك اليوم لله الواحدالقهار
[40: 16] ومن قرأ مالك فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة: أي هو موصوف بذلك دائما ك
غافر الذنب
[40: 3] فصح وقوعه صفة لمعرفة.
[1.5]
{ إياك نعبد وإياك نستعين } أي نخصك بالعبادة من توحيد وغيرهونطلب المعونة على العبادة وغيرها.
[1.6]
{ اهدنا الصراط المستقيم } أي أرشدنا إليه ويبدل منه.
[1.7]
{ صراط الذين أنعمت عليهم } بالهداية ويبدل من الذين بصلته { غير المغضوب عليهم } وهم اليهود { ولا } وغير { الضالين } وهم النصارى ونكتة البدل إفادة أن المهتدين ليسوا يهودا ولا نصارى
والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[2 - سورة البقرة]
[2.1]
{ الم } الله أعلم بمراده بذلك.
[2.2]
{ ذلك } أي هذا { الكتب } الذي يقرؤه محمد { لا ريب } لا شك { فيه } أنه من عند الله وجملة النفي خبر مبتدؤه ذلك والإشارة به للتعظيم { هدى } خبر ثان أي هاد { للمتقين } الصائرين إلى التقوى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي لاتقائهم بذلك النار.
[2.3]
{ الذين يؤمنون } يصدقون { بالغيب } بما غاب عنهم من البعث والجنة والنار { ويقيمون الصلوة } أي يأتون بها بحقوقها { ومما رزقنهم } أعطيناهم { ينفقون } في طاعة الله.
[2.4]
{ والذين يؤمنون بما أنزل إليك } أي القرآن { وما أنزل من قبلك } أي التوراة والإنجيل وغيرهما { وبالأخرة هم يوقنون } يعلمون.
[2.5]
{ أولئك } الموصوفون بما ذكر { على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } الفائزون بالجنة الناجون من النار.
[2.6]
{ إن الذين كفروا } كأبي جهل وأبي لهب ونحوهما { سواء عليهم ءأنذرتهم } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه { أم لم تنذرهم لا يؤمنون } لعلم الله منهم ذلك فلا تطمع في إيمانهم والإنذار إعلام مع تخويف.
[2.7]
{ ختم الله على قلوبهم } طبع عليها واستوثق فلا يدخلها خير { وعلى سمعهم } أي مواضعه فلا ينتفعون بما يسمعونه من الحق { وعلى أبصرهم غشوة } غطاء فلا يبصرون الحق { ولهم عذاب عظيم } قوي دائم.
[2.8]
ونزل في المنافقين { ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الأخر } أي يوم القيامة لأنه آخر الأيام { وما هم بمؤمنين } روعي فيه معنى (من)، وفي ضمير( يقول) لفظها.
[2.9]
{ يخدعون الله والذين ءامنوا } بإظهار خلاف ما أبطنوه من الكفر ليدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية { وما يخدعون إلا أنفسهم } لأن وبال خداعهم راجع إليهم فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الله نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة { وما يشعرون } يعلمون أن خداعهم لأنفسهم، والمخادعة هنا من واحد( كعاقبت اللص)، وذكر الله فيها تحسين، وفي قراءة وما يخدعون.
[2.10]
{ فى قلوبهم مرض } شك ونفاق فهو يمرض قلوبهم أي يضعفها { فزادهم الله مرضا } بما أنزله من القرآن لكفرهم به { ولهم عذاب أليم } مؤلم { بما كانوا يكذبون } بالتشديد أي نبي الله وبالتخفيف أي في قولهم آمنا.
[2.11]
{ وإذا قيل لهم } أي لهؤلاء { لا تفسدوا فى الأرض } بالكفر والتعويق عن الإيمان { قالوا إنما نحن مصلحون } وليس ما نحن فيه بفساد. قال الله تعالى ردا عليهم:
[2.12]
{ ءلآ } للتنبيه { إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون } بذلك
[2.13]
{ وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس } أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء } الجهال؟ أي: لا نفعل كفعلهم. قال تعالى ردا عليهم: { ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون } ذلك.
[2.14]
{ وإذا لقوا } أصله لقيوا حذفت الضمة للاستثقال ثم( الياء ) لالتقائها ساكنة مع الواو { الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا } منهم ورجعوا { إلى شيطينهم } رؤسائهم { قالوا إنا معكم } في الدين { إنما نحن مستهزءون } بهم بإظهار الإيمان.
[2.15]
{ الله يستهزىء بهم } يجازيهم باستهزائهم { ويمدهم } يمهلهم { في طغينهم } بتجاوزهم الحد بالكفر { يعمهون } يترددون تحيرا حال.
[2.16]
{ أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى } أي استبدلوها به { فما ربحت تجرتهم } أي: ما ربحوا فيها بل خسروا لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم { وما كانوا مهتدين } فيما فعلوا.
[2.17]
{ مثلهم } صفتهم في نفاقهم { كمثل الذى استوقد } أوقد { نارا } في ظلمة { فلما أضاءت } أنارت { ما حوله } فأبصر واستدفأ وأمن ما يخافه { ذهب الله بنورهم } أطفأه وجمع الضمير مراعاة لمعنى (الذي) { وتركهم في ظلمت لا يبصرون } ما حولهم متحيرين عن الطريق خائفين فكذلك هؤلاء آمنوا بإظهار كلمة الإيمان فإذا ماتوا جاءهم الخوف والعذاب.
[2.18]
هم { صم } عن الحق فلا يسمعونه سماع قبول { بكم } خرس عن الخير فلا يقولونه { عمى } عن طريق الهدى فلا يرونه { فهم لا يرجعون } عن الضلالة.
[2.19]
{ أو } مثلهم { كصيب } أي كأصحاب مطر وأصله (صيوب) من (صاب يصوب) أي ينزل { من السماء } السحاب { فيه } أي السحاب { ظلمت } متكاثفة { ورعد } هو الملك الموكل به وقيل صوته { وبرق } لمعان سوطه الذي يزجره به { يجعلون } أي أصحاب الصيب { أصبعهم } أي أناملهم { فىءاذانهم من } أجل { الصوعق } شدة صوت الرعد لئلا يسمعوها { حذر } خوف { الموت } من سماعها. كذلك هؤلاء: إذا نزل القرآن وفيه ذكر الكفر المشبه بالظلمات، والوعيد عليه المشبه بالرعد والحجج البينة المشبهة بالبرق يسدون آذانهم لئلا يسمعوه فيميلوا إلى الإيمان وترك دينهم وهو عندهم موت { والله محيط بالكفرين } علما وقدرة فلا يفوتونه.
[2.20]
{ يكاد } يقرب { البرق يخطف أبصرهم } يأخذها بسرعة { كلما أضاء لهم مشوا فيه } أي في ضوئه { وإذا أظلم عليهم قاموا } وقفوا، تمثيل لإزعاج ما في القرآن من الحجج قلوبهم وتصديقهم لما سمعوا فيه مما يحبون ووقوفهم عما يكرهون. { ولو شاء الله لذهب بسمعهم } بمعنى أسماعهم { وأبصرهم } الظاهرة كما ذهب بالباطنة { إن الله على كل شىء } شاءه { قدير } ومنه إذهاب ما ذكر.
[2.21]
{ ي أيها الناس } أي أهل مكة { اعبدوا } وحدوا { ربكم الذى خلقكم } أنشأكم ولم تكونوا شيئا { و } خلق { الذين من قبلكم لعلكم تتقون } بعبادته عقابه،( ولعل) في الأصل للترجي وفي كلامه تعالى: للتحقيق.
[2.22]
{ الذى جعل } خلق { لكم الأرض فراشا } حال بساطا يفترش لا غاية في الصلابة أو الليونة فلا يمكن الاستقرار عليها { والسماء بناء } سقفا { وأنزل من السماء ماء فأخرج به من } أنواع { الثمرت رزقا لكم } تأكلونه وتعلفون به دوابكم { فلا تجعلوا لله أندادا } شركاء في العبادة { وأنتم تعلمون } أنه الخالق ولا يخلقون ولا يكون إلها إلا من يخلق.
[2.23]
{ وإن كنتم فى ريب } شك { مما نزلنا على عبدنا } محمد من القرآن أنه من عند الله { فأتوا بسورة من مثله } أي المنزل( ومن) للبيان أي هي مثله في البلاغة وحسن النظم والإخبار عن الغيب( والسورة قطعة لها أول وآخر أقلها ثلاث آيات ) { وادعوا شهداءكم } آلهتكم التي تعبدونها { من دون الله } أي غيره لتعينكم { إن كنتم صدقين } في أن محمدا قاله من عند نفسه فافعلوا ذلك فإنكم عربيون فصحاء مثله. ولما عجزوا عن ذلك قال تعالى: { فإن لم تفعلوا }.
[2.24]
{ فإن لم تفعلوا } ما ذكر لعجزكم { ولن تفعلوا } ذلك أبدا لظهور إعجازه اعتراض - { فاتقوا } بالإيمان بالله وأنه ليس من كلام البشر { النار التى وقودها الناس } الكفار { والحجارة } كأصنامهم منها يعني أنها مفرطة الحرارة تتقد بما ذكر لا كنار الدنيا تتقد بالحطب ونحوه. { أعدت } هيئت { للكفرين } يعذبون بها، جملة مستأنفة أو حال لازمة.
[2.25]
{ وبشر } أخبر { الذين ءامنوا } صدقوا بالله { وعملوا الصلحات } من الفروض والنوافل { ءان } أي بأن { لهم جنت } حدائق ذات أشجار ومساكن { تجرى من تحتها } أي تحت أشجارها وقصورها { الانهر } أي المياه فيها، والنهر الموضع الذي يجري فيه الماء لأن الماء ينهره أي يحفره، وإسناد الجري إليه مجاز { كلما رزقوا منها } أطعموا من تلك الجنات { من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى } أي مثل ما { رزقنا من قبل } أي قبله في الجنة لتشابه ثمارها بقرينه { وأتوا به } أي جيئوا بالرزق { متشبها } يشبه بعضه بعضا لونا ويختلف طعما { ولهم فيها أزوج } من الحور وغيرها { مطهرة } من الحيض وكل قذر { وهم فيها خلدون } ماكثون أبدا لا يفنون ولا يخرجون، ونزل ردا لقول اليهود لما ضرب الله المثل بالذباب في قوله
وإن يسلبهم الذباب شيئا
[73:22] والعنكبوت في قوله
كمثل العنكبوت
[41:29] ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة فأنزل الله.
[2.26]
{ إن الله لا يستحى أن يضرب } يجعل { مثلا } مفعول أول { ما } نكرة موصوفة بما بعدها مفعول ثان أي:مثل كان أو زائدة لتأكيد الخسة فما بعدها المفعول الثاني { بعوضة } مفرد( البعوض) وهو صغار البق { فما فوقها } أي أكبر منها أي لا يترك بيانه لما فيه من الحكم { فأما الذين ءامنوا فيعلمون أنه } أي المثل { الحق } الثابت الواقع موقعه { من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا } تمييز: أي بهذا المثل و(ما) استفهام إنكار مبتدأ، وذا بمعنى: الذي بصلته خبره أي: أي فائدة فيه؟ قالالله تعالى في جوابهم { يضل به } أي:بهذا المثل { كثيرا } عن الحق لكفرهم به { ويهدي به كثيرا } من المؤمنين لتصديقهم به { وما يضل به إلا الفسقين } الخارجين عن طاعته.
[2.27]
{ الذين } نعت { ينقضون عهد الله } ما عهده إليهم في الكتب من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم { من بعد ميثقه } توكيده عليهم { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } من الإيمان بالنبي والرحم وغير ذلك( وأن) بدل من ضمير( به ) { ويفسدون فى الأرض } بالمعاصي والتعويق عن الإيمان { أولئك } الموصوفون بما ذكر { هم الخسرون } لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم.
[2.28]
{ كيف تكفرون } يا أهل مكة { بالله و } قد { كنتم أموتا } نطفا في الأصلاب { فأحيكم } في الأرحام والدنيا بنفخ الروح فيكم؟ والاستفهام: للتعجب من كفرهم مع قيام البرهان أو: للتوبيخ { ثم يميتكم } عند انتهاء آجالكم { ثم يحييكم } بالبعث { ثم إليه ترجعون } تردون بعد البعث فيجازيكم بأعمالكم. وقال دليلا على البعث لما أنكروه.
[2.29]
{ هو الذى خلق لكم ما فى الأرض } أي: الأرض وما فيها { جميعا } لتنتفعوا به وتعتبروا { ثم استوى } بعد خلق الأرض: أي قصد { إلى السماء فسوهن } الضمير يرجع إلى( السماء ) لأنها في معنى الجملة الآيلة إليه أي صيرها كما في آية أخرى
فقضاهن
[12:41] { سبع سموات وهو بكل شىء عليم } مجملا ومفصلا أفلا تعتبرون أن القادر على خلق ذلك ابتداء وهو أعظم منكم قادر على إعادتكم.
[2.30]
{ و } اذكر يا محمد { إذ قال ربك للملئكة إنى جاعل فى الأرض خليفة } يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } بالمعاصي { ويسفك الدماء } يريقها بالقتل كما فعل بنو الجان وكانوا فيها فلما أفسدوا أرسل الله عليهم الملائكة فطردوهم إلى الجزائر والجبال { ونحن نسبح } متلبسين { بحمدك } أي: نقول سبحان الله وبحمده { ونقدس لك } ننزهك عما لايليق بك فاللام زائدة والجملة: حال أي: فنحن أحق بالاستخلاف. { قال } تعالى { إني أعلم ما لا تعلمون } من المصلحة في استخلاف آدم وأن ذريته فيهم المطيع والعاصي فيظهر العدل بينهم فقالوا: لن يخلق ربنا خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم لسبقنا له ورؤيتنا ما لم يره فخلق الله تعالى آدم من أديم الأرض أي: وجهها بأن قبض منها قبضة من جميع ألوانها وعجنت بالمياه المختلفة وسواه ونفخ فيه الروح فصار حيوانا حساسا بعد أن كان جمادا.
[2.31]
{ وعلم ءادم الاسماء } أي: أسماء المسميات { كلها } القصعه والقصيعة والفسوة والفسية والمغرفة بأن ألقى في قلبه علمها { ثم عرضهم } أي المسميات وفيه تغليب العقلاء { على الملئكة فقال } لهم تبكيتا { أنبئونى } أخبروني { بأسماء هؤلاء } المسميات { إن كنتم صدقين } في أني لا أخلق أعلم منكم أو: أنكم أحق بالخلافة وجواب الشرط دل عليه ما قبله.
[2.32]
{ قالوا سبحنك } تنزيها لك عن الاعتراض عليك { لا علم لنا إلا ما علمتنا } إياه { إنك أنت } تأكيد للكاف { العليم الحكيم } الذي لا يخرج شيء عن علمه وحكمته.
[2.33]
{ قال } تعالى: { قال ياءادم أنبئهم } أي: الملائكة { بأسمائهم } المسميات فسمى كل شيء باسمه وذكر حكمته التي خلق لها، { فلما أنبأهم بأسمائهم قال } تعالى لهم موبخا { ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والارض } ما غاب فيهما { وأعلم ما تبدون } ما تظهرون من قولكم:( أتجعل فيها) الخ { وما كنتم تكتمون } تسرون من قولكم:( لن يخلق الله أكرم عليه منا ولا أعلم)؟
[2.34]
{ و } اذكر { إذ قلنا للملئكة اسجدوالأدم } سجود تحية بالانحناء { فسجدوا إلا إبليس } هو أبو الجن كان بين الملائكة { أبى } امتنع عن السجود { واستكبر } تكبر عنه وقال أنا خير منه { وكان من الكفرين } في علم الله.
[2.35]
{ وقلنا ياءادم اسكن أنت } تأكيد للضمير المستتر ليعطف عليه: { وزوجك } حواء بالمد وكان خلقها من ضلعه الأيسر { الجنة وكلا منها } أكلا { رغدا } واسعا لا حجر فيه { حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة } أي بالأكل منها وهي الحنطة أو الكرم أو غيرهما { فتكونا } فتصيرا { من الظلمين } العاصين.
[2.36]
{ فأزلهما الشيطن } إبليس أذهبهما وفي قراءة (فأزالهما ) نحاهما { عنها } أي الجنة بأن قال لهما:
هل أدلكما على شجرة الخلد
[20: 120]
وقاسمهما إني لكما لمن النصحين
[21:7] فأكلا منها { فأخرجهما مما كانا فيه } من النعيم { وقلنا اهبطوا } إلى الأرض أي أنتما بما اشتملتما عليه من ذريتكما { بعضكم } بعض الذرية { لبعض عدو } من ظلم بعضكم بعضا { ولكم فى الارض مستقر } موضع قرار { ومتع } ما تتمتعون به من نباتها { إلى حين } وقت انقضاء آجالكم.
[2.37]
{ فتلقى ءادم من ربه كلمت } ألهمه إياها وفي قراءة بنصب (آدم) ورفع (كلمات) أي جاءه وهي
ربنا ظلمنا أنفسنا
[ 23:7] الآية فدعا بها { فتاب عليه } قبل توبته { إنه هو التواب } على عباده { الرحيم } بهم.
[2.38]
{ قلنا اهبطوا منها } من الجنة { جميعا } كرره ليعطف عليه { فإما } فيه إدغام نون( إن) الشرطية في (ما) الزائدة { يأتينكم منى هدى } كتاب ورسول { فمن تبع هداي } فآمن بي وعمل بطاعتي { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الآخرة بأن يدخلوا الجنة.
[2.39]
{ والذين كفروا وكذبوا بآيتنا } كتبنا. { أولئك أصحب النار هم فيها خلدون } ماكثون أبدا لا يفنون ولا يخرجون.
[2.40]
{ يبنى إسرءيل } أولاد يعقوب { اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم } أي على آبائكم من الإنجاء من فرعون وفلق البحر وتظليل الغمام وغير ذلك بأن تشكروها بطاعتي { وأوفوا بعهدى } الذي عهدته إليكم من الإيمان بمحمد { أوف بعهدكم } الذي عهدته إليكم من الثواب عليه بدخول الجنة { وإيى فارهبون } خافون في ترك الوفاء به دون غيري.
[2.41]
{ وءامنوا بما أنزلت } من القرآن { مصدقا لما معكم } من التوراة بموافقته له في التوحيد والنبوة { ولا تكونوا أول كافر به } من أهل الكتاب لأن خلفكم تبع لكم فإثمهم عليكم { ولا تشتروا } تستبدلوا { بآيتي } التي في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم { ثمنا قليلا } عرضا يسيرا من الدنيا أي لا تكتموها خوف فوات ما تأخذونه من سفلتكم { وإيى فاتقون } خافون في ذلك دون غيري.
[2.42]
{ ولا تلبسوا } تخلطوا { الحق } الذي أنزلت عليكم { بالبطل } الذي تفترونه { و } لا { تكتموا الحق } نعت محمد صلى الله عليه وسلم { وأنتم تعلمون } أنه الحق.
[2.43]
{ وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين } صلوا مع المصلين محمد وأصحابه، ونزل في علمائهم وكانوا يقولون لأقربائهم المسلمين: اثبتوا على دين محمد فإنه حق.
[2.44]
{ أتأمرون الناس بالبر } بالإيمان بمحمد { وتنسون أنفسكم } تتركونها فلا تأمرونها به { وأنتم تتلون الكتب } التوراة وفيها الوعيد على مخالفة القول العمل؟ { أفلا تعقلون } سوء فعلكم فترجعون؟ فجملة النسيان محل الاستفهام الإنكاري.
[2.45]
{ واستعينوا } اطلبوا المعونة على أموركم { بالصبر } الحبس للنفس على ما تكره { والصلوة } أفردها بالذكر تعظيما لشأنها وفي الحديث
" كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة "
وقيل.الخطاب لليهود لما عاقهم عن الإيمان الشره وحب الرياسةأمروا بالصبر وهو الصوم لأنه يكسر الشهوة، والصلاة لأنها تورث الخشوع وتنفي الكبر { وإنها } أي الصلاة { لكبيرة } ثقيلة { إلا على الخشعين } الساكنين إلى الطاعة.
[2.46]
{ الذين يظنون } يوقنون { أنهم ملقوا ربهم } بالبعث { وأنهم إليه رجعون } في الآخرة فيجازيهم.
[2.47]
{ يبنى إسرءيل اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم } بالشكر عليها بطاعتي { وأنى فضلتكم } أي آباءكم { على العلمين } عالمي زمانهم.
[2.48]
{ واتقوا } خافوا { يوما لا تجزى } فيه { نفس عن نفس شيئا } وهو يوم القيامة { ولاتقبل } بالتاء والياء { منها شفعة } أي ليس لها شفاعة فتقبل (فما لنا من شافعين) { ولا يؤخذ منها عدل } فداء { ولا هم ينصرون } يمنعون من عذاب الله.
[2.49]
{ و } اذكروا { إذ نجينكم } أي آباءكم والخطاب به وبما بعده للموجودين في زمن نبينا بما أنعم الله على آبائهم تذكيرا لهم بنعمة الله تعالى ليؤمنوا { من ءال فرعون يسومونكم } يذيقونكم { سوء العذاب } أشده والجملة حال من ضمير (نجيناكم) { يذبحون } بيان لما قبله { أبناءكم } المولودين { ويستحيون } يستبقون { نساءكم } لقول بعض الكهنة له:إن مولودا يولد في بني إسرائيل يكون سببا لذهاب ملكك { وفى ذلكم } العذاب أو الإنجاء { بلاء } ابتلاء أو إنعام { من ربكم عظيم }.
[2.50]
{ و } اذكروا { إذ فرقنا } فلقنا { بكم } بسببكم { البحر } حتى دخلتموه هاربين من عدوكم { فأنجينكم } من الغرق { وأغرقنا ءال فرعون } قومه معه { وأنتم تنظرون } إلى انطباق البحر عليهم.
[2.51]
{ وإذ وعدنا } بألف ودونها { موسى أربعين ليلة } نعطيه عند انقضائها التوراة لتعملوا بها { ثم اتخذتم العجل } الذي صاغه لكم السامري إلها { من بعده } أي بعد ذهابه إلى ميعادنا { وأنتم ظلمون } باتخاذه لوضعكم العبادة في غير محلها.
[2.52]
{ ثم عفونا عنكم } محونا ذنوبكم { من بعد ذلك } الاتخاذ { لعلكم تشكرون } نعمتنا عليكم.
[2.53]
{ وإذ ءاتينا موسى الكتب } التوراة { والفرقان } عطف تفسير، أي الفارق بين الحق والباطل والحلال والحرام { لعلكم تهتدون } به من الضلال.
[2.54]
{ وإذ قال موسى لقومه } الذين عبدوا العجل { يقوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل } إلها { فتوبوا إلى بارئكم } خالقكم من عبادته { فاقتلوا أنفسكم } أي ليقتل البريء منكم المجرم { ذلكم } القتل { خير لكم عند بارئكم } فوفقكم لفعل ذلك وأرسل عليكم سحابة سوداء لئلا يبصر بعضكم بعضا فيرحمه حتى قتل منكم نحو سبعين ألفا { فتاب عليكم } قبل توبتكم { إنه هو التواب الرحيم }.
[2.55]
{ وإذ قلتم } وقد خرجتم مع موسى لتعتذروا إلى الله من عبادة العجل وسمعتم كلامه { يموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } عيانا { فأخذتكم الصعقة } الصيحة فمتم { وأنتم تنظرون } ما حل بكم.
[2.56]
{ ثم بعثنكم } أحييناكم { من بعد موتكم لعلكم تشكرون } نعمتنا بذلك.
[2.57]
{ وظللنا عليكم الغمام } سترناكم بالسحاب الرقيق من حر الشمس في التيه { وأنزلنا عليكم } فيه { المن والسلوى } هما الترنجبين والطير السماني بتخفيف الميم والقصر-، وقلنا: { كلوا من طيبت ما رزقنكم } ولا تدخروا، فكفروا النعمة وادخروا فقطع عنهم { وما ظلمونا } بذلك { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } لأن وباله عليهم.
[2.58]
{ وإذ قلنا } لهم بعد خروجهم من التيه { ادخلوا هذه القرية } بيت المقدس أو أريحا { فكلوا منها حيث شئتم رغدا } واسعا لا حجر فيه { وادخلوا الباب } أي بابها { سجدا } منحنين { وقولوا } مسألتنا { حطة } أي أن تحط عنا خطايانا { نغفر } وفي قراء بالياء والتاء مبنيا للمفعول فيهما { لكم خطيكم وسنزيد المحسنين } بالطاعة ثوابا.
[2.59]
{ فبدل الذين ظلموا } منهم { قولا غير الذي قيل لهم } فقالوا حبة في شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم { فأنزلنا على الذين ظلموا } فيه وضع الظاهر موضع المضمر مبالغة في تقبيح شأنهم { رجزا } عذابا طاعونا { من السماء بما كانوا يفسقون } بسبب فسقهم أي خروجهم عن الطاعة فهلك منهم في ساعة سبعون ألفا أو أقل.
[2.60]
{ و } اذكر { إذ استسقى موسى } أي طلب السقيا { لقومه } وقد عطشوا في التيه { فقلنا اضرب بعصاك الحجر } وهو الذي فر بثوبه خفيف مربع كرأس الرجل رخام أو كذان فضربه { فانفجرت } انشقت وسالت { منه اثنتا عشرة عينا } بعدد الأسباط { قد علم كل أناس } سبط منهم { مشربهم } موضع شربهم فلا يشركهم فيه غيرهم. وقلنا لهم { كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين } حال مؤكدة لعاملها من (عثى) بكسر المثلثة أفسد.
[2.61]
{ وإذ قلتم يموسى لن نصبر على طعام } أي نوع منه { وحد } وهو المن والسلوى { فادع لنا ربك يخرج لنا } شيئا { مما تنبت الأرض من } للبيان { بقلها وقثائها وفومها } حنطتها { وعدسها وبصلها قال } لهم موسى { أتستبدلون الذى هو أدنى } أخس { بالذى هو خير } أشرف؟أي أتأخذونه بدله؟، والهمزة للإنكار فأبوا أن يرجعوا فدعا الله تعالى فقال تعالى: { اهبطوا } انزلوا { مصرا } من الأمصار { فإن لكم } فيه { ما سألتم } من النبات { وضربت } جعلت { عليهم الذلة } الذل والهوان { والمسكنة } أي أثر الفقر من السكون والخزي فهي لازمة وإن كانوا أغنياء لزوم الدرهم المضروب لسكته { وبآءو } رجعوا { بغضب من الله ذلك } أي الضرب والغضب { بأنهم } أي بسبب أنهم { كانوا يكفرون بآيت الله ويقتلون النبيين } كزكريا ويحيى { بغير الحق } أي ظلما { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } يتجاوزون الحد في المعاصي وكرره للتأكيد.
[2.62]
{ إن الذين ءامنوا } بالأنبياء من قبل { والذين هادوا } هم اليهود { والنصرى والصبئين } طائفة من اليهود أو النصارى { من ءامن } منهم { بالله واليوم الأخر } في زمن نبينا { وعمل صلحا } بشريعته { فلهم أجرهم } أي ثواب أعمالهم { عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } روعي في ضمير( آمن) و(عمل) لفظ (من) وفيما بعده معناها.
[2.63]
{ و } اذكر { إذ أخذنا ميثقكم } عهدكم بالعمل بما في التوراة { و } قد { رفعنا فوقكم الطور } الجبل اقتلعناه من أصله عليكم لما أبيتم قبولها وقلنا { خذوا ما ءاتينكم بقوة } بجد واجتهاد { واذكروا ما فيه } بالعمل به { لعلكم تتقون } النار أو المعاصي.
[2.64]
{ ثم توليتم } أعرضتم { من بعد ذلك } الميثاق عن الطاعة { فلولا فضل الله عليكم ورحمته } لكم بالتوبة أو تأخير العذاب { لكنتم من الخسرين } الهالكين.
[2.65]
{ ولقد } لام قسم { علمتم } عرفتم { الذين اعتدوا } تجاوزوا الحد { منكم فى السبت } بصيد السمك وقد نهيناهم عنه وهم أهل (أيلة) { فقلنا لهم كونوا قردة خسئين } مبعدين فكانوها، وهلكوا بعد ثلاثة أيام.
[2.66]
{ فجعلنها } أي تلك العقوبة { نكلا } عبرة مانعة من ارتكاب مثل ما عملوا { لما بين يديها وما خلفها } أي الأمم التي في زمانها و بعدها { وموعظة للمتقين } الله وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها بخلاف غيرهم.
[2.67]
{ و } اذكر { إذ قال موسى لقومه } وقد قتل لهم قتيل لا يدرى قاتله وسألوه أن يدعو الله أن يبينه لهم فدعاه { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا } مهزوءا بنا حيث تجيبنا بمثل ذلك؟ { قال أعوذ } أمتنع { بالله } من { أن أكون من الجهلين } المستهزئين.
[2.68]
فلما علموا أنه عزم { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى } أي ما سنها { قال } موسى { إنه } أي الله { يقول إنها بقرة لا فارض } مسنة { ولا بكر } صغيرة { عوان } نصف { بين ذلك } المذكور من السنين { فافعلوا ما تؤمرون } به من ذبحها.
[2.69]
{ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها } شديدة الصفرة { تسر النظرين } إليها بحسنها أي تعجبهم.
[2.70]
{ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى } أسائمة أم عاملة؟ { إن البقر } أي جنسه المنعوت بما ذكر { تشبه علينا } لكثرته فلم نهتد إلى المقصود { وإنا إن شاء الله لمهتدون } إليهافي الحديث:
" لو لم يستثنوا لما بينت لهم لآخر الأبد ".
[2.71]
{ قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول } غير مذللة بالعمل { تثير الأرض } تقلبها للزراعة، والجملة صفة (ذلول) داخلة في النفي { ولا تسقى الحرث } الأرض المهيأة للزراعة { مسلمة } من العيوب وآثار العمل { لا شية } لون { فيها } غير لونها { قالوا الئن جئت بالحق } نطقت بالبيان التام فطلبوها فوجدوها عند الفتى البار بأمه فاشتروها بملء مسكها ذهبا { فذبحوها وما كادوا يفعلون } لغلاء ثمنها وفي الحديث
" لو ذبحوا أي بقرة كانت لأجزأتهم ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم "
[2.72]
{ وإذ قتلتم نفسا فادرءتم } فيه إدغام( التاء) في الأصل في (الدال) أي تخاصمتم وتدافعتم { فيها والله مخرج } مظهر { ما كنتم تكتمون } من أمرها وهذا اعتراض وهو أول القصة.
[2.73]
{ فقلنا اضربوه } أي القتيل { ببعضها } فضرب بلسانها أو عجب ذنبها فحيي وقال قتلني فلان وفلان لابني عمه ومات فحرما الميراث وقتلا، قال تعالى { كذلك } الإحياء { يحيي الله الموتى ويريكم آياته } دلائل قدرته { لعلكم تعقلون } تتدبرون فتعلمون أن القادر على إحياء نفس واحدة قادر على إحياء نفوس كثيرة فتؤمنون.
[2.74]
{ ثم قست قلوبكم } أيها اليهود صلبت عن قبول الحق { من بعد ذلك } المذكور من إحياء القتيل وما قبله من الآيات { فهى كالحجارة } في القسوة { أو أشد قسوة } منها { وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهر وإن منها لما يشقق } فيه إدغام( التاء) في الأصل في (الشين) { فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط } ينزل من علو إلى سفل { من خشية الله } وقلوبكم لا تتأثر ولا تلين ولا تخشع { وما الله بغفل عما تعملون } وإنما يؤخركم لوقتكم وفي قراءة بالتحتانية[يعلمون] وفيه الإلتفاف عن الخطاب.
[2.75]
{ أفتطمعون } أيها المؤمنون { أن يؤمنوا لكم } أي اليهود { لكم وقد كان فريق } طائفة { منهم } أحبارهم { يسمعون كلم الله } في التوراة { ثم يحرفونه } يغيرونه { من بعد ما عقلوه } فهموه { وهم يعلمون } أنهم مفترون؟ والهمزة للإنكار أي لا تطمعوا فلهم سابقة بالكفر.
[2.76]
{ وإذا لقوا } أي منافقوا اليهود { الذين ءامنوا قالوا ءامنا } بأن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي وهو المبشر به في كتابنا { وإذا خلا } رجع { بعضهم إلى بعض قالوا } أي رؤساؤهم الذين لم ينافقوا لمن نافق { أتحدثونهم } أي المؤمنين { بما فتح الله عليكم } أي عرفكم في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم { ليحاجوكم } ليخاصموكم واللام للصيرورة { به عند ربكم } في الآخرة ويقيموا عليكم الحجة في ترك اتباعه مع علمكم بصدقه؟ { أفلا تعقلون } أنهم يحاجونكم إذا حدثتموهم فتنتهون.
[2.77]
قال تعالى { أولا يعلمون } الاستفهام للتقرير والواو الداخل عليها للعطف { أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون } ما يخفون وما يظهرون من ذلك وغيره فيرعووا عن ذلك؟
[2.78]
{ ومنهم } أي اليهود { أميون } عوام { لا يعلمون الكتب } التوراة { إلا } لكن { أمانى } أكاذيب تلقوها من رؤسائهم فاعتمدوها { وإن } ما { هم } في جحد نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وغيره مما يختلقونه { إلا يظنون } ظنا ولا علم لهم.
[2.79]
{ فويل } شدة عذاب { للذين يكتبون الكتب بأيديهم } أي مختلقا من عندهم { ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا } من الدنيا وهم اليهود غيروا صفة النبي في التوراة وآية الرجم وغيرهما وكتبوها على خلاف ما أنزل { فويل لهم مما كتبت أيديهم } من المختلق { وويل لهم مما يكسبون } من الرشا جمع رشوة.
[2.80]
{ وقالوا } لما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم النار { لن تمسنا } تصيبنا { النار إلا أياما معدودة } قليلة أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل ثم تزول { قل } لهم يا محمد { أتخذتم } حذفت منه همزة الوصل استغناء بهمزة الاستفهام { عند الله عهدا } ميثاقا منه بذلك { فلن يخلف الله عهده } به لا { أم } بل { تقولون على الله ما لا تعلمون }.
[2.81]
{ بلى } تمسكم وتخلدون فيها { من كسب سيئة } شركا { وأحطت به خطيئته } بالإفراد والجمع[خطيئاته] أي استولت عليه وأحدقت به من كل جانب بأن مات مشركا { فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون } روعي فيه معنى (من).
[2.82]
{ والذين ءامنوا وعملوا الصلحات أولئك أصحب الجنة هم فيها خلدون }.
[2.83]
{ و } اذكر. { إذ أخذنا ميثق بنى إسرءيل } في التوراة وقلنا { لا تعبدون } بالتاء والياء { إلا الله } خبر بمعنى النهي، وقرىء:( لا تعبدوا) { و } أحسنوا { بالولدين إحسنا } برا { وذى القربى } القرابة عطف على (الوالدين) { واليتمى والمسكين وقولوا للناس } قولا { حسنا } من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في شأن محمد والرفق بهم، وفي قراءة بضم الحاء وسكون السين مصدر وصف به مبالغة { وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكوة } فقبلتم ذلك { ثم توليتم } أعرضتم عن الوفاء به، فيه التفات عن الغيبة والمراد آباؤهم { إلا قليلا منكم وأنتم معرضون } عنه كآبائكم.
[2.84]
{ وإذ أخذنا ميثقكم } وقلنا { لا تسفكون دماءكم } تريقونها بقتل بعضكم بعضا { ولا تخرجون أنفسكم من ديركم } لا يخرج بعضكم بعضا من داره { ثم أقررتم } قبلتم ذلك الميثاق { وأنتم تشهدون } على أنفسكم.
[2.85]
{ ثم أنتم } يا { هؤلاء تقتلون أنفسكم } يقتل بعضكم بعضا { وتخرجون فريقا منكم من ديرهم تظهرون } فيه إدغام (التاء) في الأصل في (الظاء) وفي قراءة بالتخفيف على حذفها تتعاونون { عليهم بالإثم } بالمعصية { والعدوان } الظلم { وإن يأتوكم أسرى } وفي قراءة( أسرى) { تفدوهم } وفي قراءة:( تفادوهم): تنقذوهم من الأسر بالمال أو غيره وهو مما عهد إليهم { وهو } أي الشأن { محرم عليكم إخراجهم } متصل بقوله و(تخرجون) والجملة بينهما اعتراض أي كما حرم ترك الفداء، وكانت قريظة حالفوا الأوس والنضير الخزرج فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه ويخرب ديارهم ويخرجهم فإذا أسروا فدوهم،كانوا إذا سئلوا لم تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا: أمرنا بالفداء فيقال فلم تقاتلونهم؟ فيقولون حياء أن تستذل حلفاؤنا؟ قال الله تعالى: { أفتؤمنون ببعض الكتب } وهو الفداء { وتكفرون ببعض } وهو ترك القتل والإخراج والمظاهرة؟ { فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى } هوان وذل { فى الحيوة الدنيا } وقد خزوا بقتل قريظة ونفي النضير إلى الشام وضرب الجزية { ويوم القيمة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغفل عما تعملون } بالياء والتاء.
[2.86]
{ أولئك الذين اشتروا الحيوة الدنيا بالاخرة } بأن آثروها عليها { فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون } يمنعون منه.
[2.87]
{ ولقد ءاتينا موسى الكتب } التوراة { وقفينا من بعده بالرسل } أي أتبعناهم رسولا في إ ثر رسول { ءاتينا عسى ابن مريمالبينت } المعجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص { وأيدنه } قويناه { بروح القدس } من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الروح المقدسة جبريل لطهارته يسير معه حيث سار فلم تستقيموا { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى } تحب { أنفسكم } من الحق { استكبرتم } تكبرتم عن اتباعه؟ جواب( كلما) وهو محل الاستفهام، والمراد به التوبيخ { ففريقا } منهم { كذبتم } كعيسى { وفريقا تقتلون } المضارع لحكاية الحال الماضية أي: قتلتم كزكريا ويحيى؟
[2.88]
{ وقالوا } للنبي استهزاء { قلوبنا غلف } جمع أغلف أي مغشاة بأغطية فلا تعي ما تقول قال تعالى: { بل } للإضراب { لعنهم الله } أبعدهم من رحمته وخذلهم عن القبول { بكفرهم } وليس عدم قبولهم لخلل في قلوبهم { فقليلا ما يؤمنون } (ما) زائدة لتأكيد القلة أي إيمانهم قليل جدا.
[2.89]
{ ولما جاءهم كتب من عند الله مصدق لما معهم } من التوراة: هو القرآن { وكانوا من قبل } قبل مجيئه { يستفتحون } يستنصرون { على الذين كفروا } يقولون: اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث آخر الزمان { فلما جاءهم ما عرفوا } من الحق وهو بعثة النبي { كفروا به } حسدا وخوفا على الرياسة، وجواب( لما) الأولى دل عليه جواب لما الثانية { فلعنة الله على الكفرين }.
[2.90]
{ بئسما اشتروا } باعوا { به أنفسهم } أي حظها من الثواب، (وما) نكرة بمعنى (شيئا) تمييز لفاعل (بئس) والمخصوص بالذم { أن يكفروا } أي كفرهم { بما أنزل الله } من القرآن { بغيا } مفعول له( ليكفروا) أي: حسدا على { أن ينزل الله } بالتخفيف والتشديد { من فضله } الوحي { على من يشاء } للرسالة { من عباده فباءو } رجعوا { بغضب } من الله بكفرهم بما أنزل والتنكير للتعظيم { على غضب } استحقوه من قبل بتضييع التوراة والكفر بعيسى { وللكفرين عذاب مهين } ذو إهانة.
[2.91]
{ وإذا قيل لهم ءامنوا بما أنزل الله } القرآن وغيره { قالوا نؤمن بما أنزل علينا } أي التوراة قال تعالى: { ويكفرون } الواو للحال { بما وراءه } سواه أو بعده من القرآن { وهو الحق } حال { مصدقا } حال ثانية مؤكدة { لما معهم قل } لهم { فلم تقتلون } أي قتلتم { أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين } بالتوراة وقد نهيتم فيها عن قتلهم؟ والخطاب للموجودين في زمن نبينا بما فعل آباؤهم لرضاهم به.
[2.92]
{ ولقد جاءكم موسى بالبينت } بالمعجزات كالعصا واليد وفلق البحر { ثم اتخذتم العجل } إلها { من بعده } من بعد ذهابه إلى الميقات { وأنتم ظلمون } بإتخاذه.
[2.93]
{ وإذ أخذنا ميثقكم } على العمل بما في التوراة { و } قد { رفعنا فوقكم الطور } الجبل حين امتنعتم من قبولها ليسقط عليكم وقلنا { خذوا ما ءاتينكم بقوة } بجد واجتهاد { واسمعوا } ما تؤمرون به سماع قبول { قالوا سمعنا } قولك { وعصينا } أمرك { وأشربوا فى قلوبهم العجل } أي خالط حبه قلوبهم كما يخالط الشراب { بكفرهم قل } لهم { بئسما } شيئا { يأمركم به إيمنكم } بالتوراة من عبادة العجل { إن كنتم مؤمنين } بها كما زعمتم المعنى: لستم بمؤمنين لأن الإيمان لا يأمر بعبادة العجل، والمراد: آباؤهم أي فكذلك أنتم لستم بمؤمنين بالتوراة وقد كذبتم محمدا والإيمان بها لا يأمر بتكذيبه.
[2.94]
{ قل } لهم { إن كانت لكم الدار الأخرة } أي الجنة { عند الله خالصة } خاصة { من دون الناس } كما زعمتم { فتمنوا الموت إن كنتم صدقين } تعلق بتمنيه الشرطان على أن الأول قيد في الثاني أي إن صدقتم في زعمكم أنها لكم ومن كانت له يؤثرها والموصل إليها الموت فتمنوه.
[2.95]
{ ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم } من كفرهم بالنبي المستلزم لكذبهم { والله عليم بالظلمين } الكافرين فيجازيهم.
[2.96]
{ ولتجدنهم } لام قسم { أحرص الناس على حيوة و } أحرص { من الذين أشركوا } المنكرين للبعث عليها لعلمهم بأن مصيرهم النار دون المشركين لإنكارهم له { يود } يتمنى { أحدهم لو يعمر ألف سنة } (لو) مصدرية بمعنى (أن) وهي بصلتها في تأويل مصدر مفعول (يود) { وما هو } أي أحدهم { بمزحزحه } مبعده { من العذاب } النار { أن يعمر } فاعل مزحزحه أي تعميره { والله بصير بما يعملون } بالياء والتاء فيجازيهم. وسأل ابن صوريا النبي أو عمر عمن يأتي بالوحي من الملائكة فقال جبريل فقال هو عدونا يأتي بالعذاب ولو كان ميكائيل لآمنا لأنه يأتي بالخصب والسلم فنزل:
[2.97]
{ قل } لهم { من كان عدوا لجبريل } فليمت غيظا { فإنه نزله } أي القرآن { على قلبك بإذن } بأمر { الله مصدقا لما بين يديه } قبله من الكتب { وهدى } من الضلالة { وبشرى } بالجنة { للمؤمنين }.
[2.98]
{ من كان عدوا لله وملئكته ورسله وجبريل } بكسر الجيم وفتحها بلا همز[جبريل] وبه بياء جبرئيل ودونها[جبرئل] { وميكل } عطف على الملائكة من عطف الخاص على العام وفي قراءة (ميكائيل) بهمز وياء[ميكائل] وفي أخرى بلا ياء { فإن الله عدو للكفرين } أوقعه موقع (لهم) بيانا لحالهم.
[2.99]
{ ولقد أنزلنا إليك } يا محمد { آيات بينات } أي واضحات، حال. رد لقول ابن صوريا للنبي: ما جئتنا بشيء { وما يكفر بها إلا الفسقون }.
[2.100]
{ أ } كفروا بها { وكلما عهدوا } الله { عهدا } على الإيمان بالنبي إن خرج، أو النبي أن لا يعاونوا عليه المشركين { نبذه } طرحه { فريق منهم } بنقضه، جواب (كلما) وهو محل الاستفهام الإنكاري { بل } للانتقال { أكثرهم لا يؤمنون }.
[2.101]
{ ولما جاءهم رسول من عند الله } محمد صلى الله عليه وسلم { مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتب كتب الله } أي التوراة { وراء ظهورهم } أي لم يعملوا بما فيها من الإيمان بالرسول وغيره { كأنهم لا يعلمون } ما فيها من أنه نبي حق أو أنها كتاب الله.
[2.102]
{ واتبعوا } عطف على نبذ { ما تتلوا } أي تلت { الشيطين على } عهد { ملك سليمن } من السحر وكانت دفنته تحت كرسيه لما نزع ملكه أو كانت تسترق السمع وتضم إليه أكاذيب وتلقيه إلى الكهنة فيدونونه وفشا ذلك وشاع أن الجن تعلم الغيب فجمع سليمان الكتب ودفنها فلما مات دلت الشياطين عليها الناس فاستخرجوها فوجدوا فيها السحر فقالوا إنما ملككم بهذا فتعلموه ورفضوا كتب أنبيائهم. قال تعالى- تبرئة لسليمان وردا على اليهود في قولهم انظروا إلى محمد يذكر سليمان في الأنبياء وما كان إلا ساحرا-: { وما كفر سليمن } أي لم يعمل السحر لأنه كفر { ولكن } بالتشديد والتخفيف { الشيطين كفروا يعلمون الناس السحر } الجملة حال من ضمير (كفروا) { و } يعلمونهم { ما أنزل على الملكين } أي ألهماه من السحر وقرىء بكسر اللام الكائنين { ببابل } بلد في سواد العراق { هروت ومروت } بدل أو عطف بيان للملكين قال ابن عباس هما ساحران كانا يعلمان السحروقيل ملكان أنزلا لتعليمه ابتلاء من الله إلى الناس { وما يعلمان من } زائدة { أحد حتى يقولا } له نصحا { إنما نحن فتنة } بلية من الله إلى الناس ليمتحنهم بتعليمه فمن تعلمه كفر ومن تركه فهو مؤمن { فلا تكفر } بتعلمه فإن أبى إلا التعليم علماه { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } بأن يبغض كلا إلى الآخر { وما هم } أي السحرة { بضارين به } بالسحر { من } زائدة { أحد إلا بإذن الله } بإرادته { ويتعلمون ما يضرهم } في الآخرة { ولا ينفعهم } وهو السحر { ولقد } لام قسم { علموا } أي اليهود { لمن } لام ابتداء معلقة لما قبلها (ومن) موصولة { اشتراه } اختاره أو استبدله بكتاب الله { ما له فى الأخرة من خلق } نصيب في الجنة { ولبئس ما } شيئا { شروا } باعوا { به أنفسهم } أي الشارين: أي حظها من الآخرة إن تعلموه حيث أوجب لهم النار { لو كانوا يعلمون } حقيقة ما يصيرون إليه من العذاب ما تعلموه.
[2.103]
{ ولو أنهم } أي اليهود { ءامنوا } بالنبي والقرآن { واتقوا } عقاب الله بترك معاصيه كالسحر، وجواب( لو) محذوف: أي لأثيبوا دل عليه { لمثوبة } ثواب وهو مبتدأ واللام فيه للقسم { من عند الله خير } خبره مما شروا به أنفسهم { لو كانوا يعلمون } أنه خير لما آثروه عليه.
[2.104]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تقولوا } للنبي { رعنا } أمر من (المراعاة) وكانوا يقولون له ذلك وهي بلغة اليهود سب من (الرعونة) فسروا بذلك وخاطبوا بها النبي فنهي المؤمنون عنها { وقولوا } بدلها { انظرنا } أي انظر إلينا { واسمعوا } ما تؤمرون به سماع قبول { وللكفرين عذاب أليم } مؤلم هو النار.
[2.105]
{ ما يود الذين كفروا من أهل الكتب ولا المشركين } من العرب عطف على (أهل الكتاب)، (ومن) للبيان، { أن ينزل عليكم من } زائدة { خير } وحي { من ربكم } حسدا لكم { والله يختص برحمته } نبوته { من يشاء والله ذو الفضل العظيم }.
[2.106]
ولما طعن الكفار في النسخ وقالوا إن محمدا يأمر أصحابه اليوم بأمر وينهى عنه غدا نزل: { ما } شرطية { ننسخ من ءاية } أي: نزل حكمها إما مع لفظها أو لا وفي قراءة بضم النون من أنسخ أي نأمرك أو جبريل بنسخها { أو ننسها } نؤخرها فلانزل حكمها ونرفع تلاوتها أو نؤخرها في اللوح المحفوظ وفي قراءة بلا همز من النسيان: أي ننسكها،أي نمحها من قلبك، وجواب الشرط { نأت بخير منها } أنفع للعباد في السهولة أو كثرة الأجر { أو مثلها } في التكليف والثواب. { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } ومنه النسخ والتبديل والاستفهام للتقرير.
[2.107]
{ ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض } يفعل فيهما ما يشاء { وما لكم من دون الله } أي غيره { من } زائدة { ولي } يحفظكم { ولا نصير } يمنع عذابه عنكم إن أتاكم؟.
[2.108]
ونزل لما سأله أهل مكة أن يوسعها ويجعل الصفا ذهبا { أم } بل أ { تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى } أي سأله قومه { من قبل } من قولهم (أرنا الله جهرة ) وغير ذلك { ومن يتبدل الكفر بالإيمن } أي يأخذه بدله بترك النظر في الآيات البينات واقتراح غيرها { فقد ضل سواء السبيل } أخطأ الطريق الحق( والسواء) في الأصل الوسط.
[2.109]
{ ود كثير من أهل الكتب لو } مصدرية { يردونكم من بعد إيمنكم كفارا حسدا } مفعول له كائنا { من عند أنفسهم } أي حملتهم عليه أنفسهم الخبيثة { من بعد ما تبين لهم } في التوراة { الحق } في شأن النبي { فاعفوا } عنهم أي اتركوهم { واصفحوا } أعرضوا فلا تجازوهم { حتى يأتى الله بأمره } فيهم من القتال { إن الله على كل شىء قدير }.
[2.110]
{ وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة وما تقدموا لأنفسكم من خير } طاعة كصلة وصدقة { تجدوه } أي ثوابه { عند الله إن الله بما تعملون بصير } فيجازيكم به.
[2.111]
{ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا } جمع (هائد) { أو نصرى } قال ذلك يهود المدينة ونصارى نجران لما تناظروا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أي قال اليهود لن يدخلها إلا اليهود وقال النصارى لن يدخلها إلا النصارى { تلك } القولة { أمانيهم } شهواتهم الباطلة { قل } لهم { هاتوا برهنكم } حجتكم على ذلك { إن كنتم صدقين } فيه.
[2.112]
{ بلى } يدخل الجنة غيرهم { من أسلم وجهه لله } أي انقاد لأمره وخص الوجه لأنه أشرف الأعضاء فغيره أولى { وهو محسن } موحد { فله أجره عند ربه } أي ثواب عمله الجنة { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الآخرة.
[2.113]
{ وقالت اليهود ليست النصرى على شىء } معتد به وكفرت بعيسى { وقالت النصرى ليست اليهود على شىء } معتد به وكفرت بموسى { وهم } أي الفريقان { يتلون الكتب } المنزل عليهم وفي كتاب اليهود تصديق عيسى، وفي كتاب النصارى تصديق موسى والجملة حال { كذلك } كما قال هؤلاء { قال الذين لا يعلمون } أي المشركون من العرب وغيرهم { مثل قولهم } بيان لمعنى (ذلك) أي قالوا لكل ذي دين ليسوا على شيء { فالله يحكم بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون } من أمر الدين فيدخل المحق الجنة والمبطل النار.
[2.114]
{ ومن أظلم } أي لا أحد أظلم { ممن منع مسجد الله أن يذكر فيها اسمه } بالصلاة والتسبيح { وسعى فى خرابها } بالهدم أو التعطيل، نزلت إخبارا عن الروم الذين خربوا بيت المقدس أو في المشركين لما صدوا النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية عن البيت { أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين } خبر بمعنى الأمر أي أخيفوهم بالجهاد فلا يدخلها أحد آمنا { لهم فى الدنيا خزى } هوان بالقتل والسبي والجزية { ولهم فى الأخرة عذاب عظيم } هو النار.
[2.115]
ونزل لما طعن اليهود في نسخ القبلة أو في صلاة النافلة على الراحلة في السفر حيثما توجهت { ولله المشرق والمغرب } أي الأرض كلها لأنهما ناحيتاها { فأينما تولوا } وجوهكم في الصلاة بأمره { فثم } هناك { وجه الله } قبلته التي رضيها { إن الله وسع } يسع فضله كل شيء { عليم } بتدبير خلقه.
[2.116]
{ وقالوا } بواو ودونها أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله { اتخذ الله ولدا } قال تعالى: { سبحنه } تنزيها له عنه { بل له ما في السموات والأرض } ملكا وخلقا وعبيدا والملكية تنافي الولادة وعبر ب«ما» تغليبا لما لا يعقل { كل له قنتون } مطيعون كل بما يراد منه وفيه تغليب العاقل.
[2.117]
{ بديع السموات والأرض } موجدهما لا على مثال سبق { وإذا قضى } أراد { أمرا } أي إيجاده { فإنما يقول له كن فيكون } أي فهو يكون وفي قراءة بالنصب جوابا للأمر.
[2.118]
{ وقال الذين لا يعلمون } أي كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم { لولا } هلا { يكلمنا الله } بأنك رسوله { أو تأتينآ ءاية } مما اقترحناه على صدقك { كذلك } كما قال هؤلاء { قال الذين من قبلهم } من كفار الأمم الماضية لأنبيائهم { مثل قولهم } من التعنت وطلب الآيات { تشبهت قلوبهم } في الكفر والعناد، فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم { قد بينا الآيت لقوم يوقنون } يعلمون أنها آيات فيؤمنون فاقتراح آية معها تعنت.
[2.119]
{ إنا أرسلنك } يا محمد { بالحق } بالهدى { بشيرا } من أجاب إليه بالجنة { ونذيرا } من لم يجب إليه بالنار { ولا تسئل عن أصحب الجحيم } النار أي الكفار ما لهم لم يؤمنوا؟ إنما عليك البلاغ وفي قراءة[تسأل] بجزم( تسأل) نهيا.
[2.120]
{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصرى حتى تتبع ملتهم } دينهم { قل إن هدى الله } أي الإسلام { هو الهدى } وما عداه ضلال { ولئن } لام قسم { اتبعت أهواءهم } التي يدعونك إليها فرضا { بعد الذي جاءك من العلم } الوحي من الله { ما لك من الله من ولي } يحفظك { ولا نصير } يمنعك منه.
[2.121]
{ الذين ءاتينهم الكتب } مبتدأ { يتلونه حق تلاوته } أي يقرؤونه كما أنزل والجملة حال (وحق) نصب على المصدر والخبر { أولئك يؤمنون به } نزلت في جماعة قدموا من الحبشة وأسلموا { ومن يكفر به } أي بالكتاب المؤتى بأن يحرفه { فأولئك هم الخسرون } لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم.
[2.122]
{ يبنى إسرءيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العلمين } تقدم مثله.
[2.123]
{ واتقوا } خافوا { يوما لا تجزى } تغني { نفس عن نفس } فيه { شيئا ولا يقبل منها عدل } فداء { ولا تنفعها شفعة ولا هم ينصرون } يمنعون من عذاب الله.
[2.124]
{ و } اذكر { إذ ابتلى } اختبر { إبراهيم } وفي قراءة (إبراهام) { ربه بكلمت } بأوامر ونواه كلفه بها قيل هي مناسك الحج وقيل المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وفرق الرأس وقلم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان والاستنجاء { فأتمهن } أداهن تامات { قال } تعالى له: { إنى جعلك للناس إماما } قدوة في الدين { قال ومن ذريتى } أولادي اجعل أئمة { قال لا ينال عهدي } بالإمامة { الظلمين } الكافرين منهم دل على أنه ينال غير الظالم.
[2.125]
{ وإذ جعلنا البيت } الكعبة { مثابة للناس } مرجعا يثوبون إليه من كل جانب { وأمنا } مأمنا لهم من الظلم والإغارات الواقعة في غيره كان الرجل يلقى قاتل أبيه فيه فلا يهيجه { واتخذوا } أيها الناس { من مقام إبرهيم } هو الحجر الذي قام عليه عند بناء البيت { مصلى } مكان صلاة بأن تصلوا خلفه ركعتي الطواف، وفي قراءة(واتخذوا) بفتح الخاء خبر { وعهدنا إلى إبرهيم وإسمعيل } أمرناهما { أن } أي بأن { طهرا بيتى } من الأوثان { للطائفين والعكفين } المقيمين فيه { والركع السجود } جمع راكع وساجد المصلين.
[2.126]
{ وإذ قال إبرهيم رب اجعل هذا } المكان { بلدا آمنا } ذا أمن وقد أجاب الله دعاءه فجعله حرما لا يسفك فيه دم إنسان ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه { وارزق أهله من الثمرت } وقد فعل بنقل (الطائف) من الشام إليه وكان أقفر لا زرع فيه ولا ماء { من ءامن منهم بالله واليوم الآخر } بدل من (أهله)، وخصهم بالدعاء لهم موافقة لقوله: (لا ينال عهدي الظالمين ) { قال } تعالى { و } أرزق { من كفر فأمتعه } بالتشديد والتخفيف[فأمتعه] في الدنيا بالرزق { قليلا } مدة حياته { ثم أضطره } ألجئه في الآخرة { إلى عذاب النار } فلا يجد عنها محيصا { وبئس المصير } المرجع هي.
[2.127]
{ و } اذكر { إذ يرفع إبرهيم القواعد } الأسس أو الجدر { من البيت } يبنيه، متعلق(بيرفع) { وإسمعيل } عطف على (إبراهيم) يقولان { ربنا تقبل منا } بناءنا { إنك أنت السميع } للقول { العليم } بالفعل.
[2.128]
{ ربنا واجعلنا مسلمين } منقادين { لك } اجعل { من ذريتنا } أولادنا { أمة } جماعة { مسلمة لك } (ومن) للتبعيض وأتى به لتقدم قوله ( لا ينال عهدي الظالمين) { وأرنا } علمنا { مناسكنا } شرائع عبادتنا أو حجنا { وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم } سألاه التوبة مع عصمتهما تواضعا وتعليما لذريتهما.
[2.129]
{ ربنا وابعث فيهم } أي أهل البيت { رسولا منهم } من أنفسهم وقد أجاب الله دعاءه بمحمد صلى الله عليه وسلم { يتلوا عليهم ءايتك } القرآن { ويعلمهم الكتب } القرآن { والحكمة } أي ما فيه من الأحكام { ويزكيهم } يطهرهم من الشرك { إنك أنت العزيز } الغالب { الحكيم } في صنعه.
[2.130]
{ ومن } أي لا { يرغب عن ملة إبرهيم } فيتركها { إلا من سفه نفسه } جهل نفسه أنها مخلوقة لله يجب عليها عبادته أو استخف بها وامتهنها { ولقد اصطفينه } اخترناه { فى الدنيا } بالرسالة والخلة { وإنه فى الأخرة لمن الصلحين } الذين لهم الدرجات العلى.
[2.131]
واذكر { إذ قال له ربه أسلم } انقد لله وأخلص له دينك { قال أسلمت لرب العلمين }.
[2.132]
{ ووصى } وفي قراءة (أوصى) { بها } بالملة { إبرهيم بنيه ويعقوب } بنيه قال { يبنى إن الله اصطفى لكم الدين } دين الإسلام { فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } نهي عن ترك الإسلام وأمر بالثبات عليه إلى مصادفة الموت.
[2.133]
ولما قال اليهود للنبي ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية نزل: { أم كنتم شهداء } حضورا { إذ حضر يعقوب الموت إذ } بدل من (إذ) قبله { قال لبنيه ما تعبدون من بعدى } بعد موتي؟ { قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبرهيم وإسمعيل وإسحق } عد إسماعيل من الآباء تغليب ولأن العم بمنزلة الأب { إلها وحدا } بدل من (إلهك) { ونحن له مسلمون } و(أم) بمعنى همزة الإنكار أي لم تحضروه وقت موته فكيف تنسبون إليه ما لا يليق به.
[2.134]
{ تلك } مبتدأ والإشارة إلى إبراهيم ويعقوب وبنيهما وأنث لتأنيث خبره { أمة قد خلت } سلفت { لها ما كسبت } من العمل أي جزاؤه و استئناف { ولكم } الخطاب لليهود { ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون } كما لا يسألون عن عملكم والجملة تأكيد لما قبلها.
[2.135]
{ وقالوا كونوا هودا أو نصرى تهتدوا } (أو) للتفصيل وقائل الأول( يهود المدينة) والثاني( نصارى نجران) { قل } لهم { بل } نتبع { ملة إبرهيم حنيفا } حال من (إبراهيم) مائلا عن الأديان كلها إلى الدين القيم { وما كان من المشركين }.
[2.136]
{ قولوا } خطاب للمؤمنين { ءامنا بالله وما أنزل إلينا } من القرآن { وما أنزل إلى إبرهيم } من الصحف العشر { وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط } أولاده { وما أوتى موسى } من التوراة { وعيسى } من الإنجيل { وما أوتي النبيون من ربهم } من الكتب والآيات { لا نفرق بين أحد منهم } فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كاليهود والنصارى { ونحن له مسلمون }.
[2.137]
{ فإن ءامنوا } أي اليهود والنصارى { بمثل } (مثل ) زائدة { ما ءامنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا } عن الإيمان به { فإنما هم فى شقاق } خلاف معكم { فسيكفيكهم الله } يا محمد شقاقهم { وهو السميع } لأقوالهم { العليم } بأحوالهم، وقد كفاه إياهم بقتل قريظة ونفي النضير وضرب الجزية عليهم.
[2.138]
{ صبغة الله } مصدر مؤكد ل(آمنا) ونصبه بفعل مقدر أي صبغنا الله، والمراد بها دينه الذي فطر الناس عليه لظهور أثره على صاحبه كالصبغ في الثوب { ومن } أي لا أحد { أحسن من الله صبغة } تمييز { ونحن له عبدون } قال اليهود للمسلمين نحن أهل الكتاب الأول وقبلتنا أقدم ولم تكن الأنبياء من العرب ولو كان محمد نبيا، لكان منا فنزل:
[2.139]
{ قل } لهم { أتحاجوننا } تخاصموننا { فى الله } أن اصطفى نبيا من العرب { وهو ربنا وربكم } فله أن يصطفي من عباده من يشاء { ولنا أعملنا } نجازى بها { ولكم أعملكم } تجازون بها فلا يبعد أن يكون في أعمالنا ما نستحق به الإكرام { ونحن له مخلصون } الدين والعمل دونكم فنحن أولى بالاصطفاء والهمزة للإنكار والجمل الثلاث أحوال.
[2.140]
{ أم } بل أ { تقولون } بالتاء والياء { إن إبرهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل } لهم { ءأنتم أعلم أم الله } أي الله أعلم وقد برأ منهما إبراهيم بقوله:
ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا
[67:3] والمذكورون معه تبع له { ومن أظلم ممن كتم } أخفى عن الناس { شهدة عنده } كائنة { من الله }؟ أي لا أحد أظلم منه وهم اليهود كتموا شهادة الله في التوراة لإبراهيم بالحنيفية { وما الله بغفل عما تعملون } تهديد لهم.
[2.141]
{ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون } تقدم مثله.
[2.142]
{ سيقول السفهاء } الجهال { من الناس } اليهود والمشركين { ما ولهم } أي شيء صرف النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين { عن قبلتهم التى كانوا عليها } على استقبالها في الصلاة وهي بيت المقدس؟ والإتيان بالسين الدالة على الاستقبال من الإخبار بالغيب { قل لله المشرق والمغرب } أي الجهات كلها فيأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء لا اعتراض عليه { يهدى من يشآء } هدايته { إلى صرط } طريق { مستقيم } دين الإسلام أي ومنهم أنتم دل على هذا.
[2.143]
{ وكذلك } كما هديناكم إليه { جعلنكم } يا أمة محمد { أمة وسطا } خيارا عدولا { لتكونوا شهداء على الناس } يوم القيامة أن رسلهم بلغتهم { ويكون الرسول عليكم شهيدا } أنه بلغكم { وما جعلنا } صيرنا { القبلة } لك الآن الجهة { التى كنت عليها } أولا وهي الكعبة وكان صلى الله عليه وسلم يصلي إليها فلما هاجر أمر باستقبال بيت المقدس تألفا لليهود فصلى إليه ستة أو سبعة عشر شهرا ثم حول { إلا لنعلم } علم ظهور { من يتبع الرسول } فيصدقه { ممن ينقلب على عقبيه } أي يرجع إلى الكفر شكا في الدين وظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم في حيرة من أمره وقد ارتد لذلك جماعة { وإن } مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي: وإنها { كانت } أي التولية إليها { لكبيرة } شاقة على الناس { إلا على الذين هدى الله } منهم { وما كان الله ليضيع إيمنكم } أي صلاتكم إلى بيت المقدس بل يثيبكم عليه لأن سبب نزولها السؤال عمن مات قبل التحويل { إن الله بالناس } المؤمنين { لرؤوف رحيم } في عدم إضاعة أعمالهم و(الرأفة) شدة الرحمة وقدم الأبلغ للفاصلة.
[2.144]
{ قد } للتحقيق { نرى تقلب } تصرف { وجهك في } جهة { السماء } متطلعا إلى الوحي ومتشوقا للأمر باستقبال الكعبة وكان يود ذلك لأنها قبلة إبراهيم ولأنه أدعى إلى إسلام العرب { فلنولينك } نحولنك { قبلة ترضها } تحبها { فول وجهك } استقبل في الصلاة { شطر } نحو { المسجد الحرام } أي الكعبة { وحيث ما كنتم } خطاب للأمة { فولوا وجوهكم } في الصلاة { شطره وإن الذين أوتوا الكتب ليعلمون أنه } أي التولي إلى الكعبة { الحق } الثابت { من ربهم } لما في كتبهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يتحول إليها { وما الله بغفل عما يعملون } بالتاء أيها المؤمنون من امتثال أمره وبالياء أي اليهود من إنكار أمر القبلة.
[2.145]
{ ولئن } لام قسم { أتيت الذين أوتوا الكتب بكل ءاية } على صدقك في أمر القبلة { ما تبعوا } أي لايتبعون { قبلتك } عنادا { وما أنت بتابع قبلتهم } قطع لطمعه في إسلامهم وطمعهم في عوده إليها { وما بعضهم بتابع قبلة بعض } أي اليهود قبلة النصارى وبالعكس { ولئن اتبعت أهواءهم } التي يدعونك إليها { من بعد ما جاءك من العلم } الوحي { إنك إذا } إن اتبعتهم فرضا { لمن الظلمين }.
[2.146]
{ الذين آتينهم الكتب يعرفونه } أي محمدا { كما يعرفون أبناءهم } بنعته في كتبهم قال ابن سلام: (لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ومعرفتي لمحمد أشد) { وإن فريقا منهم ليكتمون الحق } نعته { وهم يعلمون } هذا الذي أنت عليه.
[2.147]
{ الحق } كائن { من ربك فلا تكونن من الممترين } الشاكين فيه أي من هذا النوع فهو أبلغ من (لا تمتر).
[2.148]
{ ولكل } من الأمم { وجهة } قبلة { هو موليها } وجهه في صلاته وفي قراءة (مولاها ) { فاستبقوا الخيرات } بادروا إلى الطاعات وقبولها { أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا } يجمعكم يوم القيامة فيجازيكم بأعمالكم { إن الله على كل شىء قدير }.
[2.149]
{ ومن حيث خرجت } لسفر { فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغفل عما تعملون } بالتاء والياء تقدم مثله وكرره لبيان تساوي حكم السفر وغيره.
[2.150]
{ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } كرره للتأكيد { لئلا يكون للناس } اليهود أو المشركين { عليكم حجة } أي مجادلة في التولي إلى غيره أي لتنتفي مجادلتهم لكم من قول اليهود يجحد ديننا ويتبع قبلتنا وقول المشركين يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته { إلا الذين ظلموا منهم } بالعناد فإنهم يقولون ما تحول إليها إلا ميلا إلى دين آبائه والاستثناء متصل والمعنى: لا يكون لأحد عليكم كلام إلا كلام هؤلاء { فلا تخشوهم } تخافوا جدالهم في التولي إليها { واخشونى } بامتثال أمري { ولأتم } عطف على (لئلا يكون) { نعمتى عليكم } بالهداية إلى معالم دينكم { ولعلكم تهتدون } إلى الحق.
[2.151]
{ كما أرسلنا } متعلق (بأتم)، أي إتماما كإتمامها بإرسالنا { فيكم رسولا منكم } محمدا صلى الله عليه وسلم { يتلوا عليكم ءايتنا } القرآن { ويزكيكم } يطهركم من الشرك { ويعلمكم الكتب } القرآن { والحكمة } ما فيه من الأحكام { ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون }.
[2.152]
{ فاذكرونى } بالصلاة والتسبيح ونحوه { أذكركم } قيل معناه (أجازيكم) وفي الحديث عن الله
" من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه "
{ واشكروا لي } نعمتي بالطاعة { ولا تكفرون } بالمعصية.
[2.153]
{ يأيها الذين ءامنوا استعينوا } على الآخرة { بالصبر } على الطاعة والبلاء { والصلوة } خصها بالذكر لتكررها وعظمها { إن الله مع الصبرين } بالعون.
[2.154]
{ ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله } هم { أموات بل } هم { أحياء } أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت لحديث بذلك { ولكن لا تشعرون } تعلمون ما هم فيه.
[2.155]
{ ولنبلونكم بشيء من الخوف } للعدو { والجوع } القحط { ونقص من الأموال } بالهلاك { والأنفس } بالقتل والموت والأمراض { والثمرت } بالحوائج أي لنختبرنكم فننظر أتصبرون أم لا؟ { وبشر الصبرين } على البلاء بالجنة.
[2.156]
هم { الذين إذا أصبتهم مصيبة } بلاء { قالوا إنا لله } ملكا وعبيدا يفعل بنا ما يشاء { وإنا إليه رجعون } في الآخرة فيجازينا وفي الحديث
" من استرجع عند المصيبة آجره الله فيها وأخلف الله عليه خيرا "
وفيه: أن مصباح النبي صلى الله عليه وسلم طفىء فاسترجع فقالت عائشة إنما هذا مصباح فقال
" كل ما ساء المؤمن فهو مصيبة "
رواه أبو داود في مراسيله.
[2.157]
{ أولئك عليهم صلوت } مغفرة { من ربهم ورحمة } نعمة { وأولئك هم المهتدون } إلى الصواب.
[2.158]
{ إن الصفا والمروة } جبلان بمكة { من شعائر الله } أعلام دينه جمع (شعيرة) { فمن حج البيت أو اعتمر } أي تلبس بالحج أو العمرة وأصلهما القصد والزيارة { فلا جناح } إثم عليه { أن يطوف } فيه إدغام التاء في الأصل في الطاء { بهما } بأن يسعى بينهما سبعا، نزلت لما كره المسلمون ذلك لأن أهل الجاهلية كانوا يطوفون بهما وعليهما صنمان يمسحونهما، وعن ابن عباس أن السعي غير فرض لما أفاده رفع الإثم من التخيير وقال الشافعي وغيره: ركن وبين صلى الله عليه وسلم فريضته بقوله
" إن الله كتب عليكم السعي "
رواه البيهقي وغيره وقال:
" ابدأوا بما بدأ الله به "
يعني الصفا رواه مسلم { ومن تطوع } في قراءة (من تطوع) بالتحتية وتشديد الطاء مجزوما وفيه إدغام التاء فيها { خيرا } أي بخير أي عمل ما لم يجب عليه من طواف وغيره { فإن الله شاكر } لعمله بالإثابة عليه { عليم } به.
[2.159]
ونزل في اليهود { إن الذين يكتمون } الناس { مآ أنزلنا من البينت والهدى } كآية الرجم ونعت محمد صلى الله عليه وسلم { من بعد ما بينه للناس في الكتب } التوراة { أولئك يلعنهم الله } يبعدهم من رحمته { ويلعنهم اللعنون } الملائكة والمؤمنون أو كل شيء بالدعاء عليهم باللعنة.
[2.160]
{ إلا الذين تابوا } رجعوا عن ذلك { وأصلحوا } عملهم { وبينوا } ما كتموا { فأولئك أتوب عليهم } أقبل توبتهم { وأنا التواب الرحيم } بالمؤمنين.
[2.161]
{ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار } حال { أولئك عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين } أي هم مستحقون ذلك في الدنيا والآخرة، (والناس) قيل: عام وقيل: المؤمنون.
[2.162]
{ خلدين فيها } أي اللعنة أو النار المدلول بها عليها { لا يخفف عنهم العذاب } طرفة عين { ولا هم ينظرون } يمهلون لتوبة أو معذرة.
[2.163]
ونزل لما قالوا صف لنا ربك: { وإلهكم } المستحق للعبادة منكم { إله وحد } لا نظير له في ذاته ولا في صفاته { لا إله إلا هو } هو { الرحمن الرحيم }.
[2.164]
{ إن في خلق السموات والأرض } وما فيهما من العجائب { واختلف اليل والنهار } بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان { والفلك } السفن { التى تجرى فى البحر } ولا ترسب موقرة { بما ينفع الناس } من التجارات والحمل { وما أنزل الله من السماء من ماء } مطر { فأحيا به الأرض } بالنبات { بعد موتها } يبسها { وبث } فرق ونشر به { فيها من كل دابة } لأنهم ينمون بالخصب الكائن عنه { وتصريف الرياح } تقليبها جنوبا وشمالا حارة وباردة { والسحاب } الغيم { المسخر } المذلل بأمر الله تعالى يسير إلى حيث شاء الله { بين السماء والأرض } بلا علاقة { لأيت } دلالات على وحدانيته تعالى { لقوم يعقلون } يتدبرون.
[2.165]
{ ومن الناس من يتخذ من دون الله } أي غيره { أندادا } أصناما { يحبونهم } بالتعظيم والخضوع { كحب الله } أي كحبهم له { والذين ءامنوا أشد حبا لله } من حبهم للأنداد لأنهم لا يعدلون عنه بحال ما،والكفار يعدلون في الشدة إلى الله { ولو يرى } بالياء والتاء تبصر يا محمد { الذين ظلموا } باتخاذ الأنداد { إذ يرون } بالبناء للفاعل والمفعول يبصرون { العذاب } لرأيت أمرا عظيما (وإذ) بمعنى (إذا ) { أن } أي لأن { القوة } القدرة والغلبة { لله جميعا } حال { وأن الله شديد العذاب } وفي قراءة يرى بالتحتانية والفاعل قيل: ضمير السامع وقيل( الذين ظلموا) فهي بمعنى يعلم وأن وما بعدها سدت مسد المفعولين وجواب (لو) محذوف والمعنى لو علموا في الدنيا شدة عذاب الله وأن القدرة لله وحده وقت معاينتهم له وهو يوم القيامة لما اتخذوا من دونه أندادا.
[2.166]
{ إذ } بدل من (إذ) قبله { تبرأ الذين اتبعوا } أي الرؤساء { من الذين اتبعوا } أي أنكروا إضلالهم { و } قد { رأوا العذاب وتقطعت } عطف على (تبرأ) { بهم } عنهم { الاسباب } الوصل التي كانت بينهم في الدنيا من الأرحام والمودة.
[2.167]
{ وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة } رجعة إلى الدنيا { فنتبرأ منهم } أي المتبوعين { كما تبرءوا منا } اليوم و(لو) للتمني و(نتبرأ) جوابه { كذلك } أي كما أراهم شدة عذابه وتبرؤ بعضهم من بعض { يريهم الله أعملهم } السيئة { حسرت } حال ندامات { عليهم وما هم بخرجين من النار } بعد دخولها.
[2.168]
ونزل فيمن حرم السوائب ونحوها: { يأيها الناس كلوا مما فى الأرض حللا } حال { طيبا } صفة مؤكدة أي مستلذا { ولا تتبعوا خطوت } طرق { الشيطن } أي تزيينه { إنه لكم عدو مبين } بين العداوة.
[2.169]
{ إنما يأمركم بالسوء } الإثم { والفحشاء } القبيح شرعا { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } من تحريم ما لم يحرم وغيره.
[2.170]
{ وإذا قيل لهم } أي الكفار { اتبعوا ما أنزل الله } من التوحيد وتحليل الطيبات { قالوا } لا { بل نتبع ما ألفينا } وجدنا { عليه ءاباءنا } من عبادة الأصنام وتحريم السوائب والبحائر قال تعالى: { أ } يتبعونهم { ولو كان ءابآؤهم لا يعقلون شيئا } من أمر الدين { ولا يهتدون } إلى الحق والهمزة للإنكار.
[2.171]
{ ومثل } صفة { الذين كفروا } ومن يدعوهم إلى الهدى { كمثل الذى ينعق } يصوت { بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } أي صوتا ولا يفهم معناه أي هم في سماع الموعظة وعدم تدبرها كالبهائم تسمع صوت راعيها ولا تفهمه هم { صم بكم عمى فهم لا يعقلون } الموعظة.
[2.172]
{ يأيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات } حلالات { ما رزقنكم واشكروا لله } على ما أحل لكم { إن كنتم إياه تعبدون }.
[2.173]
{ إنما حرم عليكم الميتة } أي أكلها إذ الكلام فيه وكذا ما بعدها وهي ما لم يذك شرعا وألحق بها بالسنة ما أبين من حي وخص منها السمك والجراد { والدم } أي المسفوح كما في (الأنعام)[6: 145] { ولحم الخنزير } خص اللحم لأنه معظم المقصود وغيره تبع له { وما أهل به لغير الله } أي ذبح على اسم غيره (والإهلال) رفع الصوت وكانوا يرفعونه عند الذبح لآلهتهم { فمن اضطر } أي ألجأته الضرورة إلى أكل شيء مما ذكر فأكله { غير باغ } خارج على المسلمين { ولا عاد } متعد عليهم بقطع الطريق { فلا إثم عليه } في أكله { أن الله غفور } لأوليائه { رحيم } بأهل طاعته حيث وسع لهم في ذلك وخرج الباغي والعادي ويلحق بهما كل عاص بسفره كالآبق والمكاس فلا يحل لهم أكل شيء من ذلك ما لم يتوبوا وعليه الشافعي.
[2.174]
{ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتب } المشتمل على نعت محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود { ويشترون به ثمنا قليلا } من الدنيا يأخذونه بدله من سفلتهم فلا يظهرونه خوف فوته عليهم { أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار } لأنها مآلهم { ولا يكلمهم الله يوم القيمة } غضبا عليهم { ولا يزكيهم } يطهرهم من دنس الذنوب { ولهم عذاب أليم } مؤلم هو النار.
[2.175]
{ أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى } أخذوها بدله في الدنيا { والعذاب بالمغفرة } المعدة لهم في الآخرة لو لم يكتموا { فما أصبرهم على النار } أي ما أشد صبرهم وهو تعجب للمؤمنين من ارتكابهم موجباتها من غير مبالاة وإلا فأي صبر لهم؟
[2.176]
{ ذلك } الذي ذكر من أكلهم النار وما بعده { بأن } بسبب أن { الله نزل الكتب بالحق } متعلق (بنزل) فاختلفوا فيه حيث آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه بكتمه { وإن الذين اختلفوا فى الكتب } بذلك وهم اليهود وقيل المشركون في القرآن حيث قال بعضهم شعر وبعضهم سحر وبعضهم كهانة { لفى شقاق } خلاف { بعيد } عن الحق.
[2.177]
{ ليس البر أن تولوا وجوهكم } في الصلاة { قبل المشرق والمغرب } نزل ردا على اليهود والنصارى حيث زعموا ذلك { ولكن البر } أي ذا البر وقرىء بفتح الباء أي البار { من ءامن بالله واليوم الآخر والملئكة والكتب } أي الكتب { والنبيين وءاتى المال على } مع { حبه } له { ذوى القربى } القرابة { واليتمى والمسكين وابن السبيل } المسافر { والسائلين } الطالبين { وفى } فك { الرقاب } المكاتبين والأسرى { وأقامالصلوة وءاتى الزكوة } المفروضة وما قبله في التطوع { والموفون بعهدهم إذا عهدوا } الله أو الناس { والصبرين } نصب على المدح { فى البأساء } شدة الفقر { والضراء } المرض { وحين البأس } وقت شدة القتال في سبيل الله { أولئك } الموصوفون بما ذكر { الذين صدقوا } في إيمانهم أو ادعاء البر { وأولئك هم المتقون } الله.
[2.178]
{ يأيها الذين ءامنوا كتب } فرض { عليكم القصاص } المماثلة { في القتلى } وصفا وفعلا { الحر } يقتل { بالحر } ولا يقتل بالعبد { والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } وبينت السنة أن الذكر يقتل بها وأنه تعتبر المماثلة في الدين فلا يقتل مسلم ولو عبدا بكافر ولو حرا { فمن عفى له } من القاتلين { من } دم { أخيه } المقتول { شىء } بأن ترك القصاص منه وتنكير (شيء) يفيد سقوط القصاص بالعفو عن بعضه ومن بعض الورثة وفي ذكر( أخيه) تعطف داع إلى العفو وإيذان بأن القتل لا يقطع أخوة الإيمان (ومن) مبتدأ شرطية أو موصولة والخبر { فاتباع } أي فعلى العافي اتباع للقاتل { بالمعروف } بأن يطالبه بالدية بلا عنف وترتيب الاتباع على العفو يفيد أن الواجب أحدهما وهو أحد قولي الشافعي والثاني الواجب القصاص والدية بدل عنه فلو عفا ولم يسمها فلا شيء ورجح { و } على القاتل { أداء } للدية { إليه } أي العافي وهو الوارث { بإحسن } بلا مطل ولا بخس { ذلك } الحكم المذكور من جواز القصاص والعفو عنه على الدية { تخفيف } تسهيل { من ربكم } عليكم { ورحمة } بكم حيث وسع في ذلك ولم يحتم واحدا منهما كما حتم على اليهود القصاص وعلى النصارى الدية { فمن اعتدى } ظلم القاتل بأن قتله { بعد ذلك } أي العفو { فله عذاب أليم } مؤلم في الآخرة بالنار أو في الدنيا بالقتل.
[2.179]
{ ولكم في القصاص حيوة } أي بقاء عظيم { يأولي الألبب } ذوي العقول لأن القاتل إذا علم أنه يقتل ارتدع فأحيا نفسه ومن أراد قتله فشرع { لعلكم تتقون } القتل لمخافة القود.
[2.180]
{ كتب } فرض { عليكم إذا حضر أحدكم الموت } أي أسبابه { إن ترك خيرا } مالا { الوصية } مرفوع (بكتب) ومتعلق (بإذا) إن كانت ظرفية ودال على جوابها إن كانت شرطية وجواب (إن) أي: فليوص { للولدين والأقربين بالمعروف } بالعدل بأن لا يزيد على الثلث ولا يفضل الغني { حقا } مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله { على المتقين } الله وهذا منسوخ بآية الميراث وبحديث
" لا وصية لوارث "
رواه الترمذي.
[2.181]
{ فمن بدله } أي الإيصاء من شاهد ووصي { بعدما سمعه } علمه { فإنما إثمه } أي الإيصاء المبدل { على الذين يبدلونه } فيه إقامة الظاهر مقام المضمر { إن الله سميع } لقول الموصي { عليم } بفعل الوصي فمجاز عليه.
[2.182]
{ فمن خاف من موص } مخففا ومثقلا[موصى] { جنفا } ميلا عن الحق خطأ { أو إثما } بأن تعمد ذلك بالزيادة على الثلث أو تخصيص غني مثلا { فأصلح بينهم } بين الموصي والموصى له بالأمر بالعدل { فلا إثم عليه } في ذلك { إن الله غفور رحيم }.
[2.183]
{ يأيها الذين ءامنوا كتب } فرض { عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } من الأمم { لعلكم تتقون } المعاصي فإنه يكسر الشهوة التي هي مبدؤها.
[2.184]
{ أياما } نصب بالصيام أو ب(صوموا) مقدرا { معدودت } أي قلائل أو مؤقتات بعدد معلوم وهي رمضان كما سيأتي وقلله تسهيلا على المكلفين { فمن كان منكم } حين شهوده { مريضا أو على سفر } أي مسافرا سفر القصر وأجهده الصوم في الحالين فأفطر { فعدة } فعليه عدة ما أفطر { من أيام أخر } يصومها بدله { وعلى الذين } لا { يطيقونه } لكبر أو مرض لا يرجى برؤه { فدية } هي { طعام مسكن } أي قدر ما يأكله في يومه وهو مد من غالب قوت البلد لكل يوم، وفي قراءة[فدية طعام مسكين] بإضافة (فدية) وهي للبيان وقيل «لا» غير مقدرة وكانوا مخيرين في صدر الإسلام بين الصوم والفدية ثم نسخ بتعيين الصوم بقوله(فمن شهد منكم الشهر فليصمه) قال ابن عباس: إلا الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على الولد فإنها باقية بلا نسخ في حقهما { فمن تطوع خيرا } بالزيادة على القدر المذكور في الفدية { فهو } أي التطوع { خير له وأن تصوموا } مبتدأ و خبره { خير لكم } من الإفطار والفدية { إن كنتم تعلمون } أنه خير لكم فافعلوه تلك الأيام.
[2.185]
{ شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن } من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، منه { هدى } حال هاديا من الضلالة { للناس وبينت } آيات واضحات { من الهدى } مما يهدي إلى الحق من الأحكام { و } من { الفرقان } مما يفرق بين الحق والباطل { فمن شهد } حضر { منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } تقدم مثله وكرر لئلا يتوهم نسخه بتعميم (من شهد) { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ولذا أباح لكم الفطر في المرض والسفر ولكون ذلك في معنى العلة أيضا للأمر بالصوم عطف عليه { ولتكملوا } بالتخفيف والتشديد [ولتكملوا] { العدة } أي عدة صوم رمضان { ولتكبروا الله } عند إكمالها { على ما هدكم } أرشدكم لمعالم دينه { ولعلكم تشكرون } الله على ذلك.
[2.186]
وسأل جماعة النبي صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزل: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } منهم بعلمي فأخبرهم بذلك { أجيب دعوة الداع إذا دعان } بإنالته ما سأل { فليستجيبوا لى } دعائي بالطاعة { وليؤمنوا } يداوموا على الإيمان { بى لعلهم يرشدون } يهتدون.
[2.187]
{ أحل لكم ليلة الصيام الرفث } بمعنى الإفضاء { إلى نسائكم } بالجماع، نزل نسخا لما كان في صدر الإسلام من تحريمه وتحريم الأكل والشرب بعد العشاء { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } كناية عن تعانقهما أو احتياج كل منهما إلى صاحبه { علم الله أنكم كنتم تختانون } تخونون { أنفسكم } بالجماع ليلة الصيام وقع ذلك لعمر وغيره واعتذروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم { فتاب عليكم } قبل توبتكم { وعفا عنكم فالئن } إذ أحل لكم { بشروهن } جامعوهن { وابتغوا } اطلبوا { ما كتب الله لكم } أي أباحه من الجماع أو قدره من الولد { وكلوا واشربوا } الليل كله { حتى يتبين } يظهر { لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } أي الصادق بيان للخيط الأبيض وبيان الأسود محذوف أي من الليل شبه ما يبدو من البياض وما يمتد معه من الغبش بخيطين أبيض وأسود في الامتداد { ثم أتموا الصيام } من الفجر { إلىاليل } أي إلى دخوله بغروب الشمس { ولا تبشروهن } أي نساءكم { وأنتم عكفون } مقيمون بنية الاعتكاف { في المسجد } متعلق (بعاكفون) نهي لمن كان يخرج وهو معتكف فيجامع امرأته ويعود { تلك } الأحكام المذكورة { حدود الله } حدها لعباده ليقفوا عندها { فلا تقربوها } أبلغ من «لا تعتدوها» المعبر به في آية أخرى { كذلك } كما بين لكم ما ذكر { يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون } محارمه.
[2.188]
{ ولا تأكلوا أمولكم بينكم } أي يأكل بعضكم مال بعض { بالبطل } الحرام شرعا كالسرقة والغصب { و } لا { تدلوا } تلقوا { بها } أي بحكومتها أو بالأموال رشوة { إلى الحكام لتأكلوا } بالتحاكم { فريقا } طائفة { من أموال الناس } متلبسين { بالإثم وأنتم تعلمون } أنكم مبطلون.
[2.189]
{ يسألونك } يا محمد { عن الأهلة } جمع (هلال) لم تبدو دقيقة ثم تزيد حتى تمتلىء نورا ثم تعود كما بدت ولا تكون على حالة واحدة كالشمس؟ { قل } لهم { هى مواقيت } جمع (ميقات) { للناس } يعلمون بها أوقات زرعهم ومتاجرهم وعدد نسائهم وصيامهم وإفطارهم { والحج } عطف على (الناس) أي يعلم بها وقته فلو استمرت على حالة لم يعرف ذلك { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } في الإحرام بأن تنقبوا فيها نقبا تدخلون منه وتخرجون وتتركوا الباب وكانوا يفعلون ذلك ويزعمونه برا { ولكن البر } أي ذا البر { من اتقى } الله بترك مخالفته { وأتوا البيوت من أبوبها } في الإحرام كغيره { واتقوا الله لعلكم تفلحون } تفوزون.
[2.190]
ولما صد صلى الله عليه وسلم عن البيت عام الحديبية وصالح الكفار على أن يعود العام القابل ويخلوا له مكة ثلاثة أيام وتجهز لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي قريش ويقاتلوهم وكره المسلمون قتالهم في الحرم والإحرام والشهر الحرام نزل: { وقتلوا في سبيل الله } أي لإعلاء دينه { الذين يقتلونكم } الكفار { ولا تعتدوا } عليهم بالابتداء بالقتال { إن الله لا يحب المعتدين } المتجاوزين ما حد لهم وهذا منسوخ بآية (براءة)وبقوله:
[2.191]
{ واقتلوهم حيث ثقفتموهم } وجدتموهم { وأخرجوهم من حيث أخرجوكم } أي من مكة وقد فعل بهم ذلك عام الفتح { والفتنة } الشرك منهم { أشد } أعظم { من القتل } لهم في الحرم أو الإحرام الذي استعظمتموه { ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام } أي في الحرم { حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم } فيه { فاقتلوهم } ، فيه وفي قراءة بلا ألف في الأفعال الثلاثة[ولا تقتلوهم،حتى يقتلوكم، فإن قتلوكم] { كذلك } القتل والإخراج { جزاء الكفرين }.
[2.192]
{ فإن انتهوا } عن الكفر وأسلموا { فإن الله غفور } لهم { رحيم } بهم.
[2.193]
{ وقتلوهم حتى لا تكون } توجد { فتنة } شرك { ويكون الدين } العبادة { لله } وحده لا يعبد سواه، { فإن انتهوا } عن الشرك فلا تعتدوا عليهم دل على هذا { فلا عدون } اعتداء بقتل أو غيره { إلا على الظلمين } ومن انتهى فليس بظالم فلا عدوان عليه.
[2.194]
{ الشهر الحرام } المحرم مقابل { بالشهر الحرام } فكما قاتلوكم فيه فاقتلوهم في مثله رد لاستعظام المسلمين ذلك { والحرمت } جمع (حرمة) ما يجب احترامه { قصاص } أي يقتص بمثلها إذا انتهكت { فمن اعتدى عليكم } بالقتال في الحرم أو الإحرام أو الشهر الحرام { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } سمى مقابلته اعتداء لشبهها بالمقابل به في الصورة { واتقوا الله } في الانتصار وترك الاعتداء { واعلموا أن الله مع المتقين } بالعون والنصر.
[2.195]
{ وأنفقوا فى سبيل الله } طاعته بالجهاد وغيره { ولا تلقوا بأيديكم } أي أنفسكم والباء زائدة { إلى التهلكة } الهلاك بالإمساك عن النفقة في الجهاد أو تركه لأنه يقوي العدو عليكم { وأحسنوا } بالنفقة وغيرها { إن الله يحب المحسنين } أي يثيبهم.
[2.196]
{ وأتموا الحج والعمرة لله } أدوهما بحقوقهما { فإن أحصرتم } منعتم عن إتمامهما بعدو { فما استيسر } تيسر { من الهدى } عليكم وهو شاة { ولا تحلقوا رءوسكم } أي لا تتحللوا { حتى يبلغ الهدى } المذكور { محله } حيث يحل ذبحه وهو مكان الإحصار عند الشافعي فيذبح فيه بنية التحلل ويفرق على مساكينه ويحلق وبه يحصل التحلل { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه } كقمل وصداع فحلق في الإحرام { ففدية } عليه { من صيام } لثلاثة أيام { أو صدقة } بثلاثة آصع من غالب قوت البلد على ستة مساكين { أو نسك } أي ذبح شاة و(أو) للتخيير وألحق به من حلق لغير عذر لأنه أولى بالكفارة وكذا من استمتع بغير الحلق كالطيب واللبس والدهن لعذر أو غيره { فإذا أمنتم } العدو بأن ذهب أو لم يكن { فمن تمتع } استمتع { بالعمرة } أي بسبب فراغه منها بمحظورات الإحرام { إلى الحج } أي إلى الإحرام به بأن يكون أحرم بها في أشهره { فما استيسر } تيسر { من الهدى } عليه وهو شاة يذبحها بعد الإحرام به والأفضل يوم النحر { فمن لم يجد } الهدي لفقده أو فقد ثمنه { فصيام } أي فعليه صيام { ثلثة أيام في الحج } أي في حال الإحرام به فيجب حينئذ أن يحرم قبل السابع من ذي الحجة والأفضل قبل السادس لكراهة صوم يوم عرفة ولا يجوز صومها أيام التشريق على أصح قولي الشافعي { وسبعة إذا رجعتم } إلى وطنكم مكة أو غيرها وقيل إذا فرغتم من أعمال الحج وفيه التفات عن الغيبة { تلك عشرة كاملة } جملة تأكيد لما قبلها { ذلك } الحكم المذكور من وجوب الهدي أو الصيام على من تمتع { لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام } بأن لم يكونوا على دون مرحلتين من الحرم عند الشافعي فإن كان، فلا دم عليه ولا صيام وإن تمتع وفي ذكر (الأهل) إشعار بإشتراط الاستيطان فلو أقام قبل أشهر الحج ولم يستوطن وتمتع فعليه ذلك وهو أحد وجهين عند الشافعي والثاني لا والأهل كناية عن النفس وألحق بالمتمتع فيما ذكر بالسنة القارن وهو من أحرم بالعمرة والحج معا أو يدخل الحج عليها قبل الطواف { واتقوا الله } فيما يأمركم به وينهاكم عنه { واعلموا أن الله شديد العقاب } لمن خالفه.
[2.197]
{ الحج } وقته { أشهر معلومت } شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة وقيل كله { فمن فرض } على نفسه { فيهن الحج } بالإحرام به { فلا رفث } جماع فيه { ولا فسوق } معاص { ولا جدال } خصام { في الحج } وفي قراءة بفتح الأولين والمراد في الثلاثة النهي { وما تفعلوا من خير } كصدقة { يعلمه الله } فيجازيكم به، ونزل في أهل اليمن وكانوا يحجون بلا زاد فيكونون كلا على الناس: { وتزودوا } ما يبلغكم لسفركم { فإن خير الزاد التقوى } ما يتقى به سؤال الناس وغيره { واتقون يأولي الألبب } ذوي العقول.
[2.198]
{ ليس عليكم جناح } في { أن تبتغوا } تطلبوا { فضلا } رزقا { من ربكم } بالتجارة في الحج نزل ردا لكراهتهم ذلك { فإذا أفضتم } دفعتم { من عرفت } بعد الوقوف بها { فاذكروا الله } بعد المبيت بمزدلفة بالتلبية والتهليل والدعاء { عند المشعر الحرام } هو جبل في آخر المزدلفة يقال له( قزح) وفي الحديث
" أنه صلى الله عليه وسلم وقف به يذكر الله ويدعو حتى أسفر جدا "
رواه مسلم { واذكروه كما هداكم } لمعالم دينه ومناسك حجه والكاف للتعليل { وإن } مخففة { كنتم من قبله } قبل هداه { لمن الضالين }.
[2.199]
{ ثم أفيضوا } يا قريش { من حيث أفاض الناس } أي من عرفة بأن تقفوا بها معهم وكانوا يقفون بالمزدلفة ترفعا عن الوقوف معهم و(ثم) للترتيب في الذكر { واستغفروا الله } من ذنوبكم { إنالله غفور } للمؤمنين { رحيم } بهم.
[2.200]
{ فإذا قضيتم } أديتم { منسككم } عبادات حجكم بأن رميتم جمرة العقبة وطفتم واستقررتم بمنى { فاذكروا الله } بالتكبير والثناء { كذكركم ءاباءكم } كما كنتم تذكرونهم عند فراغ حجكم بالمفاخرة { أو أشد ذكرا } من ذكركم إياهم ونصب( أشد) على الحال من( ذكرا) المنصوب (باذكروا) إذ لو تأخر عنه لكان صفة له { فمن الناس من يقول ربنا ءاتنا } نصيبنا { فى الدنيا } فيؤتاه فيها { وما له فى الأخرة من خلق } نصيب.
[2.201]
{ ومنهم من يقول ربنا ءاتنا فى الدنيا حسنة } نعمة { وفي الأخرة حسنة } هي الجنة { وقنا عذاب النار } بعدم دخولها. وهذا بيان لما كان عليه المشركون ولحال المؤمنين والقصد به الحث على طلب خير الدارين كما وعد بالثواب عليه بقوله.
[2.202]
{ أولئك لهم نصيب } ثواب { م } ن أجل { عنهم ما كسبوا } عملوا من الحج والدعاء { والله سريع الحساب } يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك.
[2.203]
{ واذكروا الله } بالتكبير عند رمي الجمرات { فى أيام معدودت } أي أيام التشريق الثلاثة { فمن تعجل } أي استعجل بالنفر من منى { فى يومين } أي في ثاني أيام التشريق بعد رمي جماره { فلا إثم عليه } بالتعجيل { ومن تأخر } بها حتى بات ليلة الثالث ورمى جماره { فلا إثم عليه } بذلك أي هم مخيرون في ذلك ونفي الإثم { لمن اتقى } الله في حجه لأنه الحاج في الحقيقة { واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون } في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم.
[2.204]
{ ومن الناس من يعجبك قوله فى الحيوة الدنيا } ولا يعجبك في الآخرة لمخالفته لاعتقاده { ويشهد الله على ما فى قلبه } أنه موافق لقوله { وهو ألد الخصام } شديد الخصومة لك ولأتباعك لعداوته لك وهو الأخنس بن شريق كان منافقا حلو الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم يحلف أنه مؤمن به ومحب له فيدني مجلسه فأكذبه الله في ذلك ومر بزرع وحمر لبعض المسلمين فأحرقه وعقرها ليلا كما قال تعالى.
[2.205]
{ وإذا تولى } انصرف عنك { سعى } مشى { فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل } من جملة الفساد { والله لا يحب الفساد } أي لا يرضى به.
[2.206]
{ وإذا قيل له اتق الله } في فعلك { أخذته العزة } حملته الأنفة والحمية على العمل { بالإثم } الذي أمر باتقائه { فحسبه } كافيه { جهنم ولبئس المهاد } الفراش هي.
[2.207]
{ ومن الناس من يشرى } يبيع { نفسه } أي يبذلها في طاعة الله { ابتغاء } طلب { مرضات الله } رضاه، وهو (صهيب) لما آذاه المشركون هاجر إلى المدينة وترك لهم ماله { والله رءوف بالعباد } حيث أرشدهم لما فيه رضاه.
[2.208]
ونزل في عبد الله بن سلام وأصحابه لما عظموا السبت وكرهوا الإبل بعد الإسلام { يأيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم } بفتح السين وكسرها الإسلام { كافة } حال من (السلم) أي في جميع شرائعه { ولا تتبعوا خطوت } طرق { الشيطن } أي تزيينه بالتفريق { إنه لكم عدو مبين } بين العداوة.
[2.209]
{ فإن زللتم } ملتم عن الدخول في جميعه { من بعد ما جاءتكم البينت } الحجج الظاهرة على أنه حق { فاعلموا أن الله عزيز } لا يعجزه شيء عن انتقامه منكم { حكيم } في صنعه.
[2.210]
{ هل } ما { ينظرون } ينتظر التاركون الدخول فيه { إلا أن يأتيهم الله } أي أمره كقوله:
أو يأتي أمر ربك
[33:16] أي عذابه { في ظلل } جمع (ظلة) { من الغمام } السحاب { والملئكة وقضى الأمر } تم أمر هلاكهم، { وإلى الله ترجع الأمور } بالبناء للمفعول[ترجع ] والفاعل[ترجع] في الآخرة فيجازي كلا بعمله.
[2.211]
{ سل } يا محمد { بنى إسرءيل } تبكيتا { كم ءاتينهم } (كم) استفهامية معلقة (سل) عن المفعول الثاني وهي ثاني مفعولي آتينا ومميزها { من ءاية بينة } ظاهرة كفلق البحر وإنزال المن والسلوى فبدلوها كفرا { ومن يبدل نعمة الله } أي ما أنعم به عليه من الآيات لأنها سبب الهداية { من بعد ما جاءته } كفرا { فإن الله شديد العقاب } له.
[2.212]
{ زين للذين كفروا } من أهل مكة { الحيوة الدنيا } بالتمويه فأحبوها { و } هم { يسخرون منا لذين ءامنوا } لفقرهم كبلال وعمار وصهيب أي يستهزئون بهم ويتعالون عليهم بالمال { والذين اتقوا } الشرك وهم هؤلاء { فوقهم يوم القيمة والله يرزق من يشاء بغير حساب } أي رزقا واسعا في الآخرة أو الدنيا بأن يملك المسخور منهم أموال الساخرين ورقابهم.
[2.213]
{ كان الناس أمة وحدة } على الإيمان فاختلفوا بأن آمن بعض وكفر بعض { فبعث الله النبيين } إليهم { مبشرين } من آمن بالجنة { ومنذرين } من كفر بالنار { وأنزل معهم الكتب } بمعنى الكتب { بالحق } متعلق( بأنزل) { ليحكم } به { بين الناس فيما اختلفوا فيه } من الدين { وما اختلف فيه } أي الدين { إلا الذين أوتوه } أي الكتاب فآمن بعض وكفر بعض { من بعد ما جاءتهم البينت } الحجج الظاهرة على التوحيد (ومن) متعلقة (باختلف) وهي وما بعدها مقدم على الاستثناء في المعنى { بغيا } من الكافرين { بينهم فهدى الله الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه من } للبيان { الحق بإذنه } بإرادته { والله يهدى من يشاء } هدايته { إلى صرط مستقيم } طريق الحق.
[2.214]
ونزل في جهد أصاب المسلمين { أم } بل أ { حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما } لم { يأتكم مثل } شبه ما أتى { الذين خلوا من قبلكم } من المؤمنين من المحن فتصبروا كما صبروا { مستهم } جملة مستأنفة مبينة ما قبلها { البأساء } شدة الفقر { والضراء } المرض { وزلزلوا } أزعجوا بأنواع البلاء { حتى يقول } بالنصب والرفع أي قال { الرسول والذين ءامنوا معه } استبطاء للنصر لتناهي الشدة عليهم { متى } يأتي { نصر الله } الذي وعدناه فأجيبوا من قبل الله { ألا إن نصر الله قريب } إتيانه.
[2.215]
{ يسئلونك } يا محمد صلى الله عليه وسلم { ماذا ينفقون } أي الذي ينفقونه والسائل عمرو بن الجموح وكان شيخا ذا مال فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ماذا ينفق وعلى من ينفق؟ { قل } لهم { مآ أنفقتم من خير } بيان ل «ما» شامل للقليل والكثير وفيه بيان المنفق الذي هو أحد شقي السؤال وأجاب عن المصرف الذي هو الشق الآخر بقوله: { فللولدين والأقربين واليتمى والمسكين وابن السبيل } أي هم أولى به { وما تفعلوا من خير } إنفاق أو غيره { فإن الله به عليم } فمجاز عليه.
[2.216]
{ كتب } فرض { عليكم القتال } للكفار { وهو كره } مكروه { لكم } طبعا لمشقته { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم } لميل النفس إلى الشهوات الموجبة لهلاكها ونفورها عن التكليفات الموجبة لسعادتها فلعل لكم في القتال- وإن كرهتموه- خيرا لأن فيه إما الظفر والغنيمة أو الشهادة والأجر وفي تركه- وإن أحبتموه - شرا لأن فيه الذل والفقر وحرمان الأجر { والله يعلم } ما هو خير لكم { وأنتم لا تعلمون } ذلك فبادروا إلى ما يأمركم به.
[2.217]
وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم أول سراياه وعليها عبد الله بن جحش فقاتلوا المشركين وقتلوا ابن الحضرمي آخر يوم من جمادى الآخرة والتبس عليهم برجب فعيرهم الكفار باستحلاله فنزل { يسئلونك عن الشهر الحرام } المحرم { قتال فيه } بدل اشتمال { قل } لهم { قتال فيه كبير } عظيم وزرا مبتدأ وخبر { وصد } مبتدأ منع للناس { عن سبيل الله } دينه { وكفر به } بالله { و } صد عن { من المسجد الحرام } أي مكة { وإخراج أهله منه } وهم النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، وخبر المبتدأ { أكبر } أعظم وزرا { عند الله } من القتال فيه { والفتنة } الشرك منكم { أكبر من القتل } لكم فيه { ولا يزالون } أي الكفار { يقتلونكم } أيها المؤمنون { حتى } كي { يردوكم عن دينكم } إلى الكفر { إن استطعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت } بطلت { أعملهم } الصالحة { فى الدنيا والأخرة } فلا اعتداد بها ولا ثواب عليها والتقييد بالموت عليها يفيد أنه لو رجع إلى الإسلام لم يبطل عمله فيثاب عليه ولا يعيده كالحج مثلا، وعليه الشافعي { وأولئك أصحب النار هم فيها خلدون }.
[2.218]
ولما ظن السرية أنهم إن سلموا من الإثم فلا يحصل لهم أجر نزل { إن الذين ءامنوا والذين هاجروا } فارقوا أوطانهم { وجهدوا في سبيل الله } لإعلاء دينه { أولئك يرجون رحمت الله } ثوابه { والله غفور } للمؤمنين { رحيم } بهم.
[2.219]
{ يسئلونك عن الخمر والميسر } القمار ما حكمهما؟ { قل } لهم { فيهمآ } أي في تعاطيهما { إثم كبير } عظيم، وفي قراءة (كثير) بالمثلثة لما يحصل بسببهما من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش { ومنفع للناس } باللذة والفرح في الخمر وإصابة المال بلا كد في الميسر { وإثمهمآ } أي ما ينشأ عنهما من المفاسد { أكبر } أعظم { من نفعهما } ولما نزلت شربها قوم وامتنع آخرون إلى أن حرمتها آية (المائدة)[90:5] { و يسئلونك ماذا ينفقون } أي ما قدره { قل } أنفقوا { العفو } أي الفاضل عن الحاجة ولا تنفقوا ما تحتاجون إليه وتضيعوا أنفسكم وفي قراءة بالرفع بتقدير هو { كذلك } أي كما بين لكم ما ذكر { يبين الله لكم الأيت لعلكم تتفكرون }.
[2.220]
{ فى } أمر { الدنيا والأخرة } فتأخذون بالأصلح لكم فيهما { ويسئلونك عن اليتامى } وما يلقونه من الحرج في شأنهم فإن واكلوهم يأثموا وإن عزلوا ما لهم من أموالهم وصنعوا لهم طعاما وحدهم فحرج { قل إصلاح لهم } في أموالهم بتنميتها ومداخلتكم { خير } من ترك ذلك { وإن تخالطوهم } أي تخالطوا نفقتكم بنفقتهم { فإخوانكم } أي فهم إخوانكم في الدين ومن شأن الأخ أن يخالط أخاه أي فلكم ذلك { والله يعلم المفسد } لأموالهم بمخالطته { من المصلح } بها فيجازي كلا منهما { ولو شاء الله لأعنتكم } لضيق عليكم بتحريم المخالطة { إن الله عزيز } غالب على أمره { حكيم } في صنعه.
[2.221]
{ ولا تنكحوا } تتزوجوا أيها المسلمون { المشركت } أي الكافرات { حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة } حرة لأن سبب نزولها العيب على من تزوج أمة وترغيبه في نكاح حرة مشركة { ولو أعجبتكم } لجمالها ومالها وهذا مخصوص بغير الكتابيات بآية
والمحصنت من الذين أوتوا الكتب
[5:5] { ولا تنكحوا } تزوجوا { المشركين } أي الكفار المؤمنات { حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم } لماله وجماله { أولئك } أي أهل الشرك { يدعون إلى النار } بدعائهم إلى العمل الموجب لها فلا تليق مناكحتهم { والله يدعوا } على لسان رسله { إلى الجنة والمغفرة } أي العمل الموجب لهما { بإذنه } بإرادته فتجب إجابته بتزويج أوليائه { ويبين ءايته للناس لعلهم يتذكرون } يتعظون.
[2.222]
{ ويسئلونك عن المحيض } أي الحيض أو مكانه ماذا يفعل بالنساء فيه؟ { قل هو أذى } قذر أو محله { فاعتزلوا النسآء } اتركوا وطأهن { في المحيض } أي وقته أو مكانه { ولا تقربوهن } بالجماع { حتى يطهرن } بسكون الطاء وتشديدها [يطهرن]والهاء وفيه إدغام التاء في الأصل في الطاء أي يغتسلن بعد انقطاعه { فإذا تطهرن فأتوهن } بالجماع { من حيث أمركم الله } وبتجنبه في الحيض وهو القبل ولا تعدوه إلى غيره { إن الله يحب } يثيب ويكرم { التوابين } من الذنوب { ويحب المتطهرين } من الأقذار.
[2.223]
{ نسآؤكم حرث لكم } أي محل زرعكم الولد { فأتوا حرثكم } أي محله وهو القبل { أنى } أي كيف { شئتم } من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار. نزل ردا لقول اليهود من أتى امرأته في قبلها من جهة دبرها جاء الولد أحول { وقدموالأنفسكم } العمل الصالح كالتسمية عند الجماع { واتقوا الله } في أمره ونهيه { واعلموا أنكم ملقوه } بالبعث فيجازيكم بأعمالكم { وبشر المؤمنين } الذين اتقوه بالجنة.
[2.224]
{ ولا تجعلوا الله } أي الحلف به { عرضة } علة مانعة { لأيمنكم } أي نصبا لها بأن تكثروا الحلف به { أن } لا { تبروا وتتقوا } فتكره اليمين على ذلك ويسن فيه الحنث ويكفر بخلافها على فعل البر ونحوه فهي طاعة { وتصلحوا بين الناس } المعنى لا تمتنعوا من فعل ما ذكر من البر ونحوه إذا حلفتم عليه بل ائتوه وكفروا لأن سبب نزولها الامتناع من ذلك { والله سميع } لأقوالكم { عليم } بأحوالكم.
[2.225]
{ لا يؤاخذكم الله باللغو } الكائن { فى أيمنكم } وهو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد الحلف نحو والله، وبلى والله فلا إثم عليه ولا كفارة { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } أي قصدته من الإيمان إذا حنثتم { والله غفور } لما كان من اللغو { حليم } بتأخير العقوبة عن مستحقها.
[2.226]
{ للذين يؤلون من نسائهم } أي يحلفون أن لا يجامعوهن { تربص } انتظار { أربعة أشهر فإن فآءو } رجعوا فيها أو بعدها عن اليمين إلى الوطء { فإن الله غفور } لهم ما أتوه من ضرر المرأة بالحلف { رحيم } بهم.
[2.227]
{ وإن عزموا الطلق } أي عليه بأن لا يفيئوا فليوقعوه { فإن الله سميع } لقولهم { عليم } بعزمهم المعنى ليس لهم بعد تربص ما ذكر إلا الفيئة أو الطلاق.
[2.228]
{ والمطلقت يتربصن } أي لينتظرن { بأنفسهن } عن النكاح { ثلثة قروء } تمضي من حين الطلاق، جمع قرء بفتح القاف، وهو الطهر أو الحيض قولان وهذا في المدخول بهن أما غيرهن فلا عدة عليهن لقوله:
فما لكم عليهن من عدة
[49:33] وفي غير الآيسة والصغيرة فعدتهن ثلاثة أشهر والحوامل فعدتهن أن يضعن حملهن كما في (سورة الطلاق)[4:65] والإماء فعدتهن قرءان بالسنة { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله فى أرحامهن } من الولد أو الحيض { إن كن يؤمن بالله واليوم الأخر وبعولتهن } أزواجهن { أحق بردهن } بمراجعتهن ولو أبين { في ذلك } أي في زمن التربص { إن أرادوا إصلحا } بينهما لإضرار المرأة وهو تحريض على قصده لا شرط لجواز الرجعة وهذا في الطلاق الرجعي( وأحق) لا تفضيل فيه إذ لا حق لغيرهم في نكاحهن في العدة { ولهن } على الأزواج { مثل الذى } لهم { عليهن } من الحقوق { بالمعروف } شرعا من حسن العشرة وترك لإضرار ونحو ذلك { وللرجال عليهن درجة } فضيلة في الحق من وجوب طاعتهن لهم لما ساقوه من المهر والإنفاق { والله عزيز } في ملكه { حكيم } فيما دبره لخلقه.
[2.229]
{ الطلق } أي التطليق الذي يراجع بعده { مرتان } أي اثنتان { فإمساك } أي فعليكم إمساكهن بعده بأن تراجعوهن { بمعروف } من غير ضرار { أو تسريح } أي إرسال لهن { بإحسن ولا يحل لكم } أيها الأزواج { أن تأخذوا مما ءاتيتموهن } من المهور { شيئا } إذا طلقتموهن { إلا أن يخافا } أي الزوجان { أن } { لا يقيما حدود الله } أي لا يأتيا بما حده لهما من الحقوق، وفي قراءة (يخافا) بالبناء للمفعول (فإن لا يقيما) بدل اشتمال من الضمير فيه، وقرىء بالفوقانية في الفعلين { إلأ أن تخافا لا تقيما } { فإن خفتم } { أن } { لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } نفسها من المال ليطلقها أي لا حرج على الزوج في أخذه ولا الزوجة في بذله { تلك } الأحكام المذكورة { حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظلمون }.
[2.230]
{ فإن طلقها } الزوج بعد الثنتين { فلا تحل له من بعد } بعد الطلقة الثالثة { حتى تنكح } تتزوج { زوجا غيره } ويطأها كما في الحديث الذي رواه الشيخان { فإن طلقها } أي الزوج الثاني { فلا جناح عليهما } أي الزوجة والزوج الأول { أن يتراجعا } إلى النكاح بعد انقضاء العدة { إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك } المذكورات { حدود الله يبينها لقوم يعلمون } يتدبرون.
[2.231]
{ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن } قاربن انقضاء عدتهن { فأمسكوهن } بأن تراجعوهن { بمعروف } من غير ضرار { أو سرحوهن بمعروف } اتركوهن حتى تنقضي عدتهن { ولا تمسكوهن } بالرجعة { ضرارا } مفعول له { لتعتدوا } عليهن بالإلجاء إلى الافتداء والتطليق وتطويل الحبس { ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه } بتعريضها إلى عذاب الله { ولا تتخذوا آيت الله هزوا } مهزوءا بها بمخالفتها { واذكروا نعمة الله عليكم } بالإسلام { وما أنزل عليكم من الكتب } القرآن { والحكمة } ما فيه من الأحكام { يعظكم به } بأن تشكروها بالعمل به { واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شىء عليم } لا يخفى عليه شيء.
[2.232]
{ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن } انقضت عدتهن { فلا تعضلوهن } خطاب للأولياء أي تمنعوهن من { أن ينكحن أزوجهن } المطلقين لهن، لأن سبب نزولها أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فأراد أن يراجعها فمنعها معقل بن يسار، كما رواه الحاكم { إذا ترضوا } أي الأزواج والنساء { بينهم بالمعروف } شرعا { ذلك } النهي عن العضل { يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الأخر } لأنه المنتفع به { ذلكم } أي ترك العضل { أزكى } خير { لكم وأطهر } لكم ولهم لما يخشى على الزوجين من الريبة بسبب العلاقة بينهما { والله يعلم } ما فيه المصلحة { وأنتم لا تعلمون } ذلك فاتبعوا أمره.
[2.233]
{ والولدت يرضعن } أي ليرضعن { أولدهن حولين } عامين { كاملين } صفة مؤكدة ذلك { لمن أراد أن يتم الرضاعة } ولا زيادة عليه { وعلى المولود له } أي الأب { رزقهن } إطعام الوالدات { وكسوتهن } على الإرضاع إذا كن مطلقات { بالمعروف } بقدر طاقته { لا تكلف نفس إلا وسعها } طاقتها { لا تضآر ولدة بولدها } أي بسببه بأن تكره على إرضاعه إذا امتنعت { ولا } يضار { مولود له بولده } أي بسببه بأن يكلف فوق طاقته وإضافة (الولد) إلى كل منهما في الموضعين للاستعطاف { وعلى الوارث } أي وارث الأب وهو الصبي أي على وليه في ماله { مثل ذلك } الذي على الأب للوالدة من الرزق والكسوة { فإن أرادا } أي الوالدان { فصالا } فطاما له قبل الحولين صادرا { عن تراض } اتفاق { منهما وتشاور } بينهما لتظهر مصلحة الصبي فيه { فلا جناح عليهما } في ذلك { وإن أردتم } خطاب للآباء { أن تسترضعوا أولدكم } مراضع غير الوالدات { فلا جناح عليكم } فيه { إذا سلمتم } إليهن { مآ ءاتيتم } أي أردتم إيتاءه لهن من الأجرة { بالمعروف } بالجميل كطيب النفس { واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير } لا يخفى عليه شيء منه.
[2.234]
{ والذين يتوفون } يموتون { منكم ويذرون } يتركون { أزوجا يتربصن } أي ليتربصن { بأنفسهن } بعدهم عن النكاح { أربعة أشهر وعشرا } من الليالي، وهذا في غير الحوامل أما الحوامل فعدتهن أن يضعن حملهن بآية (الطلاق)، والأمة على النصف من ذلك بالسنة { فإذا بلغن أجلهن } انقضت عدة تربصهن { فلا جناح عليكم } أيها الأولياء { فيما فعلن فى أنفسهن } من التزين والتعرض للخطاب { بالمعروف } شرعا { والله بما تعملون خبير } عالم بباطنه كظاهره.
[2.235]
{ ولا جناح عليكم فيما عرضتم } لوحتم { به من خطبة النسآء } المتوفى عنهن أزواجهن في العدة كقول الإنسان مثلا: إنك لجميلة، ومن يجد مثلك؟ ورب راغب فيك { أو أكننتم } أضمرتم { فى أنفسكم } من قصد نكاحهن { علم الله أنكم ستذكرونهن } بالخطبة ولا تصبرون عنهن فأباح لكم التعريض { ولكن لا تواعدوهن سرا } أي نكاحا { إلآ } لكن { أن تقولوا قولا معروفا } أي ما عرف شرعا من التعريض فلكم ذلك { ولا تعزموا عقدة النكاح } أي على عقده { حتى يبلغ الكتب } أي المكتوب من العدة { أجله } بأن ينتهي { واعلموا أن الله يعلم ما فى أنفسكم } من العزم وغيره { فاحذروه } أن يعاقبكم إذا عزمتم { واعلموا أن الله غفور } لمن يحذره { حليم } بتأخيره العقوبة عن مستحقها.
[2.236]
{ لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } وفي قراءة (تماسوهن) أي تجامعوهن { أو } لم { تفرضوا لهن فريضة } مهرا و(ما) مصدرية ظرفية أي لا تبعة عليكم في الطلاق- زمن عدم المسيس والفرض- بإثم ولا مهر فطلقوهن { ومتعوهن } أعطوهن ما يتمتعن به { على الموسع } الغني منكم { قدره وعلى المقتر } الضيق الرزق { قدره } يفيد أنه لا نظر إلى قدر الزوجة { متعا } تمتيعا { بالمعروف } شرعا صفة (متاعا) { حقا } صفة ثانية أو مصدر مؤكد { على المحسنين } المطيعين.
[2.237]
{ وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } يجب لهن ويرجع لكم النصف { إلا } لكن { أن يعفون } أي الزوجات فيتركنه { أو يعفوا الذى بيده عقدة النكاح } وهو الزوج فيترك لها الكل وعن ابن عباس: الولي إذا كانت محجورة فلا حرج في ذلك { وأن تعفوا } مبتدأ خبره { أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم } أي أن يتفضل بعضكم على بعض { إن الله بما تعملون بصير } فيجازيكم به.
[2.238]
{ حفظوا على الصلوت } الخمس بأدائها في أوقاتها { ولصلوة ا لوسطى } هي العصر أو الصبح أو الظهر أو غيرها أقوال وأفردها بالذكر لفضلها { وقوموا لله } في الصلاة { قنتين } قيل مطيعين لقوله صلى الله عليه وسلم
" كل قنوت في القرآن فهو طاعة "
رواه أحمد وغيره، وقيل ساكتين لحديث زيد بن أرقم:
" كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام "
رواه الشيخان.
[2.239]
{ فإن خفتم } من عدو أو سيل أو سبع { فرجالا } جمع (راجل) أي مشاة صلوا { أو ركبانا } جمع (راكب) أي كيف أمكن مستقبلي القبلة أو غيرها ويومىء بالركوع والسجود { فإذا أمنتم } من الخوف { فاذكروا الله } أي صلوا { كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون } قبل تعليمه من فرائضها وحقوقها والكاف بمعنى (مثل) و(ما) مصدرية أو موصولة.
[2.240]
{ والذين يتوفون منكم ويذرون أزوجا } فليوصوا { وصية } وفي قراءة بالرفع، أي عليهم { لأزواجهم } وليعطوهن { متعا } ما يتمتعن به من النفقة والكسوة { إلى } تمام { الحول } من موتهم الواجب عليهن تربصه { غير إخراج } حال أي غير مخرجات من مسكنهن { فإن خرجن } بأنفسهن { فلا جناح عليكم } يا أولياء الميت { في ما فعلن فى أنفسهن من معروف } شرعا كالتزين وترك الإحداد وقطع النفقة عنها { والله عزيز } في ملكه { حكيم } في صنعه والوصية المذكورة منسوخة بآية الميراث وتربص الحول بآية أربعة أشهر وعشر السابقة المتأخرة في النزول والسكنى ثابتة عند الشافعي رحمه الله.
[2.241]
{ وللمطلقت متع } يعطينه { بالمعروف } بقدر الإمكان { حقا } نصب بفعله المقدر { على المتقين } الله تعالى كرره ليعم الممسوسة أيضا إذ الآية السابقة في غيرها.
[2.242]
{ كذلك } كما يبين لكم ما ذكر { يبين الله لكم ءايته لعلكم تعقلون } تتدبرون.
[2.243]
{ ألم تر } استفهام تعجيب وتشويق إلى استماع ما بعده أي ألم ينته علمك { إلى الذين خرجوا من ديرهم وهم ألوف } أربعة أو ثمانية أو عشرة أو ثلاثون أو أربعون أو سبعون ألفا { حذر الموت } مفعول له وهم قوم من بني إسرائيل وقع الطاعون ببلادهم ففروا { فقال لهم الله موتوا } فماتوا { ثم أحيهم } بعد ثمانية أيام أو أكثر بدعاء نبيهم حزقيل بكسر المهملة والقاف وسكون الزاي فعاشوا دهرا عليهم أثر الموت لا يلبسون ثوبا إلا عاد كالكفن واستمرت في أسباطهم { إن الله لذو فضل على الناس } ومنه إحياء هؤلاء { ولكن أكثر الناس } وهم الكفار { لا يشكرون } والقصد من ذكر خبر هؤلاء تشجيع المؤمنين على القتال ولذا عطف عليه.
[2.244]
{ وقتلوا في سبيل الله } أي لإعلاء دينه { واعلموا أن الله سميع } لأقوالكم { عليم } بأحوالكم فمجازيكم.
[2.245]
{ من ذا الذى يقرض الله } بإنفاق ماله في سبيل الله { قرضا حسنا } بأن ينفقه لله عز وجل عن طيب قلب { فيضاعفه } وفي قراءة (فيضعفه) بالتشديد { له أضعافا كثيرة } من عشر إلى أكثر من سبعمائة كما سيأتي { والله يقبض } يمسك الرزق عمن يشاء ابتلاء { ويبسط } يوسعه لمن يشاء امتحانا { وإليه ترجعون } في الآخرة بالبعث فيجازيكم بأعمالكم.
[2.246]
{ ألم تر إلى الملإ } الجماعة { من بنى إسرءيل من بعد } موت { موسى } أي إلى قصتهم وخبرهم { إذ قالوا لنبى لهم } هو شمويل { ابعث } أقم { لنا ملكا نقتل } معه { فى سبيل الله } تنتظم به كلمتنا ونرجع إليه { قال } النبي لهم { هل عسيتم } بالفتح والكسر { إن كتب عليكم القتال أ } ن { لا تقتلوا } خبر (عسى) والاستفهام لتقرير التوقع بها { قالوا وما لنا ألا نقتل فى سبيل الله وقد أخرجنا من ديرنا وأبنائنا } بسببهم وقتلهم، وقد فعل بهم ذلك قوم جالوت أي لا مانع لنا منه مع وجود مقتضيه قال تعالى: { فلما كتب عليهم القتال تولوا } عنه وجبنوا { إلا قليلا منهم } وهم الذين عبروا النهر مع طالوت كما سيأتي { والله عليم بالظلمين } فمجازيهم وسأل النبي ربه إرسال ملك فأجابه إلى إرسال طالوت.
[2.247]
{ وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى } كيف { يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه } لأنه ليس من سبط المملكة ولا النبوة وكان دباغا أو راعيا { ولم يؤت سعة من المال } يستعين بها على إقامة الملك { قال } النبي لهم { إن الله اصطفه } اختاره للملك { عليكم وزاده بسطة } سعة { في العلم والجسم } وكان أعلم بني إسرائيل يومئذ وأجملهم وأتمهم خلقا { والله يؤتى ملكه من يشاء } إيتاءه لا اعتراض عليه { والله وسع } فضله { عليم } بمن هو أهل له.
[2.248]
{ وقال لهم نبيهم } لما طلبوا منه آية على ملكه { إن ءاية ملكه أن يأتيكم التابوت } الصندوق كان فيه صور الأنبياء أنزله الله على آدم واستمر إليهم فغلبتهم العمالقة عليه وأخذوه وكانوا يستفتحون به على عدوهم ويقدمونه في القتال ويسكنون إليه كما قال تعالى: { فيه سكينة } طمأنينة لقلوبكم { من ربكم وبقية مما ترك ءال موسى وءال هرون } أي تركاه هما وهي نعلا موسى وعصاه وعمامة هارون وقفيز من المن الذي كان ينزل عليهم ورضاض من الألواح { تحمله الملئكة } حال من فاعل (يأتيكم) { إن في ذلك لأية لكم } على ملكه { إن كنتم مؤمنين } فحملته الملائكة بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت فأقروا بملكه وتسارعوا إلى الجهاد فاختار من شبابهم سبعين ألفا.
[2.249]
{ فلما فصل } خرج { طالوت بالجنود } من بيت المقدس وكان حرا شديدا وطلبوا منه الماء { قال إن الله مبتليكم } مختبركم { بنهر } ليظهر المطيع منكم والعاصي وهو بين الأردن وفلسطين { فمن شرب منه } أي من مائه { فليس مني } أي من أتباعي { ومن لم يطعمه } يذقه { فإنه منى إلا من اغترف غرفة } بالفتح والضم { بيده } فاكتفى بها ولم يزد عليها فإنه مني { فشربوا منه } لما وافوه بكثرة { إلا قليلا منهم } فاقتصروا على الغرفة، روي أنها كفتهم لشربهم ودوابهم وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا { فلما جاوزه هو والذين ءامنوا معه } وهم الذين اقتصروا على الغرفة { قالوا } أي الذين شربوا { لا طاقة } قوة { لنا اليوم بجالوت وجنوده } أي بقتالهم وجبنوا ولم يجاوزوه { قال الذين يظنون } يوقنون { أنهم ملاقوا الله } بالبعث وهم الذين جاوزوه { كم } خبرية بمعنى (كثير) { من فئة } جماعة { قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } بإرادته { والله مع الصبرين } بالعون والنصر.
[2.250]
{ ولما برزوا لجالوت وجنوده } أي ظهروا لقتالهم وتصافوا { قالوا ربنا أفرغ } اصبب { علينا صبرا وثبت أقدامنا } بتقوية قلوبنا على الجهاد { وانصرنا على القوم الكفرين }.
[2.251]
{ فهزموهم } كسروهم { بإذن الله } بإرادته { وقتل داوود } وكان في عسكر طالوت { جالوت وءاته } أي داود { الله الملك } في بني إسرائيل { والحكمة } والنبوة بعد موت شمويل وطالوت ولم يجتمعا لأحد قبله { وعلمه مما يشاء } كصنعة الدروع ومنطق الطير { ولولا دفع الله الناس بعضهم } بدل بعض من (الناس) { ببعض لفسدت الأرض } بغلبة المشركين وقتل المسلمين وتخريب المساجد { ولكن الله ذو فضل على العلمين } فدفع بعضهم ببعض.
[2.252]
{ تلك } هذه الآيات { ءايت الله نتلوها } نقصها { عليك } يا محمد { بالحق } بالصدق { وإنك لمن المرسلين } التأكيد ب (إن) وغيرها ردا لقول الكفار له (لست مرسلا).
[2.253]
{ تلك } مبتدأ { الرسل } صفة والخبر { فضلنا بعضهم على بعض } بتخصيصه بمنقبة ليست لغيره { منهم من كلم الله } كموسى { ورفع بعضهم } أي محمدا صلى الله عليه وسلم { درجت } على غيره بعموم الدعوة وختم النبوة وتفضيل أمته على سائر الأمم والمعجزات المتكاثرة والخصائص العديدة { وءاتينا عيسى ابن مريم البينت وأيدنه } قويناه { بروح القدس } جبريل يسير معه حيث سار { ولو شآء الله } هدى الناس جميعا { ما اقتتل الذين من بعدهم } بعد الرسل أي أممهم { من بعد ما جآءتهم البينت } لاختلافهم وتضليل بعضهم بعضا { ولكن اختلفوا } لمشيئته ذلك { فمنهم من ءامن } ثبت على إيمانه { ومنهم من كفر } كالنصارى بعد المسيح { ولو شآء الله ما اقتتلوا } تأكيد { ولكن الله يفعل ما يريد } من توفيق من شاء وخذلان من شاء.
[2.254]
{ يأيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقنكم } زكاته { من قبل أن يأتى يوم لا بيع } فداء { فيه ولا خلة } صداقة تنفع { ولا شفعة } بغير إذنه وهو يوم القيامة وفي قراءة برفع الثلاثة { والكفرون } بالله أو بما فرض عليهم { هم الظلمون } لوضعهم أمر الله في غير محله.
[2.255]
{ الله لآ إله } أي لا معبود بحق في الوجود { إلا هو الحى } الدائم البقاء { القيوم } المبالغ في القيام بتدبير خلقه { لا تأخذه سنة } نعاس { ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض } ملكا وخلقا وعبيدا { من ذا الذى } أي لا أحد { يشفع عنده إلا بإذنه } له فيها { يعلم ما بين أيديهم } أي الخلق { وما خلفهم } أي من أمر الدنيا والآخرة { ولا يحيطون بشيء من علمه } أي لا يعلمون شيئا من معلوماته { إلا بما شآء } أن يعلمهم به منها بإخبار الرسل { وسع كرسيه السموات والأرض } قيل أحاط علمه بهما وقيل ملكه وقيل الكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته لحديث
" ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس "
{ ولا يؤده } يثقله { حفظهما } أي السموات والأرض { وهو العلى } فوق خلقه بالقهر { العظيم } الكبير.
[2.256]
{ لآ إكراه فى الدين } على الدخول فيه { قد تبين الرشد من الغي } أي ظهر بالآيات البينات أن الإيمان رشد والكفر غي نزلت فيمن كان له من الأنصار أولاد أراد أن يكرههم على الإسلام { فمن يكفر بالطغوت } الشيطان أو الأصنام وهو يطلق على المفرد والجمع { ويؤمن بالله فقد استمسك } تمسك { بالعروة الوثقى } بالعقد المحكم { لا انفصام } انقطاع { لها والله سميع } لما يقال { عليم } بما يفعل.
[2.257]
{ الله ولي } ناصر { الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمت } الكفر { إلى النور } الإيمان { والذين كفروا أوليآؤهم الطغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمت } ذكر الإخراج: إما في مقابلة قوله: (يخرجهم من الظلمات)، أو في كل من آمن بالنبي قبل بعثته من اليهود ثم كفر به { أولئك أصحب النار هم فيها خلدون }.
[2.258]
{ ألم تر إلى الذى حآج } جادل { إبرهيم فى ربه } ل { أن ءاته الله الملك } أي حمله بطره بنعمة الله على ذلك وهو( نمرود) { إذ } بدل من (حاج) { قال إبرهيم } لما قال له من ربك الذي تدعونا إليه؟ { ربي الذى يحى ويميت } أي يخلق الحياة والموت في الأجساد { قال } هو { أنا أحى وأميت } بالقتل والعفو عنه، ودعا برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر فلما رآه غبيا { قال إبرهيم } منتقلا إلى حجة أوضح منها { فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها } أنت { من المغرب فبهت الذى كفر } تحير ودهش { والله لا يهدى القوم الظلمين } بالكفر إلى محجة الاحتجاج.
[2.259]
{ أو } رأيت { كالذى } الكاف زائدة { مر على قرية } هي بيت المقدس راكبا على حمار ومعه سلة تين وقدح عصير وهو (عزير) { وهى خاوية } ساقطة { على عروشها } سقوطها لما خربها بختنصر { قال إنى } كيف { يحى هذه الله بعد موتها } استعظاما لقدرته تعالى { فأماته الله } وألبثه { مائة عام ثم بعثه } أحياه ليريه كيفية ذلك { قال } تعالى له { كم لبثت } مكثت هنا؟ { قال لبثت يوما أو بعض يوم } لأنه نام أول النهار فقبض وأحيي عند الغروب فظن أنه يوم النوم { قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك } التين { وشرابك } العصير { لم يتسنه } لم يتغير مع طول الزمان، و(الهاء) قيل أصل من (سانهت) وقيل للسكت من (سانيت)، وفي قراءة بحذفها { وانظر إلى حمارك } كيف هو؟ فرآه ميتا وعظامه بيض تلوح!فعلنا ذلك لتعلم { ولنجعلك ءاية } على البعث { للناس وانظر إلى العظام } من حمارك { كيف ننشزها } نحييها بضم النون وقرىء بفتحها من (أنشر) و(نشر)- لغتان-، وفي قراءة( ننشزها) بضم النون والزاي أي نحركها ونرفعها { ثم نكسوها لحما } فنظر إليها وقد تركبت وكسيت لحما ونفخ فيه الروح ونهق { فلما تبين له } ذلك بالمشاهدة { قال أعلم } علم مشاهدة { إن الله على كل شىء قدير } وفي قراءة (اعلم) أمر من الله له.
[2.260]
{ و } اذكر { وإذ قال إبرهيم رب أرنى كيف تحي الموتى } تعالى له { أولم تؤمن } بقدرتي على الإحياء؟ سأله مع علمه بإيمانه بذلك ليجيبه بما سأل فيعلم السامعون غرضه { قال بلى } آمنت { ولكن } سألتك { ليطمئن } يسكن { قلبى } بالمعاينة المضمومة إلى الاستدلال { قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك } بكسر الصاد وضمها أملهن إليك وقطعهن واخلط لحمهن وريشهن { ثم اجعل على كل جبل } من جبال أرضك { منهن جزءا ثم ادعهن } إليك { يأتينك سعيا } سريعا { واعلم أن الله عزيز } لا يعجزه شيء { حكيم } في صنعه فأخذ طاووسا ونسرا وغرابا وديكا وفعل بهن ما ذكر وأمسك رؤوسهن عنده ودعاهن فتطايرت الأجزاء إلى بعضها حتى تكاملت ثم أقبلت إلى رؤوسها.
[2.261]
{ مثل } صفة نفقات { الذين ينفقون أمولهم في سبيل الله } أي طاعته { كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } فكذلك نفقاته تضاعف لسبعمائة ضعف { والله يضعف } أكثر من ذلك { لمن يشاء والله وسع } فضله { عليم } بمن يستحق المضاعفة.
[2.262]
{ الذين ينفقون أمولهم فى سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا } على المنفق عليه بقولهم مثلا: قد أحسنت إليه وجبرت حاله { ولا أذى } له بذكر ذلك إلى من لا يحب وقوفه عليه ونحوه { لهم أجرهم } ثواب إنفاقهم { عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الآخرة.
[2.263]
{ قول معروف } كلام حسن ورد على السائل جميل { ومغفرة } له في إلحاحه { خير من صدقة يتبعها أذى } بالمن وتعيير له بالسؤال { والله غنى } عن صدقة العباد { حليم } بتأخير العقوبة عن المان والمؤذى.
[2.264]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقتكم } أي أجورها { بالمن والأذى } إبطالا { كالذى } أي كإبطال نفقة الذي { ينفق ماله رئاء الناس } مرائيا لهم { ولا يؤمن بالله واليوم الأخر } وهو المنافق { فمثله كمثل صفوان } حجر أملس { عليه تراب فأصابه وابل } مطر شديد { فتركه صلدا } صلبا أملس لا شيء عليه { لا يقدرون } استئناف لبيان مثل المنافق المنفق رئاء الناس، وجمع الضمير باعتبار معنى (الذي) { على شىء مما كسبوا } عملوا أي لا يجدون له ثوابا في الآخرة كما لا يوجد على الصفوان شيء من التراب الذي كان عليه لإذهاب المطر له { والله لا يهدي القوم الكفرين }.
[2.265]
{ ومثل } نفقات { الذين ينفقون أمولهم ابتغاء } طلب { مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم } أي تحقيقا للثواب عليه بخلاف المنافقين الذين لا يرجونه لإنكارهم له، و(من) ابتدائية { كمثل جنة } بستان { بربوة } بضم الراء وفتحها، مكان مرتفع مستو { أصابها وابل فأتت } أعطت { أكلها } بضم الكاف وسكونها ثمرها { ضعفين } مثل ما يثمر غيرها { فإن لم يصبها وابل فطل } مطر خفيف يصيبها ويكفيها لارتفاعها، المعنى: تثمر وتزكو كثر المطر أم قل فكذلك نفقات من ذكر تزكو عند الله كثرت أم قلت { والله بما تعملون بصير } فيجازيكم به.
[2.266]
{ أيود } أيحب { أحدكم أن تكون له جنة } بستان { من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهر له فيها } ثمر { من كل الثمرت } قد { أصابه الكبر } فضعف من الكبر { وله ذرية ضعفاء } أولاد صغار لا يقدرون عليه { فأصابها إعصار } ريح شديدة { فيه نار فاحترقت } ففقدها أحوج ما كان إليها وبقي هو وأولاده عجزة متحيرين لا حيلة لهم وهذا تمثيل لنفقة المرائي والمان في ذهابها وعدم نفعها أحوج ما يكون إليها في الآخرة والاستفهام بمعنى النفي. وعن ابن عباس: هو الرجل عمل بالطاعات ثم بعث له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق أعماله { كذلك } كما بين ما ذكر { يبين الله لكم الأت لعلكم تتفكرون } فتعتبرون.
[2.267]
{ يأيها الذين ءامنوا أنفقوا } أي زكوا { من طيبات } جياد { ما كسبتم } من المال { ومن } طيبات { ما أخرجنا لكم من الارض } من الحبوب والثمار { ولا تيمموا } تقصدوا { الخبيث } الرديء { منه } أي من المذكور { تنفقون } ه في الزكاة، حال من ضمير( تيمموا) { ولستم بأخذيه } أي الخبيث لو أعطيتموه في حقوقكم { إلا أن تغمضوا فيه } بالتساهل وغض البصر فكيف تؤدون منه حق الله؟ { واعلموا أن الله غني } عن نفقاتكم { حميد } محمود على كل حال.
[2.268]
{ الشيطن يعدكم الفقر } يخوفكم به إن تصدقتم فتمسكون { ويأمركم بالفحشاء } البخل ومنع الزكاة { والله يعدكم } على الإنفاق { مغفرة منه } لذنوبكم { وفضلا } رزقا خلفا منه { والله وسع } فضله { عليم } بالمنفق.
[2.269]
{ يؤتى الحكمة } أي العلم النافع المؤدي إلى العمل { من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا } لمصيره إلى السعادة الأبدية { وما يذكر } فيه إدغام التاء في الأصل في الذال يتعظ { إلا أولوا الالبب } أصحاب العقول.
[2.270]
{ وما أنفقتم من نفقة } أديتم من زكاة أو صدقة { أو نذرتم من نذر } فوفيتم به { فإن الله يعلمه } فيجازيكم عليه { وما للظلمين } بمنع الزكاة والنذر أو بوضع الإنفاق في غير محله من معاصي الله { من أنصار } مانعين لهم من عذابه.
[2.271]
{ إن تبدوا } تظهروا { الصدقت } أي النوافل { فنعما هى } أي نعم شيئا إبداؤها { وإن تخفوها } تسروها { وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } من إبدائها وإيتائها الأغنياء أما صدقة الفرض فالأفضل إظهارها ليقتدى به ولئلا يتهم، وإيتاؤها الفقراء متعين { ويكفر } بالياء والنون مجزوما بالعطف على محل «فهو» ومرفوعا على الاستئناف { عنكم من } بعض { سيئاتكم والله بما تعملون خبير } عالم بباطنه كظاهره لا يخفى عليه شيء منه.
[2.272]
ولما منع صلى الله عليه وسلم من التصدق على المشركين ليسلموا نزل { ليس عليك هداهم } أي الناس إلى الدخول في الإسلام إنما عليك البلاغ { ولكن الله يهدى من يشاء } هدايته إلى الدخول فيه { وما تنفقوا من خير } مال { فلأنفسكم } لأن ثوابه لها { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } أي ثوابه لا غيره من أعراض الدنيا خبر بمعنى النهي { وما تنفقوا من خير يوف إليكم } جزاؤه { وأنتم لا تظلمون } تنقصون منه شيئا، والجملتان تأكيد للأولى.
[2.273]
{ للفقراء } خبر مبتدأ محذوف أي الصدقات { الذين أحصروا فى سبيل الله } أي حبسوا أنفسهم على الجهاد. نزلت في أهل الصفة وهم أربعمائة من المهاجرين أرصدوا لتعلم القرآن والخروج مع السرايا { لا يستطيعون ضربا } سفرا { فى الأرض } للتجارة والمعاش لشغلهم عنه بالجهاد { يحسبهم الجاهل } بحالهم { أغنياء من التعفف } أي لتعففهم عن السؤال وتركه { تعرفهم } يا مخاطب { بسيمهم } علامتهم من التواضع وأثر الجهد { لا يسئلون الناس } شيئا فيلحفون { إلحافا } أي لا سؤال لهم أصلا فلا يقع منهم إلحاف وهو الإلحاح { وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم } فمجاز عليه.
[2.274]
{ الذين ينفقون أمولهم باليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }.
[2.275]
{ الذين يأكلون الربوا } أي يأخذونه وهو الزيادة في المعاملة بالنقود والمطعومات في القدر أو الأجل { لا يقومون } من قبورهم { إلا } قياما { كما يقوم الذى يتخبطه } يصرعه { الشيطن من المس } الجنون، متعلق (بيقومون) { ذلك } الذي نزل بهم { بأنهم } بسبب أنهم { قالوا إنما البيع مثل الربوا } في الجواز وهذا من عكس التشبيه مبالغة فقال تعالى ردا عليهم { وأحل الله البيع وحرم الربوا فمن جآءه } بلغه { موعظة } وعظ { من ربه فانتهى } عن أكله { فله ما سلف } قبل النهي أي لا يسترد منه { وأمره } في العفو عنه { إلى الله ومن عاد } إلى أكله مشبها له بالبيع في الحل { فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون }.
[2.276]
{ يمحق الله الربوا } ينقصه ويذهب بركته { ويربى الصدقت } يزيدها وينميها ويضاعف ثوابها { والله لا يحب كل كفار } بتحليل الربا { أثيم } فاجر بأكله أي يعاقبه.
[2.277]
{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }.
[2.278]
{ يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا } اتركوا { ما بقى من الربوا إن كنتم مؤمنين } صادقين في إيمانكم فإن من شأن المؤمنين امتثال أمر الله تعالى، نزلت لما طالب بعض الصحابة بعد النهي بربا كان لهم قبل.
[2.279]
{ فإن لم تفعلوا } ما أمرتم به { فأذنوا } اعلموا { بحرب من الله ورسوله } لكم فيه تهديد شديد لهم ولما نزلت قالوا:لا يدي لنا بحربه { وإن تبتم } رجعتم عنه { فلكم رءوس } أصول { أمولكم لا تظلمون } بزيادة { ولا تظلمون } بنقص.
[2.280]
{ وإن كان } وقع غريم { ذو عسرة فنظرة } له أي عليكم تأخيره { إلى ميسرة } بفتح السين وضمها، أي وقت يسر { وأن تصدقوا } بالتشديد على إدغام التاء في الأصل في الصاد[تصدقوا] وبالتخفيف على حذفها[تصدقوا] أي تتصدقوا على المعسر بالإبراء { خير لكم إن كنتم تعلمون } أنه خير فافعلوه في الحديث
" من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "
رواه مسلم.
[2.281]
{ واتقوا يوما ترجعون } بالبناء للمفعول[ترجعون] تردون، وللفاعل[ترجعون] تصيرون { فيه إلى الله } هو يوم القيامة { ثم توفى } فيه { كل نفس } جزاء { ما كسبت } عملت من خير وشر { وهم لا يظلمون } بنقص حسنة أو زيادة سيئة.
[2.282]
{ يأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم } تعاملتم { بدين } كسلم وقرض { إلى أجل مسمى } معلوم { فاكتبوه } استيثاقا ودفعا للنزاع { وليكتب } كتاب الدين { بينكم كاتب بالعدل } بالحق في كتابته لا يزيد في المال والأجل ولا ينقص { ولا يأب } يمتنع { كاتب } من { أن يكتب } إذا دعي إليها { كما علمه الله } أي فضله بالكتابة فلا يبخل بها، والكاف متعلقة ب( يأب) { فليكتب } تأكيد { وليملل } يمل الكاتب { الذى عليه الحق } الدين لأنه المشهود عليه فيقر ليعلم ما عليه { وليتق الله ربه } في إملائه { ولا يبخس } ينقص { منه } أي الحق { شيئا فإن كان الذى عليه الحق سفيها } مبذرا { أو ضعيفا } عن الإملاء لصغر أو كبر { أو لا يستطيع أن يمل هو } لخرس أو جهل باللغة أو نحو ذلك { فليملل وليه } متولي أمره من والد ووصي وقيم ومترجم { بالعدل واستشهدوا } أشهدوا على الدين { شهيدين } شاهدين { من رجالكم } أي بالغي المسلمين الأحرار { فإن لم يكونا } أي الشهيدان { رجلين فرجل وامرأتان } يشهدون { ممن ترضون من الشهداء } لدينه وعدالته وتعدد النساء لأجل { أن تضل } تنسى { إحداهما } الشهادة لنقص عقلهن وضبطهن { فتذكر } بالتخفيف والتشديد { إحداهما } الذاكرة { الاخرى } الناسية وجملة الإذكار محل العلة أي لتذكر إن ضلت ودخلت على الضلال لأنه سبب. وفي قراءة بكسر «إن» شرطية، ورفع «تذكر» استئناف جوابه { ولا يأب الشهداء إذا ما } زائدة { دعوا } إلى تحمل الشهادة وأدائها { تسئموا } تملوا من { أن تكتبوه } أي ما شهدتم عليه من حق لكثرة وقوع ذلك { صغيرا } كان { أو كبيرا } قليلا أو كثيرا { إلى أجله } وقت حلوله حال من الهاء في (تكتبوه) { ذلكم } أي الكتب { أقسط } أعدل { عند الله وأقوم للشهدة } أي أعون على إقامتها لأنه يذكرها { وأدنى } أقرب إلى { أ } ن { لا ترتابوا } تشكوا في قدر الحق والأجل { إلا أن تكون } تقع { تجرة حاضرة } وفي قراءة بالنصب( فتكون) ناقصة واسمها ضمير التجارة { تديرونها بينكم } أي تقبضونها ولا أجل فيها { فليس عليكم جناح } في { أ } ن { لا تكتبوها } والمراد بها المتجر فيه { وأشهدوا إذا تبايعتم } عليه فإنه أدفع للاختلاف وهذا وما قبله أمر ندب { ولا يضار كاتب ولا شهيد } صاحب الحق ومن عليه بتحريف أو امتناع من الشهادة أو الكتابة ولا يضرهما صاحب الحق بتكليفهما ما لا يليق في الكتابة والشهادة { وإن تفعلوا } ما نهيتم عنه { فإنه فسوق } خروج عن الطاعة لاحق { بكم واتقوا الله } في أمره ونهيه { ويعلمكم الله } مصالح أموركم حال مقدرة أو مستأنف { والله بكل شيء عليم }.
[2.283]
{ وإن كنتم على سفر } أي مسافرين وتداينتم { ولم تجدوا كاتبا فرهن } وفي قراءة «فرهان» جمع (رهن) { مقبوضة } تستوثقون بها وبينت السنة جواز الرهن في الحضر ووجود الكاتب فالتقيد بما ذكر لأن التوثيق فيه أشد وأفاد قوله: «مقبوضة» اشتراط القبض في الرهن والاكتفاء به من المرتهن ووكيله { فإن أمن بعضكم بعضا } أي الدائن المدين على حقه فلم يرتهن { فليؤد الذى اؤتمن } أي المدين { أمنته } دينه { وليتق الله ربه } في أدائه { ولا تكتموا الشهدة } إذا دعيتم لإقامتها { ومن يكتمها فإنه ءاثم قلبه } خص بالذكر لأنه محل الشهادة ولأنه إذا أثم تبعه غيره فيعاقب عليه معاقبة الآثمين { والله بما تعملون عليم } لا يخفى عليه شيء منه.
[2.284]
{ لله ما فى السموات وما في الأرض وإن تبدوا } تظهروا { ما في أنفسكم } من السوء والعزم عليه { أو تخفوه } تسروه { يحاسبكم } يخبركم { به الله } يوم القيامة { فيغفر لمن يشاء } المغفرة له { ويعذب من يشاء } تعذيبه، والفعلان بالجزم عطف على جواب الشرط والرفع أي فهو { والله على كل شيء قدير } ومنه محاسبتكم وجزاؤكم.
[2.285]
{ ءامن } صدق { الرسول } محمد صلى الله عليه وسلم { بما أنزل إليه من ربه } من القرآن { والمؤمنون } عطف عليه { كل } تنوينه عوض من المضاف إليه { ءامن بالله وملئكته وكتبه } بالجمع والإفراد[وكتابه] { ورسله } يقولون { لا نفرق بين أحد من رسله } فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل اليهود والنصارى { وقالوا سمعنا } أي ما أمرنا به سماع قبول { وأطعنا } نسألك { غفرانك ربنا وإليك المصير } المرجع بالبعث، ولما نزلت الآية قبلها شكا المؤمنون من الوسوسة وشق عليهم المحاسبة بها فنزل:
[2.286]
{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } أي ما تسعه قدرتها { لها ما كسبت } من الخير أي ثوابه { وعليها ما اكتسبت } من الشر أي وزره ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد ولا بما لم يكسبه مما وسوست به نفسه قولوا { ربنا لا تؤاخذنا } بالعقاب { إن نسينا أو أخطأنا } تركنا الصواب لا عن عمد كما آخذت به من قبلنا وقد رفع الله ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث، فسؤاله اعتراف بنعمة الله { ربنا ولا تحمل علينا إصرا } أمرا يثقل علينا حمله { كما حملته على الذين من قبلنا } أي بني إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة } قوة { لنا به } من التكاليف والبلاء { واعف عنا } امح ذنوبنا { واغفر لنا وارحمنا } في الرحمة زيادة على المغفرة { أنت مولنا } سيدنا ومتولي أمورنا { فانصرنا على القوم الكفرين } بإقامة الحجة والغلبة في قتالهم فإن من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء، وفي الحديث
" لما نزلت هذه الآية فقرأها صلى الله عليه وسلم قيل له عقب كل كلمة: قد فعلت ".
[3 - سورة آل عمران]
[3.1]
{ الم } الله أعلم بمراده بذلك.
[3.2]
{ الله لا إله إلا هو الحى القيوم }.
[3.3]
{ نزل عليك } يا محمد { الكتب } القرآن متلبسا { بالحق } بالصدق في أخباره { مصدقا لما بين يديه } قبله من الكتب { وأنزل التوراة والإنجيل }.
[3.4]
{ من قبل } أي قبل تنزيله { هدى } حال بمعنى هاديين من الضلالة { للناس } ممن تبعهما وعبر فيهما ب (أنزل) وفي القرآن ب(نزل) المقتضي للتكرير لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلافه { وأنزل الفرقان } بمعنى الكتب الفارقة بين الحق والباطل وذكره بعد ذكر الثلاثة ليعم ما عداها { إن الذين كفروا بئايت الله } القرآن وغيره { لهم عذاب شديد والله عزيز } غالب على أمره فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده { ذو انتقام } عقوبة شديدة ممن عصاه لا يقدر على مثلها أحد.
[3.5]
{ إن الله لا يخفى عليه شىء } كائن { في الأرض ولا فى السماء } لعلمه بما يقع في العالم من كلي وجزئي وخصهما بالذكر لأن الحس لا يتجاوزهما.
[3.6]
{ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } من ذكورة وأنوثة وبياض وسواد وغير ذلك { لا إله إلا هو } في ملكه { العليم الحكيم } في صنعه.
[3.7]
{ هو الذى أنزل عليك الكتب منه ءايت محكمت } واضحات الدلالة { هن أم الكتب } أصله المعتمد عليه في الأحكام { وأخر متشبهت } لا تفهم معانيها كأوائل السور وجعله كله محكما في قوله
أحكمت آياته
[1:11] بمعنى أنه ليس فيه عيب ومتشابها في قوله
كتابا متشابها
[23:39] بمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحسن والصدق { فأما الذين فى قلوبهم زيغ } ميل عن الحق { فيتبعون ما تشبه منه ابتغاء } طلب { الفتنة } لجهالهم بوقوعهم في الشبهات واللبس { وابتغاء تأويله } تفسيره { وما يعلم تأويله } تفسيره { إلا الله } وحده { والراسخون } الثابتون المتمكنون { فى العلم } مبتدأ خبره { يقولون ءامنا به } أي بالمتشابه أنه من عند الله ولا نعلم معناه { كل } من المحكم والمتشابه { من عند ربنا وما يذكر } بإدغام التاء في الأصل في الذال أي يتعظ { إلا أولوا الألبب } أصحاب العقول ويقولون أيضا إذا رأوا من يتبعه.
[3.8]
{ ربنا لا تزغ قلوبنا } تملها عن الحق ابتغاء تأويله الذي لا يليق بنا كما أزغت قلوب أولئك { بعد إذ هديتنا } أرشدتنا إليه { وهب لنا من لدنك } من عندك { رحمة } تثبيتا { إنك أنت الوهاب }.
[3.9]
يا { ربنا إنك جامع الناس } تجمعهم { ليوم } أي في يوم { لا ريب } شك { فيه } هو يوم القيامة فتجازيهم بأعمالهم كما وعدت بذلك { إن الله لا يخلف الميعاد } موعده بالبعث فيه التفات عن الخطاب ويحتمل أن يكون من كلامه تعالى والغرض من الدعاء بذلك بيان أن همهم أمر الآخرة ولذلك سألوا الثبات على الهداية لينالوا ثوابها، روى الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " هو الذى أنزل عليك الكتب منه آيت محكمت " إلى آخرها، وقال
" فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم "
وروى الطبراني في الكبير عن أبي موسى الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول
" ما أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال» وذكر منها «أن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وليس يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب "
الحديث.
[3.10]
{ إن الذين كفروا لن تغنى } تدفع { عنهم أمولهم ولا أولدهم من الله } أي عذابه { شيئا وأولئك هم وقود النار } بفتح الواو ما توقد به.
[3.11]
دأبهم { كدأب } كعادة { ءال فرعون والذين من قبلهم } من الأمم كعاد وثمود { كذبوا بئايتنا فأخذهم الله } أهلكهم { بذنوبهم } والجملة مفسرة لما قبلها { والله شديد العقاب } ونزل لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بالإسلام بعد مرجعه من بدر فقالوا له: لا يغرنك أن قتلت نفرا من قريش أغمارا لا يعرفون القتال.
[3.12]
{ قل } يا محمد { للذين كفروا } من اليهود { ستغلبون } بالتاء والياء، في الدنيا بالقتل والأسر وضرب الجزية وقد وقع ذلك { وتحشرون } بالوجهين في الآخرة { إلى جهنم } فتدخلونها { وبئس المهاد } الفراش هي.
[3.13]
{ قد كان لكم ءاية } عبرة وذكر الفعل للفصل { في فئتين } فرقتين { التقتا } يوم بدر للقتال { فئة تقتل فى سبيل الله } أي طاعته،وهم النبي وأصحابه وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معهم فرسان وست أدرع وثمانية سيوف وأكثرهم رجالة { وأخرى كافرة يرونهم } أي الكفار { مثليهم } أي المسلمين أي أكثر منهم وكانوا نحو ألف { رأى العين } أي رؤية ظاهرة معاينة وقد نصرهم الله مع قلتهم { والله يؤيد } يقوي { بنصره من يشاء } نصره { إن فى ذلك } المذكور { لعبرةلأولى الأبصر } لذوي البصائر أفلا تعتبرون بذلك فتؤمنون؟.
[3.14]
{ زين للناس حب الشهوت } ما تشتهيه النفس وتدعو إليه، زينها الله ابتلاء أو الشيطان { من النساء والبنين والقنطير } الأموال الكثيرة { المقنطرة } المجمعة { من الذهب والفضة والخيل المسومة } الحسان { والأنعم } أي الإبل والبقر والغنم { والحرث } الزرع { ذلك } المذكور { متع الحيوة الدنيا } يتمتع به فيها ثم يفنى { والله عنده حسن المأب } المرجع وهو الجنة فينبغي الرغبة فيه دون غيره.
[3.15]
{ قل } يا محمد لقومك { أؤنبئكم } أخبركم { بخير من ذلكم } المذكور من الشهوات، استفهام تقرير { للذين اتقوا } الشرك { عند ربهم } خبر مبتدؤه { جنت تجرى من تحتها الأنهار خالدين } أي مقدرين الخلود { فيها } إذا دخلوها { وأزوج مطهرة } من الحيض وغيره مما يستقذر { ورضوان } بكسر أوله وضمه لغتان أي رضا كثير { من الله والله بصير } عالم { بالعباد } فيجازي كلا منهم بعمله.
[3.16]
{ الذين } نعت أو بدل من (الذين) قبله { يقولون } يا { ربنا إننا ءامنا } صدقنا بك وبرسولك { فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار }.
[3.17]
{ الصبرين } على الطاعة وعن المعصية نعت { والصدقين } في الإيمان { والقنتين } المطيعين لله { والمنفقين } المتصدقين { والمستغفرين } الله بأن يقولوا اللهم اغفر لنا { بالأسحار } أواخر الليل خصت بالذكر لأنها وقت الغفلة ولذة النوم.
[3.18]
{ شهد الله } بين لخلقه بالدلائل والآيات { أنه لا إله } أي لا معبود في الوجود بحق { إلا هو } شهد بذلك { الملئكة } بالإقرار { وأولوا العلم } من الأنبياء والمؤمنين بالاعتقاد واللفظ { قائما } بتدبير مصنوعاته ونصبه على الحال والعامل فيها معنى الجملة أي تفرد { بالقسط } بالعدل { لا إله إلا هو } كرره تأكيدا { العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه.
[3.19]
{ إن الدين } المرضي { عند الله } هو { الإسلم } أي الشرع المبعوث به الرسل المبني على التوحيد وفي قراءة بفتح «إن» بدل من أنه الخ بدل اشتمال { وما اختلف الذين أوتوا الكتب } اليهود والنصارى في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض { إلا من بعد ما جاءهم العلم } بالتوحيد { بغيا } من الكافرين { بينهم ومن يكفر بآيت الله فإن الله سريع الحساب } أي المجازاة له.
[3.20]
{ فإن حاجوك } خاصمك الكفار يا محمد في الدين { فقل } لهم: { أسلمت وجهى لله } انقدت له أنا { ومن اتبعن } وخص الوجه بالذكر لشرفه فغيره أولى { وقل للذين أوتوا الكتب } اليهود والنصارى { والأميين } مشركي العرب { ءأسلمتم } أي أسلموا { فإن أسلموا فقد اهتدوا } من الضلال { وإن تولوا } عن الإسلام { فإنما عليك البلغ } التبليغ للرسالة { والله بصير بالعباد } فيجازيهم بأعمالهم وهذا قبل الأمر بالقتال.
[3.21]
{ إن الذين يكفرون بآيت الله ويقتلون } وفي قراءة (يقاتلون) { النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط } بالعدل { من الناس } وهم اليهود روي أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا فنهاهم مائة وسبعون من عبادهم فقتلوهم من يومهم { فبشرهم } أعلمهم { بعذاب أليم } مؤلم وذكر البشارة تهكم بهم ودخلت الفاء في خبر (إن) لشبه اسمها الموصول بالشرط.
[3.22]
{ أولئك الذين حبطت } بطلت { أعملهم } ما عملوا من خير كصدقة وصلة رحم { فى الدنيا والأخرة } فلا اعتداد بها لعدم شرطها { وما لهم من نصرين } مانعين من العذاب.
[3.23]
{ ألم تر } تنظر { إلى الذين أوتوا نصيبا } حظا { من الكتب } التوراة { يدعون } حال { إلى كتب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون } عن قبول حكمه نزلت في اليهود زنى منهم اثنان فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم عليهما بالرجم فأبوا فجيء بالتوراة فوجد فيها فرجما فغضبوا.
[3.24]
{ ذلك } التولي والإعراض { بأنهم قالوا } أي بسبب قولهم { لن تمسنا النار إلا أياما معدودت } أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل ثم تزول عنهم { وغرهم فى دينهم } متعلق بقوله { ما كانوا يفترون } من قولهم ذلك.
[3.25]
{ فكيف } حالهم { إذا جمعنهم ليوم } أي في يوم { لا ريب } لاشك { فيه } هو يوم القيامة { ووفيت كل نفس } من أهل الكتاب وغيرهم جزاء { ما كسبت } عملت من خير وشر { وهم } أي الناس { لا يظلمون } بنقص حسنة أو زيادة سيئة.
[3.26]
ونزل لما وعد النبي صلى الله عليه وسلم أمته ملك فارس والروم فقال المنافقون هيهات: { قل اللهم } يا الله { ملك الملك تؤتى } تعطي { الملك من تشاء } من خلقك { وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء } بإيتائه { وتذل من تشاء } بنزعه منه { بيدك } بقدرتك { الخير } أي والشر { إنك على كل شىء قدير }.
[3.27]
{ تولج } تدخل { اليل فى النهار وتولج النهار } تدخله { في الليل } فيزيد كل منهما بما نقص من الآخر { وتخرج الحى من الميت } كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة { وتخرج الميت } كالنطفة والبيضة { من الحى وترزق من تشاء بغير حساب } أي رزقا واسعا.
[3.28]
{ لا يتخذ المؤمنون الكفرين أولياء } يوالونهم { من دون } أي غير { المؤمنين ومن يفعل ذلك } أي يواليهم { فليس من } دين { الله في شىء إلا أن تتقوا منهم تقة } مصدر (تقيته): أي (تخافوا مخافة) فلكم موالاتهم باللسان دون القلب وهذا قبل عزة الإسلام ويجري في بلدة ليس قويا فيها { ويحذركم } يخوفكم { الله نفسه } أن يغضب عليكم إن واليتموهم { وإلى الله المصير } المرجع فيجازيكم.
[3.29]
{ قل } لهم { إن تخفوا ما فى صدوركم } قلوبكم من موالاتهم { أو تبدوه } تظهروه { يعلمه الله } هو { يعلم ما فى السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير } ومنه تعذيب من والاهم.
[3.30]
اذكر { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء } مبتدأ خبره { تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } غاية في نهاية البعد فلا يصل إليها { ويحذركم الله نفسه } كرر للتأكيد { والله رءوف بالعباد }.
[3.31]
ونزل لما قالوا: ما نعبد الأصنام إلا حبا لله ليقربونا إليه { قل } لهم يا محمد { إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله } بمعنى أنه يثيبكم { ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور } لمن اتبعني ما سلف منه قبل ذلك { رحيم } به.
[3.32]
{ قل } لهم { أطيعوا الله والرسول } فيما يأمركم به من التوحيد { فإن تولوا } أعرضوا عن الطاعة { فإن الله لا يحب الكفرين } فيه إقامة الظاهر مقام المضمر أي لا يحبهم بمعنى أنه يعاقبهم.
[3.33]
{ إن الله اصطفى } اختار { آدم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران } بمعنى أنفسهما { على العلمين } بجعل الأنبياء من نسلهم.
[3.34]
{ ذرية بعضها من } ولد { بعض } منهم { والله سميع عليم }.
[3.35]
اذكر { إذ قالت امرأت عمرن } (حنة) لما أسنت واشتاقت للولد فدعت الله وأحست بالحمل يا { رب إني نذرت } أن أجعل { لك ما في بطني محررا } عتيقا خالصا من شواغل الدنيا لخدمة بيتك المقدس { فتقبل مني إنك أنت السميع } للدعاء { العليم } بالنيات، وهلك عمران وهي حامل.
[3.36]
{ فلما وضعتها } ولدتها جارية وكانت ترجو أن يكون غلاما إذ لم يكن يحرر إلا الغلمان { قالت } معتذرة { رب إنى وضعتها أنثى والله أعلم } أي عالم { بما وضعت } جملة اعتراض من كلامه تعالى وفي قراءة بضم التاء { وليس الذكر } الذي طلبت { كالأنثى } التي (وهبت) لأنه يقصد للخدمة وهي لا تصلح لها لضعفها وعورتها وما يعتريها من الحيض ونحوه { وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها } أولادها { من الشيطن الرجيم } المطرود. وفي الحديث
" ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا إلا مريم وابنها "
رواه الشيخان.
[3.37]
{ فتقبلها ربها } أي قبل مريم من أمها { بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا } أنشأها بخلق حسن فكانت تنبت في اليوم كما ينبت المولود في العام وأتت بها أمها الأحبار سدنة بيت المقدس فقالت: دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها بنت إمامهم، فقال زكريا أنا أحق بها لأن خالتها عندي فقالوا لا حتى نقترع فانطلقوا - وهم تسعة وعشرون - إلى نهر الأردن وألقوا أقلامهم على أن من ثبت قلمه في الماء وصعد فهو أولى بها، فثبت قلم زكريا فأخذها وبنى لها غرفة في المسجد بسلم لا يصعد إليها غيره وكان يأتيها بأكلها وشربها ودهنها فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف كما قال تعالى { وكفلها زكريا } ضمها إليه وفي قراءة بالتشديد ونصب (زكريا) ممدودا[وكفلها زكريا] ومقصورا والفاعل الله { كلما دخل عليها زكريا المحراب } الغرفة وهي أشرف المجالس { وجد عندها رزقا قال يمريم أنى } من أين { لك هذا قالت } وهي صغيرة { هو من عند الله } يأتيني به من الجنة { إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } رزقا واسعا بلا تبعة.
[3.38]
{ هنالك } أي لما رأى زكريا ذلك وعلم أن القادر على الإتيان بالشيء في غير حينه قادر على الإتيان بالولد على الكبر وكان أهل بيته انقرضوا { دعا زكريا ربه } لما دخل المحراب للصلاة في جوف الليل { قال رب هب لى من لدنك } من عندك { ذرية طيبة } ولدا صالحا { إنك سميع } مجيب { الدعاء }.
[3.39]
{ فنادته الملئكة } أي جبرئيل { وهو قائم يصلى فى المحراب } أي المسجد { أن } أي بأن، وفي قراءة بالكسر[إن] بتقدير القول { الله يبشرك } مثقلا ومخففا [يبشرك] { بيحيى مصدقا بكلمة } كائنة { من الله } أي بعيسى أنه روح الله وسمي (كلمة) لأنه خلق بكلمة (كن) { وسيدا } متبوعا { وحصورا } ممنوعا من النساء { ونبيا من الصلحين } روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها.
[3.40]
{ قال رب أنى } كيف { يكون لي غلم } ولد { وقد بلغني الكبر } أي بلغت نهاية السن مائة وعشرين سنة { وامرأتى عاقر } بلغت ثماني وتسعين سنة { قال } الأمر { كذلك } من خلق الله غلاما منكما { الله يفعل ما يشاء } لا يعجزه عنه شيء، ولإظهاره هذه القدرة العظيمة ألهم السؤال ليجاب بها ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به.
[3.41]
{ قال رب اجعل لى ءاية } أي علامة على حمل امرأتي { قال ءايتك ألاتكلم الناس } عليه { أن لا * تكلم الناس } أي تمتنع من كلامهم بخلاف ذكر الله تعالى { ثلثة أيام } أي بلياليها { إلا رمزا } إشارة { واذكر ربك كثيرا وسبح } صل { بالعشى والإبكر } أواخر النهار وأوائله.
[3.42]
{ و } اذكر { إذ قالت الملئكة } أي جبريل { يمريم إن الله اصطفك } اختارك { وطهرك } من مسيس الرجال { واصطفك على نساء العلمين } أي أهل زمانك.
[3.43]
{ يمريم اقنتى لربك } أطيعيه { واسجدى واركعى مع الركعين } أي صلي مع المصلين.
[3.44]
{ ذلك } المذكور من أمر زكريا ومريم { من أنباء الغيب } أخبار ما غاب عنك { نوحيه إليك } يا محمد { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم } في الماء يقترعون ليظهر لهم { أيهم يكفل } يربي { مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون } في كفالتها فتعرف ذلك فتخبر به وإنما عرفته من جهة الوحي.
[3.45]
اذكر { إذ قالت الملئكة } أي جبريل { يمريم إن الله يبشرك بكلمة منه } أي ولد { اسمه المسيح عيسى ابن مريم } خاطبها بنسبته إليها تنبيها على أنها تلده بلا أب إذ عادة الرجال نسبتهم إلى آبائهم { وجيها } ذا جاه { فى الدنيا } بالنبوة { والأخرة } بالشفاعة والدرجات العلا { ومن المقربين } عند الله.
[3.46]
{ ويكلم الناس فى المهد } أي طفلا قبل وقت الكلام { وكهلا ومن الصلحين }.
[3.47]
{ قالت رب أنى } كيف { يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر } بتزوج ولا غيره؟ { قال } الأمر { كذلك } من خلق ولد منك بلا أب { الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا } أراد خلقه { فإنما يقول له كن فيكون } أي فهو يكون.
[3.48]
{ ويعلمه } بالنون والياء { الكتب } الخط { والحكمة والتوراة والإنجيل }.
[3.49]
{ و } نجعله { رسولا إلى بنى إسرءيل } في الصبا أو بعد البلوغ، فنفخ جبريل في جيب درعها فحملت وكان من أمرها ما ذكر في سورة (مريم)[19: 16-34] فلما بعثه الله إلى بني إسرائيل قال لهم: إني رسول الله إليكم { أني } أي بأني { قد جئتكم بآية } علامة على صدقي { من ربكم } هي { أني } وفي قراءة بالكسر استئنافا { أخلق } أصور { لكم من الطين كهيئة الطير } مثل صورته فالكاف اسم مفعول { فأنفخ فيه } الضمير للكاف { فيكون طيرا } وفي قراءة (طائرا) { بإذن الله } بإرادته فخلق لهم (الخفاش) لأنه أكمل الطير خلقا فكان يطير وهم ينظرونه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا { وأبرىء } أشفي { الأكمه } الذي ولد أعمى { والابرص } وخصا بالذكر لأنهما داءا إعياء وكان بعثه في زمن الطب فأبرأ في يوم خمسين ألفا بالدعاء بشرط الإيمان { وأحي لموتى بإذن الله } كرره لنفي توهم الألوهية فيه فأحيا عازر صديقا له وابن العجوز وابنة العاشر فعاشوا وولد لهم، وسام بن نوح ومات في الحال { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون } تخبئون { فى بيوتكم } مما لم أعاينه فكان يخبر الشخص بما أكل وبما يأكل بعد { إن فى ذلك } المذكور { لأية لكم إن كنتم مؤمنين }.
[3.50]
{ و } جئتكم { مصدقا لما بين يدى } قبلي { من التوراة لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } فيها فأحل لهم من السمك والطير ما لا صيصية له. وقيل أحل الجميع ف (بعض) بمعنى (كل) { وجئتكم بئاية من ربكم } كرره تأكيدا وليبني عليه { فاتقوا الله وأطيعون } فيما آمركم به من توحيد الله وطاعته.
[3.51]
{ إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا } الذي آمركم به { صرط } طريق { مستقيم } فكذبوه ولم يؤمنوا به.
[3.52]
{ فلمآ أحس } علم { عيسى منهم الكفر } وأرادوا قتله { قال من أنصارى } أعواني ذاهبا { إلى الله } لأنصر دينه { قال الحواريون نحن أنصار الله } أعوان دينه وهم أصفياء عيسى أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا، من (الحور) وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها { ءامنا } صدقنا { بالله واشهد } يا عيسى { بأنا مسلمون }.
[3.53]
{ ربنآ ءامنآ بما أنزلت } من الإنجيل { واتبعنا الرسول } عيسى { فاكتبنا مع الشهدين } لك بالوحدانية ولرسولك بالصدق.
[3.54]
قال تعالى { ومكروا } أي كفار بني إسرائيل بعيسى إذ وكلوا به من يقتله غيلة { ومكر الله } بهم بأن ألقى شبه عيسى على من قصد قتله فقتلوه، ورفع عيسى إلى السماء { والله خير المكرين } أعلمهم به.
[3.55]
اذكر { إذ قال الله يعيسى إني متوفيك } قابضك { ورافعك إلى } من الدنيا من غير موت { ومطهرك } مبعدك { من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك } صدقوا بنبوتك من المسلمين والنصارى { فوق الذين كفروا } وهم اليهود يعلونهم بالحجة والسيف { إلى يوم القيمة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون } من أمر الدين.
[3.56]
{ فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا } بالقتل والسبي والجزية { والأخرة } بالنار { وما لهم من نصرين } مانعين منه.
[3.57]
{ وأما الذين ءامنوا وعملوا الصلحات فيوفيهم } بالياء والنون { أجورهم والله لا يحب الظلمين } أي يعاقبهم. روي أن الله تعالى أرسل إليه سحابة فرفعته فتعلقت به أمه وبكت فقال إن القيامة تجمعنا، وكان ذلك ليلة القدر ببيت المقدس وله ثلاث وثلاثون سنة، وعاشت أمه بعده ست سنين. وروى الشيخان حديث
" أنه ينزل قرب الساعة ويحكم بشريعة نبينا ويقتل الدجال والخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية "
وفي حديث مسلم:
" أنه يمكث سبع سنين "
وفي حديث عن أبي داود الطيالسي
" أربعين سنة ويتوفى ويصلى عليه "
فيحتمل أن المراد مجموع لبثه في الأرض قبل الرفع وبعده.
[3.58]
{ ذلك } المذكور من أمر عيسى { نتلوه } نقصه { عليك } يا محمد { من الأيت } حال من الهاء في (نتلوه) وعامله ما في (ذلك) من معنى الإشارة { والذكر الحكيم } المحكم أي القرآن.
[3.59]
{ إن مثل عيسى } شأنه الغريب { عند الله كمثل ءادم } كشأنه من غير أب وهو تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأوقع في النفس { خلقه } أي آدم أي قالبه { من تراب ثم قال له كن } بشرا { فيكون } أي فكان وكذلك عيسى قال له: كن من غير أب فكان.
[3.60]
{ لحق من ربك } خبر مبتدأ محذوف أي أمر عيسى { فلا تكن من الممترين } الشاكين فيه.
[3.61]
{ فمن حآجك } جادلك من النصارى { فيه من بعد ما جآءك من العلم } بأمره { فقل } لهم { تعالوا ندع أبنآءنا وأبنآءكم ونسآءنا ونسآءكم وأنفسنا وأنفسكم } فنجمعهم { ثم نبتهل } نتضرع في الدعاء { فنجعل لعنت الله على الكذبين } بأن نقول: (اللهم العن الكاذب في شأن عيسى) وقد دعا صلى الله عليه وسلم وفد نجران لذلك لما حاجوه فيه فقالوا: حتى ننظر في أمرنا ثم نأتيك، فقال ذو رأيهم: لقد عرفتم نبوته وأنه ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا فوادعوا الرجل وانصرفوا، فأتوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقد خرج ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي وقال لهم:
" إذا دعوت فأمنوا "
، فأبوا أن يلاعنوا وصالحوه على الجزية. رواه أبو نعيم وعن ابن عباس قال:
" لو خرج الذين يباهلون لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا "
وروي:
" لو خرجوا لاحترقوا "
[3.62]
{ إن هذا } المذكور { لهو القصص } الخبر { الحق } الذي لا شك فيه { وما من } زائدة { إله إلا الله وإن الله لهو العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه.
[3.63]
{ فإن تولوا } أعرضوا عن الإيمان { فإن الله عليم بالمفسدين } فيجازيهم، وفيه وضع الظاهر موضع المضمر.
[3.64]
{ قل يأهل لكتب } اليهود والنصارى { تعالوا إلى كلمة سواء } مصدر بمعنى مستو أمرها { بيننا وبينكم } هي { ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله } كما اتخذتم الأحبار والرهبان { فإن تولوا } أعرضوا عن التوحيد { فقولوا } أنتم لهم { اشهدوا بأنا مسلمون } موحدون.
[3.65]
ونزل لما قال اليهود إبراهيم يهودي ونحن على دينه وقالت النصارى كذلك: { يأهل الكتب لم تحآجون } تخاصمون { فى إبرهيم } بزعمكم أنه على دينكم { ومآ أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده } بزمن طويل وبعد نزولهما حدثت اليهودية والنصرانية؟ { أفلا تعقلون } بطلان قولكم؟
[3.66]
{ ها } للتنبيه { أنتم } مبتدأ يا { هؤلاء } والخبر { حججتم فيما لكم به علم } من أمر موسى وعيسى وزعمكم أنكم على دينهما { فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم } من شأن إبراهيم { والله يعلم } شأنه { وأنتم لا تعلمون } ، قال الله تعالى تبرئة لإبراهيم.
[3.67]
{ ما كان إبرهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا } مائلا عن الأديان كلها إلى الدين القيم { مسلما } موحدا { وما كان من المشركين }.
[3.68]
{ إن أولى الناس } أحقهم { بإبرهيم للذين اتبعوه } في زمانه { وهذا النبى } محمد لموافقته له في أكثر شرعه { والذين ءامنوا } من أمته فهم الذين ينبغي أن يقولوا نحن على دينه لا أنتم { والله ولى المؤمنين } ناصرهم وحافظهم.
[3.69]
ونزل لما دعا اليهود معاذا وحذيفة وعمارا إلى دينهم { ودت طائفة من أهل الكتب لو يضلونكم وما يضلون إلآ أنفسهم } لأن إثم إضلالهم عليهم والمؤمنون لا يطيعونهم فيه { وما يشعرون } بذلك.
[3.70]
{ يأهل الكتب لم تكفرون بئايت الله } القرآن المشتمل على نعت محمد صلى الله عليه وسلم { وأنتم تشهدون } تعلمون أنه حق؟
[3.71]
{ يأهل الكتب لم تلبسون } تخلطون { الحق بالبطل } بالتحريف والتزوير { وتكتمون الحق } أي نعت النبي صلى الله عليه وسلم { وأنتم تعلمون } أنه حق.
[3.72]
{ وقالت طآئفة من أهل الكتب } اليهود لبعضهم { ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا } أي القرآن { وجه النهار } أوله { واكفروا } به { ءاخره لعلهم } أي المؤمنين { يرجعون } عن دينهم إذ يقولون ما رجع هؤلاء عنه بعد دخولهم فيه- وهم أولو علم - إلا لعلمهم بطلانه.
[3.73]
وقالوا أيضا { ولا تؤمنوا } تصدقوا { إلا لمن } اللام زائدة { تبع } وافق { دينكم } قال تعالى { قل } لهم يا محمد { إن الهدى هدى الله } الذي هو الإسلام وما عداه ضلال، والجملة اعتراض { أن } أي بأن { يؤتى أحد مثل مآ أوتيتم } من الكتاب والحكمة والفضائل، و «أن» مفعول (تؤمنوا) والمستثنى منه «أحد» قدم عليه المستثنى، المعنى: لا تقروا بأن أحدا يؤتى ذلك إلا لمن تبع دينكم { أو } بأن { يحآجوكم } أي المؤمنون يغلبوكم { عند ربكم } يوم القيامة لأنكم أصح دينا. وفي قراءة:«أأن» بهمزة التوبيخ: أي أإيتاء أحد مثله تقرون به قال تعالى { قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشآء } فمن أين لكم أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم؟ { والله وسع } كثير الفضل { عليم } بمن هو أهله.
[3.74]
{ يختص برحمته من يشآء والله ذو الفضل العظيم }.
[3.75]
{ ومن أهل الكتب من إن تأمنه بقنطار } أي بمال كثير { يؤده إليك } لأمانته كعبد الله بن سلام أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية ذهبا فأداها إليه { ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } لخيانته { إلا ما دمت عليه قآئما } لا تفارقه، فمتى فارقته أنكره، ككعب بن الأشرف استودعه قرشي دينارا فجحده { ذلك } أي ترك الأداء { بأنهم قالوا } بسبب قولهم { ليس علينا فى الأميين } أي العرب { سبيل } أي إثم لاستحلالهم ظلم من خالف دينهم ونسبوه إليه تعالى، قال تعالى { ويقولون على الله الكذب } في نسبة ذلك إليه { وهم يعلمون } أنهم كاذبون.
[3.76]
{ بلى } عليهم فيه سبيل { من أوفى بعهده } الذي عاهد الله عليه أو بعهد الله إليه من أداء الأمانة وغيره { واتقى } الله بترك المعاصي وعمل الطاعات { فإن الله يحب المتقين } فيه وضع الظاهر موضع المضمر أي يحبهم بمعنى يثيبهم.
[3.77]
ونزل في اليهود لما بدلوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الله إليهم في التوراة وفيمن حلف كاذبا في دعوى أو في بيع سلعة: { إن الذين يشترون } يستبدلون { بعهد الله } إليهم في الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وأداء الأمانة { وأيمنهم } حلفهم به تعالى كاذبين { ثمنا قليلا } من الدنيا { أولئك لا خلق } نصيب { لهم فى الأخرة ولا يكلمهم الله } غضبا عليهم { ولا ينظر إليهم } يرحمهم { يوم القيمة ولا يزكيهم } يطهرهم { ولهم عذاب أليم } مؤلم.
[3.78]
{ وإن منهم } أي أهل الكتاب { لفريقا } طائفة ككعب بن الأشرف { يلوون ألسنتهم بالكتب } أي يعطفونها بقراءته عن المنزل إلى ما حرفوه من نعت النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه { لتحسبوه } أي المحرف { من الكتب } الذي أنزله الله { وما هو من الكتب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } أنهم كاذبون.
[3.79]
ونزل لما قال نصارى نجران إن عيسى أمرهم أن يتخذوه ربا، ولما طلب بعض المسلمين السجود له صلى الله عليه وسلم: { ما كان } ينبغي { لبشر أن يؤتيه الله الكتب والحكم } أي الفهم للشريعة { والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله ولكن } يقول { كونوا ربنيين } علماء عاملين منسوبين إلى (الرب) بزيادة ألف ونون تفخيما { بما كنتم تعلمون } بالتخفيف والتشديد[تعلمون] { الكتب وبما كنتم تدرسون } أي بسبب ذلك فإن فائدته أن تعملوا.
[3.80]
{ ولا يأمركم } بالرفع استئنافا أي الله والنصب عطفا على (يقول): أي البشر { أن تتخذوا الملئكة والنبيين أربابا } كما اتخذت الصابئة الملائكة واليهود عزيرا والنصارى عيسى { أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون }؟ لا ينبغي له هذا.
[3.81]
{ و } اذكر { إذ } حين { أخذ الله ميثق النبيين } عهدهم { لما } بفتح اللام للابتداء وتوكيد معنى القسم الذي فيأخذ الميثاق، وكسرها متعلقة (بأخذ)، و(ما) موصولة على الوجهين أي للذي { ءاتيتكم } إياه، وفي قراءة آتيناكم { من كتب وحكمة ثم جآءكم رسول مصدق لما معكم } من الكتاب والحكمة وهو محمد صلى الله عليه وسلم { لتؤمنن به ولتنصرنه } جواب القسم إن أدركتموه وأممهم تبع لهم في ذلك { قال } تعالى لهم { ءأقررتم } بذلك { وأخذتم } قبلتم { على ذلكم إصرى } عهدي { قالوا أقررنا قال فاشهدوا } على أنفسكم وأتباعكم بذلك { وأنا معكم من الشهدين } عليكم وعليهم.
[3.82]
{ فمن تولى } أعرض { بعد ذلك } الميثاق { فأولئك هم الفسقون }.
[3.83]
{ أفغير دين الله يبغون } بالياء أي المتواون والتاء { وله أسلم } انقاد { من فى السموت والارض طوعا } بلا إباء { وكرها } بالسيف ومعاينة ما يلجىء إليه { وإليه ترجعون } بالتاء والياء، والهمزة[في أول الآية] للإنكار.
[3.84]
{ قل } لهم يا محمد { ءامنا بالله ومآ أنزل علينا ومآ أنزل على إبرهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط } أولاده { ومآ أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم } بالتصديق والتكذيب { ونحن له مسلمون } مخلصون في العبادة، ونزل فيمن ارتد ولحق بالكفار.
[3.85]
{ ومن يبتغ غير الإسلم دينا فلن يقبل منه وهو فى الأخرة من الخسرين } لمصيره إلى النار المؤبدة عليه.
[3.86]
{ كيف } أي لا { يهدى الله قوما كفروا بعد إيمنهم وشهدوا } أي شهادتهم { أن الرسول حق و } قد { جآءهم البينت } الحجج الظاهرات على صدق النبي صلى الله عليه وسلم { والله لا يهدى القوم الظلمين } أي الكافرين.
[3.87]
{ أولئك جزآؤهم أن عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين }.
[3.88]
{ خلدين فيها } أي اللعنة أو النار المدلول بها عليها { لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون } يمهلون.
[3.89]
{ إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } عملهم { فإن الله غفور } لهم { رحيم } بهم.
[3.90]
ونزل في اليهود { إن الذين كفروا } بعيسى { بعد إيمنهم } بموسى { ثم ازدادوا كفرا } بمحمد { لن تقبل توبتهم } إذا غرغروا أو ماتوا كفارا { وأولئك هم الضآلون }.
[3.91]
{ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض } مقدار ما يملؤها { ذهبا ولو افتدى به } أدخل الفاء في خبر (إن) لشبه (الذين) بالشرط، وإيذانا بتسبب عدم القبول عن الموت على الكفر { أولئك لهم عذاب أليم } مؤلم { وما لهم من نصرين } مانعين منه.
[3.92]
{ لن تنالوا البر } أي ثوابه وهو الجنة { حتى تنفقوا } تصدقوا { مما تحبون } من أموالكم { وما تنفقوا من شىء فإن الله به عليم } فيجازىعليه.
[3.93]
نزل لما قال اليهود إنك تزعم أنك على ملة إبراهيم وكان لا يأكل لحوم الإبل وألبانها { كل الطعام كان حلا } حلالا { لبنى إسرءيل إلا ما حرم إسرءيل } يعقوب { على نفسه } وهو الإبل لما حصل له عرق النسا بالفتح والقصر فنذر إن شفي لا يأكلها فحرم عليه { من قبل أن تنزل التوراة } وذلك بعد إبراهيم ولم تكن على عهده حراما كما زعموا { قل } لهم { فأتوا بالتوراة فاتلوهآ } ليتبين صدق قولكم { إن كنتم صدقين } فيه فبهتوا ولم يأتوا بها قال تعالى:
[3.94]
{ فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك } أي ظهور الحجة بأن التحريم إنما كان من جهة يعقوب لا على عهد إبراهيم { فأولئك هم الظلمون } المتجاوزون الحق إلى الباطل.
[3.95]
{ قل صدق الله } في هذا كجميع ما أخبر به { فاتبعوا ملة إبرهيم } التي أنا عليها { حنيفا } مائلا عن كل دين إلى الإسلام { وما كان من المشركين }.
[3.96]
ونزل لما قالوا قبلتنا قبل قبلتكم: { إن أول بيت وضع } متعبدا { للناس } في الأرض { للذى ببكة } بالباء لغة في (مكة). سميت بذلك لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها ، بناه الملائكة قبل خلق آدم، ووضع بعده الأقصى وبينهما أربعون سنة كما في حديث الصحيحين وفي حديث
" أنه أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السموات والأرض زبدة بيضاء فدحيت الأرض من تحته "
{ مباركا } حال من (الذي) أي ذا بركة { وهدى للعلمين } لأنه قبلتهم.
[3.97]
{ فيه ءايت بينت } منها { مقام إبرهيم } أي الحجر الذي قام عليه عند بناء البيت فأثر قدماه فيه وبقي إلى الآن مع تطاول الزمان وتداول الأيدي عليه ومنها تضعيف الحسنات فيه وأن الطير لا يعلوه { ومن دخله كان ءامنا } لا يتعرض إليه بقتل أو ظلم أو غير ذلك { ولله على الناس حج البيت } واجب بكسر الحاء وفتحها لغتان في مصدر (حج) بمعنى (قصد) ويبدل من (الناس) { من استطع إليه سبيلا } طريقا فسره صلى الله عليه وسلم( بالزاد والراحلة)، رواه الحاكم وغيره { ومن كفر } بالله أو بما فرضه من الحج { فإن الله غنى عن العلمين } الإنس والجن والملائكة وعن عبادتهم.
[3.98]
{ قل يأهل الكتب لم تكفرون بئايت الله } القرآن { والله شهيد على ما تعملون } فيجازيكم عليه.
[3.99]
{ قل يأهل الكتب تصدون } تصرفون { عن سبيل الله } أي دينه { من ءامن } بتكذيبكم النبي صلى الله عليه وسلم وكتم نعته { تبغونها } أي تطلبون السبيل { عوجا } مصدر بمعنى معوجة أي مائلة عن الحق { وأنتم شهدآء } عالمون بأن الدين المرضي القيم هو دين الإسلام كما في كتابكم { وما الله بغفل عما تعملون } من الكفر والتكذيب وإنما يؤخركم إلى وقتكم ليجازيكم.
[3.100]
ونزل لما مر بعض اليهود على الأوس والخزرج وغاظهم تآلفهم فذكروهم بما كان بينهم في الجاهلية من الفتن فتشاجروا وكادوا يقتتلون { يأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتب يردوكم بعد إيمنكم كفرين }.
[3.101]
{ وكيف تكفرون } استفهام تعجيب وتوبيخ { وأنتم تتلى عليكم ءايت الله وفيكم رسوله ومن يعتصم } يتمسك { بالله فقد هدى إلى صرط مستقيم }.
[3.102]
{ يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته } (بأن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى) فقالوا يا رسول الله ومن يقوى على هذا؟ فنسخ بقوله تعالى
فاتقوا الله ما استطعتم
[16:64] { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } موحدون.
[3.103]
{ واعتصموا } تمسكوا { بحبل الله } أي دينه { جميعا ولا تفرقوا } بعد الإسلام { واذكروا نعمتالله } إنعامه { عليكم } يا معشر الأوس والخزرج { إذ كنتم } قبل الإسلام { أعدآء فألف } جمع { بين قلوبكم } بالإسلام { فأصبحتم } فصرتم { بنعمته إخوانا } في الدين والولاية { وكنتم على شفا } طرف { حفرة من النار } ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا كفارا { فأنقذكم منها } بالإيمان { كذلك } كما بين لكم ما ذكر { يبين الله لكم ءايته لعلكم تهتدون }.
[3.104]
{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير } الإسلام { ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك } الداعون الآمرون الناهون { هم المفلحون } الفائزون، و(من) للتبعيض لأن ما ذكر فرض كفاية لا يلزم كل الأمة ولا يليق بكل أحد كالجاهل وقيل زائدة أي لتكونوا أمة.
[3.105]
{ ولا تكونوا كالذين تفرقوا } عن دينهم { واختلفوا } فيه { من بعد ما جآءهم البينت } وهم اليهود والنصارى { وأولئك لهم عذاب عظيم }.
[3.106]
{ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } أي يوم القيامة { فأما الذين اسودت وجوههم } وهم الكافرون فيلقون في النار ويقال لهم توبيخا { أكفرتم بعد إيمنكم } يوم أخذ الميثاق { فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون }.
[3.107]
{ وأما الذين ابيضت وجوههم } وهم المؤمنون { ففى رحمة الله } أي جنته { هم فيها خلدون }.
[3.108]
{ تلك } أي هذه الآيات { آيات الله نتلوها عليك } يا محمد { بالحق وما الله يريد ظلما للعلمين } بأن يأخذهم بغير جرم.
[3.109]
{ ولله ما فى السموات وما في الأض } ملكا وخلقا وعبيدا { وإلى الله ترجع } تصير { الأمور }.
[3.110]
{ كنتم } يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم في علم الله تعالى { خير أمة أخرجت } أظهرت { للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو ءامن أهل الكتب لكان } الإيمان { خيرا لهم منهم المؤمنون } كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وأصحابه { وأكثرهم الفسقون } الكافرون.
[3.111]
{ لن يضروكم } أي اليهود يا معشر المسلمين بشيء { إلآ أذى } باللسان من سب ووعيد { وإن يقتلوكم يولوكم الأدبار } منهزمين { ثم لا ينصرون } عليكم بل لكم النصر عليهم.
[3.112]
{ ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا } حيثما وجدوا فلا عز لهم ولا اعتصام { إلا } كائنين { بحبل من الله وحبل من الناس } المؤمنين وهو عهدهم إليهم بالأمان على أداء الجزية أي لا عصمة لهم غير ذلك { وبآؤ } رجعوا { بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم } أي بسبب أنهم { يكفرون بئايت الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك } تأكيد { بما عصوا } أمر الله { وكانوا يعتدون } يتجاوزون الحلال إلى الحرام.
[3.113]
{ ليسوا } أي أهل الكتاب { سوآء } مستوين { من أهل الكتب أمة قآئمة } مستقيمة ثابتة على الحق كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وأصحابه { يتلون ءايت الله ءانآء اليل } أي في ساعاته { وهم يسجدون } يصلون، حال.
[3.114]
{ يؤمنون بالله واليوم الأخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسرعون فى الخيرت وأولئك } الموصوفون بما ذكر الله { من الصلحين } ومنهم من ليسوا كذلك وليسوا من الصالحين.
[3.115]
{ وما يفعلوا } بالتاء أيتها الأمة والياء أي الأمة القائمة { من خير فلن يكفروه } بالوجهين أي تعدموا ثوابه بل تجازون عليه { والله عليم بالمتقين }.
[3.116]
{ إن الذين كفروا لن تغنى } تدفع { عنهم أمولهم ولا أولدهم من الله } أي من عذابه { شيئا } وخصهما بالذكر لأن الإنسان يدفع عن نفسه تارة بفداء المال وتارة بالاستعانة بالأولاد { وأولئك أصحب النار هم فيها خلدون }.
[3.117]
{ مثل } صفة { ما ينفقون } أي الكفار { فى هذه الحيوة } في عداوة النبي من صدقة أو نحوها { كمثل ريح فيها صر } حر أو برد شديد { أصابت حرث } زرع { قوم ظلموا أنفسهم } بالكفر والمعصية { فأهلكته } فلم ينتفعوا به فكذلك نفقاتهم ذاهبة لا ينتفعون بها { وما ظلمهم الله } بضياع نفقاتهم { ولكن أنفسهم يظلمون } بالكفر الموجب لضياعها.
[3.118]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة } أصفياء تطلعونهم على سركم { من دونكم } أي غيركم من اليهود والنصارى والمنافقين { لا يألونكم خبالا } نصب بنزع الخافض أي لا يقصرون لكم في الفساد { ودوا } تمنوا { ما عنتم } أي عنتكم وهو شدة الضرر { قد بدت } ظهرت { البغضآء } العداوة لكم { من أفواههم } بالوقيعة فيكم وإطلاع المشركين على سركم { وما تخفى صدورهم } من العداوة { أكبر قد بينا لكم الأيت } على عداوتهم { إن كنتم تعقلون } ذلك فلا توالوهم .
[3.119]
{ ها } للتنبيه { أنتم } يا { أولاء } المؤمنين { تحبونهم } لقرابتهم منكم وصداقتهم { ولا يحبونكم } لمخالفتهم لكم في الدين { وتؤمنون بالكتب كله } أي بالكتب كلها ولا يؤمنون بكتابكم { وإذا لقوكم قالوا ءامنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل } أطراف الأصابع { من الغيظ } شدة الغضب لما يرون من ائتلافكم ويعبر عن شدة الغضب بعض الأنامل مجازا وإن لم يكن ثم عض { قل موتوا بغيظكم } أي ابقوا عليه إلى الموت فلن تروا ما يسركم { إن الله عليم بذات الصدور } بما في القلوب ومنه ما يضمره هؤلاء.
[3.120]
{ إن تمسسكم } تصبكم { حسنة } نعمة كنصر وغنيمة { تسؤهم } تحزنهم { وإن تصبكم سيئة } كهزيمة وجدب { يفرحوا بها } وجملة الشرط متصلة بالشرط قبل وما بينهما اعتراض والمعنى أنهم متناهون في عداوتكم فلم توالونهم؟ فاجتنبوهم { وإن تصبروا } على أذاهم { وتتقوا } الله في موالاتهم وغيرها { لا يضركم } بكسر الضاد وسكون الراء[يضركم] وضمهما وتشديدها [يضركم] { كيدهم شيئا إن الله بما يعملون } بالياء والتاء { محيط } عالم فيجازيهم به.
[3.121]
{ و } اذكر يا محمد { إذ غدوت من أهلك } من المدينة { تبوىء } تنزل { المؤمنين مقاعد } مراكز يقفون فيها { للقتال والله سميع } لأقوالكم { عليم } بأحوالكم وهو يوم أحد، خرج النبي صلى الله عليه وسلم بألف أو إلا خمسين رجلا والمشركون ثلاثة آلاف ونزل بالشعب يوم السبت سابع من شوال سنة ثلاث من الهجرة وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وسوى صفوفهم وأجلس جيشا من الرماة وأمر عليهم عبد الله ابن جبير بسفح الجبل وقال
" انضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من ورائنا ولا تبرحوا غلبنا أو نصرنا "
[3.122]
{ إذ } بدل من (إذ) قبله { همت طائفتان منكم } بنو سلمة وبنو حارثة جناحا العسكر { أن تفشلا } تجبنا عن القتال وترجعا لما رجع عبد الله بن أبي المنافق وأصحابه وقال: علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ وقال لأبي جابر السلمي القائل له أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم لو نعلم قتالا لاتبعناكم فثبتهما الله ولم ينصرفا { والله وليهما } ناصرهما { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } ليثقوا به دون غيره.
[3.123]
ونزل لما هزموا تذكيرا لهم بنعمة الله { ولقد نصركم الله ببدر } موضع بين مكة والمدينة { وأنتم أذلة } بقلة العدد والسلاح { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } نعمه.
[3.124]
{ إذ } ظرف ل( نصركم) { تقول للمؤمنين } توعدهم تطمينا { ألن يكفيكم أن يمدكم } يعينكم { ربكم بثلاثة ءالاف من الملئكة منزلين } بالتخفيف والتشديد.
[3.125]
{ بلى } يكفيكم ذلك، وفي الأنفال
بألف
[9:8] لأنه أمدهم أولا بها ثم صارت ثلاثة ثم صارت خمسة كما قال تعالى { إن تصبروا } على لقاء العدو { وتتقوا } الله في المخالفة { ويأتوكم } أي المشركون { من فورهم } وقتهم { هذا يمددكم ربكم بخمسة ءالاف من الملئكة مسومين } بكسر الواو وفتحها، أي معلمين وقد صبروا وأنجز الله وعده بأن قاتلت معهم الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم صفر أو بيض أرسلوها بين أكتافهم.
[3.126]
{ وما جعله الله } أي الإمداد { إلا بشرى لكم } بالنصر { ولتطمئن } تسكن { قلوبكم به } فلا تجزع من كثرة العدو وقلتكم { وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم } يؤتيه من يشاء وليس بكثرة الجند.
[3.127]
{ ليقطع } متعلق ب(نصركم)، أي ليهلك { طرفا من الذين كفروا } بالقتل والأسر { أو يكبتهم } يذلهم بالهزيمة { فينقلبوا } يرجعوا { خائبين } لم ينالوا ما راموه.
[3.128]
ونزل لما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وشج وجهه يوم أحد وقال «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم» { ليس لك من الأمر شىء } بل الأمر لله فاصبر { أو } بمعنى إلى أن { يتوب عليهم } بالإسلام { أو يعذبهم فإنهم ظلمون } بالكفر.
[3.129]
{ ولله ما فى السموات وما في الأرض } ملكا وخلقا وعبيدا { يغفر لمن يشاء } المغفرة له { ويعذب من يشآء } تعذيبه { والله غفور } لأوليائه { رحيم } بأهل طاعته.
[3.130]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربا أضعفا مضعفة } بألف ودونها[مضعفة] بأن تزيدوا في المال عند حلول الأجل وتؤخروا الطلب { واتقوا الله } بتركه { لعلكم تفلحون } تفوزون.
[3.131]
{ واتقوا النار التى أعدت للكفرين } أن تعذبوا بها.
[3.132]
{ وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون }.
[3.133]
{ وسارعوا } بواو ودونها [سارعوا] { إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض } أي كعرضهما لو وصلت إحداهما بالأخرى، والعرض: السعة { أعدت للمتقين } الله بعمل الطاعات وترك المعاصي.
[3.134]
{ الذين ينفقون } في طاعة الله { فى السرآء والضرآء } اليسر والعسر { والكظمين الغيظ } الكافين عن إمضائه مع القدرة { والعفين عن الناس } ممن ظلمهم أي التاركين عقوبتهم { والله يحب المحسنين } بهذه الأفعال، أي يثيبهم.
[3.135]
{ والذين إذا فعلوا فحشة } ذنبا قبيحا كالزنا { أو ظلموا أنفسهم } بما دونه كالقبلة { ذكروا الله } أي وعيده { فاستغفروا لذنوبهم ومن } أي لا { يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا } يقيموا { على ما فعلوا } بل أقلعوا عنه { وهم يعلمون } أن الذي أتوه معصية.
[3.136]
{ أولئك جزؤهم مغفرة من ربهم وجنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها } حال مقدرة، أي مقدرين الخلود فيها إذا دخلوها { ونعم أجر العملين } بالطاعة هذا الأجر.
[3.137]
ونزل في هزيمة أحد { قد خلت } مضت { من قبلكم سنن } طرائق في الكفار بإمهالهم ثم أخذهم { فسيروا } أيها المؤمنون { فى الأرض فانظروا كيف كان عقبة المكذبين } الرسل أي آخر أمرهم من الهلاك فلا تحزنوا لغلبتهم فإنما أمهلهم لوقتهم.
[3.138]
{ هذا } القرآن { بيان للناس } كلهم { وهدى } من الضلالة { وموعظة للمتقين } منهم.
[3.139]
{ ولا تهنوا } تضعفوا عن قتال الكفار { ولا تحزنوا } على ما أصابكم بأحد { وأنتم الأعلون } بالغلبة عليهم. { إن كنتم مؤمنين } حقا، وجوابه دل عليه مجموع ما قبله.
[3.140]
{ إن يمسسكم } يصبكم بأحد { قرح } بفتح القاف وضمها، جهد من جرح ونحوه { فقد مس القوم } الكفار { قرح مثله } ببدر { وتلك الايام نداولها } نصرفها { بين الناس } يوما لفرقة ويوما لأخرى ليتعظوا { وليعلم الله } علم ظهور { الذين ءامنوا } أخلصوا في إيمانهم من غيرهم { ويتخذ منكم شهدآء } يكرمهم بالشهادة { والله لا يحب الظلمين } الكافرين أي يعاقبهم وما ينعم به عليهم استدراج.
[3.141]
{ وليمحص الله الذين ءامنوا } يطهرهم من الذنوب بما يصيبهم { ويمحق } يهلك { الكفرين }.
[3.142]
{ أم } بل أ { حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما } لم { يعلم الله الذين جهدوا منكم } علم ظهور { ويعلم الصبرين } في الشدائد.
[3.143]
{ ولقد كنتم تمنون } فيه حذف إحدى التاءين في الأصل { الموت من قبل أن تلقوه } حيث قلتم ليت لنا يوما كيوم بدر لننال ما نال شهداؤه { فقد رأيتموه } أي سببه الحرب { وأنتم تنظرون } أي بصراء تتأملون الحال كيف هي فلم انهزمتم؟
[3.144]
ونزل في هزيمتهم لما أشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل وقال لهم المنافقون إن كان قتل فارجعوا إلى دينكم: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل } كغيره { انقلبتم على أعقبكم } رجعتم إلى الكفر، والجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري، أي ما كان معبودا فترجعوا { ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا } وإنما يضر نفسه { وسيجزى الله الشكرين } نعمه بالثبات.
[3.145]
{ وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله } بقضائه { كتبا } مصدر أي: كتب الله ذلك { مؤجلا } مؤقتا لا يتقدم ولا يتأخر فلم انهزمتم والهزيمة لا تدفع الموت والثبات لا يقطع الحياة؟ { ومن يرد } بعمله { ثواب الدنيا } أي جزاءه منها { نؤته منها } ما قسم له ولا حظ له في الآخرة { ومن يرد ثواب الأخرة نؤته منها } أي من ثوابها { وسنجزى الشكرين }.
[3.146]
{ وكأين } كم { من نبى قاتل } وفي قراءة( قاتل)، والفاعل ضميره { معه } خبر مبتدؤه { ربيون كثير } جموع كثيرة { فما وهنوا } جبنوا { لما أصابهم فى سبيل الله } من الجراح وقتل أنبيائهم وأصحابهم { وما ضعفوا } عن الجهاد { وما استكانوا } خضعوا لعدوهم كما فعلتم حين قيل: قتل النبي صلى الله عليه وسلم { والله يحب الصبرين } على البلاء أي يثيبهم.
[3.147]
{ وما كان قولهم } عند قتل نبيهم مع ثباتهم وصبرهم { إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا } تجاوزنا الحد { فى أمرنا } إيذانا بأن ما أصابهم لسوء فعلهم وهضما لأنفسهم { وثبت أقدامنا } بالقوة على الجهاد { وانصرنا على القوم الكفرين }.
[3.148]
{ فئاتهم الله ثواب الدنيا } النصر والغنيمة { وحسن ثواب الأخرة } أي الجنة وحسنة: التفضل فوق الاستحقاق { والله يحب المحسنين }.
[3.149]
{ يأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا } فيما يأمرونكم به { يردوكم } إلى الكفر { على أعقبكم فتنقلبوا خسرين }.
[3.150]
{ بل الله مولكم } ناصركم { وهو خير النصرين } فأطيعوه دونهم.
[3.151]
{ سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب } بسكون العين وضمها: الخوف، وقد عزموا بعد ارتحالهم من أحد على العود واستئصال المسلمين فرعبوا ولم يرجعوا { بمآ أشركوا } بسبب إشراكهم { بالله ما لم ينزل به سلطنا } حجة على عبادته وهو الأصنام { ومأواهم النار وبئس مثوى } مأوى { الظلمين } الكافرين هي.
[3.152]
{ ولقد صدقكم الله وعده } إياكم بالنصر { إذ تحسونهم } تقتلونهم { بإذنه } بإرادته { حتى إذا فشلتم } جبنتم عن القتال { وتنزعتم } اختلفتم { فى الأمر } أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمقام في سفح الجبل للرمي فقال بعضكم: نذهب فقد نصر أصحابنا بعضكم: لا نخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم { وعصيتم } أمره فتركتم المركز لطلب الغنيمة { من بعد ما أراكم } الله { ما تحبون } من النصر، وجواب (إذا) دل عليه ما قبله أي منعكم نصره { منكم من يريد الدنيا } فترك المركز للغنيمة { ومنكم من يريد الأخرة } فثبت به حتى قتل كعبد الله بن جبير وأصحابه { ثم صرفكم } عطف على جواب (إذا) المقدر ردكم للهزيمة { عنهم } أي الكفار { ليبتليكم } ليمتحنكم فيظهر المخلص من غيره { ولقد عفا عنكم } ما ارتكبتموه { والله ذو فضل على المؤمنين } بالعفو.
[3.153]
اذكروا { إذ تصعدون } تبعدون في الأرض هاربين { ولا تلوون } تعرجون { على أحد والرسول يدعوكم فى أخراكم } أي من ورائكم يقول:«إلي عباد الله إلي عباد الله» { فأثبكم } فجازاكم { غما } بالهزيمة { بغم } بسبب غمكم للرسول بالمخالفة وقيل الباء بمعنى (على)، أي مضاعفا على غم فوت الغنيمة { لكيلا } متعلق ب(عفا) أو ب (أثابكم) ف «لا» زائدة { تحزنوا على ما فاتكم } من الغنيمة { ولا ما أصبكم } من القتل والهزيمة { والله خبير بما تعملون }.
[3.154]
{ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة } أمنا { نعاسا } بدل { يغشى } بالياء والتاء { طائفة منكم } وهم المؤمنون فكانوا يميدون تحت الحجف وتسقط السيوف منهم { وطائفة قد أهمتهم أنفسهم } أي حملتهم على الهم فلا رغبة لهم إلا نجاتها دون النبي وأصحابه فلم يناموا وهم المنافقون { يظنون بالله } ظنا { غير } الظن { الحق ظن } أي كظن { الجهلية } حيث اعتقدوا أن النبي قتل أو لا ينصر { يقولون هل } ما { لنا من الأمر } أي النصر الذي وعدناه { من } { شىء قل } لهم { إن الامر كله } بالنصب توكيد والرفع مبتدأ خبره { لله } أي القضاء له يفعل ما يشاء { يخفون فى أنفسهم ما لا يبدون } يظهرون { لك يقولون } بيان لما قبله { لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا ههنا } أي لو كان الاختيار إلينا لم نخرج فلم نقتل لكن أخرجنا كرها { قل } لهم { لو كنتم فى بيوتكم } وفيكم من كتب الله عليه القتل { لبرز } خرج { الذين كتب } قضى { عليهم القتل } منكم { إلى مضاجعهم } مصارعهم فيقتلوا ولم ينجهم قعودهم لأن قضاءه تعالى كائن لا محالة { و } فعل ما فعل بأحد { ليبتلي } يختبر { وليبتلى الله ما فى صدوركم } قلوبكم من الإخلاص والنفاق { وليمحص } يميز { ما فى قلوبكم والله عليم بذات الصدور } بما في القلوب لا يخفى عليه شيء وإنما يبتلي ليظهر للناس.
[3.155]
{ إن الذين تولوا منكم } عن القتال { يوم التقى الجمعان } جمع المسلمين وجمع الكفار بأحد وهم المسلمون إلا اثني عشر رجلا { إنما استزلهم } أزلهم { الشيطن } بوسوسته { ببعض ما كسبوا } من الذنوب وهو مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم { ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور } للمؤمنين { حليم } لا يعجل على العصاة.
[3.156]
{ ياأيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين كفروا } أي المنافقين { وقالوا لإخونهم } أي في شأنهم { إذا ضربوا } سافروا { فى الأرض } فماتوا { أو كانوا غزى } جمع (غاز) فقتلوا { لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } أي لا تقولوا كقولهم { ليجعل الله ذلك } القول في عاقبة أمرهم { حسرة فى قلوبهم والله يحيى ويميت } فلا يمنع عن الموت قعود { والله بما تعملون } بالتاء والياء { بصير } فيجازيكم به.
[3.157]
{ ولئن } لام قسم { قتلتم فى سبيل الله } أي الجهاد { أو متم } بضم الميم وكسرها من (مات يموت ويمات) أي أتاكم الموت فيه { لمغفرة } كائنة { من الله } لذنوبكم { ورحمة } منه لكم على ذلك واللام ومدخولها جواب القسم وهو في موضع الفعل مبتدأ خبره { خير مما يجمعون } من الدنيا بالتاء والياء.
[3.158]
{ ولئن } لام قسم { متم } بالوجهين { أو قتلتم } في الجهاد أو غيره { لإلى الله } لا إلى غيره { تحشرون } في الآخرة فيجازيكم.
[3.159]
{ فبما } «ما» زائدة { رحمة من الله لنت } يا محمد { لهم } أي سهلت أخلاقك إذ خالفوك { ولو كنت فظا } سيىء الخلق { غليظ القلب } جافيا فأغلظت لهم { لانفضوا } تفرقوا { من حولك فاعف } تجاوز { عنهم } ما أتوه { واستغفر لهم } ذنبهم حتى أغفر لهم { وشاورهم } استخرج آراءهم { فى الأمر } أي شأنك من الحرب وغيره تطيبا لقلوبهم وليستن بك فكان صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لهم { فإذا عزمت } على إمضاء ما تريد بعد المشاورة { فتوكل على الله } ثق به بعد المشاورة { إن الله يحب المتوكلين } عليه.
[3.160]
{ إن ينصركم الله } يعنكم على عدوكم كيوم بدر { فلا غالب لكم وإن يخذلكم } يترك نصركم كيوم أحد { فمن ذا الذى ينصركم من بعده } أي بعد خذلانه أي لا ناصر لكم { وعلى الله } لا غيره { فليتوكل } ليثق { المؤمنون }.
[3.161]
ونزل لما فقدت قطيفة حمراء يوم بدر فقال بعض الناس: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها: { وما كان } ما ينبغي { لنبى أن يغل } يخون في الغنيمة فلا تظنوا به ذلك، وفي قراءة بالبناء للمفعول، أي ينسب إلى الغلول { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيمة } حاملا له على عنقه { ثم توفى كل نفس } الغال وغيره جزاء { ما كسبت } عملت { وهم لا يظلمون } شيئا.
[3.162]
{ أفمن اتبع رضون الله } فأطاع ولم يغل { كمن بآء } رجع { بسخط من الله } لمعصيته وغلوله { ومأواه جهنم وبئس المصير } المرجع هي.
[3.163]
{ هم درجت } أي أصحاب درجات { عند الله } أي مختلفو المنازل فلمن اتبع رضوانه الثواب ولمن باء بسخطه العقاب { والله بصير بما يعملون } فيجازيهم به.
[3.164]
{ لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } أي عربيا مثلهم ليفهموا عنه ويشرفوا به لا ملكا ولا أعجميا { يتلوا عليهم ءايته } القرآن { ويزكيهم } يطهرهم من الذنوب { ويعلمهم الكتب } القرآن { والحكمة } السنة { وإن } مخففة أي إنهم { كانوا من قبل } أي قبل بعثه { لفى ضلل مبين } بين.
[3.165]
{ أو لمآ أصبتكم مصيبة } بأحد بقتل سبعين منكم { قد أصبتم مثليها } ببدر بقتل سبعين وأسر سبعين منهم { قلتم } متعجبين { أنى } من أين لنا { هذا } الخذلان ونحن مسلمون ورسول الله فينا؟ والجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري { قل } لهم { هو من عند أنفسكم } لأنكم تركتم المركز فخذلتم { إن الله على كل شىء قدير } ومنه النصر ومنعه، وقد جازاكم بخلافكم.
[3.166]
{ ومآ أصبكم يوم التقى الجمعان } بأحد { فبإذن الله } بإرادته { وليعلم } الله علم ظهور { المؤمنين } حقا.
[3.167]
{ وليعلم الذين نافقوا } الذين { قيل لهم } لما انصرفوا عن القتال وهم عبد الله بن أبي وأصحابه { تعالوا قاتلوا فى سبيل الله } أعداءه { أو ادفعوا } عنا القوم بتكثير سوادكم إن لم تقاتلوا { قالوا لو نعلم } نحسن { قتالا لاتبعنكم } قال تعالى تكذيبا لهم: { هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمن } بما أظهروا من خذلانهم للمؤمنين وكانوا قبل أقرب إلى الإيمان من حيث الظاهر { يقولون بأفوههم ما ليس فى قلوبهم } ولو علموا قتالا لم يتبعوكم { والله أعلم بما يكتمون } من النفاق.
[3.168]
{ الذين } بدل من (الذين) قبله أو نعت { قالوا لإخونهم } في الدين { و } قد { قعدوا } عن الجهاد { وقعدوا لو أطاعونا } أي شهداء أحد أو إخواننا في القعود { ما قتلوا قل } لهم { فادرءوا } ادفعوا { عن أنفسكم الموت إن كنتم صدقين } في أن القعود ينجي منه.
[3.169]
ونزل في الشهداء { ولا تحسبن الذين قتلوا } بالتخفيف والتشديد { فى سبيل الله } أي لأجل دينه { أموتا بل } هم { أحياء عند ربهم } (أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت) كما ورد في الحديث { يرزقون } يأكلون من ثمار الجنة.
[3.170]
{ فرحين } حال من ضمير (يرزقون) { بما ءاتهم الله من فضله و } هم { يستبشرون } يفرحون { بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } من إخوانهم المؤمنين ويبدل من (الذين) { أ } ن أي بأن { لا خوف عليهم } أي الذين لم يلحقوا بهم { ولا هم يحزنون } في الآخرة المعنى يفرحون بأمنهم وفرحهم.
[3.171]
{ يستبشرون بنعمة } ثواب { من الله وفضل } زيادة عليه { وأن } بالفتح عطفا على (نعمة) والكسر استئنافا { الله لا يضيع أجر المؤمنين } بل يأجرهم.
[3.172]
{ الذين } مبتدأ { استجابوا لله والرسول } دعاءه بالخروج للقتال لما أراد أبو سفيان وأصحابه العود وتواعدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه سوق بدر العام المقبل من يوم أحد { من بعد ما أصبهم القرح } بأحد وخبر المبتدأ { للذين أحسنوا منهم } بطاعته { واتقوا } مخالفته { أجر عظيم } هو الجنة.
[3.173]
{ الذين } بدل من (الذين) قبله أو نعت { قال لهم الناس } أي نعيم بن مسعود الأشجعي { إن الناس } أبا سفيان وأصحابه { قد جمعوا لكم } الجموع ليستأصلوكم { فاخشوهم } ولا تأتوهم { فزادهم } ذلك القول { إيمنا } تصديقا بالله ويقينا { وقالوا حسبنا الله } كافينا أمرهم { ونعم الوكيل } المفوض إليه الأمر هو، وخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فوافوا سوق بدر وألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان وأصحابه فلم يأتوا وكان معهم تجارات فباعوا وربحوا. قال الله تعالى:
[3.174]
{ فانقلبوا } رجعوا من بدر { بنعمة من الله وفضل } بسلامة وربح { لم يمسسهم سوء } من قتل أو جرح { واتبعوا رضون الله } بطاعته ورسوله في الخروج { والله ذو فضل عظيم } على أهل طاعته.
[3.175]
{ إنما ذلكم } أي القائل لكم إن الناس الخ { الشيطن يخوف } كم { أولياءه } الكفار { فلا تخافوهم وخافون } في ترك أمري { إن كنتم مؤمنين } حقا.
[3.176]
{ ولا يحزنك } بضم الياء وكسر الزاي وبفتحها وضم الزاي من(حزنه) لغه في (أحزنه) { الذين يسرعون فى الكفر } يقعون فيه سريعا بنصرته وهم أهل مكة أو المنافقون أي لا تهتم لكفرهم { إنهم لن يضروا الله شيئا } بفعلهم وإنما يضرون أنفسهم { يريد الله ألا يجعل لهم حظا } نصيبا { فى الأخرة } أي الجنة فلذلك خذلهم الله { ولهم عذاب عظيم } في النار.
[3.177]
{ إن الذين اشتروا الكفر بالإيمن } أي أخذوه بدله { لن يضروا الله } بكفرهم { شيئا ولهم عذاب أليم } مؤلم.
[3.178]
{ ولا يحسبن } بالياء والتاء { الذين كفروا أنما نملى } أي إملاءنا { لهم } بتطويل الأعمار وتأخيرهم { خير لأنفسهم } و(أن) ومعمولاها سدت مسد المفعولين في قراءة التحتانية ومسد الثاني في الأخرى { أنما نملى } نمهل { لهم ليزدادوا إثما } بكثرة المعاصي { ولهم عذاب مهين } ذو إهانة في الآخرة.
[3.179]
{ ما كان الله ليذر } ليترك { المؤمنين على ما أنتم } أيها الناس { عليه } من اختلاط المخلص بغيره { حتى يميز } بالتخفيف والتشديد يفصل { الخبيث } المنافق { من الطيب } المؤمن بالتكاليف الشاقة المبينة لذلك ففعل ذلك يوم أحد { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } فتعرفوا المنافق من غيره قبل التمييز { ولكن الله يجتبى } يختار { من رسله من يشاء } فيطلعه على غيبه كما أطلع النبي صلى الله عليه وسلم على حال المنافقين { فئامنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا } النفاق { فلكم أجر عظيم }.
[3.180]
{ ولا يحسبن } بالياء والتاء { الذين يبخلون بما ءاتهم الله من فضله } أي بزكاته { هو } أي بخلهم { خيرا لهم } مفعول ثان والضمير للفصل والأول( بخلهم) مقدرا قبل الموصول على الفوقانية وقبل الضمير على التحتانية { بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به } أي بزكاته من المال { يوم القيمة } بأن يجعل حية في عنقه تنهشه كما ورد في الحديث { ولله ميراث السموات والأرض } يرثهما بعد فناء أهلهما { والله بما تعملون } التاءوبالياء { خبير } فيجازيكم به.
[3.181]
{ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } وهم اليهود قالوه لما نزل
من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا
[11:57,245:2] وقالوا لو كان غنيا ما استقرضنا { سنكتب } نأمر بكتب { ما قالوا } في صحائف أعمالهم ليجازوا عليه، وفي قراءة بالياء مبنيا للمفعول { و } نكتب { قتلهم } بالنصب والرفع { الأنبياء بغير حق ونقول } بالنون والياء، أي الله لهم في الآخرة على لسان الملائكة { ذوقوا عذاب الحريق } النار.
[3.182]
ويقال لهم:
إذا ألقوا فيها
[7:67] { ذلك } العذاب { بما قدمت أيديكم } عبر بها عن الإنسان لأن أكثر الأفعال تزاول بها { وأن الله ليس بظلام } أي بذي ظلم { للعبيد } فيعذبهم بغير ذنب.
[3.183]
{ الذين } نعت (للذين) قبله { قالوا } لمحمد صلى الله عليه وسلم { إن الله } قد { عهد إلينا } في التوراة { ألا نؤمن لرسول } نصدقه { حتى يأتينا بقربان تأكله النار } فلا نؤمن لك حتى تأتينا به وهو ما يتقرب به إلى الله من نعم وغيرها فإن قبل جاءت نار بيضاء من السماء فأحرقته وإلا بقي مكانه وعهد إلى بني إسرائيل ذلك إلا في المسيح ومحمد قال تعالى { قل } لهم توبيخا { قد جاءكم رسل من قبلى بالبينت } بالمعجزات { وبالذى قلتم } كزكريا ويحيى فقتلتموهم والخطاب لمن في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان الفعل لأجدادهم لرضاهم به { فلم قتلتموهم إن كنتم صدقين } في أنكم تؤمنون عند الإتيان به؟
[3.184]
{ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جآءو بالبينت } المعجزات { والزبر } كصحف إبراهيم { والكتب } وفي قراءة بإثبات الباء فيهما[وبالزبر وبالكتاب] { المنير } الواضح هو التوراة والإنجيل فاصبر كما صبروا.
[3.185]
{ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم } جزاء أعمالكم { يوم القيمة فمن زحزح } بعد { عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } نال غاية مطلوبه { وما الحيوة الدنيا } أي العيش فيها { إلا متع الغرور } الباطل يتمتع به قليلا ثم يفنى.
[3.186]
{ لتبلون } حذف منه نون الرفع لتوالي النونان، والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين، لتختبرن { فى أمولكم } بالفرائض فيها والحوائج { وأنفسكم } بالعبادات والبلاء { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتب من قبلكم } اليهود والنصارى { ومن الذين أشركوا } من العرب { أذى كثيرا } من السب والطعن والتشبيب بنسائكم { وإن تصبروا } على ذلك { وتتقوا } الله { فإن ذلك من عزم الأمور } أي: من معزوماتها التي يعزم عليها لوجوبها.
[3.187]
{ و } اذكر { إذ أخذ الله ميثق الذين أوتوا الكتب } أي العهد عليهم في التوراة { لتبيننه } أي الكتاب { للناس ولا تكتمونه } أي الكتاب بالياء والتاء في الفعلين { فنبذوه } طرحوا الميثاق { ورآء ظهورهم } فلم يعملوا به { واشتروا به } أخذوا بدله { ثمنا قليلا } من الدنيا من سفلتهم برياستهم في العلم فكتموه خوف فوته عليهم { فبئس ما يشترون } شراؤهم هذا.
[3.188]
{ لا تحسبن } بالتاء والياء { الذين يفرحون بمآ أتوا } فعلوا من إضلال الناس { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } من التمسك بالحق وهم على ضلال { فلا تحسبنهم } بالوجهين تأكيد { بمفازة } بمكان ينجون فيه { من العذاب } في الآخرة بل هم في مكان يعذبون فيه وهو جهنم { ولهم عذاب أليم } مؤلم فيها، ومفعولا «تحسب» الأولى دل عليهما مفعولا الثانية على قراءة التحتانية، وعلى الفوقانية حذف الثاني فقط.
[3.189]
{ ولله ملك السموات والأرض } خزائن المطر والرزق والنبات وغيرها { والله على كل شيء قدير } ومنه تعذيب الكافرين وإنجاء المؤمنين.
[3.190]
{ إن في خلق السموات والأرض } وما فيهما من العجائب { واختلف اليل والنهار } بالمجيء والذهاب والزيادة والنقصان { لآيات } دلالات على قدرته تعالى { لأولى الألبب } لذوي العقول.
[3.191]
{ الذين } نعت لما قبله أو بدل { يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنوبهم } مضطجعين أي في كل حال وعن ابن عباس: يصلون كذلك حسب الطاقة { ويتفكرون فى خلق السموات والأرض } ليستدلوا به على قدرة صانعهما يقولون { ربنا ما خلقت هذا } الخلق الذي نراه { بطلا } حال، عبثا بل دليلا على كمال قدرتك { سبحنك } تنزيها لك عن العبث { فقنا عذاب النار }.
[3.192]
{ ربنآ إنك من تدخل النار } للخلود فيها { فقد أخزيته } أهنته { وما للظلمين } الكافرين، فيه وضع الظاهر موضع المضمر إشعارا بتخصيص الخزي بهم { من } زائدة { أنصار } يمنعونهم من عذاب الله تعالى.
[3.193]
{ ربنآ إننا سمعنا مناديا ينادى } يدعو الناس { للإيمن } أي إليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم أو القرآن { أن } أي بأن { ءامنوا بربكم فئامنا } به { ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر } نحط { عنا سيئاتنا } فلا تظهرها بالعقاب عليها { وتوفنا } اقبض أرواحنا { مع } في جملة { الأبرار } الأنبياء والصالحين.
[3.194]
{ ربنا وءاتنا } أعطنا { ما وعدتنا } به { على } ألسنة { رسلك } من الرحمة والفضل وسؤالهم ذلك وإن كان وعده تعالى لا يخلف سؤال أن يجعلهم من مستحقيه لأنهم لم يتيقنوا استحقاقهم له، وتكرير «ربنا» مبالغة في التضرع { ولا تخزنا يوم القيمة إنك لا تخلف الميعاد } الوعد بالبعث والجزاء.
[3.195]
{ فاستجاب لهم ربهم } دعاءهم { أنى } أي بأني { لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم } كائن { من بعض } أي الذكور من الإناث وبالعكس، والجملة مؤكدة لما قبلها: أي هم سواء في المجازاة بالأعمال وترك تضييعها، نزلت لما قالت أم سلمة: يا رسول الله إني لا أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء { فالذين هجروا } من مكة إلى المدينة { وأخرجوا من ديرهم وأوذوا فى سبيلى } ديني { وقاتلوا } الكفار { وقتلوا } بالتخفيف والتشديد. وفي قراءة بتقديمه { لأكفرن عنهم سيئتهم } أسترها بالمغفرة { ولأدخلنهم جنت تجرى من تحتها الانهر ثوابا } مصدر من معنى لأكفرن مؤكد له { من عند الله } فيه التفات عن التكلم { والله عنده حسن الثواب } الجزاء.
[3.196]
ونزل لما قال المسلمون: أعداء الله فيما نرى من الخير ونحن في الجهد { لا يغرنك تقلب الذين كفروا } تصرفهم { فى البلد } بالتجارة والكسب.
[3.197]
هو { متع قليل } يتمتعون به يسيرا في الدنيا ويفنى { ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } الفراش هي.
[3.198]
{ لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين } أي مقدرين الخلود { فيها نزلا } هو ما يعد للضيف، ونصبه على الحال من جنات، والعامل فيها معنى الظرف { من عند الله وما عند الله } من الثواب { خير للابرار } من متاع الدنيا.
[3.199]
{ وإن من أهل الكتب لمن يؤمن بالله } كعبد الله بن سلام وأصحابه والنجاشي { وما أنزل إليكم } أي القرآن { وما أنزل إليهم } أي التوراة والإنجيل { خشعين } حال من ضمير «يؤمن» مراعى فيه معنى «من» أي متواضعين { لله لا يشترون بئايت الله } التي عندهم في التوراة والإنجيل من بعث النبي صلى الله عليه وسلم { ثمنا قليلا } من الدنيا بأن يكتموها خوفا على الرياسة كفعل غيرهم من اليهود { أولئك لهم أجرهم } ثواب أعمالهم { عند ربهم } يؤتونه مرتين كما في (القصص) [28: 50-55 ] { إن الله سريع الحساب } يحاسب الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا.
[3.200]
{ الحساب ياأيها الذين ءامنوا اصبروا } على الطاعات والمصائب وعن المعاصي { وصابروا } الكفار فلا يكونوا أشد صبرا منكم { ورابطوا } أقيموا على الجهاد { واتقوا الله } في جميع أحوالكم { لعلكم تفلحون } تفوزون بالجنة وتنجون من النار.
[4 - سورة النساء]
[4.1]
{ يا أيها الناس } من أهل مكة { اتقوا ربكم } أي عقابه بأن تطيعوه { الذى خلقكم من نفس وحدة } آدم { وخلق منها زوجها } حواء بالمد من ضلع من أضلاعه اليسرى { وبث } فرق ونشر { منهما } من آدم وحواء { رجالا كثيرا ونساء } كثيرة { واتقوا الله الذى تساءلون } فيه إدغام التاء في الأصل في السين، وفي قراءة بالتخفيف بحذفها أي تتساءلون { به } فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض (أسألك بالله) و(أنشدك بالله) { و } اتقوا { الأرحام } أن تقطعوها، وفي قراءة بالجر عطفا على الضمير في «به»،وكانوا يتناشدون بالرحم { إن الله كان عليكم رقيبا } حافظا لأعمالكم فيجازيكم بها أي لم يزل متصفا بذلك.
[4.2]
ونزل في يتيم طلب من وليه ماله فمنعه { وءاتوا اليتمى } الصغار الذين لا أب لهم { أمولهم } إذا بلغوا { ولا تتبدلوا الخبيث } الحرام { بالطيب } الحلال أي تأخذوه بدله كما تفعلون من أخذ الجيد من مال اليتيم وجعل الرديء من مالكم مكانه { ولا تأكلوا أمولهم } مضمومة { إلى أمولكم إنه } أي أكلها { كان حوبا } ذنبا { كبيرا } عظيما. ولما نزلت تحرجوا من ولاية اليتامى وكان فيهم من تحته العشر أو الثمان من الأزواج فلا يعدل بينهن فنزل:
[4.3]
{ وإن خفتم أ } ن { لا تقسطوا } تعدلوا { فى اليتمى } فتحرجتم من أمرهم فخافوا أيضا أن لا تعدلوا بين النساء إذا نكحتموهن { فانكحوا } تزوجوا { ما } بمعنى (من) { طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع } أي اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا ولا تزيدوا على ذلك { فإن خفتم أ } ن { لا تعدلوا } فيهن بالنفقة والقسم { فوحدة } انكحوها { أو } اقتصروا على { ما ملكت أيمنكم } من الإماء إذ ليس لهن من الحقوق ما للزوجات { ذلك } أي نكاح الأربع فقط أو الواحدة أو التسري { أدنى } أقرب إلى { ألا تعولوا } تجوروا.
[4.4]
{ وءاتوا } أعطوا { النساء صدقتهن } جمع (صدقة) ( مهورهن) { نحلة } مصدر عطية عن طيب نفس { فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا } تمييز محول عن الفاعل، أي طابت أنفسهن لكم عن شيء من الصداق فوهبنه لكم { فكلوه هنيئا } طيبا { مريئا } محمود العاقبة لا ضرر فيه عليكم في الآخرة نزلت ردا على من كره ذلك.
[4.5]
{ ولا تؤتوا } أيها الأولياء { السفهاء } المبذرين من الرجال والنساء والصبيان { أمولكم } أي أموالهم التي في أيديكم { التى جعل الله لكم قيما } مصدر (قام) أي تقوم بمعاشكم وصلاح أودكم فيضيعوها في غير وجهها، وفي قراءة «قيما» جمع (قيمة) ما تقوم به الأمتعة { وارزقوهم فيها } أطعموهم منها { واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا } عدوهم عدة جميلة بإعطائهم أموالهم إذا رشدوا.
[4.6]
{ وابتلوا } اختبروا { اليتمى } قبل البلوغ في دينهم وتصرفهم في أحوالهم { حتى إذا بلغوا النكاح } أي صاروا أهلا له بالاحتلام أو السن وهو استكمال خمسة عشرة سنة عند الشافعي { فإن ءانستم } أبصرتم { منهم رشدا } صلاحا في دينهم ومالهم { فادفعوا إليهم أمولهم ولا تأكلوها } أيها الأولياء { إسرافا } بغير حق حال { وبدارا } أي مبادرين إلى إنفاقها مخافة { أن يكبروا } رشداء فيلزمكم تسليمها إليهم { ومن كان } من الأولياء { غنيا فليستعفف } أي يعف عن مال اليتيم ويمتنع من أكله { ومن كان فقيرا فليأكل } منه { بالمعروف } بقدر أجرة عمله { فإذا دفعتم إليهم } أي إلى اليتامى { أمولهم فأشهدوا عليهم } أنهم تسلموها وبرئتم لئلا يقع اختلاف فترجعوا إلى البينة وهذا أمر إرشاد { وكفى بالله } الباء زائدة { حسيبا } حافظا لأعمال خلقه ومحاسبهم.
[4.7]
ونزل ردا لما كان عليه الجاهلية من عدم توريث النساء والصغار { للرجال } الأولاد والأقرباء { نصيب } حظ { مما ترك الولدن والأقربون } المتوفون { وللنساء نصيب مما ترك الولدن والأقربون مما قل منه } أي المال { أو كثر } جعله الله { نصيبا مفروضا } مقطوعا بتسليمه إليهم.
[4.8]
{ وإذا حضر القسمة } للميراث { أولوا القربى } ذوو القرابة ممن لا يرث { واليتمى والمسكين فارزقوهم منه } شيئا قبل القسمة { وقولوا } أيها الأولياء { لهم } إذا كان الورثة صغارا { قولا معروفا } جميلا بأن تعتذروا إليهم أنكم لا تملكونه وأنه للصغار وهذا قيل إنه منسوخ وقيل لا ولكن تهاون الناس في تركه وعليه فهو ندب وعن ابن عباس واجب.
[4.9]
{ وليخش } أي ليخف على اليتامى { الذين لو تركوا } أي قاربوا أن يتركوا { من خلفهم } أي بعد موتهم { ذرية ضعفا } أولادا صغارا { خافوا عليهم } الضياع { فليتقوا الله } في أمر اليتامى وليأتوا إليهم ما يحبون أن يفعل بذريتهم من بعدهم { وليقولوا } للميت { قولا سديدا } صوابا بأن يأمروه أن يتصدق بدون ثلثه ويدع الباقي لورثته ولا يتركهم عالة.
[4.10]
{ إن الذين يأكلون أمول اليتمى ظلما } بغير حق { إنما يأكلون فى بطونهم } أي ملأها { نارا } لأنه يؤول إليها { وسيصلون } بالبناء للفاعل والمفعول يدخلون { سعيرا } نارا شديدة يحترقون فيها.
[4.11]
{ يوصيكم } يأمركم { الله فى } شأن { أولدكم } بما يذكر { للذكر } منهم { مثل حظ } نصيب { الأنثيين } إذا اجتمعتا معه فله نصف المال ولهما النصف فإن كان معه واحدة فلها الثلث وله الثلثان وإن انفرد حاز المال { فإن كن } أي الأولاد { نساء } فقط { فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } الميت وكذا الاثنتان لأنه للأختين بقوله «فلهما الثلثان مما ترك» فهما أولى ولأن البنت تستحق الثلث مع الذكر فمع الأنثى أولى. «وفوق» قيل صلة وقيل لدفع توهم زيادة النصيب بزيادة العدد لما فهم استحقاق البنتين الثلثين من جعل الثلث للواحدة مع الذكر { وإن كانت } المولودة { وحدة } وفي قراءة بالرفع، (فكان) تامة { فلها النصف ولأبويه } أي الميت ويبدل منهما { لكل وحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } ذكر أو أنثى. ونكتة البدل إفادة أنهما لا يشتركان فيه وألحق بالولد ولد الابن وبالأب الجد { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه } فقط أو مع زوج { فلأمه } بضم الهمزة وكسرها فرارا من الانتقال من ضمة إلى كسرة لثقله في الموضعين { الثلث } أي ثلث المال أو ما يبقى بعد الزوج والباقي للأب { فإن كان له إخوة } أي اثنان فصاعدا ذكور أو إناث { فلامه السدس } والباقي للأب ولا شيء للإخوة وإرث من ذكر ما ذكر { من بعد } تنفيذ { وصية يوصى } بالبناء للفاعل والمفعول { بها أو } قضاء { دين } عليه، وتقديم الوصية على الدين وإن كانت مؤخرة عنه في الوفاء للاهتمام بها { ءاباؤكم وأبناؤكم } مبتدأ، خبره { لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا } في الدنيا والآخرة فظان أن ابنه أنفع له فيعطيه الميراث فيكون الأب أنفع وبالعكس وإنما العالم بذلك الله ففرض لكم الميراث { فريضة من الله إن الله كان عليما } بخلقه { حكيما } فيما دبره لهم أي: لم يزل متصفا بذلك.
[4.12]
{ ولكم نصف ما ترك أزوجكم إن لم يكن لهن ولد } منكم أو من غيركم { فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين } وألحق بالولد في ذلك ولد الابن بالإجماع { ولهن } أي الزوجات تعددن أو لا { الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد } منهن أو من غيرهن { فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين } وولد الابن في ذلك كالولد إجماعا { وإن كان رجل يورث } صفة والخبر { كللة } أي لا والد له ولا ولد { أو امرأة } تورث كلالة { وله } أي للموروث كلالة { أخ أو أخت } أي من أم وقرأ به ابن مسعود وغيره { فلكل وحد منهما السدس } مما ترك { فإن كانوا } أي الإخوة والأخوات من الأم { أكثر من ذلك } أي من واحد { فهم شركاء فى الثلث } يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم { من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار } حال من ضمير (يوصي) أي غير مدخل الضرر على الورثة بأن يوصى بأكثر من الثلث { وصية } مصدر مؤكد ل (يوصيكم) { من الله والله عليم } بما دبره لخلقه من الفرائض { حليم } بتأخير العقوبة عمن خالفه، وخصت السنة توريث من ذكر بمن ليس فيه مانع من قتل أو اختلاف دين أو رق.
[4.13]
{ تلك } الأحكام المذكورة من أمر اليتامى وما بعده { حدود الله } شرائعه التي حدها لعباده ليعملوا بها ولا يتعدوها { ومن يطع الله ورسوله } فيما حكم به { يدخله } بالياء والنون التفاتا { جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها وذلك الفوز العظيم }.
[4.14]
{ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله } بالوجهين[يدخله وندخله] { نارا خلدا فيها وله } فيها { عذاب مهين } ذو إهانة وروعي في الضمائر في الآيتين لفظ «من» وفي «خالدين» معناها.
[4.15]
{ والتى يأتين الفحشة } الزنا { من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } أي من رجالكم المسلمين { فإن شهدوا } عليهن بها { فأمسكوهن } احبسوهن { فى البيوت } وامنعوهن من مخالطة الناس { حتى يتوفاهن الموت } أي ملائكته { أو } إلى أن { يجعل الله لهن سبيلا } طريقا إلى الخروج منها أمروا بذلك أول الإسلام ثم جعل لهن سبيلا بجلد البكر مائة وتغريبها عاما، ورجم المحصنة، وفي الحديث لما بين الحد قال
" خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا "
رواه مسلم.
[4.16]
{ واللذان } بتخفيف النون وتشديدها { يأتينها } أي الفاحشة: الزنا أو اللواط { منكم } أي الرجال { فئاذوهما } بالسب والضرب بالنعال { فإن تابا } منها { وأصلحا } العمل { فأعرضوا عنهما } ولا تؤذوهما { إن الله كان توابا } على من تاب { رحيما } به وهذا منسوخ بالحد إن أريد بها الزنا، وكذا إن أريد بها اللواط عند الشافعي لكن المفعول به لا يرجم عنده - وإن كان محصنا- بل يجلد ويغرب، وإرادة اللواط أظهر بدليل تثنية الضمير والأول قال أراد الزاني والزانية، ويرده تبيينهما ب «من» المتصلة بضمير الرجال واشتراكهما في الأذى والتوبة والإعراض وهو مخصوص بالرجال لما تقدم في النساء من الحبس.
[4.17]
{ إنما التوبة على الله } أي التي كتب على نفسه قبولها بفضله { للذين يعملون السوء } المعصية { بجهالة } حال أي جاهلين إذ عصوا ربهم { ثم يتوبون من } زمن { قريب } قبل أن يغرغروا { فأولئك يتوب الله عليهم } يقبل توبتهم { وكان الله عليما } بخلقه { حكيما } في صنعه بهم.
[4.18]
{ وليست التوبة للذين يعملون السيئات } الذنوب { حتى إذا حضر أحدهم الموت } وأخذ في النزع { قال } عند مشاهدة ما هو فيه { إنى تبت الئ ن } فلا ينفعه ذلك ولا يقبل منه { ولا الذين يموتون وهم كفار } إذا تابوا في الآخرة عند معاينة العذاب لا تقبل منهم { أولئك أعتدنا } أعددنا { لهم عذابا أليما } مؤلما.
[4.19]
{ ياأيها الذين ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء } أي ذاتهن { كرها } بالفتح والضم لغتان أي مكرهيهن على ذلك كانوا في الجاهلية يرثون نساء أقربائهم فإن شاؤوا تزوجوهن بلا صداق أو زوجوهن وأخذوا صداقهن، أو عضلوهن حتى يفتدين بما ورثته، أو يمتن فيرثوهن فنهوا عن ذلك { ولا } أن { تعضلوهن } أي تمنعوا أزواجكم عن نكاح غيركم بإمساكهن ولا رغبة لكم فيهن ضرارا { لتذهبوا ببعض ما ءاتيتموهن } من المهر { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } بفتح الياء وكسرها أي بينت أو هي بينة أي زنا أو نشوز فلكم أن تضاروهن حتى يفتدين منكم ويختلعن { وعاشروهن بالمعروف } أي بالإجمال في القول والنفقة والمبيت { فإن كرهتموهن } فاصبروا { فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } ولعله يجعل فيهن ذلك بأن يرزقكم منهن ولدا صالحا.
[4.20]
{ وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } أي أخذ بدلها بأن طلقتموها { و } قد { ءاتيتم إحداهن } أي الزوجات { قنطارا } مالا كثيرا صداقا { فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتنا } ظلما { وإثما مبينا } بينا؟ ونصبهما على الحال والاستفهام للتوبيخ وللإنكار.
[4.21]
{ وكيف تأخذونه } أي بأي وجه { وقد أفضى } وصل { بعضكم إلى بعض } بالجماع المقرر للمهر { وأخذن منكم ميثقا } عهدا { غليظا } شديدا وهو ما أمر الله به من إمساكهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان.
[4.22]
{ ولا تنكحوا ما } بمعنى (من) { نكح ءاباؤكم من النساء إلا } لكن { ما قد سلف } من فعلكم ذلك فإنه معفو عنه { إنه } أي نكاحهن { كان فاحشة } قبيحا { ومقتا } سببا للمقت من الله وهو أشد البغض { وساء } بئس { سبيلا } طريقا ذلك.
[4.23]
{ حرمت عليكم أمهتكم } أن تنكحوهن وشملت الجدات من قبل الأب أو الأم { وبنتكم } وشملت بنات الأولاد وإن سفلن { وأخوتكم } من جهة الأب أو الأم { وعمتكم } أي أخوات آبائكم وأجدادكم { وخلتكم } أي أخوات أمهاتكم وجداتكم { وبنات الأخ وبنات الأخت } ويدخل فيهن أولادهم { وأمهتكم اللاتى أرضعنكم } قبل استكمال الحولين خمس رضعات كما بينه الحديث { وأخوتكم من الرضاعة } ويلحق بذلك بالسنة البنات منها وهن من أرضعتهن موطوءته والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت منها لحديث
" يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "
رواه البخاري ومسلم { وأمهت نسائكم وربائبكم } جمع (ربيبة) وهي بنت الزوجة من غيره { التى فى حجوركم } تربونهن صفة موافقة للغالب فلا مفهوم لها { من نسائكم التى دخلتم بهن } أي جامعتموهن { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } في نكاح بناتهن إذا فارقتموهن { وحلئل } أزواج { أبنائكم الذين من أصلبكم } بخلاف من تبنيتموهم فلكم نكاح حلائلهم { وأن تجمعوا بين الأختين } من نسب أو رضاع بالنكاح ويلحق بهما بالسنة الجمع بينها وبين عمتها أو خالتها ويجوز نكاح كل واحدة على الانفراد وملكهما معا ويطأ واحدة { إلا } لكن { ما قد سلف } في الجاهلية من نكاحهم بعض ما ذكر فلا جناح عليكم فيه { إن الله كان غفورا } لما سلف منكم قبل النهي { رحيما } بكم في ذلك.
[4.24]
{ و } حرمت عليكم { المحصنت } أي ذوات الأزواج { من النساء } أن تنكحوهن قبل مفارقة أزواجهن حرائر مسلمات كن أو لا { إلا ما ملكت أيمنكم } من الإماء بالسبي فلكم وطؤهن وإن كان لهن أزواج في دار الحرب بعد الاستبراء { كتب الله } نصب على المصدر أي كتب ذلك { عليكم وأحل } بالبناء للفاعل والمفعول { لكم ما وراء ذلكم } أي سوى ما حرم عليكم من النساء { أن تبتغوا } تطلبوا النساء { بأمولكم } بصداق أو ثمن { محصنين } متزوجين { غير مسفحين } زانين { فما } فمن { استمتعتم } تمتعتم { به منهن } ممن تزوجتم بالوطء { فئاتوهن أجورهن } مهورهن التي فرضتم لهن { فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم } أنتم وهن { به من بعد الفريضة } من حطها أو بعضها أو زيادة عليها { إن الله كان عليما } بخلقه { حكيما } فيما دبره لهم.
[4.25]
{ ومن لم يستطع منكم طولا } أي غنى ل { أن ينكح المحصنت } الحرائر { المؤمنت } هو جري على الغالب فلا مفهوم له { فمن ما ملكت أيمنكم } ينكح { من فتيتكم المؤمنت والله أعلم بإيمنكم } فاكتفوا بظاهره وكلوا السرائر إليه فإنه العالم بتفصيلها، ورب أمة تفضل الحرة فيه وهذا تأنيس بنكاح الإماء { بعضكم من بعض } أي أنتم وهن سواء في الدين فلا تستنكفوا من نكاحهن { فانكحوهن بإذن أهلهن } مواليهن { وءاتوهن } أعطوهن { أجورهن } مهورهن { بالمعروف } من غير مطل ونقص { محصنت } عفائف حال { غير مسفحت } زانيات جهرا { ولا متخذات أخدان } أخلاء يزنون بهن سرا { فإذا أحصن } زوجن وفي قراءة بالبناء للفاعل تزوجن { فإن أتين بفحشة } زنا { فعليهن نصف ما على المحصنت } الحرائر الأبكار إذا زنين { من العذاب } الحد فيجلدن خمسين ويغربن نصف سنة، ويقاس عليهن العبيد، ولم يجعل الإحصان شرطا لوجوب الحد بل لإفادة أنه لا رجم عليهن أصلا { ذلك } أي نكاح المملوكات عند عدم الطول { لمن خشى } خاف { العنت } الزنا وأصله المشقة سمي به الزنا لأنه سببها بالحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة { منكم } بخلاف من لا يخافه من الأحرار فلا يحل له نكاحها وكذا من استطاع طول حرة وعليه الشافعي. وخرج بقوله «من فتياتكم المؤمنات» الكافرات فلا يحل له نكاحها ولو عدم وخاف { وأن تصبروا } عن نكاح المملوكات { خير لكم } لئلا يصير الولد رقيقا { والله غفور رحيم } بالتوسعة في ذلك.
[4.26]
{ يريد الله ليبين لكم } شرائع دينكم ومصالح أمركم { ويهديكم سنن } طرائق { من قبلكم } من الأنبياء في التحليل والتحريم فتتبعوهم { ويتوب عليكم } يرجع بكم عن معصيته التي كنتم عليها إلى طاعته { والله عليم } بكم { حكيم } فيما دبره لكم.
[4.27]
{ والله يريد أن يتوب عليكم } كرره ليبني عليه { ويريد الذين يتبعون الشهوت } اليهود والنصارى أو المجوس أو الزناة { أن تميلوا ميلا عظيما } تعدلوا عن الحق بارتكاب ما حرم عليكم فتكونوا مثلهم.
[4.28]
{ يريد الله أن يخفف عنكم } يسهل عليكم أحكام الشرع { وخلق الإنسن ضعيفا } لا يصبر عن النساء والشهوات.
[4.29]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أمولكم بينكم بالبطل } بالحرام في الشرع كالربا والغصب { إلآ } لكن { أن تكون } تقع { تجرة } وفي قراءة بالنصب، أي تكون الأموال أموال تجارة صادرة { عن تراض منكم } وطيب نفس فلكم أن تأكلوها { ولا تقتلوا أنفسكم } بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها أيا كان في الدنيا أو الآخرة بقرينة { إن الله كان بكم رحيما } في منعه لكم من ذلك.
[4.30]
{ ومن يفعل ذلك } أي ما نهي عنه { عدونا } تجاوزا للحلال حال { وظلما } تأكيد { فسوف نصليه } ندخله { نارا } يحترق فيها { وكان ذلك على الله يسيرا } هينا.
[4.31]
{ إن تجتنبوا كبآئر ما تنهون عنه } وهي ما ورد عليها وعيد كالقتل والزنا والسرقة، وعن ابن عباس: هي إلى السبعمائة أقرب { نكفر عنكم سيئتكم } الصغائر بالطاعات { وندخلكم مدخلا } بضم الميم وفتحها أي إدخالا أو موضعا { كريما } هو الجنة.
[4.32]
{ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } من جهة الدنيا أو الدين لئلا يؤدي إلى التحاسد والتباغض { للرجال نصيب } ثواب { مما اكتسبوا } بسبب ما عملوا من الجهاد وغيره { وللنساء نصيب مما اكتسبن } من طاعة أزواجهن وحفظ فروجهن، نزلت لما قالت أم سلمة:( ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وكان لنا مثل أجر الرجال) { وسئلوا } بهمزة ودونها [وسلوا] { الله من فضله } ما احتجتم إليه يعطكم { إن الله كان بكل شىء عليما } ومنه محل الفضل وسؤالكم.
[4.33]
{ ولكل } من الرجال والنساء { جعلنا موالى } عصبة يعطون { مما ترك الولدن والأقربون } لهم من المال { والذين عاقدت } بألف ودونها[عقدت] { أيمنكم } جمع (يمين) بمعنى القسم أو اليد أي الحلفاء الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث { فئاتوهم } الآن { نصيبهم } حظوظهم من الميراث وهو السدس { إن الله كان على كل شىء شهيدا } مطلعا ومنه حالكم، وهذا منسوخ بقوله
وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
[75:8].
[4.34]
{ الرجال قوامون } مسلطون { على النسآء } يؤدبونهن ويأخذون على أيديهن { بما فضل الله بعضهم على بعض } أي بتفضيله لهم عليهن بالعلم والعقل والولاية وغير ذلك { وبمآ أنفقوا } عليهن { من أمولهم فالصلحت } منهن { قنتت } مطيعات لأزواجهن { حفظت للغيب } أي لفروجهن وغيرها في غيبة أزواجهن { بما حفظ } لهن { الله } حيث أوصى عليهن الأزواج { واللتى تخافون نشوزهن } عصيانهن لكم بأن ظهرت أماراته { فعظوهن } فخوفوهن الله { واهجروهن فى المضاجع } اعتزلوا إلى فراش آخر إن أظهرن النشوز { واضربوهن } ضربا غير مبرح إن لم يرجعن بالهجران { فإن أطعنكم } فيما يراد منهن { فلا تبغوا } تطلبوا { عليهن سبيلا } طريقا إلى ضربهن ظلما { إن الله كان عليا كبيرا } فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتموهن.
[4.35]
{ وإن خفتم } علمتم { شقاق } خلاف { بينهما } بين الزوجين والإضافة للاتساع أي شقاقا بينهما { فابعثوا } إليهما برضاهما { حكما } رجلا عدلا { من أهله } أقاربه { وحكما من أهلهآ } ويوكل الزوج حكمه في طلاق وقبول عوض عليه وتوكل هي حكمها في الاختلاع فيجتهدان ويأمران الظالم بالرجوع أو يفرقان إن رأياه. قال تعالى: { إن يريدآ } أي الحكمان { إصلحا يوفق الله بينهمآ } بين الزوجين أي يقدرهما على ما هو الطاعة من إصلاح أو فراق { إن الله كان عليما } بكل شيء { خبيرا } بالبواطن كالظواهر.
[4.36]
{ واعبدوا الله } وحدوه { ولا تشركوا به شيئا و } أحسنوا { بالولدين إحسنا } برا ولين جانب { وبذى القربى } القرابة { واليتمى والمسكين والجار ذى القربى } القريب منك في الجوار أو النسب { والجار الجنب } البعيد عنك في الجوار أو النسب { والصحب بالجنب } الرفيق في سفر أو صناعة، وقيل الزوجة { وابن السبيل } المنقطع في سفره { وما ملكت أيمنكم } من الأرقاء { إن الله لا يحب من كان مختالا } متكبرا { فخورا } على الناس بما أوتي.
[4.37]
{ الذين } مبتدأ { يبخلون } بما يجب عليهم { ويأمرون الناس بالبخل } به { ويكتمون ما ءاتهم الله من فضله } من العلم والمال وهم اليهود وخبر المبتدأ( لهم وعيد شديد) { وأعتدنا للكفرين } بذلك وبغيره { عذابا مهينا } ذا إهانة.
[4.38]
{ والذين } عطف على (الذين) قبله { ينفقون أمولهم رئاء الناس } مرائين لهم { ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر } كالمنافقين وأهل مكة { ومن يكن الشيطن له قرينا } صاحبا يعمل بأمره كهؤلاء { فساء } بئس { قرينا } هو.
[4.39]
{ وماذا عليهم لو ءامنوا بالله واليوم الأخر وأنفقوا مما رزقهم الله } أي:أي ضرر عليهم في ذلك؟ والاستفهام للإنكار و(لو) مصدرية أي لا ضرر فيه وإنما الضرر فيما هم عليه { وكان الله بهم عليما } فيجازيهم بما عملوا.
[4.40]
{ إن الله لا يظلم } أحدا { مثقال } وزن { ذرة } أصغر نملة بأن ينقصها من حسناته أو يزيدها في سيئاته { وإن تك } الذرة { حسنة } من مؤمن وفي قراءة بالرفع ف «كان» تامة { يضعفها } من عشر إلى أكثر من سبعمائة وفي قراءة «يضعفها» بالتشديد { ويؤت من لدنه } من عنده مع المضاعفة { أجرا عظيما } لا يقدره أحد.
[4.41]
{ فكيف } حال الكفار { إذا جئنا من كل أمة بشهيد } يشهد عليها بعملها وهو نبيها { وجئنا بك } يا محمد { على هؤلاء شهيدا }.
[4.42]
{ يومئذ } يوم المجيء { يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو } أي أن { تسوى } بالبناء للمفعول والفاعل مع حذف إحدى التاءين في الأصل ومع إدغامها في السين أي تتسوى { بهم الارض } بأن يكونوا ترابا مثلها لعظم هوله كما في آية أخرى
ويقول الكافر الكافر يليتنى كنت تربا
[40:78] { ولا يكتمون الله حديثا } عما عملوه وفي وقت آخر يكتمونه ويقولون
والله ربنا ما كنا مشركين
[23:6].
[4.43]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلوة } أي لا تصلوا { وأنتم سكرى } من الشراب لأن سبب نزولها صلاة جماعة في حال السكر { حتى تعلموا ما تقولون } بأن تصحوا { ولا جنبا } بإيلاج أو إنزال ونصبه على الحال وهو يطلق على المفرد وغيره { إلا عابرى } مجتازي { سبيل } طريق أي مسافرين { حتى تغتسلوا } فلكم أن تصلوا واستثناء المسافر لأن له حكما آخر سيأتي وقيل المراد النهي عن قربان مواضع الصلاة أي المساجد إلا عبورها من غير مكث { وإن كنتم مرضى } مرضا يضره الماء { أو على سفر } أي مسافرين وأنتم جنب أو محدثون { أو جاء أحد منكم من الغائط } هو المكان المعد لقضاء الحاجة أي أحدث { أو لمستم النساء } وفي قراءة(لمستم ) بلا ألف وكلاهما بمعنى اللمس وهو الجس باليد قاله ابن عمر وعليه الشافعي وألحق به الجس بباقي البشرة وعن ابن عباس: هو الجماع { فلم تجدوا ماء } تتطهرون به للصلاة بعد الطلب والتفتيش وهو راجع إلى ما عدا المرضى { فتيمموا } اقصدوا بعد دخول الوقت { صعيدا طيبا } ترابا طاهرا فاضربوا به ضربتين { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } مع المرفقين منه و «مسح» يتعدى بنفسه وبالحرف { إن الله كان عفوا غفورا }.
[4.44]
{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا } حظا { من الكتب } وهم اليهود { يشترون الضللة } بالهدى { ويريدون أن تضلوا السبيل } تخطئوا الطريق الحق لتكونوا مثلهم.
[4.45]
{ والله أعلم بأعدائكم } منكم فيخبركم بهم لتجتنبوهم { وكفى بالله وليا } حافظا لكم منهم { وكفى بالله نصيرا } مانعا لكم من كيدهم.
[4.46]
{ من الذين هادوا } قوم { يحرفون } يغيرون { الكلم } الذي أنزل الله في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم { عن موضعه } التي وضع عليها { ويقولون } للنبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بشيء { سمعنا } قولك { وعصينا } أمرك { واسمع غير مسمع } حال بمعنى الدعاء أي (لا سمعت) { و } يقولون له { رعنا } وقد نهي عن خطابه بها وهي كلمة سب بلغتهم { ليا } تحريفا { بألسنتهم وطعنا } قدحا { فى الدين } الإسلام { ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا } بدل و(عصينا ) { واسمع } فقط { وانظرنا } انظر إلينا بدل (راعنا) { لكان خيرا لهم } مما قالوه { وأقوم } أعدل منه { ولكن لعنهم الله } أبعدهم عن رحمته { بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا } منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه.
[4.47]
{ ياأيها الذين أوتوا الكتب ءامنوا بما نزلنا } من القرآن { مصدقا لما معكم } من التوراة { من قبل أن نطمس وجوها } نمحو ما فيها من العين والأنف والحاجب { فنردها على أدبرها } فنجعلها كالأقفاء لوحا واحدا { أو نلعنهم } نمسخهم قردة { كما لعنا } مسخنا { أصحب السبت } منهم { وكان أمر الله } قضاؤه { مفعولا } ولما نزلت أسلم عبد الله بن سلام فقيل كان وعيدا بشرط فلما أسلم بعضهم رفع وقيل يكون طمس ومسخ قبل قيام الساعة.
[4.48]
{ إن الله لا يغفر أن يشرك } أي الإشراك { به ويغفر ما دون } سوى { ذلك } من الذنوب { لمن يشاء } المغفرة له بأن يدخله الجنة بلا عذاب ومن شاء عذبه من المؤمنين بذنوبه ثم يدخله الجنة { ومن يشرك بالله فقد افترى إثما } ذنبا { عظيما } كبيرا.
[4.49]
{ ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } وهم اليهود حيث قالوا: { نحن أبناؤا الله وأحباؤه } [5: 18] أي ليس الأمر بتزكيتهم أنفسهم { بل الله يزكى } يطهر { من يشآء } بالإيمان { ولا يظلمون } ينقصون من أعمالهم { فتيلا } قدر قشرة النواة.
[4.50]
{ انظر } متعجبا { كيف يفترون على الله الكذب } بذلك { وكفى به إثما مبينا } بينا.
[4.51]
ونزل في كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر وحرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتب يؤمنون بالجبت والطغوت } صنمان لقريش { ويقولون للذين كفروا } أبي سفيان وأصحابه حين قالوا لهم: أنحن أهدى سبيلا ونحن ولاة البيت نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني ونفعل -.... أم محمد صلى الله عليه وسلم؟ وقد خالف دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم؟ { هؤلاء } أي أنتم { أهدىا من الذين ءامنوا سبيلا } أقوم طريقا.
[4.52]
{ أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا } مانعا من عذابه.
[4.53]
{ أم } بل أ { لهم نصيب من الملك } أي ليس لهم شيء منه ولو كان { فإذا لا يؤتون الناس نقيرا } أي شيئا تافها قدر النقرة في ظهر النواة لفرط بخلهم.
[4.54]
{ أم } بل { يحسدون الناس } أي النبي صلى الله عليه وسلم { على ما ءاتهم الله من فضله } النبوة وكثرة النساء، أي يتمنون زواله عنه ويقولون لو كان نبيا لاشتغل عن النساء { فقد ءاتينا ءال إبرهيم } جده كموسى وداود وسليمان { الكتب والحكمة } والنبوة { وءاتينهم ملكا عظيما } فكان لداود تسع وتسعون امرأة ولسليمان ألف ما بين حرة وسرية
[4.55]
{ فمنهم من ءامن به } بمحمد صلى الله عليه وسلم { ومنهم من صد } أعرض { عنه } فلم يؤمن { وكفى بجهنم سعيرا } عذابا لمن لا يؤمن.
[4.56]
{ إن الذين كفروا بئايتنا سوف نصليهم } ندخلهم { نارا } يحترقون فيها { كلما نضجت } احترقت { جلودهم بدلنهم جلودا غيرها } بأن تعاد إلى حالها الأول غير محترقة { ليذوقوا العذاب } ليقاسموا شدته { إن الله كان عزيزا } لا يعجزه شيء { حكيما } في خلقه.
[4.57]
{ والذين ءامنوا وعملوا الصلحت سندخلهم جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها أبدا لهم فيها أزوج مطهرة } من الحيض وكل قذر { وندخلهم ظلا ظليلا } دائما لا تنسخه شمس وهو ظل الجنة.
[4.58]
{ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمنت } أي ما اؤتمن عليه من الحقوق { إلى أهلها } نزلت لما أخذ علي رضي الله عنه مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة الحجبي سادنها قسرا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح ومنعه وقال لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برده إليه وقال(هاك خالدة تالدة) فعجب من ذلك فقرأ له علي الآية فأسلم وأعطاه عند موته لأخيه (شيبة) فبقي في ولده، والآية وإن وردت على سبب خاص فعمومها معتبر بقرينة الجمع { وإذا حكمتم بين الناس } يأمركم { أن تحكموا بالعدل إن الله نعما } فيه إدغام ميم «نعم» في «ما» النكرة الموصوفة أي (نعم شيئا) { يعظكم به } تأدية الأمانة والحكم بالعدل { إن الله كان سميعا } لما يقال { بصيرا } بما يفعل.
[4.59]
{ يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى } وأصحاب { الأمر } أي الولاة { منكم } إذا أمروكم بطاعة الله ورسوله { فإن تنازعتم } اختلفتم { فى شىء فردوه إلى الله } أي إلى كتابه { والرسول } مدة حياته وبعده إلى سنته أي اكشفوا عليه منهما { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك } أي الرد إليهما { خير } لكم من التنازع والقول بالرأي { وأحسن تأويلا } مآلا.
[4.60]
ونزل لما اختصم يهودي ومنافق فدعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ليحكم بينهما ودعا اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتياه فقضى لليهودي فلم يرض المنافق وأتيا عمر فذكر له اليهودي ذلك فقال للمنافق أكذلك؟ فقال نعم فقتله { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطغوت } الكثير الطغيان وهو كعب بن الأشرف { وقد أمروا أن يكفروا به } ولا يوالوه { ويريد الشيطن أن يضلهم ضللا بعيدا } عن الحق.
[4.61]
{ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله } في القرآن من الحكم { وإلى الرسول } ليحكم بينكم { رأيت المنفقين يصدون } يعرضون { عنك } إلى غيرك { صدودا }.
[4.62]
{ فكيف } يصنعون { إذا أصبتهم مصيبة } عقوبة { بما قدمت أيديهم } من الكفر والمعاصي أي أيقدرون على الإعراض والفرار منها؟ لا { ثم جاءوك } معطوف على( يصدون) { يحلفون بالله إن } ما { أردنا } بالمحاكمة إلى غيرك { إلا إحسانا } صلحا { وتوفيقا } تأليفا بين الخصمين بالتقريب في الحكم دون الحمل على مر الحق.
[4.63]
{ أولئك الذين يعلم الله ما فى قلوبهم } من النفاق وكذبهم في عذرهم { فأعرض عنهم } بالصفح { وعظهم } خوفهم الله { وقل لهم فى } شأن { أنفسهم قولا بليغا } مؤثرا فيهم أي ازجرهم ليرجعوا عن كفرهم.
[4.64]
{ وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع } فيما يأمر به ويحكم { بإذن الله } بأمره لا ليعصى ويخالف { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } بتحاكمهم إلى الطاغوت { جاءوك } تائبين { فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول } فيه التفات عن الخطاب تفخيما لشأنه { لوجدوا الله توابا } عليهم { رحيما } بهم.
[4.65]
{ فلا وربك } «لا» زائدة { لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر } اختلط { بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا } ضيقا أو شكا { مما قضيت } به { ويسلموا } ينقادوا لحكمك { تسليما } من غير معارضة.
[4.66]
{ ولو أنا كتبنا عليهم أن } مفسرة { اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من ديركم } كما كتبنا على بني إسرائيل { ما فعلوه } أي المكتوب عليهم { إلا قليل } بالرفع على البدل والنصب على الاستثناء { منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به } من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم { لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } تحقيقا لإيمانهم.
[4.67]
{ وإذا } أي لو ثبتوا { لأتينهم من لدنا } من عندنا { أجرا عظيما } هو الجنة.
[4.68]
{ ولهدينهم صرطا مستقيما } قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف نراك في الجنة وأنت في الدرجات العلا ونحن أسفل منك؟ فنزل.
[4.69]
{ ومن يطع الله والرسول } فيما أمر به { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين } أفاضل أصحاب الأنبياء لمبالغتهم في الصدق والتصديق { والشهداء } القتلى في سبيل الله { والصلحين } غير من ذكر { وحسن أولئك رفيقا } رفقاء في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم وإن كان مقرهم في الدرجات العالية بالنسبة إلى غيرهم.
[4.70]
{ ذلك } أي كونه مع من ذكر مبتدأ خبره { الفضل من الله } تفضل به عليهم لا أنهم نالوه بطاعتهم { وكفى بالله عليما } بثواب الآخرة أي فثقوا بما أخبركم به { ولا ينبئك مثل خبير }.
[4.71]
{ ياأيها الذين ءامنوا خذوا حذركم } من عدوكم أي احترزوا منه وتيقظوا له { فانفروا } انهضوا إلى قتاله { ثبات } متفرقين سرية بعد أخرى { أو انفروا جميعا } مجتمعين.
[4.72]
{ وإن منكم لمن ليبطئن } ليتأخرن عن القتال كعبد الله بن أبي المنافق وأصحابه وجعله منهم من حيث الظاهر واللام في الفعل للقسم { فإن أصبتكم مصيبة } كقتل وهزيمة { قال قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا } حاضرا فأصاب.
[4.73]
{ ولئن } لام قسم { أصبكم فضل من الله } كفتح وغنيمة { ليقولن } نادما { كأن } مخففة واسمها محذوف أي كأنه { لم يكن } بالياء والتاء { بينكم وبينه مودة } معرفة وصداقة وهذا راجع إلى قوله: " قد أنعم الله على " اعترض به بين القول ومقوله وهو { يا } للتنبيه { ليتنى كنت معهم فأفوز فوزا عظيما } آخذ حظا وافرا من الغنيمة.
[4.74]
{ فليقاتل فى سبيل الله } لإعلاء دينه { الذين يشرون } يبيعون { الحيوة الدنيا بالاخرة ومن يقتل في سبيل الله فيقتل } يستشهد { أو يغلب } يظفر بعدوه { فسوف نؤتيه أجرا عظيما } ثوابا جزيلا.
[4.75]
{ وما لكم لا تقتلون } استفهام توبيخ أي لا مانع لكم من القتال { فى سبيل الله } في تخليص { المستضعفين من الرجال والنساء والولدن } الذين حبسهم الكفار عن الهجرة وآذوهم قال ابن عباس رضي الله عنهما: كنت أنا وأمي منهم { الذين يقولون } داعين يا { ربنا أخرجنا من هذه القرية } مكة { الظالم أهلها } بالكفر { واجعل لنا من لدنك } من عندك { وليا } يتولى أمورنا { واجعل لنا من لدنك نصيرا } يمنعنا منهم وقد استجاب الله دعاءهم فيسر لبعضهم الخروج وبقي بعضهم إلى أن فتحت مكة وولى صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد فأنصف مظلومهم من ظالمهم.
[4.76]
{ الذين ءامنوا يقتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقتلون فى سبيل الطغوت } الشيطان { فقتلوا أولياء الشيطن } أنصار دينه تغلبوهم لقوتكم بالله { إن كيد الشيطن } بالمؤمنين { كان ضعيفا } واهيا لا يقاوم كيد الله بالكافرين.
[4.77]
{ ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم } عن قتال الكفار لما طلبوه بمكة لأذى الكفار لهم وهم جماعة من الصحابة { وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة فلما كتب } فرض { عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون } يخافون { الناس } الكفار أي عذابهم بالقتل { كخشيت } هم عذاب { الله أو أشد خشية } من خشيتهم له ونصب «أشد» على الحال وجواب «لما» دل عليه (إذا) وما بعدها أي فاجأتهم الخشية { وقالوا } أي جزعا من الموت { ربنا لم كتبت علينا القتال لولا } هلا { أخرتنا إلى أجل قريب قل } لهم { متع الدنيا } ما يتمتع به فيها أو الاستمتاع بها { قليل } آيل إلى الفناء { والاخرة } أي الجنة { خير لمن اتقى } عقاب الله بترك معصيته { ولا تظلمون } بالتاء والياء تنقصون من أعمالكم { فتيلا } قدر قشرة النواة فجاهدوا.
[4.78]
{ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج } حصون { مشيدة } مرتفعة فلا تخشوا القتال خوف الموت { وإن تصبهم } أي اليهود { حسنة } خصب وسعة { يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة } جدب وبلاء كما حصل لهم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة { يقولوا هذه من عندك } يا محمد أي بشؤمك { قل } لهم { كل } من الحسنة والسيئة { من عند الله } من قبله { فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون } أي لا يقاربون أن يفهموا { حديثا } يلقى إليهم و «ما» استفهام تعجيب من فرط جهلهم ونفي مقاربة الفعل أشد من نفيه.
[4.79]
{ ما أصابك } أيها الإنسان { من حسنة } خير { فمن الله } أتتك فضلا منه { وما أصبك من سيئة } بلية { فمن نفسك } أتتك حيث ارتكبت ما يستوجبها من الذنوب { وأرسلنك } يا محمد { للناس رسولا } حال مؤكدة { وكفى بالله شهيدا } على رسالتك.
[4.80]
{ من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى } أعرض عن طاعته فلا يهمنك { فما أرسلنك عليهم حفيظا } حافظا لأعمالهم بل نذيرا وإلينا أمرهم فنجازيهم وهذا قبل الأمر بالقتال.
[4.81]
{ ويقولون } أي المنافقون إذا جاؤوك: أمرنا { طاعة } لك { فإذا برزوا } خرجوا { من عندك بيت طائفة منهم } بإدغام التاء في الطاء وتركه أي أضمرت { غير الذى تقول } لك في حضورك من الطاعة أي عصيانك { والله يكتب } يأمر بكتب { ما يبيتون } في صحائفهم ليجازوا عليه { فأعرض عنهم } بالصفح { وتوكل على الله } ثق به فإنه كافيك { وكفى بالله وكيلا } مفوضا إليه.
[4.82]
{ أفلا يتدبرون } يتأملون { القرءان } وما فيه من المعاني البديعة { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلفا كثيرا } تناقضا في معانيه وتباينا في نظمه.
[4.83]
{ وإذا جاءهم أمر } عن سرايا النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل لهم { من الأمن } بالنصر { أو الخوف } بالهزيمة { أذاعوا به } أفشوه، نزل في جماعة من المنافقين أو في ضعفاء المؤمنين يفعلون ذلك فتضعف قلوب المؤمنين ويتأذى النبي صلى الله عليه وسلم { ولو ردوه } أي الخبر { إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم } أي ذوي الرأي من أكابر الصحابة أي لو سكتوا عنه حتى يخبروا به { لعلمه } هل هو مما ينبغي أن يذاع أو لا { الذين يستنبطونه } يتتبعونه ويطلبون علمه وهم المذيعون { منهم } من الرسول وأولي الأمر { ولولا فضل الله عليكم } بالإسلام { ورحمته } لكم بالقرآن { لاتبعتم الشيطن } فيما يأمركم به من الفواحش { إلا قليلا }.
[4.84]
{ فقاتل } يا محمد { فى سبيل الله لا تكلف إلا نفسك } فلا تهتم بتخلفهم عنك، المعنى قاتل ولو وحدك فإنك موعود بالنصر { وحرض المؤمنين } حثهم على القتال ورغبهم فيه { عسى الله أن يكف بأس } حرب { الذين كفروا والله أشد بأسا } منهم { وأشد تنكيلا } تعذيبا منهم فقال صلى الله عليه وسلم:
" والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي "
فخرج بسبعين راكبا إلى بدر الصغرى فكف الله بأس الكفار بإلقاء الرعب في قلوبهم ومنع أبي سفيان عن الخروج كما تقدم في آل عمران [172:3-173].
[4.85]
{ من يشفع } بين الناس { شفعة حسنة } موافقة للشرع { يكن له نصيب } من الأجر { منها } بسببها { ومن يشفع شفعة سيئة } مخالفة له { يكن له كفل } نصيب من الوزر { منها } بسببها { وكان الله على كل شىء مقيتا } مقتدرا فيجازي كل أحد بما عمل.
[4.86]
{ وإذا حييتم بتحية } كأن قيل لكم سلام عليكم { فحيوا } المحيي { بأحسن منها } بأن تقول له عليك السلام ورحمة الله وبركاته { أو ردوها } بأن تقولوا له كما قال أي الواجب أحدهما والأول أفضل { إن الله كان على كل شىء حسيبا } محاسبا فيجازي عليه ومنه رد السلام، وخصت السنة الكافر والمبتدع والفاسق والمسلم على قاضي الحاجة ومن في الحمام والآكل فلا يجب الرد عليهم بل يكره في غير الأخير ويقال للكافر و(عليك).
[4.87]
{ الله لا إله إلا هو } والله { ليجمعنكم } من قبوركم { إلى } في { يوم القيمة لا ريب } لا شك { فيه ومن } أي لا أحد { أصدق من الله حديثا } قولا.
[4.88]
ولما رجع ناس من أحد اختلف الناس فيهم، فقال فريق نقتلهم وقال فريق: لا فنزل: { فما لكم } أي ما شأنكم صرتم { فى المنفقين فئتين } فرقتين؟ { والله أركسهم } ردهم { بما كسبوا } من الكفر والمعاصي { أتريدون أن تهدوا من أضل } ه { الله } أي تعدوهم من جملة المهتدين؟ والاستفهام في الموضعين للإنكار { ومن يضلل } ه { الله فلن تجد له سبيلا } طريقا إلى الهدى.
[4.89]
{ ودوا } تمنوا { لو تكفرون كما كفروا فتكونون } أنتم وهم { سوآء } في الكفر { فلا تتخذوا منهم أولياء } توالونهم وإن أظهروا الإيمان { حتى يهاجروا فى سبيل الله } هجرة صحيحة تحقق إيمانهم { فإن تولوا } وأقاموا على ما هم عليه { فخذوهم } بالأسر { واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا } توالونه { ولا نصيرا } تنتصرون به على عدوكم.
[4.90]
{ إلا الذين يصلون } يلجئوون { إلى قوم بينكم وبينهم ميثق } عهد بالأمان لهم ولمن وصل إليهم كما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم هلال بن عويمر الأسلمي { أو } الذين { جاءوكم } وقد { حصرت } ضاقت { صدورهم } عن { أن يقتلوكم } مع قومهم { أو يقتلوا قومهم } معكم أي ممسكين عن قتالكم وقتالهم فلا تتعرضوا إليهم بأخذ ولا قتل وهذا وما بعده منسوخ بآية السيف [5:9] { ولو شاء الله } تسليطهم عليكم { لسلطهم عليكم } بأن يقوي قلوبهم { فلقتلوكم } ولكنه لم يشأ فألقى في قلوبهم الرعب { فإن اعتزلوكم فلم يقتلوكم وألقوا إليكم السلم } الصلح أي انقادوا { فما جعل الله لكم عليهم سبيلا } طريقا بالأخذ والقتل.
[4.91]
{ ستجدون ءاخرين يريدون أن يأمنوكم } بإظهار الإيمان عندكم { ويأمنوا قومهم } بالكفر إذا رجعوا إليهم وهم أسد وغطفان { كل ما ردوا إلى الفتنة } دعوا إلى الشرك { أركسوا فيها } وقعوا أشد وقوع { فإن لم يعتزلوكم } بترك قتالكم { و } لم { يلقوا إليكم السلم } لم { يكفوا أيديهم } عنكم { فخذوهم } بالأسر { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } وجدتموهم { وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطنا مبينا } برهانا بينا ظاهرا على قتلهم وسبيهم لغدرهم.
[4.92]
{ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا } أي ما ينبغي أن يصدر منه قتل له { إلا خطئا } مخطئا في قتله من غير قصد { ومن قتل مؤمنا } بأن قصد رمي غيره كصيد أو شجرة فأصابه أو ضربه بما لا يقتل غالبا { فتحرير } عتق { رقبة } نسمة { مؤمنة } عليه { ودية مسلمة } مؤداة { إلى أهله } أي ورثة المقتول { إلا أن يصدقوا } يتصدقوا عليه بها بأن يعفوا عنها وبينت السنة أنها مائة من الإبل عشرون بنت مخاض وكذا بنات لبون وبنون لبون، وحقاق وجذاع وأنها على عاقلة القاتل، وهم عصبته في الأصل والفرع موزعة عليهم على ثلاث سنين على الغني منهم نصف دينار والمتوسط ربع كل سنة فإن لم يفوا فمن بيت المال فإن تعذر فعلى الجاني { فإن كان } المقتول { من قوم عدو } حرب { لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } على قاتله كفارة ولا دية تسلم إلى أهله لحرابتهم { وإن كان } المقتول { من قوم بينكم وبينهم ميثاق } عهد كأهل الذمة { فدية } له { مسلمة إلى أهله } وهي ثلث دية المؤمن إن كان يهوديا أو نصرانيا، وثلثا عشرها إن كان مجوسيا { وتحرير رقبة مؤمنة } على قاتله { فمن لم يجد } الرقبة بأن فقدها وما يحصلها به { فصيام شهرين متتابعين } عليه كفارة ولم يذكر الله تعالى الانتقال إلى الطعام كالظهار وبه أخذ الشافعي في أصح قوليه { توبة من الله } مصدر منصوب بفعله المقدر { وكان الله عليما } بخلقه { حكيما } فيما دبره لهم.
[4.93]
{ ومن يقتل مؤمنا متعمدا } بأن يقصد قتله بما يقتل غالبا عالما بإيمانه { فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه } أبعده من رحمته { وأعد له عذابا عظيما } في النار وهذا مؤول بمن يستحله أو بأن هذا جزاؤه إن جوزي ولا بدع في خلف الوعيد لقوله:
ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
[48:4] وعن ابن عباس أنها على ظاهرها وأنها ناسخة لغيرها من آيات المغفرة وبينت آية البقرة[178:2] أن قاتل العمد يقتل به وأن عليه الدية إن عفي عنه وسبق قدرها وبينت السنة أن بين العمد والخطأ قتلا يسمى شبه العمد وهو أن يقتله بما لا يقتل غالبا فلا قصاص فيه بل دية كالعمد في الصفة والخطأ في التأجيل والحمل وهو والعمد أولى بالكفارة من الخطأ.
[4.94]
ونزل لما مر نفر من الصحابة برجل من بني سليم وهو يسوق غنما فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا إلا تقية فقتلوه واستاقوا غنمه { يأيها الذين ءامنوا إذا ضربتم } سافرتم للجهاد { فى سبيل الله فتبينوا } وفي قراءة (فتثبتوا) بالمثلثة في الموضعين { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم } بألف أو دونها أي التحية أو الانقياد بقوله كلمة الشهادة التي هي إمارة على الإسلام { لست مؤمنا } وإنما قلت هذا تقية لنفسك ومالك فتقتلوه { تبتغون } تطلبون بذلك { عرض الحيوة الدنيا } متاعها من الغنيمة { فعند الله مغانم كثيرة } تغنيكم عن قتل مثله لماله { كذلك كنتم من قبل } تعصم دماؤكم وأموالكم بمجرد قولكم الشهادة { فمن الله عليكم } بالاشتهار بالإيمان والاستقامة { فتبينوا } أن تقتلوا مؤمنا وافعلوا بالداخل في الإسلام كما فعل بكم { إن الله كان بما تعملون خبيرا } فيجازيكم به.
[4.95]
{ لا يستوى القعدون من المؤمنين } على الجهاد { غير أولى الضرر } بالرفع صفة، والنصب استثناء من زمانة أو عمى أو نحوه { والمجهدون فى سبيل الله بأمولهم وأنفسهم فضل الله المجهدين بأمولهم وأنفسهم على القعدين } لضرر { درجة } فضيلة لاستوائهما في النية وزيادة المجاهدين بالمباشرة { وكلا } من الفريقين { وعد الله الحسنى } الجنة { وفضل الله المجهدين على القعدين } لغير ضرر { أجرا عظيما } ويبدل منه.
[4.96]
{ درجت منه } منازل بعضها فوق بعض من الكرامة { ومغفرة ورحمة } منصوبان بفعلهما المقدر { وكان الله غفورا } لأوليائه { رحيما } بأهل طاعته.
[4.97]
ونزل في جماعة أسلموا ولم يهاجروا فقتلوا يوم بدر مع الكفار { إن الذين توفهم الملئكة ظالمى أنفسهم } بالمقام مع الكفار وترك الهجرة { قالوا } لهم موبخين { فيم كنتم } أي في أي شيء كنتم في أمر دينكم؟ { قالوا } معتذرين { كنا مستضعفين } عاجزين عن إقامة الدين { فى الأرض } أرض مكة { قالوا } لهم توبيخا { ألم تكن أرض الله وسعة فتهاجروا فيها } من أرض الكفر إلى بلد آخر كما فعل غيركم؟ قال الله تعالى: { فأولئك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا } هي.
[4.98]
{ إلا المستضعفين من الرجال والنسآء والولدن } الذين { لا يستطيعون حيلة } لا قوة لهم على الهجرة ولا نفقة { ولا يهتدون سبيلا } طريقا إلى أرض الهجرة.
[4.99]
{ فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا }.
[4.100]
{ ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الأرض مراغما } مهاجرا { كثيرا وسعة } في الرزق { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت } في الطريق كما وقع لجندع بن ضمرة الليثي { فقد وقع } ثبت { أجره على الله وكان الله غفورا رحيما }.
[4.101]
{ وإذا ضربتم } سافرتم { فى الأرض فليس عليكم جناح } في { أن تقصروا من الصلوة } بأن تردوها من أربع إلى اثنتين { إن خفتم أن يفتنكم } أي ينالكم بمكروه { الذين كفروا } بيان للواقع إذ ذاك فلا مفهوم له وبينت السنة أن المراد بالسفر الطويل، وهو أربعة برد وهي مرحلتان ويؤخذ من قوله تعالى: { فليس عليكم جناح } أنه رخصة لا واجب، وعليه الشافعي { إن الكفرين كانوا لكم عدوا مبينا } بين العداوة.
[4.102]
{ وإذا كنت } يا محمد حاضرا { فيهم } وأنتم تخافون العدو { فأقمت لهم الصلوة } وهذا جري على عادة القرآن في الخطاب فلا مفهوم له { فلتقم طائفة منهم معك } وتتأخر طائفة { وليأخذوا } أي الطائفة التي قامت معك { أسلحتهم } معهم { فإذا سجدوا } أي صلوا { فليكونوا } أي الطائفة الأخرى { من ورائكم } يحرسون إلى أن تقضوا الصلاة وتذهب هذه الطائفة تحرس { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } معهم إلى أن تقضوا الصلاة وقد فعل صلى الله عليه وسلم كذلك ببطن نخل رواه الشيخان { ود الذين كفروا لو تغفلون } إذا قمتم إلى الصلاة { عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة وحدة } بأن يحملوا عليكم فيأخذوكم وهذا علة الأمر بأخذ السلاح { ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم } فلا تحملوها وهذا يفيد إيجاب حملها عند عدم العذر وهو أحد قولين للشافعي والثاني أنه سنة ورجح { وخذوا حذركم } من العدو أي احترزوا منه ما استطعتم { إن الله أعد للكفرين عذابا مهينا } ذا إهانة.
[4.103]
{ فإذا قضيتم الصلوة } فرغتم منها { فاذكروا الله } بالتهليل والتسبيح { قيما وقعودا وعلى جنوبكم } مضطجعين أي في كل حال { فإذا اطمأننتم } أمنتم { فأقيموا الصلوة } أدوها بحقوقها { أنالصلوة كانت على المؤمنين كتبا } مكتوبا أي مفروضا { موقوتا } أي مقدرا وقتها فلا تؤخر عنه. لما رجعوا من أحد فشكوا الجراحات:
[4.104]
ونزل لما بعث صلى الله عليه وسلم طائفة في طلب أبي سفيان وأصحابه لما رجع من أحد فشكوا الجراحات: { ولا تهنوا } تضعفوا { فى ابتغآء } طلب { القوم } الكفار لتقاتلوهم { إن تكونوا تألمون } تجدون ألم الجراح { فإنهم يألمون كما تألمون } أي مثلكم ولا يجبنون عن قتالكم { وترجون } أنتم { من الله } من النصر والثواب عليه { ما لا يرجون } هم فأنتم تزيدون عليهم بذلك فينبغي أن تكونوا أرغب منهم فيه { وكان الله عليما } بكل شيء { حكيما } في صنعه.
[4.105]
وسرق طعمة بن أبيرق درعا وخبأها عند يهودي فوجدت عنده فرماه طعمة بها وحلف أنه ما سرقها، فسأل قومه النبي صلى الله عليه وسلم أن يجادل عنه ويبرئه فنزل { إنآ أنزلنآ إليك الكتب } القرآن { بالحق } متعلق ب(أنزل) { لتحكم بين الناس بما أراك } أعلمك { الله } فيه { ولا تكن للخائنين } كطعمة { خصيما } مخاصما عنهم.
[4.106]
{ واستغفر الله } مما هممت به { إن الله كان غفورا رحيما }.
[4.107]
{ ولا تجدل عن الذين يختانون أنفسهم } يخونونها بالمعاصي لأن وبال خيانتهم عليهم { إن الله لا يحب من كان خوانا } كثير الخيانة { أثيما } أي يعاقبه.
[4.108]
{ يستخفون } أي طعمة وقومه حياء { من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم } بعلمه { إذ يبيتون } يضمرون { ما لا يرضى من القول } من عزمهم على الحلف على نفي السرقة ورمي اليهودي بها { وكان الله بما يعملون محيطا } علما.
[4.109]
{ هأنتم } يا { هؤلاء } خطاب لقوم طعمة { جدلتم } خاصمتم { عنهم } أي عن طعمة وذويه وقرىء (عنه) { فى الحيوة الدنيا فمن يجدل الله عنهم يوم القيمة } إذا عذبهم { أم من يكون عليهم وكيلا } يتولى أمرهم ويذب عنهم؟ أي لا أحد يفعل ذلك.
[4.110]
{ ومن يعمل سوءا } ذنبا يسوء به غيره كرمي (طعمة) اليهودي { أو يظلم نفسه } يعمل ذنبا قاصرا عليه { ثم يستغفر الله } منه أي يتب { يجد الله غفورا } له { رحيما } به.
[4.111]
{ ومن يكسب إثما } ذنبا { فإنما يكسبه على نفسه } لأن وباله عليها ولا يضر غيره { وكان الله عليما حكيما } في صنعه.
[4.112]
{ ومن يكسب خطيئة } ذنبا صغيرا { أو إثما } ذنبا كبيرا { ثم يرم به بريئا } منه { فقد احتمل } تحمل { بهتنا } برميه { وإثما مبينا } بينا يكسبه.
[4.113]
{ ولولا فضل الله عليك } يا محمد { ورحمته } بالعصمة { لهمت } أضمرت { طآئفة منهم } من قوم طعمة { أن يضلوك } عن القضاء بالحق بتلبيسهم عليك { وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من } زائدة { شىء } لأن وبال إضلالهم عليهم { وأنزل الله عليك الكتب } القرآن { والحكمة } ما فيه من الأحكام { وعلمك ما لم تكن تعلم } من الأحكام والغيب { وكان فضل الله عليك } بذلك وغيره { عظيما }.
[4.114]
{ لا خير فى كثير من نجواهم } أي الناس أي ما يتناجون فيه ويتحدثون { إلا } نجوى { من أمر بصدقة أو معروف } عمل بر { أو إصلح بين الناس ومن يفعل ذلك } المذكور { ابتغآء } طلب { مرضات الله } لا غيره من أمور الدنيا { فسوف نؤتيه } بالنون والياء أي الله { أجرا عظيما }.
[4.115]
{ ومن يشاقق } يخالف { الرسول } فيما جاء به من الحق { من بعد ما تبين له الهدى } ظهر له الحق بالمعجزات { ويتبع } طريقا { غير سبيل المؤمنين } أي طريقهم الذي هم عليه من الدين بأن يكفر { نوله ما تولى } نجعله واليا لما تولاه من الضلال بأن نخلي بينه وبينه في الدنيا { ونصله } ندخله في الآخرة { جهنم } فيحترق فيها { وسآءت مصيرا } مرجعا هي.
[4.116]
{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء ومن يشرك بالله فقد ضل ضللا بعيدا } عن الحق.
[4.117]
{ ءان } ما { يدعون } يعبد المشركون { من دونه } أي الله أي غيره { إلا إنثا } أصناما مؤنثة كاللات والعزى ومناة { وإن } ما { يدعون } يعبدون بعبادتها { إلا شيطنا مريدا } خارجا عن الطاعة لطاعتهم له فيها وهو إبليس.
[4.118]
{ لعنه الله } أبعده عن رحمته { وقال } أي الشيطان { لأتخذن } لأجعلن لي { من عبادك نصيبا } حظا { مفروضا } مقطوعا أدعوهم إلى طاعتي.
[4.119]
{ ولأضلنهم } عن الحق بالوسوسة { ولأمنينهم } ألقي في قلوبهم طول الحياة وأن لا بعث ولا حساب { ولأمرنهم فليبتكن } يقطعن { ءاذان الأنعم } وقد فعل ذلك بالبحائر { ولامرنهم فليغيرن خلق الله } دينه بالكفر وإحلال ما حرم وتحريم ما أحل { ومن يتخذ الشيطن وليا } يتولاه ويطيعه { من دون الله } أي غيره { فقد خسر خسرانا مبينا } بينا لمصيره إلى النار المؤبدة عليه.
[4.120]
{ يعدهم } طول العمر { ويمنيهم } نيل الآمال في الدنيا وأن لا بعث ولا جزاء { وما يعدهم الشيطن } بذلك { إلا غرورا } باطلا.
[4.121]
{ أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا } معدلا.
[4.122]
{ والذين ءامنوا وعملوا الصلحت سندخلهم جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها أبدا وعد الله حقا } أي وعدهم الله ذلك وحقه حقا { ومن } أي لا أحد { أصدق من الله قيلا } أي قولا.
[4.123]
ونزل لما افتخر المسلمون وأهل الكتاب { ليس } الأمر منوطا { بأمنيكم ولا أمانى أهل الكتب } بل بالعمل الصالح { من يعمل سوءا يجز به } إما في الآخرة أو في الدنيا بالبلاء والمحن كما ورد في الحديث { ولا يجد له من دون الله } أي غيره { وليا } يحفظه { ولا نصيرا } يمنعه منه.
[4.124]
{ ومن يعمل } شيئا { من الصلحت من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون } بالبناء للمفعول والفاعل [يدخلون] { الجنة ولا يظلمون نقيرا } قدر نقرة النواة.
[4.125]
{ ومن } أي لا أحد { أحسن دينا ممن أسلم وجهه } أي انقاد وأخلص عمله { لله وهو محسن } موحد { واتبع ملة إبرهيم } الموافقة لملة الإسلام { حنيفا } حال أي مائلا عن الأديان كلها إلى الدين القيم { واتخذ الله إبرهيم خليلا } صفيا خالص المحبة له.
[4.126]
{ ولله ما فى السموات وما في الأرض } ملكا وخلقا وعبيدا { وكان الله بكل شىء محيطا } علما وقدرة أي لم يزل متصفا بذلك.
[4.127]
{ ويستفتونك } يطلبون منك الفتوى { فى } شأن { النساء } وميراثهن { قل } لهم { الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم فى الكتب } القرآن من آية الميراث ويفتيكم أيضا { فى يتمى النساء التى لا تؤتونهن ما كتب } فرض { لهن } من الميراث { وترغبون } أيها الأولياء عن { أن تنكحوهن } لدمامتهن وتعضلوهن أن يتزوجن طمعا في ميراثهن أي يفتيكم أن لا تفعلوا ذلك { و } في { المستضعفين } الصغار { من الولدن } أن تعطوهم حقوقهم { و } يأمركم { أن تقوموا لليتمى بالقسط } بالعدل في الميراث والمهر { وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما } فيجازيكم به.
[4.128]
{ وإن امرأة } مرفوع بفعل يفسره { خافت } توقعت { من بعلها } زوجها { نشوزا } ترفعا عليها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها لبغضها وطموح عينه إلى أجمل منها { أو إعراضا } عنها بوجهه { فلا جناح عليهما أن يصالحا } فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد، وفي قراءة (يصلحا) من (أصلح) { يصلحا بينهما صلحا } في القسم والنفقة بأن تترك له شيئا طلبا لبقاء الصحبة فإن رضيت بذلك وإلا فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها { والصلح خير } من الفرقة والنشوز والإعراض، قال تعالىالله في بيان ما جبل عليه الإنسان { وأحضرت الأنفس الشح } شدة البخل أي جبلت عليه فكأنها حاضرته لا تغيب عنه، المعنى أن المرأة لا تكاد تسمح بنصيبها من زوجها والرجل لا يكاد يسمح عليها بنفسه إذا أحب غيرها { وإن تحسنوا } عشرة النساء { وتتقوا } الجور عليهن { فإن الله كان بما تعملون خبيرا } فيجازيكم به.
[4.129]
{ ولن تستطيعوا أن تعدلوا } تسووا { بين النساء } في المحبة { ولو حرصتم } على ذلك { فلا تميلوا كل الميل } إلى التي تحبونها في القسم والنفقة { فتذروها } أي تتركوا الممال عنها { كالمعلقة } التي لا هي أيم ولا ذات بعل { وإن تصلحوا } بالعدل بالقسم { وتتقوا } الجور { فإن الله كان غفورا } لما في قلبكم من الميل { رحيما } بكم في ذلك.
[4.130]
{ وإن يتفرقا } أي الزوجان بالطلاق { يغن الله كلا } عن صاحبه { من سعته } أي فضله بأن يرزقها زوجا غيره ويرزقه غيرها { وكان الله وسعا } لخلقه في الفضل { حكيما } فيما دبره لهم.
[4.131]
{ ولله ما فى السموات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتب } بمعنى الكتب { من قبلكم } أي اليهود والنصارى { وإيكم } يا أهل القرآن { أن } أي بأن { اتقوا الله } خافوا عقابه بأن تطيعوه { و } قلنا لهم ولكم { موسى إن تكفروا } بما وصيتم به { فإن لله ما فى السموات وما في الأرض } خلقا وملكا وعبيدا فلا يضره كفركم { وكان الله غنيا } عن خلقه وعبادتهم { حميدا } محمودا في صنعه بهم.
[4.132]
{ ولله ما فى السموات وما في الأرض } كرره تأكيدا لتقرير موجب التقوى { وكفى بالله وكيلا } شهيدا بأن ما فيهما له.
[4.133]
{ إن يشأ يذهبكم } يا { أيها الناس ويأت بئاخرين } بدلكم { وكان الله على ذلك قديرا }.
[4.134]
{ من كان يريد } بعمله { ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والأخرة } لمن أراده لا عند غيره فلم يطلب أحدهم الأخس وهلا طلب الأعلى بإخلاص له حيث كان مطلبه لا يوجد إلا عنده؟! { وكان الله سميعا بصيرا }.
[4.135]
{ يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين } قائمين { بالقسط } بالعدل { شهدآء } بالحق { لله ولو } كانت الشهادة { على أنفسكم } فاشهدوا عليها بأن تقروا بالحق ولا تكتموه { أو } على { الولدين والأقربين إن يكن } المشهود عليه { غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما } منكم وأعلم بمصالحهما { فلا تتبعوا الهوى } في شهادتكم بأن تحابوا الغني لرضاه أو الفقير رحمة له ل { أن } لا { تعدلوا } تميلوا عن الحق { وإن تلووا } تحرفوا الشهادة، وفي قراءة(تلوا) بحذف الواو الأولى تخفيفا { تلووا أو تعرضوا } عن أدائها { فإن الله كان بما تعملون خبيرا } فيجازيكم به.
[4.136]
{ ياأيها الذين ءامنوا ءامنوا } داوموا على الإيمان { بالله ورسوله والكتب الذى نزل على رسوله } محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن { والكتب الذى أنزل من قبل } على الرسل بمعنى (الكتب) وفي قراءة بالبناء للفاعل في الفعلين [نزل أنزل] { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر فقد ضل ضللا بعيدا } عن الحدق.
[4.137]
{ إن الذين ءامنوا } بموسى وهم اليهود { ثم ءامنوا } بعبادة العجل { ثم كفروا } بعده { ثم كفروا } بعيسى { ثم ازدادوا كفرا } بمحمد { لم يكن الله ليغفر لهم } ما أقاموا عليه { ولا ليهديهم سبيلا } طريقا إلى الحق.
[4.138]
{ بشر } أخبر يا محمد { المنفقين بأن لهم عذابا أليما } مؤلما هو عذاب النار.
[4.139]
{ الذين } بدل أو نعت للمنافقين { يتخذون الكفرين أوليآء من دون المؤمنين } لما يتوهمون فيهم من القوة { أيبتغون } يطلبون { عندهم العزة } استفهام إنكاري، أي لا يجدونها عندهم { فإن العزة لله جميعا } في الدنيا والآخرة ولا ينالها إلا أولياؤه.
[4.140]
{ وقد نزل } بالبناء للفاعل والمفعول [نزل] { عليكم فى الكتب } القرآن في سورة (الأنعام) [68:6] { أن } مخففة واسمها محذوف، أي أنه { إذا سمعتم ءايت الله } القرآن { يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم } أي الكافرين والمستهزئين { حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذا } إن قعدتم معهم { مثلهم } في الإثم { إن الله جامع المنفقين والكفرين فى جهنم جميعا } كما اجتمعوا في الدنيا على الكفر والاستهزاء.
[4.141]
{ الذين } بدل من الذين(الذين) قبله { يتربصون } ينتظرون { بكم } الدوائر { فإن كان لكم فتح } ظفر وغنيمة { من الله قالوا } لكم { ألم نكن معكم } في الدين والجهاد فأعطونا من الغنيمة { وإن كان للكفرين نصيب } من الظفر عليكم { قالوا } لهم { ألم نستحوذ } نستول { عليكم } ونقدر على أخذكم وقتلكم فأبقينا عليكم؟ { و } ألم { نمنعكم من المؤمنين } أن يظفروا بكم بتخذيلهم ومراسلتكم بأخبارهم؟ فلنا عليكم المنة، قال تعالى: { فالله يحكم بينكم } وبينهم { يوم القيمة } بأن يدخلكم الجنة ويدخلهم النار { ولن يجعل الله للكفرين على المؤمنين سبيلا } طريقا بالاستئصال.
[4.142]
{ إن المنفقين يخدعون الله } بإظهار خلاف ما أبطنوه من الكفر ليدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية { وهو خادعهم } مجازيهم على خداعهم فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الله نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة { وإذا قاموا إلى الصلوة } مع المؤمنين { قاموا كسالى } متثاقلين { يرآءنالناس } بصلاتهم { ولا يذكرون الله } يصلون { إلا قليلا } رياء.
[4.143]
{ مذبذبين } مترددين { بين ذلك } الكفر والإيمان { لا } منسوبين { إلى هؤلآء } أي الكفار { ولآ إلى هؤلآء } أي المؤمنين { ومن يضلل } ه { الله فلن تجد له سبيلا } طريقا إلى الهدى.
[4.144]
{ سبيلا يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكفرين أوليآء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم } بموالاتهم { سلطنا مبينا } برهانا بينا على نفاقكم؟
[4.145]
{ إن المنفقين فى الدرك } المكان { الأسفل من النار } وهو قعرها { ولن تجد لهم نصيرا } مانعا من العذاب.
[4.146]
{ إلا الذين تابوا } من النفاق { وأصلحوا } عملهم { واعتصموا } وثقوا { بالله وأخلصوا دينهم لله } من الرياء { فأولئك مع المؤمنين } فيما يؤتونه { وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما } في الآخرة هو الجنة.
[4.147]
{ ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم } نعمه { وءامنتم } به والاستفهام بمعنى النفي أي لا يعذبكم { وكان الله شاكرا } لأعمال المؤمنين بالإثابة { عليما } بخلقه.
[4.148]
{ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول } من أحد أي يعاقبه عليه { إلا من ظلم } فلا يؤاخذه بالجهر به بأن يخبر عن ظلم ظالمه ويدعو عليه { وكان الله سميعا } لما يقال { عليما } بما يفعل.
[4.149]
{ إن تبدوا } تظهروا { خيرا } من أعمال البر { أو تخفوه } تعملوه سرا { أو تعفوا عن سوء } ظلم { فإن الله كان عفوا قديرا }.
[4.150]
{ إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله } بأن يؤمنوا به دونهم { ويقولون نؤمن ببعض } من الرسل { ونكفر ببعض } منهم { ويريدون أن يتخذوا بين ذلك } الكفر والإيمان { سبيلا } طريقا يذهبون إليه.
[4.151]
{ أولئك هم الكفرون حقا } مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله { وأعتدنا للكفرين عذابا مهينا } ذا إهانة وهو عذاب النار.
[4.152]
{ والذين ءامنوا بالله ورسله } كلهم { ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف } بالنون والياء { فيوفيهم أجورهم } ثواب أعمالهم { وكان الله غفورا } لأوليائه { رحيما } بأهل طاعته.
[4.153]
{ يسئلك } يا محمد { أهل الكتب } اليهود { أن تنزل عليهم كتبا من السماء } جملة كما أنزل الله على موسى تعنتا فإن استكبرت ذلك { فقد سألوا } أي آباؤهم { موسى أكبر } أعظم { من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة } عيانا { فأخذتهم الصعقة } الموت عقابا لهم { بظلمهم } حيث تعنتوا في السؤال { ثم اتخذوا العجل } إلها { من بعد ما جاءتهم البينت } المعجزات على وحدانية الله { فعفونا عن ذلك } ولم نستأصلهم { وءاتينا موسىسلطانا مبينا } تسلطا بينا ظاهرا عليهم حيث أمرهم بقتل أنفسهم توبة فأطاعوه.
[4.154]
{ ورفعنا فوقهم الطور } الجبل { بميثقهم } بسبب أخذ الميثاق عليهم ليخافوا فيقبلوه { وقلنا لهم } وهو مظل عليهم { ادخلوا الباب } باب القرية { سجدا } سجود انحناء { وقلنا لهم لا تعدوا } وفي قراءة بفتح العين وتشديد الدال[تعدوا] وفيه إدغام التاء في الأصل في الدال أي لا تعتدوا { فى السبت } باصطياد الحيتان فيه { وأخذنا منهم ميثقا غليظا } على ذلك فنقضوه.
[4.155]
{ فبما نقضهم } «ما» زائدة والباء للسببية متعلقة بمحذوف، أي لعناهم بسبب نقضهم { ميثقهم وكفرهم بئايت الله وقتلهم الانبياء بغير حق وقولهم } للنبي صلى الله عليه وسلم { قلوبنا غلف } لا تعي كلامك { بل طبع } ختم { الله عليها بكفرهم } فلا تعي وعظا { فلا يؤمنون إلا قليلا } منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه.
[4.156]
{ وبكفرهم } ثانيا بعيسى وكرر الباء للفصل بينه وبين ما عطف عليه { وقولهم على مريم بهتنا عظيما } حيث رموها بالزنا.
[4.157]
{ وقولهم } مفتخرين { إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله } في زعمهم أي بمجموع ذلك عذبناهم، قال تعالى تكذيبا لهم { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم } المقتول والمصلوب - وهو صاحبهم - بعيسى أي ألقى الله عليه شبهه فظنوه إياه { وإن الذين اختلفوا فيه } أي في عيسى { لفى شك منه } من قتله حيث قال بعضهم لما رأوا المقتول: الوجه وجه عيسى والجسد ليس بجسده فليس به، وقال آخرون: بل هو هو { ما لهم به } بقتله { من علم إلا اتباع الظن } استثناء منقطع، أي لكن يتبعون فيه الظن الذي تخيلوه { وما قتلوه يقينا } حال مؤكدة لنفي القتل.
[4.158]
{ بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا } في ملكه { حكيما } في صنعه.
[4.159]
{ وإن } ما { من أهل الكتب } أحد { إلا ليؤمنن به } بعيسى { قبل موته } أي الكتابي حين يعاين ملائكة الموت فلا ينفعه إيمانه أو قبل موت عيسى لما ينزل قرب الساعة كما ورد في حديث { ويوم القيمة يكون } عيسى { عليهم شهيدا } بما فعلوه لما بعث إليهم.
[4.160]
{ فبظلم } أي فبسبب ظلم { من الذين هادوا } هم اليهود { حرمنا عليهم طيبت أحلت لهم } هي التي في قوله تعالى
حرمنا كل ذى ظفر
[146:6] الآية { وبصدهم } الناس { عن سبيل الله } دينه صدا { كثيرا }.
[4.161]
{ وأخذهم الربا وقد نهوا عنه } في التوراة { وأكلهم أمول الناس بالبطل } بالرشا في الحكم { وأعتدنا للكفرين منهم عذابا أليما } مؤلما.
[4.162]
{ لكن الراسخون } الثابتون { فى العلم منهم } كعبد الله بن سلام { والمؤمنون } المهاجرون والأنصار { يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } من الكتب { والمقيمين الصلوة } نصب على المدح وقرىء بالرفع { والمؤتون الزكوة والمؤمنون بالله واليوم الأخر أولئك سنؤتيهم } بالنون والياء { أجرا عظيما } هو الجنة.
[4.163]
{ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده و } كما { أوحينا إلى إبراهيم وإسمعيل وإسحق } ابنيه { ويعقوب } ابن إسحاق { والأسباط } أولاده { وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمن وءاتينا } أباه { داوود زبورا } بالفتح اسم للكتاب المؤتى، والضم مصدر بمعنى مزبورا أي مكتوبا.
[4.164]
{ و } أرسلنا { رسلا قد قصصنهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك } روي أنه تعالى بعث ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس قاله الشيخ في سورة (غافر)[78:40] { وكلم الله موسى } بلا واسطة { تكليما }.
[4.165]
{ رسلا } بدل من (رسلا) قبله { مبشرين } بالثواب من آمن { ومنذرين } بالعقاب من كفر أرسلناهم { لئلا يكون للناس على الله حجة } تقال { بعد } إرسال { الرسل } إليهم
فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع ءايتك ونكون من المؤمنين
[47:28] فبعثناهم لقطع عذرهم { وكان الله عزيزا } في ملكه { حكيما } في صنعه.
[4.166]
ونزل لما سئل اليهود عن نبوته صلى الله عليه وسلم فأنكروه { لكن الله يشهد } يبين نبوتك { بما أنزل إليك } من القرآن المعجز { أنزله } ملتبسا { بعلمه } أي عالما به أو وفيه علمه { والملئكة يشهدون } لك أيضا { وكفى بالله شهيدا } على ذلك.
[4.167]
{ إن الذين كفروا } بالله { وصدوا } الناس { عن سبيل الله } دين الإسلام بكتمهم نعت محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود { قد ضلوا ضللا بعيدا } عن الحق.
[4.168]
{ إن الذين كفروا } بالله { وظلموا } نبيه بكتمان نعته { لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا } من الطرق.
[4.169]
{ إلا طريق جهنم } أي الطريق المؤدي إليها { خلدين } مقدرين الخلود { فيها } إذا دخلوها { أبدا وكان ذلك على الله يسيرا } هينا.
[4.170]
{ ياأيها الناس } أي أهل مكة { قد جاءكم الرسول } محمد صلى الله عليه وسلم { بالحق من } عند { ربكم فئامنوا } به واقصدوا { خيرا لكم } مما أنتم فيه { وإن تكفروا } به { فإن لله ما فى السموات والأرض } ملكا وخلقا وعبيدا فلا يضره كفركم { وكان الله عليما } بخلقه { حكيما } في صنعه بهم.
[4.171]
{ يأهل الكتب } الإنجيل { لا تغلوا } تتجاوزوا الحد { فى دينكم ولا تقولوا على الله إلا } القول { الحق } من تنزيهه عن الشريك والولد { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقها } أوصلها الله { إلى مريم وروح } أي ذو روح { منه } أضيف إليه تعالى تشريفا له وليس كما زعمتم ابن الله أو إلها معه أو ثالث ثلاثة لأن ذا الروح مركب والإله منزه عن التركيب وعن نسبة المركب إليه { فئامنوا بااله ورسله ولاتقولوا } الآلهة { ثلثة } الله وعيسى وأمه { انتهوا } عن ذلك وأتوا { خيرا لكم } منه وهو التوحيد { إنما الله إله وحد سبحنه } تنزيها له عن { أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض } خلقا وملكا وعبيدا والملكية تنافي النبوة { وكفى بالله وكيلا } شهيدا على ذلك.
[4.172]
{ لن يستنكف } يتكبر ويأنف { المسيح } الذي زعمتم أنه إله عن { أن يكون عبدا لله ولا الملئكة المقربون } عند الله لا يستنكفون أن يكونوا عبيدا لله، وهذا من أحسن الاستطراد ذكر للرد على من زعم أنها آلهة أو بنات الله كما رد بما قبله على النصارى الزاعمين ذلك المقصود خطابهم { ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا } في الآخرة.
[4.173]
{ فأما الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فيوفيهم أجورهم } ثواب أعمالهم { ويزيدهم من فضله } ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر { وأما الذين استنكفوا واستكبروا } عن عبادته { فيعذبهم عذابا أليما } مؤلما هو عذاب النار { ولا يجدون لهم من دون الله } أي غيره { وليا } يدفعه عنهم { ولا نصيرا } يمنعهم منه.
[4.174]
{ يأيها الناس قد جاءكم برهان } حجة { من ربكم } عليكم وهو النبي صلى الله عليه وسلم { وأنزلنا إليكم نورا مبينا } بينا وهو القرآن.
[4.175]
{ فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم فى رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صرطا } طريقا { مستقيما } هو دين الإسلام.
[4.176]
{ يستفتونك } في الكلالة { قل الله يفتيكم فى الكللة إن امرؤ } مرفوع بفعل يفسره { هلك } مات { ليس له ولد } أي ولا والد وهو الكلالة { وله أخت } من أبوين أو أب { فلها نصف ما ترك وهو } أي الأخ كذلك { يرثها } جميع ما تركت { إن لم يكن لها ولد } فإن كان لها ولد ذكر فلا شيء له أو أنثى فله ما فضل عن نصيبها ولو كانت الأخت أو الأخ من أم ففرضه السدس كما تقدم أول السورة [12:4] { فإن كانتا } أي الأختان { اثنتين } أي فصاعدا لأنها نزلت في جابر وقد مات عن أخوات { فلهما الثلثان مما ترك } الأخ { وإن كانوا } أي الورثة { إخوة رجالا ونساء فللذكر } منهم { مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم } شرائع دينكم ل { أن } لا { تضلوا والله بكل شىء عليم } ومنه الميراث روى الشيخان عن البراء أنها آخر آية نزلت أي من الفرائض.
[5 - سورة المائدة]
[5.1]
{ يأيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود } العهود المؤكدة التي بينكم وبين الله والناس { أحلت لكم بهيمة الأنعام } الإبل والبقر والغنم أكلا بعد الذبح { إلا ما يتلى عليكم } تحريمه في { حرمت عليكم الميتة } الآية، فالاستثناء منقطع، ويجوز أن يكون متصلا والتحريم لما عرض من الموت ونحوه { غير محلى الصيد وأنتم حرم } أي محرمون، ونصب «غير» على الحال من ضمير (لكم) { إن الله يحكم ما يريد } من التحليل وغيره لا اعتراض عليه.
[5.2]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تحلوا شعئر الله } جمع (شعيرة) أي معالم دينه بالصيد في الإحرام { ولا الشهر الحرام } بالقتال فيه { ولا الهدى } ما أهدي إلى الحرم من النعم بالتعرض له { ولا القلئد } جمع (قلادة)، وهي ما كان يقلد به من شجر الحرم ليأمن، أي فلا تتعرضوا لها ولا لأصحابها { ولا } تحلوا { أمين } قاصدين { البيت الحرام } بأن تقاتلوهم { يبتغون فضلا } رزقا { من ربهم } بالتجارة { ورضوانا } منه بقصده بزعمهم الفاسد، وهذا منسوخ بآية (براءة) [5:9] { وإذا حللتم } من الإحرام { فاصطادوا } أمر إباحة { ولا يجرمنكم } يكسبنكم { شنئان } بفتح النون وسكونها، بغض { قوم } لأجل { أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا } عليهم بالقتل وغيره { وتعاونوا على البر } فعل ما أمرتم به { والتقوى } بترك ما نهيتم عنه { ولا تعاونوا } فيه حذف إحدى التاءين في الأصل { على الإثم } المعاصي { والعدوان } التعدي في حدود الله { واتقوا الله } خافوا عقابه بأن تطيعوه { أن الله شديد العقاب } لمن خالفه.
[5.3]
{ حرمت عليكم الميتة } أي أكلها { والدم } أي المسفوح كما في (الأنعام) [145:6] { ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } بأن ذبح على اسم غيره { والمنخنقة } الميتة خنقا { والموقوذة } المقتولة ضربا { والمتردية } الساقطة من علو إلى أسفل فماتت { والنطيحة } المقتولة بنطح أخرى لها { وما أكل السبع } منه { إلا ما ذكيتم } أي أدركتم فيه الروح من هذه الأشياء فذبحتموه { وما ذبح على } اسم { النصب } جمع (نصاب) وهي الأصنام { وأن تستقسموا } تطلبوا القسم والحكم { بالأزلام } جمع (زلم) بفتح الزاي وضمها مع فتح اللام (قدح) بكسر القاف صغير لا ريش له ولا نصل وكانت سبعة عند سادن الكعبة عليها أعلام وكانوا يحكمونها فإن أمرتهم ائتمروا وإن نهتهم انتهوا { ذلكم فسق } خروج عن الطاعة، ونزل يوم عرفة عام حجة الوداع { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } أن ترتدوا عنه بعد طمعهم في ذلك لما رأوا من قوته { فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم } أحكامه وفرائضه فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام { وأتممت عليكم نعمتى } بإكماله وقيل بدخول مكة آمنين { ورضيت } أي اخترت { لكم الإسلم دينا فمن اضطر فى مخمصة } مجاعة إلى أكل شيء مما حرم عليه فأكله { غير متجانف } مائل { لإثم } معصية { فإن الله غفور } له ما أكل { رحيم } به في إباحته له بخلاف المائل لإثم أي المتلبس به كقاطع الطريق والباغي مثلا فلا يحل له الأكل.
[5.4]
{ يسئلونك } يا محمد { ماذا أحل لهم } من الطعام { قل أحل لكم الطيبت } المستلذات { و } صيد { ما علمتم من الجوارح } الكواسب من الكلاب والسباع والطير { مكلبين } حال من (كلبت الكلب) بالتشديد: أي أرسلته على الصيد { تعلمونهن } حال من ضمير (مكلبين)، أي تؤدبونهن { مما علمكم الله } من آداب الصيد { فكلوا مما أمسكن عليكم } وإن قتلنه بأن لم يأكلن منه بخلاف غير المعلمة فلا يحل صيدها وعلامتها أن تسترسل إذا أرسلت وتنزجر إذا زجرت وتمسك الصيد ولا تأكل منه وأقل ما يعرف به ذلك ثلاث مرات فإن أكلت منه فليس مما أمسكن على صاحبهن فلا يحل أكله كما في حديث الصحيحين وفيه أن صيد السهم إذا أرسل وذكر اسم الله عليه كصيد المعلم من الجوارح { واذكروا اسم الله عليه } عند إرساله { واتقوا الله إن الله سريع الحساب }.
[5.5]
{ اليوم أحل لكم الطيبت } المستلذات { وطعام الذين أوتوا الكتب } أي ذبائح اليهود والنصارى { حل } حلال { لكم وطعامكم } إياهم { حل لهم والمحصنت من المؤمنت والمحصنت } الحرائر { من الذين أوتوا الكتب من قبلكم } حل لكم أن تنكحوهن { إذا ءاتيتموهن } مهورهن { محصنين } متزوجين { غير مسفحين } معلنين بالزنا بهن { ولا متخذى أخدان } منهن تسرون بالزنا بهن { ومن يكفر بالإيمن } أي يرتد { فقد حبط عمله } الصالح قبل ذلك فلا يعتد به ولا يثاب عليه { وهو فى الأخرة من الخسرين } إذا مات عليه.
[5.6]
{ يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم } أي أردتم القيام { إلى الصلوة } وأنتم محدثون { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق } أي معها كما بينته السنة { وامسحوا برءوسكم } الباء للالصاق أي ألصقوا المسح بها من غير إسالة ماء وهو اسم جنس فيكفي أقل ما يصدق عليه وهو مسح بعض شعره وعليه الشافعي، { وأرجلكم } بالنصب عطفا على (أيديكم) وبالجر على الجوار { إلى الكعبين } أي معهما كما بينته السنة وهما العظمان النائتان في كل رجل عند مفصل الساق والقدم والفصل بين الأيدي والأرجل المغسولة بالرأس الممسوح يفيد وجوب الترتيب في طهارة هذه الأعضاء وعليه الشافعي ويؤخذ من السنة وجوب النية فيه كغيره من العبادات { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فاغتسلوا { وإن كنتم مرضى } مرضا يضره الماء { أو على سفر } أي مسافرين { أو جاء أحد منكم من الغائط } أي أحدث { أو لمستم النساء } سبق مثله في آية (النساء) [43:4] { فلم تجدوا ماء } بعد طلبه { فتيمموا } اقصدوا { صعيدا طيبا } ترابا طاهرا { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } مع المرفقين { منه } بضربتين، والباء للالصاق، وبينت السنة أن المراد استيعاب العضوين بالمسح { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } ضيق بما فرض عليكم من الوضوء والغسل والتيمم { ولكن يريد ليطهركم } من الأحداث والذنوب { وليتم نعمته عليكم } بالإسلام ببيان شرائع الدين { لعلكم تشكرون } نعمه.
[5.7]
{ واذكروا نعمت الله عليكم } بالإسلام { وميثقه } عهده { الذى واثقكم به } عاهدكم عليه { إذ قلتم } للنبي صلى الله عليه وسلم حين بايعتموه { سمعنا وأطعنا } في كل ما تأمر به وتنهى [عنه] مما نحب ونكره { واتقوا الله } في ميثاقه أن تنقضوه { إن الله عليم بذات الصدور } بما في القلوب فبغيره أولى.
[5.8]
{ يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين } قائمين { لله } بحقوقه { شهداء بالقسط } بالعدل { ولا يجرمنكم } يحملنكم { شنئان } بغض { قوم } أي الكفار { على ألا تعدلوا } فتنالوا منهم لعداوتهم { اعدلوا } في العدو والولي { هو } أي العدل { أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } فيجازيكم به.
[5.9]
{ وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصلحت } وعدا حسنا { لهم مغفرة وأجر عظيم } هو الجنة.
[5.10]
{ والذين كفروا وكذبوا بئايتنا أولئك أصحب الجحيم }.
[5.11]
{ يأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم } هم قريش { أن يبسطوا } يمدوا { إليكم أيديهم } ليفتكوا بكم { فكف أيديهم عنكم } وعصمكم مما أرادوا بكم { واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون }.
[5.12]
{ ولقد أخذ الله ميثق بنى إسرءيل } بما يذكر بعد { وبعثنا } فيه التفات عن الغيبة أقمنا { منهم اثنى عشر نقيبا } من كل سبط نقيب يكون كفيلا على قومه بالوفاء بالعهد توثقة عليهم { وقال } لهم { الله إنى معكم } بالعون والنصرة { لئن } لام قسم { أقمتم الصلوة وءاتيتم الزكوة وءامنتم برسلي وعزرتموهم } نصرتموهم { وأقرضتم الله قرضا حسنا } بالإنفاق في سبيله { لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنت تجرى من تحتها الأنهر فمن كفر بعد ذلك } الميثاق { منكم فقد ضل سواء السبيل } أخطأ طريق الحق، و(السواء) في الأصل (الوسط ) فنقضوا الميثاق.
[5.13]
قال تعالى { فبما نقضهم } «ما» زائدة { ميثقهم لعنهم } أبعدناهم عن رحمتنا { وجعلنا قلوبهم قاسية } لا تلين لقبول الإيمان { يحرفون الكلم } الذي في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وغيره { عن موضعه } التي وضعه الله عليها أي يبدلونه { ونسوا } تركوا { حظا } نصيبا { مما ذكروا } أمروا { به } في التوراة من اتباع محمد { ولا تزال } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم { تطلع } تظهر { على خائنة } أي خيانة { منهم } بنقض العهد وغيره { إلا قليلا منهم } ممن أسلم { فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين } وهذا منسوخ بآية السيف[5:9].
[5.14]
{ ومن الذين قالوا إنا نصرى } متعلق بقوله { أخذنا ميثقهم } كما أخذنا على بني إسرائيل العهود { فنسوا حظا مما ذكروا به } في الإنجيل من الإيمان وغيره ونقضوا الميثاق { فأغرينا } أوقعنا { بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيمة } بتفريقهم واختلاف أهوائهم فكل فرقة تكفر الأخرى { وسوف ينبئهم الله } في الآخرة { بما كانوا يصنعون } فيجازيهم عليه.
[5.15]
{ يأهل الكتب } اليهود والنصارى { قد جاءكم رسولنا } محمد { يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون } تكتمون { من الكتب } التوراة والإنجيل كآية الرجم وصفته { ويعفوا عن كثير } من ذلك فلا يبينه إذا لم يكن فيه مصلحة إلا افتضاحكم و { قد جاءكم من الله نور } هو النبي صلى الله عليه وسلم { وكتب } قرآن { مبين } بين ظاهر.
[5.16]
{ يهدى به } أي الكتاب { الله من اتبع رضوانه } بأن آمن { سبل السلم } طرق السلامة { ويخرجهم من الظلمت } الكفر { إلى النور } الإيمان { بإذنه } بإرادته { ويهديهم إلى صرط مستقيم } دين الإسلام.
[5.17]
{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } حيث جعلوه إلها وهم اليعقوبية فرقة من النصارى { قل فمن يملك } أي يدفع { من } عذاب { الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا } أي لا أحد يملك ذلك ولو كان المسيح إلها لقدر عليه { ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شىء } شاءه { قدير }.
[5.18]
{ وقالت اليهود والنصرى } أي كل منهما { نحن أبنؤا الله } أي كأبنائه في القرب والمنزلة وهو كأبينا في الرحمة والشفقة { وأحبؤه قل } لهم يا محمد { فلم يعذبكم بذنوبكم } إن صدقتم في ذلك ولا يعذب الأب ولده ولا الحبيب حبيبه وقد عذبكم فأنتم كاذبون { بل أنتم بشر ممن } من جملة من { خلق } من البشر لكم ما لهم وعليكم ما عليهم { يغفر لمن يشاء } المغفرة له { ويعذب من يشاء } تعذيبه لا اعتراض عليه { ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير } المرجع.
[5.19]
{ يأهل الكتب قد جاءكم رسولنا } محمد { يبين لكم } شرائع الدين { على فترة } انقطاع { من الرسل } إذ لم يكن بينه وبين عيسى رسول ومدة ذلك خمسمائة وتسع وستون سنة ل { أن } لا { تقولوا } إذا عذبتم { ما جاءنا من } زائدة { بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير } فلا عذر لكم إذا { والله على كل شيء قدير } ومنه تعذيبكم إن لم تتبعوه.
[5.20]
{ و } اذكر { إذ قال موسى لقومه يقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم } أي منكم { أنبياء وجعلكم ملوكا } أصحاب خدم وحشم { وءاتكم مالم يؤت أحدا من العلمين } من المن والسلوى وفلق البحر وغير ذلك.
[5.21]
{ يقوم ادخلوا الأرض المقدسة } المطهرة { التى كتب الله لكم } أمركم بدخولها وهي الشام { ولا ترتدوا على أدباركم } تنهزموا خوف العدو { فتنقلبوا خسرين } في سعيكم.
[5.22]
{ قالوا يموسى إن فيها قوما جبارين } من بقايا (عاد) طوالا ذوي قوة { وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا دخلون } لها.
[5.23]
{ قال } لهم { رجلان من الذين يخافون } مخالفة أمر الله وهما (يوشع وكالب) من النقباء الذين بعثهم موسى في كشف أحوال الجبابرة { أنعم الله عليهما } بالعصمة فكتما ما اطلعا عليه من حالهم إلا عن موسى بخلاف بقية النقباء فأفشوه فجبنوا { ادخلوا عليهم الباب } ولا تخشوهم فإنهم أجساد بلا قلوب { فإذا دخلتموه فإنكم غلبون } قالا ذلك تيقنا بنصر الله وإنجاز وعده { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين }.
[5.24]
{ قالوا يموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقتلا } هم { إنا ههنا قعدون } عن القتال.
[5.25]
{ قال } موسى حينئذ { رب إنى لا أملك إلا نفسى } إلا { أخى } ولا أملك غيرهما فأجبرهم على الطاعة { فافرق } فافصل { بيننا وبين القوم الفسقين }.
[5.26]
{ قال } تعالى له { فإنها } أي الأرض المقدسة { محرمة عليهم } أن يدخلوها { أربعين سنة يتيهون } يتحيرون { فى الأرض } وهي تسعة فراسخ قاله ابن عباس { فلا تأس } تحزن { على القوم الفسقين } روي أنهم كانوا يسيرون الليل جادين فإذا أصبحوا إذا هم في الموضع الذي ابتدأوا منه ويسيرون النهار كذلك حتى انقرضوا كلهم إلا من لم يبلغ العشرين، قيل وكانوا ستمائة ألف ومات هارون وموسى في التيه وكان رحمة لهما وعذابا لأولئك (وسأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر فأدناه) كما في الحديث، ونبىء يوشع بعد الأربعين وأمر بقتال الجبارين فسار بمن بقي معه وقاتلهم وكان يوم الجمعة ووقفت له الشمس ساعة حتى فرغ من قتالهم، وروى أحمد في مسنده حديث
" إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس "
[5.27]
{ واتل } يا محمد { عليهم } على قومك { نبأ } خبر { ابنى ءادم } هابيل وقابيل { بالحق } متعلق باتل { إذ قربا قربانا } إلى الله وهو كبش لهابيل وزرع لقابيل { فتقبل من أحدهما } وهو هابيل بأن نزلت نار من السماء فأكلت قربانه { ولم يتقبل من الأخر } وهو قابيل فغضب وأضمر الحسد في نفسه إلى أن حج آدم { قال } له { لأقتلنك } قال: لم؟ قال لتقبل قربانك دوني { قال إنما يتقبل الله من المتقين }.
[5.28]
{ لئن } لام قسم { بسطت } مددت { إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك إنى أخاف الله رب العلمين } في قتلك.
[5.29]
{ إنى أريد أن تبوأ } ترجع { بإثمى } بإثم قتلي { وإثمك } الذي ارتكبته من قبل { فتكون من أصحب النار } ولا أريد أن أبوء بإثمك إذا قتلتك فأكون منهم، قال تعالى: { وذلك جزآؤا الظلمين }.
[5.30]
{ فطوعت } زينت { له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح } فصار { من الخسرين } بقتله ولم يدر ما يصنع به لأنه أول ميت على وجه الأرض من بني آدم فحمله على ظهره.
[5.31]
{ فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض } ينبش التراب بمنقاره وبرجليه ويثيره على غراب ميت معه حتى واراه { ليريه كيف يوارى } يستر { سوءة } جيفة { أخيه قال يويلتى أعجزت } عن { أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخى فأصبح من الندمين } على حمله وحفر له وواراه.
[5.32]
{ من أجل ذلك } الذي فعله قابيل { كتبنا على بنى إسرءيل أنه } أي الشأن { من قتل نفسا بغير نفس } قتلها { أو } بغير { فساد } أتاه { فى الأرض } من كفر أو زنا أو قطع طريق أو نحوه { فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها } بأن امتنع عن قتلها { فكأنما أحيا الناس جميعا } قال ابن عباس: من حيث انتهاك حرمتها وصونها { ولقد جاءتهم } أي بني إسرائيل { رسلنا بالبينت } المعجزات { ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون } مجاوزون الحد بالكفر والقتل وغير ذلك.
[5.33]
ونزل في العرنيين لما قدموا المدينة وهم مرضى فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى الإبل ويشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل { إنما جزآؤا الذين يحاربون الله ورسوله } بمحاربة المسلمين { ويسعون فى الأرض فسادا } بقطع الطريق { أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف } أي أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى { أو ينفوا من الأرض } (أو) لترتيب الأحوال فالقتل لمن قتل فقط والصلب لمن قتل وأخذ المال والقطع لمن أخذ ولم يقتل والنفي لمن أخاف فقط قاله ابن عباس وعليه الشافعي وأصح قوليه أن الصلب ثلاثا بعد القتل وقيل قبله قليلا ويلحق بالنفي أشبهه في التنكيل من الحبس وغيره { ذلك } الجزاء المذكور { لهم خزى } ذل { فى الدنيا ولهم فى الأخرة عذاب عظيم } هو عذاب النار.
[5.34]
{ إلا الذين تابوا } من المحاربين والقطاع { من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور } لهم ما أتوه { رحيم } بهم عبر بذلك دون (فلا تحدوهم) ليفيد أنه لا يسقط عنه بتوبته إلا حدود الله دون حقوق الآدميين كذا ظهر لي، ولم أر من تعرض له والله أعلم فإذا قتل وأخذ المال يقتل ويقطع ولا يصلب وهو أصح قولي الشافعي ولا تفيد توبته بعد القدرة عليه شيئا وهو أصح قوليه أيضا.
[5.35]
{ يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله } خافوا عقابه بأن تطيعوه { وابتغوا } اطلبوا { إليه الوسيلة } ما يقر بكم إليه من طاعته { وجهدوا فى سبيله } لإعلاء دينه { لعلكم تفلحون } تفوزون.
[5.36]
{ إن الذين كفروا لو } ثبت { أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيمة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم }.
[5.37]
{ يريدون } يتمنون { أن يخرجوا من النار وما هم بخرجين منها ولهم عذاب مقيم } دائم.
[5.38]
{ والسارق والسارقة } «أل» فيهما موصولة مبتدأ ولشبهه بالشرط دخلت الفاء في خبره وهو { فاقطعوا أيديهما } أي يمين كل منهما من الكوع وبينت السنة أن الذي يقطع فيه ربع دينار فصاعدا، وإنه إذا عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ثم اليد اليسرى ثم الرجل اليمنى وبعد ذلك يعزر { جزاء } نصب على المصدر { بما كسبا نكلا } عقوبة لهما { من الله والله عزيز } غالب على أمره { حكيم } في خلقه.
[5.39]
{ فمن تاب من بعد ظلمه } رجع عن السرقة { وأصلح } عمله { فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم } في التعبير بهذا ما تقدم فلا يسقط بتوبته حق الآدمي من القطع ورد المال، نعم بينت السنة أنه إن عفا عنه قبل الرفع إلى الإمام سقط القطع وعليه الشافعي.
[5.40]
{ ألم تعلم } الاستفهام فيه للتقرير { أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء } تعذيبه { ويغفر لمن يشاء } المغفرة له { والله على كل شيء قدير } ومنه التعذيب والمغفرة.
[5.41]
{ يأيها الرسول لا يحزنك } صنع { الذين يسرعون فى الكفر } يقعون فيه بسرعة أي يظهرونه إذا وجدوا فرصة { من } للبيان { الذين قالوا ءامنا بأفوههم } بألسنتهم متعلق ب(قالوا) { ولم تؤمن قلوبهم } وهم المنافقون { ومن الذين هادوا } قوم { سمعون للكذب } الذي افترته أحبارهم سماع قبول { سمعون } منك { لقوم } لأجل قوم { ءاخرين } من اليهود { لم يأتوك } وهم أهل خيبر زنى فيهم محصنان فكرهوا رجمهما فبعثوا قريظة ليسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمهما { يحرفون الكلم } الذي في التوراة كآية الرجم { من بعد موضعه } التي وضعه الله عليها أي يبدلونه { يقولون } لمن أرسلوهم { إن أوتيتم هذا } الحكم المحرف أي الجلد أي أفتاكم به محمد { فخذوه } فاقبلوه { وإن لم تؤتوه } بل أفتاكم بخلافه { فاحذروا } أن تقبلوه { ومن يرد الله فتنته } إضلاله { فلن تملك له من الله شيئا } في دفعها { أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم } من الكفر ولو أراده لكان { لهم فى الدنيا خزى } ذل بالفضيحة والجزية { ولهم فى الأخرة عذاب عظيم }.
[5.42]
هم { سمعون للكذب أكلون للسحت } بضم الحاء وسكونها أي الحرام كالرشا { فان جاءوك } لتحكم بينهم { فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } هذا التخيير منسوخ بقوله: (وأن احكم بينهم ) الآية فيجب الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا وهو أصح قولي الشافعي فلو ترافعوا إلينا مع مسلم وجب إجماعا { وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت } بينهم { فاحكم بينهم بالقسط } بالعدل { إن الله يحب المقسطين } العادلين في الحكم أي يثيبهم.
[5.43]
{ وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله } بالرجم استفهام تعجب أي لم يقصدوا بذلك معرفة الحق بل ما هو أهون عليهم { ثم يتولون } يعرضون عن حكمك بالرجم الموافق لكتابهم { من بعد ذلك } التحكيم { وما أولئك بالمؤمنين }.
[5.44]
{ إنا أنزلنا التوراة فيها هدى } من الضلالة { ونور } بيان للأحكام { يحكم بها النبيون } من بني إسرائيل { الذين أسلموا } انقادوا لله { للذين هادوا والربنيون } العلماء منهم { والأحبار } الفقهاء { بما } أي بسبب الذي { استحفظوا } استودعوه أي استحفظهم الله إياه { من كتب الله } أن يبدلوه { وكانوا عليه شهداء } أنه حق { فلا تخشوا الناس } أيها اليهود في إظهار ما عندكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم والرجم وغيرهما { واخشون } في كتمانه { ولا تشتروا } تستبدلوا { بئايتي ثمنا قليلا } من الدنيا تأخذونه على كتمانها { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون } به.
[5.45]
{ وكتبنا } فرضنا { عليهم فيها } أي التوراة { أن النفس } تقتل { بالنفس } إذا قتلتها { والعين } تفقأ { بالعين والأنف } يجدع { بالأنف والأذن } تقطع { بالأذن والسن } تقلع { بالسن } وفي قراءة بالرفع في الأربعة { والجروح } بالوجهين [والجروح، والجروح] { قصاص } أي يقتص فيها إذا أمكن كاليد والرجل والذكر ونحو ذلك وما لا يمكن فيه الحكومة وهذا الحكم وإن كتب عليهم فهو مقرر في شرعنا { فمن تصدق به } أي بالقصاص بأن مكن من نفسه { فهو كفارة له } لما أتاه { ومن لم يحكم بما أنزل الله } في القصاص وغيره { فأولئك هم الظلمون }.
[5.46]
{ وقفينا } أتبعنا { على ءاثرهم } أي النبيين { بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه } قبله { من التورة وءاتينه الإنجيل فيه هدى } من الضلالة { ونور } بيان للأحكام { ومصدقا } حال { لما بين يديه من التورة } لما فيها من الأحكام { وهدى وموعظة للمتقين }.
[5.47]
{ و } قلنا { ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه } من الأحكام وفي قراءة بنصب «يحكم» وكسر لامه عطفا على معمول (آتيناه) { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفسقون }.
[5.48]
{ وأنزلنا إليك } يا محمد { الكتب } القرآن { بالحق } متعلق (بأنزلنا) { مصدقا لما بين يديه } قبله { من الكتب ومهيمنا } شاهدا { عليه } و(الكتاب) بمعنى الكتب { فاحكم بينهم } بين أهل الكتاب إذا ترافعوا إليك { بما أنزل الله } إليك { ولا تتبع أهواءهم } عادلا { عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم } أيها الأمم { شرعة } شريعة { ومنهاجا } طريقا واضحا في الدين يمشون عليه { ولو شاء الله لجعلكم أمة وحدة } على شريعة واحدة { ولكن } فرقكم فرقا { ليبلوكم } ليختبركم { في ما ءاتكم } من الشرائع المختلفة لينظر المطيع منكم والعاصي { فاستبقوا الخيرات } سارعوا إليها { إلى الله مرجعكم جميعا } بالبعث { فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } نأمر الدين ويجزي كلا منكم بعمله.
[5.49]
{ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم } ل { أن } لا { يفتنوك } يضلوك { عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا } عن الحكم المنزل وأرادوا غيره { فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم } بالعقوبة في الدنيا { ببعض ذنوبهم } التي أتوها ومنها التولي ويجازيهم على جميعها في الأخرى { وإن كثيرا من الناس لفسقون }.
[5.50]
{ أفحكم الجهلية يبغون } بالياء التاء يطلبون من المداهنة والميل إذا تولوا؟ استفهام إنكاري { ومن } أي لا أحد { أحسن من الله حكما لقوم } عند قوم { يوقنون } به خصوا بالذكر لأنهم الذين يتدبرونه.
[5.51]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصرى أولياء } توالونهم وتوادونهم { بعضهم أولياء بعض } لاتحادهم في الكفر { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } من جملتهم { إن الله لا يهدى القوم الظلمين } بموالاتهم الكفار.
[5.52]
{ فترى الذين فى قلوبهم مرض } ضعف اعتقاد كعبد الله بن أبي المنافق { يسرعون فيهم } في موالاتهم { يقولون } معتذرين عنها { نخشى أن تصيبنا دائرة } يدور بها الدهر علينا من جدب أو غلبة ولا يتم أمر محمد فلا يميرونا، قال تعالى { فعسى الله أن يأتى بالفتح } بالنصر لنبيه بإظهار دينه { أو أمر من عنده } بهتك ستر المنافقين وافتضاحهم { فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم } من الشك وموالاة الكفار { ندمين }.
[5.53]
{ ويقول } بالرفع استئنافا بواو ودونها وبالنصب عطفا على «يأتي» { الذين كفروا } لبعضهم -إذا هتك سترهم- تعجبا { أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمنهم } غاية اجتهادهم فيها { إنهم لمعكم } في الدين؟ قال تعالى: { حبطت } بطلت { أعملهم } الصالحة { فأصبحوا } صاروا { خسرين } الدنيا بالفضيحة والآخرة بالعقاب.
[5.54]
{ يأيها لذين ءامنوا من يرتد } بالفك والإدغام[يرتد] يرجع { منكم عن دينه } إلى الكفر إخبار بما علم الله تعالى وقوعه وقد ارتد جماعة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم { فسوف يأتى الله } بدلهم { بقوم يحبهم ويحبونه } قال صلى الله عليه وسلم
" هم قوم هذا "
وأشار إلى أبي موسى الأشعري رواه الحاكم في صحيحه { أذلة } عاطفين { على المؤمنين أعزة } أشداء { على الكفرين يجهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } فيه كما يخاف المنافقون لوم الكفار { ذلك } المذكور من الأوصاف { فضل الله يؤتيه من يشاء والله وسع } كثير الفضل { عليم } بمن هو أهله.
[5.55]
ونزل لما قال ابن سلام يا رسول الله إن قومنا هجرونا { إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون } خاشعون أو يصلون صلاة التطوع.
[5.56]
{ ومن يتول الله ورسوله والذين ءامنوا } فيعينهم وينصرهم { فإن حزب الله هم الغلبون } لنصره إياهم أوقعه موقع «فإنهم» بيانا لأنهم من حزبه أي أتباعه.
[5.57]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا } مهزوءا به { ولعبا من } للبيان { الذين أوتوا الكتب من قبلكم والكفار } المشركين بالجر والنصب { أولياء واتقوا الله } بترك موالاتهم { إن كنتم مؤمنين } صادقين في إيمانكم.
[5.58]
{ و } الذين { إذا نديتم } دعوتم { إلى الصلوة } بالأذان { اتخذوها } أي الصلاة { هزوا ولعبا } بأن يستهزئوا بها ويتضاحكوا { ذلك } الاتخاذ { بأنهم } أي بسبب أنهم { قوم لا يعقلون }.
[5.59]
ونزل لما قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: بمن تؤمن من الرسل؟ فقال: { بالله وما أنزل إلينا } الآية فلما ذكر عيسى قالوا: لا نعلم دينا شرا من دينكم { قل يأهل الكتب هل تنقمون } تنكرون { منا إلا أن ءامنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل } إلى الأنبياء { وأن أكثركم فسقون } عطف على (أن آمنا) المعنى ما تنكرون إلا إيماننا ومخالفتكم في عدم قبوله المعبر عنه بالفسق اللازم عنه وليس هذا مما ينكر.
[5.60]
{ قل هل أنبئكم } أخبركم { بشر من } أهل { ذلك } الذي تنقمونه { مثوبة } ثوابا بمعنى جزاء { عند الله } هو { من لعنه الله } أبعده من رحمته { وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير } بالمسخ { و } من { عبد الطغوت } الشيطان بطاعته، وراعى في «منهم» معنى «من» وفيما قبله لفظها وهم اليهود، وفي قراءة بضم باء (عبد) وإضافته إلى ما بعده اسم جمع ل(عبد) ونصبه بالعطف على (القردة) { أولئك شر مكانا } تمييز، لأن مأواهم النار { وأضل عن سواء السبيل } طريق الحق وأصل (السواء) الوسط وذكر «شر» و«أضل» في مقابلة قولهم: لا نعلم دينا شرا من دينكم.
[5.61]
{ وإذا جاءوكم } أي منافقو اليهود { قالوا ءامنا وقد دخلوا } إليكم متلبسين { بالكفر وهم قد خرجوا } من عندكم متلبسين { به } ولم يؤمنوا { والله أعلم بما كانوا يكتمون } ه من النفاق.
[5.62]
{ وترى كثيرا منهم } أي اليهود { يسرعون } يقعون سريعا { فى الإثم } الكذب { والعدوان } الظلم { وأكلهم السحت } الحرام كالرشا { لبئس ما كانوا يعملون } ه عملهم هذا.
[5.63]
{ لولا } هلا { ينههم الربنيون والأحبار } منهم { عن قولهم الإثم } الكذب { وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون } ه ترك نهيهم.
[5.64]
{ وقالت اليهود } لما ضيق عليهم بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا أكثر الناس مالا { يد الله مغلولة } مقبوضة عن إدرار الرزق علينا كنوا به عن البخل- تعالى الله عن ذلك- قال تعالى: { غلت } أمسكت { أيديهم } عن فعل الخيرات دعاء عليهم { ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان } مبالغة في الوصف بالجود وثنى اليد لإفادة الكثرة إذ غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطي بيديه { ينفق كيف يشاء } من توسيع وتضييق لا اعتراض عليه { وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك } من القرآن { طغينا وكفرا } لكفرهم به { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيمة } فكل فرقة منهم تخالف الأخرى { كلما أوقدوا نارا للحرب } أي لحرب النبي صلى الله عليه وسلم { أطفأها الله } أي كلما أرادوه ردهم { ويسعون فى الأرض فسادا } أي مفسدين بالمعاصي { والله لا يحب المفسدين } بمعنى أنه يعاقبهم.
[5.65]
{ ولو أن أهل الكتب ءامنوا } بمحمد صلى الله عليه وسلم { واتقوا } الكفر { لكفرنا عنهم سيئتهم ولأدخلنهم جنت النعيم }.
[5.66]
{ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } بالعمل بما فيهما ومنه الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم { وما أنزل إليهم } من الكتب { من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } بأن يوسع عليهم الرزق ويفيض من كل جهة { منهم أمة } جماعة { مقتصدة } تعمل به وهم من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأصحابه { وكثير منهم ساء } بئس { ما } شيئا { يعملون } ه.
[5.67]
{ يأيها الرسول بلغ } جميع { ما أنزل إليك من ربك } ولا تكتم منه شيئا خوفا أن تنال بمكروه { وإن لم تفعل } أي لم تبلغ جميع ما أنزل إليك { فما بلغت رسالته } بالإفراد والجمع [رسالاته] لأن كتمان بعضها ككتمان كلها { والله يعصمك من الناس } أن يقتلوك وكان صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت فقال:
" انصرفوا فقد عصمني الله "
رواه الحاكم { إن الله لا يهدى القوم الكفرين }.
[5.68]
{ قل يأهل الكتب لستم على شىء } من الدين معتد به { حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم } بأن تعملوا بما فيه ومنه الإيمان بي { وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك } من القرآن { طغينا وكفرا } لكفرهم به { فلا تأس } تحزن { على القوم الكفرين } إن لم يؤمنوا بك أي لا تهتم بهم.
[5.69]
{ إن الذين ءامنوا والذين هادوا } هم اليهود مبتدأ { والصبئون } فرقة منهم { والنصرى } ويبدل من المبتدأ { من ءامن } منهم { بالله واليوم الأخر وعمل صلحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الآخرة خبر المبتدأ ودال على خبر (إن).
[5.70]
{ لقد أخذنا ميثق بنى إسرءيل } على الإيمان بالله ورسله { وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول } منهم { بما لا تهوى أنفسهم } من الحق كذبوه { فريقا } منهم { كذبوا وفريقا } منهم { يقتلون } كزكريا ويحيى والتعبير به دون (قتلوا) حكاية للحال الماضية للفاصلة.
[5.71]
{ وحسبوا } ظنوا { ألا تكون } بالرفع ف «أن» مخففة والنصب فهي ناصبة أي تقع { فتنة } عذاب بهم على تكذيب الرسل وقتلهم { فعموا } عن الحق فلم يبصروه { وصموا } عن استماعه { ثم تاب الله عليهم } لما تابوا { ثم عموا وصموا } ثانيا { كثير منهم } بدل من الضمير { والله بصير بما يعملون } فيجازيهم به.
[5.72]
{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } سبق مثله [17:5] { وقال } لهم { المسيح يابنى إسرءيل *اعبدوا الله ربى وربكم } فإني عبد ولست بإله { إنه من يشرك بالله } في العبادة غيره { فقد حرم الله عليه الجنة } منعه أن يدخلها { ومأواه النار وما للظلمين من } زائدة { أنصار } يمنعونهم من عذاب الله.
[5.73]
{ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث } آلهة { ثلثة } أي أحدها والآخران عيسى وأمه وهم فرقة من النصارى { وما من إله إلا إله وحد وإن لم ينتهوا عما يقولون } من التثليث ويوحدوا { ليمسن الذين كفروا } أي ثبتوا على الكفر { منهم عذاب أليم } مؤلم وهو النار.
[5.74]
{ أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه } مما قالوا؟ استفهام توبيخ { والله غفور } لمن تاب { رحيم } به.
[5.75]
{ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت } مضت { من قبله الرسل } فهو يمضي مثلهم وليس بإله كما زعموا وإلا لما مضى { وأمه صديقة } مبالغة في الصدق { كانا يأكلان الطعام } كغيرهما من الحيوانات ومن كان كذلك لا يكون إلها لتركيبه وضعفه وما ينشأ منه من البول والغائط { أنظر } متعجبا { كيف نبين لهم الأيت } على وحدانيتنا { ثم انظر أنى } كيف { يؤفكون } يصرفون عن الحق مع قيام البرهان.
[5.76]
{ قل أتعبدون من دون الله } أي غيره { ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع } لأقوالكم { العليم } بأحوالكم؟ والاستفهام للانكار.
[5.77]
{ قل يأهل الكتب } اليهود والنصارى { لا تغلوا } تجاوزوا الحد { فى دينكم } غلوا { غير الحق } بأن تضعوا عيسى أو ترفعوه فوق حقه { ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل } بغلوهم وهم أسلافهم { وأضلوا كثيرا } من الناس { وضلوا عن سواء السبيل } طريق الحق و(السواء) في الأصل الوسط.
[5.78]
{ لعن الذين كفروا من بنى إسرءيل على لسان داوود } بأن دعا عليهم فمسخوا قردة وهم أصحاب (إيلة) { وعيسى ابن مريم } بأن دعا عليهم فمسخوا خنازير وهم أصحاب المائدة { ذلك } اللعن { بما عصوا وكانوا يعتدون }.
[5.79]
{ كانوا لا يتناهون } أي لا ينهى بعضهم بعضا { عن } معاودة { منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } فعلهم هذا.
[5.80]
{ ترى } يا محمد { كثيرا منهم يتولون الذين كفروا } من أهل مكة بغضا لك { لبئس ما قدمت لهم أنفسهم } من العمل لمعادهم الموجب لهم { أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خلدون }.
[5.81]
{ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى } محمد { وما أنزل إليه ما اتخذوهم } أي الكفار { أولياء ولكن كثيرا منهم فسقون } خارجون عن الإيمان.
[5.82]
{ لتجدن } يا محمد { أشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا } من أهل مكة لتضاعف كفرهم وجهلهم وانهماكهم في اتباع الهوى { ولتجدن أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك } أي قرب مودتهم للمؤمنين { بأن } بسبب أن { منهم قسيسين } علماء { ورهبانا } عبادا { وأنهم لا يستكبرون } عن اتباع الحق كما يستكبر اليهود وأهل مكة:
[5.83]
نزلت في وفد النجاشي القادمين عليهم من الحبشة: قرأ صلى الله عليه وسلم سورة (يس) فبكوا وأسلموا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى. قال تعالى: { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول } من القرآن { ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا ءامنا } صدقنا بنبيك وكتابك { فاكتبنا مع الشهدين } المقرين بتصديقهما.
[5.84]
{ و } قالوا في جواب من عيرهم بالإسلام من اليهود { ما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق } القرآن؟ أي لا مانع لنا من الإيمان مع وجود مقتضيه { ونطمع } عطف على (نؤمن) { أن يدخلنا ربنا مع القوم الصلحين } المؤمنين الجنة؟:
[5.85]
قال تعالى { فأثابهم الله بما قالوا جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها وذلك جزاء المحسنين } بالإيمان.
[5.86]
{ والذين كفروا وكذبوا بئايتنا أولئك أصحب الجحيم }.
[5.87]
ونزل لما هم قوم من الصحابة أن يلازموا الصوم والقيام ولا يقربوا النساء والطيب ولا يأكلوا اللحم ولا يناموا على الفراش { يأيها الذين ءامنوا لا تحرموا طيبت ما أحل الله لكم ولا تعتدوا } تتجاوزوا أمر الله { إن الله لا يحب المعتدين }.
[5.88]
{ وكلوا مما رزقكم الله حللا طيبا } مفعول والجار والمجرور قبله حال متعلق به { واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون }.
[5.89]
{ لا يؤاخذكم الله باللغو } الكائن { فى أيمنكم } هو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد الحلف كقول الإنسان: لا والله، وبلى والله { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم } بالتخفيف والتشديد وفي قراءة (عاقدتم) { الأيمن } عليه بأن حلفتم عن قصد { فكفرته } أي اليمين إذا حنثتم فيه { إطعام عشرة مسكين } لكل مسكين (مد) { من أوسط ما تطعمون } منه { أهليكم } أي أقصده وأغلبه لا أعلاه ولا أدناه { أو كسوتهم } بما يسمى كسوة كقميص وعمامة وإزار ولا يكفي دفع ما ذكر إلى مسكين واحد وعليه الشافعي { أو تحرير } عتق { رقبة } أي مؤمنة كما في كفارة القتل والظهار حملا للمطلق على المقيد { فمن لم يجد } واحدا مما ذكر { فصيام ثلثة أيام } كفارته وظاهره أنه لا يشترط التتابع وعليه الشافعي { ذلك } المذكور { كفرة أيمنكم إذا حلفتم } وحنثتم { واحفظوا أيمنكم } أن تنكثوها ما لم تكن على فعل بر أو إصلاح بين الناس كما في سورة (البقرة) [2: 224،225] { كذلك } أي مثل ما بين لكم ما ذكر { يبين الله لكم ءايته لعلكم تشكرون } ه على ذلك.
[5.90]
{ يأيها الذين آمنوا إنما الخمر } المسكر الذي يخامر العقل { والميسر } القمار { والأنصاب } الأصنام { والأزلام } قداح الاستقسام { رجس } خبيث مستقذر { من عمل الشيطن } الذي يزينه { فاجتنبوه } أي الرجس المعبر به عن هذه الأشياء أن تفعلوه { لعلكم تفلحون }.
[5.91]
{ إنما يريد الشيطن أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر } إذا أتيتموها لما يحصل فيهما من الشر والفتن { ويصدكم } بالاشتغال بهما { عن ذكر الله وعن الصلوة } خصها بالذكر تعظيما لها { فهل أنتم منتهون } عن إتيانهما؟ أي انتهوا.
[5.92]
{ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا } المعاصي { فإن توليتم } عن الطاعة { فاعلموا أنما على رسولنا البلغ المبين } الإبلاغ المبين وجزاؤكم علينا.
[5.93]
{ ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصلحت جناح فيما طعموا } أكلوا من الخمر والميسر قبل التحريم { إذا ما اتقوا } المحرمات { وءامنوا وعملوا الصلحت ثم اتقوا وءامنوا } ثبتوا على التقوى والإيمان { ثم اتقوا وأحسنوا } العمل { والله يحب المحسنين } بمعنى أنه يثيبهم.
[5.94]
{ يأيها الذين ءامنوا ليبلونكم } ليختبرنكم { الله بشىء } يرسله لكم { من الصيد تناله } أي الصغار منه { أيديكم ورمحكم } الكبار منه، وكان ذلك بالحديبية وهم محرمون فكانت الوحش والطير تغشاهم في رحالهم { ليعلم الله } علم ظهور { من يخافه بالغيب } حال أي غائبا لم يره فيجتنب الصيد { فمن اعتدى بعد ذلك } النهي عنه فاصطاده { فله عذاب أليم }.
[5.95]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } محرمون بحج أو عمرة { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء } بالتنوين ورفع ما بعده أي فعليه جزاء هو { مثل ما قتل من النعم } أي شبهه في الخلقة وفي قراءة بإضافة (جزاء) [فجزاء مثل] { يحكم به } أي بالمثل رجلان { ذوا عدل منكم } لهما فطنة يميزان بها أشبه الأشياء به، وقد حكم ابن عباس وعمر وعلي رضي الله عنهم في النعامة ببدنة، وابن عباس وأبو عبيدة في بقر الوحش وحماره ببقرة وابن عمر وابن عوف في الظبي بشاة وحكم بها ابن عباس وعمر وغيرهما في الحمام لأنه يشبهها في العب { هديا } حال من جزاء { بلغ الكعبة } أي يبلغ به الحرم فيذبح فيه ويتصدق به على مساكينه ولا يجوز أن يذبح حيث كان ونصبه نعتا لما قبله وإن أضيف لأن إضافته لفظية لا تفيده تعريفا فإن لم يكن للصيد مثل من النعم كالعصفور والجراد فعليه قيمته { أو } عليه { كفارة } غير الجزاء وإن وجده هي { طعام مسكين } من غالب قوت البلد ما يساوي قيمة الجزاء لكل مسكين مد، وفي قراءة بإضافة (كفارة) لما بعده[أو كفارة طعام] وهي للبيان { أو } عليه { عدل } مثل { ذلك } الطعام { صياما } يصومه عن كل مد يوما وإن وجده وجب ذلك عليه { ليذوق وبال } ثقل جزاء { أمره } الذي فعله { عفا الله عما سلف } من قتل الصيد قبل تحريمه { ومن عاد } إليه { فينتقم الله منه والله عزيز } غالب على أمره { ذو انتقام } ممن عصاه، وألحق بقتله متعمدا فيما ذكر الخطأ.
[5.96]
{ أحل لكم } أيها الناس حلالا كنتم أو محرمين { صيد البحر } أن تأكلوه وهو ما لا يعيش إلا فيه كالسمك بخلاف ما يعيش فيه وفي البر كالسرطان { وطعامه } ما يقذفه ميتا { متعا } تمتيعا { لكم } تأكلونه { وللسيارة } المسافرين منكم يتزودونه { وحرم عليكم صيد البر } وهو ما يعيش فيه من الوحش المأكول أن تصيدوه { ما دمتم حرما } فلو صاده حلال فللمحرم أكله كما بينته السنة { واتقوا الله الذى إليه تحشرون }.
[5.97]
{ جعل الله الكعبة البيت الحرام } المحرم { قياما للناس } يقوم به أمر دينهم بالحج إليه، ودنياهم بأمن داخله وعدم التعرض له وجبي ثمرات كل شيء إليه، وفي قراءة «قيما» بلا ألف مصدر (قام) غير معل { والشهر الحرام } بمعنى الأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب قياما لهم بأمنهم من القتال فيهم { والهدى والقلئد } قياما لهم بأمن صاحبهما من التعرض له { ذلك } الجعل المذكور { لتعلموا أن الله يعلم ما فى السموات وما في الأرض وأن الله بكل شىء عليم } فإن جعله ذلك - لجلب المصالح لكم ودفع المضار عنكم قبل وقوعها - دليل على علمه بما هو في الوجود وما هو كائن.
[5.98]
{ اعلموا أن الله شديد العقاب } لأعدائه { وأن الله غفور } لأوليائه { رحيم } بهم.
[5.99]
{ ما على الرسول إلا البلغ } الإبلاغ لكم { والله يعلم ما تبدون } تظهرون من العمل { وما تكتمون } تخفون منه فيجازيكم به.
[5.100]
{ قل لا يستوى الخبيث } الحرام { والطيب } الحلال { ولو أعجبك } أي سرك { كثرة الخبيث فاتقوا الله } في تركه { يأولى الألبب لعلكم تفلحون } تفوزون.
[5.101]
ونزل لما أكثروا سؤاله صلى الله عليه وسلم { يأيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد } تظهر { لكم تسؤكم } لما فيها من المشقة { وإن تسئلوا عنها حين ينزل القرءان } أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم { تبد لكم } المعنى إذا سألتم عن أشياء في زمنه ينزل القرآن بإبدائها ومتى أبداها ساءتكم فلا تسألوا عنها قد { عفا الله عنها } عن مسألتكم فلا تعودوا { والله غفور حليم }.
[5.102]
{ قد سألها } أي الأشياء { قوم من قبلكم } أنبياءهم فأجيبوا ببيان أحكامها { ثم أصبحوا } صاروا { بها كفرين } بتركهم العمل بها.
[5.103]
{ ما جعل } شرع { الله من بحيرة ولا سآئبة ولا وصيلة ولا حام } كما كان أهل الجاهلية يفعلونه، روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال: (البحيرة) التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس و(السائبة) التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء، و(الوصيلة) الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بأخرى ليس بينهما ذكر و(الحام) فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل عليه فلا يحمل عليه شيء وسموه (الحامي) { ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب } في ذلك وفي نسبته إليه { وأكثرهم لا يعقلون } أن ذلك افتراء لأنهم قلدوا فيه آباءهم.
[5.104]
{ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول } أي إلى حكمه من تحليل ما حرمتم { قالوا حسبنا } كافينا { ما وجدنا عليه ءاباءنا } من الدين والشريعة قال تعالى: { أ } حسبهم ذلك { ولو كان لا يعلمون شيئا ولا يهتدون } إلى الحق؟، والاستفهام للانكار.
[5.105]
{ يأيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم } أي احفظوها وقوموا بصلاحها { لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } قيل المراد لا يضركم من ضل من أهل الكتاب وقيل المراد غيرهم لحديث أبي ثعلبة الخشني: سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
" ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك "
رواه الحاكم وغيره { إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون } فيجازيكم به.
[5.106]
{ يأيها الذين ءامنوا شهدة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } أي أسبابه { حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم } خبر بمعنى الأمر أي ليشهد، وإضافة شهادة ل «بين» على الاتساع، و «حين» بدل من «إذا» أو ظرف ل «حضر» { أو ءاخران من غيركم } أي غير ملتكم { إن أنتم ضربتم } سافرتم { فى الأرض فأصبتكم مصيبة الموت تحبسونهما } توقفونهما - صفة «آخران» - { من بعد الصلوة } أي صلاة العصر { فيقسمان } يحلفان { بالله إن ارتبتم } شككتم فيها، ويقولان { لا نشترى به } بالله { ثمنا } عوضا نأخذه بدله من الدنيا بأن نحلف به أو نشهد كذبا لأجله { ولو كان } المقسم له أو المشهود له { ذا قربى } قرابة منا { ولا نكتم شهدة الله } التي أمرنا بها { إنآ إذا } إن كتمناها { لمن الأثمين }.
[5.107]
{ فإن عثر } اطلع بعد حلفهما { على أنهما استحقآ إثما } أي فعلا ما يوجبه من خيانة أو كذب في الشهادة، بأن وجد عندهما - مثلا - ما اتهما به وادعيا أنهما ابتاعاه من الميت أو وصى لهما به { فئاخران يقومان مقامهما } في توجه اليمين عليهما { من الذين استحق عليهم } الوصية وهم الورثة، ويبدل من (آخران) { الأولين } بالميت أي الأقربان إليه وفي قراءة «الأولين» جمع أول صفة أو بدل من (الذين) { فيقسمان بالله } على خيانة الشاهدين ويقولان { لشهدتنآ } يميننا { أحق } أصدق { من شهدتهما } يمينهما { وما اعتدينآ } تجاوزنا الحق في اليمين { إنآ إذا لمن الظلمين } المعنى ليشهد المحتضر على وصيته اثنين أو يوصي إليهما من أهل دينه أو غيرهم إن فقدهم لسفر ونحوه، فإن ارتاب الورثة فيهما فادعوا أنهما خانا بأخذ شيء أو دفعه إلى شخص زعما أن الميت أوصى له به فليحلفا إلى آخره، فإن اطلع على أمارة تكذيبهما فادعيا دافعا له حلف أقرب الورثة على كذبهما وصدق ما ادعوه والحكم ثابت في الوصيين منسوخ في الشاهدين وكذا شهادة غير أهل الملة منسوخة، واعتبار صلاة العصر للتغليظ ، وتخصيص الحلف في الآية باثنين من أقرب الورثة لخصوص الواقعة التي نزلت لها وهي ما رواه البخاري أن رجلا من بني سهم خرج مع تميم الداري وعدي بن بداء أي - وهما نصرانيان- فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم، فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا بالذهب، فرفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت فأحلفهما، ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي، فنزلت الآية الثانية، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا. وفي رواية الترمذي فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا وكانا أقرب إليه. وفي رواية فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله، فلما مات أخذا الجام ودفعا إلى أهله ما بقي.
[5.108]
{ ذلك } الحكم المذكور من رد اليمين على الورثة { أدنى } أقرب إلى { أن يأتوا } أي الشهود أو الأوصياء { بالشهدة على وجههآ } الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة { أو } أقرب إلى أن { يخافوا أن ترد أيمن بعد أيمنهم } على الورثة المدعين فيحلفون على خيانتهم وكذبهم فيفتضحون ويغرمون فلا يكذبوا { واتقوا الله } بترك الخيانة والكذب { واسمعوا } ما تؤمرون به سماع قبول { والله لا يهدى القوم الفسقين } الخارجين عن طاعته إلى سبيل الخير.
[5.109]
اذكر { يوم يجمع الله الرسل } هو يوم القيامة { فيقول } لهم توبيخا لقومهم { ماذآ } أي الذي { أجبتم } به حين دعوتم إلى التوحيد { قالوا لا علم لنآ } بذلك { إنك أنت علم الغيوب } ما غاب عن العباد وذهب عنهم علمه لشدة هول يوم القيامة وفزعهم ثم يشهدون على أممهم لما يسكنون.
[5.110]
اذكر. { إذ قال الله يعيسى ابن مريم اذكر نعمتى عليك وعلى ولدتك } بشكرها { إذ أيدتك } قويتك { بروح القدس } جبريل { تكلم الناس } حال من الكاف في «أيدتك» { فى المهد } أي طفلا { وكهلا } يفيد نزوله قبل الساعة لأنه رفع قبل الكهولة كما سبق في (آل عمران) [55:3] { وإذ علمتك الكتب والحكمة والتورة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة } كصورة { الطير } والكاف اسم بمعنى (مثل) مفعول { بإذنى فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى } بإرادتي { وتبرىء الأكمه والأبرص بإذنى وإذ تخرج الموتى } من قبورهم أحياء { بإذنى وإذ كففت بنى إسرءيل عنك } حين هموا بقتلك { إذ جئتهم بالبينت } المعجزات { فقال الذين كفروا منهم إن } ما { هذا } الذي جئت به { إلا سحر مبين } وفي قراءة «ساحر» أي عيسى.
[5.111]
{ وإذ أوحيت إلى الحوارين } أمرتهم على لسانه { أن } أي بأن { ءامنوا بى وبرسولى } عيسى { قالوا ءامنا } بك وبرسولك { واشهد بأننا مسلمون }.
[5.112]
اذكر { إذ قال الحواريون يعيسى ابن مريم هل يستطيع } أي يفعل { ربك } وفي قراءة بالفوقانية ونصب ما بعده [هل يستطيع ربك] أي تقدر أن تسأله { أن ينزل علينا مآئدة من السماء قال } لهم عيسى { اتقوا الله } في اقتراح الآيات { إن كنتم مؤمنين }.
[5.113]
{ قالوا نريد } سؤالها من أجل { أن نأكل منها وتطمئن } تسكن { قلوبنا } بزيادة اليقين { ونعلم } نزداد علما { أن } مخففة أي أنك { قد صدقتنا } في ادعاء النبوة { ونكون عليها من الشهدين }.
[5.114]
{ قال عيسى ابن مريم اللهم ربنآ أنزل علينا مآئدة من السمآء تكون لنا } أي يوم نزولها { عيدا } نعظمه ونشرفه { لأولنا } بدل من (لنا) بإعادة الجار { وءاخرنا } ممن يأتي بعدنا { وءاية منك } على قدرتك ونبوتي { وارزقنا } إياها { وأنت خير الرازقين }.
[5.115]
{ قال الله } مستجيبا له { إنى منزلها } بالتخفيف والتشديد { عليكم فمن يكفر بعد } أي بعد نزولها { منكم فإنى أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العلمين } فنزلت الملائكة بها من السماء عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات فأكلوا منها حتى شبعوا قاله ابن عباس. وفي حديث
" أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما فأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد، فخانوا وادخروا فمسخوا قردة وخنازير "
[5.116]
{ و } اذكر { إذ قال } أي يقول { الله } لعيسى في القيامة توبيخا لقومه { يعيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال } عيسى - وقد أرعد - { سبحنك } تنزيها لك عما لا يليق بك من الشريك وغيره { ما يكون } ما ينبغي { لى أن أقول ما ليس لى بحق } خبر (ليس) و «لي» للتبيين { إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما } أخفيه { فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك } أي ما تخفيه من معلوماتك { إنك أنت علم الغيوب }.
[5.117]
{ ما قلت لهم إلا مآ أمرتنى به } وهو { أن اعبدوا الله ربى وربكم وكنت عليهم شهيدا } رقيبا أمنعهم مما يقولون { ما دمت فيهم فلما توفيتنى } قبضتني بالرفع إلى السماء { كنت أنت الرقيب عليهم } الحفيظ لأعمالهم { وأنت على كل شىء } من قولي لهم وقولهم بعدي وغير ذلك { شهيد } مطلع عالم به.
[5.118]
{ إن تعذبهم } أي من أقام على الكفر منهم { فإنهم عبادك } وأنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك { وإن تغفر لهم } أي لمن آمن منهم { فإنك أنت العزيز } الغالب على أمره { الحكيم } في صنعه.
[5.119]
{ قال الله هذا } أي يوم القيامة { يوم ينفع الصدقين } في الدنيا كعيسى { صدقهم } لأنه يوم الجزاء { لهم جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيهآ أبدا رضى الله عنهم } بطاعاته { ورضوا عنه } بثوابه { ذلك الفوز العظيم } ولا ينفع الكاذبين في الدنيا صدقهم فيه كالكفار لما يؤمنون عند رؤية العذاب.
[5.120]
{ لله ملك السموات والأرض } خزائن المطر والنبات والرزق وغيرها { وما فيهن } أتى «بما» تغليبا لغير العاقل { وهو على كل شىء قدير } ومنه إثابة الصادق وتعذيب الكاذب.
[6 - سورة الأنعام]
[6.1]
{ الحمد } وهو الوصف بالجميل ثابت { لله } وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به، أو هما؟ احتمالات أفيدها الثالث قاله الشيخ في (سورة الكهف) [1:18] { الذى خلق السموات والأرض } خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات للناظرين { وجعل } خلق { الظلمت والنور } أي كل ظلمة ونور، وجمعها دونه لكثرة أسبابها، وهذا من دلائل وحدانيته { ثم الذين كفروا } مع قيام هذا الدليل { بربهم يعدلون } يسوون به غيره في العبادة.
[6.2]
{ هو الذى خلقكم من طين } بخلق أبيكم آدم منه { ثم قضى أجلا } لكم تموتون عند انتهائه { وأجل مسمى } مضروب { عنده } لبعثكم { ثم أنتم } أيها الكفار { تمترون } تشكون في البعث بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم، ومن قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر.
[6.3]
{ وهو الله } مستحق للعبادة { في السموات وفى الأرض يعلم سركم وجهركم } ما تسرون وما تجهرون به بينكم { ويعلم ما تكسبون } تعملون من خير وشر.
[6.4]
{ وما تأتيهم } أي أهل مكة { من } زائدة { ءاية من ربهم } من القرآن { إلا كانوا عنها معرضين }.
[6.5]
{ فقد كذبوا بالحق } بالقرآن { لما جآءهم فسوف يأتيهم أنباء } عواقب { ما كانوا به يستهزءون }.
[6.6]
{ ألم يروا } في أسفارهم إلى الشام وغيرها { كم } خبرية بمعنى كثيرا { أهلكنا من قبلهم من قرن } أمة من الأمم الماضية { مكنهم } أعطيناهم مكانا { فى الأرض } بالقوة والسعة { ما لم نمكن } نعط { لكم } فيه التفات عن الغيبة { وأرسلنا السمآء } المطر { عليهم مدرارا } متتابعا { وجعلنا الأنهر تجرى من تحتهم } تحت مساكنهم { فأهلكنهم بذنوبهم } بتكذيبهم الأنبياء { وأنشأنا من بعدهم قرءنا ءاخرين }.
[6.7]
{ ولو نزلنا عليك كتبا } مكتوبا { فى قرطاس } رق كما اقترحوه { فلمسوه بأيديهم } أبلغ من (عاينوه)، لأنه أنفى للشك { لقال الذين كفروا إن } ما { هذآ إلا سحر مبين } تعنتا وعنادا.
[6.8]
{ وقالوا لولآ } هلا { أنزل عليه } على محمد صلى الله عليه وسلم { ملك } يصدقه { ولو أنزلنا ملكا } كما اقترحوا فلم يؤمنوا { لقضى الأمر } بهلاكهم { ثم لا ينظرون } يمهلون لتوبة أو معذرة، كعادة الله فيمن قبلهم من إهلاكهم عند وجود مقترحهم إذا لم يؤمنوا.
[6.9]
{ ولو جعلنه } أي المنزل إليهم { ملكا لجعلنه } أي الملك { رجلا } أي على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوة للبشر على رؤية الملك { و } لو أنزلناه وجعلناه رجلا { للبسنا } شبهنا { عليهم ما يلبسون } على أنفسهم بأن يقولوا (ما هذا إلا بشر مثلكم).
[6.10]
{ ولقد استهزىء برسل من قبلك } فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم { فحاق } نزل { بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون } وهو العذاب، فكذا يحيق بمن استهزأ بك.
[6.11]
{ قل } لهم { سيروا فى الأرض ثم انظروا كيف كان عقبة المكذبين } الرسل من هلاكهم بالعذاب ليعتبروا.
[6.12]
{ قل لمن ما في السموات والأرض قل لله } إن لم يقولوه لا جواب غيره { كتب } قضى { على نفسه الرحمة } فضلا منه، وفيه تلطف في دعائهم إلى الإيمان { ليجمعنكم إلى يوم القيمة } ليجازيكم بأعمالكم { لا ريب } شك { فيه الذين خسروا أنفسهم } بتعريضها للعذاب مبتدأ خبره { فهم لا يؤمنون }.
[6.13]
{ وله } تعالى { ما سكن } حل { في اليل والنهار } أي كل شيء فهو ربه وخالقه ومالكه { وهو السميع } لما يقال { العليم } بما يفعل.
[6.14]
{ قل } لهم { أغير الله أتخذ وليا } أعبده { فاطر السموات والأرض } مبدعهما { وهو يطعم } يرزق { ولا يطعم } ولا يرزق لا { قل إنى أمرت أن أكون أول من أسلم } لله من هذه الأمة { و } قيل لي { لا تكونن من المشركين } به.
[6.15]
{ قل إنى أخاف إن عصيت ربى } بعبادة غيره { عذاب يوم عظيم } هو يوم القيامة.
[6.16]
{ من يصرف } بالبناء للمفعول أي العذاب، وللفاعل أي الله، والعائد محذوف { عنه يومئذ فقد رحمه } تعالى أي أراد له الخير { وذلك الفوز المبين } النجاة الظاهرة.
[6.17]
{ وإن يمسسك الله بضر } بلاء كمرض وفقر { فلا كاشف } رافع { له إلا هو وإن يمسسك بخير } كصحة وغنى { فهو على كل شىء قدير } ومنه مسك به ولا يقدر على رده عنك غيره.
[6.18]
{ وهو القاهر } القادر الذي لا يعجزه شيء مستعليا { فوق عباده وهو الحكيم } في خلقه { الخبير } ببواطنهم كظواهرهم.
[6.19]
ونزل لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ائتنا بمن يشهد لك بالنبوة، فإن أهل الكتاب أنكروك { قل } لهم { أى شىء أكبر شهدة } تمييز محول عن المبتدأ { قل الله } إن لم يقولوه لا جواب غيره، هو { شهيد بينى وبينكم } على صدقي { وأوحى إلى هذا القرءان لأنذركم } أخوفكم يا أهل مكة { به ومن بلغ } عطف على ضمير أنذركم: أي بلغة القرآن من الإنس والجن { أئنكم لتشهدون أن مع الله ءالهة أخرى }؟ استفهام إنكار { قل } لهم { لا أشهد } بذلك { قل إنما هو إله وحد وإننى برىء مما تشركون } معه من الأصنام.
[6.20]
{ الذينءاتينهم الكتب يعرفونه } أي محمدا بنعته في كتابهم { كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم } منهم { فهم لا يؤمنون } به.
[6.21]
{ ومن } أي لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذبا } بنسبة الشريك إليه { أو كذب بئايته } القرآن { أنه } أي الشأن { لا يفلح الظلمون } بذلك.
[6.22]
{ و } اذكر { يوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا } توبيخا { أين شركآؤكم الذين كنتم تزعمون } أنهم شركاء الله؟
[6.23]
{ ثم لم تكن } بالتاء والياء { فتنتهم } بالنصب والرفع أي معذرتهم { إلا أن قالوا } أي قولهم { والله ربنا } بالجر نعت، والنصب نداء { ما كنا مشركين }.
[6.24]
قال تعالى { أنظر } يا محمد { كيف كذبوا على أنفسهم } بنفي الشرك عنهم { وضل } غاب { عنهم ما كانوا يفترون } ه على الله من الشركاء.
[6.25]
{ ومنهم من يستمع إليك } إذا قرأت { وجعلنا على قلوبهم أكنة } أغطية ل { أن } لا { يفقهوه } يفهموا القرآن { وفى ءاذانهم وقرا } صمما فلا يسمعونه سماع قبول { وإن يروا كل ءاية لا يؤمنوا حتى إذا جاءوك يجدلونك يقول الذين كفروا إن } ما { هذا } القرآن { إلا أسطير } أكاذيب { الأولين } كالأضاحيك والأعاجيب جمع (أسطورة) بالضم.
[6.26]
{ وهم ينهون } الناس { عنه } عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم { وينئون } يتباعدون { عنه } فلا يؤمنون به، وقيل: نزلت في (أبي طالب) وكان ينهى عن أذاه ولا يؤمن به { وإن } ما { يهلكون } بالنأي عنه { إلا أنفسهم } لأن ضرره عليهم { وما يشعرون } بذلك.
[6.27]
{ ولو ترى } يا محمد { إذ وقفوا } عرضوا { على النار فقالوا ياليتنا } للتنبيه { ليتنا نرد } إلى الدنيا { ولا نكذب بئايت ربنا ونكون من المؤمنين } برفع الفعلين استئنافا، ونصبهما في جواب التمني، ورفع الأول ونصب الثاني، وجواب «لو» لرأيت أمرا عظيما.
[6.28]
قال تعالى { بل } للإضراب عن إرادة الإيمان المفهوم من التمني { بدا } ظهر { لهم ما كانوا يخفون من قبل } يكتمون بقولهم { والله ربنا ما كنا مشركين } بشهادة جوارحهم، فتمنوا ذلك { ولو ردوا } إلى الدنيا فرضا { لعادوا لما نهوا عنه } من الشرك { وإنهم لكذبون } في وعدهم بالإيمان.
[6.29]
{ وقالوا } أي منكرو البعث { ءان } ما { هى } أي الحياة { إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين }.
[6.30]
{ ولو ترى إذ وقفوا } عرضوا { على ربهم } لرأيت أمرا عظيما { قال } لهم على لسان الملائكة توبيخا { أليس هذا } البعث والحساب { بالحق قالوا بلى وربنا } إنه لحق { قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } به في الدنيا.
[6.31]
{ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } بالبعث { حتى } غاية للتكذيب { إذا جاءتهم الساعة } القيامة { بغتة } فجأة { قالوا يحسرتنا } هي شدة التألم ونداؤها مجاز أي هذا أوانك فاحضري { على ما فرطنا } قصرنا { فيها } أي الدنيا { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم } بأن تأتيهم عند البعث في أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا فتركبهم { ألا سآء } بئس { ما يزرون } يحملونه حملهم ذلك.
[6.32]
{ وما الحيوة الدنيا } أي الاشتغال بها { إلا لعب ولهو } وأما الطاعات وما يعين عليها فمن أمور الآخرة { وللدار الاخرة } وفي قراءة «ولدار الآخرة» أي الجنة { خير للذين يتقون } الشرك { أفلا يعقلون } - بالياء والتاء - ذلك فيؤمنون.
[6.33]
{ قد } للتحقيق { نعلم إنه } أي الشأن { ليحزنك الذى يقولون } لك من التكذيب { فإنهم لا يكذبونك } في السر لعلمهم أنك صادق. وفي قراءة بالتخفيف[ يكذبونك] أي لا ينسبونك إلى الكذب { ولكن الظلمين } وضعه موضع المضمر { بئايت الله } القرآن { يجحدون } يكذبون.
[6.34]
{ ولقد كذبت رسل من قبلك } فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم { فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتهم نصرنا } بإهلاك قومهم فاصبر حتى يأتيك النصر بإهلاك قومك { ولا مبدل لكلمت الله } مواعيده { ولقد جآءك من نبإى المرسلين } ما يسكن به قلبك.
[6.35]
{ وإن كان كبر } عظم { عليك إعراضهم } عن الإسلام لحرصك عليهم { فإن استطعت أن تبتغى نفقا } سربا { فى الأرض أو سلما } مصعدا { في السمآء فتأتيهم بئاية } مما اقترحوا فافعل، المعنى أنك لا تستطيع ذلك فاصبر حتى يحكم الله { ولو شاء الله } هدايتهم { لجمعهم على الهدى } ولكن لم يشأ ذلك فلم يؤمنوا { فلا تكونن من الجهلين } بذلك.
[6.36]
{ إنما يستجيب } دعاءك إلى الإيمان { الذين يسمعون } سماع تفهم واعتبار { والموتى } أي الكفار شبههم بهم في عدم السماع { يبعثهم الله } في الآخرة { ثم إليه يرجعون } يردون فيجازيهم بأعمالهم.
[6.37]
{ وقالوا } أي كفار مكة { لولا } هلا { نزل عليه ءاية من ربه } كالناقة والعصا والمائدة { قل } لهم { إن الله قادر على أن ينزل } بالتشديد والتخفيف { ءاية } مما اقترحوا { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن نزولها بلاء عليهم لوجوب هلاكهم إن جحدوها.
[6.38]
{ وما من } زائدة { دآبة } تمشي { فى الأرض ولا طائر يطير } في الهواء { بجناحيه إلا أمم أمثلكم } في تدبير خلقها ورزقها وأحوالها { ما فرطنا } تركنا { فى الكتب } اللوح المحفوظ { من } زائدة { شىء } فلم نكتبه { ثم إلى ربهم يحشرون } فيقضي بينهم، ويقتص للجماء من القرناء، ثم يقول لهم كونوا ترابا.
[6.39]
{ والذين كذبوا بئايتنا } القرآن { صم } عن سماعها سماع قبول { وبكم } عن النطق بالحق { فى الظلمت } الكفر { من يشإ الله } إضلاله { يضلله ومن يشأ } هدايته { يجعله على صرط } طريق { مستقيم } دين الإسلام.
[6.40]
{ قل } يا محمد لأهل مكة { أرءيتكم } أخبروني { إن أتكم عذاب الله } في الدنيا { أو أتتكم الساعة } القيامة المشتملة عليه بغتة { أغير الله تدعون } لا { إن كنتم صدقين } في أن الأصنام تنفعكم فادعوها.
[6.41]
{ بل إياه } لا غيره { تدعون } في الشدائد { فيكشف ما تدعون إليه } أن يكشفه عنكم من الضر ونحوه { إن شاء } كشفه { وتنسون } تتركون { ما تشركون } معه من الأصنام فلا تدعونه.
[6.42]
{ ولقد أرسلنا إلى أمم من } زائدة { قبلك } رسلا فكذبوهم { فأخذنهم بالبأساء } شدة الفقر { والضراء } المرض { لعلهم يتضرعون } يتذللون فيؤمنون.
[6.43]
{ فلولا } فهلا { إذ جاءهم بأسنا } عذابنا { تضرعوا } أي لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضي له { ولكن قست قلوبهم } فلم تلن للإيمان { وزين لهم الشيطن ما كانوا يعملون } من المعاصي فأصروا عليها.
[6.44]
{ فلما نسوا } تركوا { ما ذكروا } وعظوا وخوفوا { به } من البأساء والضراء فلم يتعظوا { فتحنا } بالتخفيف والتشديد { عليهم أبواب كل شىء } من النعم استدراجا لهم { حتى إذا فرحوا بما أوتوا } فرح بطر { أخذنهم } بالعذاب { بغتة } فجأة { فإذا هم مبلسون } آيسون من كل خير.
[6.45]
{ فقطع دابر القوم الذين ظلموا } أي آخرهم بأن استؤصلوا { والحمد لله رب العلمين } على نصر الرسل وإهلاك الكافرين.
[6.46]
{ قل } لأهل مكة { أرءيتم } أخبروني { إن أخذ الله سمعكم } أصمكم { وأبصركم } أعماكم { وختم } طبع { على قلوبكم } فلا تعرفون شيئا { من إله غير الله يأتيكم به } بما أخذه منكم بزعمكم؟ { انظر كيف نصرف } نبين { الأيت } الدلالات على وحدانيتنا { ثم هم يصدفون } يعرضون عنها فلا يؤمنون.
[6.47]
{ قل } لهم { أرءيتكم إن أتكم عذاب الله بغتة أو جهرة } ليلا أو نهارا { هل يهلك إلا القوم الظلمون } الكافرون؟ أي ما يهلك إلا هم.
[6.48]
{ وما نرسل المرسلين إلا مبشرين } من آمن بالجنة { ومنذرين } من كفر بالنار { فمن ءامن } بهم { وأصلح } عمله { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الآخرة.
[6.49]
{ والذين كذبوا بئايتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون } يخرجون عن الطاعة.
[6.50]
{ قل } لهم { لا أقول لكم عندى خزائن الله } التي منها يرزق { ولا } أني { أعلم الغيب } ما غاب عني ولم يوح إلي { ولا أقول لكم إنى ملك } من الملائكة { إن } ما { أتبع إلا ما يوحى إلى قل هل يستوى الاعمى } الكافر { والبصير } المؤمن لا { أفلا تتفكرون } في ذلك فتؤمنوا؟.
[6.51]
{ وأنذر } خوف { به } أي بالقرآن { الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه } أي غيره { ولي } ينصرهم { ولا شفيع } يشفع لهم وجملة النفي حال من ضمير «يحشروا» وهي محل الخوف، والمراد بهم المؤمنون العاصون { لعلهم يتقون } الله بإقلاعهم عما هم فيه وعمل الطاعات.
[6.52]
{ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون } بعبادتهم { وجهه } تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء، وكان المشركون طعنوا فيهم وطلبوا أن يطردهم ليجالسوه، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك طمعا في إسلامهم { ما عليك من حسابهم من } زائدة { شىء } إن كان باطنهم غير مرضي { وما من حسابك عليهم من شىء فتطردهم } جواب النفي { فتكون من الظلمين } إن فعلت ذلك.
[6.53]
{ وكذلك فتنا } ابتلينا { بعضهم ببعض } أي الشريف بالوضيع والغني بالفقير بأن قدمناه بالسبق إلى الإيمان { ليقولوا } أي الشرفاء والأغنياء منكرين { أهؤلاء } الفقراء { من الله عليهم من بيننا } بالهداية؟ أي لو كان ما هم عليه هدى ما سبقونا إليه. قال تعالى { أليس الله بأعلم بالشكرين } له فيهديهم؟ بلى.
[6.54]
{ وإذا جاءك الذين يؤمنون بئايتنا فقل } لهم { سلم عليكم كتب } قضى { ربكم على نفسه الرحمة إنه } أي الشأن، وفي قراءة بالفتح[أنه] بدل من (الرحمة) { من عمل منكم سوءا بجهالة } منه حيث ارتكبه { ثم تاب } رجع { من بعده } بعد عمله عنه { وأصلح } عمله { فإنه } أي الله { غفور } له { رحيم } به، وفي قراءة بالفتحل[أنه] أي فالمغفرة له.
[6.55]
{ وكذلك } كما بينا ما ذكر { نفصل } نبين { الأيت } القرآن ليظهر الحق فيعمل به { ولتستبين } تظهر { سبيل } طريق { المجرمين } فتجتنب، وفي قراءة: بالتحتانية، وفي أخرى بالفوقانية ونصب «سبيل» خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
[6.56]
{ قل إنى نهيت أن أعبد الذين تدعون } تعبدون { من دون الله قل لا أتبع أهواءكم } في عبادتها { قد ضللت إذا } ان اتبعتها { وما أنا من المهتدين }.
[6.57]
{ قل إنى على بينة } بيان { من ربى و } قد { كذبتم به } بربي حيث أشركتم { ما عندى ما تستعجلون به } من العذاب { ان } ما { الحكم } في ذلك وغيره { إلا لله يقض } القضاء { الحق وهو خير الفصلين } الحاكمين وفي قراءة (يقص) أي يقول.
[6.58]
{ قل } لهم { لو أن عندى ما تستعجلون به لقضى الأمر بينى وبينكم } بأن أعجله لكم وأستريح، ولكنه عند الله { والله أعلم بالظلمين } متى يعاقبهم.
[6.59]
{ وعنده } تعالى { مفاتح الغيب } خزائنه أو الطرق الموصلة إلى علمه { لا يعلمها إلا هو } وهي الخمسة التي في قوله
إن الله عنده علم الساعة
[34:31] الآية كما رواه البخاري { ويعلم ما } يحدث { فى البر } القفار { والبحر } القرى التي على الأنهار { وما تسقط من } زائدة { ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمت الأرض ولا رطب ولا يابس } عطف على (ورقة) { إلا فى كتب مبين } هو اللوح المحفوظ، والاستثناء بدل اشتمال من الاستثناء قبله.
[6.60]
{ وهو الذى يتوفكم باليل } يقبض أرواحكم عند النوم { ويعلم ما جرحتم } كسبتم { بالنهار ثم يبعثكم فيه } أي النهار برد أرواحكم { ليقضى أجل مسمى } هو أجل الحياة { ثم إليه مرجعكم } بالبعث { ثم ينبئكم بما كنتم تعملون } فيجازيكم به.
[6.61]
{ وهو القاهر } مستعليا { فوق عباده ويرسل عليكم حفظة } ملائكة تحصي أعمالكم { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته } وفي قراءة «توفاه» { رسلنا } الملائكة الموكلون بقبض الأرواح { وهم لا يفرطون } يقصرون فيما يؤمرون به.
[6.62]
{ ثم ردوا } أي الخلق { إلى الله مولهم } مالكهم { الحق } الثابت العدل ليجازيهم { ألا له الحكم } القضاء النافذ فيهم { وهو أسرع الحسبين } يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك.
[6.63]
{ قل } يا محمد لأهل مكة { من ينجيكم من ظلمت البر والبحر } أهوالهما في أسفاركم حين { تدعونه تضرعا } علانية { وخفية } سرا تقولون { لئن } لام قسم { أنجيتنا } وفي قراءة «أنجانا» أي الله { من هذه } الظلمات والشدائد { لنكونن من الشكرين } المؤمنين.
[6.64]
{ قل } لهم { الله ينجيكم } بالتخفيف والتشديد { منها ومن كل كرب } غم سواها { ثم أنتم تشركون } به.
[6.65]
{ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم } من السماء كالحجارة والصيحة { أو من تحت أرجلكم } كالخسف { أو يلبسكم } يخلطكم { شيعا } فرقا مختلفة الأهواء { ويذيق بعضكم بأس بعض } بالقتال، قال صلى الله عليه وسلم لما نزلت
" هذه أهون وأيسر "
ولما نزل ما قبله:
" أعوذ بوجهك "
رواه البخاري وروى مسلم حديث
" سألت ربي أن لا يجعل بأس أمتي بينهم فمنعنيها "
وفي حديث: لما نزلت قال
" « أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد "
{ انظر كيف نصرف } نبين لهم { الأيت } الدلالات على قدرتنا { لعلهم يفقهون } يعلمون أن ما هم عليه باطل.
[6.66]
{ وكذب به } بالقرآن { قومك وهو الحق } الصدق { قل } لهم { لست عليكم بوكيل } فأجازيكم إنما أنا منذر وأمركم إلى الله، وهذا قبل الأمر بالقتال.
[6.67]
{ لكل نبإ } خبر { مستقر } وقت يقع فيه ويستقر ومنه عذابكم { وسوف تعلمون } تهديد لهم.
[6.68]
{ وإذا رأيت الذين يخوضون فى ءايتنا } القرآن بالاستهزاء { فأعرض عنهم } ولا تجالسهم { حتى يخوضوا فى حديث غيره وإما } فيه إدغام نون «إن» الشرطية في «ما» المزيدة { ينسينك } بسكون النون والتخفيف وفتحها والتشديد [ينسينك] { الشيطن } فقعدت معهم { فلا تقعد بعد الذكرى } أي تذكره { مع القوم الظلمين } فيه وضع الظاهر موضع المضمر.
[6.69]
وقال المسلمون إن قمنا كلما خاضوا لم نستطع أن نجلس في المسجد وأن نطوف، فنزل { وما على الذين يتقون } الله { من حسابهم } أي الخائضين { من } زائدة { شىء } إذا جالسوهم { ولكن } عليهم { ذكرى } تذكرة لهم وموعظة { لعلهم يتقون } الخوض.
[6.70]
{ وذر } اترك { الذين اتخذوا دينهم } الذي كلفوه { لعبا ولهوا } باستهزائهم به { وغرتهم الحيوة الدنيا } فلا تتعرض لهم، وهذا قبل الأمر بالقتال { وذكر } عظ { به } بالقرآن الناس ل { أن } لا { تبسل نفس } تسلم إلى الهلاك { بما كسبت } عملت { ليس لها من دون الله } أي غيره { ولي } ناصر { ولا شفيع } يمنع عنها العذاب { وإن تعدل كل عدل } تفد كل فداء { لا يؤخذ منها } ما تفدي به { أولائك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم } ماء بالغ نهاية الحرارة { وعذاب أليم } مؤلم { بما كانوا يكفرون } بكفرهم.
[6.71]
{ قل أندعوا } أنعبد { من دون الله ما لا ينفعنا } بعبادته { ولا يضرنا } بتركها وهو الأصنام { ونرد على أعقبنا } نرجع مشركين { بعد إذ هدانا الله } إلى الإسلام { كالذى استهوته } أضلته { الشيطين فى الارض حيران } متحيرا لا يدري أين يذهب. حال من الهاء { له أصحب } رفقة { يدعونه إلى الهدى } أي ليهدوه الطريق يقولون له { ائتنا } فلا يجيبهم فيهلك، والاستفهام للإنكار، وجملة التشبيه حال من ضمير، «نرد» { قل إن هدى الله } الذي هو الإسلام { هو الهدى } وما عداه ضلال { وأمرنا لنسلم } أي بأن نسلم { لرب العلمين }.
[6.72]
{ وأن } أي بأن { أقيموا الصلوة واتقوه } تعالى { وهو الذى إليه تحشرون } تجمعون يوم القيامة للحساب.
[6.73]
{ وهو الذى خلق السموات والارض بالحق } أي محقا { و } اذكر { يوم يقول } للشيء { كن فيكون } هو يوم القيامة، يقول للخلق: قوموا فيقوموا { قوله الحق } الصدق الواقع لا محالة { وله الملك يوم ينفخ فى الصور } القرن، النفخة الثانية من إسرافيل لا ملك فيه لغيره
لمن الملك اليوم؟ لله
[16:40] { علم الغيب والشهدة } ما غاب وما شوهد { وهو الحكيم } في خلقه { الخبير } بباطن الأشياء كظاهرها.
[6.74]
{ و } اذكر { إذ قال إبرهيم لابيه ءازر } هو لقبه، واسمه (تارخ) { أتتخذ أصناما ءالهة } تعبدها؟ استفهام توبيخ { إنى أراك وقومك } باتخاذها { فى ضلل } عن الحق { مبين } بين.
[6.75]
{ وكذلك } كما أريناه إضلال أبيه وقومه { نرى إبرهيم ملكوت } ملك { السموات والأرض } ليستدل به على وحدانيتنا { وليكون من الموقنين } بها، وجملة (وكذلك) وما بعدها اعتراض وعطف على «قال2.
[6.76]
{ فلما جن } أظلم { عليه اليل رأى كوكبا } قيل هو الزهرة { قال } لقومه وكانوا قوما نجامين { هذا ربى } في زعمكم { فلما أفل } غاب { قال لا أحب الأفلين } أن أتخذهم أربابا، لأن الرب لا يجوز عليه التغيير والانتقال، لأنهما من شأن الحوادث فلم ينجع فيهم ذلك.
[6.77]
{ فلما رأى القمر بازغا } طالعا { قال } لهم { هذا ربى فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى } يثبتني على الهدى { لاكونن من القوم الضالين } تعريض لقومه بأنهم على ضلال فلم ينجع فيهم ذلك.
[6.78]
{ فلما رأى الشمس بازغة قال هذا } ذكره لتذكير خبره { ربى هذا أكبر } من الكوكب والقمر { فلما أفلت } وقويت عليهم الحجة ولم يرجعوا { قال يقوم إنى برىء مما تشركون } بالله من الأصنام والأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث، فقالوا له: ما تعبد؟.
[6.79]
قال { إنى وجهت وجهى } قصدت بعبادتي { للذى فطر } خلق { السموات والارض } أي الله { حنيفا } مائلا إلى الدين القيم { وما أنا من المشركين } به
[6.80]
{ وحاجه قومه } جادلوه في دينه وهددوه بالأصنام أن تصيبه بسوء إن تركها { قال أتحاجونى } بتشديد النون وتخفيفها بحذف إحدى النونين وهي نون الرفع عند النحاة، ونون الوقاية عند الفراء، أتجادلونني { فى } وحدانية { الله وقد هدان } تعالى إليها { ولا أخاف ما تشركون به } من الأصنام أن تصيبني بسوء لعدم قدرتها على شيء { إلا } لكن { أن يشاء ربى شيئا } من المكروه يصيبني فيكون { وسع ربى كل شىء علما } أي وسع علمه كل شيء { أفلا تتذكرون } هذا فتؤمنون؟
[6.81]
{ وكيف أخاف ما أشركتم } بالله وهي لا تضر ولا تنفع { ولا تخافون } أنتم من الله { أنكم أشركتم بالله } في العبادة { ما لم ينزل به } بعبادته { عليكم سلطنا } حجة وبرهانا، وهو القادر على كل شيء { فأى الفريقين أحق بالأمن } أنحن أم أنتم؟ { إن كنتم تعلمون } من الأحق به- أي وهو نحن- فاتبعوه.
[6.82]
{ الذين ءامنوا ولم يلبسوا } يخلطوا { إيمنهم بظلم } أي شرك كما فسر بذلك في حديث الصحيحين. { أولئك لهم الامن } من العذاب { وهم مهتدون }.
[6.83]
{ وتلك } مبتدأ، ويبدل منه { حجتنا } التي احتج بها إبراهيم على وحدانية الله، أفول الكوكب وما بعده. والخبر { ءاتينها إبرهيم على } أرشدناه لها حجة { على قومه نرفع درجت من نشاء } بالإضافة والتنوين[درجات] في العلم والحكمة { إن ربك حكيم } في صنعه { عليم } بخلقه.
[6.84]
{ ووهبنا له إسحق ويعقوب } ابنه { كلا } منهما { هدينا ونوحا هدينا من قبل } أي قبل إبراهيم { ومن ذريته } أي نوح { داوود وسليمن } ابنه { وأيوب ويوسف } بن يعقوب { وموسى وهرون وكذلك } كما جزيناهم { نجزى المحسنين }.
[6.85]
{ وزكريا ويحيى } ابنه { وعيسى } ابن مريم، يفيد أن الذرية تتناول أولاد البنت { وإلياس } بن أخي موسى { كل } منهم { من الصلحين }.
[6.86]
{ وإسمعيل } بن إبراهيم { واليسع } اللام زائدة { ويونس ولوطا } ابن هاران أخي إبراهيم { وكلا } منهم { فضلنا على العلمين } بالنبوة.
[6.87]
{ ومن ءابائهم وذريتهم وإخونهم } عطف على(كلا) أو (نوحا)، و(من) للتبعيض لأن بعضهم لم يكن له ولد، وبعضهم كان في ولده كافر { واجتبينهم } اخترناهم { وهدينهم إلى صرط مستقيم }.
[6.88]
{ ذلك } الدين الذين هدوا إليه { هدى الله يهدى به من يشاء من عباده ولو أشركوا } فرضا { لحبط عنهم ما كانوا يعملون }.
[6.89]
{ أولئك الذين ءاتينهم الكتب } بمعنى الكتب { والحكم } الحكمة { والنبوة فإن يكفر بها } أي بهذه الثلاثة { هاؤلاء } أي أهل مكة { فقد وكلنا بها } أرصدنا لها { قوما ليسوا بها بكفرين } هم المهاجرون والأنصار.
[6.90]
{ أولئك الذين هدى } هم { الله فبهداهم } طريقهم من التوحيد والصبر { اقتده } بهاء السكت وقفا ووصلا. وفي قراءة بحذفها وصلا { قل } لأهل مكة { لا أسئلكم عليه } أي القرآن { أجرا } تعطونيه { إن هو } ما للقرآن { إلا ذكرى } عظة { للعلمين } الإنس والجن.
[6.91]
{ وما قدروا } أي اليهود { الله حق قدره } أي ما عظموه حق عظمته، أو ما عرفوه حق معرفته { إذ قالوا } للنبي صلى الله عليه وسلم- وقد خاصموه في القرآن - { ما أنزل الله على بشر من شىء قل } لهم { من أنزل الكتب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه } بالياء والتاء في المواضع الثلاثة { قرطيس } أي يكتبونه في دفاتر مقطعة { يبدونها } أي ما يحبون إبداءه منها { وتخفون كثيرا } مما فيها كنعت محمد صلى الله عليه وسلم { وعلمتم } أيها اليهود في القرآن { ما لم تعلموا أنتم ولا ءاباؤكم } من التوراة ببيان ما التبس عليكم واختلفتم فيه { قل الله } أنزله. إن لم يقولوه لا جواب غيره { ثم ذرهم فى خوضهم } باطلهم { يلعبون }.
[6.92]
{ وهذا } القرآن { كتب أنزلنه مبارك مصدق الذى بين يديه } قبله من الكتب { ولتنذر } بالتاء والياء عطف على معنى ما قبله أي أنزلناه للبركة والتصديق ولتنذر به { أم القرى ومن حولها } أي أهل مكة وسائر الناس { والذين يؤمنون بالاخرة يؤمنون به وهم على صلوتهم يحفظون } خوفا من عقابها.
[6.93]
{ ومن } أي لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذبا } بادعاء النبوة ولم ينبأ { أو قال أوحى إلى ولم يوح إليه شىء } نزلت في مسيلمة { و } من { من قال سأنزل مثل ما أنزل الله } وهم المستهزئون قالوا: لو نشاء لقلنا مثل هذا { ولو ترى } يا محمد { إذ الظلمون } المذكورون { فى غمرات } سكرات { الموت والملئكة باسطوا أيديهم } إليهم بالضرب والتعذيب يقولون لهم تعنيفا { أخرجوا أنفسكم } إلينا لنقبضها { اليوم تجزون عذاب الهون } الهوان { بما كنتم تقولون على الله غير الحق } بدعوى النبوة والإيحاء كذبا { وكنتم عن ءايته تستكبرون } تتكبرون عن الإيمان بها، وجواب «لو» لرأيت أمرا فظيعا.
[6.94]
{ و } يقال لهم إذا بعثوا { لقد جئتمونا فرادى } منفردين عن الأهل والمال والولد { كما خلقنكم أول مرة } أي حفاة عراة غرلا { وتركتم ما خولنكم } أعطيناكم من الأموال { وراء ظهوركم } في الدنيا بغير اختياركم { و } يقال لهم توبيخا { ما نرى معكم شفعاءكم } الأصنام { الذين زعمتم أنهم فيكم } أي في استحقاق عبادتكم { شركاء } لله { لقد تقطع بينكم } وصلكم أي تشتت جمعكم، وفي قراءة بالنصب(بينكم) ظرف أي وصلكم بينكم { وضل } ذهب { عنكم ما كنتم تزعمون } في الدنيا من شفاعتها.
[6.95]
{ إن الله فالق } شاق { الحب } عن النبات { والنوى } عن النخل { يخرج الحى من الميت } كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة { ومخرج الميت } النطفة والبيضة { من الحى ذلكم } الفالق المخرج { الله فأنى تؤفكون } فكيف تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان؟.
[6.96]
{ فالق الإصباح } مصدر بمعنى الصبح: أي شاق عمود الصبح وهو أول ما يبدو من نور النهار عن ظلمة الليل { وجعل } تسكن فيه الخلق من التعب { والشمس والقمر } بالنصب، عطفا على محل (الليل) { حسبانا } حسابا للأوقات، أو الباء محذوفة، وهو حال من مقدر أي يجريان بحسبان كما في آية (الرحمن) [5:55] { ذلك } المذكور { تقدير العزيز } في ملكه { العليم } بخلقه.
[6.97]
{ وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها فى ظلمت البر والبحر } في الأسفار { قد فصلنا } بينا { الأيت } الدلالات على قدرتنا { لقوم يعلمون } يتدبرون.
[6.98]
{ وهو الذى أنشأكم } خلقكم { من نفس وحدة } هي آدم { فمستقر } منكم في الرحم { ومستودع } منكم في الصلب. وفي قراءة بفتح القاف أي مكان قرار لكم { قد فصلنا الأيت لقوم يفقهون } ما يقال لهم.
[6.99]
{ وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا } فيه التفات عن الغيبة { به } بالماء { نبات كل شىء } ينبت { فأخرجنا منه } أي النبات شيئا { خضرا } بمعنى أخضر { نخرج منه } (من الخضر) { حبا متراكبا } يركب بعضه بعضا كسنابل الحنطة ونحوها { ومن النخل } خبر، ويبدل منه { من طلعها } أول ما يخرج منها. والمبتدأ { قنون } عراجين { دانية } قريب بعضها من بعض { و } أخرجنا به { جنت } بساتين { من أعنب والزيتون والرمان مشتبها } ورقهما حال { وغير متشبه } ثمرهما { انظروا } يا مخاطبين نظر اعتبار { إلى ثمره }. بفتح الثاء والميم، وبضمهما وهو جمع (ثمرة) ك (شجرة) و(شجر) و(خشبة) و(خشب) { إذا أثمر } أول ما يبدو كيف هو؟ { و } إلى { ينعه } نضجه إذا أدرك كيف يعود { إن فى ذلكم لايت } دلالات على قدرته تعالى على البعث وغيره { لقوم يؤمنون } خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها في الإيمان بخلاف الكافرين.
[6.100]
{ وجعلوا لله } مفعول ثان { شركاء } مفعول أول، ويبدل منه { الجن } حيث أطاعوهم في عبادة الأوثان { و } قد { خلقهم } فكيف يكونون شركاء { وخرقوا } بالتخفيف والتشديد أي اختلقوا { له بنين وبنات بغير علم } حيث قالوا:عزير ابن الله، والملائكة بنات الله { سبحنه } تنزيها له { وتعلى عما يصفون } بأن له ولدا.
[6.101]
هو { بديع السموات والأرض } مبدعهما من غير مثال سبق { أنى } كيف { يكون له ولد ولم تكن له صحبة } زوجة { وخلق كل شىء } من شأنه أن يخلق { وهو بكل شىء عليم }.
[6.102]
{ ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خلق كل شىء فاعبدوه } وحدوه { وهو على كل شىء وكيل } حفيظ.
[6.103]
{ لا تدركه الابصر } أي لا تراه، وهذا مخصوص لرؤية المؤمنين له في الآخرة لقوله تعالى:
وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة
[22:75، 23] وحديث الشيخين:
" إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر "
وقيل المراد: لا تحيط به { وهو يدرك الابصر } أي يراها ولا تراه ولا يجوز في غيره أن يدرك البصر وهو لا يدركه أو يحيط به علما { وهو اللطيف } بأوليائه { الخبير } بهم.
[6.104]
قل يا محمد { قد جاءكم بصائر } حجج { من ربكم فمن أبصر } ها فآمن { فلنفسه } أبصر، لأن ثواب إبصاره له { ومن عمى } عنها فضل { فعليها } وبال إضلاله { وما أنا عليكم بحفيظ } رقيب لأعمالكم، إنما أنا نذير.
[6.105]
{ وكذلك } كما بينا ما ذكر { نصرف } نبين { الأيت } ليعتبروا { وليقولوا } أي الكفار في عاقبة الأمر { درست } ذاكرت أهل الكتاب. وفي قراءة «درست» أي كتب الماضين وجئت بهذا منها { ولنبينه لقوم يعلمون }.
[6.106]
{ اتبع ما أوحى إليك من ربك } أي القرآن { لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين }.
[6.107]
{ ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلنك عليهم حفيظا } رقيبا فتجازيهم بأعمالهم { وما أنت عليهم بوكيل } فتجبرهم على الإيمان، وهذا قبل الأمر بالقتال.
[6.108]
{ ولا تسبوا الذين يدعون } هم { من دون الله } أي الأصنام { فيسبوا الله عدوا } اعتداء وظلما { بغير علم } أي جهلا منهم بالله { كذلك } كما زينا لهؤلاء ما هم عليه { زينا لكل أمة عملهم } من الخير والشر فأتوه { ثم إلى ربهم مرجعهم } في الآخرة { فينبئهم بما كانوا يعملون } فيجازيهم به.
[6.109]
{ وأقسموا } أي كفار مكة { بالله جهد أيمنهم } أي غاية اجتهادهم فيها { لئن جاءتهم ءاية } مما اقترحوا { ليؤمنن بها قل } لهم { إنما الايت عند الله } ينزلها كما يشاء، وإنما أنا نذير { وما يشعركم } يدريكم بإيمانهم إذا جاءت؟ أي أنتم لا تدرون ذلك { إنها إذا جاءت لا يؤمنون } لما سبق في علمي. وفي قراءة بالتاء خطابا للكفار. وفي أخرى بفتح «إن» بمعنى (لعل)، أو معمولة لما قبلها.
[6.110]
{ ونقلب أفئدتهم } نحول قلوبهم عن الحق فلا يفهمونه { وأبصرهم } عنه فلا يبصرونه ولا يؤمنون { كما لم يؤمنوا به } أي بما أنزل من الآيات { أول مرة ونذرهم } نتركهم { في طغينهم } ضلالهم { يعمهون } يترددون متحيرين.
[6.111]
{ ولو أننا نزلنا إليهم الملئكة وكلمهم الموتى } كما اقترحوا { وحشرنا } جمعنا { عليهم كل شىء قبلا } بضمتين: جمع قبيل، أي فوجا فوجا، وبكسر القاف وفتح الباء: أي معاينة فشهدوا بصدقك { ما كانوا ليؤمنوا } لما سبق في علم الله { إلا } لكن { أن يشاء الله } إيمانهم فيؤمنوا { ولكن أكثرهم يجهلون } ذلك.
[6.112]
{ وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا } كما جعلنا هؤلاء أعداءك ويبدل منه { شيطين } مردة { الإنس والجن يوحى } يوسوس { بعضهم إلى بعض زخرف القول } مموهه من الباطل { غرورا } أي ليغروهم { ولو شاء ربك ما فعلوه } أي الإيحاء المذكور { فذرهم } دع الكفار { وما يفترون } من الكفر وغيره مما زين لهم، وهذا قبل الأمر بالقتال.
[6.113]
{ ولتصغى } عطف على (غرورا): أي تميل { إليه } أي الزخرف { أفئدة } قلوب { الذين لا يؤمنون بالأخرة وليرضوه وليقترفوا } يكتسبوا { ما هم مقترفون } من الذنوب فيعاقبوا عليه.
[6.114]
ونزل لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل بينه وبينهم حكما، قل { أفغير الله أبتغى } أطلب { حكما } قاضيا بيني وبينكم { وهو الذى أنزل إليكم الكتب } القرآن { مفصلا } مبينا فيه الحق من الباطل { والذين ءاتينهم الكتب } التوراة كعبد الله بن سلام وأصحابه { يعلمون أنه منزل } بالتخفيف والتشديد { من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين } الشاكين فيه. والمراد بذلك التقرير للكفار أنه حق.
[6.115]
{ وتمت كلمت ربك } بالأحكام والمواعيد { صدقا وعدلا } تمييز { لا مبدل لكلمته } بنقض أو خلف { وهو السميع } لما يقال { العليم } بما يفعل.
[6.116]
{ وإن تطع أكثر من فى الأرض } أي الكفار { يضلوك عن سبيل الله } دينه { إن } ما { يتبعون إلا الظن } في مجادلتهم لك في أمر الميتة إذ قالوا ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم { وإن } ما { هم إلا يخرصون } يكذبون في ذلك.
[6.117]
{ إن ربك هو أعلم } أي عالم { من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } فيجازي كلا منهم.
[6.118]
{ فكلوا مما ذكر اسم الله عليه } أي ذبح على اسمه { إن كنتم بئايته مؤمنين }.
[6.119]
{ وما لكم أ } ن { لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه } من الذبائح { وقد فصل } بالبناء للمفعول وللفاعل في الفعلين { لكم ما حرم عليكم } في آية
حرمت عليكم الميتة
[3:5] { إلا ما اضطررتم إليه } منه فهو أيضا حلال لكم، المعنى: لا مانع لكم من أكل ما ذكر وقد بين لكم المحرم أكله، وهذا ليس منه { وإن كثيرا ليضلون } بفتح الياء وضمها { بأهوائهم } بما تهواه أنفسهم من تحليل الميتة وغيرها { بغير علم } يعتمدونه في ذلك { إن ربك هو أعلم بالمعتدين } المتجاوزين الحلال إلى الحرام.
[6.120]
{ وذروا } اتركوا { ظهر الإثم وباطنه } علانيته وسره، و(الإثم) قيل: الزنى، وقيل: كل معصية { إن الذين يكسبون الإثم سيجزون } في الآخرة { بما كانوا يقترفون } يكتسبون.
[6.121]
{ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } بأن مات أو ذبح على اسم غيره، وإلا فما ذبحه المسلم ولم يسم فيه عمدا أو نسيانا فهو حلال: قاله ابن عباس وعليه الشافعي { وإنه } أي الأكل منه { لفسق } خروج عما يحل { وإن الشيطين ليوحون } يوسوسون { إلى أوليائهم } الكفار { ليجدلوكم } في تحليل الميتة { وإن أطعتموهم } فيه { إنكم لمشركون }.
[6.122]
ونزل في أبي جهل وغيره { أو من كان ميتا } بالكفر { فأحيينه } بالهدى { وجعلنا له نورا يمشي به فى الناس } يتبصر به الحق من غيره وهو الإيمان { كمن مثله } (مثل) زائدة: أي كمن هو { في الظلمت ليس بخارج منها } وهو الكافر؟ لا { كذلك } كما زين للمؤمنين الإيمان { زين للكفرين ما كانوا يعملون } من الكفر والمعاصي.
[6.123]
{ وكذلك } كما جعلنا فساق مكة أكابرها { جعلنا في كل قرية أكبر مجرميها ليمكروا فيها } بالصد عن الإيمان { وما يمكرون إلا بأنفسهم } لأن وباله عليهم { وما يشعرون } بذلك.
[6.124]
{ وإذا جاءتهم } أي أهل مكة { ءاية } على صدق النبي صلى الله عليه وسلم { قالوا لن نؤمن } به { حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله } من الرسالة والوحي إلينا لأننا أكثر مالا وأكبر سنا. قال تعالى: { الله أعلم حيث يجعل رسالته } بالجمع والإفراد، و(حيث) مفعول به لفعل دل عليه «أعلم» أي يعلم الموضع الصالح لوضعها فيه فيضعها، وهؤلاء ليسوا أهلا لها { سيصيب الذين أجرموا } بقولهم ذلك { صغار } ذل { عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون } أي بسبب مكرهم.
[6.125]
{ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلم } بأن يقذف في قلبه نورا فينفسح له ويقبله كما ورد في حديث { ومن يرد } الله { أن يضله يجعل صدره ضيقا } بالتخفيف والتشديد عن قبوله { حرجا } شديد الضيق بكسر الراء صفة، وفتحها مصدر وصف فيه مبالغة { كأنما يصعد } وفي قراءة «يصاعد» وفيهما إدغام التاء في الأصل في الصاد، وفي أخرى بسكونها { فى السماء } إذ كلف الإيمان لشدته عليه { كذلك } الجعل { يجعل الله الرجس } العذاب أو الشيطان أي يسلطه { على الذين يؤمنون }.
[6.126]
{ وهذا } الذي أنت عليه يا محمد { صرط } طريق { ربك مستقيما } لا عوج فيه، ونصبه على الحال المؤكد للجملة، والعامل فيها معنى الإشارة { قد فصلنا } بينا { الأيت لقوم يذكرون } فيه إدغام التاء في الأصل في الذال: أي يتعظون، وخصوا بالذكر لأنهم هم المنتفعون.
[6.127]
{ لهم دار السلم } أي السلامه وهي الجنة { عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون }.
[6.128]
{ و } اذكر { يوم نحشرهم } بالنون، والياء: أي الله الخلق { جميعا } ، ويقال لهم { يمعشر الجن قد استكثرتم من الإنس } بإغوائكم { وقال } لهم { أولياؤهم } الذين أطاعوهم { من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض } انتفع الإنس بتزيين الجن لهم الشهوات والجن بطاعة الإنس لهم { وبلغنا أجلنا الذى أجلت لنا } وهو يوم القيامة، وهذا تحسر منهم { قال } تعالى لهم على لسان الملائكة: { النار مثواكم } مأواكم { خلدين فيها إلا ما شاء الله } من الأوقات التي يخرجون فيها لشرب الحميم فإنه خارجها، كما قال تعالى
ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم
[68:37] وعن ابن عباس: أنه فيمن علم الله أنهم يؤمنون، ف«ما» بمعنى «من» { إن ربك حكيم } في صنعه { عليم } بخلقه.
[6.129]
{ وكذلك } كما متعنا عصاة الإنس والجن بعضهم ببعض { نولى } من الولاية { بعض الظلمين بعضا } أي على بعض { بما كانوا يكسبون } من المعاصي.
[6.130]
{ يمعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } أي من مجموعكم أي بعضكم الصادق بالإنس أو رسل الجن، نذرهم الذين يسمعون كلام الرسل فيبلغون قومهم { يقصون عليكم ءايتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا } أن قد بلغنا. قال تعالى: { وغرتهم الحيوة الدنيا } فلم يؤمنوا { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كفرين }.
[6.131]
{ ذلك } أي إرسال الرسل { أن } اللام مقدرة وهي مخففة: أي لأنه { لم يكن ربك مهلك القرى بظلم } منها { وأهلها غفلون } لم يرسل إليهم رسول يبين لهم.
[6.132]
{ ولكل } من العاملين { درجت } جزاء { مما عملوا } من خير وشر { وما ربك بغفل عما يعملون } بالياء والتاء.
[6.133]
{ وربك الغنى } عن خلقه وعبادتهم { ذو الرحمة إن يشآ يذهبكم } يا أهل مكة بالإهلاك { ويستخلف من بعدكم ما يشآء } من الخلق { كما أنشأكم من ذرية قوم ءاخرين } أذهبهم، ولكنه أبقاكم رحمة لكم.
[6.134]
{ إنما توعدون } من الساعة والعذاب { لأت } لا محالة { وما أنتم بمعجزين } فائتين عذابنا.
[6.135]
{ قل } لهم { يقوماعملوا على مكانتكم } حالتكم { إنى عمل } على حالتي { فسوف تعلمون من } موصولة مفعول العلم { تكون له عقبة الدار } أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة أنحن أم أنتم؟ { إنه لا يفلح } يسعد { الظلمون } الكافرون.
[6.136]
{ وجعلوا } أي كفار مكة { لله مما ذرأ } خلق { من الحرث } الزرع { والأنعام نصيبا } يصرفونه إلى الضيفان والمساكين ولشركائهم نصيبا يصرفونه إلى سدنتها { فقالوا هذا لله بزعمهم } بالفتح والضم { وهذا لشركائنا } فكانوا إذا سقط في نصيب الله شيء من نصيبها التقطوه، أو في نصيبها شيء من نصيبه تركوه وقالوا: إن الله غني عن هذا، كما قال تعالى { فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله } أي لجهته { وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء } بئس { ما يحكمون } حكمهم هذا.
[6.137]
{ وكذلك } كما زين لهم ما ذكر { زين لكثير من المشركين قتل أولدهم } بالوأد { شركاؤهم } من الجن. بالرفع فاعل (زين)، وفي قراءة ببنائه للمفعول ورفع «قتل» ونصب الأولاد به وجر شركائهم بإضافته، وفيه الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، ولا يضر، وإضافة القتل إلى الشركاء لأمرهم به { ليردوهم } يهلكوهم { وليلبسوا } يخلطوا { عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون }.
[6.138]
{ وقالوا هذه أنعم وحرث حجر } حرام { لا يطعمها إلا من نشاء } من خدمة الأوثان وغيرهم { بزعمهم } أي لا حجة لهم فيه { وأنعم حرمت ظهورها } فلا تركب كالسوائب والحوامي { وأنعم لا يذكرون اسم الله عليها } عند ذبحها بل يذكرون اسم أصنامهم ونسبوا ذلك إلى الله { افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون } عليه.
[6.139]
{ وقالوا ما فى بطون هذه الأنعم } المحرمة وهي السوائب والبحائر { خالصة } حلال { لذكورنا ومحرم على أزوجنا } أي النساء { وإن يكن ميتة } بالرفع والنصب مع تأنيث الفعل وتذكيره { فهم فيه شركاء سيجزيهم } الله { وصفهم } ذلك بالتحليل والتحريم أي جزاءه { إنه حكيم } في صنعه { عليم } بخلقه.
[6.140]
{ قد خسر الذين قتلوا } بالتخفيف والتشديد { أولادهم } بالوأد { سفها } جهلا { بغير علم وحرموا ما رزقهم الله } مما ذكر { افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين }.
[6.141]
{ وهو الذى أنشأ } خلق { جنت } بساتين { معروشت } مبسوطات على الأرض كالبطيخ { وغير معروشت } بأن ارتفعت على ساق كالنخل { و } أنشأ { النخل والزرع مختلفا أكله } ثمره وحبه في الهيئة والطعم { والزيتون والرمان متشبها } ورقهما حال { وغير متشبه } طعمهما { كلوا من ثمره إذا أثمر } قبل النضج { وءاتوا حقه } زكاته { يوم حصاده } بالفتح والكسر، من العشر أو نصفه { ولا تسرفوا } بإعطاء كله فلا يبقى لعيالكم شيء { إنه لا يحب المسرفين } المتجاوزين ما حد لهم.
[6.142]
{ و } أنشأ { من الانعم حمولة } صالحة للحمل عليها كالإبل الكبار { وفرشا } لا تصلح له كالإبل الصغار والغنم، سميت (فرشا) لأنها كالفرش للأرض لدنوها منها { كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوت الشيطن } طرائقه في التحريم والتحليل { إنه لكم عدو مبين } بين العداوة.
[6.143]
{ ثمنية أزوج } أصناف بدل من (حمولة وفرشا) { من الضأن } زوجين { اثنين } ذكر وأنثى { ومن المعز } بالفتح والسكون { اثنين قل } يا محمد لمن حرم ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى ونسب ذلك إلى الله { آلذكرين } من الضأن والمعز { حرم } الله عليكم { أم الانثيين } منهما { أما اشتملت عليه أرحام الانثيين } ذكرا كان أو أنثى { نبئوني بعلم } عن كيفية تحريم ذلك { إن كنتم صدقين } فيه، المعنى: من أين جاء التحريم؟ فإن كان من قبل الذكورة فجميع الذكور حرام، أو الأنوثة فجميع الإناث، أو اشتمال الرحم فالزوجان، فمن أين التخصيص؟ والاستفهام للإنكار.
[6.144]
{ ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم } بل أ { كنتم شهدآء } حضورا { إذ وصكم الله بهذا } التحريم فاعتمدتم ذلك ، لا بل أنتم كاذبون فيه { فمن } أي لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذبا } بذلك { ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظلمين }.
[6.145]
{ قل لا أجد فيما أوحى إلى } شيئا { محرما على طاعم يطعمه إلآ أن يكون } بالياء والتاء { ميتة } بالنصب وفي قراءة بالرفع مع التحتانية { أو دما مسفوحا } سائلا، بخلاف غيره كالكبد والطحال { أو لحم خنزير فإنه رجس } حرام { أو } أي إلا أن يكون { فسقا أهل لغير الله به } أي ذبح على اسم غيره { فمن اضطر } إلى شيء مما ذكر فأكله { غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور } له ما أكل { رحيم } به، ويلحق بما ذكر بالسنة كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير.
[6.146]
{ وعلى الذين هادوا } أي اليهود { حرمنا كل ذى ظفر } وهو ما لم تفرق أصابعه كالإبل والنعام { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما } الثروب وشحم الكلى { إلا ما حملت ظهورهما } أي ما علق بها منه { أو } حملته { الحوايا } الأمعاء. جمع (حاوياء) أو (حاوية) { أو ما اختلط بعظم } منه وهو شحم الألية فإنه أحل لهم { ذلك } التحريم { جزينهم } به { ببغيهم } بسبب ظلمهم بما سبق في سورة (النساء)[ 155:4 - 160 ] { وإنا لصدقون } في أخبارنا ومواعيدنا.
[6.147]
{ فإن كذبوك } فيما جئت به { فقل } لهم { ربكم ذو رحمة وسعة } حيث لم يعاجلكم بالعقوبة، وفيه تلطف بدعائهم إلى الإيمان { ولا يرد بأسه } عذابه إذا جاء { عن القوم المجرمين }.
[6.148]
{ سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا } نحن { ولا ءابآؤنا ولا حرمنا من شىء } فإشراكنا وتحريمنا بمشيئته، فهو راض به. قال تعالى { كذلك } كما كذب هؤلاء { كذب الذين من قبلهم } رسلهم { حتى ذاقوا بأسنا } عذابنا { قل هل عندكم من علم } بأن الله راض بذلك { فتخرجوه لنا } أي لا علم عندكم { إن } ما { تتبعون } في ذلك { إلا الظن وإن } ما { أنتم إلا تخرصون } تكذبون فيه.
[6.149]
{ قل } إن لم تكن لكم حجة { فلله الحجة البلغة } التامة { فلو شاء } هدايتكم { لهداكم أجمعين }.
[6.150]
{ قل هلم } أحضروا { شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا } الذي حرمتموه { فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بئايتنا والذين لا يؤمنون بالأخرة وهم بربهم يعدلون } يشركون.
[6.151]
{ قل تعالوا أتل } اقرأ { ما حرم ربكم عليكم أ } ن مفسرة { لا تشركوا به شيئا و } أحسنوا { وبالولدين إحسانا ولا تقتلوا أولدكم } بالوأد { من } أجل { إملق } فقر تخافونه { نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفوحش } الكبائر كالزنى { ما ظهر منها وما بطن } أي علانيتها وسرها { ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق } كالقود وحد الردة ورجم المحصن { ذلكم } المذكور { وصكم به لعلكم تعقلون } تتدبرون.
[6.152]
{ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى } أي بالخصلة التي { هى أحسن } وهي ما فيه صلاحه { حتى يبلغ أشده } بأن يحتلم { وأوفوا الكيل والميزان بالقسط } بالعدل وترك البخس { لا نكلف نفسا إلا وسعها } طاقتها في ذلك، فإن أخطأ في الكيل والوزن والله يعلم صحة نيته- فلا مؤاخدة عليه، كما ورد في حديث { وإذا قلتم } في حكم أو غيره { فاعدلوا } بالصدق { ولو كان } المقول له أو عليه { ذا قربى } قرابة { وبعهد الله أوفوا ذلكم وصكم به لعلكم تذكرون } بالتشديد والتخفيف تتعظون.
[6.153]
{ وأن } بالفتح على تقدير اللام، والكسر استئنافا { هذا } الذي وصيتكم به { صرطي مستقيما } حال { فاتبعوه ولا تتبعوا السبل } الطرق المخالفة له { فتفرق } فيه حذف إحدى التاءين: تميل { بكم عن سبيله } دينه { ذلكم وصكم به لعلكم تتقون }.
[6.154]
{ ثم ءاتينا موسى الكتب } التوراة و(ثم) لترتيب الأخبار { تماما } للنعمة { على الذى أحسن } بالقيام به { وتفصيلا } بيان { لكل شىء } يحتاج إليه في الدين { وهدى ورحمة لعلهم } أي بني إسرائيل { بلقاء ربهم } بالبعث { يؤمنون }.
[6.155]
{ وهذا } القرآن { كتب أنزلنه مبارك فاتبعوه } يا أهل مكة بالعمل بما فيه { واتقوا } الكفر { لعلكم ترحمون }.
[6.156]
أنزلناه ل { أن } لا { تقولوا إنما أنزل الكتب على طائفتين } اليهود والنصارى { من قبلنا وإن } مخففة واسمها محذوف أي إنا { كنا عن دراستهم } قراءتهم { لغفلين } لعدم معرفتنا لها إذ ليست بلغتنا.
[6.157]
{ أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتب لكنا أهدى منهم } لجودة أذهاننا { فقد جاءكم بينة } بيان { من ربكم وهدى ورحمة } لمن اتبعه { فمن } أي لا أحد { أظلم ممن كذب بئايت الله وصدف } أعرض { عنها سنجزى الذين يصدفون عن ءايتنا سوء العذاب } أي أشده { بما كانوا يصدفون }.
[6.158]
{ هل ينظرون } ما ينتظر المكذبون { إلا أن تأتيهم } بالتاء والياء { الملئكة } لقبض أرواحهم { أو يأتى ربك } أي أمره بمعنى عذابه { أو يأتي بعض ءايت ربك } أي علاماته الدالة على الساعة { يوم يأتى بعض ءايت ربك } وهي طلوع الشمس من مغربها كما في حديث الصحيحين { لا ينفع نفسا إيمانها } ما { لم تكن ءامنت من قبل } الجملة صفة النفس { أو } نفسا لم تكن { كسبت فى إيمنها خيرا } طاعة أي لا تنفعها توبتها كما في الحديث { قل انتظروا } أحد هذه الأشياء { إنا منتظرون } ذلك.
[6.159]
{ إن الذين فرقوا دينهم } باختلافهم فيه فأخذوا بعضه وتركوا بعضه { وكانوا شيعا } فرقا في ذلك. وفي قراءة «فارقوا» أي تركوا دينهم الذي أمروا به وهم اليهود والنصارى { لست منهم فى شىء } أي فلا تتعرض لهم { إنما أمرهم إلى الله } يتولاه { ثم ينبئهم } في الآخرة { بما كانوا يفعلون } فيجازيهم به، وهذا منسوخ بآية السيف[5:9].
[6.160]
{ من جاء بالحسنة } أي لا إله إلا الله { فله عشر أمثالها } أي جزاء عشر حسنات { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } أي جزاؤه { وهم لا يظلمون } ينقصون من جزائهم شيئا.
[6.161]
{ قل إننى هدانى ربى إلى صرط مستقيم } ويبدل من محله { دينا قيما } مستقيما { ملة إبرهيم حنيفا وما كان من المشركين }.
[6.162]
{ قل إن صلاتى ونسكى } عبادتي من حج وغيره { ومحياى } حياتي { ومماتى } موتي { لله رب العلمين }.
[6.163]
{ لا شريك له } في ذلك { وبذلك } أي التوحيد { أمرت وأنا أول المسلمين } من هذه الأمة.
[6.164]
{ قل أغير الله أبغى ربا } إلها: أي لا أطلب غيره { وهو رب } مالك { كل شىء ولا تكسب كل نفس } ذنبا { إلا عليها ولا تزر } تحمل نفس { وزرة } آثمة { وزر } نفس { أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون }.
[6.165]
{ وهو الذى جعلكم خلئف الأرض } جمع خليفة: أي يخلف بعضكم بعضا فيها { ورفع بعضكم فوق بعض درجت } بالمال والجاه وغير ذلك { ليبلوكم } ليختبركم { في مآ ءاتكم } أعطاكم إياه ليظهر المطيع منكم والعاصي { إن ربك سريع العقاب } لمن عصاه { وإنه لغفور } للمؤمنين { رحيم } بهم.
[7 - سورة الأعراف]
[7.1]
{ المص } الله أعلم بمراده بذلك.
[7.2]
هذا { كتب أنزل إليك } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم { فلا يكن فى صدرك حرج } ضيق { منه } أن تبلغه مخافة أن تكذب { لتنذر } متعلق ب(أنزل): أي للإنذار { به وذكرى } تذكرة { للمؤمنين } به.
[7.3]
قل لهم { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } أي القرآن { ولا تتبعوا } تتخذوا { من دونه } أي الله: أي غيره { أوليآء } تطيعونهم في معصيته تعالى { قليلا ما تذكرون } بالتاء والياء، تتعظون، وفيه إدغام التاء في الأصل في الذال وفي قراءة بسكونها، و «ما» زائدة لتأكيد القلة.
[7.4]
{ وكم } خبرية مفعول { من قرية } أريد أهلها { أهلكنها } أردنا إهلاكها { فجآءها بأسنا } عذابنا { بياتا } ليلا { أو هم قائلون } نائمون بالظهيرة، و(القيلولة): استراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم، أي مرة جاءها ليلا، ومرة نهارا.
[7.5]
{ فما كان دعوهم } قولهم { إذ جآءهم بأسنآ إلا أن قالوا إنا كنا ظلمين }.
[7.6]
{ فلنسئلن الذين أرسل إليهم } أي الأمم عن إجابتهم الرسل وعملهم فيما بلغهم { ولنسئلن المرسلين } عن الإبلاغ.
[7.7]
{ فلنقصن عليهم بعلم } لنخبرنهم عن علم بما فعلوه { وما كنا غآئبين } عن إبلاغ الرسل والأمم الخالية فيما عملوا.
[7.8]
{ والوزن } للأعمال أو لصحائفها بميزان له لسان وكفتان كما ورد في حديث كائن { يومئذ } أي يوم السؤال المذكور وهو يوم القيامة { الحق } العدل: صفة (الوزن) { فمن ثقلت موزينه } بالحسنات { فأولئك هم المفلحون } الفائزون.
[7.9]
{ ومن خفت موزينه } بالسيئات { فأولئك الذين خسروا أنفسهم } بتصييرها إلى النار { بما كانوا بئايتنا يظلمون } يجحدون.
[7.10]
{ ولقد مكنكم } يا بني آدم { فى الأرض وجعلنا لكم فيها معيش } بالياء: أسبابا تعيشون بها، (جمع معيشة) { قليلا ما } لتأكيد القلة { تشكرون } على ذلك.
[7.11]
{ ولقد خلقنكم } أي أباكم آدم { ثم صورنكم } أي صورناه وأنتم في ظهره { ثم قلنا للملئكة اسجدوا لأدم } سجود تحية بالانحناء { فسجدوا إلا إبليس } أبا الجن كان بين الملائكة { لم يكن من السجدين }.
[7.12]
{ قال } تعالى { ما منعك أ } ن { لا } زائدة { تسجد إذ } حين { أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين }.
[7.13]
{ قال فاهبط منها } أي من الجنة، وقيل من السموات { فما يكون } ينبغي { لك أن تتكبر فيها فاخرج } منها { إنك من الصغرين } الذليلين.
[7.14]
{ قال أنظرنى } أخرني { إلى يوم يبعثون } أي الناس.
[7.15]
{ قال إنك من المنظرين } وفي آية أخرى
إلى يوم الوقت المعلوم
[38:15] أي وقت النفخة الأولى.
[7.16]
{ قال فبمآ أغويتنى } أي بإغوائك لي، والباء للقسم وجوابه { لأقعدن لهم } أي لبني آدم { صرطك المستقيم } أي على الطريق الموصل إليك.
[7.17]
{ ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمنهم وعن شمآئلهم } أي من كل جهة فأمنعهم عن سلوكه. قال ابن عباس: ولا يستطيع أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى { ولا تجد أكثرهم شكرين } مؤمنين.
[7.18]
{ قال اخرج منها مذءوما } بالهمز: معيبا أو ممقوتا { مدحورا } مبعدا عن الرحمة { لمن تبعك منهم } من الناس، واللام للابتداء أو موطئة للقسم، وهو { لأملأن جهنم منكم أجمعين } أي منك بذريتك ومن الناس، وفيه تغليب الحاضر على الغائب، وفي الجملة معنى جزاء «من» الشرطية: أي من تبعك أعذبه.
[7.19]
{ و } قال { ويئادم اسكن أنت } تأكيد للضمير في «اسكن» ليعطف عليه { وزوجك } (حواء) بالمد { الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة } بالأكل منها وهي الحنطة { فتكونا من الظلمين }.
[7.20]
{ فوسوس لهما الشيطن } إبليس { ليبدى } يظهر { لهما ما ووري } (فوعل): من المواراة { عنهما من سوءتهما وقال ما نهكما ربكما عن هذه الشجرة إلآ } كراهة { أن تكونا ملكين } وقرىء بكسر اللام { أو تكونا من الخلدين } أي وذلك لازم عن الأكل منها كما في آية أخرى
هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى
> >[120:20]p
[7.21]
{ وقاسمهمآ } أي أقسم لهما بالله { إنى لكما لمن النصحين } في ذلك.
[7.22]
{ فدلهما } حطهما عن منزلتهما { بغرور } منه { فلما ذاقا الشجرة } أي أكلا منها { بدت لهما سوءتهما } أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره، وسمي كل منهما (سوأة) لأن انكشافه يسوء صاحبه { وطفقا يخصفان } أخذا يلزقان { عليهما من ورق الجنة } ليستترا به { ونادهما ربهمآ ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكمآ إن الشيطن لكما عدو مبين } بين العداوة؟ والاستفهام للتقرير.
[7.23]
{ قالا ربنا ظلمنآ أنفسنا } بمعصيتنا { وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخسرين }.
[7.24]
{ قال اهبطوا } أي آدم وحواء بما اشتملتما عليه من ذريتكما { بعضكم } بعض الذرية { لبعض عدو } من ظلم بعضهم بعضا { ولكم فى الأرض مستقر } مكان استقرار { ومتع } تمتع { إلى حين } تنقضي فيه آجالكم.
[7.25]
{ قال فيها } أي الأرض { تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون } بالبعث، بالبناء للفاعل والمفعول.
[7.26]
{ يبنى ءادم قد أنزلنا عليكم لباسا } أي خلقناه لكم { يورى } يستر { سوءتكم وريشا } وهو ما يتجمل به من الثياب { ولباس التقوى } العمل الصالح والسمت الحسن، بالنصب عطف على «لباسا» والرفع مبتدأ خبره: جملة { ذلك خير ذلك من ءايت الله } دلائل قدرته { لعلهم يذكرون } فيؤمنون، فيه التفات عن الخطاب.
[7.27]
{ يبنى ءادم لا يفتننكم } لا يضلنكم { الشيطن } أي لا تتبعوه فتفتنوا { كمآ أخرج أبويكم } بفتنته { من الجنة ينزع } حال { عنهما لباسهما ليريهما سوءتهمآ إنه } أي الشيطان { يركم هو وقبيله } جنوده { من حيث لا ترونهم } للطافة أجسادهم أو عدم ألوانهم { إنا جعلنا الشيطين أوليآء } أعوانا وقرناء { للذين لا يؤمنون }.
[7.28]
{ وإذا فعلوا فحشة } كالشرك وطوافهم بالبيت عراة قائلين: لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها، فنهوا عنها { قالوا وجدنا عليهآ ءابآءنا } فافتدينا بهم { والله أمرنا بها } أيضا { قل } لهم { إن الله لا يأمر بالفحشآء أتقولون على الله ما لا تعلمون } أنه قاله؟ استفهام إنكار.
[7.29]
{ قل أمر ربي بالقسط } العدل { وأقيموا } معطوف على معنى «بالقسط» أي قال: أقسطوا وأقيموا، أو قبله فأقسطوا مقدرا { وجوهكم } لله { عند كل مسجد } أي أخلصوا له سجودكم { وادعوه } اعبدوه، { مخلصين له الدين } من الشرك { كما بدأكم } خلقكم ولم تكونوا شيئا { تعودون } أي يعيدكم أحياء يوم القيامة.
[7.30]
{ فريقا } منكم { هدى وفريقا حق عليهم الضللة إنهم اتخذوا الشيطين أوليآء من دون الله } أي غيره { ويحسبون أنهم مهتدون }.
[7.31]
{ يبنى ءادم خذوا زينتكم } ما يستر عورتكم { عند كل مسجد } عند الصلاة والطواف { وكلوا واشربوا } ما شئتم { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين }.
[7.32]
{ قل } إنكارا عليهم { من حرم زينة الله التى أخرج لعباده } من اللباس { والطيبت } المستلذات { من الرزق قل هي للذين ءامنوا في لحيوة الدنيا } بالاستحقاق وإن شاركهم فيها غيرهم { خالصة } خاصة بهم. بالرفع والنصب، حال { يوم القيمة كذلك نفصل الأيت } نبينها مثل ذلك التفصيل { لقوم يعلمون } يتدبرون فإنهم المنتفعون بها.
[7.33]
{ قل إنما حرم ربي الفوحش } الكبائر كالزنا { ما ظهر منها وما بطن } أي جهرها وسرها { والإثم } المعصية { والبغى } على الناس { بغير الحق } هو الظلم { وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به } بإشراكه { سلطنا } حجة { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } من تحريم ما لم يحرم وغيره.
[7.34]
{ ولكل أمة أجل } مدة { فإذا جآء أجلهم لا يستأخرون } عنه { ساعة ولا يستقدمون } عليه.
[7.35]
{ يبنى ءادم إما } فيه إدغام نون «إن» الشرطية في «ما» المزيدة { يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم ءايت فمن اتقى } الشرك { وأصلح } عمله { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الآخرة.
[7.36]
{ والذين كذبوا بئايتنا واستكبروا } تكبروا { عنها } فلم يؤمنوا بها { أولئك أصحب النار هم فيها خلدون }.
[7.37]
{ فمن } أي لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذبا } بنسبة الشريك والولد إليه { أو كذب بئايته } القرآن { أولئك ينالهم } يصيبهم { نصيبهم } حظهم { من الكتب } مما كتب لهم في اللوح المحفوظ من الرزق والأجل وغير ذلك { حتى إذا جاءتهم رسلنا } أي الملائكة { يتوفونهم قالوا } لهم تبكيتا { أين ما كنتم تدعون } تعبدون { من دون الله قالوا ضلوا } غابوا { عنا } فلم نرهم { وشهدوا على أنفسهم } عند الموت { أنهم كانوا كفرين }.
[7.38]
{ قال } تعالى يوم القيامة { ادخلوا في } جملة { أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس فى النار } متعلق ب «ادخلوا» { كلما دخلت أمة } النار { لعنت أختها } التي قبلها لضلالها بها { حتى إذا اداركوا } تلاحقوا { فيها جميعا قالت أخرهم } وهم الأتباع { لأولهم } أي لأجلائهم وهم المتبوعين { ربنا هؤلآء أضلونا فئاتهم عذابا ضعفا } مضعفا { من النار قال } تعالى { لكل } منكم ومنهم { ضعف } عذاب مضعف { ولكن لا يعلمون } بالياء والتاء ما لكل فريق.
[7.39]
{ وقالت أولهم لأخرهم فما كان لكم علينا من فضل } لأنكم لم تكفروا بسببنا فنحن وأنتم سواء، قال تعالى لهم { فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون }.
[7.40]
{ إن الذين كذبوا بئايتنا واستكبروا } تكبروا { عنها } فلم يؤمنوا بها { لا تفتح لهم أبوب السمآء } إذا عرج بأرواحهم إليها بعد الموت فيهبط بها إلى (سجين)، بخلاف المؤمن فتفتح له ويصعد بروحه إلى السماء السابعة كما ورد في حديث { ولا يدخلون الجنة حتى يلج } يدخل { الجمل فى سم الخياط } ثقب الإبرة وهو غير ممكن، فكذا دخولهم { وكذلك } الجزاء { نجزى المجرمين } بالكفر.
[7.41]
{ لهم من جهنم مهاد } فراش { ومن فوقهم غواش } أغطية من النار: جمع (غاشية)، وتنوينه عوض من الياء { وكذلك نجزى الظلمين }.
[7.42]
{ والذين ءامنوا وعملوا الصلحت } مبتدأ، وقوله { لا نكلف نفسا إلا وسعها } طاقتها من العمل اعتراض بينه وبين خبره، وهو { أولئك أصحب الجنة هم فيها خلدون }.
[7.43]
{ ونزعنا ما فى صدورهم من غل } حقد كان بينهم في الدنيا { تجرى من تحتهم } تحت قصورهم { الأنهر وقالوا } عند الاستقرار في منازلهم { الحمد لله الذى هدانا لهذا } العمل الذي هذا جزاؤه { وما كنا لنهتدى لولآ أن هدنا الله } حذف جواب «لولا» لدلالة ما قبله عليه { لقد جآءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن } مخففة: أي إنه أو مفسرة في المواضع الخمسة { تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون }.
[7.44]
{ ونادى أصحب الجنة أصحب النار } تقريرا أوتبكيتا { أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا } من الثواب { حقا فهل وجدتم ما وعد } كم { ربكم } من العذاب { حقا قالوا نعم فأذن مؤذن } نادى مناد { بينهم } بين الفريقين أسمعهم { أن لعنة الله على الظلمين }.
[7.45]
{ الذين يصدون } الناس { عن سبيل الله } دينه { ويبغونها } أي يطلبون السبيل { عوجا } معوجة { وهم بالأخرة كفرون }.
[7.46]
{ وبينهما } أي أصحاب الجنة والنار { حجاب } حاجز، قيل هو سور الأعراف { وعلى الأعراف } وهو سور الجنة { رجال } استوت حسناتهم وسيئاتهم كما في الحديث { يعرفون كلا } من أهل الجنة والنار { بسيمهم } بعلامتهم وهي بياض الوجوه للمؤمنين وسوادها للكافرين لرؤيتهم لهم، إذ موضعهم عال { ونادوا أصحب الجنة أن سلم عليكم } قال تعالى { لم يدخلوها } أي أصحاب الأعراف الجنة { وهم يطمعون } في دخولها، قال الحسن: لم يطمعهم إلا لكرامة يريدها بهم. وروى الحاكم عن حذيفة قال: (بينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال: قوموا ادخلوا الجنة فقد غفرت لكم).
[7.47]
{ وإذا صرفت أبصرهم } أي أصحاب الأعراف { تلقآء } جهة { أصحب النار قالوا ربنا لا تجعلنا } في النار { مع القوم الظلمين }.
[7.48]
{ ونادى أصحب الأعراف رجالا } من أصحاب النار { يعرفونهم بسيمهم قالوا ما أغنى عنكم } من النار { جمعكم } المال أو كثرتكم { وما كنتم تستكبرون } أي واستكباركم عن الإيمان، ويقولون لهم مشيرين إلى ضعفاء المسلمين:
[7.49]
{ أهؤلآء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة } قد قيل لهم { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } وقرىء «أدخلوا» بالبناء للمفعول، و «دخلوا» فجملة النفي حال أي مقولا لهم ذلك.
[7.50]
{ ونادى أصحب النار أصحب الجنة أن أفيضوا علينا من المآء أو مما رزقكم الله } من الطعام { قالوا إن الله حرمهما } منعهما { على الكفرين }.
[7.51]
{ الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحيوة الدنيا فاليوم ننسهم } نتركهم في النار { كما نسوا لقاء يومهم هذا } بتركهم العمل له { وما كانوا بئايتنا يجحدون } أي وكما جحدوا.
[7.52]
{ ولقد جئنهم } أي أهل مكة { بكتب } قرآن { فصلنه } بيناه بالأخبار والوعد والوعيد { على علم } حال: أي عالمين بما فصل فيه { هدى } حال من (الهاء) { ورحمة لقوم يؤمنون } به.
[7.53]
{ هل ينظرون } ما ينتظرون { إلا تأويله } عاقبة ما فيه { يوم يأتى تأويله } هو يوم القيامة { يقول الذين نسوه من قبل } تركوا الإيمان به: { قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعآء فيشفعوا لنآ أو } هل { نرد } إلى الدنيا { فنعمل غير الذى كنا نعمل } نوحد الله ونترك الشرك؟ فيقال لهم: لا. قال تعالى { قد خسروا أنفسهم } إذ صاروا إلى الهلاك { وضل } ذهب { عنهم ما كانوا يفترون } من دعوى الشريك.
[7.54]
{ إن ربكم الله الذى خلق السموات والأرض في ستة أيام } من أيام الدنيا، أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس، ولو شاء خلقهن في لمحة، والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت { ثم استوى على العرش } هو في اللغة: سرير الملك، استواء يليق به { يغشى اليل النهار } مخففا ومشددا: أي يغطي كلا منهما الآخر { يطلبه } يطلب كل منهما الآخر طلبا { حثيثا } سريعا { والشمس والقمر والنجوم } بالنصب عطفا على (السموات)، والرفع مبتدأ خبره { مسخرت } مذللات { بأمره } بقدرته { ألا له الخلق } جميعا { والأمر } كله { تبارك } تعاظم { الله رب } مالك { العلمين }.
[7.55]
{ ادعوا ربكم تضرعا } حال تذللا { وخفية } سرا { إنه لا يحب المعتدين } في الدعاء بالتشدق ورفع الصوت.
[7.56]
{ ولا تفسدوا فى الأرض } بالشرك والمعاصي { بعد إصلحها } ببعث الرسل { وادعوه خوفا } من عقابه { وطمعا } في رحمته { إن رحمت الله قريب من المحسنين } المطيعين، وتذكير «قريب» المخبر به عن «رحمة» لإضافتها إلى الله.
[7.57]
{ وهو الذى يرسل الريح بشرا بين يدى رحمته } أي متفرقة قدام المطر، وفي قراءة بسكون الشين تخفيفا. وفي أخرى بسكونها وفتح النون مصدرا، وفي أخرى بسكونها وضم الموحدة بدل النون: أي بشرا، ومفرد الأولى: (نشور) (كرسول)، والآخرة (بشير) { حتى إذآ أقلت } حملت الرياح { سحابا ثقالا } بالمطر { سقنه } أي السحاب، وفيه التفات عن الغيبة { لبلد ميت } لا نبات به: أي لإحيائها { فأنزلنا به } بالبلد { المآء فأخرجنا به } بالماء { من كل الثمرت كذلك } الإخراج { نخرج الموتى } من قبورهم بالإحياء { لعلكم تذكرون } فتؤمنون.
[7.58]
{ والبلد الطيب } العذب التراب { يخرج نباته } حسنا { بإذن ربه } هذا مثل للمؤمن يسمع الموعظة فينتفع بها { والذى خبث } ترابه { لا يخرج } نباته { إلا نكدا } عسرا بمشقة، وهذا مثل للكافر { كذلك } كما بينا ما ذكر { نصرف } نبين { الأيت لقوم يشكرون } الله فيؤمنون.
[7.59]
{ لقد } جواب قسم محذوف { أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } بالجر صفة ل(إله)، والرفع بدل من محله { إنى أخاف عليكم } إن عبدتم غيره { عذاب يوم عظيم } هو يوم القيامة.
[7.60]
{ قال الملأ } الأشراف { من قومه إنا لنرك في ضلل مبين } بين.
[7.61]
{ قال يقوم * ليس بى ضللة } هي أعم من (الضلال)، فنفيها أبلغ من نفيه { ولكني رسول من رب العلمين }.
[7.62]
{ أبلغكم } بالتخفيف والتشديد { رسلت ربى وأنصح } أريد الخير { لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون }.
[7.63]
{ أ } كذبتم { عجبتم أن جآءكم ذكر } موعظة { من ربكم على } لسان { رجل منكم لينذركم } العذاب إن لم تؤمنوا { ولتتقوا } الله { ولعلكم ترحمون } بها؟!.
[7.64]
{ فكذبوه فأنجينه والذين معه } من الغرق { فى الفلك } السفينة { وأغرقناالذين كذبوا بئايتنا } بالطوفان { إنهم كانوا قوما عمين } عن الحق.
[7.65]
{ و } أرسلنا { إلى عاد } الأولى { أخاهم هودا قال يقوم اعبدوا الله } وحدوه { ما لكم من إله غيره أفلا تتقون } تخافونه فتؤمنون.
[7.66]
{ قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنرك في سفاهة } جهالة { وإنا لنظنك من الكذبين } في رسالتك.
[7.67]
{ قال يقوم ليس بى سفاهة ولكنى رسول من رب العلمين }.
[7.68]
{ أبلغكم رسلت ربى وأنا لكم ناصح أمين } مأمون على الرسالة.
[7.69]
{ أوعجبتم أن جآءكم ذكر من ربكم على } لسان { رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفآء } في الأرض { من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بصطة } قوة وطولا، وكان طويلهم مائة ذراع وقصيرهم ستين { فاذكروا ءالآء الله } نعمه { لعلكم تفلحون } تفوزون.
[7.70]
{ قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر } نترك { ما كان يعبد ءآباؤنا فأتنا بما تعدنآ } به من العذاب { إن كنت من الصدقين } في قولك.
[7.71]
{ قال قد وقع } وجب { عليكم من ربكم رجس } عذاب { وغضب أتجدلونني فى أسمآء سميتموهآ } أي سميتم بها { أنتم وءابآؤكم } أصناما تعبدونها { ما نزل الله بها } أي بعبادتها { من سلطن } حجة وبرهان { فانتظروا } العذاب { إنى معكم من المنتظرين } ذلكم بتكذيبكم لي فأرسلت عليهم الريح العقيم.
[7.72]
{ فأنجينه } أي هودا { والذين معه } من المؤمنين { برحمة منا وقطعنا دابر } القوم { الذين كذبوا بئايتنا } أي استأصلناهم { وما كانوا مؤمنين } عطف على (كذبوا).
[7.73]
{ و } أرسلنا { أرسلنا إلى ثمود } بترك الصرف مرادا به القبيلة { أخاهم صلحا قال يقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة } معجزة { من ربكم } على صدقي { هذه ناقة الله لكم ءاية } حال عاملها معنى الإشارة، وكانوا سألوه أن يخرجها لهم من صخرة عينوها { فذروها تأكل فى أرض الله ولا تمسوها بسوء } بعقر أو ضرب { فيأخذكم عذاب أليم }.
[7.74]
{ واذكروا إذ جعلكم خلفآء } في الأرض { من بعد عاد وبوأكم } أسكنكم { فى الأرض تتخذون من سهولها قصورا } تسكنونها في الصيف { وتنحتون الجبال بيوتا } تسكنونها في الشتاء، ونصبه على الحال المقدرة { فاذكروا ءالآء * الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين }.
[7.75]
{ قال الملأ الذين استكبروا من قومه } تكبروا عن الإيمان به { للذين استضعفوا لمن ءامن منهم } أي من قومه بدل مما قبله بإعادة الجار { أتعلمون أن صلحا مرسل من ربه } إليكم؟ { قالوا } نعم { إنا بمآ أرسل به مؤمنون }.
[7.76]
{ قال الذين استكبروا إنا بالذى ءامنتم به كفرون }.
[7.77]
وكانت الناقة لها يوم في الماء ولهم يوم، فملوا ذلك { فعقروا الناقة } عقرها قدار بأمرهم بأن قتلها بالسيف { وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يصلح *ائتنا بما تعدنآ } به من العذاب على قتلها { إن كنت من المرسلين }.
[7.78]
{ فأخذتهم الرجفة } الزلزلة الشديدة من الأرض والصيحة من السماء { فأصبحوا في دارهم جثمين } باركين على الركب ميتين.
[7.79]
{ فتولى } أعرض صالح { عنهم وقال يقوم * لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن لا تحبون النصحين }.
[7.80]
{ و } اذكر { لوطا } ويبدل منه { إذ قال لقومه أتأتون الفحشة } أي أدبار الرجال { ما سبقكم بها من أحد من العلمين } الإنس والجن.
[7.81]
{ إنكم } وفي قراءة { أئنكم } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال الألف بينهما على الوجهين { لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون } متجاوزون الحلال إلى الحرام.
[7.82]
{ وما كان جواب قومه إلآ أن قالوا أخرجوهم } أي لوطا وأتباعه { من قريتكم إنهم أناس يتطهرون } من أدبار الرجال.
[7.83]
{ فأنجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغبرين } الباقين في العذاب.
[7.84]
{ وأمطرنا عليهم مطرا } هو حجارة السجيل فأهلكتهم { فانظر كيف كان عقبة المجرمين }.
[7.85]
{ و } أرسلنا { إلى مدين أخاهم شعيبا قال يقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جآءتكم بينة } معجزة { من ربكم } على صدقي { فأوفوا } أتموا { الكيل والميزان ولا تبخسوا } تنقصوا { الناس أشياءهم ولا تفسدوا فى الأرض } بالكفر والمعاصي { بعد إصلحها } ببعث الرسل { ذلكم } المذكور { خير لكم إن كنتم مؤمنين } مريدي الإيمان فبادروا إليه.
[7.86]
{ ولا تقعدوا بكل صرط } طريق { توعدون } تخوفون الناس بأخذ ثيابهم أو المكس منهم { وتصدون } تصرفون { عن سبيل الله } دينه { من ءامن به } بتوعدكم إياه بالقتل { وتبغونها } تطلبون الطريق { عوجا } معوجة { واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عقبة المفسدين } قبلكم بتكذيبهم رسلهم: أي آخر أمرهم من الهلاك.
[7.87]
{ وإن كان طآئفة منكم ءامنوا بالذى أرسلت به وطآئفة لم يؤمنوا } به { فاصبروا } انتظروا { حتى يحكم الله بيننا } وبينكم بإنجاء المحق وإهلاك المبطل { وهو خير الحكمين } أعدلهم.
[7.88]
{ قال الملأ الذين استكبروا من قومه } عن الإيمان { لنخرجنك يشعيب والذين ءامنوا معك من قريتنآ أو لتعودن } ترجعن { فى ملتنا } ديننا وغلبوا في الخطاب الجمع على الواحد لأن شعيبا لم يكن في ملتهم قط، وعلى نحوه أجاب { قال أ } نعود فيها { ولو كنا كرهين } لها؟ استفهام إنكار.
[7.89]
{ قد افترينا على الله كذبا إن عدنا فى ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون } ينبغي { لنا أن نعود فيها إلآ أن يشاء الله ربنا } ذلك فيخذلنا { وسع ربنا كل شيء علما } أي وسع علمه كل شيء، ومنه حالي وحالكم { على الله توكلنا ربنا افتح } احكم { بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفتحين } الحاكمين.
[7.90]
{ وقال الملأ الذين كفروا من قومه } أي قال بعضهم لبعض { لئن } لام قسم { اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخسرون }.
[7.91]
{ فأخذتهم الرجفة } الزلزلة الشديدة { فأصبحوا في دارهم جثمين } باركين على الركب ميتين.
[7.92]
{ الذين كذبوا شعيبا } مبتدأ خبره { كأن } مخففة واسمها محذوف: أي كأنهم { لم يغنوا } يقيموا { فيها } في ديارهم.
{ الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخسرين } التأكيد بإعادة الموصول وغيره للرد عليهم في قولهم السابق.
[7.93]
{ فتولى } أعرض { عنهم وقال يقوم لقد أبلغتكم رسلت ربى ونصحت لكم } فلم تؤمنوا { فكيف ءاسى } أحزن { على قوم كفرين }؟ استفهام بمعنى النفي.
[7.94]
{ وما أرسلنا فى قرية من نبى } فكذبوه { إلآ أخذنآ } عاقبنا { أهلها بالبأسآء } شدة الفقر { والضرآء } المرض { لعلهم يضرعون } يتذللون فيؤمنون.
[7.95]
{ ثم بدلنا } أعطيناهم { مكان السيئة } العذاب { الحسنة } الغنى والصحة { حتى عفوا } كثروا { وقالوا } كفرا للنعمة { قد مس ءاباءنا الضرآء والسرآء } كما مسنا وهذه عادة الدهر وليست بعقوبة من الله فكونوا على ما أنتم عليه. قال تعالى { فأخذنهم } بالعذاب { بغتة } فجأة { وهم لا يشعرون } بوقت مجيئه قبله.
[7.96]
{ ولو أن أهل القرى } المكذبين { ءامنوا } بالله ورسلهم { واتقوا } الكفر والمعاصي { لفتحنا } بالتخفيف والتشديد { عليهم بركت من السمآء } بالمطر { والأرض } بالنبات { ولكن كذبوا } الرسل { فأخذنهم } عاقبناهم { بما كانوا يكسبون }.
[7.97]
{ أفأمن أهل القرى } المكذبون { أن يأتيهم بأسنا } عذابنا { بيتا } ليلا { وهم نآئمون } غافلون عنه.
[7.98]
{ أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى } نهارا { وهم يلعبون }.
[7.99]
{ أفأمنوا مكر الله } استدراجه إياهم بالنعمة وأخذهم بغتة { فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخسرون }.
[7.100]
{ أولم يهد } يتبين { للذين يرثون الأرض } بالسكنى { من بعد } هلاك { أهلهآ أن } فاعل مخففة، واسمها محذوف: أي إنه { لو نشآء أصبنهم } بالعذاب { بذنوبهم } كما أصبنا من قبلهم. والهمزة في المواضع الأربعة للتوبيخ، والفاء والواو الداخلة عليهما للعطف، وفي قراءة بسكون الواو في الموضع الأول عطفا «بأو» { و } نحن { نطبع } نختم { على قلوبهم فهم لا يسمعون } الموعظة سماع تدبر.
[7.101]
{ تلك القرى } التي مر ذكرها { نقص عليك } يا محمد { من أنبآئها } أخبار أهلها { ولقد جآءتهم رسلهم بالبينت } المعجزات الظاهرات { فما كانوا ليؤمنوا } عند مجيئهم { بما كذبوا } كفروا به { من قبل } مجيئهم بل استمروا على الكفر { كذلك } الطبع { يطبع الله على قلوب الكفرين }.
[7.102]
{ وما وجدنا لأكثرهم } أي الناس { من عهد } أي وفاء بعهدهم يوم أخذ الميثاق { وإن } مخففة { وجدنآ أكثرهم لفسقين }.
[7.103]
{ ثم بعثنا من بعدهم } أي الرسل المذكورين { موسى بئايتنآ } التسع { إلى فرعون وملإيه } قومه { فظلموا } كفروا { بها فانظر كيف كان عقبة المفسدين } بالكفر من إهلاكهم.
[7.104]
{ وقال موسى يفرعون إنى رسول من رب العلمين } إليك فكذبه.
[7.105]
{ حقيق } جدير { على أن } أي بأن { لآ أقول على الله إلا الحق } وفي قراءة بتشديد الياء، ف «حقيق» مبتدأ وخبره «أن» وما بعدها { قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معى } إلى الشام { بنى إسرءيل } وكان استعبدهم.
[7.106]
{ قال } فرعون له { إن كنت جئت بئاية } على دعواك { فأت بهآ إن كنت من الصدقين } فيها.
[7.107]
{ فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين } حية عظيمة.
[7.108]
{ ونزع يده } أخرجها من جيبه { فإذا هى بيضآء } ذات شعاع { للنظرين } خلاف ما كانت عليه من الأدمة.
[7.109]
{ قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لسحر عليم } فائق في علم السحر. وفي (الشعراء) [34:26] أنه من قول فرعون نفسه، فكأنهم قالوه معه على سبيل التشاور.
[7.110]
{ يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون }.
[7.111]
{ قالوا أرجه وأخاه } أخر أمرهما { وأرسل فى المدآئن حشرين } جامعين.
[7.112]
{ يأتوك بكل سحر } وفي قراءة (سحار) { عليم } يفضل موسى في علم السحر فجمعوا.
[7.113]
{ وجآء السحرة فرعون قالوا إن } وفي قراءة أئن بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين { لنا لأجرا إن كنا نحن الغلبين }؟
[7.114]
{ قال نعم وإنكم لمن المقربين }.
[7.115]
{ قالوا يموسى إمآ أن تلقى } عصاك { وإمآ أن نكون نحن الملقين } ما معنا.
[7.116]
{ قال ألقوا } أمر للإذن بتقديم إلقائهم توصلا به إلى إظهار الحق { فلمآ ألقوا } حبالهم وعصيهم { سحروا أعين الناس } صرفوها عن حقيقة إدراكها { واسترهبوهم } خوفوهم حيث خيلوها حيات تسعى { وجآءو بسحر عظيم }.
[7.117]
{ وأوحينآ إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هى تلقف } بحذف إحدى التاءين في الأصل: تبتلع { ما يأفكون } يقلبون بتمويههم.
[7.118]
{ فوقع الحق } ثبت وظهر { وبطل ما كانوا يعملون } من السحر.
[7.119]
{ فغلبوا } أي فرعون وقومه { هنالك وانقلبوا صغرين } صاروا ذليلين.
[7.120]
{ وألقى السحرة سجدين }.
[7.121]
{ قالوا ءامنا برب العلمين }.
[7.122]
{ رب موسى وهرون } لعلمهم بأن ما شاهدوه من العصا لا يتأتى بالسحر.
[7.123]
{ قال فرعون ءامنتم } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا { به } بموسى { قبل أن ءاذن } أنا { لكم إن هذا } الذي صنعتموه { لمكر مكرتموه فى المدينة لتخرجوا منهآ أهلها فسوف تعلمون } ما ينالكم مني.
[7.124]
{ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف } أي يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى { ثم لاصلبنكم أجمعين }.
[7.125]
{ قالوا إنآ إلى ربنا } بعد موتنا بأي وجه كان { منقلبون } راجعون في الآخرة.
[7.126]
{ وما تنقم } تنكر { منآ إلآ أن ءامنا بئايت ربنا لما جآءتنا ربنآ أفرغ علينا صبرا } عند فعل ما توعدنا به لئلا نرجع كفارا { وتوفنا مسلمين }.
[7.127]
{ وقال الملأ من قوم فرعون } له { أتذر } تترك { موسى وقومه ليفسدوا فى الأرض } بالدعاء إلى مخالفتك { ويذرك وءالهتك } وكان صنع لهم أصناما صغارا يعبدونها وقال: أنا ربكم وربها، ولذا قال:
أنا ربكم الأعلى
[23:79] { قال سنقتل } بالتشديد والتخفيف { أبنآءهم } المولودين { ونستحيى } نستبقي { نسآءهم } كفعلنا بهم من قبل { وإنا فوقهم قهرون } قادرون ففعلوا بهم ذلك فشكا بنو إسرائيل.
[7.128]
{ قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا } على أذاهم { إن الأرض لله يورثها } يعطيها { من يشآء من عباده والعقبة } المحمودة { للمتقين } لله.
[7.129]
{ قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون } فيها.
[7.130]
{ ولقد أخذنآ ءال فرعون بالسنين } بالقحط { ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون } يتعظون فيؤمنون.
[7.131]
{ فإذا جآءتهم الحسنة } الخصب والغنى { قالوا لنا هذه } أي نستحقها، ولم يشكروا عليها { وإن تصبهم سيئة } جدب وبلاء { يطيروا } يتشاءموا { بموسى ومن معه } من المؤمنين { ألآ إنما طئرهم } شؤمهم { عند الله } يأتيهم به { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن ما يصيبهم من عنده.
[7.132]
{ وقالوا } لموسى { مهما تأتنا به من ءاية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين } فدعا عليهم.
[7.133]
{ فأرسلنا عليهم الطوفان } وهو ماء دخل بيوتهم ووصل إلى حلوق الجالسين سبعة أيام { والجراد } فأكل زرعهم وثمارهم كذلك { والقمل } السوس أو هو نوع من القراد فتتبع ما تركه الجراد { والضفادع } فملأت بيوتهم وطعامهم { والدم } في مياههم { ءايت مفصلات } مبينات { فاستكبروا } عن الإيمان بها { وكانوا قوما مجرمين }.
[7.134]
{ ولما وقع عليهم الرجز } العذاب { قالوا يموسى ادع لنا ربك بما عهد عندك } من كشف العذاب عنا إن آمنا { لئن } لام قسم { كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرءيل }.
[7.135]
{ فلما كشفنا } بدعاء موسى { عنهم الرجز إلى أجل هم بلغوه إذا هم ينكثون } ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم.
[7.136]
{ فانتقمنا منهم فأغرقنهم في اليم } البحر المالح { بأنهم } بسبب أنهم { كذبوا بئايتنا وكانوا عنها غفلين } لا يتدبرونها.
[7.137]
{ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون } بالاستعباد، وهم بنو إسرائيل { مشرق الأرض ومغربها التى بركنا فيها } بالماء والشجر صفة للأرض وهي الشام { وتمت كلمت ربك الحسنى } وهي قوله:
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض
[5:28] الخ { على بنى إسرءيل بما صبروا } على أذى عدوهم { ودمرنا } أهلكنا { ما كان يصنع فرعون وقومه } من العمارة { وما كانوا يعرشون } بكسر الراء وضمها، يرفعون من البنيان.
[7.138]
{ وجوزنا } عبرنا { ببنى إسرءيل البحر فأتوا } فمروا { على قوم يعكفون } بضم الكاف وكسرها { على أصنام لهم } يقيمون على عبادتها { قالوا يموسى اجعل لنآ إلها } صنما نعبده { كما لهم ءالهة قال إنكم قوم تجهلون } حيث قابلتم نعمة الله عليكم بما قلتموه.
[7.139]
{ إن هؤلآء متبر } هالك { ما هم فيه وبطل ما كانوا يعملون }.
[7.140]
{ قال أغير الله أبغيكم إلها } معبودا، وأصله (أبغي لكم) { وهو فضلكم على العلمين } في زمانكم بما ذكره في قوله.
[7.141]
{ و } اذكروا { إذ أنجينكم } وفي قراءة «أنجاكم» { من ءال فرعون يسومونكم } يكلفونكم ويذيقونكم { سوء العذاب } أشده وهو { يقتلون أبنآءكم ويستحيون } يستبقون { نسآءكم وفى ذلكم } الإنجاء أوالعذاب { بلآء } إنعام أو ابتلاء { من ربكم عظيم } أفلا تتعظون فتنتهوا عما قلتم؟.
[7.142]
{ ووعدنا } بألف ودونها { موسى ثلثين ليلة } نكلمه عند انتهائها بأن يصومها، وهي (ذو القعدة) فصامها، فلما تمت أنكر خلوف فمه فاستاك، فأمره الله بعشرة أخرى ليكلمه بخلوف فمه كما قال تعالى: { وأتممنها بعشر } من ذي الحجة { فتم ميقت ربه } وقت وعده بكلامه إياه { أربعين } حال { ليلة } تمييز { وقال موسى لأخيه هرون } عند ذهابه إلى الجبل للمناجاة { اخلفنى } كن خليفتي { فى قومى وأصلح } أمرهم { ولا تتبع سبيل المفسدين } بموافقتهم على المعاصي.
[7.143]
{ ولما جآء موسى لميقتنا } أي للوقت الذي وعدناه للكلام فيه { وكلمه ربه } بلا واسطة كلاما سمعه من كل جهة { قال رب أرنى } نفسك { أنظر إليك قال لن ترنى } أي لا تقدر على رؤيتي، والتعبير به دون «لن أرى» يفيد إمكان رؤيته تعالى { ولكن انظر إلى الجبل } الذي هو أقوى منك { فإن استقر } ثبت { مكانه فسوف ترنى } أي تثبت لرؤيتي، وإلا فلا طاقة لك { فلما تجلى ربه } أي ظهر من نوره قدر نصف أنملة الخنصر كما في حديث صححه الحاكم { للجبل جعله دكا } بالقصر والمد، أي مدكوكا مستويا بالأرض { وخر موسى صعقا } مغشيا عليه لهول ما رأى { فلمآ أفاق قال سبحنك } تنزيها لك { تبت إليك } من سؤال ما لم أومر به { وأنا أول المؤمنين } في زماني.
[7.144]
{ قال } تعالى له { يموسى إنى اصطفيتك } اخترتك { على الناس } أهل زمانك { برسلتي } بالجمع والإفراد { وبكلمي } أي تكليمي إياك { فخذ مآ ءاتيتك } من الفضل { وكن من الشكرين } لأنعمي.
[7.145]
{ وكتبنا له فى الألواح } أي ألواح التوراة، وكانت من سدر الجنة أو زبرجد أو زمرد سبعة أو عشرة { من كل شىء } يحتاج إليه في الدين { موعظة وتفصيلا } تبيينا { لكل شىء } بدل من الجار والمجرور قبله { فخذها } قبله: «قلنا» مقدرا { بقوة } بجد واجتهاد { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفسقين } فرعون وأتباعه وهي مصر لتعتبروا بهم.
[7.146]
{ سأصرف عن ءايتي } دلائل قدرتي من المصنوعات وغيرها { الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } بأن أخذلهم فلا يتفكرون فيها { وإن يروا كل ءاية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل } طريق { الرشد } الهدى الذي جاء من عند الله { لا يتخذوه سبيلا } يسلكوه { وإن يروا سبيل الغى } الضلال { يتخذوه سبيلا ذلك } الصرف { بأنهم كذبوا بئايتنا وكانوا عنها غفلين } تقدم مثله.
[7.147]
{ والذين كذبوا بئايتنا ولقآء الأخرة } البعث وغيره { حبطت } بطلت { أعملهم } ما عملوه في الدنيا من خير، كصلة رحم وصدقة فلا ثواب لهم لعدم شرطه { هل } ما { يجزون إلا } جزاء { ما كانوا يعملون } من التكذيب والمعاصي.
[7.148]
{ واتخذ قوم موسى من بعده } أي بعد ذهابه إلى المناجاة { من حليهم } الذي استعاروه من قوم فرعون بعلة عرس فبقي عندهم { عجلا } صاغه لهم منه السامري { جسدا } بدل لحما ودما { له خوار } أي صوت يسمع، انقلب كذلك بوضع التراب الذي أخذه من حافر فرس جبريل في فمه فإن أثره الحياة فيما يوضع فيه، ومفعول (اتخذ) الثاني محذوف: أي إلها { ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا } فكيف يتخذ إلها { اتخذوه } إلها؟ { وكانوا ظلمين } باتخاذه.
[7.149]
{ ولما سقط فى أيديهم } أي ندموا على عبادته { ورأوا } أي: علموا { أنهم قد ضلوا } بها وذلك بعد رجوع موسى { قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا } بالياء والتاء فيهما { لنكونن من الخسرين }.
[7.150]
{ ولما رجع موسى إلى قومه غضبن } من جهتهم { أسفا } شديد الحزن { قال } لهم { بئسما } أي بئس خلافة { خلفتمونى } ها { من بعدى } خلافتكم هذه حيث أشركتم { أعجلتم أمر ربكم وألقى الالواح } ألواح التوراة غضبا لربه فتكسرت { وأخذ برأس أخيه } أي بشعره بيمينه، ولحيته بشماله { يجره إليه } غضبا { قال } يا { ابن أم } بكسر الميم وفتحها، أراد: أمي، وذكرها أعطف لقلبه { إن القوم استضعفونى وكادوا } قاربوا { يقتلوننى فلا تشمت } تفرح { بى الأعدآء } بإهانتك إياي { ولا تجعلنى مع القوم الظلمين } بعبادة العجل في المؤاخذة.
[7.151]
{ قال رب اغفر لى } ما صنعت بأخي { ولأخى } أشركه في الدعاء إرضاء له ودفعا للشماتة به { وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الرحمين }.
[7.152]
قال تعالى: { إن الذين اتخذوا العجل } إلها { سينالهم غضب } عذاب { من ربهم وذلة فى الحيوة الدنيا } فعذبوا بالأمر بقتل أنفسهم وضربت عليهم الذلة إلى يوم القيامة { وكذلك } كما جزيناهم { نجزى المفترين } على الله بالإشراك وغيره.
[7.153]
{ والذين عملوا السيئات ثم تابوا } رجعوا عنها { من بعدها وءامنوا } بالله { إن ربك من بعدها } أي التوبة { لغفور } لهم { رحيم } بهم.
[7.154]
{ ولما سكت } سكن { عن موسى الغضب أخذ الألواح } التي ألقاها { وفى نسختها } أي ما نسخ فيها، أي كتب { هدى } من الضلالة { ورحمة للذين هم لربهم يرهبون } يخافون، وأدخل اللام على المفعول لتقدمه.
[7.155]
{ واختار موسى قومه } أي من قومه { سبعين رجلا } ممن لم يعبد العجل بأمره تعالى { لميقتنا } أي للوقت الذي وعدناه بإتيانهم منه ليعتذروا من عبادة أصحابهم العجل فخرج بهم { فلمآ أخذتهم الرجفة } الزلزلة الشديدة، قال ابن عباس: لأنهم لم يزايلوا قومهم حين عبدوا العجل، قال: وهم غير الذين سألوا الرؤية وأخذتهم الصاعقة { قال } موسى { رب لو شئت أهلكتهم من قبل } أي قبل خروجي بهم ليعاين بنو إسرائيل ذلك ولا يتهموني { وإيى أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } استفهام استعطاف، أي لا تعذبنا بذنب غيرنا { إن } ما { هى } أي الفتنة التي وقع فيها السفهآء { إلا فتنتك } ابتلاؤك { تضل بها من تشآء } إضلاله { وتهدى من تشآء } هدايته { أنت ولينا } متولي أمورنا { فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغفرين }.
[7.156]
{ واكتب } أوجب { لنا فى هذه الدنيا حسنة وفي الأخرة } حسنة { إنا هدنآ } تبنا { إليك قال } تعالى: { عذابى أصيب به من أشآء } تعذيبه { ورحمتى وسعت } عمت { كل شىء } في الدنيا { فسأكتبها } في الآخرة { للذين يتقون ويؤتون الزكوة والذين هم بئايتنا يؤمنون }.
[7.157]
{ الذين يتبعون الرسول النبى الأمى } محمدا صلى الله عليه وسلم { الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التورة والإنجيل } باسمه وصفته { يأمرهم بالمعروف وينههم عن المنكر ويحل لهم الطيبت } مما حرم في شرعهم { ويحرم عليهم الخبئث } من الميتة ونحوها { ويضع عنهم إصرهم } ثقلهم { والأغلل } الشدائد { التى كانت عليهم } كقتل النفس في التوبة، وقطع أثر النجاسة { فالذين ءامنوا به } منهم { وعزروه } ووقروه { ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه } أي القرآن { أولئك هم المفلحون }.
[7.158]
{ قل } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم { يأيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا الذى له ملك السموت والارض لآ إله إلا هو يحى ويميت فئامنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلمته } القرآن { واتبعوه لعلكم تهتدون } ترشدون.
[7.159]
{ ومن قوم موسى أمة } جماعة { يهدون } الناس { بالحق وبه يعدلون } في الحكم.
[7.160]
{ وقطعنهم } فرقنا بني إسرائيل { اثنتى عشرة } حال { أسباطا } بدل منه، أي قبائل { أمما } بدل مما قبله { وأوحينآ إلى موسى إذ استسقه قومه } في التيه { أن اضرب بعصاك الحجر } فضربه { فانبجست } انفجرت { منه اثنتا عشرة عينا } بعدد الأسباط { قد علم كل أناس } سبط منهم { مشربهم وظللنا عليهم الغمم } في التيه من حر الشمس { وأنزلنا عليهم المن والسلوى } هما الترنجبين والطير السماني بتخفيف الميم والقصر وقلنا لهم { كلوا من طيبت ما رزقنكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }.
[7.161]
{ و } اذكر { إذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية } بيت المقدس { وكلوا منها حيث شئتم وقولوا } أمرنا { حطة وادخلوا الباب } أي باب القرية { سجدا } سجود انحناء { نغفر } بالنون، والتاء مبنيا للمفعول { لكم خطيئتكم سنزيد المحسنين } بالطاعة ثوابا.
[7.162]
{ فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذى قيل لهم } فقالوا: (حبة في شعرة) ودخلوا يزحفون على أستاههم { فأرسلنا عليهم رجزا } عذابا { من السمآء بما كانوا يظلمون }.
[7.163]
{ واسئلهم } يا محمد توبيخا { عن القرية التى كانت حاضرة البحر } مجاورة بحر القلزم وهي (أيلة)، ما وقع بأهلها؟ { إذ يعدون } يعتدون { فى السبت } بصيد السمك المأمورين بتركه فيه { إذ } ظرف ل(يعدون) { تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا } ظاهرة على الماء { ويوم لا يسبتون } لا يعظمون السبت: أي سائر الأيام { لا تأتيهم } ابتلاء من الله { كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } ولما صادوا السمك افترقت القرية أثلاثا: ثلث صادوا معهم، وثلث نهوهم، وثلث أمسكوا عن الصيد والنهي.
[7.164]
{ وإذ } عطف على «إذ» قبله { قالت أمة منهم } لم تصد ولم تنه: لمن نهى { لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا } موعظتنا { معذرة } نعتذر بها { إلى ربكم } لئلا ننسب إلى تقصير في ترك النهي { ولعلهم يتقون } الصيد.
[7.165]
{ فلما نسوا } تركوا { ما ذكروا } وعظوا { به } فلم يرجعوا { أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا } بالاعتداء { بعذاب بئيس } شديد { بما كانوا يفسقون }.
[7.166]
{ فلما عتوا } تكبروا { عن } ترك { ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خسئين } صاغرين فكانوها، وهذا تفصيل لما قبله. قال ابن عباس: ما أدري ما فعل بالفرقة الساكنة؟ وقال عكرمة: لم تهلك لأنها كرهت ما فعلوه وقالت: (لم تعظون)؟ الخ. وروى الحاكم عن ابن عباس: أنه رجع إليه وأعجبه.
[7.167]
{ وإذ تأذن } أعلم { ربك ليبعثن عليهم } أي اليهود { إلى يوم القيمة من يسومهم سوء العذاب } بالذل وأخذ الجزية فبعث عليهم سليمان وبعده بختنصر فقتلهم وسباهم وضرب عليهم الجزية فكانوا يؤدونها إلى المجوس إلى أن بعث نبينا صلى الله عليه وسلم فضربها عليهم { إن ربك لسريع العقاب } لمن عصاه { وإنه لغفور } لأهل طاعته { رحيم } بهم.
[7.168]
{ وقطعنهم } فرقناهم { في الأرض أمما } فرقا { منهم الصلحون ومنهم } ناس { دون ذلك } الكفار والفاسقون { وبلونهم بالحسنت } بالنعم { والسيئات } النقم { لعلهم يرجعون } عن فسقهم.
[7.169]
{ فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتب } التوراة عن آبائهم { يأخذون عرض هذا الأدنى } أي حطام هذا الشيء الدنيء أي الدنيا من حلال وحرام { ويقولون سيغفر لنا } ما فعلناه { وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه } الجملة حال، أي يرجون المغفرة وهم عائدون إلى ما فعلوه مصرون عليه، وليس في التوراة وعد المغفرة مع الإصرار { ألم يؤخذ } استفهام تقرير { عليهم ميثق الكتب } الإضافة بمعنى في { أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا } عطف على «يؤخذ» قرؤوا { ما فيه } فلم كذبوا عليه بنسبة المغفرة إليه مع الإصرار؟ { والدار الأخرة خير للذين يتقون } الحرام { أفلا تعقلون } بالياء والتاء. أنها خير فيؤثرونها على الدنيا؟
[7.170]
{ والذين يمسكون } بالتشديد والتخفيف { بالكتب } منهم { وأقاموا الصلوة } كعبد الله بن سلام وأصحابه { إنا لا نضيع أجر المصلحين } الجملة خبر (الذين). وفيه وضع الظاهر موضع المضمر أي (أجرهم).
[7.171]
{ و } اذكر { إذ نتقنا الجبل } رفعناه من أصله { فوقهم كأنه ظلة وظنوا } أيقنوا { أنه واقع بهم } ساقط عليهم بوعد الله إياهم بوقوعه إن لم يقبلوا أحكام التوراة وكانوا أبوها لثقلها فقبلوا وقلنا لهم { خذوا مآ ءاتينكم بقوة } بجد واجتهاد { واذكروا ما فيه } بالعمل به { لعلكم تتقون }.
[7.172]
{ و } اذكر { إذ } حين { أخذ ربك من بنى ءادم من ظهورهم } بدل اشتمال مما قبله بإعادة الجار { ذريتهم } بأن أخرج بعضهم من صلب بعض من صلب آدم، نسلا بعد نسل، كنحو ما يتوالدون كالذر بنعمان يوم عرفة ونصب لهم دلائل على ربوبيته وركب فيهم عقلا { وأشهدهم على أنفسهم } قال { ألست بربكم قالوا بلى } أنت ربنا { شهدنا } بذلك والإشهاد ل { أن } لا { يقولوا } بالياء والتاء في الموضعين، أي الكفار { يوم القيمة إنا كنا عن هذا } التوحيد { غفلين } لا نعرفه.
[7.173]
{ أو يقولوا إنما أشرك ءاباؤنا من قبل } أي قبلنا { وكنا ذرية من بعدهم } فاقتدينا بهم { أفتهلكنا } تعذبنا { بما فعل المبطلون } من آبائنا بتأسيس الشرك؟ المعنى لا يمكنهم الاحتجاج بذلك مع إشهادهم على أنفسهم بالتوحيد. والتذكير به على لسان صاحب المعجزة قائم مقام ذكره في النفوس.
[7.174]
{ وكذلك نفصل الأيت } نبينها مثل ما بينا الميثاق ليتدبروها { ولعلهم يرجعون } عن كفرهم.
[7.175]
{ واتل } يا محمد { عليهم } أي اليهود { نبأ } خبر { الذى ءاتينه ءايتنا فانسلخ منها } خرج بكفره كما تخرج الحية من جلدها وهو بلعم بن باعوراء من علماء بني إسرائيل، سئل أن يدعو على موسى وأهدي إليه شيء، فدعا فانقلب عليه واندلع لسانه على صدره { فأتبعه الشيطن } فأدركه فصار قرينه { فكان من الغاوين }.
[7.176]
{ ولو شئنا لرفعنه } إلى منازل العلماء { بها } بأن نوفقه للعمل { ولكنه أخلد } سكن { إلى الأرض } أي الدنيا ومال إليها { واتبع هواه } في دعائه إليها فوضعناه { فمثله } صفته { كمثل الكلب إن تحمل عليه } بالطرد والزجر { يلهث } يدلع لسانه { أو } إن { تتركه يلهث } وليس غيره من الحيوان كذلك، وجملتا الشرط حال: أي لاهثا ذليلا بكل حال، والقصد التشبيه في الوضع والخسة، بقرينة (الفاء) المشعرة بترتيب ما بعدها على ما قبلها من الميل إلى الدنيا واتباع الهوى، وبقرينة قوله { ذلك } المثل { مثل القوم الذين كذبوا بئايتنا فاقصص القصص } على اليهود { لعلهم يتفكرون } يتدبرون فيها فيؤمنون.
[7.177]
{ سآء } بئس { مثلا القوم } أي مثل القوم { الذين كذبوا بئايتنا وأنفسهم كانوا يظلمون } بالتكذيب.
[7.178]
{ من يهد الله فهو المهتدى ومن يضلل فأولئك هم الخسرون }.
[7.179]
{ ولقد ذرأنا } خلقنا { لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها } الحق { ولهم ءاذان لا يسمعون بهآ } دلائل قدرة الله بصر اعتبار { ولهم أعين لا يبصرون بها } الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ { أولئك كالأنعم } في عدم الفقه والبصر والاستماع { بل هم أضل } من الأنعام لأنها تطلب منافعها وتهرب من مضارها وهؤلاء يقدمون على النار معاندة { أولئك هم الغفلون }.
[7.180]
{ ولله الأسمآء الحسنى } التسعة والتسعون الوارد بها الحديث، و(الحسنى) مؤنث (الأحسن) { فادعوه } سموه { بها وذروا } اتركوا { الذين يلحدون } من «ألحد ولحد»، يميلون عن الحق { فى أسمئه } حيث اشتقوا منها أسماء لآلهتهم: كاللات من (الله)، والعزى من (العزيز)، ومناة من (المنان) { سيجزون } في الآخرة جزاء { ما كانوا يعملون } وهذا قبل الأمر بالقتال.
[7.181]
{ وممن خلقنآ أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في حديث.
[7.182]
{ والذين كذبوا بئايتنا } القرآن من أهل مكة { سنستدرجهم } نأخذهم قليلا قليلا { من حيث لا يعلمون }.
[7.183]
{ وأملى لهم } أمهلهم { إن كيدى متين } شديد لا يطاق.
[7.184]
{ أولم يتفكروا } فيعلموا { ما بصاحبهم } محمد صلى الله عليه وسلم { من جنة } جنون { إن } ما { هو إلا نذير مبين } بين الإنذار؟
[7.185]
{ أولم ينظروا فى ملكوت } ملك { السموات والأرض و } في { ما خلق الله من شىء } بيان ل «ما» فيستدلوا به على قدرة صانعه ووحدانيته؟ { و } في { أن } أي إنه { عسى أن يكون قد اقترب } قرب { أجلهم } فيموتوا كفارا فيصيروا إلى النار فيبادروا إلى الإيمان { فبأي حديث بعده } أي القرآن { يؤمنون }؟
[7.186]
{ من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم } بالياء والنون مع الرفع استئنافا، والجزم عطفا على محل ما بعد الفاء { في طغينهم يعمهون } يترددون تحيرا.
[7.187]
{ يسألونك } أي أهل مكة { عن الساعة } القيامة { أيان } متى { مرسها قل } لهم { إنما علمها } متى تكون { عند ربي لا يجليها } يظهرها { لوقتهآ } اللام بمعنى (في) { إلا هو ثقلت } عظمت { في السموات والأرض } على أهلهما لهولها { لا تأتيكم إلا بغتة } فجأة { يسئلونك كأنك حفي } مبالغ في السؤال { عنها } حتى علمتها { قل إنما علمها عند الله } تأكيد { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أن علمها عنده تعالى.
[7.188]
{ قل لآ أملك لنفسى نفعا } أجلبه { ولا ضرا } أدفعه { إلا ما شآء الله ولو كنت أعلم الغيب } ما غاب عني { لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء } من فقر وغيره لاحترازي عنه باجتناب المضار { إن } ما { أنا إلا نذير } بالنار للكافرين { وبشير } بالجنة { لقوم يؤمنون }.
[7.189]
{ هو } أي الله { الذى خلقكم من نفس وحدة } أي آدم { وجعل } خلق { منها زوجها } حواء { ليسكن إليها } ويألفها { فلما تغشاها } جامعها { حملت حملا خفيفا } هو النطفة { فمرت به } ذهبت وجاءت لخفته { فلمآ أثقلت } كبر الولد في بطنها وأشفقا أن يكون الولد بهيمة { دعوا الله ربهما لئن ءاتيتنا } ولدا { صلحا } سويا { لنكونن من الشكرين } لك عليه.
[7.190]
{ فلمآ ءاتهما } ولدا { صلحا جعلا له شركآء } وفي قراءة بكسر الشين والتنوين: أي شريكا { فيمآ ءاتهما } بتسميته عبد الحارث ولا ينبغي أن يكون عبدا إلا الله، وليس بإشراك في العبودية لعصمة آدم. وروى سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه عبد الحارث فإنه يعيش، فسمته فعاش، فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره "
رواه الحاكم وقال: صحيح، والترمذي وقال: حسن غريب { فتعلى الله عما يشركون } أي أهل مكة به من الأصنام، والجملة مسببة عطف على «خلقكم» وما بينهما اعتراض.
[7.191]
{ أيشركون } به في العبادة { ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون }.
[7.192]
{ ولا يستطيعون لهم } أي لعابديهم { نصرا ولآ أنفسهم ينصرون } بمنعها ممن أراد بهم سوءا من كسر أو غيره، والاستفهام للتوبيخ.
[7.193]
{ وإن تدعوهم } أي الأصنام { إلى الهدى لا يتبعوكم } بالتخفيف والتشديد { سواء عليكم أدعوتموهم } إليه { أم أنتم صمتون } عن دعائهم لا يتبعون لعدم سماعهم.
[7.194]
{ إن الذين تدعون } تعبدون { من دون الله عباد } مملوكة { أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم } دعاءكم { إن كنتم صدقين } في أنها آلهة، ثم بين غاية عجزهم وفضل عابديهم عليهم فقال:
[7.195]
{ ألهم أرجل يمشون بهآ أم } بل أ { لهم أيد } جمع (يد) { يبطشون بهآ أم } بل أ { لهم أعين يبصرون بهآ أم } بل أ { لهم ءاذان يسمعون }؟ استفهام إنكاري: أي ليس لهم شيء من ذلك مما هو لكم، فكيف تعبدونهم وأنتم أتم حالا منهم؟ { قل } لهم يا محمد { ادعوا شركآءكم } إلى هلاكي { ثم كيدون فلا تنظرون } تمهلون فإني لا أبالي بكم.
[7.196]
{ إن وليى الله } متولي أموري { الذى نزل الكتب } القرآن { وهو يتولى الصلحين } بحفظه.
[7.197]
{ والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولآ أنفسهم ينصرون } فكيف أبالي بهم؟.
[7.198]
{ وإن تدعوهم } أي الأصنام { إلى الهدى لا يسمعوا وترهم } أي الأصنام يا محمد { ينظرون إليك } أي يقابلونك كالناظر { وهم لا يبصرون }.
[7.199]
{ خذ العفو } اليسر من أخلاق الناس ولا تبحث عنها { وأمر بالعرف } المعروف { وأعرض عن الجهلين } فلا تقابلهم بسفههم.
[7.200]
{ وإما } فيه إدغام نون «إن» الشرطية في «ما» المزيدة { ينزغنك من الشيطن نزغ } أي إن يصرفك عما أمرت به صارف { فاستعذ بالله } جواب الشرط، وجواب الأمر محذوف: أي يدفعه عنك { إنه سميع } للقول { عليم } بالفعل.
[7.201]
{ إن الذين اتقوا إذا مسهم } أصابهم { طآئف } وفي قراءة «طيف» أي شيء ألم بهم { من الشيطن تذكروا } عقاب الله وثوابه { فإذا هم مبصرون } الحق من غيره فيرجعون.
[7.202]
{ وإخونهم } أي إخوان الشياطين من الكفار { يمدونهم } أي الشياطين { فى الغى ثم } هم { لا يقصرون } يكفون عنه بالتبصر كما تبصر المتقون.
[7.203]
{ وإذا لم تأتهم } أي أهل مكة { بآية } مما اقترحوا { قالوا لولا } هلا { اجتبيتها } أنشأتها من قبل نفسك { قل } لهم { إنمآ أتبع ما يوحى إلى من ربى } وليس لي أن آتي من عند نفسي بشيء { هذا } القرآن { بصآئر } حجج { من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون }.
[7.204]
{ وإذا قرىء القرءان فاستمعوا له وأنصتوا } عن الكلام { لعلكم ترحمون } نزلت في ترك الكلام في الخطبة وعبر عنها بالقرآن لاشتمالها عليه، وقيل في قراءة القرآن مطلقا.
[7.205]
{ واذكر ربك في نفسك } أي سرا { تضرعا } تذللا { وخيفة } خوفا منه { و } فوق السر { ودون الجهر من القول } أي قصدا بينهما { بالغدو والأصال } أوائل النهار وأواخره { ولا تكن من الغفلين } عن ذكر الله.
[7.206]
{ إن الذين عند ربك } أي الملائكة { لا يستكبرون } يتكبرون { عن عبادته ويسبحونه } ينزهونه عما لا يليق به { وله يسجدون } أي يخصونه الخضوع والعبادة فكونوا مثلهم.
[8 - سورة الأنفال]
[8.1]
{ يسألونك } يا محمد { عن الأنفال } الغنائم لمن هي؟ { قل } لهم { الأنفال لله والرسول } يجعلانها حيث شاءا فقسمها صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء. رواه الحاكم في المستدرك { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } أي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع { وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } حقا.
[8.2]
{ إنما المؤمنون } الكاملون الإيمان { الذين إذا ذكر الله } أي وعيده { وجلت } خافت { قلوبهم وإذا تليت عليهم ءايته زادتهم إيمنا } تصديقا { وعلى ربهم يتوكلون } به يثقون لا بغيره.
[8.3]
{ الذين يقيمون الصلوة } يأتون بها بحقوقها { ومما رزقنهم } أعطيناهم { ينفقون } في طاعة الله.
[8.4]
{ أولئك } الموصوفون بما ذكر { هم المؤمنون حقا } صدقا بلا شك { لهم درجت } منازل في الجنة { عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } في الجنة.
[8.5]
{ كمآ أخرجك ربك من بيتك بالحق } متعلق ب «أخرج» { وإن فريقا من المؤمنين لكرهون } الخروج، والجملة حال من كاف «أخرجك » و «كما» خبر مبتدأ محذوف: أي هذه الحال في كراهتهم لها مثل إخراجك في حال كراهتهم، وقد كان خيرا لهم، فكذلك هذه أيضا، وذلك أن أبا سفيان قدم بعير من الشام، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغنموها، فعلمت قريش فخرج أبو جهل ومقاتلو مكة ليذبوا عنها وهم النفير، وأخذ أبو سفيان بالعير طريق الساحل فنجت، فقيل لأبي جهل ارجع فأبى وسار إلى بدر، فشاورالنبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال:
" إن الله وعدني إحدى الطائفتين "
، فوافقوه على قتال النفير، وكره بعضهم ذلك وقالوا: لم نستعد له، كما قال تعالى:
[8.6]
{ يجدلونك في الحق } القتال { بعد ما تبين } ظهر لهم { كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون } إليه عيانا في كراهتهم له.
[8.7]
{ و } اذكر { إذ يعدكم الله إحدى الطآئفتين } العير أو النفير { أنها لكم وتودون } تريدون { أن غير ذات الشوكة } أي البأس والسلاح وهي العير { تكون لكم } لقلة عددها وعددها بخلاف النفير { ويريد الله أن يحق الحق } يظهره { بكلمته } السابقة بظهور الإسلام { ويقطع دابر الكفرين } آخرهم بالاستئصال فأمركم بقتال النفير.
[8.8]
{ ليحق الحق ويبطل } يمحق { البطل } الكفر { ولو كره المجرمون } المشركون ذلك.
[8.9]
اذكر { إذ تستغيثون ربكم } تطلبون منه الغوث بالنصر عليهم { فاستجاب لكم أني } أي بأني { ممدكم } معينكم { بألف من الملائكة مردفين } متتابعين يردف بعضهم بعضا، وعدهم بها أولا ثم صارت ثلاثة آلاف ثم خمسة كما في( آل عمران)[125:3]. وقرىء [شذوذا] «بآلف» [جمع(ألف)]كأفلس جمع[(فلس)].
[8.10]
{ وما جعله الله } أي الإمداد { إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم }.
[8.11]
اذكر { إذ يغشيكم النعاس أمنة } أمنا مما حصل لكم من الخوف { منه } تعالى { وينزل عليكم من السمآء مآء ليطهركم به } من الأحداث والجنابات { ويذهب عنكم رجز الشيطن } وسوسته إليكم بأنكم لو كنتم على الحق ما كنتم ظمأى محدثين والمشركون على الماء { وليربط } يحبس { على قلوبكم } باليقين والصبر { ويثبت به الأقدام } أن تسوخ في الرمل.
[8.12]
{ إذ يوحى ربك إلى الملائكة } الذين أمد بهم المسلمين { أنى } أي بأني { معكم } بالعون والنصر { فثبتوا الذين ءامنوا } بالإعانة والتبشير { سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب } الخوف { فاضربوا فوق الأعناق } أي الرؤوس { واضربوا منهم كل بنان } أي أطراف اليدين والرجلين، فكان الرجل يقصد ضرب رقبة الكافر فتسقط قبل أن يصل إليه سيفه، ورماهم صلى الله عليه وسلم بقبضة من حصى فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه منها شيء فهزموا.
[8.13]
{ ذلك } العذاب الواقع بهم { بأنهم شآقوا } خالفوا { الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب } له.
[8.14]
{ ذلكم } العذاب { فذوقوه } أيها الكفار في الدنيا { وأن للكفرين } في الآخرة { عذاب النار }.
[8.15]
{ ياأيها الذين ءامنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا } أي مجتمعين كأنهم لكثرتهم يزحفون { فلا تولوهم الأدبار } منهزمين.
[8.16]
{ ومن يولهم يومئذ } أي يوم لقائهم { دبره إلا متحرفا } منعطفا { لقتال } بأن يريهم الفرة مكيدة وهو يريد الكرة { أو متحيزا } منضما { إلى فئة } جماعة من المسلمين يستنجد بها { فقد بآء } رجع { بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير } المرجع هي، وهذا مخصوص بما إذا لم يزد الكفار على الضعف.
[8.17]
{ فلم تقتلوهم } ببدر بقوتكم { ولكن الله قتلهم } بنصره إياكم { وما رميت } يا محمد أعين القوم { إذ رميت } بالحصى لأن كفا من الحصى لا يملأ عيون الجيش الكثير برمية بشر { ولكن الله رمى } بإيصال ذلك إليهم، فعل ذلك ليقهر الكافرين { وليبلى المؤمنين منه بلآء } عطاء { حسنا } هو الغنيمة { إن الله سميع } لأقوالهم { عليم } بأحوالهم.
[8.18]
{ ذلكم } الإبلاء حق { وأن الله موهن } مضعف { كيد الكفرين }.
[8.19]
{ إن تستفتحوا } أيها الكفار أي تطلبوا الفتح أي القضاء حيث قال أبو جهل منكم: اللهم أينا كان أقطع للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة: أي أهلكه { فقد جآءكم الفتح } القضاء بهلاك من هو كذلك وهو أبو جهل ومن قتل معه دون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين { وإن تنتهوا } عن الكفر والحرب { فهو خير لكم وإن تعودوا } لقتال النبي صلى الله عليه وسلم { نعد } لنصره عليكم { ولن تغنى } تدفع { عنكم فئتكم } جماعاتكم { شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين } بكسر «إن » استئنافا وفتحها على تقدير اللام.
[8.20]
{ يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا } تعرضوا { عنه } بمخالفة أمره { وأنتم تسمعون } القرآن والمواعظ.
[8.21]
{ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون } سماع تدبر واتعاظ وهم المنافقون أو المشركون.
[8.22]
{ إن شر الدوآب عند الله الصم } عن سماع الحق { البكم } عن النطق به { الذين لا يعقلون } ه.
[8.23]
{ ولو علم الله فيهم خيرا } صلاحا بسماع الحق { لأسمعهم } سماع تفهم { ولو أسمعهم } فرضا وقد علم أن لا خير فيهم { لتولوا } عنه { وهم معرضون } عن قبوله عنادا وجحودا.
[8.24]
{ معرضون يأيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول } بالطاعة { إذا دعاكم لما يحييكم } من أمر الدين لأنه سبب الحياة الأبدية { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإرادته { وأنه إليه تحشرون } فيجازيكم بأعمالكم.
[8.25]
{ واتقوا فتنة } إن أصابتكم { لا تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة } بل تعمهم وغيرهم، واتقاؤها بإنكار موجبها من المنكر { واعلموا أن الله شديد العقاب } لمن خالفه.
[8.26]
{ واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون فى الأرض } أرض مكة { تخافون أن يتخطفكم الناس } يأخذكم الكفار بسرعة { فآواكم } إلى المدينة { وأيدكم } قواكم { بنصره } يوم بدر بالملائكة { ورزقكم من الطيبات } الغنائم { لعلكم تشكرون } نعمه.
[8.27]
ونزل في أبي لبابة مروان بن عبد المنذر وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لينزلوا على حكمه، فاستشاروه فأشار إليهم أنه الذبح لأن عياله وماله فيهم { ياأيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول } لا { تخونوا أمنتكم } ما ائتمنتم عليه من الدين وغيره. { وأنتم تعلمون }.
[8.28]
{ واعلموا أنمآ أمولكم وأولدكم فتنة } لكم صادة عن أمور الآخرة { وأن الله عنده أجر عظيم } فلا تفوتوه بمراعاة الأموال والأولاد والخيانة لأجلهم.
[8.29]
ونزل في توبته { عظيم يأيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله } بالإنابة وغيرها { يجعل لكم فرقانا } بينكم وبين ما تخافون فتنجون { ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم } ذنوبكم { والله ذو الفضل العظيم }.
[8.30]
{ و } اذكر يا محمد { إذ يمكر بك الذين كفروا } وقد اجتمعوا للمشاورة في شأنك بدار الندوة { ليثبتوك } يوثقوك ويحبسوك { أو يقتلوك } كلهم قتلة رجل واحد { أو يخرجوك } من مكة { ويمكرون } بك { ويمكر الله } بهم بتدبير أمرك بأن أوحى إليك ما دبروه وأمرك بالخروج { والله خير المكرين } أعلمهم به.
[8.31]
{ وإذا تتلى عليهم ءايتنا } القرآن { قالوا قد سمعنا لو نشآء لقلنا مثل هذآ } قاله النضر بن الحارث لأنه كان يأتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الأعاجم ويحدث بها أهل مكة { إن } ما { هذا } القرآن { إلآ أسطير } أكاذيب { الاولين }.
[8.32]
{ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا } الذي يقرؤه محمد { هو الحق } المنزل { من عندك فأمطر علينا حجارة من السمآء أو ائتنا بعذاب أليم } مؤلم على إنكاره: قاله النضر أوغيره على سبيل الاستهزاء أوالإيهام أنه على بصيرة وجزم ببطلانه.
[8.33]
قال تعالى { وما كان الله ليعذبهم } بما سألوه { وأنت فيهم } لأن العذاب إذا نزل عم ولم تعذب أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } حيث يقولون في طوافهم: غفرانك غفرانك، وقيل: هم المؤمنون المستضعفون فيهم كما قال تعالى
لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما
[25:48].
[8.34]
{ وما لهم أ } ن { لا يعذبهم الله } بالسيف بعد خروجك والمستضعفين، وعلى القول الأول هي ناسخة لما قبلها، وقد عذبهم الله ببدر وغيرها { وهم يصدون } يمنعون النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين { عن المسجد الحرام } أن يطوفوا به { وما كانوا أولياءه } كما زعموا { أن } ما { أوليآؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن لا ولاية لهم عليه.
[8.35]
{ وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكآء } صفيرا { وتصدية } تصفيقا أي جعلوا ذلك موضع صلاتهم التي أمروا بها { فذوقوا العذاب } ببدر { بما كنتم تكفرون }.
[8.36]
{ إن الذين كفروا ينفقون أمولهم } في حرب النبي صلى الله عليه وسلم { ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون } في عاقبة الأمر { عليهم حسرة } ندامة لفواتها وفوات ما قصدوه { ثم يغلبون } في الدنيا { و الذين كفروا }.منهم { إلى جهنم } في الآخرة { يحشرون } يساقون
[8.37]
{ ليميز } متعلق ب(تكون) بالتخفيف والتشديد أي يفصل { الله الخبيث } الكافر { من الطيب } المؤمن { ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا } يجمعه متراكما بعضه على بعض { فيجعله فى جهنم أولائك هم الخسرون }.
[8.38]
{ قل للذين كفروا } كأبي سفيان وأصحابه { إن ينتهوا } عن الكفر وقتال النبي صلى الله عليه وسلم { يغفر لهم ما قد سلف } من أعمالهم { وإن يعودوا } إلى قتاله { فقد مضت سنت الاولين } أي سنتنا فيهم بالإهلاك فكذا نفعل بهم.
[8.39]
{ وقتلوهم حتى لا تكون } توجد { فتنة } شرك { ويكون الدين كله لله } وحده لايعبد غيره { فإن انتهوا } عن الكفر { فإن الله بما يعملون بصر } فيجازيهم به.
[8.40]
{ وإن تولوا } عن الإيمان { فاعلموا أن الله مولاكم } ناصركم ومتولي أموركم { نعم المولى } هو { ونعم النصير } أي الناصر لكم.
[8.41]
{ واعلموا أنما غنمتم } أخذتم من الكفار قهرا { من شىء فأن لله خمسه } يأمر فيه بما يشاء { وللرسول ولذى القربى } قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب { واليتمى } أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم وهم فقراء { والمسكين } ذوي الحاجة من المسلمين { وابن السبيل } المنقطع في سفره من المسلمين، أي يستحقه النبي صلى الله عليه وسلم والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل خمس الخمس، والأخماس الأربعة الباقية للغانمين. { إن كنتم ءامنتم بالله } فاعلموا ذلك { وما } عطف على «بالله» { أنزلنا على عبدنا } محمد صلى الله عليه وسلم من الملائكة والآيات { يوم الفرقان } أي يوم بدر الفارق بين الحق والباطل { يوم التقى الجمعان } المسلمون والكفار { والله على كل شيء قدير } ومنه نصركم مع قلتكم وكثرتهم.
[8.42]
{ إذ } بدل من «يوم» { أنتم } كائنون { بالعدوة الدنيا } القربى من المدينة، وهي بضم العين وكسرها: جانب الوادي { وهم بالعدوة القصوى } البعدى منها { والركب } العير كائنون بمكان { أسفل منكم } مما يلي البحر { ولو تواعدتم } أنتم والنفير للقتال { لاختلفتم في الميعد ولكن } جمعكم بغير ميعاد { ليقضي الله أمرا كان مفعولا } في علمه وهو نصر الإسلام ومحق الكفر، فعل ذلك { ليهلك } يكفر { من هلك عن بينة } أي بعد حجة ظاهرة قامت عليه وهي نصر المؤمنين مع قلتهم على الجيش الكثير { ويحيا } يؤمن { من حى عن بينة وإن الله لسميع عليم } 0
[8.43]
اذكر { إذ يريكهم الله فى منامك } أي نومك { قليلا } فأخبرت به أصحابك فسروا { ولو أراكهم كثيرا لفشلتم } جبنتم { ولتنزعتم } اختلفتم { فى الأمر } أمر القتال { ولكن الله سلم } كم من الفشل والتنازع { إنه عليم بذات الصدور } بما في القلوب.
[8.44]
{ وإذ يريكموهم } أيها المؤمنون { إذ التقيتم فى أعينكم قليلا } نحو سبعين أو مائة وهم ألف لتقدموا عليهم { ويقللكم فى أعينهم } ليقدموا ولا يرجعوا عن قتالكم، وهذا قبل التحام الحرب، فلما التحم أراهم إياهم مثليهم كما في( آل عمران ) { ليقضى الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع } تصير { الأمور }.
[8.45]
{ الأمور يأيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئة } جماعة كافرة { فاثبتوا } لقتالهم ولا تنهزموا { واذكروا الله كثيرا } ادعوه بالنصر { لعلكم تفلحون } تفوزون.
[8.46]
{ وأطيعوا الله ورسوله ولا تنزعوا } تختلفوا فيما بينكم { فتفشلوا } تجبنوا { وتذهب ريحكم } قوتكم ودولتكم { واصبروا إن الله مع الصبرين } بالنصر والعون.
[8.47]
{ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديرهم } ليمنعوا عيرهم ولم يرجعوا بعد نجاتها { بطرا ورئآء الناس } حيث قالوا: لا نرجع حتى نشرب الخمر وننحر الجزور وتضرب علينا القيان ببدر فيتسامع بذلك الناس { ويصدون } الناس { عن سبيل الله والله بما يعملون } بالياء والتاء { محيط } علما فيجازيهم به.
[8.48]
{ و } اذكر { إذ زين لهم الشيطن } إبليس { أعملهم } بأن شجعهم على لقاء المسلمين لما خافوا الخروج من أعدائهم بني بكر { وقال } لهم { لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم } من (كنانة)، وكان أتاهم في صورة سراقة بن مالك سيد تلك الناحية { فلما ترآءت } التقت { الفئتان } المسلمة والكافرة ورأى الملائكة وكان يده في يد الحارث بن هشام { نكص } رجع { على عقبيه } هاربا { وقال } لما قالوا له: أتخذلنا على هذا الحال؟ { إني برىء منكم } من جواركم { إني أرى ما لا ترون } من الملائكة { إنى أخاف الله } أن يهلكني { والله شديد العقاب }.
[8.49]
{ إذ يقول المنفقون والذين في قلوبهم مرض } ضعف اعتقاد { غر هاؤلآء } أي المسلمين { دينهم } إذ خرجوا مع قلتهم يقاتلون الجمع الكثير توهما أنهم ينصرون بسببه. قال تعالى: في جوابهم { ومن يتوكل على الله } يثق به يغلب { فإن الله عزيز } غالب على أمره { حكيم } في صنعه.
[8.50]
{ ولو ترى } يا محمد صلى الله عليه وسلم { إذ يتوفى } بالياء والتاء { الذين كفروا الملائكة يضربون } حال { وجوههم وأدبرهم } بمقامع من حديد { و } يقولون لهم { ونقول ذوقوا عذاب الحريق } أي النار، وجواب «لو» لرأيت أمرا عظيما.
[8.51]
{ ذلك } التعذيب { بما قدمت أيديكم } عبر بها دون غيرها لأن أكثر الأفعال تزاول بها { وأن الله ليس بظلم } أي بذي ظلم { للعبيد } فيعذبهم بغير ذنب.
[8.52]
دأب هؤلاء { كدأب } كعادة { ءال فرعون والذين من قبلهم كفروا بئايت الله فأخذهم الله } بالعقاب { بذنوبهم } جملة «كفروا» وما بعدها مفسرة لما قبلها { إن الله قوى } على ما يريده { شديد العقاب }.
[8.53]
{ ذلك } أي تعذيب الكفرة { بأن } أي بسبب أن { الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم } مبدلا لها بالنقمة { حتى يغيروا ما بأنفسهم } يبدلوا نعمتهم كفرا كتبديل كفار مكة إطعامهم من جوع وأمنهم من خوف وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم بالكفر والصد عن سبيل الله وقتال المؤمنين { وأن الله سميع عليم }.
[8.54]
{ كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كذبوا بئايت ربهم فأهلكنهم بذنوبهم وأغرقنآ ءال فرعون } قومه معه { وكل } من الأمم المكذبة { كانوا ظلمين }.
[8.55]
ونزل في قريظة { إن شر الدوآب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون }.
[8.56]
{ الذين عهدت منهم } أن لا يعينوا المشركين { ثم ينقضون عهدهم في كل مرة } عاهدوا فيها { وهم لا يتقون } الله في غدرهم.
[8.57]
{ فإما } فيه إدغام نون «إن» الشرطية في «ما» المزيدة { تثقفنهم } تجدنهم { فى الحرب فشرد } فرق { بهم من خلفهم } من المحاربين بالتنكيل بهم والعقوبة { لعلهم } أي الذين خلفهم { يذكرون } يتعظون بهم.
[8.58]
{ وإما تخافن من قوم } عاهدوك { خيانة } في عهد بأمارة تلوح لك { فانبذ } اطرح عهدهم { إليهم على سوآء } حال: أي مستويا أنت وهم في العلم بنقض العهد بأن تعلمهم به لئلا يتهموك بالغدر { إن الله لا يحب الخائنين }.
[8.59]
ونزل فيمن أفلت يوم بدر { ولا يحسبن } يا محمد { الذين كفروا سبقوا } الله أي فاتوه { إنهم لا يعجزون } لا يفوتونه. وفي قراءة بالتحتانية، فالمفعول الأول محذوف أي (أنفسهم ). وفي الأخرى بفتح «أن» على تقدير اللام.
[8.60]
{ وأعدوا لهم } لقتالهم { ما استطعتم من قوة } قال صلى الله عليه وسلم
" هي الرمي "
رواه مسلم { ومن رباط الخيل } مصدر بمعنى حبسها في سبيل الله { ترهبون } تخوفون { به عدو الله وعدوكم } أي كفار مكة { وءاخرين من دونهم } أي غيرهم وهم المنافقون أو اليهود { لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شىء فى سبيل الله يوف إليكم } جزاؤه { وأنتم لا تظلمون } تنقصون منه شيئا.
[8.61]
{ وإن جنحوا } مالوا { للسلم } بكسر السين وفتحها: الصلح { فاجنح لها } وعاهدهم. قال ابن عباس: هذا منسوخ بآية السيف[5:9] وقال مجاهد: مخصوص بأهل الكتاب إذ نزلت في بني قريظة { وتوكل على الله } ثق به { إنه هو السميع } للقول { العليم } بالفعل.
[8.62]
{ وإن يريدوا أن يخدعوك } بالصلح ليستعدوا لك { فإن حسبك } كافيك { الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين }.
[8.63]
{ وألف } جمع { بين قلوبهم } بعد الإحن { لو أنفقت ما فى الأرض جميعا مآ ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم } بقدرته { إنه عزيز } غالب على أمره { حكيم } لا يخرج شيء عن حكمته.
[8.64]
{ يأيها النبى حسبك الله } حسبك { من اتبعك من المؤمنين }.
[8.65]
{ يأيها النبى حرض } حث { المؤمنين على القتال } للكفار { إن يكن منكم عشرون صبرون يغلبوا مائتين } منهم { وإن يكن } بالياء والتاء { منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم } أي بسبب أنهم { قوم لا يفقهون } وهذا خبر بمعنى الأمر: أي ليقاتل العشرون منكم المائتين، والمائةالألف ويثبتوا لهم، ثم نسخ لما كثروا بقوله.
[8.66]
{ الئن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا } بضم الضاد وفتحها عن قتال عشرة أمثالكم { فإن يكن } بالياء والتاء { منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } منهم { وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله } بإرادته، وهو خبر بمعنى الأمر: أي لتقاتلوا مثليكم وتثبتوا لهم { والله مع الصبرين } بعونه.
[8.67]
ونزل لما أخذوا الفداء من أسرى بدر: { ما كان لنبى أن يكون } بالتاء والياء { له أسرى حتى يثخن في الأرض } يبالغ في قتل الكفار { تريدون } أيها المؤمنون { عرض الدنيا } حطامها بأخذ الفداء { والله يريد } لكم { الأخرة } أي ثوابها بقتلهم { والله عزيز حكيم } وهذا منسوخ بقوله:
فإما منا بعد وإما فدآء
[4:47].
[8.68]
{ لولا كتب من الله سبق } بإحلال الغنائم والأسرى لكم { لمسكم فيمآ أخذتم } من الفداء { عذاب عظيم }.
[8.69]
{ فكلوا مما غنمتم حللا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم }.
[8.70]
{ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } وفي قراءة (الأسارى) { إن يعلم الله في قلوبكم خيرا } إيمانا وإخلاصا { يؤتكم خيرا ممآ أخذ منكم } من الفداء بأن يضعفه لكم في الدنيا ويثيبكم في الآخرة { ويغفر لكم } ذنوبكم { والله غفور رحيم }.
[8.71]
{ وإن يريدوا } أي الأسرى { خيانتك } بما أظهروا من القول { فقد خانوا الله من قبل } قبل بدر بالكفر { فأمكن منهم } ببدر قتلا وأسرا فليتوقعوا مثل ذلك إن عادوا { والله عليم } بخلقه { حكيم } في صنعه.
[8.72]
{ إن الذين ءامنوا وهاجروا وجهدوا بأمولهم وأنفسهم فى سبيل الله } وهم المهاجرون { والذين ءاووا } النبي صلى الله عليه وسلم { ونصروا } وهم الأنصار { أولئك بعضهم أوليآء بعض } في النصرة والإرث { والذين ءامنوا ولم يهاجروا ما لكم من وليتهم } بكسر الواو وفتحها { من شىء } فلا إرث بينكم وبينهم ولا نصيب لهم في الغنيمة { حتى يهاجروا } وهذا منسوخ بآخر السورة { وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر } لهم على الكفار { إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق } عهد فلا تنصروهم عليهم وتنقضوا عهدهم { والله بما تعملون بصير }.
[8.73]
{ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } في النصرة والإرث، فلا إرث بينكم وبينهم { إلا تفعلوه } أي تولي المسلمين وقمع الكفار { تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير } بقوة الكفر وضعف الإسلام.
[8.74]
{ والذين ءامنوا وهاجروا وجهدوا في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم } في الجنة.
[8.75]
{ والذين ءامنوا من بعد } أي بعد السابقين إلى الإيمان والهجرة { وهاجروا وجهدوا معكم فأولئك منكم } أيها المهاجرون والأنصار { وأولوا الأرحام } ذوو القرابات { بعضهم أولى ببعض } في الإرث من التوارث بالإيمان والهجرة المذكورة في الآية السابقة { فى كتب الله } اللوح المحفوظ { أن الله بكل شىء عليم } ومنه حكمة الميراث.
[9 - سورة التوبة]
[9.1]
هذه { برآءة من الله ورسوله } واصلة { إلى الذين عاهدتم من المشركين } عهدا مطلقا أو دون أربعة أشهر أو فوقها، ونقض العهد بما يذكر في قوله.
[9.2]
{ فسيحوا } سيروا آمنين أيها المشركون { فى الأرض أربعة أشهر } أولها شوال، بدليل ما سيأتي، ولا أمان لكم بعدها { واعلموا أنكم غير معجزي الله } أي فائتي عذابه { وأن الله مخزى الكفرين } مذلهم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار.
[9.3]
{ وأذان } إعلام { من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر } يوم النحر { أن } أي بأن { الله برىء من المشركين } وعهودهم { ورسوله } بريء أيضا، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا من السنة وهي سنة تسع فأذن يوم النحر بمنى بهذه الآيات، وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. رواه البخاري { فإن تبتم } من الكفر { فهو خير لكم وإن توليتم } عن الإيمان { فاعلموا أنكم غير معجزى الله وبشر } أخبر { الذين كفروا بعذاب أليم } مؤلم وهو القتل والأسر في الدنيا، والنار في الآخرة.
[9.4]
{ إلا الذين عهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا } من شروط العهد { ولم يظهروا }: يعاونوا { عليكم أحدا } من الكفار { فأتموا إليهم عهدهم إلى } انقضاء { مدتهم } التي عاهدتم عليها { إن الله يحب المتقين } بإتمام العهود.
[9.5]
{ فإذا انسلخ } خرج { الأشهر الحرم } وهي آخر مدة التأجيل { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } في حل أو حرم { وخذوهم } بالأسر { واحصروهم } في القلاع والحصون حتى يضطروا إلى القتل أو الإسلام { واقعدوا لهم كل مرصد } طريق يسلكونه، ونصب «كل» على نزع الخافض { فإن تابوا } من الكفر { وأقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فخلوا سبيلهم } ولا تتعرضوا لهم { إن الله غفور رحيم } لمن تاب.
[9.6]
{ وإن أحد من المشركين } مرفوع بفعل يفسره { استجارك } استأمنك من القتل { فأجره } أمنه { حتى يسمع كلام الله } القرآن { ثم أبلغه مأمنه } أي موضع أمنه: وهو دار قومه إن لم يؤمن، لينظر في أمره { ذلك } المذكور { بأنهم قوم لا يعلمون } دين الله فلا بد لهم من سماع القرآن ليعلموا.
[9.7]
{ كيف } أي لا { يكون للمشركين } الناقضين للعهد { عهد عند الله وعند رسوله } وهم الكافرون بهما غادرون { إلا الذين عهدتم عند المسجد الحرام } يوم الحديبية وهم قريش المستثنون من قبل { فما استقموا لكم } أقاموا على العهد ولم ينقضوه { فاستقيموا لهم } على الوفاء به و «ما» شرطية { إن الله يحب المتقين } وقد استقام صلى الله عليه وسلم على عهدهم حتى نقضوا بإعانة (بني بكر) على (خزاعة).
[9.8]
{ كيف } يكون لهم عهد { وإن يظهروا عليكم } يظفروا بكم { لا يرقبوا } يراعوا { فيكم إلا } قرابة { ولا ذمة } عهدا بل يؤذوكم ما استطاعوا، وجملة الشرط حال { يرضونكم بأفوههم } بكلامهم الحسن { وتأبى قلوبهم } الوفاء به { وأكثرهم فسقون } ناقضون للعهد.
[9.9]
{ اشتروا بئايت الله } القرآن { ثمنا قليلا } من الدنيا أي تركوا اتباعها للشهوات والهوى { فصدوا عن سبيله } دينه { إنهم سآء } بئس { ما كانوا يعملون } ه عملهم هذا.
[9.10]
{ لا يرقبون فى مؤمن إلا } قرابة { ولا ذمة } عهدا { وأولئك هم المعتدون }.
[9.11]
{ فإن تابوا وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة فإخونكم } أي فهم إخوانكم { في الدين ونفصل } نبين { الايت لقوم يعلمون } يتدبرون.
[9.12]
{ وإن نكثوا } نقضوا { أيمنهم } مواثيقهم { من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم } عابوه { فقتلوا أئمة الكفر } رؤساءه، فيه وضع الظاهر موضع المضمر { إنهم لا أيمن } عهود { لهم } وفي قراءة بالكسر { لعلهم ينتهون } عن الكفر.
[9.13]
{ إلا } للتحضيض { تقتلون قوما نكثوا } نقضوا { أيمنهم } عهودهم { وهموا بإخراج الرسول } من مكة لما تشاوروا فيه بدار الندوة { وهم بدءوكم } بالقتال { أول مرة } حيث قاتلوا (خزاعة) حلفاءكم مع (بني بكر) فما يمنعكم أن تقاتلوهم؟ { أتخشونهم } أتخافونهم؟ { فالله أحق أن تخشوه } في ترك قتالهم { إن كنتم مؤمنين }.
[9.14]
{ قتلوهم يعذبهم الله } يقتلهم { بأيديكم ويخزهم } ويذلهم بالأسر والقهر { وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين } بما فعل بهم: هم (بنو خزاعة).
[9.15]
{ ويذهب غيظ قلوبهم } كربها { ويتوب الله على من يشآء } بالرجوع إلى الإسلام كأبي سفيان { والله عليم حكيم }.
[9.16]
{ أم } بمعنى همزة الإنكار { حسبتم أن تتركوا ولما } لم { يعلم الله } علم ظهور { الذين جهدوا منكم } بإخلاص { ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة } بطانة وأولياء، المعنى: ولم يظهر المخلصون- وهم الموصوفون بما ذكر- من غيرهم { والله خبير بما تعملون }.
[9.17]
{ ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله } بالإفراد والجمع بدخوله والقعود به { شهدين على أنفسهم بالكفر أولائك حبطت } بطلت { أعملهم } لعدم شرطها { وفى النار هم خلدون }.
[9.18]
{ إنما يعمر مسجد الله من ءامن بالله واليوم الأخر وأقام الصلوة وءاتى الزكوة ولم يخش } أحدا { إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين }.
[9.19]
{ أجعلتم سقاية الحآج وعمارة المسجد الحرام } أي أهل ذلك { كمن ءامن بالله واليوم الأخر وجهد فى سبيل الله لا يستون عند الله } في الفضل { والله لا يهدى القوم الظلمين } الكافرين، نزلت ردا على من قال ذلك وهو العباس أو غيره.
[9.20]
{ الذين ءامنوا وهاجروا وجهدوا فى سبيل الله بأمولهم وأنفسهم أعظم درجة } رتبة { عند الله } من غيرهم { وأولائك هم الفآئزون } الظافرون بالخير.
[9.21]
{ يبشرهم ربهم برحمة منه ورضون وجنت لهم فيها نعيم مقيم } دائم.
[9.22]
{ خلدين } حال مقدرة { فيهآ أبدا إن الله عنده أجر عظيم }.
[9.23]
ونزل فيمن ترك الهجرة لأجل أهله وتجارته: { يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءابآءكم وإخونكم أوليآء إن استحبوا } اختاروا { الكفر على الإيمن ومن يتولهم منكم فأولائك هم الظلمون }.
[9.24]
{ قل إن كان ءابآؤكم وأبنآؤكم وإخونكم وأزوجكم وعشيرتكم } أقرباؤكم وفي قراءة (عشيراتكم) { وأمول اقترفتموها } اكتسبتموها { وتجرة تخشون كسادها } عدم نفاقها { ومسكن ترضونهآ أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله } فقعدتم لأجله عن الهجرة والجهاد { فتربصوا } انتظروا { حتى يأتى الله بأمره } تهديد لهم { والله لا يهدى القوم الفسقين }.
[9.25]
{ لقد نصركم الله فى مواطن } للحرب { كثيرة } كبدر وقريظة والنضير { و } اذكر { يوم حنين } واد بين مكة والطائف أو يوم قتالكم فيه (هوازن)، وذلك في شوال سنة ثمان { إذ } بدل من (يوم) { أعجبتكم كثرتكم } فقلتم لن نغلب اليوم من قلة، وكانوا اثني عشر ألفا والكفار أربعة آلاف { فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت } «ما» مصدرية أي مع رحبها أي سعتها فلم تجدوا مكانا تطمئنون إليه لشدة ما لحقكم من الخوف { ثم وليتم مدبرين } منهزمين وثبت النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وليس معه غير العباس، وأبو سفيان آخذ بركابه.
[9.26]
{ ثم أنزل الله سكينته } طمأنينته { على رسوله وعلى المؤمنين } فردوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما ناداهم العباس بإذنه وقاتلوا { وأنزل جنودا لم تروها } ملائكة { وعذب الذين كفروا } بالقتل والأسر { وذلك جزآء الكفرين }.
[9.27]
{ ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشآء } منهم بالإسلام { والله غفور رحيم }.
[9.28]
{ رحيم يأيها الذين ءامنوا إنما المشركون نجس } قذر لخبث باطنهم { فلا يقربوا المسجد الحرام } أي لا يدخلوا الحرم { بعد عامهم هذا } عام تسع من الهجرة { وإن خفتم عيلة } فقرا بانقطاع تجارتهم عنكم { فسوف يغنيكم الله من فضله إن شآء } وقد أغناهم بالفتوح والجزية { إن الله عليم حكيم }.
[9.29]
{ قتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر } وإلا لآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم { ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } كالخمر { ولا يدينون دين الحق } الثابت الناسخ لغيره من الأديان وهو دين الإسلام { من الذين } بيان للذين { أوتوا الكتب } أي اليهود والنصارى { حتى يعطوا الجزية } الخراج المضروب عليهم كل عام { عن يد } حال أي منقادين أو بأيديهم لا يوكلون بها { وهم صغرون } أذلاء منقادون لحكم الإسلام.
[9.30]
{ وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصرى المسيح } عيسى { ابن الله ذلك قولهم بأفوههم } لا مستند لهم عليه بل { يضهئون } يشابهون به { قول الذين كفروا من قبل } من آبائهم تقليدا لهم { قتلهم } لعنهم { الله أنى } كيف { يؤفكون } يصرفون عن الحق مع قيام الدليل؟.
[9.31]
{ اتخذوا أحبرهم } علماء اليهود { ورهبنهم } عباد النصارى { أربابا من دون الله } حيث اتبعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل { والمسيح ابن مريم ومآ أمروا } في التوراة والإنجيل { إلا ليعبدوا } أي بأن يعبدوا { إلها وحدا لآ إله إلا هو سبحنه } تنزيها له { عما يشركون }.
[9.32]
{ يريدون أن يطفئوا نور الله } شرعه وبراهينه { بأفوههم } بأقوالهم فيه { ويأبى الله إلآ أن يتم } يظهر { نوره ولو كره الكفرون } ذلك.
[9.33]
{ هو الذي أرسل رسوله } محمدا صلى الله عليه وسلم { بالهدى ودين الحق ليظهره } يعليه { على الدين كله } جميع الأديان المخالفة له { ولو كره المشركون } ذلك.
[9.34]
{ المشركون يأيها الذين ءامنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون } يأخذون { أمول الناس بالبطل } كالرشا في الحكم { ويصدون } الناس { عن سبيل الله } دينه { والذين } مبتدأ { يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها } أي الكنوز { فى سبيل الله } أي لا يؤدون منها حقه من الزكاة والخير { فبشرهم } أخبرهم { بعذاب أليم } مؤلم.
[9.35]
{ يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى } تحرق { بها جباههم وجنوبهم وظهورهم } وتوسع جلودهم حتى توضع عليها كلها. ويقال لهم { هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون } أي جزاءه.
[9.36]
{ إن عدة الشهور } المعتد بها للسنة { عند الله اثنا عشر شهرا في كتب الله } اللوح المحفوظ { يوم خلق السموات والارض منهآ } أي الشهور { أربعة حرم } محرمة: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب { ذلك } أي تحريمها { الدين القيم } المستقيم { فلا تظلموا فيهن } أي الأشهر الحرم { أنفسكم } بالمعاصي، فإنها فيها أعظم وزرا، وقيل: في الأشهر كلها { وقاتلوا المشركين كافة } في كل الشهور { كما يقتلونكم كآفة واعلموا أن الله مع المتقين } جميعا بالعون والنصر.
[9.37]
{ إنما النسىء } أي التأخير لحرمة شهر إلى آخر كما كانت الجاهلية تفعله من تأخير حرمة (المحرم) إذا هل وهم في القتال إلى (صفر) { زيادة فى الكفر } لكفرهم بحكم الله فيه { يضل } بضم الياء وفتحها { به الذين كفروا يحلونه } أي النسيء { عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا } يوافقوا بتحليل شهر وتحريم آخر بدله { عدة } عدد { ما حرم الله } من الأشهر فلا يزيدون على تحريم أربعة أشهر ولا ينقصون ولا ينظرون إلى أعيانها { فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعملهم } فظنوه حسنا { والله لا يهدي القوم الكفرين }.
[9.38]
ونزل لما دعا صلى الله عليه وسلم الناس إلى غزوة تبوك وكانوا في عسرة وشدة حر فشق عليهم { يأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم } بإدغام التاء في الأصل في المثلثة واجتلاب همزة الوصل أي تباطأتم وملتم عن الجهاد { إلى الأرض } والقعود فيها والاستفهام للتوبيخ { أرضيتم بالحيوة الدنيا } ولذاتها { من الأخرة } أي بدل نعيمها؟ { فما متاع الحيوة الدنيا فى } جنب متاع { الأخرة إلا قليل } حقير.
[9.39]
{ إلا } بإدغام «لا» في نون «إن» الشرطية في الموضعين (لا) { تنفروا } تخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد { يعذبكم عذابا أليما } مؤلما { ويستبدل قوما غيركم } أي يأت بهم بدلكم
{ ولا تضروه } أي الله أو النبي صلى الله عليه وسلم { شيئا } بترك نصره فإن الله ناصر دينه { والله على كل شيء قدير } ومنه نصر دينه ونبيه.
[9.40]
{ إلا تنصروه } أي النبي صلى الله عليه وسلم { فقد نصره الله إذ } حين { أخرجه الذين كفروا } من مكة أي ألجأه إلى الخروج لما أرادوا قتله أو حبسه أو نفيه بدار الندوة { ثاني اثنين } حال أي أحد اثنين والآخر أبو بكر، المعنى نصره الله في مثل تلك الحالة فلا يخذله في غيرها { إذ } بدل من «إذ» قبله { هما فى الغار } نقب في جبل ثور { إذ } بدل ثان { يقول لصاحبه } أبي بكر وقد قال له لما رأى أقدام المشركين: لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا { لا تحزن إن الله معنا } بنصره { فأنزل الله سكينته } طمأنينته { عليه } قيل على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل على أبي بكر { وأيده } أي النبي صلى الله عليه وسلم { بجنود لم تروها } ملائكة في الغار ومواطن قتاله { وجعل كلمة الذين كفروا } أي دعوة الشرك { السفلى } المغلوبة { وكلمة الله } أي كلمة الشهادة { هى العليا } الظاهرة الغالبة { والله عزيز } في ملكه { حكيم } في صنعه.
[9.41]
{ انفروا خفافا وثقالا } نشاطا وغير نشاط، وقيل أقوياء وضعفاء أو أغنياء وفقراء، وهي منسوخة بآية
ليس على الضعفآء
[91:9] { وجهدوا بأمولكم وأنفسكم فى سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } أنه خير لكم فلا تثاقلوا.
[9.42]
ونزل في المنافقين الذين تخلفوا { لو كان } ما دعوتهم إليه { عرضا } متاعا من الدنيا { قريبا } سهل المأخذ { وسفرا قاصدا } وسطا { لاتبعوك } طلبا للغنيمة { ولكن بعدت عليهم الشقة } المسافة فتخلفوا { وسيحلفون بالله } إذا رجعتم إليهم { لو استطعنا } الخروج { لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم } بالحلف الكاذب { والله يعلم إنهم لكذبون } في قولهم ذلك.
[9.43]
وكان صلى الله عليه وسلم أذن لجماعة في التخلف باجتهاد منه، فنزل عتابا له، وقدم العفو تطمينا لقلبه: { عفا الله عنك لم أذنت لهم } في التخلف وهلا تركتهم { حتى يتبين لك الذين صدقوا } في العذر { وتعلم الكذبين } فيه؟
[9.44]
{ لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الأخر } في التخلف عن { أن يجهدوا بأمولهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين }.
[9.45]
{ إنما يستأذنك } في التخلف { الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت } شكت { قلوبهم } في الدين { فهم فى ريبهم يترددون } يتحيرون.
[9.46]
{ ولو أرادوا الخروج } معك { لأعدوا له عدة } أهبة من الآلة والزاد { ولكن كره الله انبعاثهم } أي لم يرد خروجهم { فثبطهم } كسلهم { وقيل } لهم { اقعدوا مع القعدين } المرضى والنساء والصبيان، أي قدر الله تعالى ذلك.
[9.47]
{ لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا } فسادا بتخذيل المؤمنين { ولأوضعوا خللكم } أي أسرعوا بينكم بالمشي بالنميمة، { يبغونكم } يطلبون لكم { الفتنة } بإلقاء العداوة { وفيكم سمعون لهم } ما يقولون سماع قبول { والله عليم بالظلمين }.
[9.48]
{ لقد ابتغوا } لك { الفتنة من قبل } أول ما قدمت المدينة { وقلبوا لك الأمور } أي أجالوا الفكر في كيدك وإبطال دينك { حتى جآء الحق } النصر { وظهر } عز { أمر الله } دينه { وهم كرهون } له فدخلوا فيه ظاهرا.
[9.49]
{ ومنهم من يقول ائذن لي } في التخلف { ولا تفتنى } وهو الجد بن قيس قال له النبي صلى الله عليه وسلم:
" هل لك في جلاد بني الأصفر؟ "
فقال: إني مغرم بالنساء، وأخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن فأفتتن. قال تعالى: { ألا فى الفتنة سقطوا } بالتخلف، وقرىء «سقط» { وإن جهنم لمحيطة بالكفرين } لا محيص لهم عنها.
[9.50]
{ إن تصبك حسنة } كنصر وغنيمة { تسؤهم وإن تصبك مصيبة } شدة { يقولوا قد أخذنآ أمرنا } بالحزم حين تخلفنا { من قبل } قبل هذه المصيبة { ويتولوا وهم فرحون } بما أصابك.
[9.51]
{ قل } لهم { لن يصيبنآ إلا ما كتب الله لنا } إصابته { هو مولنا } ناصرنا ومتولي أمورنا { وعلى الله فليتوكل المؤمنون }.
[9.52]
{ قل هل تربصون } فيه حذف إحدى التاءين من الأصل: أي تنتظرون أن يقع { بنآ إلآ إحدى } العاقبتين { الحسنيين } تثنية «حسنى» تأنيث «أحسن»: النصر أو الشهادة { ونحن نتربص } ننتظر { بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده } بقارعة من السماء { أو بأيدينا } بأن يؤذن لنا في قتالكم { فتربصوا } بنا ذلك { إنا معكم متربصون } عاقبتكم.
[9.53]
{ قل أنفقوا } في طاعة الله { طوعا أو كرها لن يتقبل منكم } ما أنفقتموه { إنكم كنتم قوما فسقين } والأمر هنا بمعنى الخبر.
[9.54]
{ وما منعهم أن تقبل } بالياء والتاء { منهم نفقتهم إلا أنهم } فاعل و «أن تقبل» مفعول { كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلوة إلا وهم كسالى } متثاقلون { ولا ينفقون إلا وهم كرهون } النفقة لأنهم يعدونها مغرما.
[9.55]
{ فلا تعجبك أمولهم ولآ أولدهم } أي لا تستحسن نعمنا عليهم فهي استدراج { إنما يريد الله ليعذبهم } أي أن يعذبهم { بها في الحيوة الدنيا } بما يلقون في جمعها من المشقة وفيها من المصائب { وتزهق } تخرج { أنفسهم وهم كفرون } فيعذبهم في الآخرة أشد العذاب.
[9.56]
{ ويحلفون بالله إنهم لمنكم } أي مؤمنون { وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون } يخافون أن تفعلوا بهم كالمشركين فيحلفون تقية.
[9.57]
{ لو يجدون ملجأ } يلجؤون إليه { أو مغرات } سراديب { أو مدخلا } موضعا يدخلونه { لولوا إليه وهم يجمحون } يسرعون في دخوله والانصراف عنكم إسراعا لا يرده شيء كالفرس الجموح.
[9.58]
{ ومنهم من يلمزك } يعيبك { فى } قسم { الصدقت فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منهآ إذا هم يسخطون }.
[9.59]
{ ولو أنهم رضوا مآ ءاتهم الله ورسوله } من الغنائم ونحوها { وقالوا حسبنا } كافينا { الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله } من غنيمة أخرى ما يكفينا { إنآ إلى الله رغبون } أن يغنينا، وجواب «لو» لكان خيرا لهم.
[9.60]
{ إنما الصدقت } الزكوات مصروفة { للفقرآء } الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم { والمسكين } الذين لا يجدون ما يكفيهم { والعملين عليها } أي الصدقات من جاب وقاسم وكاتب وحاشر { والمؤلفة قلوبهم } ليسلموا أو يثبت إسلامهم أو يسلم نظراؤهم أو يذبوا عن المسلمين أقسام والأول والأخير لا يعطيان اليوم عند الشافعي رضي الله تعالى عنه لعز الإسلام، بخلاف الآخرين فيعطيان على الأصح { وفى } فك { الرقاب } أي المكاتبين { والغرمين } أهل الدين إن استدانوا لغير معصية، أو تابوا وليس لهم وفاء أو لإصلاح ذات البين ولو أغنياء { وفى سبيل الله } أي القائمين بالجهاد ممن لا فيء لهم ولو أغنياء { وابن السبيل } المنقطع في سفره { فريضة } نصب بفعله المقدر { من الله والله عليم } بخلقه { حكيم } في صنعه فلا يجوز صرفها لغير هؤلاء، ولا منع صنف منهم إذا وجد فيقسمها الإمام عليهم على السواء وله تفضيل بعض آحاد الصنف على بعض، وأفادت «اللام» وجوب استغراق أفراده لكن لا يجب على صاحب المال إذا قسم لعسره، بل يكفي إعطاء ثلاثة من كل صنف ولا يكفي دونها كما أفادته صيغة الجمع وبينت السنة أن شرط المعطى منها الإسلام وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا.
[9.61]
{ ومنهم } أي المنافقين { الذين يؤذون النبي } بعيبه وبنقل حديثه { ويقولون } إذا نهوا عن ذلك لئلا يبلغه هو { أذن } أي يسمع كل قيل ويقبله، فإذا حلفنا له أنا لم نقل: صدقنا { قل } هو { أذن } مستمع { خيرا لكم } لا مستمع شر { يؤمن بالله ويؤمن } يصدق { للمؤمنين } فيما أخبروه به لا لغيرهم، واللام زائدة للفرق بين إيمان التسليم وغيره { ورحمة } بالرفع عطفا على «أذن» والجر عطفا على «خير» { للذين ءامنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم }.
[9.62]
{ يحلفون بالله لكم } أيها المؤمنون فيما بلغكم عنهم من أذى الرسول أنهم ما أتوه { ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه } بالطاعة { إن كانوا مؤمنين } حقا، وتوحيد الضمير لتلازم الرضاءين و خبر «الله» أو«رسوله» محذوف.
[9.63]
{ ألم يعلموا أنه } أي الشأن { من يحادد } يشاقق { الله ورسوله فأن له نار جهنم } جزاء { خالدا فيها ذلك الخزى العظيم }.
[9.64]
{ يحذر } يخاف { المنفقون أن تنزل عليهم } أي المؤمنين { سورة تنبئهم بما في قلوبهم } من النفاق، وهم مع ذلك يستهزئون { قل استهزءوا } أمر تهديد { إن الله مخرج } مظهر { ما تحذرون } إخراجه من نفاقكم.
[9.65]
{ ولئن } لام قسم { سألتهم } عن استهزائهم بك والقرآن وهم سائرون معك إلى (تبوك) { ليقولن } معتذرين { إنما كنا نخوض ونلعب } في الحديث لنقطع به الطريق ولم نقصد ذلك { قل } لهم { أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون }؟.
[9.66]
{ لا تعتذروا } عنه { قد كفرتم بعد إيمنكم } أي ظهر كفركم بعد إظهار الإيمان { أن يعف } بالياء مبنيا للمفعول، والنون مبنيا للفاعل { عن طآئفة منكم } بإخلاصها وتوبتها كجحش بن حمير الأشجعي { تعذب } بالتاء والنون { طآئفة بأنهم كانوا مجرمين } مصرين على النفاق والاستهزاء.
[9.67]
{ المنفقون والمنفقات بعضهم من بعض } أي متشابهون في الدين كأبعاض الشيء الواحد { يأمرون بالمنكر } الكفر والمعاصي { وينهون عن المعروف } الإيمان والطاعة { ويقبضون أيديهم } عن الإنفاق في الطاعة { نسوا الله } تركوا طاعته { فنسيهم } تركهم من لطفه { إن المنفقين هم الفسقون }.
[9.68]
{ وعد الله المنفقين والمنفقات والكفار نار جهنم خلدين فيها هى حسبهم } جزاء وعقابا { ولعنهم الله } أبعدهم عن رحمته { ولهم عذاب مقيم } دائم.
[9.69]
أنتم أيها المنافقون { كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أمولا وأولدا فاستمتعوا } تمتعوا { بخلقهم } نصيبهم من الدنيا { فاستمتعتم } أيها المنافقون { بخلقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلقهم وخضتم } في الباطل والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم { كالذي خاضوا } أي كخوضهم { أولائك حبطت أعملهم في الدنيا والأخرة وأولائك هم الخسرون }.
[9.70]
{ ألم يأتهم نبأ } خبر { الذين من قبلهم قوم نوح وعاد } قوم هود { وثمود } قوم صالح { وقوم إبرهيم وأصحب مدين } قوم شعيب { والمؤتفكت } قرى قوم لوط: أي أهلها؟ { أتتهم رسلهم بالبينت } بالمعجزات فكذبوهم فأهلكوا { فما كان الله ليظلمهم } بأن يعذبهم بغير ذنب { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بارتكاب الذنب.
[9.71]
{ والمؤمنون والمؤمنت بعضهم أوليآء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة ويطيعون الله ورسوله أولائك سيرحمهم الله إن الله عزيز } لا يعجزه شيء عن إنجاز وعده ووعيده { حكيم } لا يضع شيئا إلا في محله.
[9.72]
{ وعد الله المؤمنين والمؤمنت جنت تجري من تحتها الأنهر خلدين فيها ومسكن طيبة فى جنات عدن } إقامة { ورضون من الله أكبر } أعظم من ذلك كله { ذلك هو الفوز العظيم }.
[9.73]
{ يأيها النبى جهد الكفر } بالسيف { والمنفقين } باللسان والحجة { واغلظ عليهم } بالانتهار والمقت { ومأواهم جهنم وبئس المصير } المرجع هي.
[9.74]
{ يحلفون } أي المنافقون { بالله ما قالوا } ما بلغك عنهم من السب { ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلمهم } أظهروا الكفر بعد إظهار الإسلام { وهموا بما لم ينالوا } من الفتك بالنبي ليلة العقبة عند عودته من تبوك وهم بضعة عشر رجلا، فضرب عمار بن ياسر وجوه الرواحل لما غشوه فردوا { وما نقموا } أنكروا { إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله } بالغنائم بعد شدة حاجتهم المعنى: لم ينلهم منه إلا هذا وليس مما ينقم { فإن يتوبوا } عن النفاق ويؤمنوا بك { يك خيرا لهم وإن يتولوا } عن الإيمان { يعذبهم الله عذابا أليما فى الدنيا } بالقتل { والأخرة } بالنار { وما لهم فى الأرض من ولي } يحفظهم منه { ولا نصير } يمنعهم.
[9.75]
{ ومنهم من عهد الله لئن ءاتنا من فضله لنصدقن } فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد { ولنكونن من الصلحين } وهو ثعلبة بن حاطب سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له أن يرزقه الله مالا ويؤدي منه كل ذي حق حقه فدعا له فوسع عليه فانقطع عن الجمعة والجماعة ومنع الزكاة كما قال تعالى:
[9.76]
{ فلمآ ءاتاهم من فضله بخلوا به وتولوا } عن طاعة الله { وهم معرضون }.
[9.77]
{ فأعقبهم } أي فصير عاقبتهم { نفاقا } ثابتا { فى قلوبهم إلى يوم يلقونه } أي الله وهو يوم القيامة { بمآ أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } فيه. فجاء بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم بزكاته فقال
" إن الله منعني أن أقبل منك "
فجعل يحثو التراب على رأسه، ثم جاء بها إلى أبي بكر فلم يقبلها، ثم إلى عمر فلم يقبلها، ثم إلى عثمان فلم يقبلها ومات في زمانه.
[9.78]
{ ألم يعلموا } أي المنافقون { أن الله يعلم سرهم } ما أسروه في أنفسهم { ونجوهم } ما تناجوا به بينهم { وأن الله علم الغيوب } ما غاب عن العيان.
[9.79]
ولما نزلت آية الصدقة جاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقال المنافقون: مراء، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله غني عن صدقة هذا، فنزل: { الذين } مبتدأ { يلمزون } يعيبون { المطوعين } المتنفلين { من المؤمنين في الصدقت والذين لا يجدون إلا جهدهم } طاقتهم فيأتون به { فيسخرون منهم } والخبر { سخر الله منهم } جازاهم على سخريتهم { ولهم عذاب أليم }.
[9.80]
{ أستغفر } يا محمد { لهم أو لا تستغفر لهم } تخيير له في الاستغفار وتركه، قال صلى الله عليه وسلم: «إني خيرت فاخترت» يعني الاستغفار. رواه البخاري { إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } قيل: المراد بالسبعين المبالغة في كثرة الاستغفار. وفي البخاري حديث
" لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر، لزدت عليها "
وقيل المراد العدد المخصوص لحديثه أيضا
" وسأزيد على السبعين "
فبين له حسم المغفرة بآية
سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم
[6:63] { ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفسقين }.
[9.81]
{ فرح المخلفون } عن تبوك { بمقعدهم } أي بقعودهم { خلف } أي بعد { رسول الله وكرهوا أن يجهدوا بأمولهم وأنفسهم فى سبيل الله وقالوا } أي قال بعضهم لبعض { لا تنفروا } تخرجوا إلى الجهاد { فى الحر قل نار جهنم أشد حرا } من تبوك فالأولى أن يتقوها بترك التخلف { لو كانوا يفقهون } يعلمون ذلك ما تخلفوا.
[9.82]
{ فليضحكوا قليلا } في الدنيا { وليبكوا } في الآخرة { كثيرا جزآء بما كانوا يكسبون } خبر عن حالهم بصيغة الأمر.
[9.83]
{ فإن رجعك } ردك { الله } من تبوك { إلى طآئفة منهم } ممن تخلف بالمدينة من المنافقين { فاستئذنوك للخروج } معك إلى غزوة أخرى { فقل } لهم { لن تخرجوا معى أبدا ولن تقتلوا معى عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخلفين } المتخلفين عن الغزو من النساء والصبيان وغيرهم.
[9.84]
ولما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على ابن أبي نزل { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } لدفن أو زيارة { إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فسقون } كافرون.
[9.85]
{ ولا تعجبك أمولهم وأولدهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها فى الدنيا وتزهق } تخرج { أنفسهم وهم كفرون }.
[9.86]
{ وإذآ أنزلت سورة } أي طائفة من القرآن { أن } أي بأن { ءامنوا بالله وجهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول } ذوو الغنى { منهم وقالوا ذرنا نكن مع القعدين }.
[9.87]
{ رضوا بأن يكونوا مع الخولف } جمع (خالفة) أي النساء اللاتي تخلفن في البيوت { وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون } الخير.
[9.88]
{ لكن الرسول والذين ءامنوا معه جهدوا بأمولهم وأنفسهم وأولائك لهم الخيرات } في الدنيا والآخرة { وأولئك هم المفلحون } أي الفائزون.
[9.89]
{ أعد الله لهم جنت تجري من تحتها الأنهر خلدين فيها ذلك الفوز العظيم }.
[9.90]
{ وجآء المعذرون } بإدغام التاء في الأصل في الذال، أي المعتذرون بمعنى (المعذورين)، وقرىء به { من الأعراب } إلى النبي صلى الله عليه وسلم { ليؤذن لهم } في القعود لعذرهم فأذن لهم { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } في ادعاء الإيمان من منافقي الأعراب عن المجيء للاعتذار { سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم }.
[9.91]
{ ليس على الضعفآء } كالشيوخ { ولا على المرضى } كالعمي والزمنى { ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون } في الجهاد { حرج } إثم في التخلف عنه { إذا نصحوا لله ورسوله } في حال قعودهم بعدم الإرجاف والتثبيط والطاعة { ما على المحسنين } بذلك { من سبيل } طريق بالمؤاخذة { والله غفور } لهم { رحيم } بهم في التوسعة في ذلك.
[9.92]
{ ولا على الذين إذا مآ أتوك لتحملهم } معك إلى الغزو وهم سبعة من الأنصار، وقيل بنو مقرن { قلت لا أجد مآ أحملكم عليه } حال { تولوا } جواب «إذا» أي انصرفوا { وأعينهم تفيض } تسيل { من } للبيان { الدمع حزنا } لأجل { ألا يجدوا ما ينفقون } في الجهاد.
[9.93]
{ إنما السبيل على الذين يستئذنونك } في التخلف { وهم أغنيآء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون } تقدم مثله.
[9.94]
{ يعتذرون إليكم } في التخلف { إذا رجعتم إليهم } من الغزو { قل } لهم { لا تعتذروا لن نؤمن لكم } نصدقكم { قد نبأنا الله من أخباركم } أي أخبرنا بأحوالكم { وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون } بالبعث { إلى علم الغيب والشهدة } أي الله { فينبئكم بما كنتم تعملون } فيجازيكم عليه.
[9.95]
{ سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم } رجعتم { إليهم } من تبوك أنهم معذورون في التخلف { لتعرضوا عنهم } بترك المعاتبة { فأعرضوا عنهم إنهم رجس } قذر لخبث باطنهم { ومأواهم جهنم جزآء بما كانوا يكسبون }.
[9.96]
{ يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفسقين } أي عنهم، ولا ينفع رضاكم مع سخط الله.
[9.97]
{ الأعراب } أهل البدو { أشد كفرا ونفاقا } من أهل المدن لجفائهم وغلظ طباعهم وبعدهم عن سماع القرآن { وأجدر } أولى { أ } ن أي بأن { لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } من الأحكام والشرائع { والله عليم } بخلقه { حكيم } في صنعه بهم.
[9.98]
{ ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق } في سبيل الله { مغرما } غرامة وخسرانا لأنه لا يرجو ثوابه بل ينفقه خوفا وهم بنو (أسد) و(غطفان) { ويتربص } ينتظر { بكم الدوائر } دوائر الزمان أن تنقلب عليكم فيتخلصوا. { عليهم دائرة السوء } بالضم والفتح: أي يدور العذاب والهلاك عليهم لا عليكم { والله سميع } لأقوال عباده { عليم } بأفعالهم.
[9.99]
{ ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الأخر } ك(جهينة) و(مزينة) { ويتخذ ما ينفق } في سبيل الله { قربت } تقربه { عند الله وأبلغكم } وسيلة إلى { صلوت } دعوات { الرسول } له { ألآ إنها } أي نفقتهم { قربة } بضم الراء وسكونها { لهم } عنده { سيدخلهم الله فى رحمته } جنته { إن الله غفور } لأهل طاعته { رحيم } بهم.
[9.100]
{ والسبقون الأولون من المهجرين والأنصر } وهم من شهد بدرا أو جميع الصحابة. { والذين اتبعوهم } إلى يوم القيامة { بإحسن } في العمل { رضى الله عنهم } بطاعته { ورضوا عنه } بثوابه { وأعد لهم جنت تجري تحتها الأنهر } وفي قراءة بزيادة «من» { خلدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم }.
[9.101]
{ وممن حولكم } يا أهل المدينة { من الاعراب منفقون } ك(أسلم) و(أشجع) و(غفار) { ومن أهل المدينة } منافقون أيضا { مردوا على النفاق } لجوا فيه واستمروا { لا تعلمهم } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم { نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين } بالفضيحة أو القتل في الدنيا وعذاب القبر { ثم يردون } في الآخرة { إلى عذاب عظيم } هو النار.
[9.102]
{ و } قوم { ءاخرون } مبتدأ { اعترفوا بذنوبهم } من التخلف نعته، والخبر { خلطوا عملا صلحا } وهو جهادهم قبل ذلك أو اعترافهم بذنوبهم أو غير ذلك { وءاخرسيئا } وهو تخلفهم { عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم } نزلت في أبي لبابة وجماعة أوثقوا أنفسهم في سواري المسجد لما بلغهم ما نزل في المتخلفين وحلفوا لا يحلهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم فحلهم لما نزلت.
[9.103]
{ خذ من أمولهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } من ذنوبهم فأخذ ثلث أموالهم وتصدق بها { وصل عليهم } أي ادع لهم { إن صلوتك سكن } رحمة { لهم } وقيل طمأنينة بقبول توبتهم { والله سميع عليم }.
[9.104]
{ ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ } يقبل { الصدقت وأن الله هو التواب } على عباده بقبول توبتهم { الرحيم } بهم؟ والاستفهام للتقرير، والقصد به تهييجهم إلى التوبة والصدقة.
[9.105]
{ وقل } لهم أو الناس { اعملوا } ما شئتم { فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون } بالبعث { إلى علم الغيب والشهدة } أي الله { فينبئكم بما كنتم تعملون } يجازيكم به.
[9.106]
{ وءاخرون } من المتخلفين { مرجؤون } بالهمز وتركه (مرجون)مؤخرون عن التوبة { لامر الله } فيهم بما يشاء { إما يعذبهم } بأن يميتهم بلا توبة { وإما يتوب عليهم والله عليم } بخلقه { حكيم } في صنعه بهم، وهم الثلاثة الآتون بعد:( مرارة بن الربيع) و(كعب بن مالك) و(هلال بن أمية): تخلفوا كسلا وميلا إلى الدعة لا نفاقا ولم يعتذروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كغيرهم، فوقف أمرهم خمسين ليلة وهجرهم الناس حتى نزلت توبتهم بعد.
[9.107]
{ و } منهم { الذين اتخذوا مسجدا } وهم اثنا عشر من المنافقين { ضرارا } مضارة لأهل مسجد (قباء) { وكفرا } لأنهم بنوه بأمر (أبي عامر) الراهب ليكون معقلا له يقدم فيه من يأتي من عنده، وكان ذهب ليأتي بجنود من قيصر لقتال النبي صلى الله عليه وسلم { وتفريقا بين المؤمنين } الذين يصلون بقباء بصلاة بعضهم في مسجدهم { وإرصادا } ترقبا { لمن حارب الله ورسوله من قبل } أي قبل بنائه وهو أبو عامر المذكور { وليحلفن إن } ما { أردنآ } ببنائه { إلا } الفعلة { الحسنى } من الرفق بالمسكين في المطر والحر والتوسعة على المسلمين { والله يشهد إنهم لكذبون } في ذلك.
[9.108]
وكانوا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه فنزل { لا تقم } تصل { فيه أبدا } فأرسل جماعة هدموه وحرقوه وجعلوا مكانه كناسة تلقى فيها الجيف { لمسجد أسس } بنيت قواعده { على التقوى من أول يوم } وضع يوم حللت بدار الهجرة وهو مسجد (قباء) كما في البخاري { أحق } منه { أن } أي بأن { تقوم } تصلي { فيه فيه رجال } هم الأنصار { يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين } أي يثيبهم، وفي إدغام التاء في الأصل في الطاء، روى ابن خزيمة في صحيحه عن عويم بن ساعدة أنه صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد (قباء) فقال:
" إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ "
قالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا. وفي حديث رواه البزار: فقالوا (نتبع الحجارة بالماء)، فقال:
" هو ذاك فعليكموه ".
[9.109]
{ أفمن أسس بنيانه على تقوى } مخافة { من الله و } رجاء { رضون } منه { خير أم من أسس بنيانه على شفا } طرف { جرف } بضم الراء وسكونها: جانب { هار } مشرف على السقوط { فانهار به } سقط مع بانيه { فى نار جهنم } خير تمثيل للبناء على ضد التقوى بما يؤول إليه والاستفهام للتقرير، أي: الأول خير: وهو مثال مسجد (قباء)، والثاني: مثال مسجد (الضرار) { والله لا يهدى القوم الظلمين }.
[9.110]
{ لا يزال بنيانهم الذى بنوا ريبة } شكا { فى قلوبهم إلا أن تقطع } تنفصل { قلوبهم } بأن يموتوا { والله عليم } بخلقه { حكيم } في صنعه بهم.
[9.111]
{ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأمولهم } بأن يبذلوها في طاعته كالجهاد { بأن لهم الجنة يقتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون } جملة استئناف بيان للشراء. وفي قراءة بتقديم المبني للمفعول. أي فيقتل بعضهم ويقاتل الباقي { وعدا عليه حقا } مصدران منصوبان بفعلهما المحذوف { في التوراة والإنجيل والقرءان ومن أوفى بعهده من الله } أي لا أحد أوفى منه { فاستبشروا } فيه التفات عن الغيبة { ببيعكم الذى بايعتم به وذلك } البيع { هو الفوز العظيم } المنيل غاية المطلوب.
[9.112]
{ التئبون } رفع على المدح بتقدير مبتدأ من الشرك والنفاق { العبدون } المخلصون العبادة لله { الحمدون } له على كل حال { السئحون } الصائمون { الراكعون السجدون } أي المصلون { الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحفظون لحدود الله } لأحكامه بالعمل بها { وبشر المؤمنين } بالجنة.
[9.113]
ونزل في استغفاره صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب واستغفار بعض الصحابة لأبويه المشركين { ما كان للنبى والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى } ذوي قرابة { من بعد ما تبين لهم أنهم أصحب الجحيم } النار، بأن ماتوا على الكفر.
[9.114]
{ وما كان استغفار إبرهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدهآ إياه } بقوله:
سأستغفر لك ربي
[47:19] رجاء أن يسلم { فلما تبين له أنه عدو لله } بموته على الكفر { تبرأ منه } وترك الاستغفار له { إن إبرهيم لأواه } كثير التضرع والدعاء { غفور حليم } صبور على الأذى.
[9.115]
{ وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم } للإسلام { حتى يبين لهم ما يتقون } من العمل فلا يتقوه فيستحقوا الإضلال { إن الله بكل شىء عليم } ومنه مستحق الإضلال والهداية.
[9.116]
{ أن الله له ملك السموات والأرض يحى ويميت وما لكم } أيها الناس { من دون الله } أي غيره { من ولى } يحفظكم منه { ولا نصير } يمنع عنكم ضرره.
[9.117]
{ لقد تاب الله } أي أدام توبته { على النبى والمهجرين والأنصر الذين اتبعوه فى ساعة العسرة } أي وقتها، وهي حالهم في غزوة (تبوك): كان الرجلان يقتسمان تمرة، والعشرة يتعقبون البعير الواحد، واشتد الحر حتى شربوا الفرث { من بعد ما كاد تزيغ } بالتاء والياء. تميل { قلوب فريق منهم } عن اتباعه إلى التخلف لما هم فيه من الشدة { ثم تاب عليهم } بالثبات { إنه بهم رءوف رحيم }.
[9.118]
{ و } تاب { على الثلثة الذين خلفوا } عن التوبة عليهم بقرينة { حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت } أي مع رحبها أي سعتها فلا يجدون مكانا يطمئنون إليه { وضاقت عليهم أنفسهم } قلوبهم للغم والوحشة بتأخير توبتهم فلا يسعها سرور ولا أنس { وظنوا } أيقنوا { أن } مخففة { لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم } وفقهم للتوبة { ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم }.
[9.119]
{ يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله } بترك معاصيه { وكونوا مع الصدقين } في الأيمان والعهود: بأن تلزموا الصدق.
[9.120]
{ ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله } إذا غزا { ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه } بأن يصونوها عما رضيه لنفسه من الشدائد، وهو نهي بلفظ الخبر { ذلك } أي النهي عن التخلف { بأنهم } بسبب أنهم { لا يصيبهم ظمأ } عطش { ولا نصب } تعب { ولا مخمصة } جوع { فى سبيل الله ولا يطئون موطئا } مصدر بمعنى (وطأ) { يغيظ } يغضب { الكفار ولا ينالون من عدو } لله { نيلا } قتلا أو أسرا أو نهبا { إلا كتب لهم به عمل صالح } ليجازوا عليه { إن الله لا يضيع أجر المحسنين } أي أجرهم بل يثيبهم.
[9.121]
{ ولا ينفقون } فيه { نفقة صغيرة } ولو تمرة { ولا كبيرة ولا يقطعون واديا } بالسير { إلا كتب لهم } ذلك { ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون } أي جزاءه.
[9.122]
ولما وبخوا على التخلف وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية نفروا جميعا فنزل: { وما كان المؤمنون لينفروا } إلى الغزو { كآفة فلولا } فهلا { نفر من كل فرقة } قبيلة { منهم طآئفة } جماعة ومكث الباقون { ليتفقهوا } أي الماكثون { فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم } من الغزو بتعليمهم ما تعلموه من الأحكام { لعلهم يحذرون } عقاب الله بامتثال أمره ونهيه. قال ابن عباس: فهذه مخصوصة بالسرايا، والتي قبلها بالنهي عن تخلف واحد فيما إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم.
[9.123]
{ يأيها الذين ءامنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } أي الأقرب فالأقرب منهم { وليجدوا فيكم غلظة } شدة: أي أغلظوا عليهم { واعلموا أن الله مع المتقين } بالعون والنصر.
[9.124]
{ وإذا مآ أنزلت سورة } من القرآن { فمنهم } أي المنافقين { من يقول } لأصحابه استهزاء { أيكم زادته هذه إيمنا } تصديقا؟ قال تعالى: { فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا } لتصديقهم بها { وهم يستبشرون } يفرحون بها.
[9.125]
{ وأما الذين فى قلوبهم مرض } ضعف اعتقاد { فزادتهم رجسا إلى رجسهم } كفرا إلى كفرهم لكفرهم بها { وماتوا وهم كفرون }.
[9.126]
{ أو لا يرون } بالياء: أي المنافقون، والتاء: أيها المؤمنون { أنهم يفتنون } يبتلون { فى كل عام مرة أو مرتين } بالقحط والأمراض { ثم لا يتوبون } من نفاقهم { ولا هم يذكرون } يتعظون.
[9.127]
{ وإذا مآ أنزلت سورة } فيها ذكرهم وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم { نظر بعضهم إلى بعض } يريدون الهرب يقولون { هل يراكم من أحد } إذا قمتم؟ فإن لم يرهم أحد قاموا وإلا ثبتوا { ثم انصرفوا } على كفرهم { صرف الله قلوبهم } عن الهدى { بأنهم قوم لا يفقهون } الحق لعدم تدبرهم .
[9.128]
{ لقد جآءكم رسول من أنفسكم } أي منكم محمد صلى الله عليه وسلم { عزيز } شديد { عليه ما عنتم } أي عنتكم، أي مشقتكم ولقاؤكم المكروه { حريص عليكم } أن تهتدوا { بالمؤمنين رءوف } شديد الرحمة { رحيم } يريد لهم الخير.
[9.129]
{ فإن تولوا } عن الإيمان بك { فقل حسبى } كافي { الله لآ إله إلا هو عليه توكلت } به وثقت لا بغيره { وهو رب العرش } الكرسي { العظيم } خصه بالذكر لأنه أعظم المخلوقات. وروى الحاكم في المستدرك عن أبي بن كعب قال: آخر آية نزلت «لقد جاءكم رسول» إلى آخر السورة.
[10 - سورة يونس]
[10.1]
{ الر } الله اعلم بمراده بذلك { تلك } أي هذه الآيات { ءايت الكتب } القرآن، والإضافة بمعنى (من) { الحكيم } المحكم.
[10.2]
{ أكان للناس } أي أهل مكة استفهام إنكار، والجار والمجرور حال من قوله { عجبا } بالنصب خبر «كان» وبالرفع اسمها، والخبر وهو اسمها على الأولى { أن أوحينآ } أي إيحاؤنا { إلى رجل منهم } محمد صلى الله عليه وسلم { أن } مفسرة { أنذر } خوف { الناس } الكافرين بالعذاب { وبشر الذين ءامنوا } أي ب { أن لهم قدم } سلف { صدق عند ربهم } أي أجرا حسنا بما قدموه من الأعمال { قال الكفرون إن هذا } القرآن المشتمل على ذلك { لسحر مبين } بين وفي قراءة (لساحر) والمشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
[10.3]
{ إن ربكم الله الذى خلق السموات والأرض في ستة أيام } من أيام الدنيا أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولا قمر، ولو شاء لخلقهن في لمحة والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت { ثم استوى على العرش } استواء يليق به { يدبر الأمر } بين الخلائق { ما من } زائدة { شفيع } يشفع لأحد { إلا من بعد إذنه } ردا لقولهم: إن الأصنام تشفع لهم { ذلكم } الخالق المدبر { الله ربكم فاعبدوه } وحدوه { أفلا تذكرون } بإدغام التاء في الأصل في الذال.
[10.4]
{ إليه } تعالى { مرجعكم جميعا وعد الله حقا } مصدران منصوبان بفعلهما المقدر { إنه } بالكسر استئنافا، والفتح على تقدير اللام { يبدؤا الخلق } أي بدأه بالإنشاء { ثم يعيده } بالبعث { ليجزى } يثيب { الذين ءامنوا وعملوا الصلحت بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم } ماء بالغ نهاية الحرارة { وعذاب أليم } مؤلم { بما كانوا يكفرون } أي بسبب كفرهم.
[10.5]
{ هو الذى جعل الشمس ضيآء } ذات ضياء: أي نور { والقمر نورا وقدره } من حيث سيره { منازل } ثمانية وعشرين منزلا في ثمان وعشرين ليلة من كل شهر ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما أو ليلة إن كان تسعة وعشرين يوما { لتعلموا } بذلك { عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك } المذكور { إلا بالحق } لا عبثا تعالى عن ذلك { يفصل } بالياء والنون: يبين { الأيت لقوم يعلمون } يتدبرون.
[10.6]
{ إن فى اختلف اليل والنهار } بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان { وما خلق الله فى السموت } من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك { و } في { الأرض } من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغيرها { لأيت } دلالات على قدرته تعالى { لقوم يتقون } ه فيؤمنون: خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها.
[10.7]
{ إن الذين لا يرجون لقآءنا } بالبعث { ورضوا بالحيوة الدنيا } بدل الآخرة لإنكارهم لها { واطمأنوا بها } سكنوا إليها { والذين هم عن ءايتنا } دلائل وحدانيتنا { غفلون } تاركون النظر فيها.
[10.8]
{ أولئك مأوهم النار بما كانوا يكسبون } من الشرك والمعاصي.
[10.9]
{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت يهديهم } يرشدهم { ربهم بإيمانهم } به بأن يجعل لهم نورا يهتدون به يوم القيامة { تجرى من تحتهم الأنهر في جنت النعيم }.
[10.10]
{ دعوهم فيها } طلبهم لما يشتهونه في الجنة أن يقولوا { سبحنك اللهم } أي يا الله، فإذا ما طلبوه وجدوه بين أيديهم { وتحيتهم } فيما بينهم { فيها سلم وءاخر دعوهم أن } مفسرة { الحمد لله رب العلمين }.
[10.11]
ونزل لما استعجل المشركون العذاب: { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم } أي كاستعجالهم { بالخير لقضى } بالبناء للمفعول وللفاعل { إليهم أجلهم } بالرفع والنصب، بأن يهلكهم ولكن يمهلهم { فنذر } نترك { الذين لا يرجون لقآءنا فى طغينهم يعمهون } يترددون متحيرين.
[10.12]
{ وإذا مس الإنسن } الكافر { الضر } المرض والفقر { دعانا لجنبه } أي مضطجعا { أو قاعدا أو قآئما } أي في كل حال { فلما كشفنا عنه ضره مر } على كفره { كأن } مخففة واسمها محذوف: أي كأنه { لم يدعنآ إلى ضر مسه كذلك } كما زين له الدعاء عند الضر والإعراض عند الرخاء { زين للمسرفين } المشركين { ما كانوا يعملون }.
[10.13]
{ ولقد أهلكنا القرون } الأمم { من قبلكم } يا أهل مكة { لما ظلموا } بالشرك { و } قد { جآءتهم رسلهم بالبينت } الدلالات على صدقهم { وما كانوا ليؤمنوا } عطف على «ظلموا» { كذلك } كما أهلكنا أولئك { نجزي القوم المجرمين } الكافرين.
[10.14]
{ ثم جعلنكم } يا أهل مكة { خلئف } جمع (خليفة) { فى الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون } فيها، وهل تعتبرون بهم فتصدقوا رسلنا؟.
[10.15]
{ وإذا تتلى عليهم ءايتنا } القرآن { بينت } ظاهرات حال { قال الذين لا يرجون لقآءنا } لا يخافون البعث { ائت بقرءان غير هذآ } ليس فيه عيب آلهتنا { أو بدله } من تلقاء نفسك { قل } لهم { ما يكون } ينبغي { لى أن أبدله من تلقآئ } قبل { نفسى إن } ما { أتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى } بتبديله { عذاب يوم عظيم } هو يوم القيامة.
[10.16]
{ قل لو شآء الله ما تلوته عليكم ولآ أدركم } أعلمكم { به } و «لا» نافية عطف على ما قبله. وفي قراءة بلام جواب «لو» أي: لأعلمكم به على لسان غيري { فقد لبثت } مكثت { فيكم عمرا } سنين أربعين { من قبله } لا أحدثكم بشيء { أفلا تعقلون } أنه ليس من قبلي؟.
[10.17]
{ فمن } أي لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذبا } بنسبة الشريك إليه { أو كذب بئايته } القرآن { إنه } أي الشأن { لا يفلح } يسعد { المجرمون } المشركون.
[10.18]
{ ويعبدون من دون الله } أي غيره { ما لا يضرهم } إن لم يعبدوه { ولا ينفعهم } إن عبدوه وهو الأصنام { ويقولون } عنها { هؤلاء شفعؤنا عند الله قل } لهم { أتنبئون الله } تخبرونه { بما لا يعلم فى السموت ولا فى الأرض } استفهام إنكار، أي: لو كان له شريك لعلمه، إذ لا يخفى عليه شيء { سبحنه } تنزيها له { وتعلى عما يشركون } ه معه.
[10.19]
{ وما كان الناس إلا أمة واحدة } على دين واحد وهو الإسلام من لدن آدم إلى نوح. وقيل من عهد إبراهيم إلى عمرو بن لحي { فاختلفوا } بأن ثبت بعض وكفر بعض { ولولا كلمة سبقت من ربك } بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة { لقضي بينهم } أي الناس في الدنيا { فيما فيه يختلفون } من الدين بتعذيب الكافرين.
[10.20]
{ ويقولون } أي أهل مكة { لولا } هلا { أنزل عليه } على محمد صلى الله عليه وسلم { ءاية من ربه } كما كان للأنبياء من الناقة والعصا واليد { فقل } لهم { إنما الغيب } ما غاب عن العباد: أي أمره { لله } ومنه الآيات فلا يأتي بها إلا هو، وإنما علي التبليغ { فانتظروا } العذاب إن لم تؤمنوا { إنى معكم من المنتظرين }.
[10.21]
{ وإذا أذقنا الناس } أي كفار مكة { رحمة } مطرا وخصبا { من بعد ضرآء } بؤس وجدب { مستهم إذا لهم مكر فى ءاياتنا } بالاستهزاء والتكذيب { قل } لهم { الله أسرع مكرا } مجازاة { إن رسلنا } الحفظة { يكتبون ما تمكرون } بالتاء والياء.
[10.22]
{ هو الذى يسيركم } وفي قراءة «ينشركم» { فى البر والبحر حتى إذا كنتم فى الفلك } السفن { وجرين بهم } فيه التفات عن الخطاب { بريح طيبة } لينة { وفرحوا بها جآءتها ريح عاصف } شديدة الهبوب تكسر كل شيء { وجآءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم } أي أهلكوا { دعوا الله مخلصين له الدين } الدعاء { لئن } لام القسم { أنجيتنا من هذه } الأهوال { لنكونن من الشكرين } الموحدين.
[10.23]
{ فلمآ أنجهم إذا هم يبغون فى الأرض بغير الحق } بالشرك { يأيها الناس إنما بغيكم } ظلمكم { على أنفسكم } لأن إثمه عليها، هو { متع الحيوة الدنيا } تمتعون فيها قليلا { ثم إلينا مرجعكم } بعد الموت { فننبئكم بما كنتم تعملون } فنجازيكم عليه. وفي قراءة بنصب «متاع» أي: تتمتعون.
[10.24]
{ إنما مثل } صفة { الحيوة الدنيا كماء } مطر { أنزلنه من السمآء فاختلط به } بسببه { نبات الأرض } واشتبك بعضه ببعض { مما يأكل الناس } من البر والشعير وغيرهما { والأنعم } من الكلأ { حتى إذآ أخذت الأرض زخرفها } بهجتها من النبات { وازينت } بالزهر، وأصله: (تزينت)، أبدلت التاء زايا وأدغمت في الزاي { وظن أهلهآ أنهم قدرون عليها } متمكنون من تحصيل ثمارها { أتها أمرنا } قضاؤنا أو عذابنا { ليلا أو نهارا فجعلنها } أي زرعها { حصيدا } كالمحصود بالمناجل { كأن } مخففة أي كأنها { لم تغن } تكن { بالأمس كذلك نفصل } نبين { الأيت لقوم يتفكرون }.
[10.25]
{ والله يدعو إلى دار السلم } أي السلامة وهي الجنة بالدعاء إلى الإيمان { ويهدى من يشآء } هدايته { إلى صرط مستقيم } دين الإسلام.
[10.26]
{ للذين أحسنوا } بالإيمان { الحسنى } الجنة { وزيادة } هي النظر إليه تعالى كما في حديث مسلم { ولا يرهق } يغشى { وجوههم قتر } سواد { ولا ذلة } كآبة { أولئك أصحب الجنة هم فيها خلدون }.
[10.27]
{ والذين } عطف على (الذين أحسنوا)، أي وللذين { كسبوا السيئات } عملوا الشرك { جزآء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من } زائدة { عاصم } مانع { كأنمآ أغشيت } ألبست { وجوههم قطعا } بفتح الطاء جمع (قطعة)، وإسكانها أي جزءا { من اليل مظلما أولئك أصحب النار هم فيها خلدون }.
[10.28]
{ و } اذكر { يوم نحشرهم } أي الخلق { جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم } نصب ب(الزموا) مقدرا { أنتم } تأكيد للضمير المستتر في الفعل المقدر ليعطف عليه { وشركآؤكم } أي الأصنام { فزيلنا } ميزنا { بينهم } وبين المؤمنين كما في آية
وامتزوا اليوم أيها المجرمون
[59:36] { وقال } لهم { شركآؤهم ما كنتم إيانا تعبدون } «ما» نافية، وقدم المفعول للفاصلة.
[10.29]
{ فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن } مخففة أي إنا { كنا عن عبادتكم لغفلين }.
[10.30]
{ هنالك } أي ذلك اليوم { تبلوا } من البلوى. وفي قراءة (تتلو) بتاءين من التلاوة { كل نفس مآ أسلفت } قدمت من العمل { وردوا إلى الله مولهم الحق } الثابت الدائم { وضل } غاب { عنهم ما كانوا يفترون } عليه من الشركاء.
[10.31]
{ قل } لهم { من يرزقكم من السمآء } بالمطر { والأرض } بالنبات { أمن يملك السمع } بمعنى الأسماع أي خلقها { والأبصر ومن يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ومن يدبر الأمر } بين الخلائق؟ { فسيقولون } هو { الله فقل } لهم { أفلا تتقون } ه فتؤمنون؟.
[10.32]
{ فذلكم } الفعال لهذه الأشياء { الله ربكم الحق } الثابت { فماذا بعد الحق إلا الضلل } استفهام تقرير أي ليس بعده غيره، فمن أخطأ الحق - وهو عبادة الله - وقع في الضلال { فإنى } كيف { تصرفون } عن الإيمان مع قيام البرهان؟.
[10.33]
{ كذلك } كما صرف هؤلاء عن الإيمان { حقت كلمة ربك على الذين فسقوا } كفروا. وهي { لأملأن جهنم } الآية، أو هي { أنهم لا يؤمنون }.
[10.34]
{ قل هل من شركآئكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده قل الله يبدؤا الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون } تصرفون عن عبادته مع قيام الدليل؟.
[10.35]
{ قل هل من شركآئكم من يهدى إلى الحق } بنصب الحجج وخلق الاهتداء؟ { قل الله يهدى للحق أفمن يهدى إلى الحق } وهو الله { أحق أن يتبع أمن لا يهدى } يهتدى { إلا أن يهدى } أحق أن يتبع؟ استفهام تقرير وتوبيخ، أي الأول أحق { فما لكم كيف تحكمون } هذا الحكم الفاسد من اتباع ما لا يحق اتباعه؟.
[10.36]
{ وما يتبع أكثرهم } في عبادة الأصنام { إلا ظنا } حيث قلدوا فيه آباءهم { إن الظن لا يغنى من الحق شيئا } فيما المطلوب منه العلم { إن الله عليم بما يفعلون } فيجازيهم عليه.
[10.37]
{ وما كان هذا القرءان أن يفترى } أي افتراء { من دون الله } أي غيره { ولكن } أنزل { تصديق الذى بين يديه } من الكتب { وتفصيل الكتب } تبيين ما كتبه الله من الأحكام وغيرها { لا ريب } شك { فيه من رب العلمين } متعلق بتصديق أو ب «أنزل» المحذوف، وقرىء برفع «تصديق»، و«تفصيل» بتقدير «هو».
[10.38]
{ أم } بل أ { يقولون افتره } اختلقه محمد { قل فأتوا بسورة مثله } في الفصاحة والبلاغة على وجه الافتراء فإنكم عربيون فصحاء مثلي { وادعوا } للإعانة عليه { من استطعتم من دون الله } أي غيره { إن كنتم صدقين } في أنه افتراء. فلم يقدروا على ذلك.
[10.39]
قال تعالى { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } أي القرآن ولم يتدبروه { ولما } لم { يأتهم تأويله } عاقبة ما فيه من الوعيد { كذلك } التكذيب { كذب الذين من قبلهم } رسلهم { فانظر كيف كان عقبة الظلمين } بتكذيب الرسل: أي آخر أمرهم من الهلاك، فكذلك نهلك هؤلاء.
[10.40]
{ ومنهم } أي أهل مكة { من يؤمن به } لعلم الله ذلك منه { ومنهم من لا يؤمن به } أبدا { وربك أعلم بالمفسدين } تهديد لهم.
[10.41]
{ وإن كذبوك فقل } لهم { لى عملى ولكم عملكم } أي لكل جزاء عمله { أنتم بريئون ممآ أعمل وأنا برىء مما تعملون } وهذا منسوخ بآية السيف[5:9].
[10.42]
{ ومنهم من يستمعون إليك } إذا قرأت القرآن { أفأنت تسمع الصم } شبههم بهم في عدم الانتفاع بما يتلى عليهم { ولو كانوا } مع الصمم { لا يعقلون } يتدبرون؟.
[10.43]
{ ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدى العمى ولو كانوا لا يبصرون }؟ شبههم بهم في عدم الاهتداء بل أعظم
فإنها لا تعمى الأبصر ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور
[46:22].
[10.44]
{ إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون }.
[10.45]
{ ويوم يحشرهم كأن } أي كأنهم { لم يلبثوا } في الدنيا أو القبور { إلا ساعة من النهار } لهول ما رأوا، وجملة التشبيه حال من الضمير { يتعارفون بينهم } يعرف بعضهم بعضا إذا بعثوا ثم ينقطع التعارف لشدة الأهوال، والجملة حال مقدرة أو متعلق الظرف { قد خسر الذين كذبوا بلقآء الله } بالبعث { وما كانوا مهتدين }.
[10.46]
{ وإما } فيه إدغام نون «إن» الشرطية في «ما» المزيدة { نرينك بعض الذى نعدهم } به من العذاب في حياتك، وجواب الشرط محذوف: أي فذاك { أو نتوفينك } قبل تعذيبهم { فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد } مطلع { على ما يفعلون } من تكذيبهم وكفرهم فيعذبهم أشد العذاب.
[10.47]
{ ولكل أمة } من الأمم { رسول فإذا جآء رسولهم } إليهم فكذبوه { قضى بينهم بالقسط } بالعدل فيعذبون وينجى الرسول ومن صدقه { وهم لا يظلمون } بتعذيبهم بغير جرم فكذلك نفعل بهؤلاء.
[10.48]
{ ويقولون متى هذا الوعد } للعذاب { إن كنتم صدقين } فيه؟.
[10.49]
{ قل لا أملك لنفسى ضرا } أدفعه { ولا نفعا } أجلبه { إلا ما شآء الله } أن يقدرني عليه، فكيف أملك لكم حلول العذاب؟ { لكل أمة أجل } مدة معلومة لهلاكهم { إذا جآء أجلهم فلا يستئخرون } يتأخرون عنه { ساعة ولا يستقدمون } يتقدمون عليه.
[10.50]
{ قل أرءيتم } أخبروني { إن أتكم عذابه } أي الله { بياتا } ليلا { أو نهارا ماذا } أي شيء { يستعجل منه } أي العذاب { المجرمون } المشركون؟ فيه وضع الظاهر موضع المضمر، وجملة الاستفهام جواب الشرط: كقولك إذا أتيتك ماذا تعطيني؟ والمراد به التهويل أي ما أعظم ما استعجلوه.
[10.51]
{ أثم إذا ما وقع } حل بكم { ءامنتم به } أي الله أو العذاب عند نزوله، والهمزة لإنكار التأخير، فلا يقبل منكم ويقال لكم { ءآلئن } تؤمنون { وقد كنتم به تستعجلون } استهزاء؟.
[10.52]
{ ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد } أي الذي تخلدون فيه { هل } ما { تجزون إلا } جزاء { بما كنتم تكسبون }.
[10.53]
{ ويستنبئونك } يستخبرونك { أحق هو } أي ما وعدتنا به من العذاب والبعث؟ { قل إى } نعم { وربى إنه لحق ومآأنتم بمعجزين } بفائتين العذاب.
[10.54]
{ ولو أن لكل نفس ظلمت } كفرت { ما فى الأرض } جميعا من الأموال { لافتدت به } من العذاب يوم القيامة { وأسروا الندامة } على ترك الإيمان { لما رأوا العذاب } أي أخفاها رؤساؤهم عن الضعفاء الذين أضلوهم مخافة التعيير { وقضى بينهم } بين الخلائق { بالقسط } بالعدل { وهم لا يظلمون } شيئا.
[10.55]
{ ألآ إن لله ما فى السموت والأرض ألآ إن وعد الله } بالبعث والجزاء { حق } ثابت { ولكن أكثرهم } أي الناس { لا يعلمون } ذلك.
[10.56]
{ هو يحى ويميت وإليه ترجعون } في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم.
[10.57]
{ ياأيها الناس } أي أهل مكة { قد جآءتكم موعظة من ربكم } كتاب فيه ما لكم وما عليكم، وهو القرآن { وشفآء } دواء { لما فى الصدور } من العقائد الفاسدة والشكوك { وهدى } من الضلال { ورحمة للمؤمنين } به.
[10.58]
{ قل بفضل الله } الإسلام { وبرحمته } القرآن { فبذالك } الفضل والرحمة { فليفرحوا هو خير مما يجمعون } من الدنيا بالياء والتاء.
[10.59]
{ قل أرءيتم } أخبروني { مآ أنزل الله } خلق { لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا } كالبحيرة والسائبة والميتة { قل ءآلله أذن لكم } في ذلك التحليل والتحريم؟ لا { أم } بل { على الله تفترون } تكذبون بنسبة ذلك إليه.
[10.60]
{ وما ظن الذين يفترون على الله الكذب } أي: أي شيء ظنهم به { يوم القيمة }؟ أيحسبون أنه لا يعاقبهم؟ لا { إن الله لذو فضل على الناس } بإمهالهم والإنعام عليهم { ولكن أكثرهم لا يشكرون }.
[10.61]
{ وما تكون } يا محمد { فى شأن } أمر { وما تتلوا منه } أي من الشأن أو الله { من قرءان } أنزله عليك { ولا تعملون } خاطبه وأمته { من عمل إلا كنا عليكم شهودا } رقباء { إذ تفيضون } تأخذون { فيه } أي العمل { وما يعزب } يغيب { عن ربك من مثقال } وزن { ذرة } أصغر نملة { في الأرض ولا فى السمآء ولآ أصغر من ذلك ولآ أكبر إلا فى كتاب مبين } بين: هو اللوح المحفوظ.
[10.62]
{ ألآ إن أوليآء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الآخرة.
[10.63]
هم { الذين ءامنوا وكانوا يتقون } الله بامتثال أمره ونهيه.
[10.64]
{ لهم البشرى في الحيوة الدنيا } فسرت في حديث صححه الحاكم بالرؤيا الصالحة: يراها الرجل أو ترى له { وفي الأخرة } الجنة والثواب { لا تبديل لكلمات الله } لا خلف لمواعيده { ذلك } المذكور { هو الفوز العظيم }.
[10.65]
{ ولا يحزنك قولهم } لك: «لست مرسلا» وغيره { إن } استئناف { العزة } القوة { لله جميعا هو السميع } للقول { العليم } بالفعل فيجازيهم وينصرك.
[10.66]
{ ألآ إن لله من فى السموات ومن فى الأرض } عبيدا وملكا وخلقا { وما يتبع الذين يدعون } يعبدون { من دون الله } أي غيره أصناما { شركآء } له على الحقيقة تعالى عن ذلك { إن } ما { يتبعون } في ذلك { إلا الظن } أي ظنهم أنها آلهة تشفع لهم { وإن } ما { هم إلا يخرصون } يكذبون في ذلك.
[10.67]
{ هو الذى جعل لكم اليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا } إسناد الإبصار إليه مجاز لأنه يبصر فيه { إن فى ذلك لأيت } دلالات على وحدانيته تعالى { لقوم يسمعون } سماع تدبر واتعاظ.
[10.68]
{ قالوا } أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله { اتخذ الله ولدا } قال تعالى لهم { سبحنه } تنزيها له عن الولد { هو الغنى } عن كل أحد وإنما يطلب الولد من يحتاج إليه { له ما في السموت وما في الأرض } ملكا وخلقا وعبيدا { إن } ما { عندكم من سلطن } حجة { بهذا } الذي تقولونه { أتقولون على الله ما لا تعلمون } استفهام توبيخ.
[10.69]
{ قل إن الذين يفترون على الله الكذب } بنسبة الولد إليه { لا يفلحون } لا يسعدون.
[10.70]
لهم { متع } قليل { فى الدنيا } يتمتعون به مدة حياتهم { ثم إلينا مرجعهم } بالموت { ثم نذيقهم العذاب الشديد } بعد الموت { بما كانوا يكفرون }.
[10.71]
{ واتل } يا محمد { عليهم } أي كفار مكة { نبأ } خبر { نوح } ويبدل منه { إذ قال لقومه يقوم إن كان كبر } شق { عليكم مقامى } لبثي فيكم { وتذكيرى } وعظي إياكم { بئايات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم } اعزموا على أمر تفعلونه بي { وشركآءكم } الواو بمعنى (مع) { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } مستورا بل أظهروه وجاهروني به { ثم اقضوا إلى } امضوا في ما أردتموه { ولا تنظرون } تمهلون، فإني لست مباليا بكم.
[10.72]
{ فإن توليتم } عن تذكيري { فما سألتكم من أجر } ثواب عليه فتولوا { إن } ما { أجرى } ثوابي { إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين }.
[10.73]
{ فكذبوه فنجينه ومن معه فى الفلك } السفينة { وجعلنهم } أي من معه { خلئف } في الأرض { وأغرقنا الذين كذبوا بئايتنا } بالطوفان { فانظر كيف كان عقبة المنذرين } من إهلاكهم، فكذلك نفعل بمن كذبك.
[10.74]
{ ثم بعثنا من بعده } أي نوح { رسلا إلى قومهم } كإبراهيم وهود وصالح { فجآءوهم بالبينت } المعجزات { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل } أي قبل بعث الرسل إليهم { كذلك نطبع } نختم { على قلوب المعتدين } فلا تقبل الإيمان، كما طبعنا على قلوب أولئك.
[10.75]
{ ثم بعثنا من بعدهم موسى وهرون إلى فرعون وملئه } قومه { بئايتنا } التسع { فاستكبروا } عن الإيمان بها { وكانوا قوما مجرمين }.
[10.76]
{ فلما جآءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين } بين ظاهر.
[10.77]
{ قال موسى أتقولون للحق لما جآءكم } إنه لسحر { أسحر هذا }؟ وقد أفلح من أتى به وأبطل سحر السحرة { ولا يفلح السحرون } والاستفهام في الموضعين للإنكار.
[10.78]
{ قالوا أجئتنا لتلفتنا } لتردنا { عما وجدنا عليه ءابآءنا وتكون لكما الكبريآء } الملك { فى الأرض } أرض مصر { وما نحن لكما بمؤمنين } مصدقين.
[10.79]
{ وقال فرعون ائتونى بكل سحر عليم } فائق في علم السحر.
[10.80]
{ فلما جاء السحرة قال لهم موسى } بعدما قالوا له
إما أن تلقى وإما أن نكون نحن الملقين
[115:7] { ألقوا ما أنتم ملقون }.
[10.81]
{ فلمآ ألقوا } حبالهم وعصيهم { قال موسى ما } استفهامية مبتدأ، خبره { جئتم به ءآلسحر } بدل، وفي قراءة (السحر) بهمزة واحدة: (إخبار) ف «ما» اسم موصول مبتدأ { إن الله سيبطله } أي سيمحقه { إن الله لا يصلح عمل المفسدين }.
[10.82]
{ ويحق } يثبت ويظهر { الله الحق بكلمته } بمواعيده { ولو كره المجرمون }.
[10.83]
{ فمآ ءامن لموسى إلا ذرية } طائفة { من } أولاد { قومه } أي فرعون { على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم } يصرفهم عن دينه بتعذيبه { وإن فرعون لعال } متكبر { فى الأرض } أرض مصر { وإنه لمن المسرفين } المتجاوزين الحد بادعاء الربوبية.
[10.84]
{ وقال موسى يقوم إن كنتم ءامنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين }.
[10.85]
{ فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظلمين } أي لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيفتتنوا بنا.
[10.86]
{ ونجنا برحمتك من القوم الكفرين }.
[10.87]
{ وأوحينآ إلى موسى وأخيه أن تبوءا } اتخذا { لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة } مصلى تصلون فيه لتأمنوا من الخوف وكان فرعون منعهم من الصلاة { وأقيموا الصلوة } أتموها { وبشر المؤمنين } بالنصر والجنة.
[10.88]
{ وقال موسى ربنآ إنك ءاتيت فرعون وملأه زينة وأمولا فى الحيوة الدنيا ربنا } آتيتهم ذلك { ليضلوا } في عاقبته { عن سبيلك } دينك { ربنا اطمس على أمولهم } امسخها { واشدد على قلوبهم } اطبع عليها واستوثق { فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } المؤلم. دعا عليهم وأمن هارون على دعائه.
[10.89]
{ قال } تعالى { قد أجيبت دعوتكما } فمسخت أموالهم حجارة ولم يؤمن فرعون حتى أدركه الغرق { فاستقيما } على الرسالة والدعوة إلى أن يأتيهم العذاب { ولا تتبعآن سبيل الذين لا يعلمون } في استعجال قضائي. روي أنه مكث بعدها أربعين سنة.
[10.90]
{ وجوزنا ببنى إسرءيل البحر فأتبعهم } لحقهم { فرعون وجنوده بغيا وعدوا } مفعول له { حتى إذآ أدركه الغرق قال ءامنت أنه } أي بأنه، وفي قراءة بالكسر استئنافا { لآ إله إلا الذى ءامنت به بنوا إسرءيل وأنا من المسلمين } كرره ليقبل منه فلم يقبل، ودس جبريل في فيه من حمأة البحر مخافة أن تناله الرحمة وقال له:
[10.91]
{ ;ءآلئن } تؤمن { وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين } بضلالك وإضلالك عن الإيمان.
[10.92]
{ فاليوم ننجيك } نخرجك من البحر { ببدنك } جسدك الذي لا روح فيه { لتكون لمن خلفك } بعدك { ءاية } عبرة فيعرفوا عبوديتك ولا يقدموا على مثل فعلك. وعن ابن عباس: أن بعض بني إسرائيل شكوا في موته فأخرج لهم ليروه { وإن كثيرا من الناس } أي أهل مكة { عن ءايتنا لغفلون } لا يعتبرون بها.
[10.93]
{ ولقد بوأنا } أنزلنا { بنى إسرءيل مبوأ صدق } منزل كرامة وهو الشام ومصر { ورزقناهم من الطيبت فما اختلفوا } بأن آمن بعض وكفر بعض { حتى جآءهم العلم إن ربك يقضى بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون } من أمر الدين بإنجاء المؤمنين وتعذيب الكافرين.
[10.94]
{ فإن كنت } يا محمد { في شك ممآ أنزلنآ إليك } من القصص فرضا { فسئل الذين يقرءون الكتب } التوراة { من قبلك } فإنه ثابت عندهم يخبروك بصدقه قال صلى الله عليه وسلم
" لا أشك ولا أسأل "
{ لقد جآءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } الشاكين فيه.
[10.95]
{ ولا تكونن من الذين كذبوا بئآيت الله فتكون من الخسرين }.
[10.96]
{ إن الذين حقت } وجبت { عليهم كلمت ربك } بالعذاب { لا يؤمنون }.
[10.97]
{ ولو جآءتهم كل ءاية حتى يروا العذاب الأليم }.
[10.98]
{ فلولا } فهلا { كانت قرية } أريد أهلها { ءامنت } قبل نزول العذاب بها { فنفعهآ إيمنها إلا } لكن { قوم يونس لمآ ءامنوا } عند رؤية أمارة العذاب ولم يؤخروا إلى حلوله { كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحيوة الدنيا ومتعنهم إلى حين } انقضاء آجالهم.
[10.99]
{ ولو شآء ربك لأمن من فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس } بما لم يشأه الله منهم { حتى يكونوا مؤمنين } لا.
[10.100]
{ وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله } بإرادته { ويجعل الرجس } العذاب { على الذين لا يعقلون } يتدبرون آيات الله.
[10.101]
{ قل } لكفار مكة { انظروا ماذا } أي الذي { في السموت والأرض } من الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى { وما تغنى الأيت والنذر } جمع (نذير) أي الرسل { عن قوم لا يؤمنون } في علم الله أي ما تنفعهم؟.
[10.102]
{ فهل } فما { ينتظرون } بتكذيبك { إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم } من الأمم: أي مثل وقائعهم من العذاب { قل فانتظروا } ذلك { إنى معكم من المنتظرين }.
[10.103]
{ ثم ننجى } المضارع لحكاية الحال الماضي { رسلنا والذين ءامنوا } من العذاب { كذلك } الإنجاء { حقا علينا ننجى المؤمنين } النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين تعذيب المشركين.
[10.104]
{ قل يأيها الناس } أي أهل مكة { إن كنتم فى شك من دينى } أنه حق { فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله } أي غيره وهو الأصنام لشككم فيه { ولكن أعبد الله الذى يتوفكم } بقبض أرواحكم { وأمرت أن } أي بأن { أكون من المؤمنين }.
[10.105]
{ و } قيل لي { أن أقم وجهك للدين حنيفا } مائلا إليه { ولا تكونن من المشركين }.
[10.106]
{ ولا تدع } تعبد { من دون الله ما لا ينفعك } إن عبدته { ولا يضرك } إن لم تعبده { فإن فعلت } ذلك فرضا { فإنك إذا من الظلمين }.
[10.107]
{ وإن يمسسك } يصبك { الله بضر } كفقر ومرض { فلا كاشف } رافع { له إلا هو وإن يردك بخير فلا رآد } دافع { لفضله } الذي أرادك به { يصيب به } أي بالخير { من يشآء من عباده وهو الغفور الرحيم }.
[10.108]
{ قل يأيها الناس } أي أهل مكة { قد جآءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه } لأن ثواب اهتدائه له { ومن ضل فإنما يضل عليها } لأن وبال ضلاله عليها { ومآ أنا عليكم بوكيل } فأجبركم على الهدى.
[10.109]
{ واتبع ما يوحى إليك } من ربك { واصبر } على الدعوة وأذاهم { حتى يحكم الله } فيهم بأمره { وهو خير الحكمين } أعدلهم، وقد صبر حتى حكم على المشركين بالقتال وأهل الكتاب بالجزية.
[11 - سورة هود]
[11.1]
{ الر } الله أعلم بمراده بذلك، هذا { كتب أحكمت ءايته } بعجيب النظم وبديع المعاني { ثم فصلت } بينت بالأحكام والقصص والمواعظ { من لدن حكيم خبير } أي الله.
[11.2]
{ أن } ن أي بأن { لا تعبدوا إلا الله إننى لكم منه نذير } بالعذاب إن كفرتم { وبشير } بالثواب إن آمنتم.
[11.3]
{ وأن استغفروا ربكم } من الشرك { ثم توبوا } ارجعوا { إليه } بالطاعة { يمتعكم } في الدنيا { متعا حسنا } بطيب عيش وسعة رزق { إلى أجل مسمى } هو الموت { ويؤت } في الآخرة { كل ذي فضل } في العمل { فضله } جزاءه { وإن تولوا } فيه حذف إحدى التاءين أي تعرضوا { فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير } هو يوم القيامة.
[11.4]
{ إلى الله مرجعكم وهو على كل شىء قدير } ومنه الثواب والعذاب.
[11.5]
ونزل كما رواه البخاري عن ابن عباس فيمن كان يستحي أن يتخلى أو يجامع فيفضي إلى السماء، وقيل في المنافقين { ألآ إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه } أي الله { ألا حين يستغشون ثيابهم } يتغطون بها { يعلم } تعالى { ما يسرون وما يعلنون } فلا يغني استخفاؤهم { إنه عليم بذات الصدور } أي بما في القلوب.
[11.6]
{ وما من } زائدة { دآبة في الأرض } هي ما دب عليها { إلا على الله رزقها } تكفل به فضلا منه تعالى { ويعلم مستقرها } مسكنها في الدنيا أو الصلب { ومستودعها } بعد الموت أو في الرحم { كل } مما ذكر { فى كتب مبين } بين هو اللوح المحفوظ.
[11.7]
{ وهو الذى خلق السموت والأرض في ستة أيام } أولها الأحد وآخرها الجمعة { وكان عرشه } قبل خلقهما { على المآء } وهو على متن الريح { ليبلوكم } متعلق ب «خلق» أي خلقهما وما فيهما منافع لكم ومصالح ليختبركم { أيكم أحسن عملا } أي أطوع لله { ولئن قلت } يا محمد لهم { إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن } ما { هذآ } القرآن الناطق بالبعث والذي تقوله { إلا سحر مبين } بين، وفي قراءة «ساحر» والمشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
[11.8]
{ ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى } مجيء { أمة } أوقات { معدودة ليقولن } استهزاء { ما يحبسه } ما يمنعه من النزول؟ قال تعالى: { ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا } مدفوعا { عنهم وحاق } نزل { بهم ما كانوا به يستهزءون } من العذاب.
[11.9]
{ ولئن أذقنا الإنسن } الكافر { منا رحمة } غنى وصحة { ثم نزعنها منه إنه ليئوس } قنوط من رحمة الله { كفور } شديد الكفر به.
[11.10]
{ ولئن أذقنه نعمآء بعد ضرآء } فقر وشدة { مسته ليقولن ذهب السيئات } المصائب { عني } ولم يتوقع زوالها ولا شكر عليها { إنه لفرح } بطر { فخور } على الناس بما أوتي.
[11.11]
{ إلا } لكن { الذين صبروا } على الضراء { وعملوا الصلحت } في النعماء { أولئك لهم مغفرة وأجر كبير } هو الجنة.
[11.12]
{ فلعلك } يا محمد { تارك بعض ما يوحى إليك } فلا تبلغهم إياه لتهاونهم به { وضآئق به صدرك } بتلاوته عليهم لأجل { أن يقولوا لولا } هلا { أنزل عليه كنز أو جآء معه ملك } يصدقه كما اقترحنا { إنمآ أنت نذير } فلا عليك إلا البلاغ لا الإتيان بما اقترحوه { والله على كل شىء وكيل } حفيظ فيجازيهم.
[11.13]
{ أم } بل أ { يقولون افتره } أي القرآن؟ { قل فأتوا بعشر سور مثله } في الفصاحة والبلاغة { مفتريت } فإنكم عربيون فصحاء مثلي، تحداهم بها أولا ثم بسورة { وادعوا } للمعاونة على ذلك { من استطعتم من دون الله } أي غيره { إن كنتم صدقين } في أنه افتراء.
[11.14]
{ فإ } ن { لم يستجيبوا لكم } أي من دعوتموهم للمعاونة { فاعلموا } خطاب للمشركين { أنمآ أنزل } متلبسا { بعلم الله } وليس افتراء عليه { وأن } مخففة أي أنه { لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون } بعد هذه الحجة القاطعة؟ أي أسلموا.
[11.15]
{ من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها } بأن أصر على الشرك، وقيل: هي في المرائين { نوف إليهم أعملهم } أي جزاء ما عملوه من خير كصدقة وصلة رحم { فيها } بأن نوسع عليهم رزقهم { وهم فيها } أي الدنيا { لا يبخسون } ينقصون شيئا.
[11.16]
{ أولئك الذين ليس لهم فى الأخرة إلا النار وحبط } بطل { ما صنعوا فيها } أي الآخرة فلا ثواب له { وبطل ما كانوا يعملون }.
[11.17]
{ أفمن كان على بينة } بيان { من ربه } وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو المؤمنون وهي القرآن { ويتلوه } يتبعه { شاهد } له بصدقه { منه } أي من الله وهو جبريل { ومن قبله } أي القرآن { كتب موسى } التوراة شاهد له أيضا { إماما ورحمة }؟ حال، كمن ليس كذلك؟ لا { أولئك } أي من كان على بينة { يؤمنون به } أي بالقرآن فلهم الجنة { ومن يكفر به من الأحزاب } جميع الكفار { فالنار موعده فلا تك فى مرية } شك { منه } من القرآن { إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس } أي أهل مكة { لا يؤمنون }.
[11.18]
{ ومن } أي لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذبا } بنسبة الشريك والولد إليه { أولئك يعرضون على ربهم } يوم القيامة في جملة الخلق { ويقول الأشهد } جمع (شاهد) وهم الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ وعلى الكفار بالتكذيب { هؤلآء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظلمين } المشركين.
[11.19]
{ الذين يصدون عن سبيل الله } دين الإسلام { ويبغونها } يطلبون السبيل { عوجا } معوجة { وهم بالأخرة هم } تأكيد { كفرون }.
[11.20]
{ أولئك لم يكونوا معجزين } الله { فى الأرض وما كان لهم من دون الله } أي غيره { من أوليآء } أنصار يمنعونهم من عذابه { يضعف لهم العذاب } بإضلالهم غيرهم { ما كانوا يستطيعون السمع } للحق { وما كانوا يبصرون } ه أي لفرط كراهتهم له، كأنهم لم يستطيعوا ذلك.
[11.21]
{ أولائك لذين خسروا أنفسهم } لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم { وضل } غاب { عنهم ما كانوا يفترون } على الله من دعوى الشريك.
[11.22]
{ لا جرم } حقا { أنهم فى الأخرة هم الأخسرون }.
[11.23]
{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت وأخبتوا } سكنوا واطمأنوا أو أنابوا { إلى ربهم أولئك أصحب الجنة هم فيها خلدون }.
[11.24]
{ مثل } صفة { الفريقين } الكفار والمؤمنين { كالأعمى والأصم } هذا مثل الكافر { والبصير والسميع } هذا مثل المؤمن { هل يستويان مثلا }؟ لا { أفلا تذكرون } فيه إدغام التاء في الأصل في الذال: تتعظون.
[11.25]
{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إنى } أي بأني، وفي قراءة بالكسر على حذف القول { لكم نذير مبين } بين الإنذار.
[11.26]
{ أن } أي بأن { لا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم } إن عبدتم غيره { عذاب يوم أليم } مؤلم في الدنيا والآخرة.
[11.27]
{ فقال الملأ الذين كفروا من قومه } وهم الأشراف { ما نرك إلا بشرا مثلنا } ولا فضل لك علينا { وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا } أسافلنا كالحاكة والأساكفة { بادى الرأى } بالهمز وتركه: أي ابتداء من غير تفكر فيك ونصبه على الظرف: أي وقت حدوث أول رأيهم { وما نرى لكم علينا من فضل } تستحقون به الاتباع منا { بل نظنكم كذبين } في دعوى الرسالة أدرجوا قومه معه في الخطاب.
[11.28]
{ قال يقوم أرءيتم } أخبروني { إن كنت على بينة } بيان { من ربى وءاتنى رحمة } نبوة { من عنده فعميت } خفيت { عليكم } وفي قراءة بتشديد الميم والبناء للمفعول { أنلزمكموها } أنجبركم على قبولها { وأنتم لها كرهون } لا نقدر على ذلك.
[11.29]
{ ويقوم لآ أسئلكم عليه } على تبليغ الرسالة { مالا } تعطونيه { إن } ما { أجرى } ثوابي { إلا على الله ومآ أنا بطارد الذين ءامنوا } كما أمرتموني { إنهم ملقو ربهم } بالبعث فيجازيهم ويأخذ لهم ممن ظلمهم وطردهم { ولكنى أركم قوما تجهلون } عاقبة أمركم.
[11.30]
{ ويقوم من ينصرنى } يمنعني { من الله } أي عذابه { إن طردتهم } أي لا ناصر لي { أفلا } فهلا { تذكرون } بإدغام التاء الثانية في الأصل في الذال: تتعظون.
[11.31]
{ ولآ أقول لكم عندى خزآئن الله ولآ } أني { أعلم الغيب ولآ أقول إنى ملك } بل أنا بشر مثلكم { ولا أقول للذين تزدرى } تحتقر { أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما فى أنفسهم } قلوبهم { إنى إذا } إن قلت ذلك { لمن الظلمين }.
[11.32]
{ قالوا ينوح قد جدلتنا } خاصمتنا { فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا } به من العذاب { إن كنت من الصدقين } فيه.
[11.33]
{ قال إنما يأتيكم به الله إن شآء } تعجيله لكم فإن أمره إليه لا إلي { وما أنتم بمعجزين } بفائتين الله.
[11.34]
{ ولا ينفعكم نصحى إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } أي إغواءكم وجواب الشرط دل عليه و(لا ينفعكم نصحى ) { هو ربكم وإليه ترجعون }.
[11.35]
قال تعالى { أم } بل أ { يقولون } أي كفار مكة { افتره } اختلق محمد القرآن { قل إن افتريته فعلى إجرامى } إثمي، أي عقوبته { وأنا برىء مما تجرمون } من إجرامكم في نسبة الافتراء.
[11.36]
{ وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد ءامن فلا تبتئس } تحزن { بما كانوا يفعلون } من الشرك، فدعا عليهم بقوله
رب لا تذر على الارض
[26:71] فأجاب الله تعالى دعاءه وقال:
[11.37]
{ واصنع الفلك } السفينة { بأعيننا } بمرأى منا وحفظنا { ووحينا } أمرنا { ولا تخطبنى فى الذين ظلموا } كفروا بترك إهلاكهم { إنهم مغرقون }.
[11.38]
{ ويصنع الفلك } حكاية حال ماضية { وكلما مر عليه ملأ } جماعة { من قومه سخروا منه } استهزأوا به { قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون } إذا نجونا وغرقتم.
[11.39]
{ فسوف تعلمون من } موصولة مفعول العلم { يأتيه عذاب يخزيه ويحل } ينزل { عليه عذاب مقيم } دائم.
[11.40]
{ حتى } غاية للصنع { إذا جآء أمرنا } بإهلاكهم { وفار التنور } للخباز بالماء، - وكان ذلك علامة لنوح - { قلنا احمل فيها } في السفينة { من كل زوجين } أي ذكر وأنثى: أي من كل أنواعهما { اثنين } ذكرا وأنثى وهو مفعول، وفي القصة أن الله حشر لنوح السباع والطير وغيرهما، فجعل يضرب بيديه في كل نوع فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيحملهما في السفينة { وأهلك } أي زوجته وأولاده { إلا من سبق عليه القول } أي منهم بالإهلاك وهو زوجته وولده (كنعان) بخلاف (سام) و(حام) و(يافث) فحملهم وزوجاتهم الثلاثة { ومن ءامن ومآ ءامن معه إلا قليل } قيل كانوا ستة رجال ونساءهم، وقيل جميع من كان في السفينة ثمانون نصفهم رجال ونصفهم نساء.
[11.41]
{ وقال } نوح { اركبوا فيها بسم الله مجرها ومرسها } بفتح الميمين وضمهما مصدران أي جريها ورسوها أي منتهى سيرها { إن ربى لغفور رحيم } حيث لم يهلكنا.
[11.42]
{ وهى تجرى بهم فى موج كالجبال } في الارتفاع والعظم { ونادى نوح ابنه } كنعان { وكان فى معزل } عن السفينة { يبنى اركب معنا ولا تكن مع الكفرين }.
[11.43]
{ قال سئاوى إلى جبل يعصمنى } يمنعني { من المآء قال لا عاصم اليوم من أمر الله } عذابه { إلا } لكن { من رحم } الله فهو المعصوم. قال تعالى { وحال بينهما الموج فكان من المغرقين }.
[11.44]
{ وقيل يأرض ابلعى مآءك } الذي نبع منك فشربته دون ما نزل من السماء فصار أنهارا وبحارا { ويسمآء أقلعى } أمسكي عن المطر فأمسكت { وغيض } نقص { المآء وقضى الأمر } تم أمر هلاك قوم نوح { واستوت } وقفت السفينة { على الجودى } جبل بالجزيرة بقرب (الموصل) { وقيل بعدا } هلاكا { للقوم الظلمين } الكافرين.
[11.45]
{ ونادى نوح ربه فقال رب إن ابنى } كنعان { من أهلى } وقد وعدتني بنجاتهم { وإن وعدك الحق } الذي لا خلف فيه { وأنت أحكم الحكمين } أعلمهم وأعدلهم.
[11.46]
{ قال } تعالى { ينوح إنه ليس من أهلك } الناجين أو من أهل دينك { إنه } أي سؤالك إياي بنجاته { عمل غير صلح } فإنه كافر ولا نجاة للكافرين، وفي قراءة بكسر ميم «عمل» فعل، ونصب «غير» فالضمير لابنه { فلا تسئلن } بالتشديد والتخفيف { ما ليس لك به علم } من إنجاء ابنك { إنى أعظك أن تكون من الجهلين } بسؤالك ما لم تعلم.
[11.47]
{ قال رب إنى أعوذ بك } من { أن أسئلك ما ليس لى به علم وإلا تغفر لى } ما فرط مني { وترحمنى أكن من الخسرين }.
[11.48]
{ قيل ينوح اهبط } انزل من السفينة { بسلم } بسلامة أو بتحية { منا وبركت } خيرات { عليك وعلى أمم ممن معك } في السفينة أي من أولادهم وذريتهم وهم المؤمنون { وأمم } بالرفع ممن معك { سنمتعهم } في الدنيا { ثم يمسهم منا عذاب أليم } في الآخرة وهم الكفار.
[11.49]
{ تلك } أي هذه الآيات المتضمنة قصة نوح { من أنبآء الغيب } أخبار ما غاب عنك { نوحيهآ إليك } يا محمد { ما كنت تعلمهآ أنت ولا قومك من قبل هذا } القرآن { فاصبر } على التبليغ وأذى قومك كما صبر نوح { إن العقبة } المحمودة { للمتقين }.
[11.50]
{ و } أرسلنا { إلى عاد أخاهم } من القبيلة { هودا قال ياقوم اعبدوا الله } وحدوه { ما لكم من } زائدة { إله غيره إن } ما { أنتم } في عبادتكم الأوثان { إلا مفترون } كاذبون على الله.
[11.51]
{ يقوم لآ أسئلكم عليه } على التوحيد { أجرا إن } ما { أجرى إلا على الذى فطرنى } خلقني { أفلا تعقلون }.
[11.52]
{ ويقوم استغفروا ربكم } من الشرك { ثم توبوا } ارجعوا { إليه } بالطاعة { يرسل السمآء } المطر - وكانوا قد منعوه - { عليكم مدرارا } كثير الدرور { ويزدكم قوة إلى } مع { قوتكم }. بالمال والولد { ولا تتولوا مجرمين } مشركين.
[11.53]
{ قالوا يهود ما جئتنا ببينة } برهان على قولك { وما نحن بتاركى ءالهتنا عن قولك } أي لقولك { وما نحن لك بمؤمنين }.
[11.54]
{ إن } ما { نقول } في شأنك { إلا اعترك } أصابك { بعض ءالهتنا بسوء } فخبلك لسبك إياها فأنت تهذي { قال إنى أشهد الله } علي { واشهدوا أنى برىء مما تشركون } ه به.
[11.55]
{ من دونه فكيدونى } احتالوا في هلاكي { جميعا } أنتم وأوثانكم { ثم لا تنظرون } تمهلون.
[11.56]
{ إنى توكلت على الله ربى وربكم ما من } زائدة { دآبة } نسمة تدب على الأرض { إنى توكلت على الله } أي مالكها وقاهرها فلا نفع ولا ضرر إلا بإذنه، وخص (الناصية) بالذكر لأن من أخذ بناصيته يكون في غاية الذل { إن ربى على صرط مستقيم } أي طريق الحق والعدل.
[11.57]
{ فإن تولوا } فيه حذف إحدى التاءين، أي تعرضوا { فقد أبلغتكم مآ أرسلت به إليكم ويستخلف ربى قوما غيركم ولا تضرونه شيئا } بإشراككم { إن ربى على كل شىء حفيظ } رقيب.
[11.58]
{ ولما جآء أمرنا } عذابنا { نجينا هودا والذين ءامنوا معه برحمة } هداية { منا ونجيناهم من عذاب غليظ } شديد.
[11.59]
{ وتلك عاد } إشارة إلى آثارهم، أي فسيحوا في الأرض وانظروا إليها، ثم وصف أحوالهم فقال { جحدوا بئايت ربهم وعصوا رسله } جمع لأن من عصى رسولا عصى جميع الرسل لاشتراكهم في أصل ما جاؤوا به وهو التوحيد { واتبعوا } أي السفلة { أمر كل جبار عنيد } معاند للحق من رؤسائهم.
[11.60]
{ وأتبعوا فى هذه الدنيا لعنة } من الناس { ويوم القيمة } لعنة على رؤوس الخلائق { ألآ إن عادا كفروا } جحدوا { ربهم ألا بعدا } من رحمة الله { لعاد قوم هود }.
[11.61]
{ و } ارسلنا { إلى ثمود أخاهم } من القبيلة { صلحا قال يقوم اعبدوا الله } وحدوه { مالكم من إله غيره هو أنشأكم } ابتدأ خلقكم { من الأرض } بخلق أبيكم آدم منها { واستعمركم فيها } جعلكم عمارا تسكنون بها { فاستغفروه } من الشرك { ثم توبوا } ارجعوا { إليه } بالطاعة { إن ربى قريب } من خلقه بعلمه { مجيب } لمن سأله.
[11.62]
{ قالوا يصلح قد كنت فينا مرجوا } نرجو أن تكون سيدا { قبل هذا } الذي صدر منك { أتنهنا أن نعبد ما يعبد ءابآؤنا } من الأوثان { وإننا لفى شك مما تدعونا إليه } من التوحيد { مريب } موقع في الريب.
[11.63]
{ قال يقوم أرءيتم إن كنت على بينة } بيان { من ربى وءاتنى منه رحمة } نبوة { فمن ينصرنى } يمنعني { من الله } أي عذابه { إن عصيته فما تزيدوننى } بأمركم لي بذلك { غير تخسير } تضليل.
[11.64]
{ ويقوم هذه ناقة الله لكم ءاية } حال عامله الإشارة { فذروها تأكل فى أرض الله ولا تمسوها بسوء } عقر { فيأخذكم عذاب قريب } إن عقرتموها.
[11.65]
{ فعقروها } عقرها قدار بأمرهم { فقال } صالح { تمتعوا } عيشوا { فى داركم ثلثة أيام } ثم تهلكون { ذلك وعد غير مكذوب } فيه.
[11.66]
{ فلما جآء أمرنا } بإهلاكهم { نجينا صلحا والذين ءامنوا معه } وهم أربعة آلاف { برحمة منا و } نجيناهم { من خزى يومئذ } بكسر الميم إعرابا، وفتحها بناء لإضافته إلى مبني وهو الأكثر { إن ربك هو القوى العزيز } الغالب.
[11.67]
{ وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا فى ديرهم جثمين } باركين على الركب ميتين.
[11.68]
{ كأن } مخففة واسمها محذوف أي كأنهم { لم يغنوا } يقيموا { فيهآ } في دارهم { ألآ إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود } بالصرف وتركه على معنى الحي والقبيلة.
[11.69]
{ ولقد جآءت رسلنآ إبرهيم بالبشرى } بإسحق ويعقوب بعده { قالوا سلما } مصدر { قال سلم } عليكم { فما لبث أن جآء بعجل حنيذ } مشوي.
[11.70]
{ فلما رءآ أيديهم لا تصل إليه نكرهم } بمعنى أنكرهم { وأوجس } أضمر في نفسه { منهم خيفة } خوفا { قالوا لا تخف إنآ أرسلنآ إلى قوم لوط } لنهلكهم.
[11.71]
{ وامرأته } أي امرأة إبراهيم (سارة) { قآئمة } تخدمهم { فضحكت } استبشارا بهلاكهم { فبشرنها بإسحق ومن ورآء } بعد { إسحق يعقوب } ولده تعيش إلى أن تراه.
[11.72]
{ قالت يويلتى } كلمة تقال عند أمر عظيم، والألف مبدلة من ياء الإضافة { ءألد وأنا عجوز } لي تسع وتسعون سنة { وهذا بعلى شيخا } له مائة وعشرون سنة، ونصبه على الحال، والعامل فيه ما في «ذا» من الإشارة { إن هذا لشىء عجيب } أن يولد ولد لهرمين.
[11.73]
{ قالوا أتعجبين من أمر الله } قدرته { رحمت الله وبركته عليكم } يا { أهل البيت } بيت إبراهيم { إنه حميد } محمود { مجيد } كريم.
[11.74]
{ فلما ذهب عن إبرهيم الروع } الخوف { وجآءته البشرى } بالولد أخذ { يجدلنا } يجادل رسلنا { فى } شأن { قوم لوط }.
[11.75]
{ إن إبرهيم لحليم } كثير الأناة { أوه منيب } رجاع، فقال لهم: أتهلكون قرية فيها ثلثمائة مؤمن؟ قالوا لا قال: أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن؟ قالوا لا قال: أفتهلكون قرية فيها أربعون مؤمنا؟ قالوا لا قال: أفتهلكون قرية فيها أربعة عشر مؤمنا؟ قالوا لا، قال: أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد؟ قالوا: لا، قال:
قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها
[32:29] الخ.
[11.76]
فلما أطال مجادلتهم قالوا { يإبرهيم أعرض عن هذا } الجدال { إنه قد جآء أمر ربك } بهلاكهم { وإنهم ءاتيهم عذاب غير مردود }.
[11.77]
{ ولما جآءت رسلنا لوطا سىء بهم } حزن بسببهم { وضاق بهم ذرعا } صدرا لأنهم حسان الوجوه في صورة أضياف فخاف عليهم قومه { وقال هذا يوم عصيب } شديد.
[11.78]
{ وجآءه قومه } لما علموا بهم { يهرعون } يسرعون { إليه ومن قبل } قبل مجيئهم { كانوا يعملون السيئات } وهي إتيان الرجال في الأدبار { قال } لوط { يقوم هؤلآء بناتى } تزوجوهن { هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون } تفضحون { فى ضيفى } أضيافي { أليس منكم رجل رشيد } يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟.
[11.79]
{ قالوا لقد علمت ما لنا فى بناتك من حق } حاجة { وإنك لتعلم ما نريد } من إتيان الرجال.
[11.80]
{ قال لو أن لى بكم قوة } طاقة { أو ءاوى إلى ركن شديد } عشيرة تنصرني لبطشت بكم.
[11.81]
فلما رأت الملائكة ذلك: { قالوا يلوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك } بسوء { فأسر بأهلك بقطع } طائفة { من اليل ولا يلتفت منكم أحد } لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم { إلا امرأتك } بالرفع بدل من «أحد» وفي قراءة بالنصب استثناء من الأهل : أي فلا تسر بها { إنه مصيبها مآ أصابهم } فقيل: لم يخرج بها وقيل: خرجت والتفتت فقالت: واقوماه، فجاءها حجر فقتلها وسألهم عن وقت هلاكهم فقالوا { إن موعدهم الصبح } فقال: أريد أعجل من ذلك، قالوا { أليس الصبح بقريب }.
[11.82]
{ فلما جآء أمرنا } بإهلاكهم { جعلنا عليها } أي قراهم { سافلها } أي بأن رفعها جبريل إلى السماء وأسقطها مقلوبة إلى الأرض { وأمطرنا عليها حجارة من سجيل } طين طبخ بالنار { منضود } متتابع.
[11.83]
{ مسومة } معلمة عليها اسم من يرمى بها { عند ربك } ظرف لها { وما هى } الحجارة أو بلادهم { من الظلمين } أي أهل مكة { ببعيد }.
[11.84]
{ و } أرسلنا { إلى مدين أخاهم شعيبا قال يقوم اعبدوا الله } وحدوه { ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إنى أركم بخير } نعمة تغنيكم عن التطفيف { وإنى أخاف عليكم } إن لم تؤمنوا { عذاب يوم محيط } بكم يهلككم، وصف اليوم به مجاز لوقوعه فيه.
[11.85]
{ ويقوم أوفوا المكيال والميزان } أتموهما { بالقسط } بالعدل { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } لا تنقصوهم من حقهم شيئا { ولا تعثوا فى الأرض مفسدين } بالقتل وغيره من «عثي» بكسر المثلثة: أفسد، ومفسدين: حال مؤكدة لمعنى عاملها «تعثوا».
[11.86]
{ بقيت الله } رزقه الباقي لكم بعد إيفاء الكيل والوزن { خير لكم } من البخس { إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ } رقيب أجازيكم بأعمالكم، إنما بعثت نذيرا.
[11.87]
{ قالوا } له استهزاء { يشعيب أصلوتك تأمرك } بتكليف { أن نترك ما يعبد ءابآؤنآ } من الأصنام { أو } نترك { أن نفعل في أمولنا ما نشؤا } المعنى: هذا أمر باطل لا يدعو إليه داع بخير { إنك لأنت الحليم الرشيد } قالوا ذلك استهزاء.
[11.88]
{ قال يقوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربى ورزقنى منه رزقا حسنا } حلالا؟ أفأشوبه بالحرام من البخس والتطفيف؟ { ومآ أريد أن أخالفكم } وأذهب { إلى مآ أنهكم عنه } فأرتكبه { إن } ما { أريد إلا الإصلح } لكم بالعدل { ما استطعت وما توفيقى } قدرتي على ذلك وغيره من الطاعات { إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب } أرجع.
[11.89]
{ ويقوم لا يجرمنكم } يكسبنكم { شقاقى } خلافي فاعل (يجرم)، والضمير مفعول أول، والثاني { أن يصيبكم مثل مآ أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صلح } من العذاب { وما قوم لوط } أي منازلهم أو زمن هلاكهم { منكم ببعيد } فاعتبروا.
[11.90]
{ واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربى رحيم } بالمؤمنين { ودود } محب لهم.
[11.91]
{ قالوا } إيذانا بقلة المبالاة { يشعيب ما نفقه } نفهم { كثيرا مما تقول وإنا لنرك فينا ضعيفا } ذليلا { ولولا رهطك } عشيرتك { لرجمنك } بالحجارة { ومآ أنت علينا بعزيز } كريم عن الرجم، وإنما رهطك هم الأعزة.
[11.92]
{ قال يقوم أرهطى أعز عليكم من الله } فتتركوا قتلي لأجلهم ولا تحفظوني لله { واتخذتموه } أي الله { ورآءكم ظهريا } منبوذا خلف ظهوركم لا تراقبونه؟ { إن ربى بما تعملون محيط } علما فيجازيكم.
[11.93]
{ ويقوم اعملوا على مكانتكم } حالتكم { إنى عمل } على حالتي { سوف تعلمون من } موصولة مفعول العلم { يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا } انتظروا عاقبة أمركم { إنى معكم رقيب } منتظر.
[11.94]
{ ولما جآء أمرنا } بإهلاكهم { نجينا شعيبا والذين ءامنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة } صاح بهم جبريل { فأصبحوا فى ديارهم جثمين } باركين على الركب ميتين.
[11.95]
{ كأن } مخففة: أي كأنهم { لم يغنوا } يقيموا { فيهآ ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود }.
[11.96]
{ ولقد أرسلنا موسى بئايتنا وسلطن مبين } برهان بين ظاهر.
[11.97]
{ إلى فرعون وملإيه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد } سديد.
[11.98]
{ يقدم } يتقدم { قومه يوم القيمة } فيتبعونه كما اتبعوه في الدنيا { فأوردهم } أدخلهم { النار وبئس الورد المورود } هي.
[11.99]
{ وأتبعوا فى هذه } أي الدنيا { لعنة ويوم القيمة } لعنة { بئس الرفد } العون { المرفود } رفدهم.
[11.100]
{ ذلك } المذكور، مبتدأ خبره { من أنبآء القرى نقصه عليك } يا محمد { منها } أي القرى { قآئم } هلك أهله دونه { و } منها { حصيد } هلك بأهله فلا أثر له كالزرع المحصود بالمناجل.
[11.101]
{ وما ظلمنهم } بإهلاكهم بغير ذنب { ولكن ظلموا أنفسهم } بالشرك { فمآ أغنت } دفعت { عنهم ءالهتهم التى يدعون } يعبدون { من دون الله } أي غيره { من } زائدة { شىء لما جآء أمر ربك } عذابه { وما زادوهم } بعبادتهم لها { غير تتبيب } تخسير.
[11.102]
{ وكذلك } مثل الأخذ { أخذ ربك إذا أخذ القرى } أريد أهلها { وهى ظلمة } بالذنوب: أي فلا يغني عنهم من أخذه شيء { إن أخذه أليم شديد } روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته "
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وكذلك أخذ ربك } الآية.
[11.103]
{ إن فى ذلك } المذكور من القصص { لأية } لعبرة { لمن خاف عذاب الأخرة ذلك } أي يوم القيامة { يوم مجموع له } فيه { الناس وذلك يوم مشهود } يشهده جميع الخلائق.
[11.104]
{ وما نؤخره إلا لأجل معدود } لوقت معلوم عند الله.
[11.105]
{ يوم يأت } ذلك اليوم { لا تكلم } فيه حذف إحدى التاءين { نفس إلا بإذنه } تعالى { فمنهم } أي الخلق { شقى } منهم { سعيد } كتب كل في الأزل.
[11.106]
{ فأما الذين شقوا } في علمه تعالى { ففى النار لهم فيها زفير } صوت شديد { وشهيق } صوت ضعيف.
[11.107]
{ خلدين فيها ما دامت السموت والأرض } أي مدة دوامهما في الدنيا { إلا } غير { ما شآء ربك } من الزيادة على مدتهما مما لا منتهى له، والمعنى خالدين فيها أبدا { إن ربك فعال لما يريد }.
[11.108]
{ وأما الذين سعدوا } بفتح السين وضمها { ففى الجنة خلدين فيها ما دامت السموت والأرض إلا } غير { ما شآء ربك } كما تقدم، ودل عليه فيهم قوله { عطآء غير مجذوذ } مقطوع وما تقدم من التأويل هو الذي ظهر، وهو خال من التكلف، والله أعلم بمراده.
[11.109]
{ فلا تك } يا محمد { فى مرية } شك { مما يعبد هؤلاء } من الأصنام إنا نعذبهم كما عذبنا من قبلهم، وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم { ما يعبدون إلا كما يعبد ءابآؤهم } أي كعادتهم { من قبل } وقد عذبناهم { وإنا لموفوهم } مثلهم { نصيبهم } حظهم من العذاب { غير منقوص } أي تاما.
[11.110]
{ ولقد ءاتينا موسى الكتب } التوراة { فاختلف فيه } بالتصديق والتكذيب كالقرآن { ولولا كلمة سبقت من ربك } بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة { لقضي بينهم } في الدنيا فيما اختلفوا فيه { وإنهم } أي المكذبين به { لفى شك منه مريب } موقع في الريبة.
[11.111]
{ وإن } بالتخفيف والتشديد { كلا } أي كل الخلائق { لما } «ما» زائدة، واللام موطئة لقسم مقدر أو فارقة وفي قراءة بتشديد «لما » بمعنى «إلا» ف «إن» نافية { ليوفينهم ربك أعملهم } أي جزاءها { إنه بما يعملون خبير } عالم ببواطنه كظواهره.
[11.112]
{ فاستقم } على العمل بأمر ربك والدعاء إليه { كمآ أمرت و } ليستقم { من تاب } آمن { معك ولا تطغوا } تجاوزوا حدود الله { إنه بما تعملون بصير } فيجازيكم به.
[11.113]
{ ولا تركنوا } تميلوا { إلى الذين ظلموا } بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم { فتمسكم } تصيبكم { النار وما لكم من دون الله } أي غيره { من } زائدة { أوليآء } يحفظونكم منه { ثم لا تنصرون } تمنعون من عذابه.
[11.114]
{ وأقم الصلوة طرفى النهار } الغداة والعشي: أي الصبح والظهر والعصر { وزلفا } جمع زلفة. أي طائفة { من اليل } أي المغرب والعشاء { إن الحسنت } كالصلوات الخمس { يذهبن السيئت } الذنوب الصغائر، نزلت فيمن قبل أجنبية، فأخبره صلى الله عليه وسلم فقال: ألي هذا؟ فقال:
" لجميع أمتي كلهم "
، رواه الشيخان { ذلك ذكرى للذكرين } عظة للمتعظين.
[11.115]
{ واصبر } يا محمد على أذى قومك أو على الصلاة { فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } بالصبر على الطاعة.
[11.116]
{ فلولا } فهلا { كان من القرون } الأمم الماضية { من قبلكم أولوا بقية } أصحاب دين وفضل { ينهون عن الفساد فى الأرض } المراد به النفي: أي ما كان فيهم ذلك { إلا } لكن { قليلا ممن أنجينا منهم } نهوا فنجوا، و«من» للبيان { واتبع الذين ظلموا } بالفساد وترك النهي { مآ أترفوا } نعموا { فيه وكانوا مجرمين }.
[11.117]
{ وما كان ربك ليهلك القرى بظلم } منه لها { وأهلها مصلحون } مؤمنون.
[11.118]
{ ولو شآء ربك لجعل الناس أمة واحدة } أهل دين واحد { ولا يزالون مختلفين } في الدين.
[11.119]
{ إلا من رحم ربك } أراد لهم الخير فلا يختلفون فيه { ولذلك خلقهم } أي أهل الاختلاف له، وأهل الرحمة لها { وتمت كلمة ربك } وهي { لأملأن جهنم من الجنة } الجن { والناس أجمعين }.
[11.120]
{ وكلا } نصب «بنقص» وتنوينه عوض عن المضاف إليه: أي كلما يحتاج إليه { نقص عليك من أنبآء الرسل ما } بدل من (كلا) { نثبت } نطمئن { به فؤادك } قلبك { وجآءك فى هذه } الأنباء أو الآيات { الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين } خصوا بالذكر لانتفاعهم بها في الإيمان بخلاف الكفار.
[11.121]
{ وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم } حالتكم { إنا عملون } على حالتنا تهديد لهم.
[11.122]
{ وانتظروا } عاقبة أمركم { إنا منتظرون } ذلك.
[11.123]
{ ولله غيب السموت والأرض } أي علم ما غاب فيهما { وإليه يرجع } بالبناء للفاعل: يعود، وللمفعول (يرد) { الأمر كله } فينتقم ممن عصى { فاعبده } وحده { وتوكل عليه } ثق به فإنه كافيك { وما ربك بغفل عما يعملون } وإنما يؤخرهم لوقتهم. وفي قراءة (يعملون) بالتحتانية.
[12 - سورة يوسف]
[12.1]
{ الر } الله أعلم بمراده بذلك { تلك } هذه الآيات { ءاياتالكتب } القرآن، والإضافة بمعنى( من) { المبين } المظهر للحق من الباطل.
[12.2]
{ إنا أنزلناه قرءانا عربيا } بلغة العرب { لعلكم } يا أهل مكة { تعقلون } تفقهون معانيه.
[12.3]
{ نحن نقص عليك أحسن القصص بمآ أوحينآ } بإيحائنا { إليك هذا القرءان وإن } مخففة أي وإنه { كنت من قبله لمن الغفلين }.
[12.4]
اذكر { إذ قال يوسف لأبيه } يعقوب { يا أبت } بالكسر دلالة على ياء الإضافة المحذوفة والفتح دلالة على ألف محذوفة قلبت عن الياء { إنى رأيت } في المنام { أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم } تأكيد { لى ساجدين } جمع بالياء والنون للوصف بالسجود الذي هو من صفات العقلاء.
[12.5]
{ قال يا بنى لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا } يحتالون في هلاكك حسدا لعلمهم بتأويلها من أنهم الكواكب والشمس أمك والقمر أبوك { إن الشيطن للإنسن عدو مبين } ظاهر العداوة.
[12.6]
{ وكذلك } كما رأيت { يجتبيك } يختارك { ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث } تعبير الرؤيا { ويتم نعمته عليك } بالنبوة { وعلى ءال يعقوب } أولاده { كمآ أتمها } بالنبوة { على أبويك من قبل إبرهيم وإسحق إن ربك عليم } بخلقه { حكيم } في صنعه بهم.
[12.7]
{ لقد كان فى } خبر { يوسف وإخوته } وهم أحد عشر { ءايت } عبر { للسآئلين } عن خبرهم.
[12.8]
اذكر { إذ قالوا } أي بعض إخوة يوسف لبعضهم { ليوسف } مبتدأ { وأخوه } شقيقه (بنيامين) { أحب } خبر { إلى أبينا منا ونحن عصبة } جماعة { إن أبانا لفى ضلل } خطإ { مبين } بين بإيثارهما علينا.
[12.9]
{ اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا } أي بأرض بعيدة { يخل لكم وجه أبيكم } بأن يقبل عليكم ولا يلتفت لغيركم { وتكونوا من بعده } أي بعد قتل يوسف أو طرحه { قوما صلحين } بأن تتوبوا.
[12.10]
{ قال قائل منهم } هو( يهوذا) { لا تقتلوا يوسف وألقوه } اطرحوه { فى غيبتالجب } مظلم البئر، وفي قراءة (غيابات)بالجمع { يلتقطه بعض السيارة } المسافرين { إن كنتم فعلين } ما أردتم من التفريق فاكتفوا بذلك.
[12.11]
{ قالوا يأبانا ملك لا تأمنا على يوسف وإنا له لنصحون } لقائمون بمصالحه.
[12.12]
{ أرسله معنا غدا } إلى الصحراء { نرتع ونلعب } بالنون والياء فيهماننشط ونتسع { وإنا له لحفظون }.
[12.13]
{ قال إنى ليحزننى أن تذهبوا } أي ذهابكم { به } لفراقه { وأخاف أن يأكله الذئب } المراد به الجنس وكانت أرضهم كثيرة الذئاب { وأنتم عنه غفلون } مشغولون.
[12.14]
{ قالوا لئن } لام قسم { أكله الذئب ونحن عصبة } جماعة { إنآ إذا لخسرون } عاجزون، فأرسله معهم.
[12.15]
{ فلما ذهبوا به وأجمعوا } عزموا { أن يجعلوه فى غيابت الجب } وجواب «لما» محذوف أي فعلوا ذلك بأن نزعوا قميصه بعد ضربه وإهانته وإرادة قتله وأدلوه، فلما وصل إلى نصف البئر ألقوه ليموت فسقط في الماء ثم آوى إلى صخرة فنادوه فأجابهم- بظن رحمتهم- فأرادوا رضخه بصخرة فمنعهم يهوذا { وأوحينآ إليه } في الجب وحي حقيقة وله سبع عشرة سنة أو دونها تطمينا لقلبه { لتنبئنهم } بعد اليوم { بأمرهم } بصنيعهم { هذا وهم لا يشعرون } بك حال الإنباء.
[12.16]
{ وجآءوا أباهم عشآء } وقت المساء { يبكون }.
[12.17]
{ قالوا يأبانا إنا ذهبنا نستبق } نرمي { وتركنا يوسف عند متعنا } ثيابنا { فأكله الذئب ومآ أنت بمؤمن } بمصدق { لنا ولو كنا صدقين } عندك لاتهمتنا في هذه القصة لمحبة يوسف، فكيف وأنت تسيء الظن بنا؟.
[12.18]
{ وجآءوا على قميصه } محله نصب على الظرفية أي فوقه { بدم كذب } أي ذي كذب بأن ذبحوا (سخلة) ولطخوه بدمها وذهلوا عن شقه وقالوا إنه دمه { قال } يعقوب لما رآه صحيحا وعلم كذبهم { بل سولت } زينت { لكم أنفسكم أمرا } ففعلتموه به { فصبر جميل } لا جزع فيه، وهو خبر مبتدأ محذوف أي أمري { والله المستعان } المطلوب منه العون { على ما تصفون } تذكرون من أمر يوسف.
[12.19]
{ وجآءت سيارة } مسافرون من (مدين) إلى مصر فنزلوا قريبا من جب يوسف { فأرسلوا واردهم } الذي يرد الماء ليستقي منه { فأدلى } أرسل { دلوه } في البئر فتعلق بها يوسف، فأخرجه فلما رآه { قال يابشرى } وفي قراءة «بشراي» ونداؤها مجاز أي احضري فهذا وقتك { هذا غلام } فعلم به إخوته فأتوه { وأسروه } أي أخفوا أمره جاعليه { بضعة } بأن قالوا هذا عبدنا أبق، وسكت يوسف خوفا أن يقتلوه { والله عليم بما يعملون }.
[12.20]
{ وشروه } باعوه منهم { بثمن بخس } ناقص { درهم معدودة } عشرين أو اثنين وعشرين { وكانوا } أي إخوته { فيه من الزهدين } فجاءت به السيارة إلى مصر، فباعه الذي اشتراه بعشرين دينارا وزوجي نعل وثوبين.
[12.21]
{ وقال الذى اشتراه من مصر } وهو (قطفير) العزيز { لامرأته } زليخا { أكرمى مثواه } مقامه عندنا { عسى أن ينفعنآ أو نتخذه ولدا } وكان حصورا { وكذلك } كما نجيناه من القتل والجب وعطفنا عليه قلب العزيز { مكنا ليوسف فى الأرض } أرض مصر حتى بلغ ما بلغ { ولنعلمه من تأويل الأحاديث } تعبير الرؤيا عطف على مقدر متعلق( بمكنا): أي لنملكه، أو الواو زائدة { والله غالب على أمره } تعالى لا يعجزه شيء { ولكن أكثر الناس } وهم الكفار { لا يعلمون } ذلك.
[12.22]
{ ولما بلغ أشده } وهو ثلاثون سنة أو وثلاث { اتيناه حكما } حكمة { وعلما } فقها في الدين قبل أن يبعث نبيا { وكذلك } كما جزيناه { نجزى المحسنين } لأنفسهم.
[12.23]
{ وراودته التى هو فى بيتها } هي زليخا { عن نفسه } أي طلبت منه أن يواقعها { وغلقت الأبواب } للبيت { وقالت } له { هيت لك } أي هلم، واللام للتبيين. وفي قراءة بكسر الهاء وأخرى بضم التاء { قال معاذ الله } أعوذ بالله من ذلك { إنه } أي الذي اشتراني { ربى } سيدي { أحسن مثواى } مقامي فلا أخونه في أهله { إنه } أي الشأن { لا يفلح الظلمون } الزناة.
[12.24]
{ ولقد همت به } قصدت منه الجماع { وهم بها } قصد ذلك { لولآ أن رءا برهان ربه } قال ابن عباس:( مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله) وجواب «لولا» لجامعها { كذلك } أريناه البرهان { لنصرف عنه السوء } الخيانة { والفحشآء } الزنا { إنه من عبادنا المخلصين } في الطاعة. وفي قراءة بكسر اللام: أي المختارين.
[12.25]
{ واستبقا الباب } بادرا إليه يوسف للفرار وهي للتشبث فيه، فأمسكت ثوبه وجذبته إليها { وقدت } شقت { قميصه من دبر وألفيا } وجدا { سيدها } زوجها { لدى الباب } فنزهت نفسها، ثم { قالت ما جزآء من أراد بأهلك سوءا } زنا { إلا أن يسجن } يحبس في سجن { أو عذاب أليم } مؤلم بأن يضرب.
[12.26]
{ قال } يوسف متبرئا { هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهد من أهلهآ } ابن عمها. روي أنه كان في المهد { إن كان قميصه قد } شق { من قبل } قدام { فصدقت وهو من الكذبين }.
[12.27]
{ وإن كان قميصه قد من دبر } خلف { فكذبت وهو من الصدقين }.
[12.28]
{ فلما رءا } زوجها { قميصه قد من دبر قال إنه } أي قولك { ما جزاء من أراد } الخ { من كيدكن إن كيدكن } أيها النساء { عظيم }.
[12.29]
ثم قال يا { يوسف أعرض عن هذا } الأمر ولا تذكره لئلا يشيع { واستغفرى } يا زليخا { لذنبك إنك كنت من الخطئين } الآثمين، واشتهر الخبر وشاع.
[12.30]
{ وقال نسوة فى المدينة } مدينة مصر عبدها { عن نفسه قد شغفها حبا } تمييز أي دخل حبه شغاف قلبها أي غلافه { إنا لنراها فى ضلل } أي في خطأ { مبين } بين بحبها إياه.
[12.31]
{ فلما سمعت بمكرهن } غيبتهن لها { أرسلت إليهن وأعتدت } أعدت { لهن متكئا } طعاما يقطع بالسكين للاتكاء عنده وهو الأترج { وءاتت } أعطت { كل واحدة منهن سكينا وقالت } ليوسف { اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه } أعظمنه { وقطعن أيديهن } بالسكاكين ولم يشعرن بالألم لشغل قلبهن بيوسف { وقلن حاش لله } تنزيها له { ما هذا } أي يوسف { بشرا إن } ما { هذآ إلا ملك كريم } لما حواه من الحسن الذي لا يكون عادة في النسمة البشرية. وفي الحديث( أنه أعطي شطر الحسن).
[12.32]
{ قالت } امرأة العزيز لما رأت ما حل بهن { فذلكن } فهذا هو { الذى لمتننى فيه } في حبه بيان لعذرها { ولقد راودته عن نفسه فاستعصم } امتنع { ولئن لم يفعل مآ ءامره } به { ليسجنن وليكونا من الصغرين } الذليلين فقلن له: أطع مولاتك.
[12.33]
{ قال رب السجن أحب إلى مما يدعوننى إليه وإلا تصرف عنى كيدهن أصب } أمل { إليهن وأكن } أصر { من الجهلين } المذنبين والقصد بذلك الدعاء فلذا قال تعالى:
[12.34]
{ فاستجاب له ربه } دعاءه { فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع } للقول { العليم } بالفعل.
[12.35]
{ ثم بدا } ظهر { لهم من بعد ما رأوا الأيت } الدالات على براءة يوسف أن يسجنوه دل على هذا { ليسجننه حتى } إلى { حين } ينقطع فيه كلام الناس، فسجن.
[12.36]
{ ودخل معه السجن فتيان } غلامان للملك أحدهما ساقيه والآخر صاحب طعامه، فرأياه يعبر الرؤيا فقالا لنختبرنه { قال أحدهمآ } وهو الساقي { إنى أرانى أعصر خمرا } أي عنبا { وقال الأخر } وهو صاحب الطعام { إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه نبئنا } خبرنا { بتأويله } بتعبيره { إنا نراك من المحسنين }.
[12.37]
{ قال } لهما مخبرا أنه عالم بتعبير الرؤيا { لا يأتيكما طعام ترزقانه } في منامكما { إلا نبأتكما بتأويله } في اليقظة { قبل أن يأتيكما } تأويله. { ذلكما مما علمنى ربى } فيه حث على إيمانهما، ثم قواه بقوله { إنى تركت ملة } دين { قوم لا يؤمنون بالله وهم بالأخرة هم } تأكيد { كفرون }.
[12.38]
{ واتبعت ملة ءاباءي إبرهيم وإسحق ويعقوب ما كان } ينبغي { لنا أن نشرك بالله من } زائدة { شىء } لعصمتنا { ذلك } التوحيد { من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس } وهم الكفار { لا يشكرون } الله فيشركون.
[12.39]
ثم صرح بدعائهما إلى الإيمان فقال { يا صاحبي } ساكني { السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار } خير؟ استفهام تقرير.
[12.40]
{ ما تعبدون من دونه } أي غيره { إلا أسمآء سميتموهآ } سميتم بها أصناما { أنتم وءابآؤكم مآ أنزل الله بها } بعبادتها { من سلطن } حجة وبرهان { إن } ما { الحكم } القضاء { إلا لله } وحده { أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك } التوحيد { الدين القيم } المستقيم { ولكن أكثر الناس } وهم الكفار { لا يعلمون } ما يصيرون إليه من العذاب فهم يشركون.
[12.41]
{ يصاحبى السجن أمآ أحدكما } أي الساقي فيخرج بعد ثلاث { فيسقى ربه } سيده { خمرا } على عادته { وأما الأخر } فيخرج بعد ثلاث { فيصلب فتأكل الطير من رأسه } هذا تأويل رؤياكما، فقالا ما رأينا شيئا، فقال { قضى } تم { الأمر الذى فيه تستفتيان } سألتما عنه صدقتما أم كذبتما.
[12.42]
{ وقال للذى ظن } أيقن { أنه ناج منهما } وهو الساقي { اذكرنى عند ربك } سيدك فقل له إن في السجن غلاما محبوسا ظلما، فخرج { فأنساه } أي الساقي { الشيطن ذكر } يوسف عند { ربه فلبث } مكث يوسف { فى السجن بضع سنين } قيل سبعا، وقيل اثنتي عشرة.
[12.43]
{ وقال الملك } ملك مصر( الريان بن الوليد) { إنى أرى } أي رأيت { سبع بقرت سمان يأكلهن } يبتلعهن { سبع } من البقر { عجاف } جمع (عجفاء) { وسبع سنبلت خضر وأخر } أي سبع سنبلات { يبست } قد التوت على الخضر وعلت عليها { يابست يأيها الملأ أفتونى فى رؤيى } بينوا لي تعبيرها { إن كنتم للرؤيا تعبرون } فاعبروها.
[12.44]
{ قالوا } هذه { أضغث } أخلاط { أحلام وما نحن بتأويل الأحلم بعلمين }.
[12.45]
{ وقال الذى نجا منهما } أي من الفتيين وهو الساقي { وادكر } فيه إبدال التاء في الأصل دالا وإدغامها في الدال أي تذكر { بعد أمة } حين يوسف، قال { أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون } فأرسلوه، فأتى يوسف فقال.
[12.46]
يا { يوسف أيها الصديق } الكثير الصدق { أفتنا فى سبع بقرت سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلت خضر وأخر يبست لعلى أرجع إلى الناس } أي الملك وأصحابه { لعلهم يعلمون } تعبيرها.
[12.47]
{ قال تزرعون } أي ازرعوا { سبع سنين دأبا } متتابعة وهي تأويل (السبع السمان) { فما حصدتم فذروه } أي اتركوه { فى سنبله } لئلا يفسده { إلا قليلا مما تأكلون } فادرسوه.
[12.48]
{ ثم يأتى من بعد ذلك } أي السبع المخصبات { سبع شداد } مجدبات صعاب وهي تأويل (السبع العجاف) { يأكلن ما قدمتم لهن } من الحب المزروع في السنين المخصبات: أي تأكلونه فيهن { إلا قليلا مما تحصنون } تدخرون.
[12.49]
{ ثم يأتى من بعد ذلك } أي السبع المجدبات { عام فيه يغاث الناس } بالمطر { وفيه يعصرون } الأعناب وغيرها لخصبه.
[12.50]
{ وقال الملك } لما جاءه الرسول وأخبره بتأويلها { ائتونى به } أي بالذي عبرها { فلما جآءه } أي يوسف { الرسول } وطلبه للخروج { قال } قاصدا إظهار براءته { ارجع إلى ربك فاسئله } أن يسأل { ما بال } حال { النسوة التى قطعن أيديهن إن ربى } سيدي { بكيدهن عليم } فرجع فأخبر الملك فجمعهن.
[12.51]
{ قال ما خطبكن } شأنكن { إذ راودتن يوسف عن نفسه } هل وجدتن منه ميلا إليكن؟ { قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأت العزيز الئن حصحص } وضح { الحق أنا رودته عن نفسه وإنه لمن الصدقين } في قوله { هى راودتنى عن نفسى } فأخبر يوسف بذلك فقال.
[12.52]
{ ذلك } أي طلب البراءة { ليعلم } العزيز { أنى لم أخنه } في أهله { بالغيب } حال { وأن الله لا يهدى كيد الخئنين } ثم تواضع لله تعالى فقال:.
[12.53]
{ ومآ أبرىء نفسى } من الزلل { إن النفس } الجنس { لأمارة } كثيرة الأمر { بالسوء إلا ما } المعنى (من ) { رحم ربى } فعصمه { إن ربى غفور رحيم }.
[12.54]
{ وقال الملك ائتونى به أستخلصه لنفسى } أجعله خالصا لي دون شريك، فجاءه الرسول وقال: أجب الملك، فقام وودع أهل السجن ودعا لهم، ثم اغتسل ولبس ثيابا حسنة ودخل عليه { فلما كلمه قال } له { إنك اليوم لدينا مكين أمين } ذو مكانة وأمانة على أمرنا، فماذا ترى أن نفعل؟ قال: اجمع الطعام وازرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة وادخر الطعام في سنبله فتأتي إليك الخلق ليمتاروا منك، فقال: ومن لي بهذا؟.
[12.55]
{ قال } يوسف { اجعلنى على خزآئن الأرض } أرض مصر { إنى حفيظ عليم } ذو حفظ وعلم بأمرها، وقيل كاتب حاسب.
[12.56]
{ وكذلك } كإنعامنا عليه بالخلاص من السجن { مكنا ليوسف فى الأرض } أرض مصر { يتبوأ } ينزل { منها حيث يشآء } بعد الضيق والحبس، وفي القصة أن الملك توجه وختمه وولاه مكان العزيز وعزله، ومات بعد فزوجه امرأته فوجدها عذراء، وولدت له ولدين، وأقام العدل بمصر ودانت له الرقاب { نصيب برحمتنا من نشآء ولا نضيع أجر المحسنين }.
[12.57]
{ ولأجر الأخرة خير } من أجر الدنيا { للذين ءامنوا وكانوا يتقون } ودخلت سنو القحط وأصاب أرض كنعان والشام.
[12.58]
{ وجآء إخوة يوسف } إلا (بنيامين) ليمتاروا لما بلغهم أن عزيز مصر يعطي الطعام بثمنه { فدخلوا عليه فعرفهم } أنهم إخوته { وهم له منكرون } لا يعرفونه لبعد عهدهم به وظنهم هلاكه، فكلموه بالعبرانية، فقال كالمنكر عليهم: ما أقدمكم بلادي؟ فقالوا للميرة، فقال: لعلكم عيون، قالوا: معاذ الله، قال: فمن أين أنتم؟ قالوا: من بلاد كنعان وأبونا يعقوب نبي الله. قال: وله أولاد غيركم؟ قالوا: نعم كنا اثني عشر فذهب أصغرنا هلك في البرية وكان أحبنا إليه، وبقي شقيقه فاحتبسه ليتسلى به عنه، فأمر بإنزالهم وإكرامهم.
[12.59]
{ ولما جهزهم بجهازهم } وفى لهم كيلهم { قال ائتونى بأخ لكم من أبيكم } أي (بنيامين) لأعلم صدقكم فيما قلتم { ألا ترون أنى أوفى الكيل } أتمه من غير بخس { وأنا خير المنزلين }؟.
[12.60]
{ فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى } أي ميرة { ولا تقربون } نهي أو عطف على محل «فلا كيل» أي تحرموا ولا تقربوا.
[12.61]
{ قالوا سنرود عنه أباه } سنجتهد في طلبه منه { وإنا لفعلون } ذلك.
[12.62]
{ وقال لفتيانه } وفي قراءة «لفتيته» غلمانه { اجعلوا بضعتهم } التي أتوا بها ثمن الميرة وكانت دراهم { فى رحالهم } أوعيتهم { لعلهم يعرفونهآ إذا انقلبوا إلى أهلهم } وفرغوا أوعيتهم { لعلهم يرجعون } إلينا لأنهم لا يستحلون إمساكها.
[12.63]
{ فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يأبانا منع منا الكيل } إن لم ترسل أخانا إليه { فأرسل معنآ أخانا نكتل } بالنون والياء { وإنا له لحفظون }.
[12.64]
{ قال هل } ما { ءامنكم عليه إلا كمآ أمنتكم على أخيه } يوسف { من قبل } وقد فعلتم به ما فعلتم؟ { فالله خير حفظا } وفي قراءة «حافظا» تمييز كقولهم لله دره فارسا { وهو أرحم الراحمين } فأرجو أن يمن بحفظه.
[12.65]
{ ولما فتحوا متعهم وجدوا بضعتهم ردت إليهم قالوا يأبانا ما نبغى } «ما» استفهامية، أي: أي شيء نطلب من إكرام الملك أعظم من هذا؟ وقرىء بالفوقانية: خطابا ليعقوب، وكانوا ذكروا له إكرامه لهم { هذه بضعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا } نأتي بالميرة لهم وهي الطعام { ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير } لأخينا { ذلك كيل يسير } سهل على الملك لسخائه.
[12.66]
{ قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا } عهدا { من الله } بأن تحلفوا { لتأتننى به إلا أن يحاط بكم } بأن تموتوا أو تغلبوا فلا تطيقوا الإتيان به، فأجابوه إلى ذلك { فلمآءاتوه موثقهم } بذلك { قال الله على ما نقول } نحن وأنتم { وكيل } شهيد، وأرسله معهم.
[12.67]
{ وقال يبني لا تدخلوا } مصر { من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة } لئلا تصيبكم العين { ومآ أغنى } أدفع { عنكم } بقولي ذلك { من الله من } زائدة { شىء } قدره عليكم وإنما ذلك شفقة { إن } ما { الحكم إلا لله } وحده { عليه توكلت } به وثقت { وعليه فليتوكل المتوكلون }.
[12.68]
قال تعالى { ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم } أي متفرقين { ما كان يغنى عنهم من الله } أي قضائه { من } زائدة { شىء إلا } لكن { حاجة فى نفس يعقوب قضاها } وهي إرادة دفع العين شفقة { وإنه لذو علم لما علمناه } لتعليمنا إياه { ولكن أكثر الناس } وهم الكفار { لا يعلمون } إلهام الله لأصفيائه.
[12.69]
{ ولما دخلوا على يوسف ءاوى } ضم { إليه أخاه قال إنى أنا أخوك فلا تبتئس } تحزن { بما كانوا يعملون } من الحسد لنا، وأمره أن لا يخبرهم وتواطأ معه على أنه سيحتال على أن يبقيه عنده.
[12.70]
{ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية } هي صاع من ذهب مرصع بالجوهر { فى رحل أخيه } بنيامين { ثم أذن مؤذن } نادى مناد بعد انفصالهم عن مجلس يوسف { أيتها العير } القافلة { إنكم لسارقون }.
[12.71]
{ قالوا } قد { أقبلوا عليهم ماذا } ما الذي { تفقدون } ه؟
[12.72]
{ قالوا نفقد صواع } صاع { الملك ولمن جآء به حمل بعير } من الطعام { وأنا به } بالحمل { زعيم } كفيل.
[12.73]
{ قالوا تالله } قسم فيه معنى التعجب { لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض وما كنا سرقين } ما سرقنا قط.
[12.74]
{ قالوا } أي المؤذن وأصحابه { فما جزآؤه } أي السارق { إن كنتم كذبين } في قولكم ما كنا سارقين ووجد فيكم؟
[12.75]
{ قالوا جزآؤه } مبتدأ خبره { من وجد فى رحله } يسترق ثم أكد بقوله { فهو } أي السارق { جزآؤه } أي المسروق لا غير وكانت سنة آل يعقوب { كذلك } الجزاء { نجزى الظلمين } بالسرقة فصرحوا ليوسف بتفتيش أوعيتهم.
[12.76]
{ فبدأ بأوعيتهم } ففتشها { قبل وعآء أخيه } لئلا يتهم { ثم استخرجها } أي السقاية { من وعآء أخيه } قال تعالى: { كذلك } الكيد { كدنا ليوسف } علمناه الاحتيال في أخذ أخيه { ما كان } يوسف { ليأخذ أخاه } رقيقا عن السرقة { فى دين الملك } حكم ملك مصر لأن جزاؤه عنده الضرب وتغريم مثلي المسروق لا الاسترقاق { إلآ أن يشآء الله } أخذه بحكم أبيه: أي لم يتمكن من أخذه إلا بمشيئة الله بإلهامه سؤال إخوته وجوابهم بسنتهم { نرفع درجت من نشآء } بالإضافة والتنوين في العلم كيوسف { وفوق كل ذى علم } من المخلوقين { عليم } أعلم منه حتى ينتهي إلى الله تعالى.
[12.77]
{ قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } أي يوسف، وكان سرق لأبي أمه صنما من ذهب فكسره لئلا يعبده { فأسرها يوسف فى نفسه ولم يبدها } يظهرها { لهم } والضمير للكلمة التي في قوله { قال } في نفسه { أنتم شر مكانا } من يوسف وأخيه لسرقتكم أخاكم من أبيكم وظلمكم له { والله أعلم } عالم { بما تصفون } تذكرون في أمره.
[12.78]
{ قالوا يأيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا } يحبه أكثر منا ويتسلى به عن ولده الهالك ويحزنه فراقه { فخذ أحدنا } استعبده { مكانه } بدلا منه { إنا نراك من المحسنين } في أفعالك.
[12.79]
{ قال معاذ الله } نصب على المصدر حذف فعله وأضيف إلى المفعول: أي نعوذ بالله من { أن نأخذ إلا من وجدنا متعنا عنده } لم يقل (من سرق) تحرزا من الكذب { إنا إذا } إن أخذنا غيره { لظلمون }.
[12.80]
{ فلما استيئسوا } يئسوا { منه خلصوا } اعتزلوا { نجيا } مصدر يصلح للواحد وغيره: أي يناجي بعضهم بعضا { قال كبيرهم } سنا (روبيل)، أو رأيا: (يهوذا) { ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا } عهدا { من الله } في أخيكم { ومن قبل ما } زائدة { فرطتم فى يوسف } وقيل «ما» مصدرية مبتدأ، خبره «من قبل» { فلن أبرح } أفارق { الأرض } أرض مصر { حتى يأذن لى أبى } بالعود إليه { أو يحكم الله لى } بخلاص أخي { وهو خير الحكمين } أعدلهم.
[12.81]
{ ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يأبانآ أبانا إن ابنك سرق وما شهدنآ } عليه { إلا بما علمنا } تيقنآ من مشاهدة الصاع في رحله { وما كنا للغيب } لما غاب عنا حين إعطاء الموثق { حفظين } ولو علمنا أنه يسرق لم نأخذه.
[12.82]
{ واسئل القرية التى كنا فيها } هي مصر: أي أرسل إلى أهلها فاسألهم { والعير } أي أصحاب العير { التى أقبلنا فيها } وهم قوم من (كنعان) { وإنا لصدقون } في قولنا، فرجعوا إليه وقالوا له ذلك.
[12.83]
{ قال بل سولت } زينت { لكم أنفسكم أمرا } ففعلتموه، اتهمهم لما سبق منهم من أمر يوسف { فصبر جميل } صبري { عسى الله أن يأتينى بهم } بيوسف وأخويه { جميعا إنه هو العليم } بحالي { الحكيم } في صنعه.
[12.84]
{ وتولى عنهم } تاركا خطابهم { وقال يأسفى } الألف بدل من ياء الإضافة: أي يا حزني { على يوسف وابيضت عيناه } انمحق سوادهما وبدل بياضا من بكائه { من الحزن } عليه { فهو كظيم } مغموم مكروب لا يظهر كربه.
[12.85]
{ قالوا تالله } لا { تفتؤا } تزال { تذكر يوسف حتى تكون حرضا } مشرفا على الهلاك لطول مرضك، وهو مصدر يستوي فيه الواحد وغيره { أو تكون من الهلكين } الموتى.
[12.86]
{ قال } لهم { إنمآ أشكو بثى } هو عظيم الحزن الذي لا يصبر عليه حتى يبث إلى الناس { وحزنى إلى الله } لا إلى غيره، فهو الذي تنفع الشكوى إليه { وأعلم من الله ما لا تعلمون } من أن رؤيا يوسف صدق وهو حي، ثم قال:
[12.87]
{ يبنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه } اطلبوا خبرهما { ولا تايئسوا } تقنطوا { من روح الله } رحمته { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } فانطلقوا نحو مصر ليوسف.
[12.88]
{ فلما دخلوا عليه قالوا يأيهاالعزيز مسنا وأهلنا الضر } الجوع { وجئنا ببضاعة مزجاة } مدفوعة يدفعها كل من رآها لرداءتها وكانت دراهم زيوفا أو غيرها { فأوف } أتم { لنا الكيل وتصدق علينا } بالمسامحة عن رداءة بضاعتنا { إن الله يجزى المتصدقين } يثيبهم فرق عليهم وأدركته الرحمة ورفع الحجاب بينه وبينهم.
[12.89]
ثم { قال } لهم توبيخا { هل علمتم ما فعلتم بيوسف } من الضرب والبيع وغير ذلك { وأخيه } من هضمكم له بعد فراق أخيه { إذ أنتم جهلون } ما يؤول إليه أمر يوسف؟
[12.90]
{ قالوا } بعد أن عرفوه لما ظهر من شمائله متثبتين { أءنك } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين { لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخى قد من } أنعم { الله علينآ } بالاجتماع { إنه من يتق } يخف الله { ويصبر } على ما يناله { فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } فيه وضع الظاهر موضع المضمر.
[12.91]
{ قالوا تالله لقد ءاثرك } فضلك { الله علينا } بالملك وغيره { وإن } مخففة أي إنا { كنا لخطئين } آثمين في أمرك فأذللناك.
[12.92]
{ قال لا تثريب } عتب { عليكم اليوم } خصه بالذكر لأنه مظنة التثريب فغيره أولى { يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين }.
[12.93]
وسألهم عن ابيه فقالوا ذهبت عيناه فقال: { اذهبوا بقميصى هذا } وهو قميص إبراهيم الذي لبسه حين ألقي في النار كان في عنقه في الجب وهو من الجنة، أمره جبريل بإرساله وقال إن فيه ريحها لا يلقى على مبتلى إلا عوفي { فألقوه على وجه أبى يأت } يصر { بصيرا وأتونى بأهلكم أجمعين }.
[12.94]
{ ولما فصلت العير } خرجت من عريش مصر { قال أبوهم } لمن حضر من بنيه وأولادهم { إنى لاجد ريح يوسف } أوصلته إليه (الصبا) بإذن الله تعالى من مسيرة ثلاثة أيام أو ثمانية أو أكثر { لولا أن تفندون } تسفهوني لصدقتموني.
[12.95]
{ قالوا } له { تالله إنك لفى ضللك } خطئك { القديم } من إفراطك في محبته ورجاء لقائه على بعد العهد.
[12.96]
{ فلمآ أن } زائدة { جآء البشير } ( يهوذا) بالقميص وكان قد حمل قميص الدم فأحب أن يفرحه كما أحزنه { ألقاه } طرح القميص { على وجهه فارتد } رجع { بصيرا قال ألم أقل لكم إنى أعلم من الله ما لا تعلمون }.
[12.97]
{ قالوا يأبانا استغفر لنا ذنوبنآ إنا كنا خطئين }.
[12.98]
{ قال سوف أستغفر لكم ربى إنه هو الغفور الرحيم } أخر ذلك إلى السحر ليكون أقرب إلى الإجابة أو إلى ليلة الجمعة ثم توجهوا إلى مصر وخرج يوسف والأكابر لتلقيهم.
[12.99]
{ فلما دخلوا على يوسف } في مضربه { ءاوى } ضم { إليه أبويه } أباه وأمه أو خالته { وقال } لهم { ادخلوا مصر إن شآء الله ءامنين } فدخلوا وجلس يوسف على سريره.
[12.100]
{ ورفع أبويه } أجلسهما معه { على العرش } السرير { وخروا } أي أبواه وإخوته { له سجدا } سجود انحناء لا وضع جبهة وكان تحيتهم في ذلك الزمان { وقال يأبت هذا تأويل رءيى من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى } إلي { إذ أخرجنى من السجن } لم يقل من الجب تكرما لئلا يخجل إخوته { وجآء بكم من البدو } البادية { من بعد أن نزغ } أفسد { الشيطن بينى وبين إخوتى إن ربى لطيف لما يشآء إنه هو العليم } بخلقه { الحكيم } في صنعه، وأقام عنده أبوه أربعا وعشرين سنة أو سبع عشرة سنة، وكانت مدة فراقه ثماني عشرة أو أربعين أو ثمانين سنة، وحضره الموت فوصى يوسف أن يحمله ويدفنه عند أبيه فمضى بنفسه ودفنه، ثم عاد إلى مصر وأقام بعده ثلاثا وعشرين سنة.
[12.101]
ولما تم أمره وعلم أنه لا يدوم تاقت نفسه إلى الملك الدائم فقال. { رب قد ءاتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الاحاديث } تعبير الرؤيا { فاطر } خالق { السموات والأرض أنت ولي } متولي مصالحي { فى الدنيا والأخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصلحين } من آبائي، فعاش بعد ذلك أسبوعا أو أكثر، ومات وله مائة وعشرون سنة، وتشاح المصريون في قبره فجعلوه في صندوق من مرمر ودفنوه في أعلى النيل لتعم البركة جانبيه، فسبحان من لا انقضاء لملكه.
[12.102]
{ ذلك } المذكور من أمر يوسف { من أنبآء الغيب } أخبار ما غاب عنك يا محمد { نوحيه إليك وما كنت لديهم } لدى إخوة يوسف { إذ أجمعوا أمرهم } في كيده أي عزموا عليه { وهم يمكرون } به أي لم تحضرهم فتعرف قصتهم فتخبر بها، وإنما حصل لك علمها من جهة الوحي.
[12.103]
{ ومآ أكثر الناس } أي أهل مكة { ولو حرصت } على إيمانهم { بمؤمنين }.
[12.104]
{ وما تسألهم عليه } أي القرآن { من أجر } تأخذه { إن } ما { هو } أي القرآن { إلا ذكر } عظة { للعلمين }.
[12.105]
{ وكأين } وكم { من ءاية } دالة على وحدانية الله { في السموات والأرض يمرون عليها } يشاهدونها { وهم عنها معرضون } لا يتفكرون بها.
[12.106]
{ وما يؤمن أكثرهم بالله } حيث يقرون بأنه الخالق الرازق { إلا وهم مشركون } به بعبادة الأصنام، ولذا كانوا يقولون في تلبيتهم:«لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك» يعنونها.
[12.107]
{ أفأمنوا أن تأتيهم غاشية } نقمة تغشاهم { من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة } فجأة { وهم لا يشعرون } بوقت إتيانها.
[12.108]
{ قل } لهم { هذه سبيلى } وفسرها بقوله { ادعوا إلى } دين { الله على بصيرة } حجة واضحة { أنا ومن اتبعنى } آمن بي عطف على «أنا» المبتدأ المخبر عنه بما قبله { وسبحن الله } تنزيها له عن الشركاء { ومآ أنا من المشركين } من جملة سبيله أيضا.
[12.109]
{ ومآ أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحي } وفي قراءة بالنون وكسر الحاء { إليهم } لا ملائكة { من أهل القرى } الأمصار، لأنهم أعلم وأحلم بخلاف أهل البوادي لجفائهم وجهلهم { أفلم يسيروا } أي أهل مكة { فى الارض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم } أي آخر أمرهم من إهلاكهم بتكذيبهم رسلهم؟ { ولدار الأخرة } أي الجنة { خير للذين اتقوا } الله { أفلا تعقلون } بالياء، والتاء: أي يا أهل مكة هذا فتؤمنون؟.
[12.110]
{ حتى } غاية لما دل عليه «وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا» أي فتراخى نصرهم حتى { إذا استيئس } يئس { الرسل وظنوا } أيقن الرسل { أنهم قد كذبوا } بالتشديد تكذيبا لا إيمان بعده، والتخفيف: أي ظن الأمم أن الرسل أخلفوا ما وعدوا به من النصر { جآءهم نصرنا فننجي } بنونين مشددا ومخففا، وبنون مشددا ماض { من نشآء ولا يرد بأسنا } عذابنا { عن القوم المجرمين } المشركين.
[12.111]
{ لقد كان فى قصصهم } أي الرسل { عبرة لألى الأ لبب } أصحاب العقول { ما كان } هذا القرآن { حديثا يفترى } يختلق { ولكن } كان { تصديق الذى بين يديه } قبله من الكتب { وتفصيل } تبيين { كل شىء } يحتاج إليه في الدين { وهدى } من الضلالة { ورحمة لقوم يؤمنون } خصوا بالذكر لانتفاعهم به دون غيرهم.
[13 - سورة الرعد]
[13.1]
{ المر } الله أعلم بمراده بذلك { تلك } هذه الآيات { ءايت الكتب } القرآن، والإضافة بمعنى (من) { والذى أنزل إليك من ربك } أي القرآن، مبتدأ خبره { الحق } لا شك فيه { ولكن أكثر الناس } أي أهل مكة { لا يؤمنون } بأنه من عنده تعالى.
[13.2]
{ الله الذى رفع السموت بغير عمد ترونها } أي (العمد) جمع (عماد): وهو الاسطوانة، وهو صادق بأن لا عمد أصلا { ثم استوى على العرش } استواء يليق به { وسخر } ذلل { الشمس والقمر كل } منهما { يجرى } في فلكه { لأجل مسمى } يوم القيامة { يدبر الأمر } يقضي أمر ملكه { يفصل } يبين { الأيت } دلالات قدرته { لعلكم } يا أهل مكة { بلقآء ربكم } بالبعث { توقنون }.
[13.3]
{ وهو الذى مد } بسط { الأرض وجعل } خلق { فيها روسى } جبالا ثوابت { وأنهرا ومن كل الثمرت جعل فيها زوجين اثنين } من كل نوع { يغشى } يغطي { اليل } بظلمته { النهار إن فى ذلك } المذكور { لأيات } دلالات على وحدانيته تعالى { لقوم يتفكرون } في صنع الله.
[13.4]
{ وفى الأرض قطع } بقاع مختلفة { متجورت } متلاصقات، فمنها طيب وسبخ، وقليل الريع وكثيره، وهو من دلائل قدرته تعالى { وجنت } بساتين { من أعنب وزرع } بالرفع عطفا على جنات والجر على أعناب وكذا قوله { ونخيل صنوان } جمع «صنو»، وهي النخيلات يجمعها أصل واحد وتتشعب فروعها { وغير صنوان } منفردة { تسقى } بالتاء: أي الجنات وما فيها، والياء: أي المذكور { بمآء وحد ونفضل } بالنون والياء { بعضها على بعض فى الأكل } بضم الكاف وسكونها، فمن حلو وحامض، وهو من دلائل قدرته تعالى { إن فى ذلك } المذكور { لأيت لقوم يعقلون } يتدبرون.
[13.5]
{ وإن تعجب } يا محمد من تكذيب الكفار لك { فعجب } حقيق بالعجب { قولهم } منكرين للبعث { أءذا كنا ترابا أءنا لفى خلق جديد } لأن القادر على إنشاء الخلق وما تقدم على غير مثال، قادر على إعادتهم، وفي الهمزتين في الموضعين التحقيق، وتحقيق الأولى وتسهيل الثانية، وإدخال ألف بينهما على الوجهين وتركها، وفي قراءة بالاستفهام في الأول والخبر في الثاني وأخرى عكسه { أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلل فى أعناقهم وأولئك أصحب النار هم فيها خلدون }.
[13.6]
ونزل في استعجالهم العذاب استهزاء { ويستعجلونك بالسيئة } العذاب { قبل الحسنة } الرحمة { وقد خلت من قبلهم المثلت } جمع (المثلة) بوزن (السمرة): أي عقوبات أمثالهم من المكذبين أفلا يعتبرون بها؟ { وإن ربك لذو مغفرة للناس على } مع { ظلمهم } وإلا لم يترك على ظهرها من دابة { وإن ربك لشديد العقاب } لمن عصاه.
[13.7]
{ ويقول الذين كفروا لولآ } هلا { أنزل عليه } على محمد { ءاية من ربه } كالعصا واليد والناقة؟ قال تعالى: { إنمآ أنت منذر } مخوف الكافرين وليس عليك إتيان الآيات { ولكل قوم هاد } نبي يدعوهم إلى ربهم بما يعطيه من الآيات لا بما يقترحون.
[13.8]
{ الله يعلم ما تحمل كل أنثى } من ذكر وأنثى وواحد ومتعدد وغير ذلك { وما تغيض } تنقص { الأرحام } من مدة الحمل { وما تزداد } منه { وكل شىء عنده بمقدار } بقدر وحد لا يتجاوزه.
[13.9]
{ علم الغيب والشهدة } ما غاب وما شوهد { الكبير } العظيم { المتعال } على خلقه بالقهر بياء ودونها.
[13.10]
{ سوآء منكم } في علمه تعالى { من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف } مستتر { باليل } بظلامه { وسارب } ظاهر بذهابه في سربه أي طريقه { بالنهار }.
[13.11]
{ له } للإنسان { معقبت } ملائكة تعتقبه { من بين يديه } قدامه { ومن خلفه } ورائه { يحفظونه من أمر الله } أي بأمره من الجن وغيرهم { إن الله لا يغير ما بقوم } لا يسلبهم نعمته { حتى يغيروا ما بأنفسهم } من الحالة الجميلة بالمعصية { وإذآ أراد الله بقوم سوءا } عذابا { فلا مرد له } من المعقبات ولا غيرها { وما لهم } لمن أراد الله بهم سوءا { من دونه } أي غير الله { من } زائدة { وال } يمنعه عنهم.
[13.12]
{ هو الذى يريكم البرق خوفا } للمسافرين من الصواعق { وطمعا } للمقيم في المطر { وينشىء } يخلق { السحاب الثقال } بالمطر.
[13.13]
{ ويسبح الرعد } هو ملك موكل بالسحاب يسوقه متلبسا { بحمده } أي يقول: سبحان الله وبحمده { و } تسبح { الملائكة من خيفته } أي الله { ويرسل الصوعق } وهي نار تخرج من السحاب { فيصيب بها من يشآء } فتحرقه: نزل في رجل بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم من يدعوه فقال: من رسول الله؟ وما الله؟ أمن ذهب هو؟ أم من فضة أم من نحاس؟ فنزلت به صاعقة فذهبت بقحف رأسه { وهم } أي الكفار { يجدلون } يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم { فى الله وهو شديد المحال } القوة أو الأخذ.
[13.14]
{ له } تعالى { دعوة الحق } أي كلمته وهي (لا إله إلا الله) { والذين يدعون } بالياء والتاء و: يعبدون { من دونه } أي غيره وهم الأصنام { لا يستجيبون لهم بشىء } مما يطلبونه { إلا } استجابة { كبسط } أي كاستجابة باسط { كفيه إلى المآء } على شفير البئر يدعوه { ليبلغ فاه } بارتفاعه من البئر إليه { وما هو ببلغه } أي فاه أبدا، فكذلك ما هم بمستجيبين لهم { وما دعآء الكفرين } عبادتهم الأصنام أو حقيقة الدعاء { إلا فى ضلل } ضياع.
[13.15]
{ ولله يسجد من فى السموات والأرض طوعا } كالمؤمنين { وكرها } كالمنافقين ومن أكره بالسيف { و } يسجد { ظللهم بالغدو } البكر { والأصال } العشايا.
[13.16]
{ قل } يا محمد لقومك { من رب السموات والأرض قل الله } إن لم يقولوه لا جواب غيره { قل } لهم { أفاتخذتم من دونه } أي غيره. { أوليآء } أصناما تعبدونها { لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا } وتركتم مالكهما؟ استفهام توبيخ { قل هل يستوى الأعمى والبصير } الكافر والمؤمن { أم هل تستوى الظلمت } الكفر { والنور } الإيمان؟ لا { أم جعلوا لله شركآء خلقوا كخلقه فتشبه الخلق } أي خلق الشركاء بخلق الله { عليهم } فاعتقدوا استحقاق عبادتهم بخلقهم؟ استفهام إنكار: أي ليس الأمر كذلك، ولا يستحق العبادة إلا الخالق { قل الله خلق كل شىء } لا شريك له فيه فلا شريك له في العبادة { وهو الوحد القهر } لعباده.
[13.17]
ثم ضرب مثلا للحق والباطل فقال: { أنزل } تعالى { من السمآء مآء } مطرا { فسالت أودية بقدرها } بمقدار ملئها { فاحتمل السيل زبدا رابيا } عاليا عليه هو ما على وجهه من قذر ونحوه { ومما يوقدون } بالياء والتاء { عليه فى النار } من جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس { ابتغآء } طلب { حلية } زينة { أو متع } ينتفع به كالأواني إذا أذيبت { زبد مثله } أي مثل زبد السيل وهو خبثه الذي ينفيه الكير { كذلك } المذكور { يضرب الله الحق والبطل } أي مثلهما { فأما الزبد } من السيل وما أوقد عليه من الجواهر { فيذهب جفآء } باطلا مرميا به { وأما ما ينفع الناس } من الماء والجواهر { فيمكث } يبقى { فى الأرض } زمانا، كذلك الباطل يضمحل وينمحق وإن علا على الحق في بعض الأوقات والحق ثابت باق { كذلك } المذكور { يضرب } يبين { الله الأمثال }.
[13.18]
{ للذين استجابوا لربهم } أجابوه بالطاعة { الحسنى } الجنة { والذين لم يستجيبوا له } وهم الكفار { لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به } من العذاب { أولئك لهم سوء الحساب } وهو المؤاخذة بكل ما عملوه لا يغفر منه شيء { ومأوهم جهنم وبئس المهاد } الفراش هي.
[13.19]
ونزل في حمزة وأبي جهل { أفمن يعلم أنمآ أنزل إليك من ربك الحق } فآمن به { كمن هو أعمى } لا يعلمه ولا يؤمن به؟ لا { إنما يتذكر } يتعظ { أولوا الألبب } أصحاب العقول.
[13.20]
{ الذين يوفون بعهد الله } المأخوذ عليهم وهم في عالم الذر أو كل عهد { ولا ينقضون الميثق } بترك الإيمان أو الفرائض.
[13.21]
{ والذين يصلون مآ أمر الله به أن يوصل } من الإيمان والرحم وغير ذلك { ويخشون ربهم } أي وعيده { ويخافون سوء الحساب } تقدم مثله.
[13.22]
{ والذين صبروا } على الطاعة والبلاء وعن المعصية { ابتغآء } طلب { وجه ربهم } لا غيره من أعراض الدنيا { وأقاموا الصلوة وأنفقوا } في الطاعة { مما رزقنهم سرا وعلانية ويدرءن } يدفعون { بالحسنة السيئة } كالجهل بالحلم، والأذى بالصبر { أولئك لهم عقبى الدار } أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة،
[13.23]
هي: { جنت عدن } إقامة { يدخلونها } هم { ومن صلح } آمن { من ءابائهم وأزوجهم وذريتهم } وإن لم يعملوا بعملهم يكونون في درجاتهم تكرمة لهم { والملئكة يدخلون عليهم من كل باب } من أبواب الجنة أو القصور أول دخولهم للتهنئة يقولون.
[13.24]
{ سلم عليكم } هذا الثواب { بما صبرتم } بصبركم في الدنيا { فنعم عقبى الدار } عقباكم.
[13.25]
{ والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض } بالكفر والمعاصي { أولئك لهم اللعنة } البعد من رحمة الله { ولهم سوء الدار } العاقبة السيئة في الدار الآخرة وهي جهنم.
[13.26]
{ الله يبسط الرزق } يوسعه { لمن يشآء ويقدر } يضيقه لمن يشاء { وفرحوا } أي أهل مكة فرح بطر { بالحيوة الدنيا } أي بما نالوه فيها { وما الحيوة الدنيا فى } جنب حياة { الأخرة إلا متع } شيء قليل يتمتع به ويذهب.
[13.27]
{ ويقول الذين كفروا } من أهل مكة { لولا } هلا { أنزل عليه } على محمد { ءاية من ربه } كالعصا واليد والناقة { قل } لهم { إن الله يضل من يشآء } إضلاله فلا تغني عنه الآيات شيئا { ويهدى } يرشد { إليه } إلى دينه { من أناب } رجع إليه، ويبدل من (من).
[13.28]
{ الذين ءامنوا وتطمئن } تسكن { قلوبهم بذكر الله } أي وعده { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } أي قلوب المؤمنين.
[13.29]
{ الذين ءامنوا وعملوا الصلحت } مبتدأ، خبره { طوبى } مصدر من (الطيب) أو شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها { لهم وحسن مئاب } مرجع.
[13.30]
{ كذلك } كما أرسلنا الأنبياء قبلك { أرسلنك فى أمة قد خلت من قبلهآ أمم لتتلوا } تقرأ { عليهم الذى أوحينآ إليك } أي القرآن { وهم يكفرون بالرحمن } حيث قالوا لما أمروا بالسجود له: وما الرحمن؟ { قل } لهم يا محمد { هو ربى لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب }.
[13.31]
ونزل لما قالوا له: إن كنت نبيا فسير عنا جبال مكة، واجعل لنا فيها أنهارا وعيونا لنغرس ونزرع، وابعث لنا آباءنا الموتى يكلمونا أنك نبي { ولو أن قرءانا سيرت به الجبال } نقلت عن أماكنها { أو قطعت } شققت { به الأرض أو كلم به الموتى } بأن يحيوا لما آمنوا { بل لله الأمر جميعا } لا لغيره، فلا يؤمن إلا من شاء إيمانه دون غيره إن أوتوا ما اقترحوا. ونزل لما أراد الصحابة إظهار ما اقترحوا طمعا في إيمانهم { أفلم يايئس } يعلم { الذين ءامنوا أن } مخففة أي أنه { لو يشاء الله لهدى الناس جميعا } إلى الإيمان من غير آية { ولا يزال الذين كفروا } من أهل مكة { تصيبهم بما صنعوا } بصنعهم أي كفرهم { قارعة } داهية تقرعهم بصنوف البلاء من القتل والأسر والحرب والجدب { أو تحل } يا محمد بجيشك { قريبا من دارهم } مكة { حتى يأتى وعد الله } بالنصر عليهم { إن الله لا يخلف الميعاد } وقد حل بالحديبية حتى أتى فتح مكة.
[13.32]
{ ولقد استهزىء برسل من قبلك } كما استهزىء بك، وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم { فأمليت } أمهلت { للذين كفروا ثم أخذتهم } بالعقوبة { فكيف كان عقاب } أي هو واقع موقعه فكذلك أفعل بمن استهزأ بك.
[13.33]
{ أفمن هو قآئم } رقيب { على كل نفس بما كسبت } عملت من خير وشر وهو (الله) كمن ليس كذلك من الأصنام؟ لا. دل على هذا { وجعلوا لله شركآء قل سموهم } له من هم؟ { أم } بل أ { تنبئونه } تخبرون الله { بما } أي بشريك { لا يعلم } ه { فى الأرض }؟ استفهام إنكار: أي لا شريك له، إذ لو كان لعلمه، تعالى عن ذلك { أم } بل تسمونهم شركاء { بظاهر من القول } بظن باطل لا حقيقة له في الباطن؟ { بل زين للذين كفروا مكرهم } كفرهم { وصدوا عن السبيل } طريق الهدى { ومن يضلل الله فما له من هاد }.
[13.34]
{ لهم عذاب فى الحيوة الدنيا } بالقتل والأسر { ولعذاب الأخرة أشق } أشد منه { وما لهم من الله } أي عذابه { من واق } مانع.
[13.35]
{ مثل } صفة { الجنة التى وعد المتقون } مبتدأ خبره محذوف: أي فيما نقص عليكم { تجرى من تحتها الأنهر أكلها } ما يؤكل فيها { دآئم } لا يفنى { وظلها } دائم لا تنسخه شمس لعدمها فيها { تلك } أي الجنة { عقبى } عاقبة { الذين اتقوا } الشرك { وعقبى الكفرين النار }.
[13.36]
{ والذين ءاتينهم الكتب } كعبد الله ابن سلام وغيره من مؤمني اليهود { يفرحون بمآ أنزل إليك } لموافقته ما عندهم { ومن الأحزاب } الذين تحزبوا عليك بالمعاداة من المشركين واليهود { من ينكر بعضه } كذكر (الرحمن) وما عدا القصص { قل إنمآ أمرت } فيما أنزل إلي { أن } أي بأن { أعبد الله ولآ أشرك به إليه ادعوا وإليه مئاب } مرجعي.
[13.37]
{ وكذلك } الإنزال { أنزلنه } أي القرآن { حكما عربيا } بلغة العرب تحكم به بين الناس { ولئن اتبعت أهوآءهم } أي الكفار فيما يدعونك إليه من ملتهم فرضا { بعد ما جآءك من العلم } بالتوحيد { ما لك من الله من } زائدة { ولي } ناصر { ولا واق } مانع من عذابه.
[13.38]
ونزل لما عيروه بكثرة النساء { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزوجا وذرية } أولادا وأنت مثلهم { وما كان لرسول } منهم { أن يأتي بئاية إلا بإذن الله } لأنهم عبيد مربوبون { لكل أجل } مدة { كتاب } مكتوب فيه تحديده.
[13.39]
{ يمحو الله } منه { ما يشآء ويثبت } - بالتخفيف والتشديد - فيه ما يشاء من الأحكام وغيرها { وعنده أم الكتب } أصله الذي لا يتغير منه شيء وهو ما كتبه في الأزل.
[13.40]
{ وإما } فيه إدغام نون «إن» الشرطية في «ما» المزيدة { نرينك بعض الذى نعدهم } به من العذاب في حياتك، وجواب الشرط محذوف: أي فذاك { أو نتوفينك } قبل تعذيبهم { فإنما عليك البلغ } لا عليك إلا التبليغ { وعلينا الحساب } إذا صاروا إلينا فنجازيهم.
[13.41]
{ أو لم يروا } أي أهل مكة { أنا نأتى الأرض } نقصد أرضهم { ننقصها من أطرافها } بالفتح على النبي صلى الله عليه وسلم { والله يحكم } في خلقه بما يشاء { لا معقب } لا راد { لحكمه وهو سريع الحساب }.
[13.42]
{ وقد مكر الذين من قبلهم } من الأمم بأنبيائهم كما مكروا بك { فلله المكر جميعا } وليس مكرهم كمكره، لأنه تعالى { يعلم ما تكسب كل نفس } فيعد لها جزاءه، وهذا هو المكر كله، لأنه يأتيهم من حيث لا يشعرون { وسيعلم الكفر } المراد به الجنس. وفي قراءة «الكفار» { لمن عقبى الدار } أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة، ألهم أم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟.
[13.43]
{ ويقول الذين كفروا } لك { لست مرسلا قل } لهم { كفى بالله شهيدا بيني وبينكم } على صدقي { ومن عنده علم الكتب } من مؤمني اليهود والنصارى.
[14 - سورة ابراهيم]
[14.1]
{ الر } الله أعلم بمراده بذلك، هذا القرآن { كتاب أنزلنه إليك } يا محمد { لتخرج الناس من الظلمت } الكفر { إلى النور } الإيمان { بإذن } بأمر { ربهم } ويبدل من.«إلى النور» { إلى صرط } طريق { العزيز } الغالب { الحميد } المحمود.
[14.2]
{ الله } بالجر بدل أو عطف بيان وما بعده صفة والرفع مبتدأ خبره { الذى له ما فى السموات وما في الأرض } ملكا وخلقا وعبيدا { وويل للكفرين من عذاب شديد }.
[14.3]
{ الذين } نعت { يستحبون } يختارون { الحيوة الدنيا على الأخرة ويصدن } الناس { عن سبيل الله } دين الإسلام { ويبغونها } أي السبيل { عوجا } معوجة { أولئك فى ضلل بعيد } عن الحق.
[14.4]
{ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان } بلغة { قومه ليبين لهم } ليفهمهم ما أتى به { فيضل الله من يشآء ويهدى من يشاء وهو العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه.
[14.5]
{ ولقد أرسلنا موسى بئايتنا } التسع وقلنا له { أن أخرج قومك } بني إسرائيل { من الظلمت } الكفر { إلى النور } الإيمان { وذكرهم بأيام الله } بنعمه { إن فى ذلك } التذكير { لأت لكل صبار } على الطاعة { شكور } للنعم.
[14.6]
{ و } اذكر { إذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من ءال فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم } المولودين { ويستحيون } يستبقون { نساءكم } لقول بعض الكهنة إن مولودا يولد في بني إسرائيل يكون سبب ذهاب ملك فرعون { وفى ذلكم } الإنجاء أو العذاب { بلاء } إنعام أو ابتلاء { من ربكم عظيم }.
[14.7]
{ وإذ تأذن } أعلم { ربكم لئن شكرتم } نعمتي بالتوحيد والطاعة { لأزيدنكم ولئن كفرتم } جحدتم النعمة بالكفر والمعصية لأعذبنكم دل عليه { إن عذابى لشديد }.
[14.8]
{ وقال موسى } لقومه { إن تكفروا أنتم ومن فى الأرض جميعا فإن الله لغنى } عن خلقه { حميد } محمود في صنعه بهم.
[14.9]
{ ألم يأتكم } استفهام تقرير { نبؤا } خبر { الذين من قبلكم قوم نوح وعاد } قوم هود { وثمود } قوم صالح { والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله } لكثرتهم؟ { جاءتهم رسلهم بالبينت } بالحجج الواضحة على صدقهم { فردوا } أي الأمم { أيديهم فى أفواههم } أي إليها ليعضوا عليها من شدة الغيظ { وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به } في زعمكم { وإنا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب } موقع في الريبة.
[14.10]
{ قالت رسلهم أفى الله شك }؟ استفهام إنكار أي لا شك في توحيده للدلائل الظاهرة عليه { فاطر } خالق { السموات والارض يدعوكم } إلى طاعته { ليغفر لكم من ذنوبكم } «من» زائدة، فإن الإسلام يغفر به ما قبله، أو تبعيضية لإخراج حقوق العباد { ويؤخركم } بلا عذاب { إلى أجل مسمى } أجل الموت { قالوا إن } ما { أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن، تصدنا عما كان يعبد ءابآؤنا } من الأصنام { فأتونا بسلطن مبين } حجة ظاهرة على صدقكم.
[14.11]
{ قالت لهم رسلهم إن } ما { نحن إلا بشر مثلكم } كما قلتم { ولكن الله يمن على من يشآء من عباده } بالنبوة { وما كان } ما ينبغي { لنا أن نأتيكم بسلطن إلا بإذن الله } بأمره لأننا عبيد مربوبون { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } يثقوا به.
[14.12]
{ وما لنا أ } ن { لا نتوكل على الله } أي لا مانع لنا من ذلك { وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما اذيتمونا } على أذاكم { وعلى الله فليتوكل المتوكلون }.
[14.13]
{ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن } لتصيرن { فى ملتنا } ديننا { فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظلمين } الكافرين.
[14.14]
{ ولنسكننكم الأرض } أرضهم { من بعدهم } بعد هلاكهم { ذلك } النصر وإيراث الأرض { لمن خاف مقامى } أي مقامه بين يدي { وخاف وعيد } بالعذاب.
[14.15]
{ واستفتحوا } استنصر الرسل بالله على قومهم { وخاب } وخسر { كل جبار } متكبر عن طاعة الله { عنيد } معاند للحق.
[14.16]
{ من ورائه } أي أمامه { جهنم } يدخلها { ويسقى } فيها { من ماء صديد } هو ماء يسيل من جوف أهل النار مختلطا بالقيح والدم.
[14.17]
{ يتجرعه } يبتلعه مرة بعد مرة لمرارته { ولا يكاد يسيغه } يزدرده لقبحه وكراهته { ويأتيه الموت } أي أسبابه المقتضية له من أنواع العذاب.
{ من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه } بعد ذلك العذاب { عذاب غليظ } قوي متصل.
[14.18]
{ مثل } صفة { الذين كفروا بربهم } مبتدأ ويبدل منه { أعملهم } الصالحة كصلة وصدقة في عدم الانتفاع بها { كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف } شديد هبوب الريح فجعلته هباء منثورا لا يقدر عليه والجار والمجرور خبر المبتدأ { لا يقدرون } أي الكفار { مما كسبوا } عملوا في الدنيا { على شىء } أي لا يجدون له ثوابا لعدم شرطه { ذلك هو الضلال } الهلاك { البعيد }.
[14.19]
{ ألم تر } تنظر يا مخاطب استفهام تقرير { أن الله خلق السموات والأرض بالحق }؟ متعلق ب (خلق) { إن يشأ يذهبكم } أيها الناس { ويأت بخلق جديد } بدلكم.
[14.20]
{ وما ذلك على الله بعزيز } شديد.
[14.21]
{ وبرزوا } أي الخلائق والتعبير فيه وفيما بعده بالماضي لتحقيق وقوعه { لله جميعا فقال الضعفاء } الأتباع { للذين استكبروا } المتبوعين { إنا كنا لكم تبعا } جمع (تابع) { فهل أنتم مغنون } دافعون { عنا من عذاب الله من شىء } «من» الأولى للتبيين، والثانية للتبعيض { قالوا } أي المتبوعون { لو هدانا الله لهديناكم } لدعوناكم إلى الهدى { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من } زائدة { محيص } ملجأ.
[14.22]
{ وقال الشيطن } إبليس { لما قضى الأمر } وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار واجتمعوا عليه { إن الله وعدكم وعد الحق } بالبعث والجزاء فصدقكم { ووعدتكم } أنه غير كائن { فأخلفتكم وما كان لى عليكم من } زائدة { سلطن } قوة وقدرة أقهركم على متابعتي { إلا } لكن { أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم } على إجابتي { ما أنا بمصرخكم } بمغيثكم { وما أنتم بمصرخى } بفتح الياء وكسرها { إنى كفرت بما أشركتمون } بإشراككم إياي مع الله { من قبل } في الدنيا قال تعالى { إن الظلمين } الكافرين { لهم عذاب أليم } مؤلم.
[14.23]
{ وأدخل الذين ءامنوا وعملوا الصلحات جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين } حال مقدرة { فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها } من الله ومن الملائكة وفيما بينهم { سلم }.
[14.24]
{ ألم تر } تنظر { كيف ضرب الله مثلا } ويبدل منه { كلمة طيبة } أي (لا إله إلا الله) { كشجرة طيبة } هي النخلة { أصلها ثابت } في الأرض { وفرعها } غصنها { فى السماء }؟
[14.25]
{ تؤتى } تعطي { أكلها } ثمرها { كل حين بإذن ربها } بإرادته كذلك كلمة الإيمان ثابتة في قلب المؤمن وعمله يصعد إلى السماء ويناله بركته وثوابه كل وقت { ويضرب } يبين { الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون } يتعظون فيؤمنون.
[14.26]
{ ومثل كلمة خبيثة } هي كلمة الكفر { كشجرة خبيثة } هي (الحنظل) { اجتثت } استؤصلت { من فوق الأرض ما لها من قرار } مستقر وثبات كذلك كلمة الكفر لا ثبات لها ولا فرع ولا بركة.
[14.27]
{ يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت } هي كلمة التوحيد { في الحيوة الدنيا وفى الأخرة } أي القبر لما يسألهم الملكان عن ربهم ودينهم ونبيهم فيجيبون بالصواب كما في حديث الشيخين { ويضل الله الظلمين } الكفار فلا يهتدون للجواب بالصواب بل يقولون لاندري كما في الحديث { ويفعل الله ما يشاء }.
[14.28]
{ ألم تر } تنظر { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله } أي شكرها { كفرا } هم كفار قريش { وأحلوا } أنزلوا { قومهم } بإضلالهم إياهم { دار البوار } الهلاك؟
[14.29]
{ جهنم } عطف بيان { يصلونها } يدخلونها { وبئس القرار } المقر هي.
[14.30]
{ وجعلوا لله أندادا } شركاء { ليضلوا } بفتح الياء وضمها { عن سبيله } دين الإسلام { قل } لهم { تمتعوا } بدنياكم قليلا { فإن مصيركم } مرجعكم { إلى النار }.
[14.31]
{ قل لعبادى الذين ءامنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتى يوم لا بيع } فداء { فيه ولا خلل } مخالة أي صداقة تنفع. هو: يوم القيامة.
[14.32]
{ الله الذى خلق السموات والارض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك } السفن { لتجرى فى البحر } بالركوب والحمل { بأمره } بإذنه { وسخر لكم الأنهر }.
[14.33]
{ وسخر لكم الشمس والقمر دائبين } جاريين في فلكهما لا يفتران { وسخر لكم اليل } لتسكنوا فيه { والنهار } لتبتغوا فيه من فضله.
[14.34]
{ وءاتاكم من كل ما سألتموه } على حسب مصالحكم { وإن تعدوا نعمت الله } بمعنى إنعامه { لا تحصوها } لا تطيقوا عدها { إن الإنسن } الكافر { لظلوم كفار } كثير الظلم لنفسه بالمعصية والكفر لنعمة ربه.
[14.35]
{ و } اذكر { إذ قال إبرهيم رب اجعل هذا البلد } مكة { ءامنا } ذا أمن وقد أجاب الله دعاءه فجعله حرما لا يسفك فيه دم إنسان ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يتخلى خلاه { واجنبنى } بعدني { وبنى } عن { أن نعبد الأصنام }.
[14.36]
{ رب إنهن } أي الأصنام { أضللن كثيرا من الناس } بعبادتهم لها { فمن تبعنى } على التوحيد { فإنه منى } من أهل ديني { ومن عصانى فإنك غفور رحيم } هذا قبل علمه أنه تعالى لا يغفر الشرك.
[14.37]
{ ربنا إنى أسكنت من ذريتى } أي بعضها وهو (إسماعيل) مع أمه (هاجر) { بواد غير ذى زرع } هو مكة { عند بيتك المحرم } الذي كان قبل الطوفان { ربنا ليقيموا الصلوة فاجعل أفئدة } قلوبا { من الناس تهوى } تميل وتحن { إليهم } قال ابن عباس لو قال (أفئدة الناس) لحنت إليه فارس والروم والناس كلهم { وارزقهم من الثمرت لعلهم يشكرون } وقد فعل بنقل الطائف إليه.
[14.38]
{ ربنا إنك تعلم ما نخفى } نسر { وما نعلن وما يخفى على الله من } زائدة { شىء في الأرض ولا فى السماء } يحتمل أن يكون من كلامه تعالى أو كلام إبراهيم.
[14.39]
{ الحمد لله الذى وهب لى } أعطاني { على } مع { الكبر إسمعيل } ولد وله تسع وتسعون سنة { وإسحق } ولد وله مائة واثنتا عشرة سنة { إن ربى لسميع الدعاء }.
[14.40]
{ رب اجعلنى مقيم الصلوة } اجعل { من ذريتى } من يقيمها وأتى ب «من» لإعلام الله تعالى له أن منهم كفارا { ربنا وتقبل دعاء } المذكور.
[14.41]
{ ربنا اغفر لى ولوالدى } هذا قبل أن يتبين له عداوتهما لله عز وجل وقيل أسلمت أمه وقرىء «والدي» مفردا و «وولدي» { وللمؤمنين يوم يقوم } يثبت { الحساب }.
[14.42]
قال تعالى: { ولا تحسبن الله غفلا عما يعمل الظلمون } الكافرون من أهل مكة { إنما يؤخرهم } بلا عذاب { ليوم تشخص فيه الأبصر } لهول ما ترى يقال شخص بصر فلان أي فتحه فلم يغمضه.
[14.43]
{ مهطعين } مسرعين حال { مقنعى } رافعي { رءوسهم } إلى السماء { لا يرتد إليهم طرفهم } بصرهم { وأفئدتهم } قلوبهم { هواء } خالية من العقل لفزعهم.
[14.44]
{ وأنذر } خوف يا محمد { الناس } الكفار { يوم يأتيهم العذاب } هو يوم القيامة { فيقول الذين ظلموا } كفروا { ربنا أخرنا } بأن تردنا إلى الدنيا { إلى أجل قريب نجب دعوتك } بالتوحيد { ونتبع الرسل } فيقال لهم توبيخا { أولم تكونوا أقسمتم } حلفتم { من قبل } في الدنيا { ما لكم من } زائدة { زوال } عنها إلى الآخرة؟
[14.45]
{ وسكنتم } فيها { فى مسكن الذين ظلموا أنفسهم } بالكفر من الأمم السابقة { وتبين لكم كيف فعلنا بهم } من العقوبة فلم تنزجروا { وضربنا } بينا { لكم الأمثال } في القرآن فلم تعتبروا.
[14.46]
{ وقد مكروا } بالنبي صلى الله عليه وسلم { مكرهم } حيث أرادوا قتله أو تقييده أو إخراجه { وعند الله مكرهم } أي علمه أو جزاؤه { وإن } ما { كان مكرهم } وإن عظم { لتزول منه الجبال } المعنى لا يعبأ به ولا يضر إلا أنفسهم والمراد بالجبال هنا قيل حقيقتها وقيل شرائع الإسلام المشبهة بها في القرار والثبات وفي قراءة بفتح لام «لتزول» ورفع الفعل ف «إن» مخففة والمراد تعظيم مكرهم وقيل: المراد بالمكر كفرهم. ويناسبه على الثانية
تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا
[90:19] وعلى الأول ما قرىء وما كان.
[14.47]
{ فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله } بالنصر { إن الله عزيز } غالب لا يعجزه شيء { ذو انتقام } ممن عصاه.
[14.48]
اذكر { يوم تبدل الأرض غير الارض والسموت } هو يوم القيامة فيحشر الناس على أرض بيضاء نقية كما في حديث الصحيحين: وروى مسلم حديث: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أين الناس يومئذ؟ قال: (على الصراط ) { وبرزوا } خرجوا من القبور { لله الواحد القهار }.
[14.49]
{ وترى } يا محمد تبصر { المجرمين } الكافرين { يومئذ مقرنين } مشدودين مع شياطينهم { فى الأصفاد } القيود أو الأغلال.
[14.50]
{ سرابيلهم } قمصهم { من قطران } لأنه أبلغ لاشتعال النار { وتغشى } تعلو { وجوههم النار }.
[14.51]
{ ليجزى } متعلق ب «برزوا» { الله كل نفس ما كسبت } من خير وشر { إن الله سريع الحساب } يحاسب جميع الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك.
[14.52]
{ هذا } القرآن { بلغ للناس } أي أنزل لتبليغهم { ولينذروا به وليعلموا } بما فيه من الحجج { أنما هو } أي الله { إله واحد وليذكر } بإدغام التاء في الأصل من الذال يتعظ { أولوا الألبب } أصحاب العقول.
[15 - سورة الحجر]
[15.1]
{ الر } الله أعلم بمراده بذلك { تلك } هذه الآيات { ءايت الكتب } القرآن والإضافة بمعنى «من» { وقرءان مبين } مظهر للحق من الباطل عطف بزيادة صفة.
[15.2]
{ ربما } بالتشديد والتخفيف { يود } يتمنى { الذين كفروا } يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين { لو كانوا مسلمين } و «رب» للتكثير، فإنه يكثر منهم تمني ذلك وقيل للتقليل فإن الأهوال تدهشهم فلا يفيقون حتى يتمنوا ذلك إلا في أحيان قليلة.
[15.3]
{ ذرهم } اترك الكفار يا محمد { يأكلوا ويتمتعوا } بدنياهم { ويلههم } يشغلهم { الأمل } بطول العمر وغيره عن الإيمان { فسوف يعلمون } عاقبة أمرهم، وهذا قبل الأمر بالقتال.
[15.4]
{ ومآ أهلكنا من } زائدة { قرية } أريد أهلها { إلا ولها كتاب } أجل { معلوم } محدود لإهلاكها.
[15.5]
{ ما تسبق من } زائدة { أمة أجلها وما يستخرون } يتأخرون عنه.
[15.6]
{ وقالوا } أي كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم { يأيها الذى نزل عليه الذكر } القرآن في زعمه { إنك لمجنون }.
[15.7]
{ لو ما } هلا { تأتينا بالملئكة إن كنت من الصدقين } في قولك إنك نبي، وإن هذا القرآن من عند الله.
[15.8]
{ ما تنزل } فيه حذف إحدى التاءين { الملئكة إلا بالحق } بالعذاب { وما كانوا إذا } أي حين نزول الملائكة بالعذاب { منظرين } مؤخرين.
[15.9]
{ إنا نحن } تأكيد لاسم «إن» أو فصل { نزلنا الذكر } القرآن { وإنا له لحفظون } من التبديل والتحريف والزيادة والنقص.
[15.10]
{ ولقد أرسلنا من قبلك } رسلا { فى شيع } فرق { الأولين }.
[15.11]
{ وما } كان { يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون } كاستهزاء قومك بك، وهذا تسلية له صلى الله عليه وسلم.
[15.12]
{ كذلك نسلكه } أي مثل إدخالنا التكذيب في قلوب أولئك ندخله { فى قلوب المجرمين } أي كفار مكة.
[15.13]
{ لا يؤمنون به } بالنبي صلى الله عليه وسلم { وقد خلت سنة الأولين } أي سنة الله فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم أنبياءهم وهؤلاء مثلهم.
[15.14]
{ ولو فتحنا عليهم بابا من السمآء فظلوا فيه } في الباب { يعرجون } يصعدون.
[15.15]
{ لقالوا إنما سكرت } سدت { أبصرنا بل نحن قوم مسحورون } يخيل إلينا ذلك.
[15.16]
{ ولقد جعلنا فى السمآء بروجا } اثني عشر: الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وهي منازل الكواكب السبعة السيارة: (المريخ) وله الحمل والعقرب، (والزهرة) ولها الثور والميزان، و(عطارد) وله الجوزاء والسنبلة، و(القمر) وله السرطان، و(الشمس) ولها الأسد، و(المشتري) وله القوس والحوت، و(زحل) وله الجدي والدلو { وزينها } بالكواكب { للنظرين }.
[15.17]
{ وحفظنها } بالشهب { من كل شيطن رجيم } مرجوم.
[15.18]
{ إلا } لكن { من استرق السمع } خطفه { فأتبعه شهاب مبين } كوكب يضيء يحرقه أو يثقبه أو يخبله.
[15.19]
{ والأرض مددنها } بسطناها { وألقينا فيها روسي } جبالا ثوابت لئلا تتحرك بأهلها { وأنبتنا فيها من كل شىء موزون } معلوم مقدر.
[15.20]
{ وجعلنا لكم فيها معيش } بالياء من الثمار والحبوب { و } جعلنا لكم { من لستم له برزقين } من العبيد والدواب والأنعام فإنما يرزقهم الله.
[15.21]
{ وإن } ما { من } زائدة { شىء إلا عندنا خزآئنه } مفاتيح خزائنه { وما ننزله إلا بقدر معلوم } على حسب المصالح.
[15.22]
{ وأرسلنا الريح لواقح } تلقح السحاب فيمتلىء ماء { فأنزلنا من السمآء } السحاب { مآء } مطرا { فأسقينكموه ومآ أنتم له بخزنين } أي ليست خزائنه بأيديكم.
[15.23]
{ وإنا لنحن نحى ونميت ونحن الورثون } الباقون نرث جميع الخلق.
[15.24]
{ ولقد علمنا المستقدمين منكم } أي من تقدم من الخلق من لدن آدم { ولقد علمنا المستئخرين } المتأخرين إلى يوم القيامة.
[15.25]
{ وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم } في صنعه { عليم } بخلقه.
[15.26]
{ ولقد خلقنا الإنسن } آدم { من صلصل } طين يابس يسمع له صلصلة أي صوت إذا نقر { من حمإ } طين أسود { مسنون } متغير.
[15.27]
{ والجآن } أبا الجن وهو إبليس { خلقنه من قبل } أي قبل خلق آدم { من نار السموم } هي نار لا دخان لها تنفذ في المسام.
[15.28]
{ و } اذكر { إذ قال ربك للملئكة إنى خلق بشرا من صلصل من حمإ مسنون }.
[15.29]
{ فإذا سويته } أتممته { ونفخت } أجريت { فيه من روحى } فصار حيا وإضافة الروح إليه تشريف لآدم { فقعوا له سجدين } سجود تحية بالانحناء.
[15.30]
{ فسجد الملئكة كلهم أجمعون } فيه تأكيدان.
[15.31]
{ إلا إبليس } هو أبو الجن كان بين الملائكة { أبى } امتنع من { أن يكون مع السجدين }.
[15.32]
{ قال } تعالى { يإبليس مالك } ما منعك { أ } ن { لا } زائدة { تكون مع السجدين }؟.
[15.33]
{ قال لم أكن لأسجد } لا ينبغي لي أن أسجد { لبشر خلقته من صلصل من حمإ مسنون }.
[15.34]
{ قال فاخرج منها } أي من الجنة، وقيل من السموات { فإنك رجيم } مطرود.
[15.35]
{ وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين } الجزاء.
[15.36]
{ قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون } أي الناس.
[15.37]
{ قال فإنك من المنظرين }.
[15.38]
{ إلى يوم الوقت المعلوم } وقت النفخة الأولى.
[15.39]
{ قال رب بمآ أغويتنى } أي بإغوائك لي، والباء للقسم، وجوابه { لأزينن لهم فى الأرض } المعاصي { ولأغوينهم أجمعين }.
[15.40]
{ إلا عبادك منهم المخلصين } أي المؤمنين.
[15.41]
{ قال } تعالى { هذا صرط على مستقيم }.
[15.42]
وهو { إن عبادى } أي المؤمنين { ليس لك عليهم سلطن } قوة { إلا } لكن { من اتبعك من الغاوين } الكافرين.
[15.43]
{ وإن جهنم لموعدهم أجمعين } أي من اتبعك معك.
[15.44]
{ لها سبعة أبواب } أطباق { لكل باب } منها { منهم جزء } نصيب { مقسوم }.
[15.45]
{ إن المتقين فى جنت } بساتين { وعيون } تجري فيها.
[15.46]
ويقال لهم { ادخلوها بسلم } أي سالمين من كل مخوف أو مع سلام أي سلموا وادخلوا { ءامنين } من كل فزع.
[15.47]
{ ونزعنا ما فى صدورهم من غل } حقد { إخوانا } حال منهم { على سرر متقبلين } حال أيضا أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض لدوران الأسرة بهم.
[15.48]
{ لا يمسهم فيها نصب } تعب { وما هم منها بمخرجين } أبدا.
[15.49]
{ نبىء } خبر يا محمد { عبادى أنى أنا الغفور } للمؤمنين { الرحيم } بهم.
[15.50]
{ وأن عذابى } للعصاة { هو العذاب الأليم } المؤلم.
[15.51]
{ ونبئهم عن ضيف إبراهيم } هم الملائكة إثنا عشر أو عشرة أو ثلاثة منهم جبريل.
[15.52]
{ إذ دخلوا عليه فقالوا سلما } أي هذا اللفظ { قال } إبراهيم لما عرض عليهم الأكل فلم يأكلوا { إنا منكم وجلون } خائفون.
[15.53]
{ قالوا لا توجل } لا تخف { إنا } رسل ربك { نبشرك بغلم عليم } ذي علم كثير هو إسحق كما ذكر في (هود) [71:11].
[15.54]
{ قال أبشرتمونى } بالولد { على أن مسنى الكبر } حال أي مع مسه إياي؟ { فبم } فبأي شيء { تبشرون }؟ استفهام تعجب.
[15.55]
{ قالوا بشرنك بالحق } بالصدق { فلا تكن من القنطين } الآيسين.
[15.56]
{ قال ومن } أي لا { يقنط } بكسر النون وفتحها { من رحمة ربه إلا الضآلون } الكافرون.
[15.57]
{ قال فما خطبكم } شأنكم { أيها المرسلون }.
[15.58]
{ قالوا إنآ أرسلنآ إلى قوم مجرمين } كافرين أي قوم لوط لإهلاكهم.
[15.59]
{ إلآ ءال لوط إنا لمنجوهم أجمعين } لإيمانهم.
[15.60]
{ إلا امرأته قدرنآ إنها لمن الغبرين } الباقين في العذاب لكفرها.
[15.61]
{ فلما جآء ءال لوط } أي لوطا { المرسلون }.
[15.62]
{ قال } لهم { إنكم قوم منكرون } لا أعرفكم.
[15.63]
{ قالوا بل جئنك بما كانوا } أي قومك { فيه يمترون } يشكون وهو العذاب.
[15.64]
{ وأتينك بالحق وإنا لصدقون } في قولنا.
[15.65]
{ فأسر بأهلك بقطع من اليل واتبع أدبرهم } امش خلفهم { ولا يلتفت منكم أحد } لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم { وامضوا حيث تؤمرون } وهو الشام.
[15.66]
{ وقضينآ } أوحينا { إليه ذلك الأمر } وهو { أن دابر هؤلآء مقطوع مصبحين } حال أي يتم استئصالهم في الصباح.
[15.67]
{ وجآء أهل المدينة } مدينة سدوم، وهم قوم لوط لما أخبروا أن في بيت لوط مردا حسانا وهم الملائكة { يستبشرون } حال طمعا في فعل الفاحشة بهم.
[15.68]
{ قال } لوط { إن هؤلآء ضيفى فلا تفضحون }.
[15.69]
{ واتقوا الله ولا تخزون } بقصدكم إياهم بفعل الفاحشة بهم.
[15.70]
{ قالوا أولم ننهك عن العلمين } عن إضافتهم.
[15.71]
{ قال هؤلآء بناتى إن كنتم فعلين } ما تريدون من قضاء الشهوة فتزوجوهن.
[15.72]
قال تعالى: { لعمرك } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: أي وحياتك { إنهم لفى سكرتهم يعمهون } يترددون.
[15.73]
{ فأخذتهم الصيحة } صيحة جبريل { مشرقين } وقت شروق الشمس.
[15.74]
{ فجعلنا عليها } أي قراهم { سافلها } بأن رفعها جبريل إلى السماء وأسقطها مقلوبة إلى الأرض { وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل } طين طبخ بالنار.
[15.75]
{ إن فى ذلك } المذكور { لأيت } دلالات على وحدانية الله { للمتوسمين } للناظرين المعتبرين.
[15.76]
{ وإنها } أي قرى قوم لوط { لبسبيل مقيم } طريق قريش إلى الشام لم تندرس أفلا يعتبرون بهم؟.
[15.77]
{ إن فى ذلك لأية } لعبرة { للمؤمنين }.
[15.78]
{ وإن } مخففة أي إنه { كان أصحب الأيكة } هي غيضة شجر بقرب (مدين) وهم قوم (شعيب) { لظلمين } بتكذيبهم شعيبا.
[15.79]
{ فانتقمنا منهم } بأن أهلكناهم بشدة الحر { وإنهما } أي قرى قوم لوط والأيكة { لبإمام } طريق { مبين } واضح أفلا تعتبرون بهم يا أهل مكة؟.
[15.80]
{ ولقد كذب أصحب الحجر } واد بين المدينة والشام وهم ثمود { المرسلين } بتكذيبهم صالحا لأنه تكذيب لباقي الرسل لإشتراكهم في المجيء بالتوحيد.
[15.81]
{ وءاتينهم ءايتنا } في الناقة { فكانوا عنها معرضين } لا يتفكرون فيها.
[15.82]
{ وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا ءامنين }.
[15.83]
{ فأخذتهم الصيحة مصبحين } وقت الصباح.
[15.84]
{ فمآ أغنى } دفع { عنهم } العذاب { ما كانوا يكسبون } من بناء الحصون وجمع الأموال.
[15.85]
{ وما خلقنا السموات والأرض وما بينهمآ إلا بالحق وإن الساعة لأتية } لا محالة فيجازي كل واحد بعمله { فاصفح } يا محمد عن قومك { الصفح الجميل } أعرض عنهم إعراضا لا جزع فيه وهذا منسوخ بآية السيف [5:9].
[15.86]
{ إن ربك هو الخلق } لكل شيء { العليم } بكل شيء.
[15.87]
{ ولقد ءاتينك سبعا من المثاني } قال صلى الله عليه وسلم:
" هي الفاتحة "
رواه الشيخان لأنها تثنى في كل ركعة { والقرءان العظيم }.
[15.88]
{ لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا } أصنافا { منهم ولا تحزن عليهم } إن لم يؤمنوا { واخفض جناحك } ألن جانبك { للمؤمنين }.
[15.89]
{ وقل إنى أنا النذير } من عذاب الله أن ينزل عليكم { المبين } البين الإنذار.
[15.90]
{ كمآ أنزلنا } العذاب { على المقتسمين } اليهود والنصارى.
[15.91]
{ الذين جعلوا القرءان } أي كتبهم المنزلة عليهم { عضين } أجزاء، حيث آمنوا ببعض وكفروا ببعض، وقيل المراد بهم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإسلام، وقال بعضهم في القرآن سحر وبعضهم كهانة وبعضهم شعر.
[15.92]
{ فوربك لنسئلنهم أجمعين } سؤال توبيخ.
[15.93]
{ عما كانوا يعملون }.
[15.94]
{ فاصدع } يا محمد { بما تؤمر } به أي اجهر به وأمضه { وأعرض عن المشركين } هذا قبل الأمر بالجهاد.
[15.95]
{ إنا كفينك المستهزءين } بك بإهلاكنا كلا منهم بآفة وهم: الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن عبد المطلب والأسود بن عبد يغوث.
[15.96]
{ الذين يجعلون مع الله إلها ءاخر } صفة، وقيل مبتدأ ولتضمنه معنى الشرط دخلت الفاء في خبره وهو { فسوف يعلمون } عاقبة أمرهم.
[15.97]
{ ولقد } للتحقيق { نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون } من الاستهزاء والتكذيب.
[15.98]
{ فسبح } ملتبسا { بحمد ربك } أي قل سبحان الله وبحمده { وكن من السجدين } المصلين.
[15.99]
{ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } الموت.
[16 - سورة النحل]
[16.1]
لما استبطأ المشركون العذاب نزل: { أتىأمر الله } أي الساعة «وأتى» بصيغة الماضي لتحقق وقوعه أي قرب { فلا تستعجلوه } تطلبوه قبل حينه فإنه واقع لا محالة { سبحنه } تنزيها له { وتعالى عما يشركون } به غيره.
[16.2]
{ ينزل الملئكة } أي جبريل { بالروح } بالوحي { من أمره } بإرادته { على من يشاء من عباده } وهم الأنبياء { أن } مفسرة { أنذروا } خوفوا الكافرين بالعذاب وأعلموهم { أنه لا إله إلا أنا فاتقون } خافون.
[16.3]
{ خلق السموات والأرض بالحق } أي محقا { تعلى عما يشركون } به من الأصنام.
[16.4]
{ خلق الإنسن من نطفة } مني إلى أن صيره قويا شديدا { فإذا هو خصيم } شديد الخصومة { مبين } بينها في نفي البعث قائلا { من يحى العظم وهى رميم }.
[16.5]
{ والأنعم } الإبل والبقر والغنم، ونصبه بفعل مقدر يفسره { خلقها لكم } في جملة الناس { فيها دفء } ما تستدفئون به من الأكسية والأردية من أشعارها وأصوافها { ومنفع } من النسل والدر والركوب { ومنها تأكلون } قدم الظرف للفاصلة.
[16.6]
{ ولكم فيها جمال } زينة { حين تريحون } تردونها إلى مراحها بالعشي { وحين تسرحون } تخرجونها إلى المرعى بالغداة.
[16.7]
{ وتحمل أثقالكم } أحمالكم { إلى بلد لم تكونوا بلغيه } واصلين إليه على غير الإبل { إلا بشق الأنفس } بجهدها { إن ربكم لرؤوف رحيم } بكم حيث خلقها لكم.
[16.8]
{ و } خلق { الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } مفعول له والتعليل بهما بتعريف النعم لا ينافي خلقهما لغير ذلك كالأكل في الخيل الثابت بحديث الصحيحين { ويخلق ما لا تعلمون } من الأشياء العجيبة الغريبة.
[16.9]
{ وعلى الله قصد السبيل } أي بيان الطريق المستقيم { ومنها } أي السبيل { جائر } حائد عن الاستقامة { ولو شاء } هدايتكم { لهداكم } إلى قصد السبيل { أجمعين } فتهتدون إليه باختيار منكم.
[16.10]
{ هو الذى أنزل من السماء مآء لكم منه شراب } تشربونه { ومنه شجر } ينبت بسببه { فيه تسيمون } ترعون دوابكم.
[16.11]
{ ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعنب ومن كل الثمرت إن فى ذلك } المذكور { لآية } دالة على وحدانيته تعالى { لقوم يتفكرون } في صنعه فيؤمنون.
[16.12]
{ وسخر لكم اليل والنهار والشمس } بالنصب عطفا على ما قبله والرفع مبتدأ { والقمر والنجوم } بالوجهين { مسخرت } بالنصب حال والرفع خبر { بأمره } بإرادته { إن فى ذلك لآيت لقوم يعقلون } يتدبرون.
[16.13]
{ و } سخر لكم { ما ذرأ } خلق { لكم فى الأرض } من الحيوان والنبات وغير ذلك { مختلفا ألوانه } كأحمر وأصفر وأخضر وغيرها { إن فى ذلك لآية لقوم يذكرون } يتعظون.
[16.14]
{ وهو الذى سخر البحر } ذلله لركوبه والغوص فيه { لتأكلوا منه لحما طريا } هو السمك { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } هي اللؤلؤ والمرجان { وترى } تبصر { الفلك } السفن { مواخر فيه } تمخر الماء، أي تشقه بجريها فيه مقبلة ومدبرة بريح واحد { ولتبتغوا } عطف على( لتأكلوا)، تطلبوا { من فضله } تعالى بالتجارة { ولعلكم تشكرون } الله على ذلك.
[16.15]
{ وألقى فى الأرض رواسى } جبالا ثوابت ل { أن } لا { تميد } تتحرك { بكم } جعل فيها { أنهارا } كالنيل { وسبلا } طرقا { لعلكم تهتدون } إلى مقاصدكم.
[16.16]
{ وعلامت } تستدلون بها على الطرق كالجبال بالنهار { وبالنجم } بمعنى (النجوم) { هم يهتدون } إلى الطرق والقبلة بالليل.
[16.17]
{ أفمن يخلق } وهو الله { كمن لا يخلق } وهو الأصنام حيث تشركونها معه في العبادة؟ لا { أفلا تذكرون } هذا فتؤمنون؟.
[16.18]
{ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } تضبطوها فضلا أن تطيقوا شكرها { إن الله لغفور رحيم } حيث ينعم عليكم مع تقصيركم وعصيانكم.
[16.19]
{ والله يعلم ما تسرون وما تعلنون }.
[16.20]
{ والذين يدعون } بالتاء والياء يعبدون { من دون الله } وهم الأصنام { لا يخلقون شيئا وهم يخلقون } يصورون من الحجارة وغيرها.
[16.21]
{ أموات } لا روح فيهم خبر ثان { غير أحياء } تأكيد { وما يشعرون } أي الأصنام { أيان } وقت { يبعثون } أي الخلق فكيف يعبدون؟ إذ لا يكون إلها إلا الخالق الحي العالم بالغيب.
[16.22]
{ إلهكم } المستحق للعبادة منكم { إله وحد } لا نظير له في ذاته ولا في صفاته وهو الله تعالى { فالذين لا يؤمنون بالأخرة قلوبهم منكرة } جاحدة للوحدانية { وهم مستكبرون } متكبرون عن الإيمان بها.
[16.23]
{ لا جرم } حقا { أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون } فيجازيهم بذلك { إنه لا يحب المستكبرين } بمعنى أنه يعاقبهم.
[16.24]
ونزل في النضر بن الحارث: { وإذا قيل لهم ما } استفهامية { ذا } موصولة { أنزل ربكم } على محمد؟ { قالوا } هو { أسطير } أكاذيب { الأولين } إضلالا للناس.
[16.25]
{ ليحملوا } في عاقبة الأمر { أوزارهم } ذنوبهم { كاملة } لم يكفر منها شيء { يوم القيمة ومن } بعض { أوزار الذين يضلونهم بغير علم } لأنهم دعوهم إلى الضلال فاتبعوهم فاشتركوا في الإثم { ألا سآء } بئس { ما يزرون } يحملونه حملهم هذا.
[16.26]
{ قد مكر الذين من قبلهم } وهو (نمروذ) بنى صرحا طويلا ليصعد منه إلى السماء ليقاتل أهلها { فأتى الله } قصد { بنينهم من القواعد } الأساس فأرسل عليه الريح والزلزلة فهدمته { فخر عليهم السقف من فوقهم } أي وهم تحته { وأتهم العذاب من حيث لا يشعرون } من جهة لا تخطر ببالهم وقيل هذا تمثيل لإفساد ما أبرموه من المكر بالرسل.
[16.27]
{ ثم يوم القيمة يخزيهم } يذلهم { ويقول } الله لهم على لسان الملائكة توبيخا { أين شركاءى } بزعمكم { الذين كنتم تشقون } تخالفون المؤمنين { فيهم } في شأنهم؟ { قال } أي يقول { الذين أوتوا العلم } من الأنبياء والمؤمنين { إن الخزى اليوم والسوء على الكفرين } يقولونه شماتة بهم.
[16.28]
{ الذين تتوفهم } بالتاء والياء { الملئكة ظالمى أنفسهم } بالكفر { فألقوا السلم } انقادوا واستسلموا عند الموت قائلين { ما كنا نعمل من سوء } شرك فتقول الملائكة { بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون } فيجازيكم به.
[16.29]
ويقال لهم { فادخلوا أبواب جهنم خلدين فيها فلبئس مثوى } مأوى { المتكبرين }.
[16.30]
{ وقيل للذين اتقوا } الشرك { ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا } بالإيمان { فى هذه الدنيا حسنة } حياة طيبة { ولدار الأخرة } أي الجنة { خير } من الدنيا وما فيها قال تعالى فيها: { ولنعم دار المتقين } هي.
[16.31]
{ جنت عدن } إقامة مبتدأ خبره { يدخلونها تجرى من تحتها الأنهر لهم فيها ما يشآءون كذلك } الجزاء { يجزى الله المتقين }.
[16.32]
{ الذين } نعت { تتوفهم الملئكة طيبين } طاهرين من الكفر { يقولون } لهم عند الموت { سلم عليكم } ويقال لهم في الآخرة { ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون }.
[16.33]
{ هل } ما { ينظرون } ينتظر الكفار { إلا أن تأتيهم } بالتاء والياء { الملئكة } لقبض أرواحهم { أو يأتى أمر ربك } العذاب أو القيامة المشتملة عليه؟ { كذلك } كما فعل هؤلاء { فعل الذين من قبلهم } من الأمم كذبوا رسلهم فأهلكوا { وما ظلمهم الله } بإهلاكهم بغير ذنب { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بالكفر.
[16.34]
{ فأصابهم سيئات ما عملوا } أي جزاؤها { وحاق } نزل { بهم ما كانوا به يستهزءون } أي العذاب.
[16.35]
{ وقال الذين أشركوا } من أهل مكة { لو شآء الله ما عبدنا من دونه من شىء نحن ولا ءاباؤنا ولا حرمنا من دونه من شىء } من البحائر والسوائب فإشراكنا وتحريمنا بمشيئته فهو راض به، قال تعالى: { كذلك فعل الذين من قبلهم } أي كذبوا رسلهم فيما جاؤوا به { فهل } فما { على الرسل إلا البلغ المبين } إلابلاغ البين وليس عليهم الهداية.
[16.36]
{ ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا } كما بعثناك في هؤلاء { أن } أي بأن { اعبدوا الله } وحدوه { واجتنبوا الطغوت } الأوثان أن تعبدوها { فمنهم من هدى الله } فآمن { ومنهم من حقت } وجبت { عليه الضللة } في علم الله فلم يؤمن { فسيروا } يا كفار مكة { فى الأرض فانظروا كيف كان عقبة المكذبين } رسلهم من الهلاك.
[16.37]
{ إن تحرص } يا محمد { على هداهم } - وقد أضلهم الله -لا تقدر على ذلك { فإن الله لا يهدى } بالبناء للمفعول وللفاعل { من يضل } من يريد إضلاله { وما لهم من نصرين } مانعين من عذاب الله.
[16.38]
{ وأقسموا بالله جهد أيمنهم } أي غاية اجتهادهم فيها { لا يبعث الله من يموت } قال تعالى { بلى } يبعثهم { وعدا عليه حقا } مصدران مؤكدان منصوبان بفعلهما المقدر أي وعد ذلك وحقه حقا { ولكن أكثر الناس } أي أهل مكة { لا يعلمون } ذلك.
[16.39]
{ ليبين } متعلق ب(يبعثهم) المقدر { لهم الذى يختلفون } مع المؤمنين { فيه } من أمر الدين بتعذيبهم وإثابة المؤمنين { وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كذبين } في إنكار البعث.
[16.40]
{ إنما قولنا لشىء إذا أردناه } أي أردنا إيجاده و «قولنا» مبتدأ خبره { أن نقول له كن فيكون } أي فهو يكون وفي قراءة بالنصب عطفا على «نقول»، والآية لتقرير القدرة على البعث.
[16.41]
{ والذين هجروا فى الله } لإقامة دينه { من بعد ما ظلموا } بالأذى من أهل مكة وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه { لنبوئنهم } ننزلهم { فى الدنيا } دارا { حسنة } هي المدينة { ولاجر الاخرة } أي الجنة { أكبر } أعظم { لو كانوا يعلمون } أي الكفار أو المتخلفون عن الهجرة ما للمهاجرين من الكرامة لوافقوهم.
[16.42]
هم { الذين صبروا } على أذى المشركين والهجرة لإظهار الدين { وعلى ربهم يتوكلون } فيرزقهم من حيث لا يحتسبون.
[16.43]
{ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم } لا ملائكة { فاسئلوا أهل الذكر } العلماء بالتوراة والإنجيل { إن كنتم لا تعلمون } ذلك فإنهم يعلمونه وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم.
[16.44]
{ بالبينت } متعلق بمحذوف أي أرسلناهم بالحجج الواضحة { والزبر } الكتب { وأنزلنا إليك الذكر } القرآن { لتبين للناس ما نزل إليهم } فيه من الحلال والحرام { ولعلهم يتفكرون } في ذلك فيعتبرون.
[16.45]
{ أفأمن الذين مكروا } المكرات { السيئات } بالنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة من تقييده أو قتله أو إخراجه كما ذكر في (الأنفال)[30:8] { أن يخسف الله بهم الأرض } ك(قارون) { أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون } أي من جهة لا تخطر ببالهم؟ وقد أهلكوا ببدر ولم يكونوا يقدرون ذلك.
[16.46]
{ أو يأخذهم فى تقلبهم } في أسفارهم للتجارة { فما هم بمعجزين } بفائتين العذاب.
[16.47]
{ أو يأخذهم على تخوف } تنقص شيئا فشيئا حتى يهلك الجميع حال من الفاعل أو المفعول { فإن ربكم لرؤوف رحيم } حيث لم يعاجلهم بالعقوبة.
[16.48]
{ أو لم يروا إلى ما خلق الله من شىء } له ظل كشجر وجبل { يتفيؤا } يتميل { ظلله عن اليمين والشمآئل } جمع (شمال) أي عن جانبيهما أول النهار وآخره { سجدا لله } حال أي خاضعين بما يراد منهم { وهم } أي الظلال { دخرون } صاغرون و نزلوا منزلة العقلاء.
[16.49]
{ ولله يسجد ما فى السموات وما في الأرض من دابة } أي نسمة تدب عليها أي يخضع له بما يراد منه وغلب في الإتيان ب «ما» ما لا يعقل لكثرته { والملئكة } خصهم بالذكر تفضيلا { وهم لا يستكبرون } يتكبرون عن عبادته.
[16.50]
{ يخافون } أي الملائكة حال من ضمير يستكبرون { ربهم من فوقهم } حال من «ربهم» أي عاليا عليهم بالقهر { ويفعلون ما يؤمرون } به.
[16.51]
{ وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين } تأكيد { إنما هو إله واحد } أتى به لإثبات الإلهية والوحدانية { فإيي فارهبون } خافون دون غيري وفيه التفات عن الغيبة.
[16.52]
{ وله ما فى السموات والأرض } ملكا وخلقا وعبيدا { وله الدين } الطاعة { واصبا } دائما حال من «الدين» والعامل فيه معنى الظرف { أفغير الله تتقون } وهو الإله الحق ولا إله غيره؟ والاستفهام للإنكار والتوبيخ.
[16.53]
{ وما بكم من نعمة فمن الله } لا يأتي بها غيره و «ما» شرطية أو موصولة { ثم إذا مسكم } أصابكم { الضر } الفقر والمرض { فإليه تجئرون } ترفعون أصواتكم بالاستغاثة والدعاء ولا تدعون غيره.
[16.54]
{ ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون }.
[16.55]
{ ليكفروا بمآ ءاتينهم } من النعمة { فتمتعوا } باجتماعكم على عبادة الأصنام أمر تهديد { فسوف تعلمون } عاقبة ذلك.
[16.56]
{ ويجعلون } أي المشركون { لما لا يعلمون } أنها تضر ولا تنفع وهي الأصنام { نصيبا مما رزقنهم } من الحرث والأنعام بقولهم «هذا لله وهذا لشركائنا» { تالله لتسئلن } سؤال توبيخ، وفيه التفات عن الغيبة { عما كنتم تفترون } على الله من أنه أمركم بذلك.
[16.57]
{ ويجعلون لله البنت } بقولهم: الملائكة بنات الله { سبحنه } تنزيها له عما زعموا { ولهم ما يشتهون } أي البنون، والجملة في محل رفع أو نصب ب «يجعلون»، المعنى: يجعلون له البنات التي يكرهونها- وهو منزه عن الولد- ويجعلون لهم الأبناء الذين يختارونها فيختصون بالأسنى كقوله:
فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون
[149:37]
[16.58]
{ وإذا بشر أحدهم بالأنثى } تولد له { ظل } صار { وجهه مسودا } متغير تغير مغتم { وهو كظيم } ممتلىء غما فكيف تنسب البنات إليه تعالى؟.
[16.59]
{ يتوارى } يختفي { من القوم } أي قومه { من سوء ما بشر به } خوفا من التعبير مترددا فيما يفعل به { أيمسكه } يتركه بلا قتل { على هون } هوان وذل { أم يدسه فى التراب } بأن يئده { ألا سآء } بئس { ما يحكمون } حكمهم هذا حيث نسبوا لخالقهم البنات اللاتي هي عندهم بهذا المحل.
[16.60]
{ للذين لا يؤمنون بالأخرة } أي الكفار { مثل السوء } أي الصفة السوأى بمعنى القبيحة وهي وأدهم البنات مع احتياجهم إليهن للنكاح { ولله المثل الأعلى } الصفة العليا وهو أنه لا إله إلا هو { وهو العزيز } في ملكه { الحكيم } في خلقه.
[16.61]
{ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم } بالمعاصي { ما ترك عليها } أي الأرض { من دابة } نسمة تدب عليها { ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جآء أجلهم لا يستئخرون } عنه { ساعة ولا يستقدمون } عليه.
[16.62]
{ ويجعلون لله ما يكرهون } لأنفسهم من البنات والشريك في الرياسة وإهانة الرسل { وتصف } تقول { ألسنتهم } مع ذلك { الكذب } وهو { أن لهم الحسنى } عند الله أي الجنة لقوله:
ولئن رجعت إلى ربى إن لى عنده للحسنى
[50:41] قال تعالى { لا جرم } حقا { أن لهم النار وأنهم مفرطون } متروكون فيها أو مقدمون إليها وفي قراءة بكسر الراء أي متجاوزون الحد.
[16.63]
{ تالله لقد أرسلنآ إلى أمم من قبلك } رسلا { فزين لهم الشيطن أعمالهم } السيئة فرأوها حسنة فكذبوا الرسل { فهو وليهم } متولي أمورهم { اليوم } أي في الدنيا { ولهم عذاب أليم } مؤلم في الآخرة وقيل المراد باليوم يوم القيامة على حكاية الحال الآتية أي لا ولي لهم غيره وهو عاجز عن نصر نفسه فكيف ينصرهم؟
[16.64]
{ ومآ أنزلنا عليك } يا محمد { الكتب } القرآن { إلا لتبين لهم } للناس { الذى اختلفوا فيه } من أمر الدين { وهدى } عطف على «لتبين» { ورحمة لقوم يؤمنون } به.
[16.65]
{ والله أنزل من السماء مآء فأحيا به الأرض } بالنبات { بعد موتها } يبسها { إن فى ذلك } المذكور { لأية } دالة على البعث { لقوم يسمعون } سماع تدبر.
[16.66]
{ وإن لكم فى الأنعم لعبرة } اعتبارا { نسقيكم } بيان للعبرة { مما فى بطونه } أي الأنعام { من } للابتداء متعلقة ب(نسقيكم) { بين فرث } ثفل الكرش { ودم لبنا خالصا } لا يشوبه شيء من الفرث والدم من طعم أو ريح أو لون أو بينهما { سآئغا للشاربين } سهل المرور في حلقهم لا يغص به.
[16.67]
{ ومن ثمرت النخيل والأعنب } ثمر { تتخذون منه سكرا } خمرا يسكر سميت بالمصدر وهذا قبل تحريمها { ورزقا حسنا } كالتمر والزبيب والخل والدبس { إن فى ذلك } المذكور { لأية } دالة على قدرته تعالى { لقوم يعقلون } يتدبرون.
[16.68]
{ وأوحى ربك إلى النحل } وحي إلهام { أن } مفسرة أو مصدرية { اتخذى من الجبال بيوتا } تأوين إليها { ومن الشجر } بيوتا { ومما يعرشون } أي الناس يبنون لك من الأماكن وإلا لم تأو إليها.
[16.69]
{ ثم كلى من كل الثمرت فاسلكى } ادخلي { سبل ربك } طرقه في طلب المرعى { ذللا } جمع (ذلول)، حال من (السبل) أي مسخرة لك فلا تعسر عليك وإن توعرت ولا تضلي عن العود منها وإن بعدت وقيل من الضمير في «اسلكي» أي منقادة لما يراد منك { يخرج من بطونها شراب } وهو العسل { مختلف ألوانه فيه شفآء للناس } من الأوجاع قيل لبعضها كما دل عليه تنكير (شفاء) أو لكلها بضميمته إلى غيره أقول وبدونها بنيته وقد أمر به صلى الله عليه وسلم من استطلق عليه بطنه رواه الشيخان { إن فى ذلك لأية لقوم يتفكرون } في صنعه تعالى.
[16.70]
{ والله خلقكم } ولم تكونوا شيئا { ثم يتوفكم } عند انقضاء آجالكم { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } أي أخسه من الهرم والخرف { لكيلا يعلم بعد علم شيئا } قال عكرمة من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة { إن الله عليم } بتدبير خلقه { قدير } على ما يريده.
[16.71]
{ والله فضل بعضكم على بعض فى الرزق } فمنكم غني وفقير ومالك ومملوك { فما الذين فضلوا } أي الموالي { برآدى رزقهم على ما ملكت أيمنهم } أي بجاعلي ما رزقناهم من الأموال وغيرها شركة بينهم وبين مماليكهم { فهم } أي المماليك والموالي { فيه سوآء } شركاء، المعنى ليس لهم شركاء من مماليكهم في أموالهم فكيف يجعلون بعض مماليك الله شركاء له؟ { أفبنعمة الله يجحدون } يكفرون حيث يجعلون له شركاء؟
[16.72]
{ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } فخلق حواء من ضلع آدم، وسائر النساء من نطف الرجال والنساء { وجعل لكم من أزوجكم بنين وحفدة } أولاد الأولاد { ورزقكم من الطيبات } من أنواع الثمار والحبوب والحيوان { أفبالبطل } الصنم { يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون } بإشراكهم.
[16.73]
{ ويعبدون من دون الله } أي غيره { ما لا يملك لهم رزقا من السموات } بالمطر { والأرض } بالنبات { شيئا } بدل من (رزقا) { ولا يستطيعون } يقدرون على شيء وهو الأصنام.
[16.74]
{ فلا تضربوا لله الأمثال } فلا تجعلوا لله أشباها تشركونهم به { إن الله يعلم } أن لا مثل له { وأنتم لا تعلمون } ذلك.
[16.75]
{ ضرب الله مثلا } ويبدل منه { عبدا مملوكا } صفة تميزه من الحر فإنه عبد الله { لا يقدر على شىء } لعدم ملكه { ومن } نكرة موصوفة أي حرا { رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا } أي يتصرف فيه كيف يشاء، والأول مثل الأصنام والثاني مثله تعالى { هل يستوون } أي العبيد العجزة والحر المتصرف؟ لا { الحمد لله } وحده { بل أكثرهم } أي أهل مكة { لا يعلمون } ما يصيرون إليه من العذاب فيشركون.
[16.76]
{ وضرب الله مثلا } ويبدل منه { رجلين أحدهما أبكم } ولد أخرس { لا يقدر على شىء } لأنه لا يفهم ولا يفهم { وهو كل } ثقيل { على مولاه } ولي أمره { أينما يوجهه } يصرفه { لا يأت } منه { بخير } (ينجح) وهذا مثل الكافر { هل يستوى هو } الأبكم المذكور { ومن يأمر بالعدل } أي ومن هو ناطق نافع للناس حيث يأمر به ويحث عليه { وهو على صرط } طريق { مستقيم } وهو الثاني المؤمن؟ لا، وقيل هذا مثل لله، و(الأبكم) للأصنام والذي قبله مثل الكافر والمؤمن.
[16.77]
{ ولله غيب السموات والأرض } أي علم ما غاب فيهما { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } منه لأنه بلفظ «كن» فيكون { إن الله على كل شىء قدير }.
[16.78]
{ والله أخرجكم من بطون أمهتكم لا تعلمون شيئا } الجملة حال { وجعل لكم السمع } بمعنى الأسماع { والأبصر والأفئدة } القلوب { لعلكم تشكرون } على ذلك فتؤمنون.
[16.79]
{ ألم يروا إلى الطير مسخرت } مذللات للطيران { فى جو السمآء } أي الهواء بين السماء والأرض و { ما يمسكهن } عند قبض أجنحتهن أو بسطها أن يقعن { إلا الله } بقدرته { إن فى ذلك لأيت لقوم يؤمنون } هي: خلقها بحيث يمكنها الطيران وخلق الجو بحيث يمكن الطيران فيه وإمساكها.
[16.80]
{ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا } موضعا تسكنون فيه { وجعل لكم من جلود الأنعم بيوتا } كالخيام والقباب { تستخفونها } للحمل { يوم ظعنكم } سفركم { ويوم إقمتكم ومن أصوافها } أي الغنم { وأوبارها } أي الإبل { وأشعارها } أي المعز { أثاثا } متاعا لبيوتكم كبسط وأكسية { ومتعا } تتمتعون به { إلى حين } تبلى فيه.
[16.81]
{ والله جعل لكم مما خلق } من البيوت والشجر والغمام { ظللا } جمع (ظل) تقيكم حر الشمس { وجعل لكم من الجبال أكننا } جمع (كن): وهو ما يستكن فيه كالغار والسرب { وجعل لكم سرابيل } قمصا { تقيكم الحر } أي والبرد { وسربيل تقيكم بأسكم } حربكم، أي: الطعن والضرب فيها كالدروع والجواشن { كذلك } كما خلق هذه الأشياء { يتم نعمته } في الدنيا { عليكم } بخلق ما تحتاجون إليه { لعلكم } يا أهل مكة { تسلمون } توحدونه.
[16.82]
{ فإن تولوا } أعرضوا عن الإسلام { فإنما عليك } يا محمد { البلغ المبين } الإبلاغ البين وهذا قبل الأمر بالقتال.
[16.83]
{ يعرفون نعمت الله } أي يقرون بأنها من عنده { ثم ينكرونها } بإشراكهم { وأكثرهم الكفرون }.
[16.84]
{ و } اذكر { يوم نبعث من كل أمة شهيدا } هو نبيها يشهد لها وعليها وهو يوم القيامة { ثم لا يؤذن للذين كفروا } في الاعتذار { ولا هم يستعتبون } لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى ما يرضي الله.
[16.85]
{ وإذا رأى الذين ظلموا } كفروا { العذاب } النار { فلا يخفف عنهم } العذاب { ولا هم ينظرون } يمهلون عنه إذا رأوه.
[16.86]
{ وإذا رءا الذين أشركوا شركآءهم } من الشياطين وغيرها { قالوا ربنا هؤلآء شركآؤنا الذين كنا ندعوا } نعبدهم { من دونك فألقوا إليهم القول } أي قالوا لهم { إنكم لكذبون } في قولكم إنكم عبدتمونا كما في آية أخرى
ما كانوا إيانا يعبدون
سيكفرون بعبدتهم.
[16.87]
{ وألقوا إلى الله يومئذ السلم } أي استسلموا لحكمه { وضل } غاب { عنهم ما كانوا يفترون } من أن آلهتهم تشفع لهم.
[16.88]
{ الذين كفروا وصدوا } الناس { عن سبيل الله } دينه { زدنهم عذابا فوق العذاب } الذي استحقوه بكفرهم، قال ابن مسعود: عقارب أنيابها كالنخل الطوال { بما كانوا يفسدون } بصدهم الناس عن الإيمان.
[16.89]
{ و } اذكر { يوم نبعث فى كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم } هو نبيهم { وجئنا بك } يا محمد صلى الله عليه وسلم { شهيدا على هؤلآء } أي قومك { ونزلنا عليك الكتب } القرآن { تبيانا } بيانا { لكل شىء } يحتاج إليه الناس من أمر الشريعة { وهدى } من الضلالة { ورحمة وبشرى } بالجنة { للمسلمين } الموحدين.
[16.90]
{ إن الله يأمر بالعدل } التوحيد أو الإنصاف { والإحسان } أداء الفرائض، أو «أن تعبد الله كأنك تراه» كما في الحديث { وإيتاء } إعطاء { القربى واليتمى } القرابة: خصه بالذكر اهتماما به { وينهى عن الفحشاء } الزنا { والمنكر } شرعا من الكفر والمعاصي { والبغى } الظلم للناس: خصه بالذكر اهتماما، كما بدأ بالفحشاء، كذلك { يعظكم } بالأمر والنهي { لعلكم تذكرون } تتعظون، وفيه إدغام التاء في الأصل في الذال. وفي المستدرك عن ابن مسعود: وهذه أجمع آية في القرآن للخير والشر.
[16.91]
{ وأوفوا بعهد الله } من البيع والأيمان وغيرها { إذا عهدتم ولا تنقضوا الايمن بعد توكيدها } توثيقها { وقد جعلتم الله عليكم كفيلا } بالوفاء حيث حلفتم به، والجملة حال { إن الله يعلم ما تفعلون } تهديد لهم.
[16.92]
{ ولا تكونوا كالتى نقضت } أفسدت { غزلها } ما غزلته { من بعد قوة } إحكام له وبرم { أنكثا } حال جمع نكث وهو ما ينكث: أي يحل إحكامه، وهي امرأة حمقاء من مكة كانت تغزل طول يومها ثم تنقضه { تتخذون } حال من ضمير «تكونوا» أي لا تكونوا مثلها في اتخاذكم { أيمنكم دخلا } هو ما يدخل في الشيء وليس منه: أي فسادا وخديعة { بينكم } بأن تنقضوها { ءان } أي لأن { تكون أمة } جماعة { هى أربى } أكثر { من أمة } وكانوا يحالفون الحلفاء، فإذا وجدوا أكثر منهم وأعز نقضوا حلف أولئك وحالفوهم { إنما يبلوكم } يختبركم { الله به } أي بما أمر به من الوفاء بالعهد لينظر المطيع منكم والعاصي، أو بكون أمة أربى، لينظر أتفون أم لا؟ { وليبينن لكم يوم القيمة ما كنتم فيه تختلفون } في الدنيا من أمر العهد وغيره، بأن يعذب الناكث ويثيب الوافي.
[16.93]
{ ولو شاء الله لجعلكم أمة وحدة } أهل دين واحد { ولكن يضل من يشآء ويهدى من يشآء ولتسئلن } يوم القيامة سؤال تبكيت { عما كنتم تعملون } لتجازوا عليه.
[16.94]
{ ولا تتخذوا أيمنكم دخلا بينكم } كرره تأكيدا { فتزل قدم } أي أقدامكم عن محجة الإسلام { بعد ثبوتها } استقامتها عليها { وتذوقوا السوء } أي العذاب { بما صددتم عن سبيل الله } أي بصدكم عن الوفاء بالعهد، أو بصدكم غيركم عنه لأنه يستن بكم { ولكم عذاب عظيم } في الآخرة.
[16.95]
{ ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا } من الدنيا بأن تنقضوه لأجله { إنما عند الله } من الثواب { هو خير لكم } مما في الدنيا { إن كنتم تعلمون } ذلك فلا تنقضوا.
[16.96]
{ ما عندكم } من الدنيا { ينفد } يفنى { وما عند الله باق } دائم { وليجزين } بالياء والنون { ولنجزين الذين صبروا } على الوفاء بالعهود { أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } أحسن بمعنى حسن.
[16.97]
{ من عمل صلحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة } قيل: هي حياة الجنة، وقيل في الدنيا بالقناعة أو الرزق الحلال { ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون }.
[16.98]
{ فإذا قرأت القرءان } أي أردت قراءته { فاستعذ بالله من الشيطن الرجيم } أي قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
[16.99]
{ إنه ليس له سلطان } تسلط { على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون }.
[16.100]
{ إنما سلطنه على الذين يتولونه } بطاعته { والذين هم به } أي الله { مشركون }.
[16.101]
{ وإذا بدلنآ ءاية مكان ءاية } بنسخها وإنزال غيرها لمصلحة العباد { والله أعلم بما ينزل قالوا } أي الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم { إنما أنت مفتر } كذاب تقوله من عندك { بل أكثرهم لا يعلمون } حقيقة القرآن وفائدة النسخ.
[16.102]
{ قل } لهم { نزله روح القدس } جبريل { من ربك بالحق } متعلق ب «نزل» { ليثبت الذين ءامنوا } بإيمانهم به { وهدى وبشرى للمسلمين }.
[16.103]
{ ولقد } للتحقيق { نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه } القرآن { بشر } وهو قين نصراني كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل عليه. قال تعالى { لسان } لغة { الذى يلحدون } يميلون { إليه } أنه يعلمه { أعجمى وهذا } القرآن { لسان عربى مبين } ذو بيان وفصاحة فكيف يعلمه أعجمي.
[16.104]
{ إن الذين لا يؤمنون بآيت الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم } مؤلم.
[16.105]
{ إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيت الله } القرآن، بقولهم: هذا من قول البشر { وأولئك هم الكذبون } والتأكيد بالتكرار والآية: رد لقولهم: إنما أنت مفتر.
[16.106]
{ من كفر بالله من بعد إيمنه إلا من أكره } على التلفظ بالكفر فتلفظ به { وقلبه مطمئن بالإيمن } و «من» مبتدأ أو شرطية، والخبر أو الجواب: لهم وعيد شديد، دل على هذا { ولكن من شرح بالكفر صدرا } له أي فتحه ووسعه، بمعنى طابت به نفسه { فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم }.
[16.107]
{ ذلك } الوعيد لهم { ذلك بأنهم استحبوا الحيوة } اختاروها { على الاخرة وأن الله لا يهدى القوم الكفرين }.
[16.108]
{ أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصرهم وأولئك هم الغفلون } عما يراد بهم.
[16.109]
{ لا جرم } حقا { أنهم فى الاخرة هم الخسرون } لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم.
[16.110]
{ ثم إن ربك للذين هجروا } إلى المدينة { من بعد ما فتنوا } عذبوا وتلفظوا بالكفر، وفي قراءة بالبناء للفاعل: أي كفروا أو فتنوا الناس عن الإيمان { ثم جهدوا وصبروا } على الطاعة { إن ربك من بعدها } أي الفتنة { لغفور } لهم { رحيم } بهم وخبر «إن» الأولى دل عليه خبر الثانية.
[16.111]
اذكر { يوم تأتى كل نفس تجدل } تحاج { عن نفسها } لا يهمها غيرها وهو يوم القيامة { وتوفى كل نفس } جزاء { ما عملت وهم لا يظلمون } شيئا.
[16.112]
{ وضرب الله مثلا } ويبدل منه { قرية } هي مكة والمراد أهلها { كانت ءامنة } من الغارات لا تهاج { مطمئنة } لا يحتاج إلى الانتقال عنها لضيق أو خوف { يأتيها رزقها رغدا } واسعا { من كل مكان فكفرت بأنعم الله } بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم { فأذاقها الله لباس الجوع } فقحطوا سبع سنين { والخوف } بسرايا النبي صلى الله عليه وسلم { بما كانوا يصنعون }.
[16.113]
{ ولقد جاءهم رسول منهم } محمد صلى الله عليه وسلم { فكذبوه فأخذهم العذاب } الجوع والخوف { وهم ظلمون }.
[16.114]
{ فكلوا } أيها المؤمنون { مما رزقكم الله حللا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون }.
[16.115]
{ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن }.
[16.116]
{ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم } أي لوصف ألسنتكم { الكذب هذا حلل وهذا حرام } لما لم يحله الله ولم يحرمه { لتفتروا على الله الكذب } بنسبة ذلك إليه { إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون }.
[16.117]
لهم { متع قليل } في الدنيا { ولهم } في الآخرة { عذاب أليم } مؤلم.
[16.118]
{ وعلى الذين هادوا } أي اليهود { حرمنا ما قصصنا عليك من قبل } في آية
وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر
إلى آخرها { وما ظلمنهم } بتحريم ذلك { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بارتكاب المعاصي الموجبة لذلك.
[16.119]
{ ثم إن ربك للذين عملوا السوء } الشرك { بجهلة ثم تابوا } رجعوا { من بعد ذلك وأصلحوا } عملهم { إن ربك من بعدها } أي الجهالة أو التوبة { لغفور } لهم { رحيم } بهم.
[16.120]
{ إن إبرهيم كان أمة } إماما قدوة جامعا لخصال الخير { قنتا } مطيعا { لله حنيفا } مائلا إلى الدين القيم { ولم يك من المشركين }.
[16.121]
{ شاكرا لانعمه اجتبه } اصطفاه { وهداه إلى صرط مستقيم }.
[16.122]
{ وءاتيناه } فيه التفات عن الغيبة { فى الدنيا حسنة } هي الثناء الحسن في أهل الأديان { وإنه فى الاخرة لمن الصلحين } الذين لهم الدرجات العلى.
[16.123]
{ ثم أوحينا إليك } يا محمد صلى الله عليه وسلم { أن اتبع ملة } دين { إبرهيم حنيفا وما كان من المشركين } كرر ردا على زعم اليهود والنصارى أنهم على دينه.
[16.124]
{ إنما جعل السبت } فرض تعظيمه { على الذين اختلفوا فيه } على نبيهم وهم اليهود: أمروا أن يتفرغوا للعبادة يوم الجمعة، فقالوا: لا نريده، واختاروا السبت فشدد عليهم فيه { وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون } من أمره بأن يثيب الطائع ويعذب العاصي بانتهاك حرمته.
[16.125]
{ ادع } الناس يا محمد صلى الله عليه وسلم { إلى سبيل ربك } دينه { بالحكمة } بالقرآن { والموعظة الحسنة } مواعظة أو القول الرقيق { وجدلهم بالتى } أي المجادلة التي { هى أحسن } كالدعاء إلى الله بآياته والدعاء إلى حججه { إن ربك هو أعلم } أي عالم { بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } فيجازيهم، وهذا قبل الأمر بالقتال. ونزل لما قتل حمزة ومثل به فقال صلى الله عليه وسلم وقد رآه: «لأمثلن بسبعين منهم مكانك2.
[16.126]
{ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم } عن الانتقام { لهو } أي الصبر { خير للصبرين } فكف صلى الله عليه وسلم وكفر عن يمينه. رواه البزار.
[16.127]
{ واصبر وما صبرك إلا بالله } بتوفيقه { ولا تحزن عليهم } أي الكفار إن لم يؤمنوا لحرصك على إيمانهم { ولا تك فى ضيق مما يمكرون } أي لا تهتم بمكرهم فأنا ناصرك عليهم.
[16.128]
{ إن الله مع الذين اتقوا } الكفر والمعاصي { والذين هم محسنون } بالطاعة والصبر بالعون والنصر.
[17 - سورة الإسراء]
[17.1]
{ سبحان } أي تنزيه { الذى أسرى بعبده } محمد صلى الله عليه وسلم { ليلا } نصب على الظرف، والإسراء: سير الليل، وفائدة ذكره الإشارة بتنكيره إلى تقليل مدته { من المسجد الحرام } أي مكة { إلى المسجد الاقصى } بيت المقدس لبعده منه { الذى بركنا حوله } بالثمار والأنهار { لنريه من ءايتنا } عجائب قدرتنا { إنه هو السميع البصير } أي العالم بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، فأنعم عليه بالإسراء المشتمل على اجتماعه بالأنبياء وعروجه إلى السماء ورؤية عجائب الملكوت ومناجاته له تعالى.
[17.2]
قال تعالى { وءاتينا موسى الكتب } التوراة { وجعلنه هدى لبنى إسرءيل } ل { أ } ن { لا يتخذوا من دونى وكيلا } يفوضون إليه أمرهم وفي قراءة «تتخذوا» بالفوقانية التفاتا ف «إن» زائدة، والقول مضمر.
[17.3]
{ ذرية من حملنا مع نوح } في السفينة { إنه كان عبدا شكورا } كثير الشكر لنا، حامدا في جميع أحواله.
[17.4]
{ وقضينآ } أوحينا { إلى بنى إسرءيل فى الكتب } التوراة { لتفسدن فى الأرض } أرض الشام بالمعاصي { مرتين ولتعلن علوا كبيرا } تبغون بغيا عظيما.
[17.5]
{ فإذا جآء وعد أولهما } أولى مرتي الفساد { بعثنا عليكم عبادا لنآ أولى بأس شديد } أصحاب قوة في الحرب والبطش { فجاسوا } ترددوا لطلبكم { خلل الديار } وسط دياركم ليقتلوكم ويسبوكم { وكان وعدا مفعولا } وقد أفسدوا الأولى بقتل زكريا فبعث عليهم جالوت وجنوده فقتلوهم وسبوا أولادهم وخربوا بيت المقدس.
[17.6]
{ ثم رددنا لكم الكرة } الدولة والغلبة { عليهم } بعد مائة سنة بقتل جالوت { وأمددنكم بأمول وبنين وجعلنكم أكثر نفيرا } عشيرة.
[17.7]
وقلنا: { إن أحسنتم } بالطاعة { أحسنتم لأنفسكم } لأن ثوابه لها { وإن أسأتم } بالفساد { فلها } إساءتكم { فإذا جآء وعد } المرة { الأخرة } بعثناهم { ليسئوا وجوهكم } يحزنوكم بالقتل والسبي حزنا يظهر في وجوهكم { وليدخلوا المسجد } بيت المقدس فيخربوه { كما دخلوه } وخربوه { أول مرة وليتبروا } يهلكوا { ما علوا } غلبوا عليه { تتبيرا } هلاكا، وقد أفسدوا ثانيا بقتل يحيى، فبعث عليهم بختنصر فقتل منهم ألوفا وسبى ذريتهم وخرب بيت المقدس.
[17.8]
وقلنا في الكتاب { عسى ربكم أن يرحمكم } بعد المرة الثانية إن تبتم { وإن عدتم } إلى الفساد { عدنا } إلى العقوبة وقد عادوا بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، فسلط عليهم بقتل (قريظة) ونفي (بني النضير) وضرب الجزية عليهم { وجعلنا جهنم للكفرين حصيرا } محبسا وسجنا.
[17.9]
{ إن هذا القرءان يهدى للتى } أي الطريقة التي { هى أقوم } أعدل وأصوب { ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصلحت أن لهم أجرا كبيرا }.
[17.10]
{ و } يخبر { أن الذين لا يؤمنون بالأخرة أعتدنا } أعددنا { لهم عذابا أليما } مؤلما هو النار.
[17.11]
{ ويدع الإنسن بالشر } على نفسه وأهله إذا ضجر { دعآءه } أي كدعائه له { بالخير وكان الإنسن } الجنس { عجولا } بالدعاء على نفسه وعدم النظر في عاقبته.
[17.12]
{ وجعلنا اليل والنهار ءايتين } دالتين على قدرتنا { فمحونآ ءاية اليل } طمسنا نورها بالظلام لتسكنوا فيه، والإضافة للبيان { وجعلنآ ءاية النهار مبصرة } أي مبصرا فيها بالضوء { لتبتغوا } فيه { فضلا من ربكم } بالكسب { ولتعلموا } بهما { عدد السنين والحساب } للأوقات { وكل شىء } يحتاج إليه { فصلنه تفصيلا } بيناه تبيينا.
[17.13]
{ وكل إنسن ألزمنه طئره } عمله يحمله { فى عنقه } خص بالذكر لأن اللزوم فيه أشد وقال مجاهد: ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد { ونخرج له يوم القيمة كتبا } مكتوبا فيه عمله { يلقه منشورا } صفتان (لكتابا).
[17.14]
ويقال له { اقرأ كتبك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } محاسبا.
[17.15]
{ من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه } لأن ثواب اهتدائه له { ومن ضل فإنما يضل عليها } لأن إثمه عليها { ولا تزر } نفس { وزرة } آثمة أي لا تحمل { وزر } نفس { أخرى وما كنا معذبين } أحدا { حتى نبعث رسولا } يبين له ما يجب عليه.
[17.16]
{ وإذآ أردنا أن نهلك قرية أمرنآ مترفيها } منعميها بمعنى رؤسائها بالطاعة على لسان رسلنا { ففسقوا فيها } فخرجوا عن أمرنا { فحق عليها القول } بالعذاب { فدمرنها تدميرا } أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريبها.
[17.17]
{ وكم } أي كثيرا { أهلكنا من القرون } الأمم { من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا } عالما ببواطنها وظواهرها، وبه يتعلق (بذنوب).
[17.18]
{ من كان يريد } بعمله { العاجلة } أي الدنيا { عجلنا له فيها ما نشآء لمن نريد } التعجيل له، بدل من «له»، بإعادة الجار { ثم جعلنا له } في الآخرة { جهنم يصلها } يدخلها { مذموما } ملوما { مدحورا } مطرودا عن الرحمة.
[17.19]
{ ومن أراد الأخرة وسعى لها سعيها } عمل عملها اللائق بها { وهو مؤمن } حال { فأولئك كان سعيهم مشكورا } عند الله أي مقبولا مثابا عليه.
[17.20]
{ كلا } من الفريقين { نمد } نعطي { هؤلآء وهؤلآء } بدل { من } متعلق «بنمد» { عطآء ربك } في الدنيا { وما كان عطآء ربك } فيها { محظورا } ممنوعا عن أحد.
[17.21]
{ انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } في الرزق والجاه { وللأخرة أكبر } أعظم { درجت وأكبر تفضيلا } من الدنيا فينبغي الاعتناء بها دونها.
[17.22]
{ لا تجعل مع الله إلها ءاخر فتقعد مذموما مخذولا } لا ناصر لك.
[17.23]
{ وقضى } أمر { ربك } ن أي بأن { لا تعبدوا إلا * إياه و } وأن تحسنوا { بالولدين إحسنا } بأن تبروهما { إما يبلغن عندك الكبر أحدهمآ } فاعل { أو كلاهما } وفي قراءة «يبلغان» فأحدهما بدل من ألفه { فلا تقل لهمآ أف } بفتح الفاء وكسرها منونا وغير منون مصدر بمعنى تبا وقبحا { ولا تنهرهما } تزجرهما { وقل لهما قولا كريما } جميلا لينا.
[17.24]
{ واخفض لهما جناح الذل } ألن لهما جانبك الذليل { من الرحمة } أي لرقتك عليهما { وقل رب ارحمهما كما } رحماني حين { ربيانى صغيرا }.
[17.25]
{ ربكم أعلم بما فى نفوسكم } من إضمار البر والعقوق { إن تكونوا صلحين } طائعين لله { فإنه كان للأوابين } الراجعين إلى طاعته { غفورا } لما صدر منهم في حق الوالدين من بادرة وهم لا يضمرون عقوقا.
[17.26]
{ وءات } أعط { ذا القربى } القرابة { حقه } من البر والصلة { والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا } بالإنفاق في غير طاعة الله.
[17.27]
{ إن المبذرين كانوا إخون الشيطين } أي على طريقتهم { وكان الشيطن لربه كفورا } شديد الكفر لنعمه، فكذلك أخوه المبذر.
[17.28]
{ وإما تعرضن عنهم } أي المذكورين من ذي القربى وما بعدهم فلم تعطهم { ابتغآء رحمة من ربك ترجوها } أي لطلب رزق تنتظره يأتيك فتعطيهم منه { فقل لهم قولا ميسورا } لينا سهلا بأن تعدهم بالإعطاء عند مجيء الرزق.
[17.29]
{ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } أي لا تمسكها عن الإنفاق كل المسك { ولا تبسطها } في الإنفاق { كل البسط فتقعد ملوما } راجع للأول { محسورا } منقطعا لا شيء عندك راجع للثاني.
[17.30]
{ إن ربك يبسط الرزق } يوسعه { لمن يشاء ويقدر } يضيقه لمن يشآء { إنه كان بعباده خبيرا بصيرا } عالما ببواطنهم وظواهرهم فيرزقهم على حسب مصالحهم.
[17.31]
{ ولا تقتلوا أولدكم } بالوأد { خشية } مخافة { إملق } فقر { نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا } إثما { كبيرا } عظيما.
[17.32]
{ ولا تقربوا الزنى } أبلغ من لا تأتوه { إنه كان فحشة } قبيحا { وسآء } بئس { سبيلا } طريقا هو.
[17.33]
{ ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه } لوارثه { سلطنا } تسلطا على القاتل { فلا يسرف } يتجاوز الحد { فى القتل } بأن يقتل غير قاتله أو بغير ما قتل به { إنه كان منصورا }.
[17.34]
{ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد } إذا عاهدتم الله أو الناس { إن العهد كان مسئولا } عنه.
[17.35]
{ وأوفوا الكيل } أتموه { إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم } الميزان السوي { ذلك خير وأحسن تأويلا } مآلا.
[17.36]
{ ولا تقف } تتبع { ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد } القلب { كل أولئك كان عنه مسئولا } صاحبه ماذا فعل به.
[17.37]
{ ولا تمش فى الأرض مرحا } أي ذا مرح بالكبر والخيلاء { إنك لن تخرق الأرض } تثقبها حتى تبلغ آخرها بكبرك { ولن تبلغ الجبال طولا } المعنى أنك لا تبلغ هذا المبلغ فكيف تختال؟.
[17.38]
{ كل ذلك } المذكور { كان سيئه عند ربك مكروها }.
[17.39]
{ ذلك مما أوحى إليك } يا محمد { ربك من الحكمة } الموعظة { ولا تجعل مع الله إلها ءاخر فتلقى فى جهنم ملوما مدحورا } مطرودا من رحمة الله.
[17.40]
{ أفأصفكم } أخلصكم يا أهل مكة { ربكم بالبنين واتخذ من الملئكة إناثا }؟ بنات لنفسه بزعمكم { إنكم لتقولون } بذلك { قولا عظيما }.
[17.41]
{ ولقد صرفنا } بينا { فى هذا القرءان } من الأمثال والوعد والوعيد { ليذكروا } يتعظوا { وما يزيدهم } ذلك { إلا نفورا } عن الحق.
[17.42]
{ قل } لهم { لو كان معه } أي الله { ءالهة كما يقولون إذا لابتغوا } طلبوا { إلى ذى العرش } أي الله { سبيلا } ليقاتلوه.
[17.43]
{ سبحنه } تنزيها له { وتعلى عما يقولون } من الشركاء { علوا كبيرا }.
[17.44]
{ تسبح له } تنزهه { السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن } ما { من شىء } من المخلوقات { إلا يسبح } ملتبسا { بحمده } أي يقول سبحان الله وبحمده { ولكن لا تفقهون } تفهمون { تسبيحهم } لأنه ليس بلغتكم { إنه كان حليما غفورا } حيث لم يعاجلكم بالعقوبة.
[17.45]
{ وإذا قرأت القرءان جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالأخرة حجابا مستورا } أي ساترا لك عنهم فلا يرونك، نزل فيمن أراد الفتك به صلى الله عليه وسلم.
[17.46]
{ وجعلنا على قلوبهم أكنة } أغطية { أن يفقهوه } من أن يفهموا القرآن أي فلا يفهمونه { وفى ءاذانهم وقرا } ثقلا فلا يسمعونه { وإذا ذكرت ربك فى القرءان وحده ولوا على أدبرهم نفورا } عنه.
[17.47]
{ نحن أعلم بما يستمعون به } بسببه من الهزء { إذ يستمعون إليك } قراءتك { وإذ هم نجوى } يتناجون أي يتحدثون { إذ } بدل من «إذ» قبله { يقول الظلمون } في تناجيهم { إن } ما { تتبعون إلا رجلا مسحورا } مخدوعا مغلوبا على عقله.
[17.48]
قال تعالى: { انظر كيف ضربوا لك الأمثال } بالمسحور والكاهن والشاعر { فضلوا } بذلك عن الهدى { فلا يستطيعون سبيلا } طريقا إليه.
[17.49]
{ وقالوا } منكرين للبعث { أءذا كنا عظما ورفتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا }.
[17.50]
{ قل } لهم { كونوا حجارة أو حديدا }.
[17.51]
{ أو خلقا مما يكبر فى صدوركم } يعظم عن قبول الحياة فضلا عن العظام والرفات، فلا بد من إيجاد الروح فيكم { فسيقولون من يعيدنا } إلى الحياة؟ { قل الذى فطركم } خلقكم { أول مرة } ولم تكونوا شيئا لأن القادر على البدء قادر على الإعادة، بل هي أهون { فسينغضون } يحركون { إليك رءوسهم } تعجبا { ويقولون } استهزاء { متى هو } أي البعث { قل عسى أن يكون قريبا }.
[17.52]
{ يوم يدعوكم } يناديكم من القبور على لسان إسرافيل { فتستجيبون } فتجيبون دعوته من القبور { بحمده } بأمره وقيل وله الحمد { وتظنون إن } ما { لبثتم } في الدنيا { إلا قليلا } لهول ما ترون.
[17.53]
{ وقل لعبادى } المؤمنين { يقولوا } للكفار الكلمة { التى هى أحسن إن الشيطن ينزغ } يفسد { بينهم إن الشيطن كان للإنسن عدوا مبينا } بين العداوة، والكلمة التي هي أحسن هي:
[17.54]
{ ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم } بالتوبة والإيمان { أو إن يشأ } تعذيبكم { يعذبكم } بالموت على الكفر { وما أرسلنك عليهم وكيلا } فتجبرهم على الإيمان وهذا قبل الأمر بالقتال.
[17.55]
{ وربك أعلم بمن فى السموات والأرض } فيخصهم بما يشاء على قدر أحوالهم { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } بتخصيص كل منهم بفضيلة كموسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة ومحمد بالإسراء { وءاتينا داوود زبورا }.
[17.56]
{ قل } لهم { ادعوا الذين زعمتم } أنهم آلهة { من دونه } كالملائكة وعيسى وعزير { فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } له إلى غيركم.
[17.57]
{ أولئك الذين يدعون } هم آلهة { يبتغون } يطلبون { إلى ربهم الوسيلة } القربة بالطاعة { أيهم } بدل من واو (يبتغون) أي يبتغيها الذي هو { أقرب } إليه فكيف بغيره؟ { ويرجون رحمته ويخفون عذابه } كغيرهم فكيف تدعونهم آلهة؟ { إن عذاب ربك كان محذورا }.
[17.58]
{ وإن } ما { من قرية } أريد أهلها { إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيمة } بالموت { أو معذبوها عذابا شديدا } بالقتل وغيره { كان ذلك فى الكتب } اللوح المحفوظ { مسطورا } مكتوبا.
[17.59]
{ وما منعنا أن نرسل بالأيت } التي اقترحها أهل مكة { إلا أن كذب بها الأولون } لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء لكذبوا بها واستحقوا الإهلاك وقد حكمنا بإمهالهم لإتمام أمر محمد { وءاتينا ثمود الناقة } آية { مبصرة } بينة واضحة { فظلموا } كفروا { بها } فأهلكوا { وما نرسل بالأيت } المعجزات { إلا تخويفا } للعباد ليؤمنوا.
[17.60]
{ و } اذكر { إذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس } علما وقدرة فهم في قبضته فبلغهم ولا تخف أحدا فهو يعصمك منهم { وما جعلنا الرءيا التى أرينك } عيانا ليلة الإسراء { إلا فتنة للناس } أهل مكة إذ كذبوا بها وارتد بعضهم لما أخبرهم بها { والشجرة الملعونة فى القرءان } وهي الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم جعلناها فتنة لهم إذ قالوا: النار تحرق الشجر فكيف تنبته؟ { ونخوفهم } بها { فما يزيدهم } تخويفنا { إلا طغيانا كبيرا }.
[17.61]
{ و } اذكر { إذ قلنا للملئكة اسجدوا لأدم } سجود تحية بالانحناء { فسجدوا إلا إبليس قال أءسجد لمن خلقت طينا } نصب بنزع الخافض أي من طين.
[17.62]
{ قال أرءيتك } أي أخبرني { هذا الذى كرمت } فضلت { على } بالأمر بالسجود له؟ وأنا خير منه خلقتني من نار؟ { لئن } لام قسم { أخرتن إلى يوم القيمة لأحتنكن } لأستأصلن { ذريته } بالإغواء { إلا قليلا } منهم ممن عصمته.
[17.63]
{ قال } تعالى له { اذهب } منظرا إلى وقت النفخة الأولى { فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم } أنت وهم { جزاء موفورا } وافرا كاملا.
[17.64]
{ واستفزز } استخف { من استطعت منهم بصوتك } دعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية { وأجلب } صح { عليهم بخيلك ورجلك } وهم الركاب والمشاة في المعاصي { وشاركهم فى الأمول } المحرمة كالربا والغصب { والأولد } من الزنا { وعدهم } بأن لا بعث ولا جزاء { وما يعدهم الشيطن } بذلك { إلا غرورا } باطلا.
[17.65]
{ إن عبادى } المؤمنين { ليس لك عليهم سلطن } تسلط وقوة { وكفى بربك وكيلا } حافظا لهم منك.
[17.66]
{ ربكم الذى يزجى } يجري { لكم الفلك } السفن { فى البحر لتبتغوا } تطلبوا { من فضله } تعالى بالتجارة { إنه كان بكم رحيما } في تسخيرها لكم.
[17.67]
{ وإذا مسكم الضر } الشدة { فى البحر } خوف الغرق { ضل } غاب عنكم { من تدعون } تعبدون من الآلهة فلا تدعونه { إلا إياه } تعالى فإنكم تدعونه وحده لأنكم في شدة لا يكشفها إلا هو { فلما نجكم } من الغرق وأوصلكم { إلى البر أعرضتم } عن التوحيد { وكان الإنسن كفورا } جحودا للنعم.
[17.68]
{ أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر } أي الأرض ك(قارون) [76:28 - 81] { أو يرسل عليكم حاصبا } أي يرميكم بالحصباء كقوم لوط [ 54: 33 -34 ] { ثم لا تجدوا لكم وكيلا } حافظا منه.
[17.69]
{ أم أمنتم أن يعيدكم فيه } أي البحر { تارة } مرة { أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح } أي ريحا شديدة لا تمر بشيء إلا قصفته فتكسر فلككم { فيغرقكم بما كفرتم } بكفركم { ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا } ناصرا وتابعا يطالبنا بما فعلنا بكم.
[17.70]
{ ولقد كرمنا } فضلنا { بنى ءادم } بالعلم والنطق واعتدال الخلق وغير ذلك ومنه طهارتهم بعد الموت { وحملنهم فى البر } على الدواب { والبحر } على السفن { ورزقنهم من الطيبت وفضلنهم على كثير ممن خلقنا } كالبهائم والوحوش { تفضيلا } ف «من» بمعنى «ما» أو على بابها وتشمل الملائكة والمراد تفضيل الجنس، ولا يلزم تفضيل أفراده إذ هم أفضل من البشر غير الأنبياء.
[17.71]
اذكر { يوم ندعوا كل أناس بإممهم } نبيهم فيقال يا أمة فلان أو بكتاب أعمالهم فيقال يا صاحب الخير يا صاحب الشر وهو يوم القيامة { فمن أوتى } منهم { كتبه بيمينه } وهم السعداء أولو البصائر في الدنيا { فأولئك يقرءون كتبهم ولايظلمون } ينقصون من أعمالهم { فتيلا } قدر قشرة النواة.
[17.72]
{ ومن كان فى هذه } أي الدنيا { أعمى } عن الحق { فهو فى الأخرة أعمى } عن طريق النجاة وقراءة القرآن { وأضل سبيلا } أبعد طريقا عنه.
[17.73]
ونزل في ثقيف وقد سألوه صلى الله عليه وسلم أن يحرم واديهم وألحوا عليه { وإن } مخففة { كادوا } قاربوا { ليفتنونك } ليستنزلونك { عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره وإذا } لو فعلت ذلك { لآتخذوك خليلا }.
[17.74]
{ ولولا أن ثبتنك } على الحق بالعصمة { لقد كدت } قاربت { تركن } تميل { إليهم شيئا } ركونا { قليلا } لشدة احتيالهم وإلحاحهم، وهو صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يركن ولا قارب.
[17.75]
{ إذا } لو ركنت { لأذقنك ضعف } عذاب { الحيوة ضعف } عذاب { الممات } أي مثلي ما يعذب غيرك في الدنيا والآخرة { ثم لا تجد لك علينا نصيرا } مانعا منه .
[17.76]
ونزل لما قال له اليهود: إن كنت نبيا فألحق بالشام فإنها أرض الأنبياء { وإن } مخففة { كادوا ليستفزونك من الأرض } أرض المدينة { ليخرجوك منها وإذا } لو أخرجوك { لا يلبثون خلفك } فيها { إلا قليلا } ثم يهلكون.
[17.77]
{ سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا } أي كسنتنا فيهم من إهلاك من أخرجهم { ولا تجد لسنتنا تحويلا } تبديلا.
[17.78]
{ أقم الصلوة لدلوك الشمس } أي من وقت زوالها { إلى غسق اليل } إقبال ظلمته أي الظهر والعصر والمغرب والعشاء { وقرءان الفجر } صلاة الصبح { إن قرءان الفجر كان مشهودا } تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.
[17.79]
{ ومن اليل فتهجد } فصل { به } بالقرآن { نافلة لك } فريضة زائدة لك دون أمتك أو فضيلة على الصلوات المفروضة { عسى أن يبعثك } يقيمك { ربك } في الآخرة { مقاما محمودا } يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام الشفاعة في فصل القضاء.
[17.80]
ونزل لما أمر بالهجرة: { وقل رب أدخلنى } المدينة { مدخل صدق } إدخالا مرضيا لا أرى فيه ما أكره { وأخرجنى } من مكة { مخرج صدق } إخراجا لا ألتفت بقلبي إليها { واجعل لى من لدنك سلطنا نصيرا } قوة تنصرني بها على أعدائك.
[17.81]
{ وقل } عند دخولك مكة { جاء الحق } الإسلام { وزهق البطل } بطل الكفر { إن البطل كان زهوقا } مضمحلا زائلا وقد دخلها صلى الله عليه وسلم وحول البيت ثلثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده ويقول ذلك حتى سقطت رواه الشيخان.
[17.82]
{ وننزل من } للبيان { من القرءان ما هو شفاء } من الضلالة { ورحمة للمؤمنين } به { ولا يزيد الظلمين } الكافرين { إلا خسارا } لكفرهم به.
[17.83]
{ وإذا أنعمنا على الإنسن } الكافر { أعرض } عن الشكر { ونئاى بجانبه } ثنى عطفه متبخترا { وإذا مسه الشر } الفقر والشدة { كان يئوسا } قنوطا من رحمة الله.
[17.84]
{ قل كل } منا ومنكم { يعمل على شاكلته } طريقته { فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا } طريقا فيثيبه.
[17.85]
{ ويسئلونك } أي اليهود { عن الروح } الذي يحيا به البدن { قل } لهم { الروح من أمر ربى } أي علمه لا تعلمونه { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } بالنسبة إلى علمه تعالى.
[17.86]
{ ولئن } لام قسم { شئنا لنذهبن بالذى أوحينا إليك } أي القرآن بأن نمحوه من الصدور والمصاحف { ثم لا تجد لك به علينا وكيلا }.
[17.87]
{ إلا } لكن أبقيناه { رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا } عظيما حيث أنزله عليك وأعطاك المقام المحمود وغير ذلك من الفضائل.
[17.88]
{ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان } في الفصاحة والبلاغة { لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } معينا، نزل ردا لقولهم:
لو نشآء لقلنا مثل هذا
[31:8].
[17.89]
{ ولقد صرفنا } بينا { للناس فى هذا القرءان من كل مثل } صفة لمحذوف أي (مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا) { فأبى أكثر الناس } أي أهل مكة { إلا كفورا } جحودا للحق.
[17.90]
{ وقالوا } عطف على «أبى» { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } عينا ينبع منها الماء.
[17.91]
{ أو تكون لك جنة } بستان { من نخيل وعنب فتفجر الأنهر خللها } وسطها { تفجيرا }.
[17.92]
{ أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا } قطعا { أو تأتى بالله والملئكة قبيلا } مقابلة وعيانا فنراهم.
[17.93]
{ أو يكون لك بيت من زخرف } ذهب { أو ترقى } تصعد { فى السماء } على السلم { ولن نؤمن لرقيك } لو رقيت فيها { حتى تنزل علينا } منها { كتبا } فيه تصديقك { نقرؤه قل } لهم { سبحن ربى } تعجب { هل } ما { كنت إلا بشرا رسولا } كسائر الرسل ولم يكونوا يأتون بآية إلا بإذن الله؟.
[17.94]
{ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا } أي قولهم منكرين { أبعث الله بشرا رسولا } ولم يبعث ملكا.
[17.95]
{ قل } لهم { لو كان فى الأرض } بدل البشر { ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا } إذ لا يرسل إلى قوم رسولا إلا من جنسهم ليمكنهم مخاطبته والفهم عنه.
[17.96]
{ قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم } على صدقي { إنه كان بعباده خبيرا بصيرا } عالما ببواطنهم وظواهرهم.
[17.97]
{ ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أوليآء } يهدونهم { من دونه ونحشرهم يوم القيمة } ماشين { على وجوههم عميا وبكما وصما مأوهم جهنم كلما خبت } سكن لهبها { زدنهم سعيرا } تلهبا واشتعالا.
[17.98]
{ ذلك جزآؤهم بأنهم كفروا بئايتنا وقالوا } منكرين للبعث { أءذا كنا عظما ورفتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا }؟
[17.99]
{ أولم يروا } يعلموا { أن الله الذى خلق السموات والأرض } مع عظمهما { قادر على أن يخلق مثلهم } أي الأناسى في الصغر { وجعل لهم أجلا } للموت والبعث { لا ريب فيه فأبى الظلمون إلا كفورا } جحودا له؟
[17.100]
{ قل } لهم { لو أنتم تملكون خزآئن رحمة ربى } من الرزق والمطر { إذا لأمسكتم } لبخلتم { خشية الإنفاق } خوف نفاذها بالإنفاق فتقتروا { وكان الإنسن قتورا } بخيلا.
[17.101]
{ ولقد ءاتينا موسى تسع ءايت بينت } وهي اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم و الطمس ونقص الثمرات { فسئل } يا محمد { بنى إسرءيل } عنه سؤال تقرير للمشركين على صدقك، أو فقلنا له: (اسأل) وفي قراءة بلفظ الماضي { إذ جآءهم فقال له فرعون إنى لأظنك يموسى مسحورا } مخدوعا مغلوبا على عقلك.
[17.102]
{ قال لقد علمت مآ أنزل هؤلآء } الآيات { إلا رب السموات والأرض بصآئر } عبرا، ولكنك تعاند. وفي قراءة بضم التاء { وإنى لأظنك يفرعون مثبورا } هالكا أو مصروفا عن الخير.
[17.103]
{ فأراد } فرعون { أن يستفزهم } يخرج موسى وقومه { من الأرض } أرض مصر { فأغرقنه ومن معه جميعا }.
[17.104]
{ وقلنا من بعده لبنى إسرءيل اسكنوا الأرض فإذا جآء وعد الأخرة } أي الساعة { جئنا بكم لفيفا } جميعا أنتم وهم.
[17.105]
{ وبالحق أنزلنه } أي القرآن { وبالحق } المشتمل عليه { نزل } كما أنزل لم يعتره تبديل { ومآ أرسلنك } يا محمد { إلا مبشرا } من آمن بالجنة { ونذيرا } من كفر بالنار.
[17.106]
{ وقرءانا } منصوب بفعل يفسره { فرقنه } نزلناه مفرقا في عشرين سنة أو وثلاث { لتقرأه على الناس على مكث } مهل وتؤدة ليفهموه { ونزلنه تنزيلا } شيئا بعد شيء على حسب المصالح.
[17.107]
{ قل } لكفار مكة { ءامنوا به أو لا تؤمنوا } تهديد لهم { إن الذين أوتوا العلم من قبله } قبل نزوله وهم مؤمنو أهل الكتاب { إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا }.
[17.108]
{ ويقولون سبحن ربنآ } تنزيها له عن خلف الوعد { إن } مخففة { كان وعد ربنا } بنزوله وبعث النبي صلى الله عليه وسلم { لمفعولا }.
[17.109]
{ ويخرون للأذقان يبكون } عطف بزيادة صفة { ويزيدهم } القرآن { خشوعا } تواضعا لله.
[17.110]
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: يا الله يا رحمن، فقالوا: ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر معه فنزل { قل } لهم { ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } أي سموه بأيهما أو نادوه، بأن تقولوا يا الله يا رحمن { أيا } شرطية { ما } زائدة، أي هذين { تدعوا } فهو حسن دل على هذا { فله } أي لمسماهما { الأسمآء الحسنى } وهذان منها، فإنها كما في الحديث.
" الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبر، الخالق البارىء المصور، الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم، القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف، مالك الملك ذو الجلال والإكرام، المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور "
رواه الترمذي قال تعالى: { ولا تجهر بصلاتك } بقراءتك فيها فيسمعك المشركون فيسبوك ويسبوا القرآن ومن أنزله { ولا تخافت } تسر { بها } لينتفع أصحابك { وابتغ } اقصد { بين ذلك } الجهر والمخافتة { سبيلا } طريقا وسطا.
[17.111]
{ وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك } في الألوهية { ولم يكن له ولى } ينصره { من } أجل { الذل } أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر { وكبره تكبيرا } عظمه عظمة تامة عن اتخاذ الولد والشريك والذل وكل ما لا يليق به، وترتيب الحمد على ذلك للدلالة على أنه المستحق لجميع المحامد لكمال ذاته وتفرده في صفاته، روى الإمام أحمد في مسنده عن معاذ الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:
" آية العز: الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك "
إلى آخر السورة والله أعلم.
[18 - سورة الكهف]
[18.1]
{ الحمد } وهو الوصف بالجميل، ثابت { لله } تعالى وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء أو هما؟ احتمالات، أفيدها الثالث { الذى أنزل على عبده } محمد صلى الله عليه وسلم { الكتب } القرآن { ولم يجعل له } أي فيه { عوجا } اختلافا أو تناقضا، والجملة حال من(الكتاب).
[18.2]
{ قيما } مستقيما حال ثانية مؤكدة { لينذر } يخوف الكتاب الكافرين { بأسا } عذابا { شديدا من لدنه } من قبل الله { ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصلحات أن لهم أجرا حسنا }.
[18.3]
{ ماكثين فيه أبدا } هو الجنة.
[18.4]
{ وينذر } من جملة الكافرين { الذين قالوا اتخذ الله ولدا }.
[18.5]
{ ما لهم به } بهذا القول { من علم ولا لأبائهم } من قبلهم القائلين له { كبرت } عظمت { كلمة تخرج من أفواههم } (كلمة) تمييز مفسر للضمير المبهم والمخصوص بالذم محذوف أي مقالتهم المذكورة { إن } ما { يقولون } في ذلك { إلا } مقولا { كذبا }.
[18.6]
{ فلعلك بخع } مهلك { نفسك على ءاثرهم } بعدهم أي بعد توليهم عنك { إن لم يؤمنوا بهذا الحديث } القرآن { أسفا } غيظا وحزنا منك لحرصك على إيمانهم، ونصبه على المفعول له.
[18.7]
{ إنا جعلنا ما على الأرض } من الحيوان والنبات والشجر والأنهار وغير ذلك { زينة لها لنبلوهم } لنختبر الناس ناظرين إلى ذلك { أيهم أحسن عملا } فيه أي أزهد له.
[18.8]
{ وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا } فتاتا { جرزا } يابسا لا ينبت.
[18.9]
{ أم حسبت } أي ظننت { أن أصحب الكهف } الغار في الجبل { والرقيم } اللوح المكتوب فيه أسماؤهم وأنسابهم وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن قصتهم { كانوا } في قصتهم { من } جملة { ءايتنا عجبا } خبر (كان) وما قبله حال، أي كانوا عجبا دون باقي الآيات أو أعجبها؟ ليس الأمر كذلك.
[18.10]
اذكر { إذ أوى الفتية إلى الكهف } جمع (فتى) وهو الشاب الكامل خائفين على إيمانهم من قومهم الكفار { فقالوا ربنا ءاتنا من لدنك } من قبلك { رحمة وهيىء } أصلح { لنا من أمرنا رشدا } هداية.
[18.11]
{ فضربنا على ءاذانهم } أي أنمناهم { فى الكهف سنين عددا } معدودة.
[18.12]
{ ثم بعثنهم } أيقظناهم { لنعلم } علم مشاهدة { أي الحزبين } الفريقين المختلفين في مدة لبثهم { أحصى } (أفعل) بمعنى (أضبط) { لما لبثوا } للبثهم متعلق بما بعده { أمدا } غاية.
[18.13]
{ نحن نقص } نقرأ { عليك نبأهم بالحق } بالصدق { نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم }.
[18.14]
{ وربطنا على قلوبهم } قويناها على قول الحق { إذ قاموا } بين يدي ملكهم وقد أمرهم بالسجود للأصنام { فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه } أي غيره { إلها لقد قلنا إذا شططا } أي قولا ذا شطط: أي إفراط في الكفر إن دعونا إلها غير الله فرضا.
[18.15]
{ هؤلاء } مبتدأ { قومنا } عطف بيان { اتخذوا من دونه ءالهة لولا } هلا { يأتون عليهم } على عبادتهم { بسلطن بين } بحجة ظاهرة { فمن أظلم } أي لا أحد أظلم { ممن افترى على الله كذبا } بنسبة الشريك إليه تعالى.
[18.16]
قال بعض الفتية لبعض: { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا } بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس ما ترتفقون به من غداء وعشاء.
[18.17]
{ وترى الشمس إذا طلعت تزاور } بالتشديد والتخفيف تميل { عن كهفهم ذات اليمين } ناحيته { وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال } تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم ألبتة { وهم فى فجوة منه } متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها { ذلك } المذكور { من ءايت الله } دلائل قدرته { من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا }.
[18.18]
{ وتحسبهم } لو رأيتهم { أيقاظا } أي منتبهين لأن أعينهم منفتحة جمع (يقظ) بكسر القاف { وهم رقود } نيام جمع راقد { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } لئلا تأكل الأرض لحومهم { وكلبهم بسط ذراعيه } يديه { بالوصيد } بفناء الكهف وكانوا إذا انقلبوا انقلب هو مثلهم في النوم واليقظة { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت } بالتشديد والتخفيف { منهم رعبا } بسكون العين وضمها منعهم الله بالرعب من دخول أحد عليهم.
[18.19]
{ وكذلك } كما فعلنا بهم ما ذكرنا { بعثنهم } أيقظناهم { ليتساءلوا بينهم } عن حالهم ومدة لبثهم { قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم } لأنهم دخلوا الكهف عند طلوع الشمس وبعثوا عند غروبها فظنوا أنه غروب يوم الدخول ثم { قالوا } متوقفين في ذلك { ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم } بسكون الراء وكسرها بفضتكم { هذه إلى المدينة } يقال إنها المسماة الآن «طرسوس» بفتح الراء { فلينظر أيها أزكى طعاما } أي : أي أطعمة المدينة أحل { فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا }.
[18.20]
{ إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم } يقتلوكم بالرجم { أو يعيدوكم فى ملتهم ولن تفلحوا إذا } أي إن عدتم في ملتهم { أبدا }.
[18.21]
{ وكذلك } كما بعثناهم { أعثرنا } أطلعنا { عليهم } قومهم والمؤمنين { ليعلموا } أي قومهم { أن وعد الله } بالبعث { حق } بطريق أن القادر على إنامتهم المدة الطويلة وإبقائهم على حالهم بلا غذاء قادر على إحياء الموتى { وأن الساعة لا ريب } [لا] شك { فيها إذ } مفعول ل «أعثرنا» { يتنزعون } أي المؤمنون والكفار { بينهم أمرهم } أمر الفتية في البناء حولهم { فقالوا } أي الكفار { ابنوا عليهم } أي حولهم { بنينا } يسترهم { ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم } أمر الفتية وهم المؤمنون { لنتخذن عليهم } حولهم { مسجدا } يصلى فيه، وفعل ذلك على باب الكهف.
[18.22]
{ سيقولون } أي المتنازعون في عدد الفتية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أي يقول بعضهم لبعض: هم { ثلثة رابعهم كلبهم ويقولون } أي بعضهم { خمسة سادسهم كلبهم } والقولان لنصارى (نجران) { رجما بالغيب } أي ظنا في الغيبة عنهم، وهو راجع إلى القولين معا، ونصبه على المفعول له أي لظنهم ذلك { ويقولون } أي المؤمنون { سبعة وثامنهم كلبهم } الجملة من المبتدأ وخبره، صفة سبعة بزيادة الواو، وقيل: تأكيد و دلاله على لصوق الصفة بالموصوف، ووصف الأولين بالرجم دون الثالث دليل على أنه مرضي وصحيح { قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل } قال ابن عباس:( أنا من القليل)، وذكرهم سبعة { فلا تمار } تجادل { فيهم إلا مرآء ظهرا } مما أنزل عليك { ولا تستفت فيهم } تطلب الفتيا { منهم } من أهل الكتاب اليهود { أحدا }.
[18.23]
وسأله أهل مكة عن خبر أهل الكهف فقال:( أخبركم به غدا) ولم يقل إن شاء الله، فنزل: { ولا تقولن لشىء } أي لأجل شيء { إنى فاعل ذلك غدا } أي فيما يستقبل من الزمان.
[18.24]
{ إلا أن يشاء الله } أي إلا ملتبسا بمشيئة الله تعالى بأن تقول إن شاء الله { واذكر ربك } أي مشيئته معلقا بها { إذا نسيت } التعليق بها ويكون ذكرها بعد النسيان كذكرها مع القول قال الحسن وغيره: ما دام في المجلس { وقل عسى أن يهدين ربى لأقرب من هذا } من خبر أهل الكهف في الدلالة على نبوتي { رشدا } هداية، وقد فعل الله ذلك.
[18.25]
{ ولبثوا فى كهفهم ثلاث مئة } بالتنوين { سنين } عطف بيان ل(ثلاثمائة)، وهذه السنون الثلاثمائة عند أهل الكتاب شمسية، وتزيد القمرية عليها عند العرب تسع سنين، وقد ذكرت في قوله { وازدادوا تسعا } أي تسع سنين، فالثلاثمائة الشمسية: ثلاثمائة وتسع قمرية.
[18.26]
{ قل الله أعلم بما لبثوا } ممن اختلفوا فيه وهو ما تقدم ذكره { له غيب السموت والأرض } أي علمه { أبصر به } أي:الله هي صيغة تعجب { وأسمع } به كذلك بمعنى ما أبصره وما أسمعه وهما على جهة المجاز، والمراد أنه تعالى لا يغيب عن بصره وسمعه شيء { ما لهم } لأهل السموات والأرض { من دونه من ولى } ناصر { ولا يشرك فى حكمه أحدا } لأنه غني عن الشريك.
[18.27]
{ واتل مآ أوحى إليك من كتب ربك لا مبدل لكلمته ولن تجد من دونه ملتحدا } ملجأ.
[18.28]
{ واصبر نفسك } احبسها { مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون } بعبادتهم { وجهه } تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء { ولا تعد } تنصرف { عيناك عنهم } عبر بهما عن صاحبهما { تريد زينة الحيوة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } أي القرآن هو عيينة بن حصن وأصحابه { واتبع هواه } في الشرك { وكان أمره فرطا } إسرافا.
[18.29]
{ وقل } له ولأصحابه هذا القرآن { الحق من ربكم فمن شآء فليؤمن ومن شآء فليكفر } تهديد لهم { إنآ أعتدنا للظالمين } أي الكافرين { نارا أحاط بهم سرادقها } ما أحاط بها { وإن يستغيثوا يغاثوا بمآء كالمهل } كعكر الزيت { يشوى الوجوه } من حره إذا قرب إليها { بئس الشراب } هو { وسآءت } أي النار { مرتفقا } تمييز منقةل عن الفاعل أي قبح مرتفعها وهو مقابل لقوله الآتي في الجنة «وحسنت مرتفقا» وإلا فأي ارتفاق في النار.
[18.30]
{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } الجملة خبر «إن الذين» وفيها إقامة الظاهر مقام المضمر، والمعنىأجرهم، أي نثيبهم بما تضمنه.
[18.31]
{ أول ئك لهم جنات عدن } إقامة { تجرى من تحتهم الأنهر يحلون فيها من أساور } قيل «من» زائدة، وقيل للتبعيض، وهي جمع «أسورة» ك(أحمرة): جمع (سوار) { من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس } ما رق من الديباج { وإستبرق } ما غلظ منه وفي آية الرحمن
بطائنها من إستبرق
[54:55] { متكئين فيها على الارائك } جمع (أريكة) وهي السرير في الحجلة، وهي بيت يزين بالثياب والستور للعروس { نعم الثواب } الجزاء الجنة { وحسنت مرتفقا }.
[18.32]
{ واضرب } اجعل { لهم } للكفار مع المؤمنين { مثلا رجلين } بدل وهو وما بعده تفسير للمثل { جعلنا لأحدهما } الكافر { جنتين } بستانين { من أعنب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا } يقتات به.
[18.33]
{ كلتا الجنتين } كلتا مفرد يدل على التثنية مبتدأ { ءاتت } خبره { أكلها } ثمرها { ولم تظلم } تنقص { منه شيئا وفجرنا } أي شققنا { خللهما نهرا } يجري بينهما.
[18.34]
{ وكان له } مع الجنتين { ثمر } بفتح الثاء والميم وبضمهما وبضم الأول وسكون الثاني، وهو جمع( ثمرة)، ك (شجرة) و(شجر)، و(خشبة) وخشب، و(بدنة) و(بدن) { فقال لصحبه } المؤمن { وهو يحوره } يفاخره { أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا } عشيرة.
[18.35]
{ ودخل جنته } بصاحبه يطوف به فيها ويريه أثمارها ولم يقل (جنتيه) إرادة للروضة، وقيل اكتفاء بالواحد { وهو ظالم لنفسه } بالكفر { قال مآ أظن أن تبيد } تنعدم { هذه أبدا }.
[18.36]
{ ومآ أظن الساعة قآئمة ولئن رددت إلى ربى } في الآخرة على زعمك { لأجدن خيرا منها منقلبا } مرجعا.
[18.37]
{ قال له صحبه وهو يحوره } يجاوبه { أكفرت بالذى خلقك من تراب } لأن آدم خلق منه { ثم من نطفة } مني { ثم سواك } عدلك وصيرك { رجلا }.
[18.38]
{ لكنا } أصله «لكن أنا» نقلت حركة الهمزة إلى النون، أو حذفت الهمزة ثم أدغمت النون في مثلها { هو } ضمير الشأن تفسره الجملة بعده، والمعنى: أنا أقول { الله ربى لآ أشرك بربى أحدا }.
[18.39]
{ ولولا } هلا { إذ دخلت جنتك قلت } عند إعجابك بها هذا { ما شآء الله لا قوة إلا بالله } في الحديث
" من أعطي خيرا من أهل أو مال فيقول عند ذلك ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم ير فيه مكروها "
{ إن ترن أنا } ضمير فصل بين المفعولين { أقل منك مالا وولدا }.
[18.40]
{ فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك } جواب الشرط { ويرسل عليها حسبانا } جمع (حسبانة) أي صواعق { من السمآء فتصبح صعيدا زلقا } أرضا ملساء لا يثبت عليها قدم.
[18.41]
{ أو يصبح مآؤها غورا } بمعنى غائرا، عطف على «يرسل» دون «تصبح» لأن غور الماء لا يتسبب عن الصواعق { فلن تستطيع له طلبا } حيلة تدركه بها.
[18.42]
{ وأحيط بثمره } - بأوجه الضبط السابقة-. مع جنته بالهلاك فهلكت { فأصبح يقلب كفيه } ندما وتحسرا { على مآ أنفق فيها } في عمارة جنته { وهى خاوية } ساقطة { على عروشها } دعائمها بأن سقطت ثم سقط الكرم { ويقول يا } للتنبيه { ليتنى لم أشرك بربى أحدا }.
[18.43]
{ ولم تكن } بالتاء والياء { له فئة } جماعة { ينصرونه من دون الله } عند هلاكها { وما كان منتصرا } عند هلاكها بنفسه.
[18.44]
{ هنالك } أي يوم القيامة { الولية } بفتح الواو (النصرة)، وبكسرها (الملك) { لله الحق } بالرفع صفة الولاية، وبالجر صفة الجلالة { هو خير ثوابا } من ثواب غيره لو كان يثيب { وخير عقبا } بضم القاف وسكونها عاقبة للمؤمنين، ونصبهما على التمييز.
[18.45]
{ واضرب } صير { لهم } لقومك { مثل الحيوة الدنيا } مفعول أول { كمآء } مفعول ثان { أنزلناه من السمآء فاختلط به } تكاثف بسبب نزول الماء { نبات الأرض } أو امتزج الماء بالنبات فروي وحسن { فأصبح } صار النبات { هشيما } يابسا متفرقة أجزاؤه { تذروه } تنثره وتفرقه { الرياح } فتذهب به، المعنى: شبه الدنيا بنبات حسن فيبس فتكسر ففرقته الرياح، وفي قراءة «الريح» { وكان الله على كل شىء مقتدرا } قادرا.
[18.46]
{ المال والبنون زينة الحيوة الدنيا } يتجمل بهما فيها { والبقيات الصلحات } هي:( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)، زاد بعضهم:( ولا حول ولا قوة إلا بالله) { خير عند ربك ثوابا وخير أملا } أي ما يأمله الإنسان ويرجوه عند الله تعالى.
[18.47]
{ و } اذكر { يوم نسير الجبال } يذهب بها عن وجه الأرض فتصير هباء منبثا. وفي قراءة بالنون وكسر الياء ونصب(الجبال) { وترى الأرض بارزة } ظاهرة ليس عليها شيء من جبل ولا غيره { وحشرنهم } المؤمنين والكافرين { فلم نغادر } نترك { منهم أحدا }.
[18.48]
{ وعرضوا على ربك صفا } حال أي مصطفين كل أمة صف ويقال لهم { لقد جئتمونا كما خلقنكم أول مرة } أي فرادى حفاة عراة غرلا، ويقال لمنكري البعث { بل زعمتم أ } مخففة من الثقيلة أي أنه { لن نجعل لكم موعدا } للبعث.
[18.49]
{ ووضع الكتب } كتاب كل امرىء في يمينه من المؤمنين، وفي شماله من الكافرين { فترى المجرمين } الكافرين { مشفقين } خائفين { مما فيه ويقولون } عند معاينتهم ما فيه من السيئات { يا } للتنبيه { ويلتنا } هلكتنا وهو مصدر لا فعل له من لفظه { مال هذا الكتب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة } من ذنوبنا { إلا أحصاها } عدها وأثبتها؟ تعجبوا منه في ذلك { ووجدوا ما عملوا حاضرا } مثبتا في كتابهم { ولا يظلم ربك أحدا } لا يعاقبه بغير جرم ولا ينقص من ثواب مؤمن.
[18.50]
{ وإذ } منصوب ب(اذكر) { قلنا للملئكة اسجدوا لأدم } سجود انحناء لاوضع جبهة تحية له { فسجدوا إلا إبليس كان من الجن } قيل: هم نوع من الملائكة، فالاستثناء متصل وقيل هو منقطع و(إبليس) هو أبو الجن فله ذرية ذكرت معه بعد، والملائكة لا ذرية لهم { ففسق عن أمر ربه } أي خرج عن طاعته بترك السجود { أفتتخذونه وذريته } الخطاب لآدم وذريته، والهاء في الموضعين لإبليس { أوليآء من دونى } تطيعونهم { وهم لكم عدو } أي أعداء، حال { بئس للظلمين بدلا } إبليس وذريته في إطاعتهم بدل إطاعة الله.
[18.51]
{ مآ أشهدتهم } أي إبليس وذريته { خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم } أي لم أحضر بعضهم خلق بعض { وما كنت متخذ المضلين } الشياطين { عضدا } أعوانا في الخلق، فكيف تطيعونهم؟.
[18.52]
{ ويوم } منصوب ب(اذكر) { يقول } بالياء والنون { نادوا شركائى } الأوثان { الذين زعمتم } ليشفعوا لكم بزعمكم { فدعوهم فلم يستجيبوا لهم } لم يجيبوهم { وجعلنا بينهم } بين الأوثان وعابديها { موبقا } واديا من أودية جهنم يهلكون فيه جميعا، وهو من (وبق) بالفتح:(هلك).
[18.53]
{ ورءاالمجرمون النار فظنوا } أي أيقنوا { أنهم مواقعوها } أي واقعون فيها { ولم يجدوا عنها مصرفا } معدلا.
[18.54]
{ ولقد صرفنا } بينا { فى هذا القرءان للناس من كل مثل } صفة لمحذوف أي مثلامن جنس كل مثل ليتعظوا { وكان الإنسن } أي الكافر { أكثر شىء جدلا } خصومة في الباطل، وهو تمييز منقول من اسم (كان)، المعنى: وكان جدل الإنسان أكثر شيء فيه.
[18.55]
{ وما منع الناس } أي كفار مكة { أن يؤمنوا } مفعول ثان { إذ جآءهم الهدى } القرآن { ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الاولين } فاعل أي سنتنا فيهم وهي الإهلاك المقدر عليهم { أو يأتيهم العذاب قبلا } مقابلة وعيانا وهو القتل يوم بدر. وفي قراءة بضمتين جمع (قبيل) أي أنواعا.
[18.56]
{ وما نرسل المرسلين إلا مبشرين } للمؤمنين { ومنذرين } مخوفين للكافرين { ويجدل الذين كفروا بالبطل } بقولهم:
أبعث الله بشرا رسولا
[17: 93-94]؟ ونحوه { ليدحضوا به } ليبطلوا بجدالهم { الحق } القرآن { واتخذوا ءايتى } أي القرآن { ومآ أنذروا } به من النار { هزوا } سخرية.
[18.57]
{ ومن أظلم ممن ذكر بئايت ربه فأعرض عنها ونسى ما قدمت يداه } ما عمل من الكفر والمعاصي { إنا جعلنا على قلوبهم أكنة } أغطية { أن يفقهوه } أي أن يفهموا القرآن أي فلا يفهمونه { وفي ءاذانهم وقرا } ثقلا، فلا يسمعونه { وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا } أي بالجعل المذكور { أبدا }.
[18.58]
{ وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم } في الدنيا { بما كسبوا لعجل لهم العذاب } فيها { بل لهم موعد } وهو يوم القيامة { لن يجدوا من دونه موئلا } ملجأ.
[18.59]
{ وتلك القرى } أي أهلها كعاد وثمود وغيرهما { أهلكنهم لما ظلموا } كفروا { وجعلنا لمهلكهم } لإهلاكهم. وفي قراءة بفتح الميم أي لهلاكهم { موعدا }.
[18.60]
{ و } اذكر { إذ قال موسى } هو ابن عمران { لفته } يوشع بن نون كان يتبعه ويخدمه ويأخذ منه العلم { لا أبرح } لا أزال أسير { حتى أبلغ مجمع البحرين } ملتقى بحر الروم وبحر فارس مما يلي المشرق: أي المكان الجامع لذلك { أو أمضى حقبا } دهرا طويلا في بلوغه إن بعد.
[18.61]
{ فلما بلغا مجمع بينهما } بين البحرين { نسيا حوتهما } نسي يوشع حمله عند الرحيل،ونسي موسى تذكيره { فاتخذ } الحوت { سبيله فى البحر } أي جعله بجعل الله { سربا } أي مثل السرب وهو الشق الطويل لا نفاذ له، وذلك أن الله تعالى أمسك عن الحوت جري الماء فانجاب عنه فبقي كالكوة لم يلتئم وجمد ما تحته منه.
[18.62]
{ فلما جاوزا } ذلك المكان بالسير إلى وقت الغداء من ثاني يوم { قال } موسى { لفته ءاتنا غداءنا } هو ما يؤكل أول النهار { لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } تعبا، وحصوله بعد المجاوزة.
[18.63]
{ قال أرءيت } أي تنبه { إذ أوينآ إلى الصخرة } بذلك المكان { فإنى نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطن } يبدل من الهاء { أن أذكره } بدل اشتمال أي أنساني ذكره { واتخذ } الحوت { سبيله فى البحر عجبا } مفعول ثان. أي يتعجب منه موسى وفتاه، لما تقدم في بيانه.
[18.64]
{ قال } موسى { ذلك } أي فقدنا الحوت { ما } أي الذي { كنا نبغ } نطلبه فإنه علامة لنا على وجود من نطلبه { فارتدا } رجعا { على ءاثارهما } يقصانها { قصصا } فأتيا الصخرة.
[18.65]
{ فوجدا عبدا من عبادنآ } هو الخضر { رحمة من عندنا وءاتيناه } نبوة في قول وولاية في آخر، وعليه أكثر العلماء { وعلمناه من لدنا } من قبلنا { علما } مفعول ثان أي معلوما من المغيبات روى البخاري حديث
" أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه: إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا رب فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه: يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة ووضعا رأسيهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر (فاتخذ سبيله في البحر سربا)، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت. فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كانا من الغداة قال موسى لفتاه (ءاتنا غدآءنا) إلى قوله { واتخذ سبيله في البحر عجبا } قال: وكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا... "
[18.66]
{ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا } أي صوابا أرشد به وفي قراءة بضم الراء وسكون الشين وسأله ذلك لأن الزيادة في العلم مطلوبة.
[18.67]
{ قال إنك لن تستطيع معى صبرا }.
[18.68]
{ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } في الحديث السابق عقب هذه الآية
" يا موسى إني على علم من الله علمنيه لا تعلمه، وأنت على علم من الله علمكه الله لا أعلمه "
وقوله «خبرا» مصدر بمعنى لم نحط: أي لم تخبر حقيقته.
[18.69]
{ قال ستجدنى إن شآء الله صابرا ولا أعصى } أي وغير عاص { لك أمرا } تأمرني به وقيد بالمشيئة لأنه لم يكن على ثقة من نفسه فيما التزم، وهذه عادة الأنبياء والأولياء أن لا يثقوا إلى أنفسهم طرفة عين.
[18.70]
{ قال فإن اتبعتنى فلا تسألنى } وفي قراءة بفتح اللام وتشديد النون { عن شىء } تنكره مني في عملك واصبر { حتى أحدث لك منه ذكرا } أي أذكره لك بعلته فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم.
[18.71]
{ فانطلقا } يمشيان على ساحل البحر { حتى إذا ركبا فى السفينة } التي مرت بهما { خرقها } الخضر بأن اقتلع لوحا أو لوحين منها من جهة البحر بفأس لما بلغت اللج { قال } له موسى { أخرقتها لتغرق أهلها } وفي قراءة بفتح التحتانية والراء ورفع أهلها { لقد جئت شيئا إمرا } أي عظيما منكرا. روي أن الماء لم يدخلها.
[18.72]
{ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا }.
[18.73]
{ قال لا تؤاخذنى بما نسيت } أي غفلت عن التسليم لك وترك الإنكار عليك { ولا ترهقنى } تكلفني { من أمرى عسرا } مشقة في صحبتي إياك أي عاملني فيها بالعفو واليسر.
[18.74]
{ فانطلقا } بعد خروجهما من السفينة يمشيان { حتى إذا لقيا غلاما } لم يبلغ الحنث يلعب مع الصبيان أحسنهم وجها { فقتله } الخضر بأن ذبحه بالسكين مضطجعا أو اقتلع رأسه بيده أو ضرب رأسه بالجدار أقوال وأتى هنا بالفاء العاطفة لأن القتل عقب اللقاء. وجواب إذا { قال } له موسى { أقتلت نفسا زكية } بتشديد الياء بلا ألف أي طاهرة لم تبلغ حد التكليف وفي قراءة «زاكية» { بغير نفس } أي لم تقتل نفسا { لقد جئت شيئا نكرا } بسكون الكاف وضمها أي منكرا.
[18.75]
{ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا } زاد «لك» على ما قبله لعدم العذر هنا.
[18.76]
ولهذا { قال إن سألتك عن شىء بعدها } أي بعد هذه المرة { فلا تصاحبنى } لا تتركني أتبعك { قد بلغت من لدنى } بالتشديد والتخفيف. من قبلي { عذرا } في مفارقتك لي.
[18.77]
{ فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية } هي أنطاكية { استطعما أهلها } طلبا منهم الطعام بضيافة { فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا } ارتفاعه مائة ذراع { يريد أن ينقض } أي يقرب أن يسقط لميلانه { فأقامه } الخضر بيده { قال } له موسى { لو شئت لتخذت } وفي قراءة لاتخذت { عليه أجرا } جعلا حيث لم يضيفونا مع حاجتنا إلى الطعام.
[18.78]
{ قال } له الخضر { هذا فراق } أي وقت فراق { بينى وبينك } فيه إضافة «بين» إلى غير متعدد سوغها تكريره بالعطف بالواو { سأنبئك } قبل فراقي لك { بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا }.
[18.79]
{ أما السفينة فكانت لمسكين } عشرة { يعملون فى البحر } بها مؤاجرة لها طلبا للكسب { فأردت أن أعيبها وكان وراءهم } إذا رجعوا أو أمامهم الآن { ملك } كافر { يأخذ كل سفينة } صالحة { غصبا } نصبه على المصدر المبين لنوع الأخذ.
[18.80]
{ وأما الغلم فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغينا وكفرا } فإنه كما في حديث مسلم طبع كافرا ولو عاش لأرهقهما ذلك لمحبتهما له يتبعانه في ذلك.
[18.81]
{ فأردنا أن يبدلهما } بالتشديد والتخفيف { ربهما خيرا منه زكوة } أي صلاحا وتقى { وأقرب } منه { رحما } بسكون الحاء وضمها. رحمة وهي البر بوالديه فأبدلهما تعالى جارية تزوجت نبيا فولدت نبيا فهدى الله تعالى به أمة.
[18.82]
{ وأما الجدار فكان لغلمين يتيمين فى المدينة وكان تحته كنز } مال مدفون من ذهب وفضة { لهما وكان أبوهما صلحا } فحفظا بصلاحه أنفسهما ومالهما { فأراد ربك أن يبلغا أشدهما } أي إيناس رشدهما { ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك } مفعول له عامله «أراد» { وما فعلته } أي ما ذكر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار { عن أمرى } أي اختياري بل بأمر إلهام من الله { ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا } يقال اسطاع واستطاع بمعنى أطاق، ففي هذا وما قبله جمع بين اللغتين ونوعت العبارة في:فأردت، فأردنا فأراد ربك.
[18.83]
{ ويسئلونك } أي اليهود { عن ذى القرنين } اسمه الإسكندر ولم يكن نبيا { قل سأتلوا } سأقص { عليكم منه } من حاله { ذكرا } خبرا.
[18.84]
{ إنا مكنا له فى الأرض } بتسهيل السير فيها { وءاتينه من كل شىء } يحتاج إليه { سببا } طريقا يوصله إلى مراده.
[18.85]
{ فأتبع سببا } سلك طريقا نحو المغرب.
[18.86]
{ حتى إذا بلغ مغرب الشمس } موضع غروبها { وجدها تغرب فى عين حمئة } ذات حمأة وهي الطين الأسود وغروبها في العين في رأي العين وإلا فهي أعظم من الدنيا { ووجد عندها } أي العين { قوما } كافرين { قلنا يذا القرنين } بإلهام { إما أن تعذب } القوم بالقتل { وإما أن تتخذ فيهم حسنا } بالأسر.
[18.87]
{ قال أما من ظلم } بالشرك { فسوف نعذبه } نقتله { ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا } بسكون الكاف وضمها شديدا في النار.
[18.88]
{ وأما من ءامن وعمل صلحا فله جزاء الحسنى } أي الجنة والإضافة للبيان وفي قراءة بنصب «جزاء» وتنوينه قال الفراء: ونصبه على التفسير أي لجهة النسبة { وسنقول له من أمرنا يسرا } أي نأمره بما يسهل عليه.
[18.89]
{ ثم أتبع سببا } نحو المشرق.
[18.90]
{ حتى إذا بلغ مطلع الشمس } موضع طلوعها { وجدها تطلع على قوم } هم الزنج { لم نجعل لهم من دونها } أي الشمس { سترا } من لباس ولا سقف،لأن أرضهم لا تحمل بناء ولهم سروب يغيبون فيها عند طلوع الشمس ويظهرون عند ارتفاعها.
[18.91]
{ كذلك } أي الأمر كما قلنا { وقد أحطنا بما لديه } أي عند ذي القرنين من الآلات والجند وغيرهما { خبرا } علما.
[18.92]
{ ثم أتبع سببا }.
[18.93]
{ حتى إذا بلغ بين السدين } بفتح السين وضمها هنا وبعد، جبلان بمنقطع بلاد الترك،سد الإسكندر ما بينهما كما سيأتي { وجد من دونهما } أي أمامهما { قوما لا يكادون يفقهون قولا } أي لا يفهمونه إلا بعد بطء وفي قراءة بضم الياء وكسر القاف.
[18.94]
{ قالواالقرنين إن يأجوج ومأجوج } بالهمز وتركه هما اسمان أعجميان لقبيلتين فلم ينصرفا { مفسدون فى الأرض } بالنهب والبغي عند خروجهم إلينا { فهل نجعل لك خرجا } جعلا من المال وفي قراءة خراجا { على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } حاجزا فلا يصلون إلينا.
[18.95]
{ قال ما مكنى } وفي قراءة بنونين من غير إدغام { فيه ربى } من المال وغيره { خير } من خرجكم الذي تجعلونه لي فلا حاجة بي إليه وأجعل لكم السد تبرعا { فأعينونى بقوة } لما أطلبه منكم { أجعل بينكم وبينهم ردما } حاجزا حصينا.
[18.96]
{ ءاتوني زبر الحديد } قطعه على قدر الحجارة التي يبنى بها فبنى بها وجعل بينها الحطب والفحم { حتى إذا ساوى بين الصدفين } بضم الحرفين وفتحهما وضم الأول وسكون الثاني أي جانبي الجبلين بالبناء ووضع المنافخ والنار حول ذلك { قال انفخوا } فنفخوا { حتى إذا جعله } أي الحديد { نارا } أي كالنار { قال ءاتونى أفرغ عليه قطرا } هو النحاس المذاب تنازع فيه الفعلان وحذف من الأول لإعمال الثاني فأفرغ النحاس المذاب على الحديد المحمى فدخل بين زبره فصارا شيئا واحدا.
[18.97]
{ فما اسطعوا } أي يأجوج ومأجوج { أن يظهروه } يعلوا ظهره لارتفاعه وملاسته { وما استطعوا له نقبا } خرقا لصلابته وسمكه.
[18.98]
{ قال } ذو القرنين { هذا } أي السد أي الإقدار عليه { رحمة من ربى } نعمة لأنه مانع من خروجهم { فإذا جاء وعد ربى } بخروجهم القريب من البعث { جعله دكاء } مدكوكا مبسوطا { وكان وعد ربى } بخروجهم وغيره { حقا } كائنا.
[18.99]
فال تعالى: { وتركنا بعضهم يومئذ } يوم خروجهم { يموج فى بعض } يختلط به لكثرتهم { ونفخ فى الصور } أي القرن للبعث { فجمعنهم } أي الخلائق في مكان واحد يوم القيامة { جمعا }.
[18.100]
{ وعرضنا } قربنا { جهنم يومئذ للكفرين عرضا }.
[18.101]
{ الذين كانت أعينهم } بدل من الكافرين { فى غطاء عن ذكرى } أي القرآن فهم عمي لا يهتدون به { وكانوا لا يستطيعون سمعا } أي لا يقدرون أن يسمعوا من النبي ما يتلوه عليهم بغضا له فلا يؤمنون به.
[18.102]
{ أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادى } أي ملائكتي وعيسى وعزيرا { من دونى أولياء } أربابا مفعول ثان ل «يتخذوا» والمفعول الثاني ل «حسب» محذوف. المعنى: أظنوا أن الاتخاذ المذكور لا يغضبني ولا أعاقبهم عليه؟ كلا «إنا أعتدنا جهنم للكافرين } هؤلاء وغيرهم { نزلا } أي هي معدة لهم كالمنزل المعد للضيف.
[18.103]
{ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعملا } تمييز طابق المميز، وبينهم بقوله:
[18.104]
{ الذين ضل سعيهم فى الحيوة الدنيا } بطل عملهم { وهم يحسبون } يظنون { أنهم يحسنون صنعا } عملا يجازون عليه.
[18.105]
{ أولئك الذين كفروا بئايت ربهم } بدلائل توحيده من القرآن وغيره { ولقائه } أي وبالبعث والحساب والثواب والعقاب { فحبطت أعمالهم } بطلت { فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا } أي لا نجعل لهم قدرا.
[18.106]
{ ذلك } أي الأمر الذي ذكرت من حبوط أعمالهم وغيره مبتدأ خبره { جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا ءايتى ورسلى هزوا } أي مهزوءا بهما.
[18.107]
{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحات كانت لهم } في علم الله { جنت الفردوس } هو وسط الجنة وأعلاها والإضافة إليه للبيان { نزلا } منزلا.
[18.108]
{ خلدين فيها لا يبغون } يطلبون { عنها حولا } تحولا إلى غيرها.
[18.109]
{ قل لو كان البحر } أي ماؤه { مدادا } هو ما يكتب به { لكلمت ربى } الدالة على حكمه وعجائبه بأن تكتب به { لنفد البحر } في كتابتها { قبل أن تنفد } بالتاء والياء: تفرغ { كلمت ربى ولو جئنا بمثله } أي البحر { مددا } زيادة فيه لنفد، ولم تفرغ هي، ونصبه على التمييز.
[18.110]
{ قل إنما أنا بشر } آدمي { مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد } أن المكفوفة ب «ما» باقية على مصدريتها والمعنى: يوحى إلي وحدانية الإله { فمن كان يرجو } يأمل { لقاء ربه } بالبعث والجزاء { فليعمل عملا صلحا ولا يشرك بعبادة ربه } أي فيها بأن لا يرائي { أحدا }.
[19 - سورة مريم]
[19.1]
{ كهيعص } الله أعلم بمراده بذلك هذا.
[19.2]
{ ذكر رحمت ربك عبده } مفعول رحمة { زكريا } بيان له.
[19.3]
{ إذ } متعلق برحمة { نادى ربه ندآء } مشتملا على دعاء { خفيا } سرا في جوف الليل لأنه أسرع للإجابة.
[19.4]
{ قال رب إنى وهن } ضعف { العظم } جميعه { منى واشتعل الرأس } مني { شيبا } تمييز محول عن الفاعل أي: انتشر الشيب في شعره كما ينتشر شعاع النار في الحطب، وإني أريد أن أدعوك { ولم أكن بدعآئك } أي بدعائي إياك { رب شقيا } أي خائبا فيما مضى فلا تخيبني فيما يأتي.
[19.5]
{ وإني خفت المولى } أي الذين يلوني في النسب كبني العم { من ورءى } أي بعد موتي على الدين أن يضيعوه كما شاهدته في بني إسرائيل من تبديل الدين { وكانت امرأتى عاقرا } لا تلد { فهب لى من لدنك } من عندك { وليا } ابنا.
[19.6]
{ يرثنى } بالجزم: جواب الأمر، وبالرفع صفة وليا { ويرث } بالوجهين { من ءال يعقوب } جدي: العلم والنبوة { واجعله رب رضيا } أي: مرضيا عندك.
[19.7]
قال تعالى في إجابة طلبه الابن الحاصل به رحمته: { يزكريآ إنا نبشرك بغلم } يرث كما سألت { اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا } أي: مسمى بيحيى.
[19.8]
{ قال رب إنى } كيف { يكون لى غلم وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا } من عتايبس: ألى نهاية السن مائة وعشرين سنة وبلغت امرأته ثمانيا وتسعين سنة، وأصل (عتي): (عتوو)، كسرت التاء تخفيفا، وقلبت الواو الأولى ياء لمناسبة الكسرة، والثانية ياء لتدغم فيها الياء.
[19.9]
{ قال } الأمر { كذلك } من خلق غلام منكما { قال ربك هو على هين } أي: بأن أرد عليك قوة الجماع، وأفتق رحم امرأتك للعلوق { وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا } قبل خلقك، ولإظهار الله هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بما يدل عليها. ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به.
[19.10]
{ قال رب اجعل لى ءاية } أي علامة على حمل امرأتي { قال ءايتك } عليه { ألا تكلم الناس } أي تمتنع من كلامهم بخلاف ذكر الله { ثلث ليال } أي بأيامها كما في آل عمران
ثلثة أيام
[41:3] { سويا } حال من فاعل تكلم أي بلا علة.
[19.11]
{ فخرج على قومه من المحراب } أي المسجد وكانوا ينتظرون فتحه ليصلوا فيه بأمره على العادة { فأوحى } أشار { إليهم أن سبحوا } صلوا { بكرة وعشيا } أوائل النهار وأواخره على العادة، فعلم بمنعه من كلامهم حملها بيحيى.
[19.12]
وبعد ولادته بسنتين. قال تعالى له: { ييحيى خذ الكتب } أي التوراة { بقوة } بجد { وءاتينه الحكم } النبوة { صبيا } ابن ثلاث سنين.
[19.13]
{ وحنانا } رحمة للناس { من لدنا } من عندنا { وزكوة } صدقة عليهم { وكان تقيا } روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها.
[19.14]
{ وبرا بولديه } أي: محسنا إليهما { ولم يكن جبارا } متكبرا { عصيا } عاصيا لربه.
[19.15]
{ وسلم } منا { عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا } أي: في هذه الأيام المخوفة التي يرى فيها ما لم يره قبلها، فهو آمن فيها.
[19.16]
{ واذكر فى الكتب } القرآن { مريم } أي: خبرها { إذ } حين { انتبذت من أهلها مكانا شرقيا } أي: اعتزلت في مكان نحو الشرق من الدار.
[19.17]
{ فاتخذت من دونهم حجابا } أرسلت سترا تستتر به لتفلي رأسها أو ثيابها أو تغتسل من حيضها { فأرسلنآ إليها روحنا } جبريل { فتمثل لها } بعد لبسها ثيابها { بشرا سويا } تام الخلق.
[19.18]
{ قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا } فتنتهي عني بتعوذي.
[19.19]
{ قال إنمآ أنا رسول ربك لاهب لك غلما زكيا } بالنبوة.
[19.20]
{ قالت أنى يكون لى غلم ولم يمسسنى بشر } بتزوج { ولم أك بغيا } زانية.
[19.21]
{ قال } جبريل: الأمر { كذلك } من خلق غلام منك من غير أب { قال ربك هو على هين } أي: بأن ينفخ بأمري جبريل فيك فتحملي به ولكون ما ذكر في معنى العلة عطف عليه { ولنجعله ءاية للناس } على قدرتنا { ورحمة منا } لمن آمن به { وكان } خلقه { أمرا مقضيا } به في علمي، فنفخ جبريل في جيب درعها فأحست بالحمل في بطنها مصورا.
[19.22]
{ فحملته فانتبذت } تنحت { به مكانا قصيا } بعيدا من أهلها.
[19.23]
{ فأجآءها } جاء بها { المخاض } وجع الولادة { إلى جذع النخلة } لتعتمد عليه فولدت والحمل والتصوير والولادة في ساعة { قالت يا } للتنبيه { ليتنى مت قبل هذا } الأمر { وكنت نسيا منسيا } شيئا متروكا لا يعرف ولا يذكر.
[19.24]
{ فنادها من تحتهآ } أي: جبريل وكان أسفل منها { ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا } نهر ماء كان قد انقطع.
[19.25]
{ وهزى إليك بجذع النخلة } كانت يابسة، والباء زائدة { تساقط } أصله بتاءين، قلبت الثانية سينا وأدغمت في السين، وفي قراءة تركها { عليك رطبا } تمييز { جنيا } صفته.
[19.26]
{ فكلى } من الرطب { واشربى } من السري { وقرى عينا } بالولد، تمييز محول من الفاعل أي: لتقر عينك به أي: تسكن فلا تطمح إلى غيره { فإما } فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة { ترين } حذفت منه لام الفعل وعينه وألقيت حركتها على الراء وكسرت ياء الضمير لالتقاء الساكنين { من البشر أحدا } فيسألك عن ولدك { فقولى إنى نذرت للرحمن صوما } أي إمساكا عن الكلام في شأنه وغيره من الأناسي، بدليل { فلن أكلم اليوم إنسيا } أي: بعد ذلك.
[19.27]
{ فأتت به قومها تحمله } حالا فرأوه { قالوا يمريم لقد جئت شيئا فريا } عظيما حيث أتيت بولد من غير أب.
[19.28]
{ ي هرون } هو رجل صالح أي: يا شبيهته في العفة { ما كان أبوك امرأ سوء } أي: زانيا { وما كانت أمك بغيا } أي: زانية، فمن أين لك هذا الولد؟.
[19.29]
{ فأشارت } لهم { إليه } أن كلموه { قالوا كيف نكلم من كان } أي وجد { فى المهد صبيا }.
[19.30]
{ قال إنى عبد الله ءاتنى الكتب } أي: الإنجيل { وجعلنى نبيا }.
[19.31]
{ وجعلنى مباركا أينما كنت } أي: نفاعا للناس إخبار بما كتب له { وأوصنى بالصلوة والزكوة } أمرني بهما { ما دمت حيا }.
[19.32]
{ وبرا بولدتى } منصوب ب «جعلني» مقدرا { ولم يجعلنى جبارا } متعاظما { شقيا } عاصيا لربه.
[19.33]
{ والسلم } من الله { على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا } يقال فيه ما تقدم في السيد يحيى.
[19.34]
قال تعالى: { ذلك عيسى ابن مريم قول الحق } بالرفع خبر مبتدأ مقدر أي: قول ابن مريم. وبالنصب بتقدير قلت، والمعنى: القول الحق { الذى فيه يمترون } من المرية أي: يشكون وهم النصارى، قالوا: إن عيسى ابن الله كذبوا.
[19.35]
{ ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحنه } تنزيها له عن ذلك { إذا قضى أمرا } أي أراد أن يحدثه { فإنما يقول له كن فيكون } بالرفع بتقدير هو، وبالنصب بتقدير أن ومن ذلك خلق عيسى من غير أب.
[19.36]
{ وإن الله ربى وربكم فاعبدوه } بفتح أن بتقدير اذكر، وبكسرها بتقدير قل بدليل
ما قلت لهم إلا مآ أمرتنى به أن اعبدوا الله ربى وربكم
[117:5] { هذا } المذكور { صرط } طريق { مستقيم } مؤد إلى الجنة.
[19.37]
{ فاختلف الأحزاب من بينهم } أي النصارى في عيسى: أهو ابن الله، أو إله معه، أو ثالث ثلاثة؟ { فويل } فشدة عذاب { للذين كفروا } بما ذكر وغيره { من مشهد يوم عظيم } أي: حضور يوم القيامة وأهواله.
[19.38]
{ أسمع بهم وأبصر } بهم؟ صيغة تعجب بمعنى ما أسمعهم وما أبصرهم { يوم يأتوننا } في الآخرة { لكن الظلمون } من إقامة الظاهر مقام المضمر { اليوم } أي: في الدنيا { فى ضلل مبين } أي (بين)، به صموا عن سماع الحق وعموا عن إبصاره أي: اعجب منهم يا مخاطب في سمعهم وإبصارهم في الآخرة بعد أن كانوا في الدنيا صما عميا.
[19.39]
{ وأنذرهم } خوف يا محمد كفار مكة { يوم الحسرة } هو يوم القيامة يتحسر فيه المسيء على ترك الإحسان في الدنيا { إذ قضى الأمر } لهم فيه بالعذاب { وهم } في الدنيا { فى غفلة } عنه { وهم لا يؤمنون } به.
[19.40]
{ إنا نحن } تأكيد { نرث الأرض ومن عليها } من العقلاء وغيرهم بإهلاكهم { وإلينا يرجعون } فيه للجزاء.
[19.41]
{ واذكر } لهم { فى الكتب إبرهيم } أي: خبره { إنه كان صديقا } مبالغا في الصدق { نبيا } ويبدل من خبره.
[19.42]
{ إذ قال لأبيه } آزر { يأبت } التاء عوضا عن ياء الإضافة ولا يجمع بينهما، وكان يعبد الأصنام { لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك } لا يكفيك { شيئا } من نفع أو ضر.
[19.43]
{ يأبت إنى قد جآءنى من العلم ما لم يأتك فاتبعنى أهدك صرطا } طريقا { سويا } مستقيما.
[19.44]
{ يأبت لا تعبد الشيطن } بطاعتك إياه في عبادة الأصنام { إن الشيطن كان للرحمن عصيا } كثير العصيان.
[19.45]
{ يأبت إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن } إن لم تتب { فتكون للشيطن وليا } ناصرا وقرينا في النار.
[19.46]
{ قال أراغب أنت عن ءالهتى يإبرهيم } فتعيبها؟ { لئن لم تنته } عن التعرض لها { لأرجمنك } بالحجارة أو بالكلام القبيح فاحذرني { واهجرنى مليا } دهرا طويلا.
[19.47]
{ قال سلم عليك } مني أي لا أصيبك بمكروه { سأستغفر لك ربي إنه كان بى حفيا } من (حفي): أي بارا فيجيب دعائي، وقد أوفى بوعده المذكور في (الشعراء)
واغفر لأبى
[86:26] وهذا قبل أن يتبين له أنه
عدو لله
[114:9] كما ذكره في (براءة).
[19.48]
{ وأعتزلكم وما تدعون } تعبدون { من دون الله وأدعو } أعبد { ربى عسى أ } ن { لا أكون بدعآء ربى } بعبادته { شقيا } كما شقيتم بعبادة الأصنام.
[19.49]
{ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله } بأن ذهب إلى الأرض المقدسة { وهبنا له } ابنين يأنس بهما { إسحق ويعقوب وكلا } منهما { جعلنا نبيا }.
[19.50]
{ ووهبنا لهم } للثلاثة { من رحمتنا } المال والولد { وجعلنا لهم لسان صدق عليا } رفيعا هو الثناء الحسن في جميع أهل الأديان.
[19.51]
{ واذكر فى الكتب موسى إنه كان مخلصا } بكسر اللام وفتحها، من أخلص في عبادته وخلصه الله من الدنس { وكان رسولا نبيا }.
[19.52]
{ وندينه } بقول: ياموسى إنى أنا الله { من جانب الطور } اسم الجبل { الأيمن } أي الذي يلي يمين موسى حين أقبل من مدين { وقربنه نجيا } مناجيا بأن أسمعه الله تعالى كلامه.
[19.53]
{ ووهبنا له من رحمتنآ } نعمتنا { أخاه هرون } بدل أو عطف بيان { نبيا } حال هي المقصودة بالهبة إجابة لسؤاله أن يرسل أخاه معه وكان أسن منه.
[19.54]
{ واذكر فى الكتب إسمعيل إنه كان صادق الوعد } لم يعد شيئا إلا وفى به، وانتظر من وعده ثلاثة أيام أو حولا حتى رجع إليه في مكانه { وكان رسولا } إلى جرهم { نبيا }.
[19.55]
{ وكان يأمر أهله } أي قومه { بالصلوة والزكوة وكان عند ربه مرضيا } أصله «مرضوو» قلبت الواوان ياءين والضمة كسرة.
[19.56]
{ واذكر فى الكتب إدريس } هو جد أبي نوح { إنه كان صديقا نبيا }.
[19.57]
{ ورفعنه مكانا عليا } هو حي في السماء الرابعة أو السادسة أو السابعة أو في الجنة: أدخلها بعد أن أذيق الموت وأحيي ولم يخرج منها.
[19.58]
{ أولئك } مبتدأ { الذين أنعم الله عليهم } صفة له { من النبين } بيان له، وهو في معنى الصفة وما بعده إلى جملة الشرط صفة للنبيين فقوله { من ذرية ءادم } أي إدريس { وممن حملنا مع نوح } في السفينة أي إبراهيم ابن ابنه سام { ومن ذرية إبرهيم } أي إسماعيل وإسحاق ويعقوب { و } من ذرية { إسرءيل } وهو يعقوب أي موسى، وهارون، وزكريا، ويحيى، وعيسى { وممن هدينا واجتبينا } أي من جملتهم، وخبر أولئك { إذا تتلى عليهم ءاية الرحمن خرا سجدا وبكيا } جمع ساجد وباك أي فكونوا مثلهم وأصل (بكي) (بكوي)، قلبت الواو ياء والضمة كسرة.
[19.59]
{ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة } بتركها كاليهود والنصارى { واتبعوا الشهوت } من المعاصي { فسوف يلقون غيا } هو واد في جهنم، أي يقعون فيه.
[19.60]
{ إلا } لكن { من تاب وءامن وعمل صلحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون } ينقصون { شيئا } من ثوابهم.
[19.61]
{ جنت عدن } إقامة، بدل من الجنة { التى وعد الرحمن عباده بالغيب } حال، أي غائبين عنها { إنه كان وعده } أي موعوده { مأتيا } بمعنى آتيا، وأصله «مأتوي» أو موعوده هنا الجنة يأتيه أهله.
[19.62]
{ لا يسمعون فيها لغوا } من الكلام { إلا } لكن يسمعون { سلما } من الملائكة عليهم، أو من بعضهم على بعض { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } أي على قدرهما في الدنيا، وليس في الجنة نهار ولا ليل، بل ضوء ونور أبدا.
[19.63]
{ تلك الجنة التى نورث } نعطي وننزل { من عبادنا من كان تقيا } بطاعته.
[19.64]
ونزل لما تأخر الوحي أياما وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ { وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا } أي أمامنا من أمور الآخرة { وما خلفنا } من أمور الدنيا { وما بين ذلك } أي: ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة أي له علم ذلك جميعه { وما كان ربك نسيا } بمعنى ناسيا أي: تاركا لك بتأخير الوحي عنك.
[19.65]
هو { رب } مالك { السموت والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبدته } أي اصبر عليها { هل تعلم له سميا } أي مسمى بذلك؟ لا.
[19.66]
{ ويقول الإنسن } المنكر للبعث أبي بن خلف أو الوليد بن المغيرة النازل فيه الآية: { أءذا } بتحقيق الهمزة الثانية وتسهيلها وإدخال ألف بينها بوجهيها وبين الأخرى { ما مت لسوف أخرج حيا } من القبر كما يقول محمد؟ فالاستفهام بمعنى النفي أي: لا أحيا بعد الموت، و«ما» زائدة للتأكيد وكذا اللام، ورد عليه بقوله تعالى:
[19.67]
{ أو لا يذكر إلإنسن } أصله «يتذكر» أبدلت التاء ذالا وأدغمت في الذال. وفي قراءة بتركها وسكون الذال وضم الكاف { أنا خلقنه من قبل ولم يك شيئا } فيستدل بالابتداء على الإعادة؟.
[19.68]
{ فوربك لنحشرنهم } أي المنكرين للبعث { والشيطين } أي نجمع كلا منهم وشيطانه في سلسلة { ثم لنحضرنهم حول جهنم } من خارجها { جثيا } على الركب: جمع (جاث)، وأصله: (جثوو) أو (جثوي) من (جثا) (يجثو) أو (يجثي) لغتان.
[19.69]
{ ثم لننزعن من كل شيعة } فرقة منهم { أيهم أشد على الرحمن عتيا } جراءة.
[19.70]
{ ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها } أحق بجهنم الأشد وغيره منهم { صليا } دخولا واحتراقا فنبدأ بهم. وأصله «صلوي» من «صلي» بكسر اللام وفتحها.
[19.71]
{ وأن } أي ما { منكم } أحد { إلا واردها } أي داخل جهنم { كان على ربك حتما مقضيا } حتمه وقضى به لا يتركه.
[19.72]
{ ثم ننجى } مشددا ومخففا { الذين اتقوا } الشرك والكفر منها { ونذر الظلمين } بالشرك والكفر { فيها جثيا } على الركب.
[19.73]
{ وإذا تتلى عليهم } أي المؤمنين والكافرين { ءايتنا } من القرآن { بينت } واضحات حال { قال الذين كفروا للذين ءامنوا أى الفريقين } نحن وأنتم { خير مقاما } منزلا ومسكنا: بالفتح من قام، وبالضم من أقام { وأحسن نديا } بمعنى النادي وهو مجتمع القوم يتحدثون فيه، يعنون: نحن فنكون خيرا منكم.
[19.74]
قال تعالى: { وكم } أي كثيرا { أهلكنا قبلهم من قرن } أي أمة من الأمم الماضية { هم أحسن أثثا } مالا ومتاعا { ورءيا } منظرا، من الرؤية، فكما أهلكناهم لكفرهم نهلك هؤلاء.
[19.75]
{ قل من كان فى الضللة } شرط جوابه { فليمدد } فجوابه بمعنى الخبر أي يمد { له الرحمن مدا } في الدنيا يستدرجه { حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب } كالقتل والأسر { وإما الساعة } المشتملة على جهنم فيدخلونها { فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا } أعوانا أهم أم المؤمنون؟ وجندهم الشياطين، وجند المؤمنين عليهم الملائكة.
[19.76]
{ ويزيد الله الذين اهتدوا } بالإيمان { هدى } بما ينزل عليهم من الآيات { والبقيت الصلحت } هي الطاعة تبقى لصاحبها { خير عند ربك ثوابا وخير مردا } أي ما يرد إليه ويرجع، بخلاف أعمال الكفار، والخيرية هنا في مقابلة قولهم (أي الفريقين خير مقاما).
[19.77]
{ أفرءيت الذى كفر بئايتنا } العاصي بن وائل { وقال } لخباب بن الأرت القائل له تبعث بعد الموت والمطالب له بمال { لأوتين } على تقدير البعث { مالا وولدا } فأقضيك؟.
[19.78]
قال تعالى: { أطلع الغيب } أي أعلمه وأن يؤتى ما قاله؟ واستغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل فحذفت { أم اتخذ عند الرحمن عهدا } بأن يؤتى ما قاله؟.
[19.79]
{ كلا } أي لا يؤتي ذلك { سنكتب } نأمر بكتب { ما يقول ونمد له من العذاب مدا } نزيده بذلك عذابا فوق عذاب كفره.
[19.80]
{ ونرثه ما يقول } من المال والولد { ويأتينا } يوم القيامة { فردا } لا مال له ولا ولد.
[19.81]
{ واتخذوا } أي كفار مكة { من دون الله } الأوثان { ءالهة } يعبدونهم { ليكونوا لهم عزا } شفعاء عن الله بأن لا يعذبوا.
[19.82]
{ كلا } أي لا مانع من عذابهم { سيكفرون } أي الآلهة { بعبادتهم } أي ينفونها كما في آية أخرى
ما كانوا إيانا يعبدون
[63:28] { ويكونون عليهم ضدا } أعوانا وأعداء.
[19.83]
{ ألم تر أنآ أرسلنا الشيطين } سلطانهم { على الكفرين تؤزهم } تهيجهم إلى المعاصي { أزا }.
[19.84]
{ فلا تعجل عليهم } بطلب العذاب { إنما نعد لهم } الأيام والليالي أو الأنفاس { عدا } إلى وقت عذابهم.
[19.85]
اذكر: { يوم نحشر المتقين } بإيمانهم { إلى الرحمن وفدا } جمع وافد بمعنى: راكب.
[19.86]
{ ونسوق المجرمين } بكفرهم { إلى جهنم وردا } جمع وارد بمعنى ماش عطشان.
[19.87]
{ لا يملكون } أي الناس { الشفعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا } أي شهادة أن لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[19.88]
{ وقالوا } أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله { اتخذ الرحمن ولدا }.
[19.89]
قال تعالى لهم: { لقد جئتم شيئا إدا } أي منكرا عظيما.
[19.90]
{ تكاد } بالتاء والياء { السموت يتفطرن } بالتاء وتشديد الطاء وفي قراءة (ينفطرنه) بالنون بالانشقاق { منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا } أي تنطبق عليهم من أجل.
[19.91]
{ أن دعوا للرحمن ولدا }.
[19.92]
قال تعالى: { وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا } أي ما يليق به ذلك.
[19.93]
{ إن } أي ما { كل من فى السموت والأرض *إلا ءاتى الرحمن عبدا } ذليلا خاضعا يوم القيامة، منهم عزير وعيسى.
[19.94]
{ لقد أحصهم وعدهم عدا } فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم ولا واحد منهم.
[19.95]
{ وكلهم ءاتيه يوم القيمة فردا } بلا مال ولا نصير يمنعه.
[19.96]
{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت سيجعل لهم الرحمن ودا } فيما بينهم يتوادون ويتحابون ويحبهم الله تعالى.
[19.97]
{ فإنما يسرنه } أي القرآن { بلسانك } العربي { لتبشر به المتقين } الفائزين بالإيمان { وتنذر } تخوف { به قوما لدا } جمع ألد أي جدل بالباطل، وهم كفار مكة.
[19.98]
{ وكم } أي كثيرا { أهلكنا قبلهم من قرن } أي أمة من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل { هل تحس } تجد { منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا } صوتا خفيا؟ لا، فكما أهلكنا أولئك نهلك هؤلاء .
[20 - سورة طه]
[20.1]
{ طه } الله أعلم بمراده بذلك.
[20.2]
{ مآ أنزلنا عليك القرءان } يا محمد { لتشقى } لتتعب بما فعلت بعد نزوله من طول قيامك بصلاة الليل، أي خفف عن نفسك.
[20.3]
{ إلا } لكن أنزلناه { تذكرة } به { لمن يخشى } يخاف الله.
[20.4]
{ تنزيلا } بدلا من اللفظ بفعله الناصب له { ممن خلق الأرض والسموت العلى } جمع عليا، ككبرى وكبر.
[20.5]
هو { الرحمن على العرش } وهو في اللغة سرير الملك { استوى } استواء يليق به تعالى.
[20.6]
{ له ما في السموت وما في الأرض وما بينهما } من المخلوقات { وما تحت الثرى } هو التراب الندي، والمراد الأرضون السبع، لأنها تحته.
[20.7]
{ وإن تجهر بالقول } في ذكر أو دعاء، فالله غني عن الجهر به { فإنه يعلم السر وأخفى } منه. أي: ما حدثت به النفس، وما خطر ولم تحدث به فلا تجهد نفسك بالجهر.
[20.8]
{ الله لآ إله إلا هو له الأسمآء الحسنى } التسعة والتسعون الوارد بها الحديث، والحسنى مؤنث الأحسن.
[20.9]
{ وهل } قد { أتك حديث موسى }.
[20.10]
{ إذ رءا نارا فقال لأهله } لامرأته { امكثوا } هنا، وذلك في مسيره من (مدين) طالبا مصر { إنى ءانست } أبصرت { نارا لعلى ءاتيكم منها بقبس } يشعله في رأس فتيلة أو عود { أو أجد على النار هدى } أي هاديا يدلني على الطريق وكان أخطأها لظلمة الليل، وقال «لعل» لعدم الجزم بوفاء الوعد.
[20.11]
{ فلما ءاتها } وهي شجرة عوسج { نودى يموسى }.
[20.12]
{ إنى } بكسر الهمزة بتأويل نودي بقيل، وبفتحها بتقدير الباء { أنا } تأكيد لياء المتكلم { ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس } المطهر أو المبارك { طوى } بدل أو عطف بيان، بالتنوين وتركه مصروف باعتبار المكان، وغير مصروف للتأنيث باعتبار البقعة مع العلمية.
[20.13]
{ وأنا اخترتك } من قومك { فاستمع لما يوحى } إليك مني.
[20.14]
{ إننى أنا الله لآ إله إلآ أنا فاعبدنى وأقم الصلوة لذكرى } فيها.
[20.15]
{ إن الساعة ءاتية أكاد أخفيها } عن الناس ويظهر لهم قربها بعلاماتها { لتجزى } فيها { كل نفس بما تسعى } به من خير أو شر.
[20.16]
{ فلا يصدنك } يصرفنك { عنها } أي عن الإيمان بها { من لا يؤمن بها واتبع هوه } في إنكارها { فتردى } أي فتهلك إن صددت عنها.
[20.17]
{ وما تلك } كائنة { بيمينك يموسى } الاستفهام للتقرير ليرتب عليه المعجزة فيها.
[20.18]
{ قال هى عصاى أتوكؤا } أعتمد { عليها } عند الوثوب والمشي { وأهش } أخبط ورق الشجر { بها } ليسقط { على غنمى } فتأكله { ولى فيها مئارب } جمع (مأربة) مثلث الراء أي: حوائج { أخرى } كحمل الزاد والسقاء وطرد الهوام، زاد في الجواب بيان حاجاته بها.
[20.19]
{ قال ألقها يموسى }.
[20.20]
{ فألقها فإذا هى حية } ثعبان عظيم { تسعى } تمشي على بطنها سريعا كسرعة الثعبان الصغير المسمى (بالجان) المعبر به فيها في آية أخرى[31:28].
[20.21]
{ قال خذها ولا تخف } منها { سنعيدها سيرتها } منصوب بنزع الخافض أي: إلى حالتها { الأولى } فأدخل يده في فمها فعادت عصا، وتبين أن موضع الإدخال موضع مسكها بين شعبتيها، وأرى ذلك السيد موسى لئلا يجزع إذا انقلبت حية لدى فرعون.
[20.22]
{ واضمم يدك } اليمنى بمعنى الكف { إلى جناحك } أي جنبك الأيسر تحت العضد إلى الإبط وأخرجها { تخرج } خلاف ما كانت عليه من الأدمة { بيضآء من غير سوء } أي برص تضيء كشعاع الشمس تغشي البصر { ءاية أخرى } وهي بيضاء حالان من فضمها تخرج.
[20.23]
{ لنريك } بها إذا فعلت ذلك لإظهارها { من ءايتنا } الآية { الكبرى } أي العظمى على رسالتك، وإذا أراد عودها إلى حالتها الأولى فضمها إلى جناحه كما تقدم وأخرجها.
[20.24]
{ اذهب } رسولا { إلى فرعون } ومن معه { إنه طغى } جاوز الحد في كفره إلى ادعاء الألوهية.
[20.25]
{ قال رب اشرح لى صدرى } وسعه لتحمل الرسالة.
[20.26]
{ ويسر } سهل { لى أمرى } لأبلغها.
[20.27]
{ واحلل عقدة من لسانى } حدثت من احتراقه بجمرة وضعها بفيه وهو صغير.
[20.28]
{ يفقهوا } يفهموا { قولي } عند تبليغ الرسالة.
[20.29]
{ واجعل لى وزيرا } معينا عليها { من أهلى }.
[20.30]
{ هرون } مفعول ثان { أخى } عطف بيان.
[20.31]
{ اشدد به أزرى } ظهري.
[20.32]
{ وأشركه فى أمرى } أي: الرسالة، والفعلان بصيغتي الأمر والمضارع المجزوم وهو جواب الطلب.
[20.33]
{ كى نسبحك } تسبيحا { كثيرا }.
[20.34]
{ ونذكرك } ذكرا { كثيرا }.
[20.35]
{ إنك كنت بنا بصيرا } عالما فأنعمت بالرسالة.
[20.36]
{ قال قد أوتيت سؤلك يموسى } منا عليك.
[20.37]
{ ولقد مننا عليك مرة أخرى }.
[20.38]
{ إذ } للتعليل { أوحينآ إلى أمك } مناما أو إلهاما لما ولدتك وخافت أن يقتلك فرعون في جملة من يولد { ما يوحى } في أمرك.
[20.39]
ويبدل منه { أن اقذفيه } ألقيه { فى التابوت فاقذفيه } بالتابوت { في اليم } بحر النيل { فليلقه اليم بالساحل } أي شاطئه، والأمر بمعنى الخبر { يأخذه عدو لى وعدو له } وهو فرعون { وألقيت } بعد أن أخذك { عليك محبة منى } لتحب في الناس فأحبك فرعون وكل من رآك { ولتصنع على عينى } تربى على رعايتي وحفظي لك.
[20.40]
{ إذ } للتعليل { تمشى أختك } مريم لتتعرف خبرك وقد أحضروا مراضع وأنت لا تقبل ثدي واحدة منها { فتقول هل أدلكم على من يكفله }؟ فأجيبت فجاءت بأمه فقبل ثديها { فرجعنك إلى أمك كى تقر عينها } بلقائك { ولا تحزن } حينئذ { وقتلت نفسا } هو القبطي بمصر، فاغتممت لقتله من جهة فرعون { فنجينك من الغم وفتنك فتونا } اختبرناك بالإيقاع في غير ذلك وخلصناك منه { فلبثت سنين } عشرا { فى أهل مدين } بعد مجيئك إليها من مصر عند شعيب النبي وزوجك بابنته { ثم جئت على قدر } في علمي بالرسالة وهو أربعون سنة من عمرك { يموسى }.
[20.41]
{ واصطنعتك } اخترتك { لنفسى } بالرسالة.
[20.42]
{ اذهب أنت وأخوك } إلى الناس { بئايتي } التسع { ولا تنيا } تفترا { فى ذكرى } بتسبيح وغيره.
[20.43]
{ اذهبآ إلى فرعون إنه طغى } بادعائه الربوبية.
[20.44]
{ فقولا له قولا لينا } في رجوعه عن ذلك { لعله يتذكر } يتعظ { أو يخشى } الله فيرجع، والترجي بالنسبة إليهما لعلمه تعالى بأنه لا يرجع.
[20.45]
{ قالا ربنآ إننا نخاف أن يفرط علينآ } أي يعجل بالعقوبة { أو أن يطغى } علينا أي يتكبر.
[20.46]
{ قال لا تخافآ إننى معكمآ } بعوني { أسمع } ما يقول { وأرى } ما يفعل.
[20.47]
{ فأتياه فقولآ إنا رسولا ربك فأرسل معنا بنى إسرءيل } إلى الشام { ولا تعذبهم } أي خل عنهم من استعمالك إياهم في أشغالك الشاقة كالحفر والبناء وحمل الثقيل { قد جئنك بئاية } بحجة { من ربك } على صدقنا بالرسالة { والسلم على من اتبع الهدى } أي السلامة له من العذاب.
[20.48]
{ إنا قد أوحى إلينآ أن العذاب على من كذب } ما جئنا به { وتولى } أعرض عنه، فأتياه وقالا جميع ما ذكر.
[20.49]
{ قال فمن ربكما يموسى }؟ اقتصر عليه لأنه الأصل ولإدلاله عليه بالتربية.
[20.50]
{ قال ربنا الذى أعطى كل شىء } من الخلق { خلقه } الذي هو عليه متميز به عن غيره { ثم هدى } الحيوان منه إلى مطعمه ومشربه ومنكحه وغير ذلك.
[20.51]
{ قال } فرعون { فما بال } حال { القرون } الأمم { الأولى } كقوم نوح وهود ولوط وصالح في عبادتهم الأوثان؟.
[20.52]
{ قال } موسى { علمها } أي علم حالهم محفوظ { عند ربى فى كتب } هو اللوح المحفوظ يجازيهم عليها يوم القيامة { لا يضل } يغيب { ربى } عن شيء { ولا ينسى } ربي شيئا.
[20.53]
هو { الذى جعل لكم } في جملة الخلق { الأرض مهدا } فراشا { وسلك } سهل { لكم فيها سبلا } طرقا { وأنزل من السمآء مآء } مطرا. قال تعالى تتميما لما وصفه به موسى وخطابا لأهل مكة { فأخرجنا به أزوجا } أصنافا { من نبت شتى } صفة (أزواجا) أي مختلفة الألوان والطعوم وغيرهما. و(شتى) جمع (شتيت) كمريض ومرضى، من شت الأمر: تفرق.
[20.54]
{ كلوا } منها { وارعوا أنعمكم } فيها جمع (نعم) وهي الإبل والبقر والغنم، يقال: رعت الأنعام ورعيتها، والأمر للإباحة وتذكير النعمة، والجملة حال من ضمير أخرجنا أي مبيحين لكم الأكل ورعي الأنعام { إن فى ذلك } المذكور هنا { لأيت } لعبرا { لأولى النهى } لأصحاب العقول، جمع (نهية) كغرفة وغرف، سمي به العقل لأنه ينهى صاحبه عن ارتكاب القبائح.
[20.55]
{ منها } أي من الأرض { خلقنكم } بخلق أبيكم آدم منها { وفيها نعيدكم } مقبورين بعد الموت { ومنها نخرجكم } عند البعث { تارة } مرة { أخرى } كما أخرجناكم عند ابتداء خلقكم.
[20.56]
{ ولقد أرينه } أي أبصرنا فرعون { ءايتنا كلها } التسع { فكذب } بها وزعم أنه سحر { وأبى } أن يوحد الله تعالى.
[20.57]
{ قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا } مصر، ويكون لك الملك فيها { بسحرك يموسى }؟.
[20.58]
{ فلنأتينك بسحر مثله } يعارضه { فاجعل بيننا وبينك موعدا } لذلك { لا نخلفه نحن ولآ أنت مكانا } منصوب بنزع الخافض (في) { سوى } بكسر أوله وضمه أي وسطا تستوي إليه مسافة الجائي من الطرفين.
[20.59]
{ قال } موسى { موعدكم يوم الزينة } يوم عيد لهم يتزينون فيه ويجتمعون { وأن يحشر الناس } يجمع أهل مصر { ضحى } وقته للنظر فيما يقع.
[20.60]
{ فتولى فرعون } أدبر { فجمع كيده } أي ذوي كيده من السحرة { ثم أتى } بهم الموعد.
[20.61]
{ قال لهم موسى } وهم اثنان وسبعون مع كل واحد حبل وعصا { ويلكم } أي ألزمكم الله الويل { لا تفتروا على الله كذبا } بإشراك أحد معه { فيسحتكم } بضم الياء وكسر الحاء وبفتحهما أي يهلككم. { بعذاب } من عنده { وقد خاب } خسر { من افترى } كذب على الله.
[20.62]
{ فتنزعوا أمرهم بينهم } في موسى وأخيه { وأسروا النجوى } أي الكلام بينهم فيهما.
[20.63]
{ قالوا } لأنفسهم { إن هذان } لأبي عمرو ولغيره هذين وهو موافق للغة من يأتي في المثنى بالألف في أحواله الثلاث { لسحرن يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى } مؤنث أمثل بمعنى أشرف أي بأشرافكم بميلهم إليهما لغلبتهما.
[20.64]
{ فاجمعوا كيدكم } من السحر، بهمزة وصل وفتح الميم من «جمع» أي لم. وبهمزة قطع وكسر الميم من «أجمع»: أحكم { ثم ائتوا صفا } حال: أي مصطفين { وقد أفلح } فاز { اليوم من استعلى } غلب.
[20.65]
{ قالوا يموسى } اختر { إمآ أن تلقى } عصاك أي أولا { وإمآ أن نكون أول من ألقى } عصاه.
[20.66]
{ قال بل ألقوا } فألقوا { فإذا حبالهم وعصيهم } أصله «عصوو» و قلبت الواوان ياءين وكسرت العين والصاد { يخيل إليه من سحرهم أنها } حيات { تسعى } على بطونها.
[20.67]
{ فأوجس } أحس { فى نفسه خيفة موسى } أي خاف من جهة أن سحرهم من جنس معجزاته أن يلتبس أمره على الناس فلا يؤمنوا به.
[20.68]
{ قلنا } له { لا تخف إنك أنت الأعلى } عليهم بالغلبة.
[20.69]
{ وألق ما فى يمينك } وهي عصاه { تلقف } تبتلع { ما صنعوا إنما صنعوا كيد سحر } أي جنسه { ولا يفلح الساحر حيث أتى } بسحره، فألقى موسى عصاه فتلقفت كل ما صنعوه.
[20.70]
{ فألقى السحرة سجدا } خروا ساجدين لله تعالى { قالوا ءامنا برب هرون وموسى }.
[20.71]
{ قال } فرعون { ءامنتم } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا { له قبل أن ءاذن } أنا { لكم إنه لكبيركم } معلمكم { الذى علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف } حال بمعنى مختلفة أي الأيدي اليمنى والأرجل اليسرى { ولأصلبنكم فى جذوع النخل } أي عليها { ولتعلمن أينآ } يعني نفسه ورب موسى { أشد عذابا وأبقى } أدوم على مخالفته.
[20.72]
{ قالوا لن نؤثرك } نختارك { على ما جآءنا من البينت } الدالة على صدق موسى { والذى فطرنا } خلقنا، قسم أو عطف على ما { فاقض مآ أنت قاض } أي اصنع ما قلته { إنما تقضي هذه الحيوة الدنيآ } النصب على الاتساع أي فيها وتجزى عليه في الآخرة.
[20.73]
{ إنآ ءامنا بربنا ليغفر لنا خطينا } من الإشراك وغيره { ومآ أكرهتنا عليه من السحر } تعلما وعملا لمعارضة موسى { والله خير } منك ثوابا إذا أطيع { وأبقى } منك عذابا إذا عصي.
[20.74]
قال تعالى { إنه من يأت ربه مجرما } كافرا كفرعون { فإن له } نار { جهنم لا يموت فيها } فيستريح { ولا يحيا } حياة تنفعه.
[20.75]
{ ومن يأته مؤمنا قد عمل الصلحت } الفرائض والنوافل { فأولئك لهم الدرجت العلى } جمع «عليا» مؤنث (أعلى).
[20.76]
{ جنت عدن } أي إقامة بيان له { تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها وذلك جزآء من تزكى } تطهر من الذنوب.
[20.77]
{ ولقد أوحينآ إلى موسى أن أسر بعبادى } بهمزة قطع من «أسرى» وبهمزة وصل وكسر النون من «سرى» لغتان أي سر بهم ليلا من أرض مصر { فاضرب } اجعل { لهم } بالضرب بعصاك { طريقا فى البحر يبسا } أي يابسا فامتثل ما أمر به وأيبس الله الأرض فمروا فيها { لا تخف دركا } أي أن يدركك فرعون { ولا تخشى } غرقا.
[20.78]
{ فأتبعهم فرعون بجنوده } وهو معهم { فغشيهم من اليم } أي البحر { ما غشيهم } فأغرقهم معه.
[20.79]
{ وأضل فرعون قومه } بدعائهم إلى عبادته { وما هدى } بل أوقعهم في الهلاك، خلاف قوله
وما أهديكم إلا سبيل الرشاد
[29:40].
[20.80]
{ يبنى إسرءيل قد أنجينكم من عدوكم } فرعون بإغراقه { ووعدنكم جانب الطور الأيمن } فنؤتي موسى التوراة للعمل بها { ونزلنا عليكم المن والسلوى } هما (الترنجبين) و(الطير السماني) بتخفيف الميم والقصر، والمنادى من وجد من اليهود زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وخوطبوا بما أنعم الله به على أجدادهم زمن النبي موسى توطئة لقوله تعالى لهم:
[20.81]
{ كلوا من طيبت ما رزقنكم } أي المنعم به عليكم { ولا تطغوا فيه } بأن تكفروا النعمة به { فيحل عليكم غضبى } بكسر الحاء: أي يجب، وبضمها: أي ينزل { ومن يحلل عليه غضبى } بكسر اللام وضمها { فقد هوى } سقط في النار.
[20.82]
{ وإنى لغفار لمن تاب } من الشرك { وءامن } وحد الله { وعمل صلحا } يصدق بالفرض والنفل { ثم اهتدى } باستمراره على ما ذكر إلى موته.
[20.83]
{ ومآ أعجلك عن قومك } لمجيء ميعاد أخذ التوراة { يموسى }؟.
[20.84]
{ قال هم أولآء } أي بالقرب مني، يأتون { على أثرى وعجلت إليك رب لترضى } عني: أي زيادة في رضاك وقبل الجواب أتى بالاعتذار بحسب ظنه.
[20.85]
وتخلف المظنون لما { قال } تعالى { فإنا قد فتنا قومك من بعدك } أي بعد فراقك لهم { وأضلهم السامرى } فعبدوا العجل.
[20.86]
{ فرجع موسى إلى قومه غضبن } من جهتهم { أسفا } شديد الحزن { قال يقوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا } أي صدقا أنه يعطيكم التوراة؟ { أفطال عليكم العهد } مدة مفارقتي إياكم { أم أردتم أن يحل } يجب { عليكم غضب من ربكم } بعبادتكم العجل { فأخلفتم موعدى } وتركتم المجيء بعدي؟.
[20.87]
{ قالوا مآ أخلفنا موعدك بملكنا } مثلث الميم أي بقدرتنا أو أمرنا { ولكنا حملنآ } بفتح الحاء مخففا، وبضمها وكسر الميم مشددا { أوزارا } أثقالا { من زينة القوم } أي حلي قوم فرعون استعارها منهم بنو إسرائيل بعلة عرس فبقيت عندهم { فقذفنها } طرحناها في النار بأمر السامري { فكذلك } كما ألقينا { ألقى السامرى } ما معه من حليهم ومن التراب الذي أخذه من أثر حافر فرس جبريل على الوجه الآتي.
[20.88]
{ فأخرج لهم عجلا } صاغه من الحلي { جسدا } لحما ودما { له خوار } أي صوت يسمع أي انقلب كذلك بسبب التراب الذي أثره الحياة فيما يوضع فيه، ووضعه بعد صوغه في فمه { فقالوا } أي السامري وأتباعه { هذآ إلهكم وإله موسى فنسى } موسى ربه هنا وذهب يطلبه.
[20.89]
قال تعالى: { أفلا يرون أ } ن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي أنه { لا يرجع } العجل { إليهم قولا } أي لا يرد لهم جوابا؟ { ولا يملك لهم ضرا } أي دفعه { ولا نفعا } أي جلبه أي فكيف يتخذ إلها؟.
[20.90]
{ ولقد قال لهم هرون من قبل } أي قبل أن يرجع موسى { يقوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعونى } في عبادته { وأطيعوا أمرى } فيها.
[20.91]
{ قالوا لن نبرح } نزال { عليه عكفين } على عبادته مقيمين { حتى يرجع إلينا موسى }.
[20.92]
{ قال } موسى بعد رجوعه { يهرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا } بعبادته.
[20.93]
{ أ } ن { لا تتبعن } لا زائدة { أفعصيت أمرى } بإقامتك بين من يعبد غير الله تعالى؟.
[20.94]
{ قال } هرون { يبنؤم } بكسر الميم وفتحها أراد أمي، وذكرها أعطف لقلبه { لا تأخذ بلحيتى } وكان أخذها بشماله { ولا برأسى } وكان أخذ شعره بيمينه غضبا { إنى خشيت } لو اتبعتك ولا بد أن يتبعني جمع ممن لم يعبدوا العجل { أن تقول فرقت بين بنى إسرءيل } وتغضب علي { ولم ترقب } تنتظر { قولي } فيما رأيته في ذلك.
[20.95]
{ قال فما خطبك } فما شأنك الداعي إلى ما صنعت { يسمري }؟.
[20.96]
{ قال بصرت بما لم يبصروا به } بالياء والتاء أي علمت ما لم يعلموه { فقبضت قبضة من } تراب { أثر } حافر فرس { الرسول } جبريل { فنبذتها } ألقيتها في صورة العجل المصاغ { وكذلك سولت } زينت { لى نفسى } ألقي فيها أن آخذ قبضة من تراب ما ذكر وألقيها على ما لا روح له يصير له روح، ورأيت قومك طلبوا منك أن تجعل لهم إلها فحدثتني نفسي أن يكون ذلك العجل إلههم.
[20.97]
{ قال } له موسى { فاذهب } من بيننا { فإن لك فى الحيوة } أي مدة حياتك { أن تقول } لمن رأيته { لا مساس } أي لا تقربني، فكان يهيم في البرية وإذا مس أحدا أو مسه أحد حما جميعا { وإن لك موعدا } لعذابك { لن تخلفه } بكسر اللام: أي لن تغيب عنه، وبفتحها أي بل تبعث إليه { وانظر إلى إلهك الذى ظلت } أصله ظللت بلامين أولاهما مكسورة وحذفت تخفيفا أي دمت { عليه عاكفا } أي مقيما تعبده { لنحرقنه } بالنار { ثم لننسفنه فى اليم نسفا } نذرينه في هواء البحر، وفعل موسى بعد ذبحه ما ذكره.
[20.98]
{ إنمآ إلهكم الله الذى لآ إله إلا هو وسع كل شىء علما } تمييز محول عن الفاعل أي وسع علمه كل شيء.
[20.99]
{ كذلك } أي كما قصصنا عليك يا محمد هذه القصة { نقص عليك من أنبآء } أخبار { ما قد سبق } من الأمم { وقد ءاتينك } أعطيناك { من لدنا } من عندنا { ذكرا } قرآنا.
[20.100]
{ من أعرض عنه } فلم يؤمن به { فإنه يحمل يوم القيمة وزرا } حملا ثقيلا من الإثم.
[20.101]
{ خلدين فيه } أي في عذاب الوزر { وسآء لهم يوم القيمة حملا } تمييز مفسر للضمير في «ساء» والمخصوص بالذم محذوف تقديره وزرهم، واللام للبيان ويبدل من يوم القيامة.
[20.102]
{ يوم ينفخ فى الصور } القرن، النفخة الثانية. { ونحشر المجرمين } الكافرين { يومئذ زرقا } عيونهم مع سواد وجوههم.
[20.103]
{ يتخفتون بينهم } يتسارون { إن } ما { لبثتم } في الدنيا { إلا عشرا } من الليالي بأيامها.
[20.104]
{ نحن أعلم بما يقولون } في ذلك: أي ليس كما قالوا { إذ يقول أمثلهم } أعدلهم { طريقة } فيه { إن لبثتم إلا يوما } يستقلون لبثهم في الدنيا جدا لما يعاينونه في الآخرة من أهوالها.
[20.105]
{ ويسئلونك عن الجبال } كيف تكون يوم القيامة؟ { فقل } لهم { ينسفها ربى نسفا } بأن يفتتها كالرمل السائل ثم يطيرها بالرياح.
[20.106]
{ فيذرها قاعا } منبسطا { صفصفا } مستويا.
[20.107]
{ لا ترى فيها عوجا } انخفاضا { ولآ أمتا } ارتفاعا.
[20.108]
{ يومئذ } أي يوم إذ نسفت الجبال { يتبعون } أي الناس بعد القيام من القبور { الداعى } إلى المحشر بصوته وهو إسرافيل، يقول: (هلموا إلى عرض الرحمن) { لا عوج له } أي لاتباعهم: أي لا يقدرون أن لا يتبعوا { وخشعت } سكنت { الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } صوت وطء الأقدام في نقلها إلى المحشر كصوت أخفاف الإبل في مشيها.
[20.109]
{ يومئذ لا تنفع الشفعة } أحدا { إلا من أذن له الرحمن } أن يشفع له { ورضى له قولا } بأن يقول: لا إله إلا الله.
[20.110]
{ يعلم ما بين أيديهم } من أمور الآخرة { وما خلفهم } من أمور الدنيا { ولا يحيطون به علما } لا يعلمون ذلك.
[20.111]
{ وعنت الوجوه } خضعت { للحى القيوم } أي الله { وقد خاب } خسر { من حمل ظلما } أي شركا.
[20.112]
{ ومن يعمل من الصلحت } الطاعات { وهو مؤمن فلا يخاف ظلما } بزيادة في سيئاته { ولا هضما } بنقص من حسناته.
[20.113]
{ وكذلك } معطوف على «كذلك نقص» أي: مثل إنزال ما ذكر { أنزلنه } أي القرآن { قرءانا عربيا وصرفنا } كررنا { فيه من الوعيد لعلهم يتقون } الشرك { أو يحدث } القرآن { لهم ذكرا } بهلاك من تقدمهم من الأمم فيعتبرون.
[20.114]
{ فتعلى الله الملك الحق } عما يقول المشركون { ولا تعجل بالقرءان } بقراءته { من قبل إن يقضى إليك وحيه } أي يفرغ جبريل من إبلاغه { وقل رب زدنى علما } أي بالقرآن، فكلما أنزل عليه شيء منه زاد به علمه.
[20.115]
{ ولقد عهدنآ إلى ءادم } وصيناه أن لا يأكل من الشجرة { من قبل } أي قبل أكله منها { فنسى } ترك عهدنا { ولم نجد له عزما } حزما وصبرا عما نهيناه عنه.
[20.116]
{ و } اذكر { إذ قلنا للملئكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس } وهو أبو الجن كان يصحب الملائكة ويعبد الله معهم { أبى } عن السجود لآدم. فقال: (أنا خير منه).
[20.117]
{ فقلنا يئادم إن هذا عدو لك ولزوجك } حواء بالمد { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } تتعب بالحرث والزرع والحصد والطحن والخبز وغير ذلك، واقتصر على شقائه لأن الرجل يسعى على زوجته.
[20.118]
{ إن لك أ } ن { لا تجوع فيها ولا تعرى }.
[20.119]
{ وأنك } بفتح الهمزة وكسرها عطف على اسم «إن» وجملتها { لا تظمؤا فيها } تعطش { ولا تضحى } لا يحصل لك حر شمس الضحى لانتفاء الشمس في الجنة.
[20.120]
{ فوسوس إليه الشيطن قال يئادم هل أدلك على شجرة الخلد } أي التي يخلد من يأكل منها { وملك لا يبلى } لا يفنى؟ وهو لازم الخلد.
[20.121]
{ فأكلا } أي آدم وحواء { منها فبدت لهما سوءتهما } أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره، وسمي كل منهما سوأة لأن انكشافه يسوء صاحبه { وطفقا يخصفان } أخذا يلزقان { عليهما من ورق الجنة } ليستترا به { وعصى ءادم ربه فغوى } بالأكل من الشجرة.
[20.122]
{ ثم اجتبه ربه } قربه { فتاب عليه } قبل توبته { وهدى } أي هداه إلى المداومة على التوبة.
[20.123]
{ قال اهبطا } أي آدم وحواء بما اشتملتما عليه من ذريتكما { منها } من الجنة { جميعا بعضكم } بعض الذرية { لبعض عدو } من ظلم بعضهم بعضا { فإما } فيه إدغام نون «إن» الشرطية في «ما» المزيدة { يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى } أي القرآن { فلا يضل } في الدنيا { ولا يشقى } في الآخرة.
[20.124]
{ ومن أعرض عن ذكرى } أي القرآن فلم يؤمن به { فإن له معيشة ضنكا } بالتنوين مصدر بمعنى ضيقة، وفسرت في حديث بعذاب الكافر في قبره { ونحشره } أي المعرض عن القرآن { يوم القيمة أعمى } أي أعمى البصر.
[20.125]
{ قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا } في الدنيا وعند البعث؟.
[20.126]
{ قال } الأمر { كذلك أتتك ءايتنا فنسيتها } تركتها ولم تؤمن بها { وكذلك } مثل نسيانك آياتنا { اليوم تنسى } تترك في النار.
[20.127]
{ وكذلك } ومثل جزائنا من أعرض عن القرآن { نجزى من أسرف } أشرك { ولم يؤمن بئايت ربه ولعذاب الاخرة أشد } من عذاب الدنيا وعذاب القبر { وأبقى } أدوم.
[20.128]
{ أفلم يهد } يتبين { لهم } لكفار مكة { كم } خبرية مفعول { أهلكنا } أي كثيرا إهلاكنا { قبلهم من القرون } أي الأمم الماضية بتكذيب الرسل { يمشون } حال من ضمير لهم { فى مسكنهم } في سفرهم إلى الشام وغيرها فيعتبروا؟ وما ذكر من أخذ «إهلاك» من فعله الخالي عن حرف مصدري لرعاية المعنى لا مانع منه { إن فى ذلك لأيت } لعبرا { لأولى النهى } لذوي العقول.
[20.129]
{ ولولا كلمة سبقت من ربك } لتأخير العذاب عنهم إلى الآخرة { لكان } الإهلاك { لزاما } لازما لهم في الدنيا { وأجل مسمى } مضروب لهم معطوف على الضمير المستتر في «كان» وقام الفصل بخبرها مقام التأكيد.
[20.130]
{ فاصبر على ما يقولون } منسوخ بآية القتال [5:9] { وسبح } صل { بحمد ربك } حال: أي متلبسا به { قبل طلوع الشمس } صلاة الصبح { وقبل غروبها } صلاة العصر { ومن ءانآئ اليل } ساعاته { فسبح } صل المغرب والعشاء { وأطراف النهار } عطف على محل «آناء» المنصوب أي صل الظهر لأن وقتها يدخل بزوال الشمس، فهو طرف النصف الأول وطرف النصف الثاني { لعلك ترضى } بما تعطى من الثواب.
[20.131]
{ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزوجا } أصنافا { منهم زهرة الحيوة الدنيا } زينتها وبهجتها { لنفتنهم فيه } بأن يطغوا { ورزق ربك } في الجنة { خير } مما أوتوه في الدنيا { وأبقى } أدوم.
[20.132]
{ وأمر أهلك بالصلوة واصطبر } اصبر { عليها لا نسئلك } نكلفك { رزقا } لنفسك ولا لغيرك { نحن نرزقك والعقبة } الجنة { للتقوى } لأهلها.
[20.133]
{ وقالوا } أي المشركون { لولا } هلا { يأتينا } محمد { بئاية من ربه } مما يقترحونه؟ { أو لم تأتهم } بالتاء والياء { بينة } بيان { ما فى الصحف الأولى } المشتمل عليه القرآن من أنباء الأمم الماضية وإهلاكهم بتكذيب الرسل.
[20.134]
{ ولو أنآ أهلكنهم بعذاب من قبله } قبل محمد الرسول { لقالوا } يوم القيامة { ربنا لولآ } هلا { أرسلت إلينا رسولا فنتبع ءايتك } المرسل بها { من قبل أن نذل } في القيامة { ونخزى } في جهنم؟.
[20.135]
{ قل } لهم { كل } منا ومنكم { متربص } منتظر ما يؤول إليه الأمر { فتربصوا فستعلمون } في القيامة { من أصحب الصرط } الطريق { السوى } المستقيم { ومن اهتدى } من الضلالة أنحن أم أنتم؟.
[21 - سورة الأنبياء]
[21.1]
{ اقترب } قرب { للناس } أهل مكة منكري البعث { حسابهم } يوم القيامة { وهم فى غفلة } عنه { معرضون } عن التأهب له بالإيمان.
[21.2]
{ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } شيئا فشيئا أي لفظ قرآن { إلا استمعوه وهم يلعبون } يستهزؤون.
[21.3]
{ لاهية } غافلة { قلوبهم } عن معناه { وأسروا النجوى } أي الكلام { الذين ظلموا } بدل من واو { هل هذا } أي محمد صلى الله عليه وسلم { إلا بشر مثلكم } فما يأتي به سحر. { أفتأتون السحر } تتبعونه { وأنتم تبصرون } تعلمون أنه سحر؟
[21.4]
{ قال } لهم { ربى يعلم القول } كائنا { فى السمآء والأرض وهو السميع } لما أسروه { العليم } به.
[21.5]
{ بل } للانتقال من غرض إلى آخر في المواضع الثلاثة { قالوا } فيما أتى به من القرآن هو { أضغث أحلام } أخلاط رآها في النوم { بل افتراه } اختلقه { بل هو شاعر } فما أتى به شعر { فليأتنا بئاية كمآ أرسل الأولون } كالناقة والعصا واليد.
[21.6]
قال تعالى: { مآ ءامنت قبلهم من قرية } أي أهلها { أهلكنها } بتكذيبها ما أتاها من الآيات { أفهم يؤمنون }؟ لا.
[21.7]
{ ومآ أرسلنا قبلك إلا رجالايوحي } وفي قراءة (نوحى) بالنون وكسر الحاء { إليهم } لا ملائكة { فاسألوا أهل الذكر } العلماء بالتوراة والإنجيل { إن كنتم لا تعلمون } ذلك فإنهم يعلمونه، وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم.
[21.8]
{ وما جعلنهم } أي الرسل { جسدا } بمعنى أجسادا { لا يأكلون الطعام } بل يأكلونه { وما كانوا خلدين } في الدنيا.
[21.9]
{ ثم صدقنهم الوعد } بإنجائهم { فأنجينهم ومن نشآء } أي المصدقين لهم { وأهلكنا المسرفين } المكذبين لهم.
[21.10]
{ لقد أنزلنآ إليكم } يا معشر قريش { كتبا فيه ذكركم } لأنه بلغتكم { أفلا تعقلون } فتؤمنون به.
[21.11]
{ وكم قصمنا } أهلكنا { من قرية } أي أهلها { كانت ظلمة } كافرة { وأنشأنا بعدها قوما ءاخرين }.
[21.12]
{ فلما أحسوا بأسنآ } أي شعر أهل القرية بالإهلاك { إذا هم منها يركضون } يهربون مسرعين.
[21.13]
فقالت لهم الملائكة استهزاء { لا تركضوا وارجعوا إلى مآ أترفتم } نعمتم { فيه ومسكنكم لعلكم تسألون } شيئا من دنياكم على العادة.
[21.14]
{ قالوا يا } للتنبيه { ويلنا } هلاكنا { إنا كنا ظلمين } بالكفر.
[21.15]
{ فما زالت تلك } الكلمات { دعواهم } يدعون بها ويرددونها { حتى جعلنهم حصيدا } أي كالزرع المحصود بالمناجل بأن قتلوا بالسيف { خمدين } ميتين كخمود النار إذا طفئت.
[21.16]
{ وما خلقنا السمآء والأرض وما بينهما لاعبين } عابثين، بل دالين على قدرتنا ونافعين عبادنا.
[21.17]
{ لو أردنآ أن نتخذ لهوا } ما يلهى به من زوجة أو ولد { لاتخذنه من لدنآ } من عندنا من الحور العين والملائكة { إن كنا فعلين } ذلك، لكنا لم نفعله فلم نرده.
[21.18]
{ بل نقذف } نرمي { بالحق } بالإيمان { على البطل } الكفر { فيدمغه } يذهبه { فإذا هو زاهق } ذاهب، ودمغه في الأصل: أصاب دماغه بالضرب، وهو مقتل { ولكم } يا كفار مكة { الويل } العذاب الشديد { مما تصفون } الله به من الزوجة أو الولد.
[21.19]
{ وله } تعالى { من فى السموات والأرض } ملكا { ومن عنده } أي الملائكة، مبتدأ خبره { لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون } لا يعيون.
[21.20]
{ يسبحون الليل والنهار لا يفترون } عنه فهو منهم كالنفس منا لا يشغلنا عنه شاغل.
[21.21]
{ أم } بمعنى بل للانتقال وهمزة الإنكار { اتخذوا ءالهة } كائنة { من الأرض } كحجر وذهب وفضة { هم } أي الآلهة { ينشرون } أي يحيون الموتى؟ لا، ولا يكون إلها إلا من يحيي الموتى.
[21.22]
{ لو كان فيهمآ } أي السموات والأرض { ءالهة إلا الله } أي غيره { لفسدتا } أي خرجتا عن نظامهما المشاهد، لوجود التمانع بينهم على وفق العادة عند تعدد الحاكم من التمانع في الشيء وعدم الاتفاق عليه { فسبحن } تنزيه { الله رب } خالق { العرش } الكرسي { عما يصفون } أي الكفار الله به من الشريك له وغيره.
[21.23]
{ لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون } عن أفعالهم.
[21.24]
{ أم اتخذوا من دونه } تعالى: أي سواه { ءالهة }؟ فيه استفهام توبيخ { قل هاتوا برهنكم } على ذلك ولا سبيل إليه { هذا ذكر من معى } أي أمتي وهو القرآن { وذكر من قبلى } من الأمم وهو التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله، ليس في واحد منها أن مع الله إلها مما قالوا، تعالى عن ذلك { بل أكثرهم لا يعلمون الحق } أي توحيد الله { فهم معرضون } عن النظر الموصل إليه.
[21.25]
{ ومآ أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى } وفي قراءة(نوحي) بالنون وكسر الحاء { إليه أنه لآ إله إلا أنا فاعبدون } أي وحدوني.
[21.26]
{ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا } من الملائكة { سبحانه بل } هم { عباد مكرمون } عنده والعبودية تنافى الولادة.
[21.27]
{ لا يسبقونه بالقول } لا يأتون بقولهم إلا بعد قوله { وهم بأمره يعملون } أي بعده.
[21.28]
{ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } أي ما عملوا وما هم عاملون { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } تعالى أن يشفع له { وهم من خشيته } تعالى { مشفقون } أي خائفون.
[21.29]
{ ومن يقل منهم إنى إله من دونه } أي الله: أي غيره، وهو إبليس دعا إلى عبادة نفسه وأمر بطاعتها { فذلك نجزيه جهنم كذلك } كما نجزيه { نجزى الظلمين } أي المشركين.
[21.30]
{ أولم } بواو وتركها { ير } يعلم { الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا } سدا بمعنى مسدودة { ففتقنهما } جعلنا السماء سبعا والأرض سبعا أوفتق السماء أن كانت لا تمطر فأمطرت، وفتق الأرض: إن كانت لا تنبت فأنبتت { وجعلنا من المآء } النازل من السماء والنابع من الأرض { كل شىء حى } من نبات وغيره: أي فالماء سبب لحياته { أفلا يؤمنون } بتوحيدي؟
[21.31]
{ وجعلنا فى الأرض رواسى } جبالا ثوابت ل { أن } لا { تميد } تتحرك { بهم وجعلنا فيها } أي الرواسي { فجاجا } مسالك { سبلا } بدل طرقا نافذة واسعة { لعلهم يهتدون } إلى مقاصدهم في الأسفار.
[21.32]
{ وجعلنا السمآء سقفا } للأرض كالسقف للبيت { محفوظا } عن الوقوع { وهم عن ءايتها } من الشمس والقمر والنجوم { معرضون } لا يتفكرون فيها فيعلمون أن خالقها لا شريك له.
[21.33]
{ وهو الذى خلق اليل والنهر والشمس والقمر كل } تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر وتابعه وهو النجوم { فى فلك } مستدير كالطاحونة في السماء { يسبحون } يسيرون بسرعة كالسابح في الماء، وللتشبيه به أتى بضمير جمع من يعقل.
[21.34]
ونزل لما قال الكفار: إن محمدا صلى الله عليه وسلم سيموت { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } البقاء في الدنيا { وما جعلنا لبشر من } فيها؟ لا، فالجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري.
[21.35]
{ كل نفس ذائقة الموت } في الدنيا { ونبلوكم } نختبركم { بالشر والخير } كفقر وغنى وسقم وصحة { فتنة } مفعول له أي لننظر، أتصبرون وتشكرون، أو لا؟ { وإلينا ترجعون }.
[21.36]
{ وإذا راك الذين كفروا إن } ما { يتخذونك إلا هزوا } أي مهزوءا به، يقولون { أهذا الذى يذكر الهتكم } أي يعيبها { وهم بذكر الرحمن } لهم { هم } تأكيد { كفرون } به إذ قالوا ما نعرفه.
[21.37]
ونزل في استعجالهم العذاب { خلق الإنسان من عجل } أي إنه لكثرة عجله في أحواله كأنه خلق منه { عن ءايتي } مواعيدي بالعذاب { فلا تستعجلون } فيه، فأراهم القتل ببدر.
[21.38]
{ ويقولون متى هذا الوعد } بالقيامة { إن كنتم صدقين } فيه.
[21.39]
قال تعالى { لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون } يدفعون { عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون } يمنعون منها في القيامة، وجواب «لو» ما قالوا ذلك.
[21.40]
{ بل تأتيهم } القيامة { بغتة فتبهتهم } تحيرهم { فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون } يمهلون لتوبة أو معذرة.
[21.41]
{ ولقد استهزىء برسل من قبلك } فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم { فحاق } نزل { بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون } وهو العذاب، فكذا يحيق بمن استهزأ بك.
[21.42]
{ قل } لهم { من يكلؤكم } يحفظكم { باليل والنهار من الرحمن } من عذابه إن نزل بكم، أي:لا أحد يفعل ذلك، والمخاطبون لا يخافون عذاب الله لإنكارهم له { بل هم عن ذكر ربهم } أي القرآن { معرضون } لا يتفكرون فيه.
[21.43]
{ أم } فيها معنى الهمزة للإنكار، أي: أ { لهم ءالهة تمنعهم } مما يسوؤهم { من دوننا } أي ألهم من يمنعهم منه غيرنا؟ لا { لا يستطيعون } أي الآلهة { نصر أنفسهم } فلا ينصرونهم { ولا هم } أي الكفار { منا } من عذابنا { يصحبون } يجارون، يقال: (صحبك الله) أي: حفظك وأجارك.
[21.44]
{ بل متعنا هؤلآء وءابآءهم } بما أنعمنا عليهم { حتى طال عليهم العمر } فاغتروا بذلك { أفلا يرون أنا نأتى الأض } نقصد أرضهم { ننقصها من أطرافها } بالفتح على النبي صلى الله عليه وسلم { أفهم الغلبون }؟لا، بل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
[21.45]
{ قل } لهم { إنمآ أنذركم بالوحى } من الله لا من قبل نفسي { ولا يسمع الصم الدعآء إذا } بتحقيق الهمزتين، وتسهيل الثانية بينها وبين الياء { ما ينذرون } هم لتركهم العمل بما سمعوه من الإنذار كالصم.
[21.46]
{ ولئن مستهم نفحة } وقعة خفيفة { من عذاب ربك ليقولن يويلنا } للتنبيه { ويلنآ } هلاكنا { إنا كنا ظلمين } بالإشراك وتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم.
[21.47]
{ ونضع الموزين القسط } ذوات العدل { ليوم القيمة } أي فيه { فلا تظلم نفس شيئا } من نقص حسنة أو زيادة سيئة { وإن كان } العمل { مثقال } زنة { حبة من خردل أتينا بها } أي بموزونها { وكفى بنا حسبين } محصين كل شيء.
[21.48]
{ ولقد ءاتينا موسى وهرون الفرقان } أي التوراة الفارقة بين الحق والباطل والحلال والحرام { وضيآء } بها { وذكرا } أي عظة بها { للمتقين }.
[21.49]
{ الذين يخشون ربهم بالغيب } عن الناس أي في الخلاء عنهم { وهم من الساعة } أي أهوالها { مشفقون } أي خائفون.
[21.50]
{ وهذا } أي القرآن { ذكر مبارك أنزلنه أفأنتم له منكرون }؟الاستفهام فيه للتوبيخ.
[21.51]
{ ولقد ءاتينآ إبرهيم رشده من قبل } أي هداه قبل بلوغه { وكنا به علمين } أي بأنه أهل لذلك.
[21.52]
{ إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التمثيل } الأصنام { التى أنتم لها عكفون } أي على عبادتها مقيمون؟.
[21.53]
{ قالوا وجدنآ ءاباءنا لها عبدين } فاقتدينا بهم.
[21.54]
{ قال } لهم { لقد كنتم أنتم وءابآؤكم } بعبادتها { فى ضلل مبين } بين.
[21.55]
{ قالوا أجئتنا بالحق } في قولك هذا { أم أنت من اللعبين } فيه؟.
[21.56]
{ قال بل ربكم } المستحق للعبادة { رب } مالك { السموات والأرض الذى فطرهن } خلقهن على غير مثال سبق { وأنا على ذلكم } الذي قلته { من الشهدين } به.
[21.57]
{ وتالله لأكيدن أصنمكم بعد أن تولوا مدبرين }.
[21.58]
{ فجعلهم } بعد ذهابهم إلى مجتمعهم في يوم عيد لهم { جذاذا } بضم الجيم وكسرها: فتاتا بفأس { إلا كبيرا لهم } علق الفأس في عنقه { لعلهم إليه } أي إلى الكبير { يرجعون } فيروا ما فعل بغيره.
[21.59]
{ قالوا } بعد رجوعهم ورؤيتهم ما فعل { من فعل هذا بئالهتنآ إنه لمن الظلمين } فيه.
[21.60]
{ قالوا } أي بعضهم لبعض { سمعنا فتى يذكرهم } أي يعيبهم { يقال له إبرهيم }.
[21.61]
{ قالوا فأتوا به على أعين الناس } أي ظاهرا { لعلهم يشهدون } عليه أنه الفاعل.
[21.62]
{ قالوا } له بعد إتيانه { ءأنت } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه { فعلت هذا بئالهتنا يإبرهيم }.
[21.63]
{ قال } ساكتا عن فعله { بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم } عن فاعله { إن كانوا ينطقون } فيه تقديم جواب الشرط، وفيما قبله تعريض لهم بأن الصنم المعلوم عجزه عن الفعل لا يكون إلها.
[21.64]
{ فرجعوا إلى أنفسهم } بالتفكر { فقالوا } لأنفسهم { إنكم أنتم الظلمون } أي بعبادتكم من لا ينطق.
[21.65]
{ ثم نكسوا } من الله { على رؤوسهم } أي ردوا إلى كفرهم وقالوا: والله { لقد علمت ما هؤلآء ينطقون } أي فكيف تأمرنا بسؤالهم؟.
[21.66]
{ قال أفتعبدون من دون الله } أي بدله { ما لا ينفعكم شيئا } من رزق وغيره { ولا يضركم } شيئا إذا لم تعبدوه؟
[21.67]
{ أف } بكسر الفاء وفتحها بمعنى مصدر أي نتنا وقبحا { لكم ولما تعبدون من دون الله } أي غيره { أفلا تعقلون } أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة ولا تصلح لها، وإنما يستحقها الله تعالى.
[21.68]
{ قالوا حرقوه } أي إبراهيم { وانصروا ءالهتكم } أي بتحريقه { إن كنتم فعلين } نصرتها، فجمعوا له الحطب الكثير وأضرموا النار في جميعه وأوثقوا إبراهيم وجعلوه في منجنيق ورموه في النار.
[21.69]
قال تعالى: { قلنا ي نار كونى بردا وسلما على إبرهيم } فلم تحرق منه غير وثاقه، وذهبت حرارتها وبقيت إضاءتها وبقوله «وسلاما» سلم من الموت ببردها.
[21.70]
{ وأرادوا به كيدا } وهو التحريق { فجعلنهم الأخسرين } في مرادهم.
[21.71]
{ ونجينه ولوطا } ابن أخيه (هاران) من العراق { إلى الأرض التى باركنا فيها للعلمين } بكثرة الأنهار والأشجار وهي الشام، نزل إبراهيم بفلسطين ولوط بالمؤتفكة وبينهما يوم.
[21.72]
{ ووهبنا له } أي لإبراهيم وكان سأل ولدا كما ذكر في( الصافات) [ 100:37 - 101 ] { إسحق ويعقوب نافلة } أي زيادة على المسؤول، أو هو ولد الولد { وكلا } أي هو وولداه { جعلنا صلحين } أنبياء.
[21.73]
{ وجعلنهم أئمة } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء يقتدى بهم في الخير { يهدون } الناس { بأمرنا } إلى ديننا { وأوحينآ إليهم فعل الخيرت وإقام الصلوة وإيتآء الزكوة } أي أن تفعل وتقام وتؤتى منهم ومن أتباعهم، وحذف هاء (إقامة) تخفيف { وكانوا لنا عبدين }.
[21.74]
{ ولوطا ءاتينه حكما } فصلا بين الخصوم { وعلما ونجينه من القرية التى كانت تعمل } أي أهلها الأعمال { الخبئث } من اللواط والرمي بالبندق واللعب بالطيور وغير ذلك { إنهم كانوا قوم سوء } مصدر ساءه نقيض سره { فسقين }.
[21.75]
{ وأدخلنه فى رحمتنآ } بأن أنجيناه من قومه { إنه من الصلحين }.
[21.76]
{ و } اذكر { نوحا } وما بعده بدل منه { إذ نادى } دعا على قومه بقوله
رب لا تذر
[26:71].... الخ { من قبل } أي قبل إبراهيم ولوط { فاستجبنا له فنجينه وأهله } الذين في سفينته { من الكرب العظيم } أي الغرق وتكذيب قومه له.
[21.77]
{ ونصرنه } منعناه { من القوم الذين كذبوا بئايتنا } الدالة على رسالته أن لا يصلوا إليه بسوء { إنهم كانوا قوم سوء فأغرقنهم أجمعين }.
[21.78]
{ و } اذكر { داوود وسليمن } أي قصتهما، ويبدل منهما { إذ يحكمان فى الحرث } هو زرع أو كرم { إذ نفشت فيه غنم القوم } أي رعته ليلا بلا راع بأن انفلتت { وكنا لحكمهم شهدين } فيه استعمال ضمير الجمع لاثنين. قال داود: لصاحب الحرث رقاب الغنم. وقال سليمان: ينتفع بدرها ونسلها وصوفها إلى أن يعود الحرث كما كان بإصلاح صاحبها فيردها إليه.
[21.79]
{ ففهمنها } أي الحكومة { سليمن } وحكمهما باجتهاد ورجع داود إلى سليمان وقيل بوحي والثاني ناسخ للأول { وكلا } منهما { آتيناه حكما } نبوة { وعلما } بأمور الدين { وسخرنا مع داوودالجبال يسبحن والطير } كذلك سخرا للتسبيح معه لأمره به إذا وجد فترة لينشط له { وكنا فعلين } تسخير تسبيحهما معه، وإن كان عجبا عندكم: أي مجاوبة للسيد داود.
[21.80]
{ وعلمناه صنعة لبوس } وهي الدرع لأنها تلبس، وهو أول من صنعها وكان قبلها صفائح { لكم } في جملة الناس { لتحصنكم } بالنون لله وبالتحتانية لداود، وبالفوقانية للبوس { لتحصنكم من بأسكم } حربكم مع أعدائكم { فهل أنتم } يا أهل مكة { شكرون } نعمي بتصديق الرسول؟ أي اشكروني بذلك.
[21.81]
{ و } سخرنا { لسليمن الريح عاصفة } وفي آية أخرى
رخاء
[36:38] أي شديدة الهبوب وخفيفته بحسب إرادته { تجرى بأمره إلى الأرض التى باركنا فيها } وهي الشام { وكنا بكل شىء علمين } من ذلك علمه تعالى بأن ما يعطيه سليمان يدعوه للخضوع لربه، ففعله تعالى على مقتضى علمه.
[21.82]
{ و } سخرنا { من الشيطين من يغوصون له } يدخلون في البحر فيخرجون منه الجواهر لسليمان { ويعملون عملا دون ذلك } أي سوى الغوص من البناء وغيره { وكنا لهم حفظين } من أن يفسدوا ما عملوا،لأنهم كانوا إذا فرغوا من عمل قبل الليل أفسدوه إن لم يشغلوا بغيره.
[21.83]
{ و } اذكر { أيوب } ويبدل منه { إذ نادى ربه } لما ابتلي بفقد جميع ماله وولده وتمزيق جسده وهجر جميع الناس له إلا زوجته سنين ثلاثا أو سبعا أو ثماني عشرة وضيق عيشه { أنى } بفتح الهمزة بتقدير الباء { مسنى الضر } أي الشدة { وأنت أرحم الرحمين }.
[21.84]
{ فاستجبنا له } نداءه { فكشفنا ما به من ضر وءاتينه أهله } أولاده الذكور والإناث بأن أحيوا له وكل من الصنفين ثلاث أو سبع { ومثلهم معهم } من زوجته، وزيد في شبابها، وكان له أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين أفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب، وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض { رحمة } مفعول له { من عندنا } صفة { وذكرى للعبدين } ليصبروا فيثابوا.
[21.85]
{ و } اذكر { إسمعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصبرين } على طاعة الله وعن معاصيه.
[21.86]
{ وأدخلنهم فى رحمتنا } من النبوة { إنهم من الصلحين } لها وسمي ذا الكفل لأنه تكفل بصيام جميع نهاره وقيام جميع ليله وأن يقضي بين الناس ولا يغضب فوفى بذلك وقيل: لم يكن نبيا.
[21.87]
{ و } اذكر { ذا النون } صاحب الحوت وهو يونس بن متى، ويبدل منه { إذ ذهب مغضبا } لقومه: أي غضبان عليهم مما قاسى منهم ولم يؤذن له في ذلك { فظن أن لن نقدر عليه } أي نقضي عليه بما قضينا من حبسه في بطن الحوت أو نضيق عليه بذلك { فنادى فى الظلمت } ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت { أن } أي بأن { لا إله إلا أنت سبحنك إنى كنت من الظلمين } في ذهابي من بين قومي بلا إذن.
[21.88]
{ فاستجبنا له ونجينه من الغم } بتلك الكلمات { وكذلك } كما نجيناه { ننجى المؤمنين } من كربهم إذا استغاثوا بنا داعين.
[21.89]
{ و } اذكر { عبده زكريا } ويبدل منه { إذ نادى ربه } بقوله { رب لا تذرنى فردا } أي بلا ولد يرثني { وأنت خير الورثين } الباقي بعد فناء خلقك.
[21.90]
{ فاستجبنا له } نداءه { ووهبنا له يحيى } ولدا { وأصلحنا له زوجه } فأتت بالولد بعد عقمها { إنهم } أي من ذكر من الأنبياء { كانوا يسارعون } يبادرون { فى الخيرت } الطاعات { ويدعوننا رغبا } في رحمتنا { ورهبا } من عذابنا { وكانوا لنا خشعين } متواضعين في عبادتهم.
[21.91]
{ و } اذكر مريم { التى أحصنت فرجها } حفظته من أن ينال { فنفخنا فيها من روحنا } أي جبريل حيث نفخ في جيب درعها فحملت بعيسى { وجعلنها وابنها ءاية للعلمين } الإنس والجن والملائكة حيث ولدته من غير فحل.
[21.92]
{ إن هذه } أي ملة الإسلام { أمتكم } دينكم أيها المخاطبون: أي يجب أن تكونوا عليها { أمة واحدة } حال لازمة { وأنا ربكم فاعبدون } وحدون.
[21.93]
{ وتقطعوا } أي بعض المخاطبين { أمرهم بينهم } أي تفرقوا أمر دينهم متخالفين فيه، وهم طوائف اليهود والنصارى. قال تعالى: { كل إلينا رجعون } أي فنجازيه بعمله.
[21.94]
{ فمن يعمل من الصلحت وهو مؤمن فلا كفران } أي لا جحود { لسعيه وإنا له كتبون } بأن نأمر الحفظة بكتبه فنجازيه عليه.
[21.95]
{ وحرام على قرية أهلكنهآ } أريد أهلها { أنهم لا } زائدة { يرجعون } أي ممتنع رجوعهم إلى الدنيا.
[21.96]
{ حتى } غاية لامتناع رجوعهم { إذا فتحت } بالتخفيف والتشديد { يأجوج ومأجوج } بالهمز وتركه اسمان أعجميان لقبيلتين، ويقدر قبله مضاف، أي سدهما وذلك قرب القيامة { وهم من كل حدب } مرتفع من الأرض { ينسلون } يسرعون.
[21.97]
{ واقترب الوعد الحق } أي يوم القيامة { فإذا هى } أي القصة { شخصة أبصر الذين كفروا } في ذلك اليوم لشدته،يقولون { يا } للتنبيه { ويلنا } هلاكنا { قد كنا } في الدنيا { فى غفلة من هذا } اليوم { بل كنا ظلمين } أنفسنا بتكذيبنا للرسل.
[21.98]
{ إنكم } يا أهل مكة { وما تعبدون من دون الله } أي غيره من الأوثان { حصب جهنم } وقودها { أنتم لها واردون } داخلون فيها.
[21.99]
{ لو كان هؤلآء } الأوثان { ءالهة } كما زعمتم { ما وردوها } دخلوها { وكل } من العابدين والمعبودين { فيها خلدون }.
[21.100]
{ لهم } للعابدين { فيها زفير } صوت شديد { وهم فيها لا يسمعون } شيئا لشدة غليانها .
[21.101]
ونزل لما قال ابن الزبعرى: عبد عزير والمسيح والملائكة، فهم في النار على مقتضى ما تقدم: { إن الذين سبقت لهم منا } المنزلة { الحسنى } ومنهم من ذكر { أولئك عنها مبعدون }.
[21.102]
{ لا يسمعون حسيسها } صوتها { وهم في مااشتهت أنفسهم } من النعيم { خلدون }.
[21.103]
{ لا يحزنهم الفزع الأكبر } وهو أن يؤمر بالعبد إلى النار { وتتلقهم } تستقبلهم { الملئكة } عند خروجهم من القبور يقولون لهم: { هذا يومكم الذى كنتم توعدون } في الدنيا.
[21.104]
{ يوم } منصوب ب«اذكر» مقدرا قبله { نطوى السمآء كطى السجل } اسم ملك { للكتاب } صحيفة ابن آدم عند موته، واللام زائدة، أو السجل الصحيفة، والكتاب بمعنى المكتوب، واللام بمعنى على وفي قراءة «للكتب» جمعا { كما بدأنآ أول خلق } من عدم { نعيده } بعد إعدامه، فالكاف متعلقة بنعيد وضميره عائد إلى (أول)، و ما مصدرية { وعدا علينا } منصوب بوعدنا مقدرا قبله، وهو مؤكد لمضمون ما قبله { إنا كنا فعلين } ما وعدناه.
[21.105]
{ ولقد كتبنا فى الزبور } بمعنى الكتاب أي كتب الله المنزلة { من بعد الذكر } يعنى أم الكتاب الذي عند الله { إن الأرض } أرض الجنة { يرثها عبادى الصلحون } عام في كل صالح.
[21.106]
{ إن فى هذا } القرآن { لبلغا } كفاية في دخول الجنة { لقوم عبدين } عاملين به.
[21.107]
{ ومآ أرسلنك } يا محمد { إلا رحمة } أي للرحمة { للعلمين } الإنس والجن بك.
[21.108]
{ قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله وحد } أي ما يوحى إلي في أمر الإله إلا وحدانيته { فهل أنتم مسلمون } منقادون لما يوحى إلي من وحدانية الإله والاستفهام بمعنى الأمر.
[21.109]
{ فإن تولوا } عن ذلك { فقل ءاذنتكم } أعلمتكم بالحرب { على سوآء } حال من الفاعل والمفعول: أي مستوين في علمه لا أستبد به دونكم لتتأهبوا { وإن } ما { أدرى أقريب أم بعيد ما توعدون } من العذاب أو القيامة المشتملة عليه، وإنما يعلمه الله.
[21.110]
{ إنه } تعالى { يعلم الجهر من القول } والفعل منكم ومن غيركم { ويعلم ما تكتمون } أنتم وغيركم من السر.
[21.111]
{ وإن } ما { أدرى لعله } أي ما أعلمتكم به ولم يعلم وقته { فتنة } اختبار { لكم } ليرى كيف صنعكم { ومتع } تمتع { إلى حين } أي انقضاء آجالكم ، وهذا مقابل للأول المترجى بلعل، وليس الثاني محلا للترجي.
[21.112]
{ وقل } وفي قراءة «قال» { رب احكم } بيني وبين مكذبي { بالحق } بالعذاب لهم أو النصر عليهم، فعذبوا ببدر وأحد،وحنين والأحزاب والخندق ونصر عليهم { وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون } من كذبكم على الله في قولكم:
اتخذ الله ولدا
[116:2] وعلي في قولكم:
ساحر
[4:38]وعلى القرآن في قولكم: (شعر).
[22 - سورة الحج]
[22.1]
{ ي أيها الناس } يا أهل مكة وغيرهم { اتقوا ربكم } أي عقابه بأن تطيعوه { إن زلزلة الساعة } أي الحركة الشديدة للأرض التي يكون بعدها طلوع الشمس من مغربها الذي هو قرب الساعة { شىء عظيم } في إزعاج الناس الذي هو نوع من العقاب.
[22.2]
{ يوم ترونها تذهل } بسببها { كل مرضعة } بالفعل { عما أرضعت } أي تنساه { وتضع كل ذات حمل } أي حبلى { حملها وترى الناس سكرى } من شدة الخوف { وما هم بسكرى } من الشراب { ولكن عذاب الله شديد } فهم يخافونه.
[22.3]
ونزل في النضر بن الحارث وجماعة { ومن الناس من يجدل فى الله بغير علم } قالوا:الملائكة بنات الله، والقرآن أساطير الأولين، وأنكروا البعث وإحياء من صار ترابا { ويتبع } في جداله { كل شيطن مريد } أي متمرد.
[22.4]
{ كتب عليه } قضي على الشيطان { أنه من تولاه } أي اتبعه { فأنه يضله ويهديه } يدعوه { إلى عذاب السعير } أي النار.
[22.5]
{ يأيها الناس } أي أهل مكة { إن كنتم فى ريب } شك { من البعث فإنا خلقنكم } أي أصلكم آدم { من تراب ثم } خلقنا ذريته { من نطفة } مني { ثم من علقة } وهي الدم الجامد { ثم من مضغة } وهي لحمة قدر ما يمضغ { مخلقة } مصورة تامة الخلق { وغير مخلقة } أي غير تامة الخلق { لنبين لكم } كمال قدرتنا لتستدلوا بها في ابتداء الخلق على إعادته { ونقر } مستأنف { فى الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى } وقت خروجه { ثم نخرجكم } من بطون أمهاتكم { طفلا } بمعنى أطفالا { ثم } نعمركم { لتبلغوا أشدكم } أي الكمال والقوة وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين سنة { ومنكم من يتوفى } يموت قبل بلوغ الأشد { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } أخسه من الهرم والخرف { لكيلا يعلم من بعد علم شيئا } قال عكرمة: من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة { وترى الأرض هامدة } يابسة { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت } تحركت { وربت } ارتفعت وزادت { وأنبتت من } زائدة { كل زوج } صنف { بهيج } حسن.
[22.6]
{ ذلك } المذكور من بدء خلق الإنسان إلى آخر إحياء الأرض { بأن } بسبب أن { الله هو الحق } الثابت الدائم { وأنه يحى الموتى وأنه علىكل شىء قدير }.
[22.7]
{ وأن الساعة ءاتية لا ريب } شك { فيها وأن الله يبعث من فى القبور }.
[22.8]
ونزل في أبي جهل { ومن الناس من يجدل فى الله بغير علم ولا هدى } معه { ولا كتب منير } له نور معه.
[22.9]
{ ثانى عطفه } حال أي لاوي عنقه تكبرا عن الإيمان( والعطف) الجانب عن يمين أو شمال { ليضل } بفتح الياء وضمها { عن سبيل الله } أي دينه { له فى الدنيا خزى } عذاب فقتل يوم بدر { ونذيقه يوم القيمة عذاب الحريق } أي الإحراق بالنار، ويقال له.
[22.10]
{ ذلك بما قدمت يداك } أي قدمته عبر عنه بهما دون غيرهما لأن أكثر الأفعال تزاول بهما { وأن الله ليس بظلم } أي بذي ظلم { للعبيد } فيعذبهم بغير ذنب.
[22.11]
{ ومن الناس من يعبد الله على حرف } أي شك في عبادته، شبه بالحال على حرف جبل في عدم ثباته { فإن أصابه خير } صحة وسلامة في نفسه وماله { اطمأن به وإن أصابته فتنة } محنة وسقم في نفسه وماله { انقلب على وجهه } أي رجع إلى الكفر { خسر الدنيا } بفوات ما أمله منها { والأخرة } بالكفر { ذلك هو الخسرن المبين } البين.
[22.12]
{ يدعو } يعبد { من دون الله } من الصنم { ما لا يضره } إن لم يعبده { وما لا ينفعه } إن عبده { ذلك } الدعاء { هو الضلال البعيد } عن الحق.
[22.13]
{ يدعو لمن } اللام زائدة { ضره } بعبادته { أقرب من نفعه } إن نفع بتخيله { لبئس المولى } هو أي الناصر { ولبئس العشير } الصاحب هو، وعقب ذكر الشاك بالخسران بذكر المؤمنين بالثواب في.
[22.14]
{ إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصلحت } من الفروض والنوافل { جنت تجرى من تحتها الأنهر إن الله يفعل ما يريد } من إكرام من يطيعه وإهانة من يعصيه .
[22.15]
{ من كان يظن أن لن ينصره الله } أي محمدا صلى الله عليه وسلم نبيه { فى الدنيا والاخرة فليمدد بسبب } بحبل { إلى السماء } أي سقف بيته يشده فيه وفي عنقه { ثم ليقطع } أي ليختنق به بأن يقطع نفسه من الأرض كما في (الصحاح) { فلينظر هل يذهبن كيده } في عدم نصرة النبي صلى الله عليه وسلم { ما يغيظ } ه منها؟ المعنى فليختنق غيظا منها، فلا بد منها.
[22.16]
{ وكذلك } أي مثل إنزالنا الآية السابقة { أنزلنه } أي القرآن الباقي { ءايت بينات } ظاهرات حال { وأن الله يهدى من يريد } هداه معطوف على هاء أنزلناه.
[22.17]
{ إن الذين ءامنوا والذين هادوا } هم اليهود { والصبئين } طائفة منهم { والنصرى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيمة } بإدخال المؤمنين الجنة وإدخال غيرهم النار { إن الله على كل شىء } من عملهم { شهيد } عالم به علم مشاهدة.
[22.18]
{ ألم تر } تعلم { أن الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب } أي يخضع له بما يراد منه { وكثير من الناس } وهم المؤمنون بزيادة على الخضوع في سجود الصلاة { وكثير حق عليه العذاب } وهم الكافرون لأنهم أبوا السجود المتوقف على الإيمان { ومن يهن الله } يشقه { فما له من مكرم } مسعد { إن الله يفعل ما يشاء } من الإهانة والإكرام.
[22.19]
{ هذان خصمان } أي المؤمنون خصم والكفار الخمسة خصم، وهو يطلق على الواحد والجماعة { اختصموا فى ربهم } أي في دينه { فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار } يلبسونها، يعني أحيطت بهم النار { يصب من فوق رءوسهم الحميم } الماء البالغ نهاية الحرارة.
[22.20]
{ يصهر } يذاب { به ما فى بطونهم } من شحوم وغيرها { و } تشوى به { الجلود }.
[22.21]
{ ولهم مقامع من حديد } لضرب رؤوسهم.
[22.22]
{ كلما أرادوا أن يخرجوا منها } أي النار { من غم } يلحقهم بها { أعيدوا فيها } ردوا إليها بالمقامع { و } قيل لهم { ذوقوا عذاب الحريق } أي البالغ نهاية الإحراق.
[22.23]
وقال في المؤمنين { إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصلحت جنت تجرى من تحتها الانهر يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا } بالجر أي منهما بأن يرصع الذهب باللؤلؤ وبالنصب عطفا على محل من أساور { ولباسهم فيها حرير } هو المحرم لبسه على الرجال في الدنيا.
[22.24]
{ وهدوا } في الدنيا { إلى الطيب من القول } وهو لا إله إلا الله { وهدوا إلى صرط الحميد } أي طريق الله المحمود ودينه.
[22.25]
{ إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله } طاعته { و } عن { المسجد الحرام الذى جعلنه } منسكا ومتعبدا { للناس سواء العكف } المقيم { فيه والباد } الطارىء { ومن يرد فيه بإلحاد } الباء زائدة { بظلم } أي بسببه بأن ارتكب منهيا، ولو شتم الخادم { نذقه من عذاب أليم } مؤلم: أي بعضه. ومن هذا يؤخذ خبر إن: أي نذيقهم من عذاب أليم.
[22.26]
{ و } اذكر { إذ بوأنا } بينا { لإبرهيم مكان البيت } ليبنيه، وكان قد رفع من زمن الطوفان وأمرناه { أن لا تشرك بى شيئا وطهر بيتى } من الأوثان { للطائفين والقائمين } المقيمين به { والركع السجود } جمع راكع وساجد: المصلين.
[22.27]
{ وأذن } ناد { فى الناس بالحج } فنادى على جبل أبي قبيس:( يا أيها الناس إن ربكم بنى بيتا) وأوجب عليكم الحج إليه فأجيبوا ربكم، والتفت بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا، فأجابه كل من كتب له أن يحج من أصلاب الرجال وأرحام الأمهات:«لبيك اللهم لبيك»، وجواب الأمر { يأتوك رجالا } مشاة جمع راجل كقائم وقيام { و } ركبانا { على كل ضامر } أي بعير مهزول وهو يطلق على الذكر والأنثى { يأتين } أي الضوامر حملا على المعنى { من كل فج عميق } طريق بعيد.
[22.28]
{ ليشهدوا } أي يحضروا { منفع لهم } في الدنيا بالتجارة أو في الآخرة أو فيهما، أقوال { ويذكروا اسم الله فى أيام معلومت } أي عشر ذي الحجة أو يوم عرفة أو يوم النحر إلى آخر أيام التشريق أقوال { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } الإبل والبقر والغنم التي تنحر في يوم العيد، وما بعده من الهدايا والضحايا { فكلوا منها } إذا كانت مستحبة { وأطعموا البائس الفقير } أي الشديد الفقر.
[22.29]
{ ثم ليقضوا تفثهم } أي يزيلوا أوساخهم وشعثهم كطول الظفر { وليوفوا } بالتشديد و التخفيف { نذورهم } من الهدايا والضحايا { وليطوفوا } طواف الإفاضة { بالبيت العتيق } أي القديم لأنه أول بيت وضع للناس.
[22.30]
{ ذلك } خبر مبتدأ مقدر: أي الأمر أو الشأن ذلك المذكور { ومن يعظم حرمت الله } هي ما لا يحل انتهاكه { فهو } أي تعظيمها { خير له عند ربه } في الآخرة { وأحلت لكم الأنعم } أكلا بعد الذبح { إلا ما يتلى عليكم } تحريمه في
حرمت عليكم الميتة
[3:5]الآية فالاستثناء منقطع، ويجوز أن يكون متصلا والتحريم لما عرض من الموت ونحوه { فاجتنبوا الرجس من الاوثن } من للبيان أي الذي هو الأوثان { واجتنبوا قول الزور } أي الشرك بالله في تلبيتكم أو شهادة الزور.
[22.31]
{ حنفاء لله } مسلمين عادلين عن كل دين سوى دينه { غير مشركين به } تأكيد لما قبله وهما حالان من الواو { ومن يشرك بالله فكأنما خر } سقط { من السماء فتخطفه الطير } أي تأخذه بسرعة { أو تهوى به الريح } أي تسقطه { فى مكان سحيق } بعيد أي فهو لا يرجى خلاصه.
[22.32]
{ ذلك } يقدر قبله الأمر، مبتدأ { ومن يعظم شعئر الله فإنها } أي فإن تعظيمها وهي البدن التي تهدى للحرم بأن تستحسن وتستسمن { من تقوى القلوب } منهم، وسميت شعائر لإشعارها بما تعرف به أنها هدي كطعن حديدة بسنامها.
[22.33]
{ لكم فيها منفع } كركوبها والحمل عليها ما لا يضرها { إلى أجل مسمى } وقت نحرها { ثم محلها } أي مكان حل نحرها { إلى البيت العتيق } أي عنده، والمراد الحرم جميعه.
[22.34]
{ ولكل أمة } أي جماعة مؤمنة سلفت قبلكم { جعلنا منسكا } بفتح السين مصدر وبكسرها اسم مكان أي ذبحها قربانا أو مكانه { ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعم } عند ذبحها { فإلهكم إله وحد فله أسلموا } انقادوا { وبشر المخبتين } المطيعين المتواضعين.
[22.35]
{ الذين إذا ذكر الله وجلت } خافت { قلوبهم والصبرين على ما أصابهم } من البلايا { والمقيمى الصلوة } في أوقاتها { ومما رزقنهم ينفقون } يتصدقون.
[22.36]
{ والبدن } جمع (بدنة) وهي: الإبل { جعلنها لكم من شعئر الله } أعلام دينه { لكم فيها خير } نفع في الدنيا كما تقدم، وأجر في العقبى { فاذكروا اسم الله عليها } عند نحرها { صواف } قائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى { فإذا وجبت جنوبها } سقطت إلى الأرض بعد النحر، وهو وقت الأكل منها { فكلوا منها } إن شئتم { وأطعموا القانع } الذي يقنع بما يعطى ولا يسأل ولا يتعرض { والمعتر } السائل أو المتعرض { كذلك } أي مثل ذلك التسخير { سخرنها لكم } بأن تنحر وتركب، وإلا لم تطق { لعلكم تشكرون } إنعامي عليكم.
[22.37]
{ لن ينال الله لحومها ولا دماؤها } أي لا يرفعان إليه { ولكن يناله التقوى منكم } أي يرفع إليه منكم العمل الصالح الخالص له مع الإيمان { كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم } أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه { وبشر المحسنين } أي الموحدين.
[22.38]
{ إن الله يدافع عن الذين ءامنوا } غوائل المشركين { إن الله لا يحب كل خوان } في أمانته { كفور } لنعمته وهم المشركون، المعنى أنه يعاقبهم.
[22.39]
{ أذن للذين يقتلون } أي للمؤمنين أن يقاتلوا، وهذه أول آية نزلت في الجهاد { بأنهم } أي بسبب أنهم { ظلموا } لظلم الكافرين إياهم { وإن الله على نصرهم لقدير }.
[22.40]
وهم { الذين أخرجوا من ديرهم بغير حق } في الإخراج،ما أخرجوا { إلا أن يقولوا } أي بقولهم { ربنا الله } وحده وهذا القول حق فالإخراج به إخراج بغير حق { ولولا دفع الله الناس بعضهم } بدل بعض من الناس { ببعض لهدمت } بالتشديد للتكثير وبالتخفيف { صومع } للرهبان { وبيع } كنائس للنصارى { وصلوت } كنائس لليهود بالعبرانية { ومسجد } للمسلمين { يذكر فيها } أي المواضع المذكورة { اسم الله كثيرا } وتنقطع العبادات بخرابها { ولينصرن الله من ينصره } أي ينصر دينه { إن الله لقوى } على خلقه { عزيز } منيع في سلطانه وقدرته.
[22.41]
{ الذين إن مكنهم فى الارض } بنصرهم على عدوهم { أقاموا الصلوة واتوا الزكوة وأمروا بامعروف ونهوا عن المنكر } جواب الشرط وهو وجوابه صلة الموصول، ويقدر قبله هم مبتدأ { ولله عقبة الامور } أي إليه مرجعها في الآخرة.
[22.42]
{ وإن يكذبوك } فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم { فقد كذبت قبلهم قوم نوح } تأنيث قوم باعتبار المعنى { وعاد } قوم هود { وثمود } قوم صالح.
[22.43]
{ وقوم إبرهيم وقوم لوط }.
[22.44]
{ وأصحب مدين } قوم شعيب { وكذب موسى } كذبه القبط لا قومه بنو إسرائيل: أي كذب هؤلاء رسلهم فلك أسوة بهم { فأمليت للكفرين } أمهلتهم بتأخير العقاب لهم { ثم أخذتهم } بالعذاب { فكيف كان نكير } أي إنكاري عليهم بتكذيبهم بإهلاكهم؟ والاستفهام للتقرير: أي هو واقع موقعه.
[22.45]
{ فكأين } أي كم { من قرية أهلكنها } وفي قراءة «أهلكتها» { وهى ظلمة } أي أهلها بكفرهم { فهى خاوية } ساقطة { على عروشها } سقوفها { و } كم من { وبئر معطلة } متروكة بموت أهلها { وقصر مشيد } رفيع خال بموت أهله.
[22.46]
{ أفلم يسيروا } أي كفار مكة { فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها } ما نزل بالمكذبين قبلهم { أو ءاذان يسمعون بها } أخبارهم بالإهلاك وخراب الديار فيعتبروا؟ { فإنها } أي القصة { لا تعمى الأبصر ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور } تأكيد.
[22.47]
{ ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده } بإنزال العذاب فأنجزه يوم بدر { وإن يوما عند ربك } من أيام الآخرة بسبب العذاب { كألف سنة مما تعدون } بالتاء والياء في الدنيا.
[22.48]
{ وكأين من قرية أمليت لها وهى ظلمة ثم أخذتها } المراد أهلها { وإلى المصير } المرجع.
[22.49]
{ قل يأيها الناس } أي أهل مكة { إنما أنا لكم نذير مبين } بين الإنذار وأنا بشير للمؤمنين.
[22.50]
{ فالذين ءامنوا وعملوا الصلحت لهم مغفرة } من الذنوب { ورزق كريم } هو الجنة.
[22.51]
{ والذين سعوا فى ءايتنا } القرآن بإبطالها { معجزين } من اتبع النبي أي ينسبونهم إلى العجز، ويثبطونهم عن الإيمان أو مقدرين عجزنا عنهم،وفي قراءة «معاجزين» مسابقين لنا، أي يظنون أن يفوتونا بإنكارهم البعث والعقاب { أولئك أصحب الجحيم } النار.
[22.52]
{ وما أرسلنا من قبلك من رسول } هو نبي أمر بالتبليغ { ولا نبى } أي لم يؤمر بالتبليغ { إلا إذا تمنى } قرأ { ألقى الشيطن فى أمنيته } قراءته ما ليس من القرآن مما يرضاه المرسل إليهم، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش بعد
أفرءيتم اللت والعزى ومنوة الثالثة الأخرى
[53: 19 - 20] بإلقاء الشيطان على لسانه من غير علمه صلى الله عليه وسلم به: (تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى) ففرحوا بذلك، ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه من ذلك فحزن فسلي بهذه الآيات ليطمئن { فينسخ الله } يبطل { ما يلقى الشيطن ثم يحكم الله ءايته } يثبتها { والله عليم } بإلقاء الشيطان ما ذكر { حكيم } في تمكينه منه يفعل ما يشاء.
[22.53]
{ ليجعل ما يلقى الشيطن فتنة } محنة { للذين فى قلوبهم مرض } شقاق ونفاق { والقاسية قلوبهم } أي المشركين عن قبول الحق { وإن الظلمين } الكافرين { لفى شقاق بعيد } خلاف طويل مع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حيث جرى على لسانه ذكر آلهتهم بما يرضيهم ثم أبطل ذلك.
[22.54]
{ وليعلم الذين أوتوا العلم } التوحيد والقرآن { أنه } أي القرآن { الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت } تطمئن { له قلوبهم وإن الله لهاد الذين ءامنوا إلى صرط } طريق { مستقيم } أي دين الإسلام.
[22.55]
{ ولا يزال الذين كفروا فى مرية } شك { منه } أي القرآن بما ألقاه الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبطل { حتى تأتيهم الساعة بغتة } أي ساعة موتهم أو القيامة فجأة { أو يأتيهم عذاب يوم عقيم } هو يوم بدر لا خير فيه للكفار كالريح العقيم التي لا تأتي بخير، أو هو يوم القيامة لا ليل بعده.
[22.56]
{ الملك يومئذ } أي يوم القيامة { لله } وحده وما تضمنه من الاستقرار ناصب للظرف { يحكم بينهم } بين المؤمنين والكافرين بما بين بعده { فالذين ءامنوا وعملوا الصلحت فى جنت النعيم } فضلا من الله.
[22.57]
{ والذين كفروا وكذبوا بئايتنا فأولئك لهم عذاب مهين } شديد بسبب كفرهم.
[22.58]
{ والذين هاجروا فى سبيل الله } أي طاعته من مكة إلى المدينة { ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا } هو رزق الجنة { وإن الله لهو خير الرزقين } أفضل المعطين.
[22.59]
{ ليدخلنهم مدخلا } بضم الميم وفتحها أي إدخالا أو موضعا { يرضونه } وهو الجنة { وإن الله لعليم } بنياتهم { حليم } عن عقابهم.
[22.60]
الأمر { ذلك } الذي قصصناه عليك { ومن عاقب } جازى من المؤمنين { بمثل ما عوقب به } ظلما من المشركين: أي قاتلهم كما قاتلوه في الشهر المحرم { ثم بغى عليه } منهم أي ظلم بإخراجه من منزله { لينصرنه الله إن الله لعفو } عن المؤمنين { غفور } لهم عن قتالهم في الشهر الحرام.
[22.61]
{ ذلك } النصر { بأن الله يولج اليل فى النهار ويولج النهار فى اليل } أي يدخل كلا منهما في الآخر بأن يزيد به، وذلك من أثر قدرته تعالى التي بها النصر { وأن الله سميع } دعاء المؤمنين { بصير } بهم حيث جعل فيهم الإيمان فأجاب دعاءهم.
[22.62]
{ ذلك } النصر أيضا { بأن الله هو الحق } الثابت { وأن ما يدعون } بالياء والتاء يعبدون { من دونه } وهو الأصنام { هو البطل } الزائل { وأن الله هو العلى } أي العالي على كل شيء بقدرته { الكبير } الذي يصغر كل شيء سواه.
[22.63]
{ ألم تر } تعلم { أن الله أنزل من السماء ماء } مطرا { فتصبح الأرض مخضرة } بالنبات وهذا من أثر قدرته { إن الله لطيف } بعباده في إخراج النبات بالماء { خبير } بما في قلوبهم عند تأخير المطر.
[22.64]
{ له ما في السموات وما في الأرض } على جهة الملك { وإن الله لهو الغنى } عن عباده { الحميد } لأوليائه.
[22.65]
{ ألم تر } تعلم { أن الله سخر لكم ما فى الأرض } من البهائم { والفلك } السفن { تجرى فى البحر } للركوب والحمل { بأمره } بإذنه { ويمسك السماء } من { أن } أو لئلا { تقع على الأرض إلا بإذنه } فتهلكوا { إن الله بالناس لرءوف رحيم } في التسخير والإمساك.
[22.66]
{ وهو الذى أحياكم } بالإنشاء { ثم يميتكم } عند انتهاء آجالكم { ثم يحييكم } عند البعث { إن الإنسن } أي المشرك { لكفور } لنعم الله بتركه توحيده.
[22.67]
{ لكل أمة جعلنا منسكا } بفتح السين وكسرها شريعة { هم ناسكوه } عاملون به { فلا ينزعنك } يراد به لا تنازعهم { فى الأمر } أي أمر الذبيحة إذ قالوا: ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم { وادع إلى ربك } أي إلى دينه { وإنك لعلى هدى } دين { مستقيم }.
[22.68]
{ وإن جدلوك } في أمر الدين { فقل الله أعلم بما تعملون } فيجازيكم عليه، وهذا قبل الأمر بالقتال.
[22.69]
{ الله يحكم بينكم } أيها المؤمنون والكافرون { يوم القيمة فيما كنتم فيه تختلفون } بأن يقول كل من الفريقين خلاف قول الآخر.
[22.70]
{ ألم تعلم } الاستفهام فيه للتقرير { أن الله يعلم ما فى السماء والأرض إن ذلك } أي ما ذكر { فى كتب } هو اللوح المحفوظ { إن ذلك } أي علم ما ذكر { على الله يسير } سهل.
[22.71]
{ ويعبدون } أي المشركون { من دون الله ما لم ينزل به } هو الأصنام { سلطنا } حجة { وما ليس لهم به علم } أنها آلهة { وما للظلمين } بالإشراك { من نصير } يمنع عنهم عذاب الله.
[22.72]
{ وإذا تتلى عليهم ءايتنا } من القرآن { بينت } ظاهرات حال { تعرف فى وجوه الذين كفروا المنكر } أي الإنكار لها: أي أثره من الكراهة والعبوس { يكدون يسطون بالذين يتلون عليهم ءايتنا } أي يقعون فيهم بالبطش { قل أفأنبئكم بشر من ذلكم } أي بأكره إليكم من القرآن المتلو عليكم هو { النار وعدها الله الذين كفروا } بأن مصيرهم إليها { وبئس المصير } هي.
[22.73]
{ يأيها الناس } أي أهل مكة { ضرب مثل فاستمعوا له } وهو { إن الذين تدعون } تعبدون { من دون الله } أي غيره وهم الأصنام { لن يخلقوا ذبابا } اسم جنس، واحدة ذبابة يقع على المذكر والمؤنث { ولو اجتمعوا له } لخلقه { وإن يسلبهم الذباب شيئا } مما عليهم من الطيب والزعفران الملطخين به { لا يستنقذوه } لا يستردوه { منه } لعجزهم، فكيف يعبدون شركاء لله تعالى؟ هذا أمر مستغرب عبر عنه بضرب مثل { ضعف الطالب } العابد { والمطلوب } المعبود.
[22.74]
{ ما قدروا الله } عظموه { حق قدره } عظمته إذ أشركوا به ما لم يمتنع من الذباب ولا ينتصف منه { إن الله لقوى عزيز } غالب.
[22.75]
{ الله يصطفى من الملئكة رسلا ومن الناس } رسلا،و نزل لما قال المشركون: أأنزل عليه الذكر من بيننا؟ { إن الله سميع } لمقالاتهم { بصير } بمن يتخذه رسولا كجبريل وميكائيل وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم صلى الله عليهم وسلم.
[22.76]
{ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } أي ما قدموا وما خلفوا وما عملوا وما هم عاملون بعد { وإلى الله ترجع الأمور }.
[22.77]
{ يأيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا } أي صلوا { واعبدوا ربكم } وحدوه { وافعلوا الخير } كصلة الرحم ومكارم الأخلاق { لعلكم تفلحون } تفوزون بالبقاء في الجنة.
[22.78]
{ وجهدوا فى الله } لإقامة دينه { حق جهده } باستفراغ الطاقة فيه ونصب حق على المصدر { هو اجتبكم } اختاركم لدينه { وما جعل عليكم فى الدين من حرج } أي ضيق بأن سهله عند الضرورة كالقصر والتيمم وأكل الميتة والفطر للمرض والسفر { ملة أبيكم } منصوب بنزع الخافض الكاف { إبراهيم } عطف بيان { هو } أي الله { سمكم المسلمين من قبل } أي قبل هذا الكتاب { وفى هذا } أي القرآن { ليكون الرسول شهيدا عليكم } يوم القيامة أنه بلغكم { وتكونوا } أنتم { شهداء على الناس } أن رسلهم بلغوهم { فأقيموا الصلوة } داوموا عليها { وءاتوا الزكوة واعتصموا بالله } ثقوا به { هو مولكم } ناصركم ومتولي أموركم { فنعم المولى } هو { ونعم النصير } أي الناصر لكم.
[23 - سورة المؤمنون]
[23.1]
{ قد } للتحقيق { أفلح } فاز { المؤمنون }.
[23.2]
{ الذين هم فى صلاتهم خشعون } متواضعون.
[23.3]
{ والذين هم عن اللغو } من الكلام وغيره { معرضون }.
[23.4]
{ والذين هم للزكوة فعلون } مؤدون.
[23.5]
{ والذين هم لفروجهم حفظون } عن الحرام.
[23.6]
{ إلا على أزوجهم } أي من زوجاتهم { أو ما ملكت أيمنهم } أي السراري { فإنهم غير ملومين } في إتيانهن.
[23.7]
{ فمن ابتغى ورآء ذلك } من الزوجات والسراري كالاستمناء بيده { فأولئك هم العادون } المتجاوزن إلى ما لا يحل لهم.
[23.8]
{ والذين هم لأمنتهم } جمعا ومفردا { وعهدهم } فيما بينهم، وبين الله من صلاة وغيرها { رعون } حافظون.
[23.9]
{ والذين هم على صلوتهم } جمعا ومفردا { يحافظون } يقيمونها في أوقاتها.
[23.10]
{ أولئك هم الورثون } لا غيرهم.
[23.11]
{ الذين يرثون الفردوس } هو جنة أعلى الجنان { هم فيها خلدون } في ذلك إشارة إلى المعاد ويناسبه ذكر المبدأ بعده.
[23.12]
{ و } الله { لقد خلقنا الإنسن } آدم { من سللة } هي من سللت الشيء من الشيء أي استخرجته منه وهو خلاصته { من طين } متعلق بسلالة.
[23.13]
{ ثم جعلنه } أي الإنسان نسل آدم { نطفة } منيا { فى قرار مكين } هو الرحم.
[23.14]
{ ثم خلقنا النطفة علقة } دما جامدا { فخلقنا العلقة مضغة } لحمة قدر ما يمضغ { فخلقنا المضغة عظما فكسونا العظم لحما } وفي قراءة «عظما» في الموضعين. و خلقنا في المواضع الثلاث بمعنى صيرنا { ثم أنشأنه خلقا ءاخر } بنفخ الروح فيه { فتبارك الله أحسن الخلقين } أي المقدرين، ومميز (أحسن) محذوف للعلم به: أي خلقا.
[23.15]
{ ثم إنكم بعد ذلك لميتون }.
[23.16]
{ ثم إنكم يوم القيمة تبعثون } للحساب والجزاء.
[23.17]
{ ولقد خلقنا فوقكم سبع طرآئق } أي سموات، جمع طريقة لأنها طرق الملائكة { وما كنا عن الخلق } تحتها { غفلين } أن تسقط عليهم فتهلكهم، بل نمسكها كآية: { ويمسك السمآء أن تقع على الأرض }.
[23.18]
{ وأنزلنا من السمآء مآء بقدر } من كفايتهم { فأسكناه فى الأرض وإنا على ذهاب به لقدرون } فيموتون مع دوابهم عطشا.
[23.19]
{ فأنشأنا لكم به جنت من نخيل وأعنب } هما أكثر فواكه العرب { لكم فيها فوكه كثيرة ومنها تأكلون } صيفا وشتاء.
[23.20]
{ و } أنشأنا { شجرة تخرج من طور سينآء } جبل بكسر السين وفتحها ومنع الصرف للعلمية والتأنيث للبقعة { تنبت } من الرباعي والثلاثي { بالدهن } الباء زائدة على الأول ومعدية على الثاني. وهي شجرة الزيتون { وصبغ للأكلين } عطف على الدهن أي إدام يصبغ اللقمة بغمسها فيه وهو الزيت.
[23.21]
{ وإن لكم فى الأنعم } الإبل والبقر والغنم { لعبرة } عظة تعتبرون بها { نسقيكم } بفتح النون وضمها { مما فى بطونها } أي اللبن { ولكم فيها منفع كثيرة } من الأصواف والأوبار والأشعار وغير ذلك { ومنها تأكلون }.
[23.22]
{ وعليها } أي الإبل { وعلى الفلك } أي السفن { تحملون }.
[23.23]
{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يقوم اعبدوا الله } أطيعوه ووحدوه { ما لكم من إله غيره } وهو اسم ما وما قبله الخبر، و من زائدة { أفلا تتقون } تخافون عقوبته بعبادتكم غيره؟
[23.24]
{ فقال الملأ الذين كفروا من قومه } لأتباعهم { ما هذآ إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل } يتشرف { عليكم } بأن يكون متبوعا وأنتم أتباعه { ولو شآء الله } أن لا يعبد غيره { لأنزل ملئكة } بذلك لا بشرا { ما سمعنا بهذا } الذي دعا إليه نوح من التوحيد { في ءابآئنا الأولين } أي الأمم الماضية.
[23.25]
{ إن هو } ما نوح { إلا رجل به جنة } حالة جنون { فتربصوا به } انتظروه { حتى حين } إلى زمن موته.
[23.26]
{ قال } نوح { رب انصرنى } عليهم { بما كذبون } أي بسبب تكذيبهم إياي بأن تهلكهم، قال تعالى مجيبا دعاءه:
[23.27]
{ فأوحينآ إليه أن اصنع الفلك } السفينة { بأعيننا } بمرأى منا وحفظنا { ووحينا } أمرنا { فإذا جآء أمرنا } بإهلاكهم { وفار التنور } للخباز بالماء وكان ذلك علامة لنوح { فاسلك فيها } أي ادخل في السفينة { من كل زوجين } أي ذكر وأنثى أي من كل أنواعهما { اثنين } ذكر وأنثى، وهو مفعول، و «من» متعلقة ب «اسلك». وفي القصة أن الله تعالى حشر لنوح السباع والطير وغيرهما، فجعل يضرب بيديه في كل نوع فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيحملهما في السفينة وفي قراءة «كل» بالتنوين ف «زوجين» مفعول و «اثنين» تأكيد له { وأهلك } أي زوجته وأولاده { إلا من سبق عليه القول منهم } بالإهلاك وهو زوجته وولده كنعان، بخلاف سام وحام ويافث فحملهم وزوجاتهم الثلاثة. وفي سورة هود
ومن ءامن ومآ ءامن معه إلا قليل
[40:11] قيل: كانوا ستة رجال ونساءهم. وقيل: جميع من كان في السفينة ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء { ولا تخطبنى فى الذين ظلموا } كفروا بترك إهلاكهم { إنهم مغرقون }.
[23.28]
{ فإذا استويت } اعتدلت { أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذى نجانا من القوم الظلمين } الكافرين وإهلاكهم.
[23.29]
{ وقل } عند نزولك من الفلك { رب أنزلنى منزلا } بضم الميم وفتح الزاي مصدر أواسم مكان وبفتح الميم وكسر الزاي مكان النزول { مباركا } ذلك الإنزال أو المكان { وأنت خير المنزلين } ما ذكر.
[23.30]
{ إن فى ذلك } المذكور من أمر نوح والسفينة وإهلاك الكفار { لأية } دلالات على قدرة الله تعالى { وإن } مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن { كنا لمبتلين } مختبرين قوم نوح بإرساله إليهم ووعظه.
[23.31]
{ ثم أنشأنا من بعدهم قرنا } قوما { ءاخرين } هم عاد.
[23.32]
{ فأرسلنا فيهم رسولا منهم } هودا { أن } أي بأن { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون } عقابه فتؤمنون.
[23.33]
{ وقال الملا من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقآء الأخرة } أي بالمصير إليها { وأترفنهم } نعمناهم { في الحيوة الدنيا ما هذآ إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون }.
[23.34]
{ و } الله { لئن أطعتم بشرا مثلكم } فيه قسم وشرط والجواب لأولهما، وهو مغن عن جواب الثاني { إنكم إذا } أي إذا أطعتموه { لخسرون } أي مغبونون.
[23.35]
{ أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظما أنكم مخرجون } هو خبر «أنكم» الأولى، و«أنكم» الثانية تأكيد لها لما طال الفصل.
[23.36]
{ هيهات هيهات } اسم فعل ماض بمعنى مصدر: أو بعد بعد { لما توعدون } من الإخراج من القبور، واللام زائدة للبيان.
[23.37]
{ إن هى } أي ما الحياة { إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا } بحياة أبنائنا { وما نحن بمبعوثين }.
[23.38]
{ إن هو } ما الرسول { إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين } أي مصدقين بالبعث بعد الموت.
[23.39]
{ قال رب انصرنى بما كذبون }.
[23.40]
{ قال عما قليل } من الزمان، و «ما» زائدة { ليصبحن } ليصيرن { ندمين } على كفرهم وتكذيبهم.
[23.41]
{ فأخذتهم الصيحة } صيحة العذاب والهلاك كائنة { بالحق } فماتوا { فجعلنهم غثآء } وهو نبت يبس أي صيرناهم مثله في اليبس { فبعدا } من الرحمة { للقوم الظلمين } المكذبين.
[23.42]
{ ثم أنشأنا من بعدهم قرونا } أقواما { ءاخرين }.
[23.43]
{ ما تسبق من أمة أجلها } بأن تموت قبله { وما يستئخرون } عنه، ذكر الضمير بعد تأنيثه رعاية للمعنى.
[23.44]
{ ثم أرسلنا رسلنا تترا } بالتنوين وعدمه أي متتابعين بين كل اثنين زمان طويل { كل ما جآء أمة } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بينها وبين الواو { رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا } في الهلاك { وجعلنهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون }.
[23.45]
{ ثم أرسلنا موسى وأخاه هرون بئايتنا وسلطن مبين } حجة بينة، وهي اليد والعصا وغيرهما من الآيات.
[23.46]
{ إلى فرعون وملإيه فاستكبروا } عن الإيمان بها وبالله { وكانوا قوما علين } قاهرين بني إسرائيل بالظلم.
[23.47]
{ فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عبدون } مطيعون خاضعون؟.
[23.48]
{ فكذبوهما فكانوا من المهلكين }.
[23.49]
{ ولقد ءاتينا موسى الكتب } التوراة { لعلهم } أي قومه بني إسرائيل { يهتدون } به من الضلالة، وأوتيها بعد هلاك فرعون وقومه جملة واحدة.
[23.50]
{ وجعلنا ابن مريم } عيسى { وأمه ءاية } لم يقل آيتين، لأن الآية فيهما واحدة: ولادته من غيرفحل { وءاويناهمآ إلى ربوة } مكان مرتفع وهو بيت المقدس، أو دمشق، أو فلسطين، أقوال { ذات قرار } أي مستوية يستقر عليها ساكنوها { ومعين } أي ماء جار ظاهر تراه العيون.
[23.51]
{ يأيها الرسل كلوا من الطيبت } الحلالات { واعملوا صلحا } من فرض ونفل { إنى بما تعملون عليم } فأجازيكم عليه.
[23.52]
{ و } اعلموا { إن هذه } أي ملة الإسلام { أمتكم } دينكم أيها المخاطبون أي يجب أن تكونوا عليها { أمة واحدة } حال لازمة. وفي قراءة بتخفيف النون. وفي أخرى بكسرها مشددة استئنافا { وأنا ربكم فاتقون } فاحذرون.
[23.53]
{ فتقطعوا } أي الأتباع { أمرهم } دينهم { بينهم زبرا } حال من فاعل «تقطعوا» أي أحزابا متخالفين كاليهود والنصارى وغيرهم { كل حزب بما لديهم } أي عندهم من الدين { فرحون } مسرورون.
[23.54]
{ فذرهم } أي اترك كفار مكة { فى غمرتهم } ضلالتهم { حتى حين } إلى حين موتهم.
[23.55]
{ أيحسبون أنما نمدهم به } نعطيهم { من مال وبنين } في الدنيا.
[23.56]
{ نسارع } نعجل { لهم فى الخيرت }؟ لا { بل لا يشعرون } أن ذلك استدراج لهم.
[23.57]
{ إن الذين هم من خشية ربهم } خوفهم منه { مشفقون } خائفون من عذابه.
[23.58]
{ والذين هم بئايت ربهم } القرآن { يؤمنون } يصدقون.
[23.59]
{ والذين هم بربهم لا يشركون } معه غيره.
[23.60]
{ والذين يؤتون } يعطون { مآ ءاتوا } أعطوا من الصدقة والأعمال الصالحة { وقلوبهم وجلة } خائفة أن لا تقبل منهم { أنهم } يقدر قبله لام الجر { إلى ربهم رجعون }.
[23.61]
{ أولئك يسرعون فى الخيرت وهم لها سبقون } في علم الله.
[23.62]
{ ولا نكلف نفسا إلا وسعها } طاقتها، فمن لم يستطع أن يصلي قائما فليصل جالسا، ومن لم يستطع أن يصوم فليأكل { ولدينا } أي عندنا { كتاب ينطق بالحق } بما عملته: وهو اللوح المحفوظ تسطر فيه الأعمال { وهم } أي النفوس العاملة { لا يظلمون } شيئا منها، فلا ينقص من ثواب أعمال الخيرات ولا يزاد في السيئات.
[23.63]
{ بل قلوبهم } أي الكفار { فى غمرة } جهالة { من هذا } القرآن { ولهم أعمل من دون ذلك } المذكور للمؤمنين { هم لها عملون } فيعذبون عليها.
[23.64]
{ حتى } ابتدائية { إذآ أخذنا مترفيهم } أغنياءهم ورؤساءهم { بالعذاب } أي السيف يوم بدر { إذا هم يجئرون } يضجون يقال لهم:
[23.65]
{ لا تجئروا اليوم إنكم منا لا تنصرون } لا تمنعون.
[23.66]
{ قد كانت ءايتى } من القرآن { تتلى عليكم فكنتم على أعقبكم تنكصون } ترجعون القهقري.
[23.67]
{ مستكبرين } عن الإيمان { به } أي بالبيت أو بالحرم بأنهم أهله في أمن، بخلاف سائر الناس في مواطنهم { سمرا } حال أي جماعة يتحدثون بالليل حول البيت { تهجرون } من الثلاثي: تتركون القرآن، ومن الرباعي أي تقولون غير الحق في النبي والقرآن.
[23.68]
{ أفلم يدبروا } أصله «يتدبروا» فأدغمت التاء في الدال { القول } أي القرآن الدال على صدق النبي { أم جآءهم ما لم يأت ءابآءهم الأولين }.
[23.69]
{ أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون }.
[23.70]
{ أم يقولون به جنة } الاستفهام للتقرير بالحق من صدق النبي ومجيء الرسل للأمم الماضية ومعرفة رسولهم بالصدق والأمانة، وأن لا جنون به { بل } للانتقال { جآءهم بالحق } أي القرآن المشتمل على التوحيد وشرائع الإسلام { وأكثرهم للحق كرهون }.
[23.71]
{ ولو اتبع الحق } أي القرآن { أهوآءهم } بأن جاء بما يهوونه من الشريك والولد لله، تعالى الله عن ذلك. { لفسدت السموات والأرض ومن فيهن } أي خرجت عن نظامها المشاهد لوجود التمانع في الشيء عادة عند تعدد الحاكم { بل أتينهم بذكرهم } أي القرآن الذي فيه ذكرهم وشرفهم { فهم عن ذكرهم معرضون }.
[23.72]
{ أم تسألهم خرجا } أجرا على ما جئتهم به من الإيمان؟ { فخراج ربك } أجره وثوابه ورزقه { خير } وفي قراءة (خرجا) في الموضعين. وفي قراءة أخرى (خراجا) فيهما { وهو خير الرازقين } أفضل من أعطى وآجر.
[23.73]
{ وإنك لتدعوهم إلى صرط } طريق { مستقيم } أي دين الإسلام.
[23.74]
{ وأن الذين لا يؤمنون بالأخرة } بالبعث والثواب والعقاب { عن الصرط } أي الطريق { لنكبون } عادلون.
[23.75]
{ ولو رحمنهم وكشفنا ما بهم من ضر } أي جوع أصابهم بمكة سبع سنين { للجوا } تمادوا { في طغينهم } ضلالتهم { يعمهون } يترددون.
[23.76]
{ ولقد أخذنهم بالعذاب } الجوع { فما استكانوا } تواضعوا { لربهم وما يتضرعون } يرغبون إلى الله بالدعاء.
[23.77]
{ حتى } ابتدائية { إذا فتحنا عليهم بابا ذا } صاحب { عذاب شديد } هو يوم بدر بالقتل { إذا هم فيه مبلسون } آيسون من كل خير.
[23.78]
{ وهو الذى أنشأ } خلق { لكم السمع } بمعنى الأسماع { والأبصر والأفئدة } القلوب { قليلا ما } تأكيد للقلة { تشكرون }.
[23.79]
{ وهو الذى ذرأكم } خلقكم { فى الأرض وإليه تحشرون } تبعثون.
[23.80]
{ وهو الذى يحى } بنفخ الروح في المضغة { ويميت وله اختلف اليل والنهار } بالسواد والبياض والزيادة والنقصان { أفلا تعقلون } صنعه تعالى فتعتبرون؟
[23.81]
{ بل قالوا مثل ما قال الأولون }.
[23.82]
{ قالوا } أي الأولون { أءذا متنا وكنا ترابا وعظما أءنا لمبعوثون }؟ لا، وفي الهمزتين في الموضعين التحقيق وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين.
[23.83]
{ لقد وعدنا نحن وءابآؤنا هذا } أي البعث بعد الموت { من قبل إن } ما { هذآ إلا أسطير } أكاذيب { الأولين } كالأضاحيك والأعاجيب، جمع أسطورة بالضم.
[23.84]
{ قل } لهم { لمن الأرض ومن فيهآ } من الخلق { إن كنتم تعلمون } خالقها ومالكها.
[23.85]
{ سيقولون لله قل } لهم { أفلا تذكرون } بإدغام التاء الثانية في الذال: تتعظون، فتعلمون أن القادر على الخلق ابتداء قادر على الإحياء بعد الموت؟
[23.86]
{ قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم } الكرسي؟.
[23.87]
{ سيقولون لله قل أفلا تتقون } تحذرون عبادة غيره؟.
[23.88]
{ قل من بيده ملكوت } ملك { كل شىء } والتاء للمبالغة { وهو يجير ولا يجار عليه } يحمي ولا يحمى عليه؟ { إن كنتم تعلمون }.
[23.89]
{ سيقولون الله } وفي قراءة: «لله»بلام الجر في الموضعين نظرا إلى أن المعنى: من له ما ذكر؟ { قل فأنى تسحرون } تخدعون وتصرفون عن الحق عبادة الله وحده؟أي كيف تخيل لكم أنه باطل؟.
[23.90]
{ بل أتينهم بالحق } بالصدق { وإنهم لكذبون } في نفيه وهو:
[23.91]
{ ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا } أي لو كان معه إله { لذهب كل إله بما خلق } أي انفرد به ومنع الآخر من الاستيلاء عليه { ولعلا بعضهم على بعض } مغالبة كفعل ملوك الدنيا { سبحن الله } تنزيها له { عما يصفون } ه به مما ذكر.
[23.92]
{ علم الغيب والشهدة } ما غاب وما شوهد بالجر صفة، والرفع خبر «هو» مقدرا { فتعلى } تعظم { عما يشركون } ه معه.
[23.93]
{ قل رب إما } فيه إدغام نون «إن» الشرطية في «ما» الزائدة { تريني ما يوعدون } ه من العذاب هو صادق بالقتل ببدر.
[23.94]
{ رب فلا تجعلنى فى القوم الظلمين } فأهلك بإهلاكهم.
[23.95]
{ وإنا على أن نريك ما نعدهم لقدرون }.
[23.96]
{ ادفع بالتى هى أحسن } أي الخلة من الصفح والإعراض عنهم { السيئة } أذاهم إياك، وهذا قبل الأمر بالقتال[5:9] { نحن أعلم بما يصفون } أي يكذبون ويقولون فنجازيهم عليه.
[23.97]
{ وقل رب أعوذ } أعتصم { بك من همزات الشيطين } نزغاتهم بما يوسوسون به.
[23.98]
{ وأعوذ بك رب أن يحضرون } في أموري، لأنهم إنما يحضرون بسوء.
[23.99]
{ حتى } ابتدائية { إذا جآء أحدهم الموت } ورأى مقعده من النار ومقعده من الجنة لو آمن { قال رب ارجعون } الجمع للتعظيم.
[23.100]
{ لعلى أعمل صلحا } بأن أشهد أن لا إله إلا الله يكون { فيما تركت } ضيعت من عمري أي في مقابلته قال تعالى: { كلا } أي لا رجوع { إنها } أي «رب ارجعون» { كلمة هو قائلها } ولا فائدة له فيها { ومن ورائهم } أمامهم { برزخ } حاجز يصدهم عن الرجوع { إلى يوم يبعثون } ولا رجوع بعده.
[23.101]
{ فإذا نفخ فى الصور } القرن النفخة الأولى { فلا أنسب بينهم يومئذ } يتفاخرون بها { ولا يتسآءلون } عنها خلاف حالهم في الدنيا لما يشغلهم من عظم الأمر عند ذلك في بعض مواطن القيامة، وفي بعضها يفيقون. وفي آية:
فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون
[5:37].
[23.102]
{ فمن ثقلت موزينه } بالحسنات { فأولئك هم المفلحون } الفائزون.
[23.103]
{ ومن خفت موزينه } بالسيئات { فأولئك الذين خسروا أنفسهم } فهم { فى جهنم خلدون }.
[23.104]
{ تلفح وجوههم النار } تحرقها { وهم فيها كلحون } شمرت شفاههم العليا والسفلى عن أسنانهم، ويقال لهم:
[23.105]
{ ألم تكن ءايتى } من القرآن { تتلى عليكم } تخوفون بها { فكنتم بها تكذبون }.
[23.106]
{ قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا } وفي قراءة «شقاوتنا» بفتح أوله وألف وهما مصدران بمعنى { وكنا قوما ضآلين } عن الهداية.
[23.107]
{ ربنآ أخرجنا منها فإن عدنا } إلى المخالفة { فإنا ظلمون }.
[23.108]
{ قال } لهم بلسان مالك بعد قدر الدنيا مرتين { اخسئوا فيها } أبعدوا في النار أذلاء { ولا تكلمون } في رفع العذاب عنكم فينقطع رجاؤهم.
[23.109]
{ إنه كان فريق من عبادى } هم المهاجرون { يقولون ربنآ ءامنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين }.
[23.110]
{ فاتخذتموهم سخريا } بضم السين وكسرها: مصدر بمعنى الهزء، منهم: بلال وصهيب وعمار وسلمان { حتى أنسوكم ذكرى } فتركتموه لاشتغالكم بالاستهزاء بهم، فهم سبب الإنساء فنسب إليهم { وكنتم منهم تضحكون }.
[23.111]
{ إنى جزيتهم اليوم } النعيم المقيم { بما صبروا } على استهزائكم بهم وأذاكم إياهم { إنهم } بكسر الهمزة { هم الفآئزون } بمطلوبهم استئناف، وبفتحها مفعول ثان لجزيتهم.
[23.112]
{ قال } تعالى لهم بلسان مالك. وفي قراءة:( قل) { كم لبثتم فى الأرض } في الدنيا وفي قبوركم { عدد سنين } تمييز.
[23.113]
{ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم } شكوا في ذلك واستقصروه لعظم ما هم فيه من العذاب { فسئل العآدين } أي الملائكة المحصين أعمال الخلق.
[23.114]
{ قال } تعالى لهم بلسان مالك. وفي قراءة «قل» { إن } ما { لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون } مقدار لبثكم من الطول كان قليلا بالنسبة إلى لبثكم في النار.
[23.115]
{ أفحسبتم أنما خلقنكم عبثا } لا لحكمة { وأنكم إلينا لا ترجعون } بالبناء للفاعل وللمفعول؟ لا، بل لنتعبدكم بالأمر والنهي، وترجعوا إلينا ونجازي على ذلك
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
[56:51].
[23.116]
{ فتعلى الله } عن العبث وغيره مما لا يليق به { الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم } الكرسي الحسن.
[23.117]
{ ومن يدع مع الله إلها ءاخر لا برهان له به } صفة كاشفة لا مفهوم لها { فإنما حسابه } جزاؤه { عند ربه إنه لا يفلح الكفرون } لا يسعدون.
[23.118]
{ وقل رب اغفر وارحم } المؤمنين، في الرحمة زيادة على المغفرة { وأنت خير الرحمين } أفضل راحم.
[24 - سورة النور]
[24.1]
هذه { سورة أنزلنها وفرضنها } مخففة ومشددة لكثرة المفروض فيها { وأنزلنا فيها ءايت بينت } واضحات الدلالات { لعلكم تذكرون } بإدغام التاء الثانية في الذال تتعظون.
[24.2]
{ الزانية والزانى } أي غير المحصنين لرجمهما بالسنة (وأل) فيما ذكر موصولة وهو مبتدأ ولشبهه بالشرط دخلت الفاء في خبره وهو { فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } أي ضربة يقال (جلده) ضرب جلده ويزاد على ذلك بالسنة تغريب عام، والرقيق على النصف مما ذكر { ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله } أي حكمه بأن تتركوا شيئا من حدهما { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر } أي يوم البعث في هذا تحريض على ما قبل الشرط وهو جوابه أو دال على جوابه { وليشهد عذابهما } أي الجلد { طائفة من المؤمنين } قيل ثلاثة وقيل أربعة عدد شهود الزنا.
[24.3]
{ الزانى لا ينكح } يتزوج { إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } أي المناسب لكل منهما ما ذكر { وحرم ذلك } أي نكاح الزواني { على المؤمنين } الأخيار. نزل ذلك لما هم فقراء المهاجرين أن يتزوجوا بغايا المشركين وهن موسرات لينفقن عليهم فقيل التحريم خاص بهن وقيل عام ونسخ بقوله تعالى
وأنكحوا الأيمى منكم
[32:24].
[24.4]
{ والذين يرمون المحصنت } العفيفات بالزنا { ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } على زناهن برؤيتهم { فاجلدوهم } أي كل واحد منهم { ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة } في شيء { أبدا وأولئك هم الفسقون } لإتيانهم كبيرة.
[24.5]
{ إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } عملهم { فإن الله غفور } لهم قذفهم { رحيم } بهم بإلهامهم التوبة فبها ينتهي فسقهم وتقبل شهادتهم وقيل لا تقبل رجوعا بالاستثناء إلى الجملة الأخيرة.
[24.6]
{ والذين يرمون أزوجهم } بالزنا { ولم يكن لهم شهداء } عليه { إلا أنفسهم } وقع ذلك لجماعة من الصحابة { فشهدة أحدهم } مبتدأ { أربع شهدات } نصب على المصدر { بالله إنه لمن الصدقين } فيما رمى به زوجته من الزنا.
[24.7]
{ والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكذبين } في ذلك وخبر المبتدأ: تدفع عنه حد القذف.
[24.8]
{ ويدرؤا } يدفع { عنها العذاب } أي حد الزنا الذي ثبت بشهاداته { أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكذبين } فيما رماها به من الزنا.
[24.9]
{ والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصدقين } في ذلك.
[24.10]
{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته } بالستر في ذلك { وأن الله تواب } بقبوله التوبة في ذلك وغيره { حكيم } فيما حكم به في ذلك وغيره ليبين الحق في ذلك وعاجل بالعقوبة من يستحقها.
[24.11]
{ إن الذين جاءو بالإفك } أسوأ الكذب على عائشة رضي الله عنها، أم المؤمنين بقذفها { عصبة منكم } جماعة من المؤمنين قالت: حسان بن ثابت، وعبد الله بن أبي، ومسطح، وحمنة بنت جحش { لا تحسبوه } أيها المؤمنون غير العصبة { شرا لكم بل هو خير لكم } يأجركم الله به، ويظهر براءة عائشة ومن جاء معها منه وهو صفوان فإنها قالت: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بعدما أنزل الحجاب، ففرغ منها ورجع ودنا من المدينة، وآذن بالرحيل ليلة فمشيت وقفيت شأني وأقبلت إلى الرحل فإذا عقدي انقطع - وهو بكسر المهملة: القلادة - فرجعت ألتمسه وحملوا هودجي - هو ما يركب فيه - على بعيري يحسبونني فيه وكانت النساء خفافا إنما يأكلن العلقة - هو بضم المهملة وسكون اللام: من الطعام: أي القليل - ووجدت عقدي وجئت بعدما ساروا فجلست في المنزل الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلي فغلبتني عيناي فنمت وكان صفوان قد عرس من وراء الجيش فادلج - هما بتشديد الراء والدال أي نزل من آخر الليل للاستراحة - فسار منه فأصبح في منزله فرأى سواد إنسان نائم - أي شخصه - فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني - أي قوله:
إنا لله وإنا إليه راجعون
[156:2] - فخمرت وجهي بجلبابي - أي غطيته بالملاءة - والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته ووطىء على يدها، فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة - أي من أوغر واقفين في مكان وغر، من شدة الحر - فهلك من هلك في، وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي ابن سلول اه قولها رواه الشيخان قال تعالى: { لكل امرىء منهم } أي عليه { ما اكتسب من الإثم } في ذلك { والذى تولى كبره منهم } أي تحمل معظمه فبدأ بالخوض فيه وأشاعه وهو عبد الله بن أبي { له عذاب عظيم } هو النار في الآخرة.
[24.12]
{ لولا } هلا { إذ } حين { سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنت بأنفسهم } أي ظن بعضهم ببعض { خيرا وقالوا هذا إفك مبين } كذب بين؟ فيه التفات عن الخطاب أي ظننتم أيها العصبة وقلتم.
[24.13]
{ لولا } هلا { جآءو } أي العصبة { عليه بأربعة شهداء } شاهدوه؟ { فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله } أي في حكمه { هم الكذبون } فيه.
[24.14]
{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته فى الدنيا والأخرة لمسكم في مآ أفضتم } أيها العصبة أو خضتم { فيه عذاب عظيم } في الآخرة.
[24.15]
{ إذ تلقونه بألسنتكم } أي يرويه بعضكم عن بعض وحذف من الفعل إحدى التاءين وإذ منصوب بمسكم أو بأفضتم { وتقولون بأفوهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا } لا إثم فيه { وهو عند الله عظيم } في الإثم.
[24.16]
{ ولولا } هلا { إذ } حين { سمعتموه قلتم ما يكون } ما ينبغي { لنا أن نتكلم بهذا سبحنك } هو للتعجيب هنا { هذا بهتن } كذب { عظيم }.
[24.17]
{ يعظكم الله } ينهاكم { أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين } تتعظون بذلك.
[24.18]
{ ويبين الله لكم الأيت } في الأمر والنهي { والله عليم } بما يأمر به وينهى عنه { حكيم } فيه.
[24.19]
{ إن الذين يحبون أن تشيع الفحشة } باللسان { في الذين ءامنوا } بنسبتها إليهم وهم العصبة { لهم عذاب أليم فى الدنيا } بحد القذف { والأخرة } بالنار لحق الله { والله يعلم } انتفاءها عنهم { وأنتم } أيها العصبة بما قلتم من الإفك { لا تعلمون } وجودها فيهم.
[24.20]
{ ولولا فضل الله عليكم } أيها العصبة { ورحمته وأن الله رءوف رحيم } بكم لعاجلكم بالعقوبة.
[24.21]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوت الشيطن } أي طريق تزيينه { ومن يتبع خطوت الشيطن فإنه } أي المتبع { يأمر بالفحشاء } أي القبيح { والمنكر } شرعا باتباعها { ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم } أيها العصبة بما قلتم من الإفك { من أحد أبدا } أي ما صلح وطهر من هذا الذنب بالتوبة منه { ولكن الله يزكى } يطهر { من يشآء } من الذنب بقبول توبته منه { والله سميع } بما قلتم { عليم } بما قصدتم.
[24.22]
{ ولا يأتل } يحلف { أولوا الفضل } أي أصحاب الغنى { منكم والسعة أن } لا { يؤتوا أولى القربى والمسكين والمهجرين فى سبيل الله } نزلت في أبي بكر حلف أن لا ينفق على مسطح وهو ابن خالته مسكين مهاجر بدري لما خاض في الإفك بعد أن كان ينفق عليه، وناس من الصحابة أقسموا أن لا يتصدقوا على من تكلم بشيء من الإفك { وليعفوا وليصفحوا } عنهم في ذلك { ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } للمؤمنين قال أبو بكر: بلى أنا أحب أن يغفر الله لي ورجع إلى مسطح ما كان ينفقه عليه.
[24.23]
{ إن الذين يرمون } بالزنا { المحصنت } العفائف { الغفلت } عن الفواحش بأن لا يقع في قلوبهن فعلها { المؤمنت } بالله ورسوله { لعنوا فى الدنيا والأخرة ولهم عذاب عظيم }.
[24.24]
{ يوم } ناصبه الاستقرار الذي تعلق به لهم { تشهد } بالفوقانية والتحتانية { عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } من قول وفعل وهو يوم القيامة.
[24.25]
{ يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق } يجازيهم جزاءه الواجب عليهم { ويعلمون أن الله هو الحق المبين } حيث حقق لهم جزاءه الذي كانوا يشكون فيه ومنهم عبد الله ابن أبي والمحصنات هن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في قذفهن توبة ومن ذكر في قذفهن أول سورة التوبة [3:9] غيرهن.
[24.26]
{ الخبيثت } من النساء ومن الكلمات { للخبيثين } من الناس { والخبيثون } من الناس { للخبيثت } مما ذكر { والطيبت } مما ذكر { للطيبين } من الناس { والطيبون } منهم { للطيبت } مما ذكر أي اللائق بالخبيث مثله وبالطيب مثله { أولئك } الطيبون والطيبات من النساء ومنهم عائشة وصفوان { مبرءون مما يقولون } أي الخبيثون والخبيثات من الرجال والنساء فيهم { لهم } للطيبين والطيبات من النساء { مغفرة ورزق كريم } في الجنة، وقد افتخرت عائشة بأشياء منها أنها: خلقت طيبة ووعدت مغفرة ورزقا كريما.
[24.27]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا } أي تستأذنوا { وتسلموا على أهلها } فيقول الواحد السلام عليكم أأدخل؟ كما ورد في حديث { ذلكم خير لكم } من الدخول بغير استئذان { لعلكم تذكرون } بإدغام التاء الثانية في الذال خيريته فتعملون به.
[24.28]
{ فإن لم تجدوا فيها أحدا } يأذن لكم { فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم } بعد الاستئذان { ارجعوا فارجعوا هو } أي الرجوع { أزكى } أي خير { لكم } من القعود على الباب { والله بما تعملون } من الدخول بإذن وغير إذن { عليم } فيجازيكم عليه.
[24.29]
{ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع } أي منفعة { لكم } باستكنان وغيره كبيوت الربط والخانات والمسبلة { والله يعلم ما تبدون } تظهرون { وما تكتمون } تخفون في دخول غير بيوتكم من قصد صلاح أو غيره، وسيأتي أنهم إذا دخلوا بيوتهم يسلمون على أنفسهم.
[24.30]
{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصرهم } عما لا يحل لهم نظره، و من زائدة { ويحفظوا فروجهم } عما لا يحل لهم فعله بها { ذلك أزكى } أي خير { لهم إن الله خبير بما يصنعون } بالأبصار والفروج فيجازيهم عليه.
[24.31]
{ وقل للمؤمنت يغضضن من أبصرهن } عما لا يحل لهن نظره { ويحفظن فروجهن } عما لا يحل لهن فعله بها { ولا يبدين } يظهرن { زينتهن إلا ما ظهر منها } وهو الوجه والكفان فيجوز نظره لأجنبي إن لم يخف فتنة في أحد وجهين، والثاني تحرم، لأنه مظنة الفتنة، ورجح حسما للباب { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } أي يسترن الرؤوس والأعناق والصدور بالمقانع { ولا يبدين زينتهن } الخفية، وهي ما عدا الوجه والكفين { إلا لبعولتهن } جمع بعل، أي زوج { أو ءآبائهن أو ءاباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمنهن } فيجوز لهم نظره إلا ما بين السرة والركبة فيحرم نظره لغير الأزواج وخرج بنسائهن الكافرات فلا يجوز للمسلمات الكشف لهن وشمل ما ملكت أيمانهن العبيد { أو التبعين } في فضول الطعام { غير } بالجر صفة والنصب استثناء { أولى الإربة } أصحاب الحاجة إلى النساء { من الرجال } بأن لم ينتشر ذكر كل { أو الطفل } بمعنى الأطفال { الذين لم يظهروا } يطلعوا { على عورت النساء } للجماع فيجوز أن يبدين لهم ما عدا ما بين السرة والركبة { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } من خلخال يتقعقع { وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون } مما وقع لكم من النظر الممنوع منه ومن غيره { لعلكم تفلحون } تنجون من ذلك لقبول التوبة منه وفي الآية تغليب الذكور على الإناث.
[24.32]
{ وأنكحوا الأيمى منكم } جمع أيم: وهي من ليس لها زوج بكرا كانت أو ثيبا ومن ليس له زوج وهذا في الأحرار والحرائر { والصلحين } أي المؤمنين { من عبادكم وإمائكم } و عباد من جموع عبد { إن يكونوا } أي الأحرار { فقراء يغنهم الله } بالتزوج { من فضله والله واسع } لخلقه { عليم } بهم.
[24.33]
{ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا } أي ما ينكحون به من مهر ونفقة عن الزنا { حتى يغنيهم الله } يوسع عليهم { من فضله } فينكحون { والذين يبتغون الكتب } بمعنى المكاتبة { مما ملكت أيمنكم } من العبيد والإماء { فكتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } أي أمانة وقدرة على الكسب لأداء مال الكتابة وصيغتها مثلا: كاتبتك على ألفين في شهرين كل شهر ألف فإذا أديتها فأنت حر فيقول قبلت { وءاتوهم } أمر للسادة { من مال الله الذي ءاتكم } ما يستعينون به في أداء ما التزموه لكم، { ولا تكرهوا فتيتكم } أي إمائكم { على البغاء } أي الزنا { إن أردن تحصنا } تعففا عنه، وهذه الإرادة محل الإكراه فلا مفهوم للشرط { لتبتغوا } بالإكراه { عرض الحيوة الدنيا } نزلت في عبد الله بن أبي كان يكره جواريه على الكسب بالزنا { ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور } لهن { رحيم } بهن.
[24.34]
{ ولقد أنزلنا إليكم ءايت مبينت } بفتح الياء وكسرها في هذه السورة، بين فيها ما ذكر، أو تبينة { ومثلا } خبرا عجيبا وهو خبر عائشة { من الذين خلوا من قبلكم } أي من جنس أمثالكم أي أخبارهم العجيبة كخبر يوسف [12] ومريم [19] { وموعظة للمتقين } في قوله تعالى: { ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله } { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون } الخ { ولولا إذ سمعتموه قلتم } الخ { يعظكم الله أن تعودوا } الخ و تخصيصها بالمتقين لأنهم المنتفعون بها.
[24.35]
{ الله نور السموات والأرض } أي منورهما بالشمس والقمر { مثل نوره } أي صفته في قلب المؤمن { كمشكوة فيها مصباح المصباح فى زجاجة } هي القنديل والمصباح السراج أي: الفتيلة الموقودة، والمشكاة الطاقة غير النافذة، أي الأنبوبة في القنديل { الزجاجة كأنها } والنور فيها { كوكب درى } أي مضيء بكسر الدال وضمها من الدرء بمعنى الدفع لدفعها الظلام، وبضمها وتشديد الياء منسوب إلى الدر: اللؤلؤ { يوقد } المصباح بالماضي، وفي قراءة بمضارع أوقد مبنيا للمفعول بالتحتانية وفي أخرى «توقد» بالفوقانية، أي الزجاجة { من } زيت { شجرة مبركة زيتونة لا شرقية ولا غربية } بل بينهما فلا يتمكن منها حر ولا برد مضرين { يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار } لصفائه { نور } به { على نور } بالنار، ونور الله: أي هداه للمؤمن نور على نور الإيمان { يهدى الله لنوره } أي دين الإسلام { من يشاء ويضرب } يبين { الله الأمثال للناس } تقريبا لأفهامهم ليعتبروا فيؤمنوا { والله بكل شيء عليم } ومنه ضرب الأمثال.
[24.36]
{ فى بيوت } متعلق بيسبح الآتي { أذن الله أن ترفع } تعظم { ويذكر فيها اسمه } بتوحيده { يسبح } بفتح الموحدة وكسرها: أي يصلي { له فيها بالغدو } مصدر بمعنى الغدوات: أي البكر { والأصال } العشايا من بعد الزوال.
[24.37]
{ رجال } فاعل يسبح بكسر الباء وعلى فتحها نائب الفاعل «له» و«رجال» فاعل فعل مقدر جواب سؤال مقدر كأنه قيل: من يسبحه؟ { لا تلهيهم تجرة } أي شراء { ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلوة } حذف هاء إقامة تخفيف { وإيتاء الزكوة يخفون يوما تتقلب } تضطرب { فيه القلوب والأبصر } من الخوف، القلوب بين النجاة والهلاك، والأبصار بين ناحيتي اليمين والشمال: هو يوم القيامة.
[24.38]
{ ليجزيهم الله أحسن ما عملوا } أي ثوابه وأحسن بمعنى حسن { ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب } يقال فلان ينفق بغير حساب أي يوسع كأنه لا يحسب ما ينفقه.
[24.39]
{ والذين كفروا أعملهم كسراب بقيعة } جمع قاع: أي في فلاة وهو شعاع يرى فيها نصف النهار في شدة الحر يشبه الماء الجاري { يحسبه } يظنه { الظمان } أي العطشان { ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا } مما حسبه كذلك الكافر يحسب أن عمله كصدقة ينفعه حتى إذا مات وقدم على ربه لم يجد عمله أي لم ينفعه { ووجد الله عنده } أي عند عمله { فوفه حسابه } أي جزاه عليه في الدنيا { والله سريع الحساب } أي المجازاة.
[24.40]
{ أو } الذين كفروا أعمالهم السيئة { كظلمت فى بحر لجى } عميق { يغشه موج من فوقه } أي الموج { موج من فوقه } أي الموج الثاني { سحاب } أي غيم، هذه { ظلمت بعضها فوق بعض } ظلمة البحر وظلمة الموج الأول وظلمة الثاني وظلمة السحاب { إذا أخرج } الناظر { يده } في هذه الظلمات { لم يكد يراها } أي لم يقرب من رؤيتها { ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور } أي من لم يهده الله لم يهتد.
[24.41]
{ ألم تر أن الله يسبح له من فى السموات والأرض } ومن التسبيح صلاة { والطير } جمع طائر بين السماء والأرض { صفت } حال باسطات أجنحتهن { كل قد علم } الله { صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون } فيه تغليب العاقل.
[24.42]
{ ولله ملك السموات والأرض } خزائن المطر والرزق والنبات { وإلى الله المصير } المرجع.
[24.43]
{ ألم تر أن الله يزجى سحابا } يسوقه برفق { ثم يؤلف بينه } يضم بعضه إلى بعض فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة { ثم يجعله ركاما } بعضه فوق بعض { فترى الودق } المطر { يخرج من خلاله } مخارجه { وينزل من السماء من } زائدة { جبال فيها } في السماء بدل بإعادة الجار { من برد } أي بعضه { فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد } يقرب { سنا برقه } لمعانه { يذهب بالأبصر } الناظرة له: أي يخطفها.
[24.44]
{ يقلب الله اليل والنهار } أي يأتي بكل منهما بدل الآخر { إن فى ذلك } التقليب { لعبرة } دلالة { لأولى الأبصر } لأصحاب البصائر على قدرة الله تعالى.
[24.45]
{ والله خلق كل دابة } أي حيوان { من ماء } أي نطفة { فمنهم من يمشى على بطنه } كالحيات والهوام { ومنهم من يمشى على رجلين } كالإنسان والطير { ومنهم من يمشى على أربع } كالبهائم والأنعام { يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شىء قدير }.
[24.46]
{ لقد أنزلنا ءايت مبينت } أي بينات هي القرآن { والله يهدى من يشاء إلى صراط } طريق { مستقيم } أي دين الإسلام.
[24.47]
{ ويقولون } أي المنافقون { ءامنا } صدقنا { بالله } بتوحيده { وبالرسول } محمد { وأطعنا } هما فيما حكما به { ثم يتولى } يعرض { فريق منهم من بعد ذلك } عنه { وما أولئك } المعرضون { بالمؤمنين } المعهودين الموافق قلوبهم لألسنتهم.
[24.48]
{ وإذا دعوا إلى الله ورسوله } المبلغ عنه { ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون } عن المجيء إليه.
[24.49]
{ وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين } مسرعين طائعين.
[24.50]
{ أفى قلوبهم مرض } كفر { أم ارتابوا } أي شكوا في نبوته { أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله } في الحكم أي فيظلموا فيه؟ لا { بل أولئك هم الظلمون } بالإعراض عنه.
[24.51]
{ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم } أي: القول اللائق بهم { أن يقولوا سمعنا وأطعنا } بالإجابة { وأولئك } حينئذ { هم المفلحون } الناجون.
[24.52]
{ ومن يطع الله ورسوله ويخش الله } يخافه { ويتقه } بسكون الهاء وكسرها بأن يطيعه { فأولئك هم الفائزون } بالجنة.
[24.53]
{ وأقسموا بالله جهد أيمنهم } غايتها { لئن أمرتهم } بالجهاد { ليخرجن قل } لهم { لا تقسموا طاعة معروفة } للنبي خير من قسمكم الذي لا تصدقون فيه { إن الله خبير بما تعملون } من طاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل.
[24.54]
{ قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا } عن طاعته بحذف إحدى التاءين خطاب لهم { فإنما عليه ما حمل } من التبليغ { وعليكم ما حملتم } من طاعته { وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلغ المبين } أي التبليغ البين.
[24.55]
{ وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصلحت ليستخلفنهم فى الأرض } بدلا عن الكفار { كما استخلف } بالبناء للفاعل والمفعول { الذين من قبلهم } من بني إسرائيل بدلا عن الجبابرة { وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم } وهو الإسلام بأن يظهره على جميع الأديان ويوسع لهم في البلاد فيملكونها { وليبدلنهم } بالتخفيف والتشديد { من بعد خوفهم } من الكفار { أمنا } وقد أنجز الله وعده لهم بما ذكر وأثنى عليهم بقوله: { يعبدوننى لا يشركون بى شيئا } هو مستأنف في حكم التعليل { ومن كفر بعد ذلك } الإنعام منهم به { فأولئك هم الفسقون } وأول من كفر به قتلة عثمان رضي الله عنه فصاروا يقتتلون بعد أن كانوا إخوانا.
[24.56]
{ وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون } أي رجاء الرحمة.
[24.57]
{ لا تحسبن } بالفوقانية والتحتانية والفاعل الرسول { الذين كفروا معجزين } لنا { فى الأرض } بأن يفوتونا { ومأواهم } مرجعهم { النار ولبئس المصير } المرجع هي.
[24.58]
{ يأيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمنكم } من العبيد والإماء { والذين لم يبلغوا الحلم منكم } من الأحرار وعرفوا أمر النساء { ثلث مرات } في ثلاثة أوقات { من قبل صلوة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة } أي وقت الظهر { ومن بعد صلوة العشاء ثلث عورات لكم } بالرفع خبر مبتدأ مقدر بعده مضاف وقام المضاف إليه مقامه: أي هي أوقات، وبالنصب بتقدير أوقات منصوبا بدلا من محل ما قبله قام المضاف إليه مقامه، وهي لإلقاء الثياب تبدو فيها العورات { ليس عليكم ولا عليهم } أي المماليك والصبيان { جناح } في الدخول عليكم بغير استئذان { بعدهن } أي بعد الأوقات الثلاثة، هم { طوفون عليكم } للخدمة { بعضكم } طائف { على بعض } والجملة مؤكدة لما قبلها { كذلك } كما بين ما ذكر { يبين الله لكم الآيت } أي الأحكام { والله عليم } بأمور خلقه { حكيم } بما دبره لهم، وآية الاستئذان قيل منسوخة وقيل لا، ولكن تهاون الناس في ترك الاستئذان.
[24.59]
{ وإذا بلغ الأطفل منكم } أيها الأحرار { الحلم فليستئذنوا } في جميع الأوقات { كما استئذن الذين من قبلهم } أي الأحرار الكبار { كذلك يبين الله لكم ءايته والله عليم حكيم }.
[24.60]
{ والقواعد من النساء } قعدن عن الحيض والولد لكبرهن { التى لا يرجون نكاحا } لذلك { فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن } من الجلباب والرداء والقناع فوق الخمار { غير متبرجت } مظهرات { بزينة } خفية كقلادة وسوار وخلخال { وأن يستعففن } بأن لا يضعنها { خير لهن والله سميع } لقولكم { عليم } بما في قلوبكم.
[24.61]
{ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } في مؤاكلة مقابليهم { ولا } حرج { على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم } أي بيوت أولادكم { أو بيوت ءابائكم أو بيوت أمهتكم أو بيوت إخونكم أو بيوت أخوتكم أو بيوت أعممكم أو بيوت عمتكم أو بيوت أخولكم أو بيوت خلتكم أو ما ملكتم مفاتحه } أي خزنتموه لغيركم { أو صديقكم } وهو من صدقكم في مودته. المعنى يجوز الأكل من بيوت من ذكر وإن لم يحضروا أي إذا علم رضاهم به { ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا } مجتمعين { أو أشتاتا } متفرقين، جمع شت، نزل فيمن تحرج أن يأكل وحده وإذا لم يجد من يؤاكله يترك الأكل { فإذا دخلتم بيوتا } لكم لا أهل بها { فسلموا على أنفسكم } أي قولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإن الملائكة ترد عليكم وإن كان بها أهل فسلموا عليهم { تحية } مصدر حيا { من عند الله مبركة طيبة } يثاب عليها { كذلك يبين الله لكم الآيت } أي يفصل لكم معالم دينكم { لعلكم تعقلون } لكي تفهموا ذلك.
[24.62]
{ إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه } أي الرسول { على أمر جامع } كخطبة الجمعة { لم يذهبوا } لعروض عذر لهم { حتى يستئذنوه إن الذين يستئذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استئذنوك لبعض شأنهم } أمرهم { فأذن لمن شئت منهم } بالانصراف { واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم }.
[24.63]
{ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } بأن تقولوا يا محمد، بل قولوا: يا نبي الله، يا رسول الله، في لين وتواضع وخفض صوت { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا } أي يخرجون من المسجد في الخطبة من غير استئذان خفية مستترين بشيء، (وقد) للتحقيق { فليحذر الذين يخالفون عن أمره } أي الله أو رسوله { أن تصيبهم فتنة } بلاء { أو يصيبهم عذاب أليم } في الآخرة.
[24.64]
{ ألا إن لله ما فى السموات والأرض } ملكا وخلقا وعبيدا { قد يعلم ما أنتم } أيها المكلفون { عليه } من الإيمان والنفاق { و } يعلم { يوم يرجعون إليه } فيه التفات عن الخطاب أي متى يكون { فينبئهم } فيه { بما عملوا } من الخير والشر { والله بكل شيء } من أعمالهم وغيرها { عليم }.
[25 - سورة الفرقان]
[25.1]
{ تبارك } تعالى { الذى نزل الفرقان } القرآن لأنه فرق بين الحق والباطل { على عبده } محمد { ليكون للعلمين } أي الإنس والجن دون الملائكة { نذيرا } مخوفا من عذاب الله.
[25.2]
{ الذى له ملك السموت والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك وخلق كل شىء } من شأنه أن يخلق { فقدره تقديرا } سواه تسوية.
[25.3]
{ واتخذوا } أي الكفار { من دونه } أي الله: أي غيره { ءالهة } هي الأصنام { لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لانفسهم ضرا } أي دفعه { ولا نفعا } أي جره { ولا يملكون موتا ولا حيوة } أي إماتة لأحد ولا إحياء لأحد { ولا نشورا } أي بعثا للأموات.
[25.4]
{ وقال الذين كفروا إن هذآ } أي ما القرآن { إلا إفك } كذب { افتره } محمد { وأعانه عليه قوم ءاخرون } وهم أهل الكتاب، قال تعالى { فقد جآءوا ظلما وزورا } كفرا وكذبا: أي بهما.
[25.5]
{ وقالوا } أيضا هو { أسطير الأولين } أكاذيبهم، جمع أسطورة بالضم { اكتتبها } انتسخها من ذلك القوم بغيره { فهى تملى } تقرأ { عليه } ليحفظها { بكرة وأصيلا } غدوة وعشيا، قال تعالى ردا عليهم:
[25.6]
{ قل أنزله الذى يعلم السر } الغيب { في السموت والأرض إنه كان غفورا } للمؤمنين { رحيما } بهم.
[25.7]
{ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الاسواق لولآ } هلا { أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا } يصدقه؟.
[25.8]
{ أو يلقى إليه كنز } من السماء ينفقه، ولا يحتاج إلى المشي في الأسواق لطلب المعاش؟ { أو تكون له جنة } بستان { يأكل منها } أي من ثمارها فيكتفي بها. وفي قراءة «نأكل» بالنون: أي نحن، فيكون له مزية علينا بها { وقال الظلمون } أي الكافرون للمؤمنين { إن } ما { تتبعون إلا رجلا مسحورا } مخدوعا مغلوبا على عقله.
[25.9]
قال تعالى: { انظر كيف ضربوا لك الأمثال } بالمسحور، والمحتاج إلى ما ينفقه وإلى ملك يقوم معه بالأمر { فضلوا } بذلك عن الهدى { فلا يستطيعون سبيلا } طريقا إليه.
[25.10]
{ تبارك } تكاثر خير الله { الذى إن شآء جعل لك خيرا من ذلك } الذي قالوه من الكنز والبستان { جنت تجرى من تحتها الأنهر } أي في الدنيا لأنه شاء أن يعطيه إياها في الآخرة { ويجعل } بالجزم { لك قصورا } أيضا، وفي قراءة بالرفع استئنافا.
[25.11]
{ بل كذبوا بالساعة } القيامة { وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا } نارا مسعرة: أي مشتدة.
[25.12]
{ إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا } غليانا كالغضبان إذا غلا صدره من الغضب { وزفيرا } صوتا شديدا، و سماع التغيظ رؤيته وعلمه.
[25.13]
{ وإذآ ألقوا منها مكانا ضيقا } بالتشديد والتخفيف بأن يضيق عليهم، و«منها» حال من (مكانا)، لأنه في الأصل صفة له { مقرنين } مصفدين قد قرنت: أي جمعت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال، والتشديد للتكثير { دعوا هنالك ثبورا } هلاكا فيقال لهم:
[25.14]
{ لا تدعوا اليوم ثبورا وحدا وادعوا ثبورا كثيرا } لعذابكم.
[25.15]
{ قل أذلك } المذكور من الوعيد وصفة النار { خير أم جنة الخلد التى وعد } ها { المتقون كانت لهم } في علمه تعالى { جزآء } ثوابا { ومصيرا } مرجعا.
[25.16]
{ لهم فيها ما يشآءون خلدين } حال لازمة { كان } وعدهم ما ذكر { على ربك وعدا مسئولا } يسأله من وعد به
ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك
[194:3] أو تسأله لهم الملائكة
ربنا وأدخلهم جنت عدن التى وعدتهم
[8:40].
[25.17]
{ ويوم نحشرهم } بالنون والتحتانية { وما يعبدون من دون الله } أي غيره من الملائكة وعيسى وعزير والجن { فيقول } تعالى بالتحتانية والنون للمعبودين إثباتا للحجة على العابدين: { ءأنتم } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه { أضللتم عبادى هؤلآء } أوقعتموهم في الضلال بأمركم إياهم بعبادتكم { أم هم ضلوا السبيل } طريق الحق بأنفسهم؟.
[25.18]
{ قالوا سبحنك } تنزيها لك عما لا يليق بك { ما كان ينبغى } يستقيم { لنآ أن نتخذ من دونك } أي غيرك { من أوليآء } مفعول أول ل«نتخذ» و من زائدة لتأكيد النفي، وما قبله الثاني فكيف نأمر بعبادتنا؟ { ولكن متعتهم وءابآءهم } من قبلهم بإطالة العمر وسعة الرزق { حتى نسوا الذكر } تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن { وكانوا قوما بورا } هلكى.
[25.19]
قال تعالى: { فقد كذبوكم } أي كذب المعبودون العابدين { بما تقولون } بالفوقانية أنهم آلهة { فما تستطيعون } بالتحتانية والفوقانية: أي لا هم ولا أنتم { صرفا } دفعا للعذاب عنكم { ولا نصرا } منعا لكم منه { ومن يظلم } يشرك { منكم نذقه عذابا كبيرا } شديدا في الآخرة.
[25.20]
{ ومآ أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق } فأنت مثلهم في ذلك، وقد قيل لهم مثل ما قيل لك { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } بلية ابتلي الغني بالفقير، والصحيح بالمريض، والشريف بالوضيع يقول الثاني في كل ما لي لا أكون كالأول في كل { أتصبرون } على ما تسمعون ممن ابتليتم بهم؟ استفهام بمعنى الأمر: أي اصبروا { وكان ربك بصيرا } بمن يصبر وبمن يجزع.
[25.21]
{ وقال الذين لا يرجون لقآءنا } لا يخافون البعث { لولا } هلا { أنزل علينا الملئكة } فكانوا رسلا إلينا { أو نرى ربنا } فنخبر بأن محمدا رسوله. قال تعالى: { لقد استكبروا } تكبروا { فى } شأن { أنفسهم وعتوا } طغوا { عتوا كبيرا } بطلبهم رؤية الله تعالى في الدنيا. و(عتوا): بالواو على أصله، بخلاف عتيا بالإبدال في مريم.
[25.22]
{ يوم يرون الملئكة } في جملة الخلائق هو يوم القيامة ونصبه ب «اذكر» مقدرا { لا بشرى يومئذ للمجرمين } أي الكافرين بخلاف المؤمنين فلهم البشرى بالجنة { ويقولون حجرا محجورا } على عادتهم في الدنيا إذا نزلت بهم شدة أي عوذا معاذا يستعيذون من الملائكة.
[25.23]
قال تعالى: { وقدمنآ } عمدنا { إلى ما عملوا من عمل } من الخير كصدقة وصلة رحم، وقرى ضيف وإغاثة ملهوف في الدنيا { فجعلنه هبآء منثورا } هو ما يرى في الكوى التي عليها الشمس كالغبار المفرق: أي مثله في عدم النفع به، إذ لا ثواب فيه لعدم شرطه ويجازون عليه في الدنيا.
[25.24]
{ أصحب الجنة يومئذ } يوم القيامة { خير مستقرا } من الكافرين في الدنيا { وأحسن مقيلا } منهم: أي موضع قائلة فيها: وهي الاستراحة نصف النهار في الحر، وأخذ من ذلك انقضاء الحساب في نصف نهار كما ورد في حديث.
[25.25]
{ ويوم تشقق السمآء } أي كل سماء { بالغمم } أي معه وهو غيم أبيض { ونزل الملئكة } من كل سماء { تنزيلا } هو يوم القيامة، ونصبه ب «اذكر» مقدرا. وفي قراءة: بتشديد شين «تشقق» بإدغام التاء الثانية في الأصل فيها. وفي أخرى «ننزل» بنونين الثانية ساكنة وضم اللام ونصب الملائكة.
[25.26]
{ الملك يومئذ الحق للرحمن } لا يشركه فيه أحد { وكان } اليوم { يوما على الكفرين عسيرا } بخلاف المؤمنين.
[25.27]
{ ويوم يعض الظلم } المشرك: عقبة ابن أبي معيط كان نطق بالشهادتين ثم رجع إرضاء لأبي بن خلف { على يديه } ندما وتحسرا في يوم القيامة { يقول ياليتنى } للتنبيه { ليتنى اتخذت مع الرسول } محمد { سبيلا } طريقا إلى الهدى.
[25.28]
{ يا ويلتا } ألفه عوض عن ياء الإضافة: أي ويلتي، ومعناه هلكتي { ليتنى لم أتخذ فلانا } أي أبيا { خليلا }.
[25.29]
{ لقد أضلنى عن الذكر } أي القرآن { بعد إذ جآءنى } بأن ردني عن الإيمان به. قال تعالى: { وكان الشيطن للإنسن } الكافر { خذولا } بأن يتركه ويتبرأ منه عند البلاء.
[25.30]
{ وقال الرسول } محمد { يرب إن قومى } قريشا { اتخذوا هذا القرءان مهجورا } متروكا.
[25.31]
قال تعالى: { وكذلك } كما جعلنا لك عدوا من مشركي قومك { جعلنا لكل نبى } قبلك { عدوا من المجرمين } المشركين، فاصبر كما صبروا { وكفى بربك هاديا } لك { ونصيرا } ناصرا لك على أعدائك.
[25.32]
{ وقال الذين كفروا لولا } هلا { نزل عليه القرءان جملة وحدة } كالتوراة والإنجيل والزبور. قال تعالى: نزلناه { كذلك } أي متفرقا { لنثبت به فؤادك } نقوي قلبك { ورتلنه ترتيلا } أي أتينا به شيئا بعد شيء بتمهل وتؤدة لتيسير فهمه وحفظه.
[25.33]
{ ولا يأتونك بمثل } في إبطال أمرك { إلا جئنك بالحق } الدافع له { وأحسن تفسيرا } بيانا لهم.
[25.34]
{ الذين يحشرون على وجوههم } أي يساقون { إلى جهنم أولئك شر مكانا } هو جهنم { وأضل سبيلا } أخطأ طريقا من غيرهم وهو كفرهم.
[25.35]
{ ولقد ءاتينا موسى الكتب } التوراة { وجعلنا معه أخاه هرون وزيرا } معينا.
[25.36]
{ فقلنا اذهبآ إلى القوم الذين كذبوا بئايتنا } أي القبط فرعون وقومه فذهبا إليهم بالرسالة فكذبوهما { فدمرنهم تدميرا } أهلكناهم إهلاكا.
[25.37]
{ و } اذكر { قوم نوح لما كذبوا الرسل } بتكذيبهم نوحا لطول لبثه فيهم فكأنه (رسل) أو لأن تكذيبه تكذيب لباقي الرسل لاشتراكهم في المجيء بالتوحيد { أغرقنهم } جواب «لما» { وجعلنهم للناس } بعدهم { ءاية } عبرة { وأعتدنا } في الآخرة { للظلمين } الكافرين { عذابا أليما } مؤلما سوى ما يحل بهم في الدنيا.
[25.38]
{ و } اذكر { عادا } قوم هود { وثمودا } قوم صالح { وأصحب الرس } اسم بئر، ونبيهم قيل شعيب، وقيل غيره: كانوا قعودا حولها فانهارت بهم وبمنازلهم { وقرونا } أقواما { بين ذلك كثيرا } أي بين عاد وأصحاب الرس.
[25.39]
{ وكلا ضربنا له الأمثل } في إقامة الحجة عليهم فلم نهلكهم إلا بعد الإنذار { وكلا تبرنا تتبيرا } أهلكنا إهلاكا بتكذيبهم أنبياءهم.
[25.40]
{ ولقد أتوا } أي مر كفار مكة { على القرية التى أمطرت مطر السوء } مصدر ساء: أي بالحجارة وهي عظمى قرى قوم لوط، فأهلك الله أهلها لفعلهم الفاحشة { أفلم يكونوا يرونها } في سفرهم إلى الشام فيعتبرون؟ والاستفهام للتقرير { بل كانوا لا يرجون } يخافون { نشورا } بعثا فلا يؤمنون.
[25.41]
{ وإذا رأوك إن } ما { يتخذونك إلا هزوا } مهزوءا به يقولون { أهذا الذى بعث الله رسولا } في دعواه؟ محتقرين له عن الرسالة.
[25.42]
{ إن } مخففة من الثقيلة واسمها محذوف: أي إنه { كاد ليضلنا } يصرفنا { عن ءالهتنا لولآ أن صبرنا عليها } لصرفنا عنها، قال تعالى: { وسوف يعلمون حين يرون العذاب } عيانا في الآخرة { من أضل سبيلا } أخطأ طريقا، أهم أم المؤمنون؟.
[25.43]
{ أرءيت } أخبرني { من اتخذ إلهه هوه } أي مهويه، قدم المفعول الثاني لأنه أهم وجملة «من اتخذ» مفعول أول لرأيت الثاني و { أفأنت تكون عليه وكيلا } حافظا تحفظه عن اتباع هواه؟ لا.
[25.44]
{ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون } سماع تفهم { أو يعقلون } ما تقول لهم { إن } ما { هم إلا كالأنعم بل هم أضل سبيلا } أخطأ طريقا منها لأنها تنقاد لمن يتعهدها، وهم لا يطيعون مولاهم المنعم عليهم.
[25.45]
{ ألم تر } تنظر { إلى } فعل { ربك كيف مد الظل } من وقت الإسفار إلى وقت طلوع الشمس { ولو شآء } ربك { لجعله ساكنا } مقيما لا يزول بطلوع الشمس { ثم جعلنا الشمس عليه } أي الظل { دليلا } فلولا الشمس ما عرف الظل.
[25.46]
{ ثم قبضنه } أي الظل الممدود { إلينا قبضا يسيرا } خفيا بطلوع الشمس.
[25.47]
{ وهو الذى جعل لكم اليل لباسا } ساترا كاللباس { والنوم سباتا } راحة للأبدان بقطع الأعمال { وجعل النهار نشورا } منشورا فيه لابتغاء الرزق وغيره.
[25.48]
{ وهو الذى أرسل الريح } وفي قراءة: الريح { بشرا بين يدى رحمته } أي متفرقة قدام المطر. وفي قراءة بسكون الشين تخفيفا. وفي أخرى بسكونها وفتح النون مصدرا، وفي أخرى بسكونها وضم الموحدة بدل النون: أي مبشرات، ومفرد الأولى: نشور، كرسول والأخيرة: بشير كقدير { وأنزلنا من السمآء مآء طهورا } مطهرا.
[25.49]
{ لنحيى به بلدة ميتا } بالتخفيف يستوي فيه المذكر والمؤنث: ذكره باعتبار المكان { ونسقيه } أي الماء { مما خلقنآ أنعما } إبلا وبقرا وغنما { وأناسى كثيرا } جمع إنسان، وأصله: أناسين فأبدلت النون ياء وأدغمت فيها الياء، أو جمع إنسي.
[25.50]
{ ولقد صرفنه } أي الماء { بينهم ليذكروا } أصله يتذكروا أدغمت التاء في الذال. وفي قراءة ليذكروا بسكون الذال وضم الكاف: أي نعمة الله به { فأبى أكثر الناس إلا كفورا } جحودا للنعمة حيث قالوا: مطرنا بنوء كذا.
[25.51]
{ ولو شئنا لبعثنا فى كل قرية نذيرا } يخوف أهلها ولكن بعثناك إلى أهل القرى كلها نذيرا ليعظم أجرك.
[25.52]
{ فلا تطع الكفرين } في هواهم { وجهدهم به } أي القرآن { جهادا كبيرا }.
[25.53]
{ وهو الذى مرج البحرين } أرسلهما متجاورين { هذا عذب فرات } شديد العذوبة { وهذا ملح أجاج } شديد الملوحة { وجعل بينهما برزخا } حاجزا لا يختلط أحدهما بالآخر { وحجرا محجورا } أي سترا ممنوعا به اختلاطهما.
[25.54]
{ وهو الذى خلق من المآء بشرا } من المني إنسانا { فجعله نسبا } ذا نسب { وصهرا } ذا صهر بأن يتزوج ذكرا كان أو أنثى طلبا للتناسل { وكان ربك قديرا } قادرا على ما يشاء.
[25.55]
{ ويعبدون } أي الكفار { من دون الله ما لا ينفعهم } بعبادته { ولا يضرهم } بتركها وهو الأصنام { وكان الكافر على ربه ظهيرا } معينا للشيطان بطاعته.
[25.56]
{ ومآ أرسلنك إلا مبشرا } بالجنة { ونذيرا } مخوفا من النار.
[25.57]
{ قل مآ أسئلكم عليه } أي على تبليغ ما أرسلت به { من أجر إلا } لكن { من شآء أن يتخذ إلى ربه سبيلا } طريقا بإنفاق ماله في مرضاته تعالى فلا أمنعه من ذلك.
[25.58]
{ وتوكل على الحى الذى لا يموت وسبح } متلبسا { بحمده } أي قل سبحان الله والحمد لله { وكفى به بذنوب عباده خبيرا } عالما تعلق به بذنوب.
[25.59]
هو { الذى خلق السموت والأرض وما بينهما فى ستة أيام } من أيام الدنيا: أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولو شاء لخلقهن في لمحة، والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت { ثم استوى على العرش } هو في اللغة سرير الملك { الرحمن } بدل من ضمير استوى: أي استواء يليق به { فسئل } أيها الإنسان { به } بالرحمن { خبيرا } يخبرك بصفاته.
[25.60]
{ وإذا قيل لهم } لكفار مكة { اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا } بالفوقانية والتحتانية. والآمر محمد ولا نعرفه؟ لا { وزادهم } هذا القول { نفورا } عن الإيمان.
[25.61]
قال تعالى: { تبارك } تعاظم { الذى جعل فى السمآء بروجا } اثني عشر الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد، والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وهي منازل الكواكب السبعة السيارة المريخ وله الحمل والعقرب، والزهرة ولها الثور والميزان، وعطارد وله الجوزاء والسنبلة، والقمر وله السرطان، والشمس ولها الأسد، والمشتري وله القوس والحوت، وزحل وله الجدي والدلو { وجعل فيها } أيضا { سراجا } هو الشمس { وقمرا منيرا } في قراءة «سرجا» بالجمع: أي نيرات، وخص القمر منها بالذكر لنوع فضيلتة.
[25.62]
{ وهو الذى جعل اليل والنهار خلفة } أي يخلف كل منهما الآخر { لمن أراد أن يذكر } بالتشديد والتخفيف كما تقدم: ما فاته في أحدهما من خير فيفعله في الآخر { أو أراد شكورا } أي شكرا لنعمة ربه عليه فيهما.
[25.63]
{ وعباد الرحمن } مبتدأ، وما بعده صفات له إلى «أولئك يجزون» غير المعترض فيه { الذين يمشون على الأرض هونا } أي بسكينة وتواضع { وإذا خاطبهم الجهلون } بما يكرهونه { قالوا سلاما } أي قولا يسلمون فيه من الإثم.
[25.64]
{ والذين يبيتون لربهم سجدا } جمع ساجد { وقيما } بمعنى قائمين، أي يصلون بالليل.
[25.65]
{ والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما } أي لازما.
[25.66]
{ إنها سآءت } بئست { مستقرا ومقاما } هي أي موضع استقرار وإقامة.
[25.67]
{ والذين إذآ أنفقوا } على عيالهم { لم يسرفوا ولم يقتروا } بفتح أوله وضمه: أي يضيقوا { وكان } إنفاقهم { بين ذلك } الإسراف والإقتار { قواما } وسطا.
[25.68]
{ والذين لا يدعون مع الله إلها ءاخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله } قتلها { إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك } أي واحدا من الثلاثة { يلق أثاما } أي عقوبة.
[25.69]
{ يضعف } وفي قراءة يضعف بالتشديد { له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه } بجزم الفعلين بدلا، وبرفعهما استئنافا { مهانا } حال.
[25.70]
{ إلا من تاب وءامن وعمل عملا صلحا } منهم { فأولئك يبدل الله سيئاتهم } المذكورة { حسنت } في الآخرة { وكان الله غفورا رحيما } أي لم يزل متصفا بذلك.
[25.71]
{ ومن تاب } من ذنوبه من غير ذكر { وعمل صلحا فإنه يتوب إلى الله متابا } أي يرجع إليه رجوعا فيجازيه خيرا.
[25.72]
{ والذين لا يشهدون الزور } أي الكذب والباطل { وإذا مروا باللغو } من الكلام القبيح وغيره { مروا كراما } معرضين عنه.
[25.73]
{ والذين إذا ذكروا } وعظوا { بئايت ربهم } أي القرآن { لم يخروا } يسقطوا { عليها صما وعميانا } بل خروا سامعين ناظرين منتفعين.
[25.74]
{ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزوجنا وذريتنا } بالجمع والإفراد { قرة أعين } لنا بأن نراهم مطيعين لك { واجعلنا للمتقين إماما } في الخير.
[25.75]
{ أولائك يجزون الغرفة } الدرجة العليا في الجنة { بما صبروا } على طاعة الله { ويلقون } بالتشديد والتخفيف مع فتح الياء { فيها } في الغرفة { تحية وسلما } من الملائكة.
[25.76]
{ خلدين فيها حسنت مستقرا ومقاما } موضع إقامة لهم و أولئك وما بعده خبر عباد الرحمن المبتدأ.
[25.77]
{ قل } يا محمد لأهل مكة { ما } نافية { يعبؤا } يكترث { بكم ربى لولا دعآؤكم } إياه في الشدائد فيكشفها { فقد } أي فكيف يعبأ بكم وقد { كذبتم } الرسول والقرآن؟ { فسوف يكون } العذاب { لزاما } ملازما لكم في الآخرة بعد ما يحل بكم في الدنيا، فقتل منهم يوم بدر سبعون، وجواب «لولا» دل عليه ما قبله.
[26 - سورة الشعراء]
[26.1]
{ طسم } الله أعلم بمراده بذلك.
[26.2]
{ تلك } أي هذه الآيات { ءايت الكتب } القرآن الإضافة بمعنى من { المبين } المظهر الحق من الباطل.
[26.3]
{ لعلك } يا محمد { بخع نفسك } قاتلها غما من أجل { ألا يكونوا } أي أهل مكة { مؤمنين } ولعل هنا للإشفاق أي أشفق عليها بتخفيف هذا الغم.
[26.4]
{ إن نشأ ننزل عليهم من السمآء ءاية فظلت } بمعنى المضارع: أي تظل، أي تدوم { أعنقهم لها خضعين } فيؤمنون، ولما وصفت الأعناق بالخضوع الذي هو لأربابها جمعت الصفة منه جمع العقلاء.
[26.5]
{ وما يأتيهم من ذكر } قرآن { من الرحمن محدث } صفة كاشفة { إلا كانوا عنه معرضين }.
[26.6]
{ فقد كذبوا } به { فسيأتيهم أنبؤا } عواقب { ما كانوا به يستهزءون }.
[26.7]
{ أو لم يروا } ينظروا { إلى الأرض كم أنبتنا فيها } أي كثيرا { من كل زوج كريم } نوع حسن؟.
[26.8]
{ إن فى ذلك لآية } دلالة على كمال قدرته تعالى { وما كان أكثرهم مؤمنين } في علم الله، و «كان» قال سيبويه: زائدة.
[26.9]
{ وإن ربك لهو العزيز } ذو العزة ينتقم من الكافرين { الرحيم } يرحم المؤمنين.
[26.10]
{ و } اذكر يا محمد لقومك { إذ نادى ربك موسى } ليلة رأى النار والشجرة { أن } أي بأن { ائت القوم الظلمين } رسولا.
[26.11]
{ قوم فرعون } معه ظلموا أنفسهم بالكفر بالله وبني إسرائيل باستعبادهم { ألا } الهمزة للاستفهام الإنكاري { يتقون } الله بطاعته فيوحدونه؟.
[26.12]
{ قال } موسى { رب إنى أخاف أن يكذبون }.
[26.13]
{ ويضيق صدرى } من تكذيبهم لي { ولا ينطلق لسانى } بأداء الرسالة للعقدة التي فيه { فأرسل إلى } أخي { هرون } معي.
[26.14]
{ ولهم على ذنب } بقتل القبطي منهم { فأخاف أن يقتلون } به.
[26.15]
{ قال } تعالى: { كلا } أي لا يقتلونك { فاذهبا } أي أنت وأخوك، ففيه تغليب الحاضر على الغائب { بئايتنا إنا معكم مستمعون } ما تقولون وما يقال لكم، أجريا مجرى الجماعة.
[26.16]
{ فأتيا فرعون فقولا إنا } أي كلا منا { رسول رب العلمين } إليك.
[26.17]
{ أن } أي بأن { أرسل معنا } إلى الشام { بنى إسرءيل } فأتياه فقالا له ما ذكر.
[26.18]
{ قال } فرعون لموسى { ألم نربك فينا } في منازلنا { وليدا } صغيرا قريبا من الولادة بعد فطامه { ولبثت فينا من عمرك سنين } ثلاثين سنة يلبس من ملابس فرعون ويركب من مراكبه؟ وكان يسمى ابنه.
[26.19]
{ وفعلت فعلتك التى فعلت } هي قتله القبطي { وأنت من الكفرين } الجاحدين لنعمتي عليك بالتربية وعدم الاستعباد.
[26.20]
{ قال } موسى { فعلتها إذا } أي حينئذ { وأنا من الضالين } عما آتاني الله بعدها من العلم والرسالة.
[26.21]
{ ففررت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حكما } علما { وجعلنى من المرسلين }.
[26.22]
{ وتلك نعمة تمنها على } أصله تمن بها علي { أن عبدت بنى إسرءيل } بيان لتلك: أي اتخذتهم عبيدا ولم تستعبدني لا نعمة لك بذلك لظلمك باستعبادهم، وقدر بعضهم أول الكلام همزة استفهام للإنكار.
[26.23]
{ قال فرعون } لموسى { وما رب العلمين } الذي قلت إنك رسوله؟ أي: أي شيء هو؟ ولما لم يكن سبيل للخلق إلى معرفة حقيقته تعالى وإنما يعرفونه بصفاته أجابه موسى عليه الصلاة والسلام ببعضها:
[26.24]
{ قال رب السموات والأرض وما بينهما } أي خالق ذلك { إن كنتم موقنين } بأنه تعالى خالقه فآمنوا به وحده.
[26.25]
{ قال } فرعون { لمن حوله } من أشراف قومه { ألا تستمعون } جوابه الذي لم يطابق السؤال؟.
[26.26]
{ قال } موسى { ربكم ورب ءابائكم الأولين } وهذا وإن كان داخلا فيما قبله يغيظ فرعون ولذلك:
[26.27]
{ قال إن رسولكم الذى أرسل إليكم لمجنون }.
[26.28]
{ قال } موسى { رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون } أنه كذلك فآمنوا به وحده.
[26.29]
{ قال } فرعون لموسى { لئن اتخذت إلها غيرى لأجعلنك من المسجونين } كان سجنه شديدا يحبس الشخص في مكان تحت الأرض وحده لا يبصر ولا يسمع فيه أحدا.
[26.30]
{ قال } له موسى { أولو } أي: أتفعل ذلك ولو { جئتك بشىء مبين } أي برهان بين على رسالتي؟
[26.31]
{ قال } فرعون له { فأت به إن كنت من الصدقين } فيه.
[26.32]
{ فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين } حية عظيمة.
[26.33]
{ ونزع يده } أخرجها من جيبه { فإذا هى بيضاء } ذات شعاع { للنظرين } خلاف ما كانت عليه من الأدمة.
[26.34]
{ قال } فرعون { للملإ حوله إن هذا لسحر عليم } فائق في علم السحر.
[26.35]
{ يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون }؟.
[26.36]
{ قالوا أرجه وأخاه } أخر أمرهما { وابعث فى المدائن حشرين } جامعين.
[26.37]
{ يأتوك بكل سحار عليم } يفضل موسى في علم السحر.
[26.38]
{ فجمع السحرة لميقت يوم معلوم } وهو وقت الضحى من يوم الزينة.
[26.39]
{ وقيل للناس هل أنتم مجتمعون }.
[26.40]
{ لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغلبين } الاستفهام للحث على الاجتماع والترجي على تقدير غلبتهم ليستمروا على دينهم فلا يتبعوا موسى.
[26.41]
{ فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين { لنا لأجرا إن كنا نحن الغلبين }.
[26.42]
{ قال نعم وإنكم إذا } أي حينئذ { لمن المقربين }.
[26.43]
{ قال لهم موسى } بعد ما قالوا له { إما أن تلقى وإما أن نكون نحن الملقين }: { ألقوا ما أنتم ملقون } فالأمر فيه للإذن بتقديم إلقائهم توسلا به إلى إظهار الحق.
[26.44]
{ فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغلبون }.
[26.45]
{ فألقى موسى عصه فإذا هى تلقف } بحذف إحدى التاءين من الأصل تبتلع { ما يأفكون } يقلبونه بتمويههم فيخيلون حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى.
[26.46]
{ فألقى السحرة سجدين }.
[26.47]
{ قالوا ءامنا برب العلمين }.
[26.48]
{ رب موسى وهرون } لعلمهم بأن ما شاهدوه من العصا لا يتأتى بالسحر.
[26.49]
{ قال } فرعون { ءامنتم } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا { له } لموسى { قبل أن ءاذن } أنا { لكم إنه لكبيركم الذى علمكم السحر } فعلمكم شيئا منه وغلبكم بآخر { فلسوف تعلمون } ما ينالكم مني { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف } أي يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى { ولأصلبنكم أجمعين }.
[26.50]
{ قالوا لا ضير } لا ضرر علينا في ذلك { إنا إلى ربنا } بعد موتنا بأي وجه كان { منقلبون } راجعون في الآخرة.
[26.51]
{ إنا نطمع } نرجو { أن يغفر لنا ربنا خطينا أن } أي بأن { كنا أول المؤمنين } في زماننا.
[26.52]
{ وأوحينا إلى موسى } بعد سنين أقامها بينهم يدعوهم بآيات الله إلى الحق فلم يزيدوا إلا عتوا { أن أسر بعبادى } بني إسرائيل وفي قراءة بكسر النون ووصل همزة أسر من سرى لغة في أسرى أي سر بهم ليلا إلى البحر { إنكم متبعون } يتبعكم فرعون وجنوده فيلجون وراءكم البحر فأنجيكم وأغرقهم.
[26.53]
{ فأرسل فرعون } حين أخبر بسيرهم { فى المدائن } قيل كان له ألف مدينة واثنا عشر ألف قرية { حشرين } جامعين الجيش قائلا:
[26.54]
{ إن هؤلاء لشرذمة } طائفة { قليلون } قيل كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا ومقدمة جيشه سبعمائة ألف فقللهم بالنظر إلى كثرة جيشه.
[26.55]
{ وإنهم لنا لغائظون } فاعلون ما يغيظنا.
[26.56]
{ وإنا لجميع حذرون } مستعدون وفي قراءة «حذرون» متيقظون.
[26.57]
قال تعالى: { فأخرجنهم } أي فرعون وجنوده من مصر ليلحقوا موسى وقومه { من جنت } بساتين كانت على جانبي النيل { وعيون } أنهار جارية في الدور من النيل.
[26.58]
{ وكنوز } أموال ظاهرة من الذهب والفضة، وسميت كنوزا لأنه لم يعط حق الله تعالى منها { ومقام كريم } مجلس حسن للأمراء والوزراء يحفه أتباعهم.
[26.59]
{ كذلك } أي إخراجنا كما وصفنا { وأورثنها بنى إسرءيل } بعد إغراق فرعون وقومه.
[26.60]
{ فأتبعوهم } لحقوهم { مشرقين } وقت شروق الشمس.
[26.61]
{ فلما تراءا الجمعان } أي رأى كل منهما الآخر { قال أصحب موسى إنا لمدركون } يدركنا جمع فرعون ولا طاقة لنا به.
[26.62]
{ قال } موسى { كلا } أي لن يدركونا { إن معى ربى } بنصره { سيهدين } طريق النجاة.
[26.63]
قال تعالى: { فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر } فضربه { فانفلق } فانشق اثني عشر فرقا { فكان كل فرق كالطود العظيم } الجبل الضخم بينها مسالك سلكوها لم يبتل منها سرج الراكب ولا لبده.
[26.64]
{ وأزلفنا } قربنا { ثم } هناك { الأخرين } فرعون وقومه حتى سلكوا مسالكهم.
[26.65]
{ وأنجينا موسى ومن معه أجمعين } بإخراجهم من البحر على هيئته المذكورة.
[26.66]
{ ثم أغرقنا الأخرين } فرعون وقومه بإطباق البحر عليهم لما تم دخولهم في البحر وخروج بني إسرائيل منه.
[26.67]
{ إن فى ذلك } أي إغراق فرعون وقومه { لأية } عبرة لمن بعدهم { وما كان أكثرهم مؤمنين } بالله لم يؤمن منهم غير آسية امرأة فرعون وحزقيل مؤمن آل فرعون ومريم بنت ناموسي التي دلت على عظام يوسف عليه السلام.
[26.68]
{ وإن ربك لهو العزيز } فانتقم من الكافرين بإغراقهم { الرحيم } بالمؤمنين فأنجاهم من الغرق.
[26.69]
{ واتل عليهم } أي كفار مكة { نبأ } خبر { إبراهيم } ويبدل منه.
[26.70]
{ إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون }.
[26.71]
{ قالوا نعبد أصناما } صرحوا بالفعل ليعطفوا عليه { فنظل لها عكفين } أي نقيم نهارا على عبادتها زادوه في الجواب افتخارا به.
[26.72]
{ قال هل يسمعونكم إذ } حين { تدعون }؟.
[26.73]
{ أو ينفعونكم } إن عبدتموهم { أو يضرون } كم إن لم تعبدوهم.
[26.74]
{ قالوا بل وجدنا ءاباءنا كذلك يفعلون } أي مثل فعلنا.
[26.75]
{ قال أفرءيتم ما كنتم تعبدون }.
[26.76]
{ أنتم وءاباؤكم الأقدمون }؟.
[26.77]
{ فإنهم عدو لى } أي: لا أعبدهم { إلا } لكن { رب العلمين } فإني أعبده.
[26.78]
{ الذى خلقنى فهو يهدين } إلى الدين.
[26.79]
{ والذى هو يطعمنى ويسقين }.
[26.80]
{ وإذا مرضت فهو يشفين }.
[26.81]
{ والذى يميتنى ثم يحيين }.
[26.82]
{ والذى أطمع } أرجو { أن يغفر لى خطيئتى يوم الدين } أي الجزاء.
[26.83]
{ رب هب لى حكما } علما { وألحقنى بالصلحين } النبيين.
[26.84]
{ واجعل لى لسان صدق } ثناء حسنا { فى الأخرين } الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة.
[26.85]
{ واجعلنى من ورثة جنة النعيم } أي ممن يعطاها.
[26.86]
{ واغفر لأبى إنه كان من الضالين } بأن تتوب عليه فتغفر له وهذا قبل أن يتبين
له أنه عدو لله
[114:9] كما ذكر في سورة (براءة).
[26.87]
{ ولا تخزنى } تفضحني { يوم يبعثون } أي الناس.
[26.88]
قال تعالى فيه: { يوم لا ينفع مال ولا بنون } أحدا.
[26.89]
{ إلا } لكن { من أتى الله بقلب سليم } من الشرك والنفاق وهو قلب المؤمن فإنه ينفعه ذلك.
[26.90]
{ وأزلفت الجنة } قربت { للمتقين } فيرونها.
[26.91]
{ وبرزت الجحيم } أظهرت { للغاوين } الكافرين.
[26.92]
{ وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون }.
[26.93]
{ من دون الله } أي غيره من الأصنام { هل ينصرونكم } بدفع العذاب عنكم { أو ينتصرون } بدفعه عن أنفسهم؟ لا.
[26.94]
{ فكبكبوا } ألقوا { فيها هم والغاوون }.
[26.95]
{ وجنود إبليس } أتباعه ومن أطاعه من الجن والإنس { أجمعون }.
[26.96]
{ قالوا } أي الغاوون { وهم فيها يختصمون } مع معبوديهم.
[26.97]
{ تالله إن } مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي إنه { كنا لفى ضلل مبين } بين.
[26.98]
{ إذ } حيث { نسويكم برب العلمين } في العبادة.
[26.99]
{ وما أضلنا } عن الهدى { إلا المجرمون } أي الشياطين أو أولونا الذين اقتدينا بهم.
[26.100]
{ فما لنا من شفعين } كما للمؤمنين من الملائكة والنبيين والمؤمنين.
[26.101]
{ ولا صديق حميم } أي يهمه أمرنا.
[26.102]
{ فلو أن لنا كرة } رجعة إلى الدنيا { فنكون من المؤمنين } لو هنا للتمني و نكون جوابه:
[26.103]
{ إن فى ذلك } المذكور من قصة إبراهيم وقومه { لأية وما كان أكثرهم مؤمنين }.
[26.104]
{ وإن ربك لهو العزيز الرحيم }.
[26.105]
{ كذبت قوم نوح المرسلين } بتكذيبهم له لاشتراكهم في المجيء بالتوحيد، أو لأنه لطول لبثه فيهم كأنه رسل وتأنيث قوم باعتبار معناه وتذكيره باعتبار لفظه.
[26.106]
{ إذ قال لهم أخوهم } نسبا { نوح ألا تتقون } الله.
[26.107]
{ إني لكم رسول أمين } على تبليغ ما أرسلت به.
[26.108]
{ فاتقوا الله وأطيعون } فيما آمركم به من توحيد الله وطاعته.
[26.109]
{ وما أسئلكم عليه } على تبليغه { من أجر إن } ما { أجرى } أي ثوابي { إلا على رب العلمين }.
[26.110]
{ فاتقوا الله وأطيعون } كرره تأكيدا.
[26.111]
{ قالوا أنؤمن } نصدق { لك } لقولك { واتبعك } وفي قراءة «وأتباعك» جمع تابع مبتدأ { الأرذلون } السفلة كالحاكة والأساكفة.
[26.112]
{ قال وما علمى } أي علم لي؟ { بما كانوا يعملون }؟.
[26.113]
{ إن } ما { حسابهم إلا على ربى } فيجازيهم { لو تشعرون } تعلمون ذلك ما عبدتموهم.
[26.114]
{ وما أنا بطارد المؤمنين }.
[26.115]
{ إن } ما { أنا إلا نذير مبين } بين الإنذار.
[26.116]
{ قالوا لئن لم تنته ينوح } عما تقول لنا { لتكونن من المرجومين } بالحجارة أو بالشتم.
[26.117]
{ قال } نوح { رب إن قومى كذبون }.
[26.118]
{ فافتح بينى وبينهم فتحا } أي احكم { ونجنى ومن معى من المؤمنين }.
[26.119]
قال تعالى: { فأنجينه ومن معه فى الفلك المشحون } المملوء من الناس والحيوان والطير.
[26.120]
{ ثم أغرقنا بعد } أي بعد إنجائهم { البقين } من قومه.
[26.121]
{ إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين }.
[26.122]
{ وإن ربك لهو العزيز الرحيم }.
[26.123]
{ كذبت عاد المرسلين }.
[26.124]
{ إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون }.
[26.125]
{ إني لكم رسول أمين }.
[26.126]
{ فاتقوا الله وأطيعون }.
[26.127]
{ وما أسئلكم عليه من أجر إن } ما { أجرى إلا على رب العلمين }.
[26.128]
{ أتبنون بكل ريع } مكان مرتفع { ءاية } بناء علما للمارة { تعبثون } بمن يمر بكم وتسخرون منهم؟ والجملة حال من ضمير تبنون.
[26.129]
{ وتتخذون مصانع } للماء تحت الأرض { لعلكم } كأنكم { تخلدون } فيها لا تموتون.
[26.130]
{ وإذا بطشتم } بضرب أو قتل { بطشتم جبارين } من غير رأفة.
[26.131]
{ فاتقوا الله } في ذلك { وأطيعون } فيما أمرتكم به.
[26.132]
{ واتقوا الذى أمدكم } أنعم عليكم { بما تعلمون }.
[26.133]
{ أمدكم بأنعم وبنين }.
[26.134]
{ وجنت } بساتين { وعيون } أنهار.
[26.135]
{ إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } في الدنيا والآخرة إن عصيتموني.
[26.136]
{ قالوا سواء علينا } مستو عندنا { أوعظت أم لم تكن من الوعظين } أصلا؟ أي لا نرعوي لوعظك.
[26.137]
{ إن } ما { هذا } الذي خوفتنا به { إلا خلق الأولين } أي اختلاقهم وكذبهم وفي قراءة بضم الخاء واللام أي ما هذا الذي نحن عليه من إنكار للبعث إلا خلق الأولين أي طبيعتهم وعادتهم.
[26.138]
{ وما نحن بمعذبين }.
[26.139]
{ فكذبوه } بالعذاب { فأهلكنهم } في الدنيا بالريح { إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين }.
[26.140]
{ وإن ربك لهو العزيز الرحيم }.
[26.141]
{ كذبت ثمود المرسلين }.
[26.142]
{ إذ قال لهم أخوهم صلح ألا تتقون }.
[26.143]
{ إني لكم رسول أمين }.
[26.144]
{ فاتقوا الله وأطيعون }.
[26.145]
{ وما أسئلكم عليه من أجر إن } ما { أجرى إلا على رب العلمين }.
[26.146]
{ أتتركون فى ما ههنآ } من الخير { ءامنين }.
[26.147]
{ فى جنت وعيون }.
[26.148]
{ وزروع ونخل طلعها هضيم } لطيف لين.
[26.149]
{ وتنحتون من الجبال بيوتا فرهين } بطرين وفي قراءة «فارهين» حاذقين.
[26.150]
{ فاتقوا الله وأطيعون } فيما أمرتكم به.
[26.151]
{ ولا تطيعوا أمر المسرفين }.
[26.152]
{ الذين يفسدون فى الأرض } بالمعاصي { ولا يصلحون } بطاعة الله.
[26.153]
{ قالوا إنما أنت من المسحرين } الذين سحروا كثيرا حتى غلب على عقلهم.
[26.154]
{ ما أنت } أيضا { إلا بشر مثلنا فأت بئاية إن كنت من الصدقن } في رسالتك.
[26.155]
{ قال هذه ناقة لها شرب } نصيب من الماء { ولكم شرب يوم معلوم }.
[26.156]
{ ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم } بعظم العذاب.
[26.157]
{ فعقروها } أي عقرها بعضهم برضاهم { فأصبحوا ندمين } على عقرها.
[26.158]
{ فأخذهم العذاب } الموعود به فهلكوا { إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين }.
[26.159]
{ وإن ربك لهو العزيز الرحيم }.
[26.160]
{ كذبت قوم لوط المرسلين }.
[26.161]
{ إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون }.
[26.162]
{ إني لكم رسول أمين }.
[26.163]
{ فاتقوا الله وأطيعون }.
[26.164]
{ وما أسئلكم عليه من أجر إن } ما { أجرى إلا على رب العلمين }.
[26.165]
{ أتأتون الذكران من العلمين } أي من الناس.
[26.166]
{ وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزوجكم } أي أقبالهن؟ { بل أنتم قوم عادون } متجاوزون الحلال إلى الحرام.
[26.167]
{ قالوا لئن لم تنته يلوط } عن إنكارك علينا { لتكونن من المخرجين } من بلدتنا.
[26.168]
{ قال } لوط { إنى لعملكم من القالين } المبغضين.
[26.169]
{ رب نجنى وأهلى مما يعملون } أي من عذابه.
[26.170]
{ فنجينه وأهله أجمعين }.
[26.171]
{ إلا عجوزا } امرأته { فى الغبرين } الباقين أهلكناها.
[26.172]
{ ثم دمرنا الأخرين } أهلكناهم.
[26.173]
{ وأمطرنا عليهم مطرا } حجارة من جملة الإهلاك { فساء مطر المنذرين } مطرهم.
[26.174]
{ إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين }.
[26.175]
{ وإن ربك لهو العزيز الرحيم }.
[26.176]
{ كذب أصحب لئيكة } وفي قراءة بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وفتح الهاء: هي غيضة شجر قرب مدين { المرسلين }.
[26.177]
{ إذ قال لهم شعيب } لم يقل أخوهم لأنه لم يكن منهم { ألا تتقون }.
[26.178]
{ إني لكم رسول أمين }.
[26.179]
{ فاتقوا الله وأطيعون }.
[26.180]
{ وما أسئلكم عليه من أجر إن } ما { أجرى إلا على رب العلمين }.
[26.181]
{ أوفوا الكيل } أتموه { ولا تكونوا من المخسرين } الناقصين.
[26.182]
{ وزنوا بالقسطاس المستقيم } الميزان السوي.
[26.183]
{ ولا تبخسوا الناس أشياءهم } لا تنقصوهم من حقهم شيئا { ولا تعثوا فى الأرض مفسدين } بالقتل وغيره من عثي بكسر المثلثة أفسد ومفسدين حال مؤكدة لمعنى عاملها.
[26.184]
{ واتقوا } الله { الذى خلقكم والجبلة } الخليقة { الأولين }.
[26.185]
{ قالوا إنما أنت من المسحرين }.
[26.186]
{ وما أنت إلا بشر مثلنا وإن } مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي إنه { نظنك لمن الكذبين }.
[26.187]
{ فأسقط علينا كسفا } بسكون السين وفتحها، قطعة { من السماء إن كنت من الصدقين } في رسالتك.
[26.188]
{ قال ربى أعلم بما تعملون } فيجازيكم به.
[26.189]
{ فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة } هي سحابة أظلتهم بعد حر شديد أصابهم فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا { إنه كان عذاب يوم عظيم }.
[26.190]
{ إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين }.
[26.191]
{ وإن ربك لهو العزيز الرحيم }.
[26.192]
{ وإنه } أي القرآن { لتنزيل رب العلمين }.
[26.193]
{ نزل به الروح الأمين } جبريل.
[26.194]
{ على قلبك لتكون من المنذرين }.
[26.195]
{ بلسان عربى مبين } بين وفي قراءة بتشديد «نزل» ونصب الروح والفاعل الله.
[26.196]
{ وإنه } أي ذكر القرآن المنزل على محمد { لفى زبر } كتب { الأولين } كالتوراة والإنجيل.
[26.197]
{ أولم يكن لهم } لكفار مكة { ءاية } على ذلك { أن يعلمه علمؤا بنى إسرءيل } كعبد الله بن سلام وأصحابه ممن آمنوا؟ فإنهم يخبرون بذلك، و «يكن» بالتحتانية ونصب «آية» وبالفوقانية ورفع آية.
[26.198]
{ ولو نزلنه على بعض الأعجمين } جمع أعجم.
[26.199]
{ فقرأه عليهم } أي كفار مكة { ما كانوا به مؤمنين } أنفة من اتباعه.
[26.200]
{ كذلك } أي مثل إدخالنا التكذيب به بقراءة الأعجمي { سلكنه } أدخلنا التكذيب به { فى قلوب المجرمين } أي كفار مكة بقراءة النبي.
[26.201]
{ لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم }.
[26.202]
{ فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون }.
[26.203]
{ فيقولوا هل نحن منظرون } لنؤمن؟ فيقال لهم: لا، قالوا: متى هذا العذاب؟ قال تعالى:
[26.204]
{ أفبعذابنا يستعجلون }؟.
[26.205]
{ أفرءيت } أخبرني { إن متعنهم سنين }.
[26.206]
{ ثم جاءهم ما كانوا يوعدون } من العذاب.
[26.207]
{ ما } استفهامية بمعنى: أي شيء { أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } في دفع العذاب أو تخفيفه؟ أي: لم يغن.
[26.208]
{ وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون } رسل تنذر أهلها.
[26.209]
{ ذكرى } عظة لهم { وما كنا ظلمين } في إهلاكهم بعد إنذارهم.
[26.210]
ونزل ردا لقول المشركين: { وما تنزلت به } بالقرآن { الشيطين }.
[26.211]
{ وما ينبغى } يصلح { لهم } أن ينزلوا به { وما يستطيعون } ذلك.
[26.212]
{ إنهم عن السمع } لكلام الملائكة { لمعزولون } محجوبون بالشهب.
[26.213]
{ فلا تدع مع الله إلها ءاخر فتكون من المعذبين } إن فعلت ذلك الذي دعوك إليه.
[26.214]
{ وأنذر عشيرتك الأقربين } وهم بنو هاشم وبنو المطلب (وقد أنذرهم جهارا) رواه البخاري ومسلم.
[26.215]
{ واخفض جناحك } ألن جانبك { لمن اتبعك من المؤمنين } الموحدين.
[26.216]
{ فإن عصوك } أي عشيرتك { فقل } لهم { إنى برىء مما تعملون } من عبادة غير الله.
[26.217]
{ وتوكل } بالواو والفاء { على العزيز الرحيم } الله أي فوض إليه جميع أمورك.
[26.218]
{ الذى يرك حين تقوم } إلى الصلاة.
[26.219]
{ وتقلبك } في أركان الصلاة قائما وقاعدا وراكعا وساجدا { فى السجدين } أي المصلين.
[26.220]
{ إنه هو السميع العليم }.
[26.221]
{ هل أنبئكم } أي كفار مكة { على من تنزل الشيطين } بحذف إحدى التاءين من الأصل.
[26.222]
{ تنزل على كل أفاك } كذاب { أثيم } فاجر مثل مسيلمة وغيره من الكهنة.
[26.223]
{ يلقون } أي الشياطين { السمع } أي ما سمعوه من الملائكة إلى الكهنة { وأكثرهم كذبون } يضمون إلى المسموع كذبا كثيرا وكان هذا قبل أن حجبت الشياطين عن السماء.
[26.224]
{ والشعراء يتبعهم الغاوون } في شعرهم فيقولون به ويروونه عنهم فهم مذمومون.
[26.225]
{ ألم تر } تعلم { أنهم فى كل واد } من أودية الكلام وفنونه { يهيمون } يمضون فيجاوزون الحد مدحا وهجاء.
[26.226]
{ وأنهم يقولون } فعلنا { ما لا يفعلون } أي يكذبون.
[26.227]
{ إلا الذين ءامنوا وعملوا الصلحت } من الشعراء { وذكروا الله كثيرا } أي لم يشغلهم الشعر عن الذكر { وانتصروا } بهجوهم الكفار { من بعد ما ظلموا } بهجو الكفار لهم في جملة المؤمنين فليسوا مذمومين. قال الله تعالى
لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم
[148:4] وقال تعالى
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم
[194:2] { وسيعلم الذين ظلموا } من الشعراء وغيرهم { أى منقلب } مرجع { ينقلبون } يرجعون بعد الموت.
[27 - سورة النمل]
[27.1]
{ طس } الله أعلم بمراده بذلك { تلك } أي هذه الآيات { ءايت القرءان } آيات منه { وكتب مبين } مظهر للحق من الباطل عطف بزيادة صفة.
[27.2]
هو { هدى } أي هاد من الضلالة { وبشرى للمؤمنين } المصدقين به بالجنة.
[27.3]
{ الذين يقيمون الصلوة } يأتون بها على وجهها { ويؤتون } يعطون { الزكوة وهم بالأخرة هم يوقنون } يعلمونها بالاستدلال وأعيد «هم» لما فصل بينه وبين الخبر.
[27.4]
{ إن الذين لا يؤمنون بالأخرة زينا لهم أعملهم } القبيحة بتركيب الشهوة حتى رأوها حسنة { فهم يعمهون } يتحيرون فيها لقبحها عندنا.
[27.5]
{ أولئك الذين لهم سوء العذاب } أشده في الدنيا القتل والأسر { وهم فى الأخرة هم الأخسرون } لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم.
[27.6]
{ وإنك } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم { لتلقى القرءان } أي يلقى عليك بشدة { من لدن } من عند { حكيم عليم } في ذلك.
[27.7]
اذكر { إذ قال موسى لأهله } زوجته عند مسيره من مدين إلى مصر { إنى ءانست } أبصرت من بعيد { نارا سئاتيكم منها بخبر } عن حال الطريق وكان قد ضلها { أو ءاتيكم بشهاب قبس } بالإضافة للبيان وتركها أي شعلة نار في رأس فتيلة أو عود { لعلكم تصطلون } تستدفئون من البرد والطاء بدل من تاء الافتعال، من صلي بالنار بكسر اللام وفتحها:.
[27.8]
{ فلما جاءها نودى أن } أي بأن { بورك } أي بارك الله { من فى النار } أي موسى { ومن حولها } أي الملائكة،أو العكس. وبارك يتعدى بنفسه وبالحرف ويقدر بعد (في) (مكان) { وسبحن الله رب العلمين } من جملة ما نودي ومعناه تنزيه الله من السوء.
[27.9]
{ يموسى إنه } أي الشأن { أنا الله العزيز الحكيم }.
[27.10]
{ وألق عصاك } فألقاها { فلما رءاها تهتز } تتحرك { كأنها جان } حية خفيفة { ولى مدبرا ولم يعقب } يرجع. قال الله تعالى: { يموسى لا تخف } منها { إنى لا يخاف لدى } عندي { المرسلون } من حية وغيرها.
[27.11]
{ إلا } لكن { من ظلم } نفسه { ثم بدل حسنا } أتاه { بعد سوء } أي تاب { فإنى غفور رحيم } أقبل التوبة وأغفر له.
[27.12]
{ وأدخل يدك فى جيبك } طوق قميصك { تخرج } خلاف لونها من الأدمة { بيضاء من غير سوء } برص لها شعاع يغشى البصر، آية { في تسع ءايت } مرسلا بها { إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فسقين }.
[27.13]
{ فلما جاءتهم ءايتنا مبصرة } أي مضيئة واضحة { قالوا هذا سحر مبين } بين ظاهر.
[27.14]
{ وجحدوا بها } أي لم يقروا { و } قد { استيقنتها أنفسهم } أي تيقنوا أنها من عند الله { ظلما وعلوا } تكبرا عن الإيمان بما جاء به موسى راجع إلى الجحد { فانظر } يا محمد صلى الله عليه وسلم { كيف كان عقبة المفسدين } التي علمتها من إهلاكهم.
[27.15]
{ ولقد ءاتينا داوود وسليمن } ابنه { علما } بالقضاء بين الناس ومنطق الطير وغير ذلك { وقالا } شكرا لله { الحمد لله الذى فضلنا } بالنبوة وتسخير الجن والإنس والشياطين { على كثير من عباده المؤمنين }.
[27.16]
{ وورث سليمن داوود } النبوة والعلم دون باقي أولاده { وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير } أي فهم أصواته { وأوتينا من كل شىء } تؤتاه الأنبياء والملوك { إن هذا } المؤتى { لهو الفضل المبين } البين الظاهر.
[27.17]
{ وحشر } جمع { لسليمن جنوده من الجن والإنس والطير } في مسير له { فهم يوزعون } يجمعون ثم يسافرون.
[27.18]
{ حتى إذا أتوا على وادي النمل } هو بالطائف أو بالشام، نمله صغار أو كبار { قالت نملة } هي ملكة النمل وقد رأت جند سليمان { يأيها النمل ادخلوا مسكنكم لا يحطمنكم } يكسرنكم { سليمن وجنوده وهم لا يشعرون } نزل النمل منزلة العقلاء في الخطاب بخطابهم.
[27.19]
{ فتبسم } سليمان ابتداء { ضحكا } انتهاء { من قولها } وقد سمعه من ثلاثة أميال حملته إليه الريح فحبس جنده حين أشرف على واديهم حتى دخلوا بيوتهم وكان جنده ركبانا ومشاة في هذا السير { وقال رب أوزعنى } ألهمني { أن أشكر نعمتك التى أنعمت } بها { على وعلى والدى وأن أعمل صلحا ترضه وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصلحين } الأنبياء والأولياء.
[27.20]
{ وتفقد الطير } ليرى (الهدهد) الذي يرى الماء تحت الأرض ويدل عليه بنقره فيها فتستخرجه الشياطين لاحتياج سليمان إليه للصلاة فلم يره { فقال مالي لى لا أرى الهدهد } أي أعرض لي ما منعني من رؤيته؟ { أم كان من الغائبين } فلم أره لغيبته
[27.21]
فلما تحققها قال { لأعذبنه عذابا } تعذيبا { شديدا } بنتف ريشه وذنبه ورميه في الشمس فلا يمتنع من الهوام { أو لأذبحنه } بقطع حلقومه { أو ليأتينى } بنون مشددة مكسورة أو مفتوحة يليها نون مكسورة { بسلطن مبين } ببرهان بين ظاهر على عذره.
[27.22]
{ فمكث } بضم الكاف وفتحها { غير بعيد } أي يسيرا من الزمن، وحضر لسليمان متواضعا برفع رأسه وإرخاء ذنبه وجناحيه فعفا عنه وسأله عما لقي في غيبته { فقال أحطت بما لم تحط به } أي: اطلعت على ما لم تطلع عليه { وجئتك من سبإ } بالصرف وتركه قبيلة باليمن سميت باسم جد لهم باعتباره صرف { بنبإ } خبر { يقين }.
[27.23]
{ إنى وجدت امرأة تملكهم } أي: هي ملكة لهم اسمها بلقيس { وأوتيت من كل شىء } يحتاج إليه الملوك من الآلة والعدة { ولها عرش } سرير { عظيم } طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون ذراعا وارتفاعه ثلاثون ذراعا مضروب من الذهب والفضة مكلل بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر والزمرد، وقوائمه من الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر والزمرد عليه سبعة أبواب على كل بيت باب مغلق.
[27.24]
{ وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطن أعملهم فصدهم عن السبيل } طريق الحق { فهم لا يهتدون }.
[27.25]
{ ألا يسجدوا لله } أي:أن يسجدوا له، فزيدت لا وأدغم فيها نون أن كما في قوله تعالى
لئلا يعلم أهل الكتاب
[29:57] والجملة في محل مفعول يهتدون بإسقاط إلى { الذى يخرج الخبء } مصدر بمعنى المخبوء من المطر والنبات { في السموات والارض ويعلم ما يخفون } في القلوب { وما تعلنون } بالألسنة.
[27.26]
{ الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم } استئناف جملة ثناء مشتمل على عرش الرحمن في مقابلة عرش بلقيس وبينهما بون عظيم.
[27.27]
{ قال } سليمان للهدهد { سننظر أصدقت } فيما أخبرتنا به { أم كنت من الكذبين } أي من هذا النوع؟ فهو أبلغ من أم كذبت فيه، ثم دلهم على الماء فاستخرج وارتووا وتوضؤوا وصلوا ثم كتب سليمان كتابا صورته: «من عبد الله سليمان ابن داود إلى بلقيس ملكة سبأ، بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على من اتبع الهدى أما بعد: فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين» ثم طبعه بالمسك وختمه بخاتمه ثم قال للهدهد:
[27.28]
{ اذهب بكتابى هذا فألقه إليهم } أي بلقيس وقومها { ثم تول } انصرف { عنهم } وقف قريبا منهم { فانظر ماذا يرجعون } يردون من الجواب فأخذه وأتاها وحولها جندها وألقاه في حجرها فلما رأته ارتعدت وخضعت خوفا، ثم وقفت على ما فيه.
[27.29]
ثم { قالت } لأشراف قومها { يأيها الملا إنى } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بقلبها واوا مكسورة { ألقى إلى كتاب كريم } مختوم.
[27.30]
{ إنه من سليمان وإنه } أي مضمونه { بسم الله الرحمن الرحيم }.
[27.31]
{ ألا تعلوا على وأتونى مسلمين }.
[27.32]
{ قالت يأيها الملؤا أفتونى } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بقلبها واوا أي أشيروا علي { فى أمرى ما كنت قطعة أمرا } قاضيته { حتى تشهدون } تحضرون.
[27.33]
{ قالوا نحن أولوا قوة وأولو بأس شديد } أي: أصحاب شدة في الحرب { والأمر إليك فانظرى ماذا تأمرين } نا نطعك.
[27.34]
{ قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها } بالتخريب { وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون } أي: مرسلو الكتاب.
[27.35]
{ وإنى مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون } من قبول الهدية أو ردها إن كان ملكا قبلها أو نبيا لم يقبلها فأرسلت خدما ذكورا وإناثا ألفا بالسوية وخمسمائة لبنة من الذهب، وتاجا مكللا بالجواهر ومسكا وعنبرا وغير ذلك مع رسول بكتاب فأسرع الهدهد إلى سليمان يخبره الخبر فأمر أن تضرب لبنات الذهب والفضة وأن تبسط من موضعه إلى تسعة فراسخ ميدانا وأن يبنوا حوله حائطا مشرفا من الذهب والفضة وأن يؤتى بأحسن دواب البر والبحر مع أولاد الجن عن يمين الميدان وشماله.
[27.36]
{ فلما جآء } الرسول بالهدية ومعه أتباعه { سليمان قال أتمدونن بمال فما ءاتن الله } من النبوة والملك { خير مما ءاتكم } من الدنيا { بل أنتم بهديتكم تفرحون } لفخركم بزخارف الدنيا.
[27.37]
{ ارجع إليهم } بما أتيت من الهدية { فلنأتينهم بجنود لا قبل } لا طاقة { لهم بها ولنخرجنهم منها } من بلدهم سبأ سميت باسم أبي قبيلتهم { أذلة وهم صغرون } أي إن لم يأتوني مسلمين فلما رجع إليها الرسول بالهدية جعلت سريرها داخل سبعة أبواب داخل قصرها وقصرها داخل سبعة قصور وأغلقت الأبواب وجعلت عليها حرسا وتجهزت للمسير إلى سليمان لتنظر ماذا يأمرها به فارتحلت في اثني عشر ألف فيل، مع كل فيل ألوف كثيرة إلى أن قربت منه على فرسخ شعر بها.
[27.38]
{ قال يأيها الملؤأ أيكم } في الهمزتين ما تقدم { يأتينى بعرشها قبل أن يأتونى مسلمين } منقادين طائعين؟ فلي أخذه قبل ذلك لا بعده.
[27.39]
{ قال عفريت من الجن } هو القوي الشديد { أنا ءاتيك به قبل أن تقوم من مقامك } الذي تجلس فيه للقضاء وهو من الغداة إلى نصف النهار { وإنى عليه لقوى } أي على حمله { أمين } أي على ما فيه من الجواهر وغيرها قال سليمان أريد أسرع من ذلك.
[27.40]
{ قال الذى عنده علم من الكتب } المنزل وهو آصف بن برخيا كان صديقا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعا به أجيب { أنا ءاتيك قبل أن يرتد إليك طرفك } إذا نظرت به إلى شيء فقال له انظر إلى السماء فنظر إليها ثم رد بطرفه فوجده موضوعا بين يديه، ففي نظره إلى السماء دعا آصف بالاسم الأعظم أن يأتي الله به فحصل بأن جرى تحت الأرض حتى نبع تحت كرسي سليمان { فلما رءاه مستقرا } أي ساكنا { عنده قال هذا } أي الإتيان لي به { من فضل ربى ليبلونى } ليختبرني { ءأشكر } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه { أم أكفر } النعمة؟ { ومن شكر فإنما يشكر لنفسه } أي لأجلها لأن ثواب شكره له { ومن كفر } النعمة { فإن ربى غنى } عن شكره { كريم } بالإفضال على من يكفرها.
[27.41]
{ قال نكروا لها عرشها } أي غيروه إلى حال تنكره إذا رأته { ننظر أتهتدى } إلى معرفته { أم تكون من الذين لا يهتدون } إلى معرفة ما يغير عليهم قصد بذلك اختبار عقلها لما قيل له إن فيه شيئا فغيروه بزيادة أو نقص أو غير ذلك.
[27.42]
{ فلما جاءت قيل } لها { أهكذا عرشك }؟أي أمثل هذا عرشك؟ { قالت كأنه هو } أي فعرفته وشبهت عليهم كما شبهوا عليها إذ لم يقل أهذا عرشك؟ ولو قيل هذا قالت: نعم. قال سليمان: لما رأى لها معرفة وعلما { وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين }.
[27.43]
{ وصدها } عن عبادة الله { ما كانت تعبد من دون الله } أي غيره { إنها كانت من قوم كفرين }.
[27.44]
{ قيل لها } أيضا { ادخلى الصرح } هو سطح من زجاج أبيض شفاف تحته ماء عذب جار فيه سمك اصطنعه سليمان لما قيل له إن ساقيها وقدميها كقدمي الحمار { فلما رأته حسبته لجة } من الماء { وكشفت عن ساقيها } لتخوضه وكان سليمان على سريره في صدر الصرح فرأى ساقيها وقدميها حسانا { قال } لها { إنه صرح ممرد } مملس { من قوارير } أي زجاج ودعاها إلى الإسلام { قالت رب إنى ظلمت نفسى } بعبادة غيرك { وأسلمت } كائنة { مع سليمن لله رب العلمين } وأراد تزوجها فكره شعر ساقيها فعملت له الشياطين النورة فأزالته فتزوجها وأحبها وأقرها على ملكها وكان يزورها في كل شهر مرة ويقيم عندها ثلاثة أيام وانقضى ملكها بانقضاء ملك سليمان روي أنه ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فسبحان من لا انقضاء لدوام ملكه.
[27.45]
{ ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم } من القبيلة { صلحا أن } أي بأن { اعبدوا الله } وحدوه { فإذا هم فريقان يختصمون } في الدين فريق مؤمنون من حين إرساله إليهم وفريق كافرون.
[27.46]
{ قال } للمكذبين { يقوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة } أي بالعذاب قبل الرحمة؟ حيث قلتم إن كان ما أتيتنا به حقا فأتنا بالعذاب { لولا } هلا { تستغفرون الله } من الشرك { لعلكم ترحمون } فلا تعذبون؟
[27.47]
{ قالوا اطيرنا } أصله تطيرنا أدغمت التاء في الطاء واجتلبت همزة الوصل أي تشاءمنا { بك وبمن معك } أي المؤمنين حيث قحطوا المطر وجاعوا { قال طائركم } شؤمكم { عند الله } أتاكم به { بل أنتم قوم تفتنون } تختبرون بالخير والشر.
[27.48]
{ وكان فى المدينة } مدينة ثمود { تسعة رهط } أي رجال { يفسدون فى الأرض } بالمعاصي، منها قرضهم الدنانير والدراهم { ولا يصلحون } بالطاعة.
[27.49]
{ قالوا } أي قال بعضهم لبعض { تقاسموا } أي احلفوا { بالله لنبيتنه } بالنون والتاء وضم التاء الثانية { وأهله } أي من آمن به أي نقتلهم ليلا { ثم لنقولن } بالنون والتاء وضم اللام الثانية { لوليه } ولي دمه { ما شهدنا } حضرنا { مهلك أهله } بضم الميم وفتحها أي إهلاكهم أو هلاكهم فلا ندري من قتلهم { وإنا لصدقون }.
[27.50]
{ ومكروا } في ذلك { مكرا ومكرنا مكرا } أي جازيناهم بتعجيل عقوبتهم { وهم لا يشعرون }.
[27.51]
{ فانظر كيف كان عقبة مكرهم أنا دمرنهم } أهلكناهم { وقومهم أجمعين } بصيحة جبريل أو برمي الملائكة بحجارة يرونها ولا يرونهم.
[27.52]
{ فتلك بيوتهم خاوية } أي خالية ونصبه على الحال والعامل فيها معنى الإشارة { بما ظلموا } بظلمهم أي كفرهم { إن فى ذلك لأية } لعبرة { لقوم يعلمون } قدرتنا فيتعظون.
[27.53]
{ وأنجينا الذين ءامنوا } بصالح وهم أربعة آلاف { وكانوا يتقون } الشرك.
[27.54]
{ ولوطا } منصوب باذكر مقدرا قبله ويبدل منه { إذ قال لقومه أتأتون الفحشة } أي اللواط { وأنتم تبصرون }؟ أي يبصر بعضكم بعضا انهماكا في المعصية.
[27.55]
{ أئنكم } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين { لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون } عاقبة فعلكم.
[27.56]
{ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا ءال لوط } أهله { من قريتكم إنهم أناس يتطهرون } من أدبار الرجال.
[27.57]
{ فأنجينه وأهله إلا امرأته قدرنها } جعلناها بتقديرنا { من الغبرين } الباقين في العذاب.
[27.58]
{ وأمطرنا عليهم مطرا } هو حجارة السجيل أهلكتهم { فساء } بئس { مطر المنذرين } بالعذاب مطرهم.
[27.59]
{ قل } يا محمد صلى الله عليه وسلم { الحمد لله } على هلاك كفار الأمم الخالية { وسلام على عباده الذين اصطفى } هم { ءآلله } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه { خير } لمن يعبده { أما يشركون } بالتاء والياء أي أهل مكة به؟
[27.60]
الآلهة خير لعابديها؟ { أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا } فيه التفات من الغيبة إلى التكلم { به حدائق } جمع حديقة وهو البستان المحوط { ذات بهجة } حسن { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } لعدم قدرتكم عليه { أءله } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين في مواضعه السبعة { مع الله } أعانه على ذلك؟ أي ليس معه إله { بل هم قوم يعدلون } يشركون بالله غيره.
[27.61]
{ أمن جعل الأرض قرارا } لا تميد بأهلها { وجعل خلالها } فيما بينها { أنهارا وجعل لها رواسى } جبالا أثبت بها الأرض { وجعل بين البحرين حاجزا } بين العذب والملح لا يختلط أحدهما بالآخر { أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون } توحيده.
[27.62]
{ أمن يجيب المضطر } المكروب الذي مسه الضر { إذا دعاه ويكشف السوء } عنه وعن غيره { ويجعلكم حلفاء الارض } الإضافة بمعنى في: أي يخلف كل قرن القرن الذي قبله { أءله مع الله قليلا ما تذكرون } تتعظون بالفوقانية والتحتانية وفيه إدغام التاء في الذال و ما زائدة لتقليل القليل.
[27.63]
{ أمن يهديكم } يرشدكم إلى مقاصدكم { فى ظلمت البر والبحر } بالنجوم ليلا وبعلامات الأرض نهارا { ومن يرسل الريح بشرا بين يدى رحمته } أي قدام المطر { أءله مع الله تعالى الله عما يشركون } به غيره.
[27.64]
{ أمن يبدأ الخلق } في الأرحام من نطفة { ثم يعيده } بعد الموت؟ وإن لم تعترفوا بالإعادة لقيام البراهين عليها { ومن يرزقكم من السماء } بالمطر { والأرض } بالنبات { أءله مع الله } أي لا يفعل شيئا مما ذكر إلا الله ولا إله معه { قل } يا محمد صلى الله عليه وسلم { هاتوا برهنكم } حجتكم { إن كنتم صدقين } أن معي إلها فعل شيئا مما ذكر.
[27.65]
وسألوه عن وقت قيام الساعة فنزل: { قل لا يعلم من فى السموات والارض } من الملائكة والناس { الغيب } أي ما غاب عنهم { إلا } لكن { الله } يعلمه { وما يشعرون } أي كفار مكة كغيرهم { أيان } وقت { يبعثون }.
[27.66]
{ بل } بمعنى هل { ادرك } بتشديد الدال وأصله( تدارك) أبدلت التاء دالا وأدغمت في الدال واجتلبت همزة الوصل تتابع وتلاحق وفي قراءة (أدرك) بوزن أكرم ) أي بلغ ولحق { علمهم فى الاخرة } أي بها حتى سألوا عن وقت مجيئها، ليس الأمر كذلك { بل هم فى شك منها بل هم منها عمون } من عمى القلب وهو أبلغ مما قبله والأصل عميون استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الميم بعد حذف كسرتها.
[27.67]
{ وقال الذين كفروا } أيضا في إنكار البعث { أءذا كنا ترابا وءابآؤنآ أءنا لمخرجون } من القبور؟
[27.68]
{ لقد وعدنا هذا نحن وءابآؤنا من قبل إن } ما { هذا إلا أسطير الأولين } جمع أسطورة بالضم أي ما سطر من الكذب.
[27.69]
{ قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عقبة المجرمين } بإنكارهم، وهي هلاكهم بالعذاب.
[27.70]
{ ولا تحزن عليهم ولا تكن فى ضيق مما يمكرون } تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي لا تهتم بمكرهم عليك فإنا ناصروك عليهم.
[27.71]
{ ويقولون متى هذا الوعد } بالعذاب { إن كنتم صدقين } فيه؟
[27.72]
{ قل عسى أن يكون ردف } قرب { لكم بعض الذى تستعجلون } فحصل لهم القتل ببدر وباقي العذاب يأتيهم بعد الموت.
[27.73]
{ وإن ربك لذو فضل على الناس } ومنه تأخير العذاب عن الكفار { ولكن أكثرهم لا يشكرون } فالكفار لا يشكرون تأخير العذاب لإنكارهم وقوعه.
[27.74]
{ وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم } تخفيه { وما يعلنون } بألسنتهم.
[27.75]
{ وما من غآئبة فى السمآء والأرض } الهاء للمبالغة: أي شيء في غاية الخفاء على الناس { إلا فى كتب مبين } بين هو اللوح المحفوظ ومكنون علمه تعالى، ومنه تعذيب الكفار.
[27.76]
{ إن هذا القرءان يقص على بنى إسرءيل } الموجودين في زمان نبينا { أكثر الذى هم فيه يختلفون } أي ببيان ما ذكر على وجهه الرافع للاختلاف بينهم لو أخذوا به وأسلموا.
[27.77]
{ وإنه لهدى } من الضلالة { ورحمة للمؤمنين } من العذاب.
[27.78]
{ إن ربك يقضى بينهم } كغيرهم يوم القيامة { بحكمه } أي عدله { وهو العزيز } الغالب { العليم } بما يحكم به، فلا يمكن أحدا مخالفته، كما خالف الكفار في الدنيا أنبياءه.
[27.79]
{ فتوكل على الله } ثق به { إنك على الحق المبين } أي الدين البين، فالعاقبة لك بالنصر على الكفار، ثم ضرب أمثالا لهم بالموتى وبالصم وبالعمي، فقال:
[27.80]
{ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعآء إذا } بتحقيق الهمزتين، وتسهيل الثانية بينها وبين الياء { ولوا مدبرين }.
[27.81]
{ ومآ أنت بهادى العمى عن ضللتهم إن } ما { تسمع } سماع إفهام وقبول { إلا من يؤمن بئايتنا } القرآن { فهم مسلمون } مخلصون بتوحيد الله.
[27.82]
{ وإذا وقع القول عليهم } حق العذاب أن ينزل بهم في جملة الكفار { أخرجنا لهم دآبة من الأرض تكلمهم } أي تكلم الموجودين حين خروجها بالعربية تقول لهم من جملة كلامها عنا { إن الناس } أي كفار مكة، وعلى قراءة فتح همزة «أن» تقدر الباء بعد( تكلمهم) { كانوا بئايتنا لا يوقنون } أي لا يؤمنون بالقرآن المشتمل على البعث والحساب والعقاب، وبخروجها ينقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يؤمن كافر،
وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد ءامن
[36:11].
[27.83]
{ و } اذكر { يوم نحشر من كل أمة فوجا } جماعة { ممن يكذب بئايتنا } وهم رؤساؤهم المتبعون { فهم يوزعون } أي يجمعون يرد آخرهم إلى أولهم ثم يساقون.
[27.84]
{ حتى إذا جآءو } مكان الحساب { قال } تعالى لهم { أكذبتم } أنبيائي { بئايتي ولم تحيطوا } من جهة تكذيبكم { بها علما أما } فيه إدغام «ما» الاستفهامية { ذا } موصول أي ما الذي { كنتم تعملون } مما أمرتم به؟.
[27.85]
{ ووقع القول } حق العذاب { عليهم بما ظلموا } أي أشركوا { فهم لا ينطقون } إذ لا حجة لهم.
[27.86]
{ ألم يروا أنا جعلنا } خلقنا { اليل ليسكنوا فيه } كغيرهم { والنهار مبصرا } بمعنى يبصر فيه ليتصرفوا فيه { إن فى ذلك لأيت } دلالات على قدرته تعالى { لقوم يؤمنون } خصوا بالذكر لانتفاعهم بها في الإيمان بخلاف الكافرين.
[27.87]
{ ويوم ينفخ فى الصور } القرن النفخة الأولى من إسرافيل { ففزع من فى السموات ومن فى الأرض } أي خافوا الخوف المفضي إلى الموت كما في آية أخرى
فصعق
[68:39] والتعبير فيه بالماضي لتحقق وقوعه { إلا من شاء الله } أي جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت. وعن ابن عباس: هم الشهداء إذ هم
أحيآء عند ربهم يرزقون
[169:3] { وكل } تنوينه عوض عن المضاف إليه أي وكلهم بعد إحيائهم يوم القيامة { أتوه } بصيغة الفعل واسم الفاعل { دخرين } صاغرين، والتعبير في الإتيان بالماضي لتحقق وقوعه.
[27.88]
{ وترى الجبال } تبصرها وقت النفخة { تحسبها } تظنها { جامدة } واقفة مكانها لعظمها { وهى تمر مر السحاب } المطر إذا ضربته الريح أي تسير سيره حتى تقع على الأرض فتستوي بها مبسوسة، ثم تصير ]
كالعهن
[70: 9 و101: 5] ثم تصير
هبآء منثورا
[23:25] { صنع الله } مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله أضيف إلى فاعله بعد حذف عامله: أي صنع الله ذلك صنعا { الذى أتقن } أحكم { كل شىء } صنعه { إنه خبير بما تفعلون } بالياء والتاء أي أعداؤه من المعصية وأولياؤه من الطاعة.
[27.89]
{ من جآء بالحسنة } أي لا إله إلا الله، يوم القيامة { فله خير } ثواب { منها } أي بسببها وليس للتفضيل، إذ لا فعل خير منها. وفي آية أخرى
عشر أمثالها
[160:6] { وهم } أي الذين جاءوا بها { من فزع يومئذ } بالإضافة وكسر الميم وفتحها، و فزع منونا وفتح الميم { ءامنون }.
[27.90]
{ ومن جآء بالسيئة } أي الشرك { فكبت وجوههم فى النار } بأن وليتها، وذكرت الوجوه لأنها موضع الشرف من الحواس، فغيرها من باب أولى، ويقال لهم تبكيتا: { هل } أي ما { تجزون إلا } جزاء { ما كنتم تعملون } من الشرك والمعاصي؟.
[27.91]
قل لهم: { إنمآ أمرت أن أعبد رب هذه البلدة } أي مكة { الذى حرمها } أي جعلها حرما آمنا لا يسفك فيها دم الإنسان ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلي خلاها، وذلك من النعم على قريش أهلها في رفع الله عن بلدهم العذاب والفتن الشائعة في جميع بلاد العرب { وله } تعالى { كل شىء } فهو ربه وخالقه ومالكه { وأمرت أن أكون من المسلمين } لله بتوحيده.
[27.92]
{ وأن أتلو القرءان } عليكم تلاوة الدعوى إلى الإيمان { فمن اهتدى } له { فإنما يهتدى لنفسه } أي لأجلها فإن ثواب اهتدائه له { ومن ضل } عن الإيمان وأخطأ طريق الهدى { فقل } له { إنمآ أنا من المنذرين } المخوفين فليس علي إلا التبليغ، وهذا قبل الأمر بالقتال.
[27.93]
{ وقل الحمد لله سيريكم ءايته فتعرفونها } فأراهم الله يوم بدر القتل والسبي وضرب الملائكة
وجوههم وأدبارهم
[50:8] وعجلهم الله إلى النار { وما ربك بغفل عما يعملون } بالياء والتاء، وإنما يمهلهم لوقتهم
[28 - سورة القصص]
[28.1]
{ طسم } الله أعلم بمراده بذلك.
[28.2]
{ تلك } أي هذه الآيات { ءايت الكتب } الإضافة بمعنى من { المبين } المظهر الحق من الباطل.
[28.3]
{ نتلو } نقص { عليك من نبإ } خبر { موسى وفرعون بالحق } الصدق { لقوم يؤمنون } لأجلهم لأنهم المنتفعون به
[28.4]
{ إن فرعون علا } تعظم { فى الأرض } أرض مصر { وجعل أهلها شيعا } فرقا في خدمته { يستضعف طآئفة منهم } هم بنو إسرائيل { يذبح أبنآءهم } المولودين { ويستحى نسآءهم } يستبقيهن أحياء، لقول بعض الكهنة له: إن مولودا يولد في بني إسرائيل يكون سبب زوال ملكك { إنه كان من المفسدين } بالقتل وغيره
[28.5]
{ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء: يقتدى بهم في الخير { ونجعلهم الوارثين } ملك فرعون
[28.6]
{ ونمكن لهم فى الأرض } أرض مصر والشام { ونرى فرعون وهمن وجنودهما } وفي قراءة ويرى بفتح التحتانية والراء ورفع الأسماء الثلاثة { منهم ما كانوا يحذرون } يخافون من المولود الذي يذهب ملكهم على يديه
[28.7]
{ وأوحينآ } وحي إلهام أو منام { إلى أم موسى } وهو المولود المذكور ولم يشعر بولادته غير أخته { أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم } البحر أي النيل { ولا تخافى } غرقه { ولا تحزنى } لفراقه { إنا رآدوه إليك وجاعلوه من المرسلين } فأرضعته ثلاثة أشهر لا يبكي، وخافت عليه فوضعته في تابوت مطلي بالقار من داخل ممهد له فيه وأغلقته وألقته في بحر النيل ليلا
[28.8]
{ فالتقطه } بالتابوت صبيحة الليل { ءال } أعوان { فرعون } فوضعوه بين يديه وفتح وأخرج منه موسى وهو يمص من إبهامه لبنا { ليكون لهم } في عاقبة الأمر { عدوا } يقتل رجالهم { وحزنا } يستعبد نساءهم وفي قراءة بضم الحاء وسكون الزاي لغتان في المصدر، وهو هنا بمعنى اسم الفاعل من حزنه كأحزنه { إن فرعون وهمن } وزيره { وجنودهما كانوا خطئين } من الخطيئة أي عاصين فعوقبوا على يديه
[28.9]
{ وقالت امرأت فرعون } وقد هم مع أعوانه بقتله: هو { قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنآ أو نتخذه ولدا } فأطاعوها { وهم لا يشعرون } بعاقبة أمرهم معه.
[28.10]
{ وأصبح فؤاد أم موسى } لما علمت بالتقاطه { فرغا } مما سواه { إن } مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي إنها { كادت لتبدى به } أي بأنه ابنها { لولآ أن ربطنا على قلبها } بالصبر أي سكناه { لتكون من المؤمنين } المصدقين بوعد الله، وجواب لولا دل عليه ما قبله
[28.11]
{ وقالت لأخته } مريم { قصيه } أي اتبعي أثره حتى تعلمي خبره { فبصرت به } أبصرته { عن جنب } من مكان بعيد اختلاسا { وهم لا يشعرون } أنها أخته وأنها ترقبه
[28.12]
{ وحرمنا عليه المراضع من قبل } أي قبل رده إلى أمه أي منعناه من قبول ثدي مرضعة غير أمه فلم يقبل ثدي واحدة من المراضع المحضرة له { فقالت } أخته { هل أدلكم على أهل بيت } لما رأت حنوهم عليه { يكفلونه لكم } بالإرضاع وغيره { وهم له نصحون } وفسرت ضمير «له» بالملك جوابا لهم فأجيبت، فجاءت بأمه فقبل ثديها وأجابتهم عن قبوله بأنها طيبة الريح طيبة اللبن فأذن لها في إرضاعه في بيتها، فرجعت به كما قال تعالى:
[28.13]
{ فرددنه إلى أمه كى تقر عينها } بلقائه { ولا تحزن } حينئذ { ولتعلم أن وعد الله } برده إليها { حق ولكن أكثرهم } أي الناس { لا يعلمون } بهذا الوعد ولا بأن هذه أخته وهذه أمه، فمكث عندها إلى أن فطمته وأجرى عليها أجرتها لكل يوم دينار، وأخذتها لأنها مال حربي، فأتت به فرعون فتربى عنده كما قال تعالى حكاية عنه في سورة (الشعراء)
ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين
[18:26].
[28.14]
{ ولما بلغ أشده } وهو ثلاثون سنة أو وثلاث { واستوى } أي بلغ أربعين سنة { ءاتينه حكما } حكمة { وعلما } فقها في الدين قبل أن يبعث نبيا { وكذلك } كما جزيناه { نجزى المحسنين } لأنفسهم.
[28.15]
{ ودخل } موسى { المدينة } مدينة فرعون وهي (منف) بعد أن غاب عنها مدة { على حين غفلة من أهلها } وقت القيلولة { فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته } أي إسرائيلي { وهذا من عدوه } أي قبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل حطبا إلى مطبخ فرعون { فاستغثه الذى من شيعته على الذى من عدوه } فقال له موسى خل سبيله، فقيل إنه قال لموسى لقد هممت أن أحمله عليك { فوكزه موسى } أي ضربه بجمع كفه وكان شديد القوة والبطش { فقضى عليه } أي قتله ولم يكن قصد قتله ودفنه في الرمل { قال هذا } أي قتله { من عمل الشيطن } المهيج غضبي { إنه عدو } لابن آدم { مضل } له { مبين } بين الإضلال.
[28.16]
{ قال } نادما { رب إنى ظلمت نفسى } بقتله { فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم } أي المتصف بهما أزلا وأبدا.
[28.17]
{ قال رب بمآ أنعمت } بحق إنعامك { على } بالمغفرة اعصمني { فلن أكون ظهيرا } عونا { للمجرمين } الكافرين بعد هذه إن عصمتني.
[28.18]
{ فأصبح فى المدينة خآئفا يترقب } ينتظر ما يناله من جهة القتيل { فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه } يستغيث به على قبطي آخر { قال له موسى إنك لغوى مبين } بين الغواية لما فعلته بالأمس واليوم.
[28.19]
{ فلمآ أن } زائدة { أراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما } لموسى والمستغيث به { قال } المستغيث ظانا أنه يبطش به لما قال له { يموسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن } ما { تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين } فسمع القبطي ذلك فعلم أن القاتل موسى، فانطلق إلى فرعون فأخبره بذلك، فأمر فرعون الذباحين بقتل موسى فأخذوا في الطريق إليه.
[28.20]
{ وجآء رجل } هو مؤمن آل فرعون { من أقصا المدينة } آخرها { يسعى } يسرع في مشيه من طريق أقرب من طريقهم { قال يموسى إن الملأ } من قوم فرعون { يأتمرون بك } يتشاورون فيك { ليقتلوك فاخرج } من المدينة { إنى لك من النصحين } في الأمر بالخروج.
[28.21]
{ فخرج منها خآئفا يترقب } لحوق طالب أو غوث الله إياه { قال رب نجنى من القوم الظلمين } قوم فرعون.
[28.22]
{ ولما توجه } قصد بوجهه { تلقاء مدين } جهتها وهي قرية شعيب مسيرة ثمانية أيام من مصر سميت بمدين بن إبراهيم ولم يكن يعرف طريقها { قال عسى ربى أن يهدينى سواء السبيل } أي قصد الطريق أي الطريق الوسط إليها فأرسل الله له ملكا بيده (عنزة) فانطلق به إليها.
[28.23]
{ ولما ورد ماء مدين } بئر فيها أي وصل إليها { وجد عليه أمة } جماعة { من الناس يسقون } مواشيهم { ووجد من دونهم } أي سواهم { امرأتين تذودان } تمنعان أغنامهما عن الماء { قال } موسى لهما { ما خطبكما } أي ما شأنكما لا تسقيان؟ { قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء } جمع راع أي يرجعون من سقيهم خوف الزحام فنسقي وفي قراءة يصدر من الرباعي أي يصرفون مواشيهم عن الماء { وأبونا شيخ كبير } لا يقدر أن يسقي.
[28.24]
{ فسقى لهما } من بئر أخرى بقربها رفع حجرا عنها لا يرفعه إلا عشرة أنفس { ثم تولى } انصرف { إلى الظل } لسمرة من شدة حر الشمس وهو جائع { فقال رب إنى لما أنزلت إلى من خير } طعام { فقير } محتاج فرجعتا إلى أبيهما في زمن أقل مما كانتا ترجعان فيه فسألهما عن ذلك فأخبرتاه بمن سقى لهما فقال لإحداهما: ادعيه لي.
[28.25]
قال تعالى: { فجاءته إحداهما تمشى على استحياء } أي واضعة كم درعها على وجهها حياء منه { قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } فأجابها منكرا في نفسه أخذ الأجرة كأنها قصدت المكافأة إن كان ممن يريدها فمشت بين يديه فجعلت الريح تضرب ثوبها فتكشف ساقيها فقال لها: امشي خلفي ودليني على الطريق ففعلت إلى أن جاء أباها وهو شعيب عليه السلام وعنده عشاء فقال له اجلس فتعش، قال: أخاف أن يكون عوضا مما سقيت لهما وإنا أهل بيت لا نطلب على عمل خير عوضا قال لا، عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام فأكل وأخبره بحاله، قال تعالى { فلما جاءه وقص عليه القصص } مصدر بمعنى المقصوص من قتله القبطي وقصدهم قتله وخوفه من فرعون { قال لا تخف نجوت من القوم الظلمين } إذ لا سلطان لفرعون على (مدين).
[28.26]
{ قالت إحداهما } وهي المرسلة الكبرى أو الصغرى { يأبت استئجره } اتخذه أجيرا يرعى غنمنا أي بدلنا { إن خير من استئجرت القوى الأمين } أي استأجره لقوته وأمانته فسألها عنهما فأخبرته بما تقدم من رفعه حجر البئر ومن قوله لها: امشي خلفي وزيادة أنها لما جاءته وعلم بها صوب رأسه فلم يرفعه فرغب في إنكاحه.
[28.27]
{ قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين } وهي الكبرى أو الصغرى { على أن تأجرنى } تكون أجيرا لي في رعي غنمي { ثمانى حجج } أي سنين { فإن أتممت عشرا } أي رعي عشر سنين { فمن عندك } التمام { وما أريد أن أشق عليك } باشتراط العشر { ستجدنى إن شاء الله } للتبرك { من الصلحين } الوافين بالعهد.
[28.28]
{ قال } موسى { ذلك } الذي قلته { بينى وبينك أيما الأجلين } الثمان أو العشر و ما زائدة أي رعيه { قضيت } به أي فرغت منه { فلا عدوان على } بطلب الزيادة عليه { والله على ما نقول } أنا وأنت { وكيل } حفيظ أو شهيد فتم العقد بذلك وأمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه وكانت عصا الأنبياء عنده فوقع في يدها عصا آدم من آس الجنة فأخذها موسى بعلم شعيب.
[28.29]
{ فلما قضى موسى الأجل } أي رعيه وهو ثمان أو عشر سنين وهو المظنون به { وسار بأهله } زوجته بإذن أبيها نحو مصر { ءانس } أبصر من بعيد { من جانب الطور } اسم جبل { نارا قال لأهله امكثوا } هنا { إنى ءانست نارا لعلى ءاتيكم منها بخبر } عن الطريق وكان قد أخطأها { أو جذوة } بتثليث الجيم قطعة وشعلة { من النار لعلكم تصطلون } تستدفئون، والطاء بدل من تاء الافتعال من صلي بالنار بكسر اللام وفتحها.
[28.30]
{ فلما أتها نودى من شطىء } جانب { الواد الأيمن } لموسى { فى البقعة المبركة } بسماعه كلام الله فيها { من الشجرة } بدل من شاطىء بإعادة الجار لنباتها فيه وهي شجرة (عناب) أو (عليق) أو (عوسج) { أن } مفسرة لا مخففة { يموسى إنى أنا الله رب العلمين }.
[28.31]
{ وأن ألق عصاك } فألقاها { فلما رءاها تهتز } تتحرك { كأنها جان } وهي الحية الصغيرة من سرعة حركتها { ولى مدبرا } هاربا منها { ولم يعقب } أي يرجع فنودي { يموسى أقبل ولا تخف إنك من الأمنين }.
[28.32]
{ اسلك } ادخل { يدك } اليمنى بمعنى الكف { فى جيبك } هو طوق القميص وأخرجها { تخرج } خلاف ما كانت عليه من الأدمة { بيضاء من غير سوء } أي برص فأدخلها وأخرجها تضيء كشعاع الشمس تغشي البصر { واضمم إليك جناحك من الرهب } بفتح الحرفين وسكون الثاني مع فتح الأول وضمه أي الخوف الحاصل من إضاءة اليد بأن تدخلها في جيبك فتعود إلى حالتها الأولى وعبر عنها بالجناح لأنها للإنسان كالجناح للطائر { فذانك } بالتشديد والتخفيف أي العصا واليد وهما مؤنثان وإنما ذكر المشار به إليهما المبتدأ لتذكير خبره { برهنان } مرسلان { من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فسقين }.
[28.33]
{ قال رب إنى قتلت منهم نفسا } هو القبطي السابق { فأخاف أن يقتلون } به.
[28.34]
{ وأخى هرون هو أفصح منى لسانا } أبين { فأرسله معى ردءا } معينا وفي قراءة بفتح الدال بلا همزة { يصدقنى } بالجزم جواب الدعاء وفي قراءة بالرفع وجملته صفة ردءا { إنى أخاف أن يكذبون }.
[28.35]
{ قال سنشد عضدك } نقويك { بأخيك ونجعل لكما سلطنا } غلبة { فلا يصلون إليكما } بسوء، اذهبا { بايتنا أنتما ومن اتبعكما الغلبون } لهم.
[28.36]
{ فلما جاءهم موسى بئايتنا بينت } واضحات حال { قالوا ما هذا إلا سحر مفترى } مختلق { وما سمعنا بهذا } كائنا { فى } أيام { ءابائنا الأولين }.
[28.37]
{ وقال } بواو وبدونها { موسى ربى أعلم } أي عالم { بمن جاء بالهدى من عنده } الضمير للرب { ومن } عطف على «من» قبلها { تكون } بالفوقانية والتحتانية { له عقبة الدار } أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة أي و هو أنا في الشقين فأنا محق فيما جئت به { إنه لا يفلح الظلمون } الكافرون.
[28.38]
{ وقال فرعون يأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فأوقد لى يهمن على الطين } فاطبخ لي الآجر { فاجعل لى صرحا } قصرا عاليا { لعلى أطلع إلى إله موسى } أنظر إليه وأقف عليه { وإنى لأظنه من الكذبين } في ادعائه إلها آخر وأنه رسوله.
[28.39]
{ واستكبر هو وجنوده فى الأرض } أرض مصر { بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون } بالبناء للفاعل وللمفعول.
[28.40]
{ فأخذنه وجنوده فنبذنهم } طرحناهم { في اليم } البحر المالح فغرقوا { فانظر كيف كان عقبة الظلمين } حين صاروا إلى الهلاك.
[28.41]
{ وجعلنهم } في الدنيا { أئمة } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء رؤساء في الشرك { يدعون إلى النار } بدعائهم إلى الشرك { ويوم القيمة لا ينصرون } بدفع العذاب عنهم.
[28.42]
{ وأتبعنهم فى هذه الدنيا لعنة } خزيا { ويوم القيمة هم من المقبوحين } المبعدين.
[28.43]
{ ولقد ءاتينا موسى الكتب } التوراة { من بعد ما أهلكنا القرون الأولى } قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم { بصائر للناس } حال من الكتاب جمع بصيرة وهو نور القلب أي أنوارا للقلوب { وهدى } من الضلالة لمن عمل به { ورحمة } لمن آمن به { لعلهم يتذكرون } يتعظون بما فيه من المواعظ.
[28.44]
{ وما كنت } يا محمد { بجانب } الجبل أو الوادي أو المكان { الغربى } من موسى حين المناجاة { إذ قضينا } أوحينا { إلى موسى الأمر } بالرسالة إلى فرعون وقومه { وما كنت من الشهدين } لذلك فتعلمه فتخبر به.
[28.45]
{ ولكنا أنشأنا قرونا } أمما من بعد موسى { فتطاول عليهم العمر } أي طالت أعمارهم فنسوا العهود واندرست العلوم وانقطع الوحي فجئنا بك رسولا وأوحينا إليك خبر موسى وغيره { وما كنت ثاويا } مقيما { فى أهل مدين تتلوا عليهم ءايتنا } خبر ثان فتعرف قصتهم فتخبر بها { ولكنا كنا مرسلين } لك وإليك بأخبار المتقدمين.
[28.46]
{ وما كنت بجانب الطور } الجبل { إذ } حين { نادينا } موسى أن خذ الكتاب بقوة { ولكن } أرسلناك { رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتهم من نذير من قبلك } وهم أهل مكة { لعلهم يتذكرون } يتعظون.
[28.47]
{ ولولا أن تصيبهم مصيبة } عقوبة { بما قدمت أيديهم } من الكفر وغيره { فيقولوا ربنا لولا } هلا { أرسلت إلينا رسولا فنتبع ءايتك } المرسل بها { ونكون من المؤمنين } وجواب لولا محذوف وما بعدها مبتدأ، والمعنى لولا الإصابة المسبب عنها قولهم أو لولا قولهم المسبب عنها أي لعاجلناهم بالعقوبة ولما أرسلناك إليهم رسولا.
[28.48]
{ فلما جاءهم الحق } محمد { من عندنا قالوا لولا } هلا { أوتى مثل ما أوتى موسى } من الآيات كاليد البيضاء والعصا وغيرهما أو الكتاب جملة واحدة؟ قال تعالى: { أولم يكفروا بما أوتى موسى من قبل } حيث { قالوا } فيه وفي محمد { سحران } وفي قراءة «ساحران» أي القرآن والتوراة { تظهرا } تعاونا { وقالوا إنا بكل } من النبيين والكتابين { كفرون }.
[28.49]
{ قل } لهم { فأتوا بكتب من عند الله هو أهدى منهما } من الكتابين { أتبعه إن كنتم صدقين } في قولكم.
[28.50]
{ فإن لم يستجيبوا لك } دعاءك بالإتيان بكتاب { فاعلم أنما يتبعون أهواءهم } في كفرهم { ومن أضل ممن اتبع هوه بغير هدى من الله } أي لا أضل منه { إن الله لا يهدى القوم الظلمين } الكافرين.
[28.51]
{ ولقد وصلنا } بينا { لهم القول } القرآن { لعلهم يتذكرون } يتعظون فيؤمنون.
[28.52]
{ الذين ءاتينهم الكتب من قبله } أي القرآن { هم به يؤمنون } أيضا نزلت في جماعة أسلموا من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره ومن النصارى قدموا من الحبشة ومن الشام.
[28.53]
{ وإذا يتلى عليهم } القرآن { قالوا ءامنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين } موحدين.
[28.54]
{ أولئك يؤتون أجرهم مرتين } بإيمانهم بالكتابين { بما صبروا } بصبرهم على العمل بهما { ويدرءون } يدفعون { بالحسنة السيئة } منهم { ومما رزقنهم ينفقون } يتصدقون.
[28.55]
{ وإذا سمعوا اللغو } الشتم والأذى من الكفار { أعرضوا عنه وقالوا لنا أعملنا ولكم أعملكم سلم عليكم } سلام متاركة أي: سلمتم منا من الشتم وغيره { لا نبتغى الجهلين } لا نصحبهم.
[28.56]
ونزل في حرصه صلى الله عليه وسلم على إيمان عمه أبي طالب { إنك لا تهدى من أحببت } هدايته { ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم } أي عالم { بالمهتدين }.
[28.57]
{ وقالوا } أي قومه { إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } أي ننتزع منها بسرعة قال تعالى { أولم نمكن لهم حرما ءامنا } يأمنون فيه من الإغارة والقتل الواقعين من بعض العرب على بعض { يجبى } بالفوقانية والتحتانية { إليه ثمرات كل شىء } من كل أوب { رزقا } لهم { من لدنا } أي عندنا؟ { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن ما نقوله حق.
[28.58]
{ وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها }؟ أي عيشها وأريد بالقرية أهلها { فتلك مسكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا } للمارة يوما أو بعضه { وكنا نحن الورثين } منهم.
[28.59]
{ وما كان ربك مهلك القرى } بظلم منها { حتى يبعث فى أمها } أي أعظمها { رسولا يتلوا عليهم ءايتنا وما كنا مهلكى القرى إلا وأهلها ظلمون } بتكذيب الرسل.
[28.60]
{ وما أوتيتم من شىء فمتع الحيوة الدنيا وزينتها } أي تتمتعون وتتزينون به أيام حياتكم ثم يفنى { وما عند الله } أي ثوابه { خير وأبقى أفلا تعقلون } بالتاء والياء أن الباقي خير من الفاني؟.
[28.61]
{ أفمن وعدنه وعدا حسنا فهو لقيه } مصيبه وهو الجنة { كمن متعناه متع الحيوة الدنيا } فيزول عن قريب { ثم هو يوم القيمة من المحضرين } النار؟ الأول المؤمن، والثاني الكافر، أي لا تساوي بينهما.
[28.62]
{ و } اذكر { يوم يناديهم } الله { فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون } هم شركائي.
[28.63]
{ قال الذين حق عليهم القول } بدخول النار وهم رؤساء الضلالة { ربنا هؤلاء الذين أغوينا } هم مبتدأ وصفتة { أغوينهم } خبره فغووا { كما غوينا } لم نكرههم على الغي { تبرأنا إليك } منهم { ما كانوا إيانا يعبدون } ما نافية وقدم المفعول للفاصلة.
[28.64]
{ وقيل ادعوا شركاءكم } أي الأصنام الذين تزعمون أنهم شركاء الله { فدعوهم فلم يستجيبوا لهم } دعاءهم { ورأوا } هم { العذاب } أبصروه { لو أنهم كانوا يهتدون } في الدنيا لما رأوه في الآخرة.
[28.65]
{ و } اذكر { يوم ينديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين } إليكم؟.
[28.66]
{ فعميت عليهم الأنباء } الأخبار المنجية في الجواب { يومئذ } أي لم يجدوا خيرا لهم فيه نجاة { فهم لا يتساءلون } عنه فيسكتون.
[28.67]
{ فأما من تاب } من الشرك { وءامن } صدق بتوحيد الله { وعمل صلحا } أدى الفرائض { فعسى أن يكون من المفلحين } الناجين بوعد الله .
[28.68]
{ وربك يخلق ما يشاء ويختار } ما يشاء { ما كان لهم } للمشركين { الخيرة } الاختيار في شيء { سبحن الله وتعلى عما يشركون } عن إشراكهم.
[28.69]
{ وربك يعلم ما تكن صدورهم } تسر قلوبهم من الكفر وغيره { وما يعلنون } بألسنتهم من ذلك.
[28.70]
{ وهو الله لا إله إلا هو له الحمد فى الأولى } الدنيا { والأخرة } الجنة { وله الحكم } القضاء النافذ في كل شيء { وإليه ترجعون } بالنشور.
[28.71]
{ قل } لأهل مكة { أرءيتم } أي أخبروني { إن جعل الله عليكم اليل سرمدا } دائما { إلى يوم القيمة من إله غير الله } بزعمكم { يأتيكم بضياء } نهار تطلبون فيه المعيشة { أفلا تسمعون } ذلك سماع تفهم فترجعون عن الإشراك.
[28.72]
{ قل } لهم { قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيمة من إله غير الله } بزعمكم؟ { يأتيكم بليل تسكنون } تستريحون { فيه } من التعب { أفلا تبصرون } ما أنتم عليه من الخطأ في الإشراك فترجعون عنه؟.
[28.73]
{ ومن رحمته } تعالى { جعل لكم اليل والنهار لتسكنوا فيه } في الليل { ولتبتغوا من فضله } في النهار للكسب { ولعلكم تشكرون } النعمة فيهما.
[28.74]
{ و } اذكر { يوم ينديهم فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون } ذكر ثانيا ليبنى عليه.
[28.75]
{ ونزعنا } أخرجنا { من كل أمة شهيدا } وهو نبيهم يشهد عليهم بما قالوا { فقلنا } لهم { هاتوا برهنكم } على ما قلتم من الإشراك { فعلموا أن الحق } في الإلهية { لله } لا يشاركه فيه أحد { وضل } غاب { عنهم ما كانوا يفترون } في الدنيا من أن معه شريكا، تعالى عن ذلك.
[28.76]
{ إن قرون كان من قوم موسى } ابن عمه وابن خالته وآمن به { فبغى عليهم } بالكبر والعلو وكثرة المال { وءاتينه من اكنوز مآ إن مفاتحه لتنوأ } تثقل { بالعصبة } الجماعة { أولى } أصحاب { القوة } أي تثقلهم فالباء للتعدية. وعددهم: قيل سبعون وقيل أربعون وقيل عشرة وقيل غير ذلك، واذكر { إذ قال له قومه } المؤمنون من بني إسرائيل { لا تفرح } بكثرة المال فرح بطر { إن الله لا يحب الفرحين } بذلك.
[28.77]
{ وابتغ } اطلب { فيما ءاتك الله } من المال { الدار الأخرة } بأن تنفقه في طاعة الله { ولا تنس } تترك { نصيبك من الدنيا } أي أن تعمل فيها للآخرة { وأحسن } للناس بالصدقة { كما أحسن الله إليك ولا تبغ } تطلب { الفساد فى الأرض } بعمل المعاصي { إن الله لا يحب المفسدين } بمعنى أنه يعاقبهم.
[28.78]
{ قال إنما أوتيته } أي المال { على علم عندى } أي في مقابلته وكان أعلم بني إسرائيل بالتوراة بعد موسى وهرون. قال تعالى: { أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون } الأمم { من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا } للمال؟ أي هو عالم بذلك ويهلكه الله { ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون } لعلمه تعالى بها فيدخلون النار بلا حساب.
[28.79]
{ فخرج } قارون { على قومه فى زينته } بأتباعه الكثيرين ركبانا متحلين بملابس الذهب والحرير على خيول وبغال متحلية { قال الذين يريدون الحيوة الدنيا يا } للتنبيه { ليت لنا مثل ما أوتى قرون } في الدنيا { إنه لذو حظ } نصيب { عظيم } واف فيها.
[28.80]
{ وقال } لهم { الذين أوتوا العلم } بما وعد الله في الآخرة { ويلكم } كلمة زجر { ثواب الله } في الآخرة بالجنة { خير لمن ءامن وعمل صلحا } مما أوتي قارون في الدنيا { ولا يلقها } أي الجنة المثاب بها { إلا الصبرون } على الطاعة وعن المعصية.
[28.81]
{ فخسفنا به } بقارون { وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله } أي غيره بأن يمنعوا عنه الهلاك { وما كان من المنتصرين } منه.
[28.82]
{ وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس } أي من قريب { يقولون ويكأن الله يبسط } يوسع { الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر } يضيق على من يشاء و«وي» اسم فعل بمعنى: أعجب، أي أنا والكاف بمعنى اللام { لولا أن من الله علينا لخسف بنا } بالبناء للفاعل والمفعول { ويكأنه لا يفلح الكفرون } لنعمة الله كقارون.
[28.83]
{ تلك الدار الأخرة } أي الجنة { نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض } بالبغي { ولا فسادا } بعمل المعاصي { والعقبة } المحمودة { للمتقين } عقاب الله، بعمل الطاعات.
[28.84]
{ من جاء بالحسنة فله خير منها } ثواب بسببها وهو عشر أمثالها { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا } جزاء { ما كانوا يعملون } أي: مثله.
[28.85]
{ إن الذى فرض عليك القرءان } أنزله { لرادك إلى معاد } إلى مكة وكان قد اشتاقها { قل ربى أعلم من جاء بالهدى ومن هو فى ضلل مبين } نزل جوابا لقول كفار مكة له: إنك في ضلال، أي فهو الجائي بالهدى، وهم في ضلال و «أعلم» بمعنى عالم.
[28.86]
{ وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتب } القرآن { إلا } لكن ألقي إليك { رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا } معينا { للكفرين } على دينهم الذي دعوك إليه.
[28.87]
{ ولا يصدنك } أصله (يصدوننك) حذفت نون الرفع للجازم، والواو للفاعل لالتقائها مع النون الساكنة { عن ءايت الله بعد إذ أنزلت إليك } أي لا ترجع إليهم في ذلك { وادع } الناس { إلى ربك } بتوحيده وعبادته { ولا تكونن من المشركين } بإعانتهم، ولم يؤثر الجازم في الفعل لبنائه.
[28.88]
{ ولا تدع } تعبد { مع الله إلها ءاخر لا إله إلا هو كل شىء هالك إلا وجهه } إلا إياه { له الحكم } القضاء النافذ { وإليه ترجعون } بالنشور من قبوركم.
[29 - سورة العنكبوت]
[29.1]
{ الم } الله أعلم بمراده بذلك.
[29.2]
{ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا } أي: بقولهم { ءامنا وهم لا يفتنون } يختبرون بما يتبين به حقيقة إيمانهم؟ نزل في جماعة آمنوا فآذاهم المشركون.
[29.3]
{ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا } في إيمانهم علم مشاهدة { وليعلمن الكذبين } فيه.
[29.4]
{ أم حسب الذين يعملون السيئات } الشرك والمعاصي { أن يسبقونا } يفوتونا فلا ننتقم منهم؟ { ساء } بئس { ما } الذي { يحكمون } ه حكمهم هذا.
[29.5]
{ من كان يرجوا } يخاف { لقاء الله فإن أجل الله } به { لأت } فليستعد له { وهو السميع } لأقوال العباد { العليم } بأفعالهم.
[29.6]
{ ومن جهد } جهاد حرب أو نفس { فإنما يجهد لنفسه } فإن منفعة جهاده له لا لله { إن الله لغنى عن العلمين } الإنس والجن والملائكة وعن عبادتهم.
[29.7]
{ والذين ءامنوا وعملوا الصلحت لنكفرن عنهم سيئاتهم } بعمل الصالحات { ولنجزينهم أحسن } بمعنى: حسن ونصبه بنزع الخافض الباء { الذى كانوا يعملون } وهو الصالحات.
[29.8]
{ ووصينا الإنسن بوالديه حسنا } أي إيصاء ذا حسن بأن يبرهما { وإن جهداك لتشرك بى ما ليس لك به } بإشراكه { علم } موافقة للواقع فلا مفهوم له { فلا تطعهما } في الإشراك { إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } فأجازيكم به.
[29.9]
{ والذين ءامنوا وعملوا الصلحت لندخلنهم فى الصلحين } الأنبياء والأولياء بأن نحشرهم معهم.
[29.10]
{ ومن الناس من يقول ءامنا بالله فإذا أوذى فى الله جعل فتنة الناس } أي أذاهم له { كعذاب الله } في الخوف منهم فيطيعهم فينافق { ولئن } لام قسم { جاء نصر } للمؤمنين { من ربك } فغنموا { ليقولن } حذفت منه نون الرفع لتوالي النونات والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين { إنا كنا معكم } في الإيمان فأشركونا في الغنيمة قال تعالى: { أوليس الله بأعلم } أي بعالم { بما فى صدور العلمين } قلوبهم من الإيمان والنفاق؟ بلى.
[29.11]
{ وليعلمن الله الذين ءامنوا } بقلوبهم { وليعلمن المنفقين } فيجازي الفريقين واللام في الفعلين لام قسم.
[29.12]
{ وقال الذين كفروا للذين ءامنوا اتبعوا سبيلنا } ديننا { ولنحمل خطيكم } في اتباعنا إن كانت والأمر بمعنى الخبر، قال تعالى: { وما هم بحملين من خطيهم من شىء إنهم لكذبون } في ذلك.
[29.13]
{ وليحملن أثقالهم } أوزارهم { وأثقالا مع أثقالهم } بقولهم للمؤمنين:
اتبعوا سبيلنا
وإضلالهم مقلديهم { وليسئلن يوم لقيمة عما كانوا يفترون } يكذبون على الله سؤال توبيخ واللام في الفعلين لام قسم، وحذف فاعلهما: الواو ونون الرفع.
[29.14]
{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه } وعمره أربعون سنة أو أكثر { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } يدعوهم إلى توحيد الله فكذبوه { فأخذهم الطوفان } أي الماء الكثير طاف بهم وعلاهم فغرقوا { وهم ظلمون } مشركون.
[29.15]
{ فأنجينه } أي نوحا { وأصحب السفينة } أي الذين كانوا معه فيها { وجعلنها ءاية } عبرة { للعلمين } لمن بعدهم من الناس إن عصوا رسلهم وعاش نوح بعد الطوفان ستين سنة أو أكثر حتى كثر الناس.
[29.16]
{ و } اذكر { إبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه } خافوا عقابه { ذلكم خير لكم } مما أنتم عليه من عبادة الأصنام { إن كنتم تعلمون } الخير من غيره.
[29.17]
{ إنما تعبدون من دون الله } أي غيره { أوثنا وتخلقون إفكا } تقولون كذبا أن الأوثان شركاء لله { إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا } لا يقدرون أن يرزقوكم { فابتغوا عند الله الرزق } اطلبوه منه { واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون }.
[29.18]
{ وإن تكذبوا } أي تكذبوني يا أهل مكة { فقد كذب أمم من قبلكم } من قبلي { وما على الرسول إلا البلغ المبين } إلا البلاغ البين في هاتين القصتين تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم.
[29.19]
وقال تعالى في قومه: { أولم يروا } بالياء والتاء ينظروا { كيف يبدىء الله الخلق ثم } هو بضم أوله، وقرىء بفتحه من بدأ وأبدأ بمعنى أي يخلقهم ابتداء { ثم } هو { يعيده } أي الخلق كما بدأهم { إن ذلك } المذكور من الخلق الأول والثاني { على الله يسير } فكيف ينكرون الثاني؟.
[29.20]
{ قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق } لمن كان قبلكم وأماتهم { ثم الله ينشىء النشأة الأخرة } مدا وقصرا مع سكون الشين { إن الله على كل شىء قدير } ومنه البدء والإعادة.
[29.21]
{ يعذب من يشاء } تعذيبه { ويرحم من يشاء } رحمته { وإليه تقلبون } تردون.
[29.22]
{ وما أنتم بمعجزين } ربكم عن إدراككم { في الأرض ولا فى السماء } لو كنتم فيها: أي لا تفوتونه { وما لكم من دون الله } أي غيره { من ولى } يمنعكم منه { ولا نصير } ينصركم من عذابه.
[29.23]
{ والذين كفروا بئايت الله ولقائه } أي القرآن والبعث { أولئك يئسوا من رحمتى } أي جنتي { وأولئك لهم عذاب أليم } مؤلم.
[29.24]
قال تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار } التي قذفوه فيها بأن جعلها عليه
بردا وسلما
[69:21] { إن فى ذلك } أي في إنجائه منها { لأيت } هي عدم تأثيرها فيه مع عظمها وإخمادها وإنشاء روض مكانها في زمن يسير { لقوم يؤمنون } يصدقون بتوحيد الله وقدرته لأنهم المنتفعون بها.
[29.25]
{ وقال } إبراهيم { إنما اتخذتم من دون الله أوثنا } تعبدونها و ما مصدرية { مودة بينكم } خبر إن، وعلى قراءة النصب مفعول له و ما كافة المعنى: تواددتم على عبادتها { في الحيوة الدنيا ثم يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض } يتبرأ القادة من الأتباع { ويلعن بعضكم بعضا } يلعن الأتباع القادة { ومأوكم } مصيركم جميعا { النار وما لكم من نصرين } مانعين منها.
[29.26]
{ فئامن له } صدق بإبراهيم { لوط } وهو ابن أخيه هاران { وقال } إبراهيم { إنى مهاجر } من قومي { إلى ربى } أي إلى حيث أمرني ربي وهجر قومه وهاجر من سواد العراق إلى الشام { إنه هو العزيز } في ملكه { الحكيم } في خلقه.
[29.27]
{ ووهبنا له } بعد إسمعيل { إسحق ويعقوب } بعد إسحاق { وجعلنا فى ذريته النبوة } فكل الأنبياء بعد إبراهيم من ذريته { والكتب } بمعنى الكتب: أي التوراة والإنجيل والزبور والفرقان { وءاتينه أجره فى الدنيا } وهو الثناء الحسن في كل أهل الأديان { وإنه فى الأخرة لمن الصلحين } الذين لهم الدرجات العلى.
[29.28]
{ و } اذكر { لوطا إذ قال لقومه إنكم } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين في الموضعين { لتأتون الفحشة } أي أدبار الرجال { ما سبقكم بها من أحد من العلمين } الإنس والجن.
[29.29]
{ أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل } طريق المارة بفعلكم الفاحشة بمن يمر بكم فترك الناس الممر بكم { وتأتون فى ناديكم } أي: متحدثكم { المنكر } فعل الفاحشة بعضكم ببعض { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصدقين } في استقباح ذلك وأن العذاب نازل بفاعليه.
[29.30]
{ قال رب انصرنى } بتحقيق قولي في إنزال العذاب { على القوم المفسدين } العاصين بإتيان الرجال فاستجاب الله دعاءه.
[29.31]
{ ولما جاءت رسلنا إبرهيم بالبشرى } بإسحاق ويعقوب بعده { قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية } أي قرية لوط { إن أهلها كانوا ظلمين } كافرين.
[29.32]
{ قال } إبراهيم { إن فيها لوطا قالوا } أي الرسل { نحن أعلم بمن فيها لننجينه } بالتخفيف والتشديد { وأهله إلا امرأته كانت من الغبرين } الباقين في العذاب.
[29.33]
{ ولما أن جاءت رسلنا لوطا سىء بهم } حزن بسببهم { وضاق بهم ذرعا } صدرا لأنهم حسان الوجوه في صورة أضياف فخاف عليهم قومه فأعلموه أنهم رسل ربه { وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك } بالتشديد والتخفيف { وأهلك إلا امرأتك كانت من الغبرين } ونصب «أهل» عطفا على محل الكاف.
[29.34]
{ إنا منزلون } بالتخفيف والتشديد { على أهل هذه القرية رجزا } عذابا { من السماء بما } بالفعل الذي { كانوا يفسقون } به أي بسبب فسقهم.
[29.35]
{ ولقد تركنا منها ءاية بينة } ظاهرة هي آثار خرابها { لقوم يعقلون } يتدبرون.
[29.36]
{ و } أرسلنا { إلى مدين أخهم شعيبا فقال يقوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الأخر } اخشوه، هو يوم القيامة { ولا تعثوا فى الأرض مفسدين } حال مؤكدة لعاملها من (عثي) بكسر المثلثة أفسد.
[29.37]
{ فكذبوه فأخذتهم الرجفة } الزلزلة الشديدة { فأصبحوا في دارهم جثمين } باركين على الركب ميتين.
[29.38]
{ و } أهلكنا { عادا وثمودا } بصرف (ثمود) وتركه بمعنى الحي والقبيلة { وقد تبين لكم } إهلاكهم { من مسكنهم } بالحجر واليمن { وزين لهم الشيطن أعملهم } من الكفر والمعاصي { فصدهم عن السبيل } سبيل الحق { وكانوا مستبصرين } ذوي بصائر.
[29.39]
{ و } أهلكنا { قرون وفرعون وهمن ولقد جاءهم } من قبل { موسى بالبينت } الحجج الظاهرات { فاستكبروا فى الأرض وما كانوا سبقين } فائتين عذابنا.
[29.40]
{ فكلا } من المذكورين { أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا } ريحا عاصفة فيها حصباء كقوم لوط { ومنهم من أخذته الصيحة } كثمود { ومنهم من خسفنا به الأرض } كقارون { ومنهم من أغرقنا } كقوم نوح وفرعون وقومه { وما كان الله ليظلمهم } فيعذبهم بغير ذنب { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بارتكاب الذنب.
[29.41]
{ مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء } أي أصناما يرجون نفعها { كمثل العنكبوت اتخذت بيتا } لنفسها تأوي إليه { وإن أوهن } أضعف { البيوت لبيت العنكبوت } لا يدفع عنها حرا ولا بردا كذلك الأصنام لا تنفع عابديها { لو كانوا يعلمون } ذلك ما عبدوها.
[29.42]
{ إن الله يعلم ما } بمعنى الذي { يدعون } يعبدون بالياء والتاء { من دونه } غيره { من شىء وهو العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه.
[29.43]
{ وتلك الأمثل } في القرآن { نضربها } نجعلها { للناس وما يعقلها } أي يفهمها { إلا العلمون } المتدبرون.
[29.44]
{ خلق الله السموات والأرض بالحق } أي محقا { إن فى ذلك لأية } دالة على قدرته تعالى { للمؤمنين } خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها في الإيمان بخلاف الكافرين.
[29.45]
{ اتل ما أوحى إليك من الكتب } القرآن { وأقم الصلوة إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر } شرعا: أي من شأنها ذلك ما دام المرء فيها { ولذكر الله أكبر } من غيره من الطاعات { والله يعلم ما تصنعون } فيجازيكم به.
[29.46]
{ ولا تجدلوا أهل الكتب إلا بالتى } أي: المجادلة التي { هى أحسن } كالدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه { إلا الذين ظلموا منهم } بأن حاربوا وأبوا أن يقروا بالجزية، فجادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية { وقولوا } لمن قبل الإقرار بالجزية إذا أخبروكم بشيء مما في كتبهم { ءامنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم } ولا تصدقوهم ولا تكذبوهم في ذلك { وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون } مطيعون.
[29.47]
{ وكذلك أنزلنآ إليك الكتب } القرآن كما أنزلنا إليهم التوراة وغيرها { فالذين ءاتينهم الكتب } التوراة كعبد الله بن سلام وغيره { يؤمنون به } بالقرآن { ومن هلآء } أي أهل مكة { من يؤمن به وما يجحد بئايتنآ } بعد ظهورها { إلا الكفرون } أي اليهود، وظهر لهم أن القرآن حق والجائي به محق وجحدوا ذلك.
[29.48]
{ وما كنت تتلو من قبله } أي القرآن { من كتب ولا تخطه بيمينك إذا } أي: لو كنت قارئا كاتبا { لارتاب } شك { المبطلون } اليهود فيك وقالوا: الذي في التوراة أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب.
[29.49]
{ بل هو } أي القرآن الذي جئت به { ءايت بينت فى صدور الذين أوتوا العلم } أي المؤمنون يحفظونه { وما يجحد بئايتنا إلا الظلمون } أي: اليهود وجحدوها بعد ظهورها لهم.
[29.50]
{ وقالوا } أي كفار مكة { لولآ } هلا { أنزل عليه } أي محمد { ءايت من ربه } وفي قراءة «آيات» كناقة صالح، وعصا موسى، ومائدة عيسى { قل } لهم { إنما الأيت عند الله } ينزلها كيف يشاء { وإنمآ أنا نذير مبين } مظهر إنذاري بالنار أهل المعصية.
[29.51]
{ أولم يكفهم } فيما طلبوا { إنآ أنزلنا عليك الكتب } القرآن { يتلى عليهم } فهو آية مستمرة لا انقضاء لها بخلاف ما ذكر من الآيات { إن فى ذلك } الكتاب { لرحمة وذكرى } عظة { لقوم يؤمنون }.
[29.52]
{ قل كفى بالله بينى وبينكم شهيدا } بصدقي { يعلم ما فى السموات والأرض } ومنه حالي وحالكم { والذين ءامنوا بالبطل } وهو ما يعبد من دون الله { وكفروا بالله } منكم { أولئك هم الخسرون } في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان.
[29.53]
{ ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى } له { لجآءهم العذاب } عاجلا { وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون } بوقت إتيانه.
[29.54]
{ يستعجلونك بالعذاب } في الدنيا { وإن جهنم لمحيطة بالكفرين }.
[29.55]
{ يوم يغشهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ونقول } فيه بالنون أي نأمر بالقول، وبالياء أي: يقول الموكل بالعذاب { ذوقوا ما كنتم تعملون } أي جزاءه فلا تفوتوننا.
[29.56]
{ تعملون يعبادى الذين ءامنوا إن أرضى واسعة فإياى فاعبدون } في أرض تيسرت فيها العبادة بأن تهاجروا إليها من أرض لم تتيسر فيها. نزل في ضعفاء مسلمي مكة كانوا في ضيق من إظهار الإسلام بها.
[29.57]
{ كل نفس ذآئقة الموت ثم إلينا ترجعون } بالتاء والياء بعد البعث.
[29.58]
{ والذين ءامنوا وعملوا الصلحت لنبوئنهم } ننزلنهم. وفي قراءة بالمثلثة بعد النون من الثواء الإقامة وتعديته إلى غرفا بحذف في { من الجنة غرفا تجرى من تحتها الأنهر خلدين } مقدرين الخلود { فيها نعم أجر العملين } هذا الأجر.
[29.59]
هم { الذين صبروا } أي على أذى المشركين والهجرة لإظهار الدين { وعلى ربهم يتوكلون } فيرزقهم من حيث لا يحتسبون.
[29.60]
{ وكأين } كم { من دآبة لا تحمل رزقها } لضعفها { الله يرزقها وإياكم } أيها المهاجرون وإن لم يكن معكم زاد ولا نفقة { وهو السميع } لأقوالكم { العليم } بضمائركم.
[29.61]
{ ولئن } لام قسم { سألتهم } أي: الكفار { من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون } يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك.
[29.62]
{ الله يبسط الرزق } يوسعه { لمن يشآء من عباده } امتحانا { ويقدر } يضيق { له } بعد البسط أي لمن يشاء ابتلاء { إن الله بكل شىء عليم } ومنه محل البسط والتضييق.
[29.63]
{ ولئن } لام قسم { سألتهم من نزل من السمآء مآء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله } فكيف يشركون به؟ { قل } لهم { الحمد لله } على ثبوت الحجة عليكم { بل أكثرهم لا يعقلون } تناقضهم في ذلك.
[29.64]
{ وما هذه الحيوة الدنيآ إلا لهو ولعب } وأما القرب فمن أمور الآخرة لظهور ثمرتها فيها { وإن الدار الأخرة لهى الحيوان } بمعنى الحياة { لو كانوا يعلمون } ذلك ما آثروا الدنيا عليها.
[29.65]
{ فإذا ركبوا فى الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } أي الدعاء، أي: لا يدعون معه غيره لأنهم في شدة لا يكشفها إلا هو { فلما نجهم إلى البر إذا هم يشركون } به.
[29.66]
{ ليكفروا بمآ ءاتينهم } من النعمة { وليتمتعوا } باجتماعهم على عبادة الأصنام، وفي قراءة بسكون اللام أمر تهديد { فسوف يعلمون } عاقبة ذلك.
[29.67]
{ أولم يروا } يعلموا { أنا جعلنا } بلدهم مكة { حرما ءامنا ويتخطف الناس من حولهم } قتلا وسبيا دونهم { أفبالبطل } الصنم { يؤمنون وبنعمة الله يكفرون } بإشراكهم؟.
[29.68]
{ ومن } أي لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذبا } بأن أشرك به { أو كذب بالحق } النبي أو الكتاب { لما جآءه أليس فى جهنم مثوى } مأوى { للكفرين }؟ أي فيها ذلك وهم منهم.
[29.69]
{ والذين جهدوا فينا } في حقنا { لنهدينهم سبلنا } أي طريق السير إلينا { وإن الله لمع المحسنين } المؤمنين بالنصر والعون.
[30 - سورة الروم]
[30.1]
{ الم } الله أعلم بمراده بذلك.
[30.2]
{ غلبت الروم } وهم أهل الكتاب غلبتها فارس وليسوا أهل كتاب بل يعبدون الأوثان ففرح كفار مكة بذلك، وقالوا للمسلمين: نحن نغلبكم كما غلبت فارس الروم.
[30.3]
{ فى أدنى الأرض } أي أقرب أرض الروم إلى فارس الجزيرة التقى فيها الجيشان والبادىء بالغزو الفرس { وهم } أي الروم { من بعد غلبهم } أضيف المصدر إلى المفعول: أي غلبة فارس إياهم { سيغلبون } فارس.
[30.4]
{ فى بضع سنين } هو ما بين الثلاث إلى التسع أو العشر فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول وغلبت الروم فارس { لله الأمر من قبل ومن بعد } أي من قبل غلب الروم ومن بعده المعنى أن غلبة فارس أولا وغلبة الروم ثانيا بأمر الله: أي إرادته { ويومئذ } أي يوم تغلب الروم { يفرح المؤمنون }.
[30.5]
{ بنصر الله } إياهم على فارس وقد فرحوا بذلك وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر بنزول جبريل بذلك فيه مع فرحهم بنصرهم على المشركين فيه { ينصر من يشاء وهو العزيز } الغالب { الرحيم } بالمؤمنين.
[30.6]
{ وعد الله } مصدر بدل من اللفظ بفعله، والأصل وعدهم الله النصر { لا يخلف الله وعده } به { ولكن أكثر الناس } أي كفار مكة { لا يعلمون } وعده تعالى بنصرهم.
[30.7]
{ يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا } أي معايشها من التجارة والزراعة والبناء والغرس وغير ذلك { وهم عن الأخرة هم غفلون } إعادة «هم» تأكيد.
[30.8]
{ أولم يتفكروا فى أنفسهم } ليرجعوا عن غفلتهم { ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى } لذلك تفنى عند انتهائه وبعده البعث { وإن كثيرا من الناس } أي: كفار مكة { بلقائ ربهم لكفرون } أي لا يؤمنون بالبعث بعد الموت.
[30.9]
{ أولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم } من الأمم وهي إهلاكهم بتكذيبهم رسلهم { كانوا أشد منهم قوة } كعاد وثمود { وأثاروا الأرض } حرثوها وقلبوها للزرع والغرس { وعمروها أكثر مما عمروها } أي كفار مكة { وجاءتهم رسلهم بالبينات } بالحجج الظاهرات { فما كان الله ليظلمهم } بإهلاكهم بغير جرم { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بتكذيبهم رسلهم.
[30.10]
{ ثم كان عقبة الذين أسءا السوأى } تأنيث الأسوأ: الأقبح خبر كان على رفع عاقبة، واسم كان على نصب «عاقبة» والمراد بها جهنم وإساءتهم { أن } أي بأن { كذبوا بئايت الله } القرآن { وكانوا بها يستهزئون }.
[30.11]
{ الله يبدأ الخلق } أي: ينشىء خلق الناس { ثم يعيده } أي خلقهم بعد موتهم { ثم إليه ترجعون } بالتاء والياء.
[30.12]
{ ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون } يسكت المشركون لانقطاع حجتهم.
[30.13]
{ ولم يكن } أي لا يكون { لهم من شركائهم } ممن أشركوهم بالله وهم الأصنام ليشفعوا لهم { شفعؤا وكانوا } أي يكونون { بشركائهم كفرين } أي متبرئين منهم.
[30.14]
{ ويوم تقوم الساعة يومئذ } تأكيد { يتفرقون } أي المؤمنون والكافرون.
[30.15]
{ فأما الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فهم فى روضة } جنة { يحبرون } يسرون.
[30.16]
{ وأما الذين كفروا وكذبوا بئايتنا } القرآن { ولقاء الأخرة } البعث وغيره { فأولئك فى العذاب محضرون }.
[30.17]
{ فسبحن الله } أي: سبحوا الله بمعنى صلوا { حين تمسون } أي تدخلون في المساء وفيه صلاتان: المغرب والعشاء { وحين تصبحون } تدخلون في الصباح وفيه صلاة الصبح.
[30.18]
{ وله الحمد فى السموات والأرض } اعتراض ومعناه يحمده أهلهما { وعشيا } عطف على حين وفيه صلاة العصر { وحين تظهرون } تدخلون في الظهيرة وفيه صلاة الظهر.
[30.19]
{ يخرج الحى من الميت } كالإنسان من النطفة والطائر من البيضة { ويخرج الميت } النطفة والبيضة { من الحى ويحى الأرض } بالنبات { بعد موتها } أي يبسها { وكذلك } الإخراج { تخرجون } من القبور بالبناء للفاعل والمفعول.
[30.20]
{ ومن ءايته } تعالى الدالة على قدرته { أن خلقكم من تراب } أي أصلكم آدم { ثم إذا أنتم بشر } من دم ولحم { تنتشرون } في الأرض.
[30.21]
{ ومن ءايته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجا } فخلقت حواء من ضلع آدم وسائر النساء من نطف الرجال والنساء { لتسكنوا إليها } وتألفوها { وجعل بينكم } جميعا { مودة ورحمة إن فى ذلك } المذكور { لأيت لقوم يتفكرون } في صنع الله تعالى.
[30.22]
{ ومن ءايته خلق السموات والأرض واختلف ألسنتكم } أي لغاتكم من عربية وعجمية وغيرها { وألونكم } من بياض وسواد وغيرهما، وأنتم أولاد رجل واحد وامرأة واحدة { إن فى ذلك لأيات } دلالات على قدرته تعالى { للعلمين } بفتح اللام وكسرها، أي ذوي العقول وأولي العلم.
[30.23]
{ ومن ءايته منامكم باليل والنهار } بإرادته راحة لكم { وابتغاؤكم } بالنهار { من فضله } أي تصرفكم في طلب المعيشة بإرادته { إن فى ذلك لأيت لقوم يسمعون } سماع تدبر واعتبار
[30.24]
{ ومن ءايته يريكم } أي إراءتكم { البرق خوفا } للمسافر من الصواعق { وطمعا } للمقيم في المطر { وينزل من السماء ماء فيحى به الأرض بعد موتها } أي يبسطها بأن تنبت { إن فى ذلك } المذكور { لأيت لقوم يعقلون } يتدبرون.
[30.25]
{ ومن ءايته أن تقوم السماء والأرض بأمره } بإرادته من غير عمد { ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض } بأن ينفخ إسرافيل في الصور للبعث من القبور { إذا أنتم تخرجون } منها أحياء فخروجكم منها بدعوة من آياته تعالى.
[30.26]
{ وله من فى السموات والأرض } ملكا وخلقا وعبيدا { كل له قنتون } مطيعون.
[30.27]
{ وهو الذى يبدأ الخلق } للناس { ثم يعيده } بعد هلاكهم { وهو أهون عليه } من البدء بالنظر إلى ما عند المخاطبين من أن إعادة الشيء أسهل من ابتدائه وإلا فهما عند الله تعالى سواء في السهولة { وله المثل الأعلى فى السموات والأرض } أي الصفة العليا، وهي أنه لا إله إلا الله { وهو العزيز } في ملكه { الحكيم } في خلقه.
[30.28]
{ ضرب } جعل { لكم } أيها المشركون { مثلا } كائنا { من أنفسكم } وهو { هل لكم من ما ملكت أيمنكم } أي من مماليككم { من شركاء } لكم { فى ما رزقنكم } من الأموال وغيرها { فأنتم } وهم { فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم } أي أمثالكم من الأحرار؟، والاستفهام بمعنى النفي، المعنى ليس مماليككم شركاء لكم إلى آخره عندكم فكيف تجعلون بعض مماليك الله شركاء له؟ { كذلك نفصل الأيت } نبينها مثل ذلك التفصيل { لقوم يعقلون } يتدبرون.
[30.29]
{ بل اتبع الذين ظلموا } بالإشراك { أهواءهم بغير علم فمن يهدى من أضل الله } أي لا هادي له { وما لهم من نصرين } مانعين من عذاب الله.
[30.30]
{ فأقم } يا محمد { وجهك للدين حنيفا } مائلا إليه: أي أخلص دينك لله أنت ومن تبعك { فطرت الله } خلقته { التى فطر الناس عليها } وهي دينه التي ألزموها { لا تبديل لخلق الله } لدينه أي: لا تبدلوه بأن تشركوا { ذلك الدين القيم } المستقيم توحيد الله { ولكن أكثر الناس } أي كفار مكة { لا يعلمون } توحيد الله.
[30.31]
{ منيبين } راجعين { إليه } تعالى بما أمر به ونهى عنه حال من فاعل (أقم) وما أريد به، أي أقيموا { واتقوه } خافوه { وأقيموا الصلوة ولا تكونوا من المشركين }.
[30.32]
{ من الذين } بدل بإعادة الجار { فرقوا دينهم } باختلافهم فيما يعبدونه { وكانوا شيعا } فرقا في ذلك { كل حزب } منهم { بما لديهم } عندهم { فرحون } مسرورون، وفي قراءة «فارقوا» أي تركوا دينهم الذي أمروا به.
[30.33]
{ وإذا مس الناس } أي كفار مكة { ضر } شدة { دعوا ربهم منيبين } راجعين { إليه } دون غيره { ثم إذا أذاقهم منه رحمة } بالمطر { إذا فريق منهم بربهم يشركون }.
[30.34]
{ ليكفروا بمآ ءاتينهم } أريد به التهديد { فتمتعوا فسوف تعلمون } عاقبة تمتعكم، فيه التفات عن الغيبة.
[30.35]
{ أم } بمعنى همزة الإنكار { أنزلنا عليهم سلطنا } حجة وكتابا { فهو يتكلم } تكلم دلالة { بما كانوا به يشركون } أي يأمرهم بالإشراك؟ لا.
[30.36]
{ وإذا أذقنا الناس } كفار مكة وغيرهم { رحمة } نعمة { فرحوا بها } فرح بطر { وإن تصبهم سيئة } شدة { بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون } ييأسون من الرحمة ومن شأن المؤمن أن يشكر عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة.
[30.37]
{ أولم يروا } يعلموا { أن الله يبسط الرزق } يوسعه { لمن يشاء } امتحانا { ويقدر } يضيقه لمن يشاء ابتلاء { إن فى ذلك لأيت لقوم يؤمنون } بها.
[30.38]
{ فئات ذا القربى } القرابة { حقه } من البر والصلة { والمسكين وابن السبيل } المسافر من الصدقة، وأمة النبي تبع له في ذلك { ذلك خير للذين يريدون وجه الله } أي ثوابه بما يعملون { وأولئك هم المفلحون } الفائزون.
[30.39]
{ وما ءاتيتم من ربا } بأن يعطي شيئا هبة أو هدية ليطلب أكثر منه، فسمي باسم المطلوب من الزيادة في المعاملة { ليربوا فى أموال الناس } المعطين، أي يزيد { فلا يربوا } يزكو { عند الله } أي لا ثواب فيه للمعطين { وما ءاتيتم من زكوة } صدقة { تريدون } بها { وجه الله فأولئك هم المضعفون } ثوابهم بما أرادوه، فيه التفات عن الخطاب.
[30.40]
{ الله الذى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم } ممن أشركتم بالله { من يفعل من ذلكم من شىء }؟ لا { سبحانه وتعلى عما يشركون } به.
[30.41]
{ ظهر الفساد فى البر } أي القفار بقحط المطر وقلة النبات { والبحر } أي البلاد التي على الأنهار بقلة مائها { بما كسبت أيدى الناس } من المعاصي { ليذيقهم } بالياء والنون { بعض الذى عملوا } أي عقوبته { لعلهم يرجعون } يتوبون.
[30.42]
{ قل } لكفار مكة { سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين } فأهلكوا بإشراكهم ومساكنهم ومنازلهم خاوية.
[30.43]
{ فأقم وجهك للدين القيم } دين الإسلام { من قبل أن يأتى يوم لا مرد له من الله } هو يوم القيامة { يومئذ يصدعون } فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار.
[30.44]
{ من كفر فعليه كفره } وبال كفره وهو النار { ومن عمل صلحا فلأنفسهم يمهدون } يوطئون منازلهم في الجنة.
[30.45]
{ ليجزى } متعلق بيصدعون { الذين ءامنوا وعملوا الصلحت من فضله } يثيبهم { إنه لا يحب الكفرين } أي يعاقبهم.
[30.46]
{ ومن ءايته } تعالى { أن يرسل الريح مبشرت } بمعنى لتبشركم بالمطر { وليذيقكم } بها { من رحمته } المطر والخصب { ولتجرى الفلك } السفن بها { بأمره } بإرادته { ولتبتغوا } تطلبوا { من فضله } الرزق بالتجارة في البحر { ولعلكم تشكرون } هذه النعم يا أهل مكة فتوحدونه.
[30.47]
{ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينت } بالحجج الواضحات على صدقهم في رسالتهم إليهم فكذبوهم { فانتقمنا من الذين أجرموا } أهلكنا الذين كذبوهم { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } على الكافرين بإهلاكهم وإنجاء المؤمنين.
[30.48]
{ الله الذى يرسل الريح فتثير سحابا } تزعجه { فيبسطه فى السماء كيف يشاء } من قلة وكثرة { ويجعله كسفا } بفتح السين وسكونها قطعا متفرقة { فترى الودق } المطر { يخرج من خلاله } أي وسطه { فإذا أصاب به } بالودق { من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون } يفرحون بالمطر.
[30.49]
{ وإن } وقد { كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله } تأكيد { لمبلسين } آيسين من إنزاله.
[30.50]
{ فانظر إلى ءاثر } وفي قراءة أثر { رحمت الله } أي نعمته بالمطر { كيف يحى الأرض بعد موتها } أي يبسها بأن تنبت { إن ذلك } المحيي الأرض { لمحى الموتى وهو على كل شىء قدير }.
[30.51]
{ ولئن } لام قسم { أرسلنا ريحا } مضرة على نبات { فرأوه مصفرا لظلوا } صاروا جواب القسم { من بعده } أي بعد اصفراره { يكفرون } يجحدون النعمة بالمطر.
[30.52]
{ فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بينها وبين الياء { ولوا مدبرين }.
[30.53]
{ وما أنت بهد العمى عن ضللتهم إن } ما { تسمع } سماع إفهام وقبول { إلا من يؤمن بئايتنا } القرآن { فهم مسلمون } مخلصون بتوحيد الله.
[30.54]
{ الله الذى خلقكم من ضعف } ماء مهين { ثم جعل من بعد ضعف } آخر، وهو ضعف الطفولية { قوة } أي قوة الشباب { ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } ضعف الكبر وشيب الهرم والضعف في الثلاثة بضم أوله وفتحه { يخلق ما يشاء } من القوة والضعف والشباب والشيبة { وهو العليم } بتدبير خلقه { القدير } على ما يشاء.
[30.55]
{ ويوم تقوم الساعة يقسم } يحلف { المجرمون } الكافرون { ما لبثوا } في القبور { غير ساعة } قال تعالى: { كذلك كانوا يؤفكون } يصرفون عن الحق (البعث) كما صرفوا عن الحق: الصدق في مدة اللبث.
[30.56]
{ وقال الذين أوتوا العلم والإيمن } من الملائكة وغيرهم { لقد لبثتم فى كتب الله } فيما كتبه في سابق علمه { إلى يوم البعث فهذا يوم البعث } الذي أنكرتموه { ولكنكم كنتم لا تعلمون } وقوعه.
[30.57]
{ فيومئذ لا ينفع } بالياء والتاء { الذين ظلموا معذرتهم } في إنكارهم له { ولا هم يستعتبون } لا يطلب منهم العتبى: أي الرجوع إلى ما يرضي الله.
[30.58]
{ ولقد ضربنا } جعلنا { للناس فى هذا القرءان من كل مثل } تنبيها لهم { ولئن } لام قسم { جئتهم } يا محمد { بئاية } مثل العصا واليد لموسى { ليقولن } حذف منه نون الرفع لتوالي النونات والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين { الذين كفروا } منهم { إن } ما { أنتم } أي محمد وأصحابه { إلا مبطلون } أصحاب أباطيل.
[30.59]
{ كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون } التوحيد كما طبع على قلوب هؤلاء.
[30.60]
{ فاصبر إن وعد الله } بنصرك عليهم { حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون } بالبعث: أي لا يحملنك على الخفة والطيش بترك الصبر: أي لا تتركنه.
[31 - سورة لقمان]
[31.1]
{ الم } الله أعلم بمراده به.
[31.2]
{ تلك } أي هذه الآيات { ءاي تالكتب الحكيم } القرآن { الحكيم } ذي الحكمة، والإضافة بمعنى من.
[31.3]
هو { هدى ورحمة } بالرفع { للمحسنين } وفي قراءة العامة بالنصب حالا من الآيات العامل فيها ما في (تلك) من معنى الإشارة.
[31.4]
{ الذين يقيمون الصلوة } بيان للمحسنين { ويؤتون الزكوة وهم بالأخرة هم يوقنون } «هم» الثاني تأكيد.
[31.5]
{ أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } الفائزون.
[31.6]
{ ومن الناس من يشترى لهو الحديث } أي ما يلهي منه عما يعني { ليضل } بفتح الياء وضمها { عن سبيل الله } طريق الإسلام { بغير علم ويتخذها } بالنصب عطفا على يضل، وبالرفع عطفا على يشتري { هزوا } مهزوءا بها { أولئك لهم عذاب مهين } ذو إهانة.
[31.7]
{ وإذا تتلى عليه ءايتنا } أي القرآن { ولى مستكبرا } متكبرا { كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا } صمما، وجملتا التشبيه حالان من ضمير «ولى» أو الثانية بيان للأولى { فبشره } أعلمه { بعذاب أليم } مؤلم، وذكر البشارة تهكم به وهو النضر بن الحارث، كان يأتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الأعاجم ويحدث بها أهل مكة ويقول: إن محمدا يحدثكم أحاديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم أحاديث فارس والروم، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن.
[31.8]
{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت لهم جنت النعيم }.
[31.9]
{ خلدين فيها } حال مقدرة أي مقدرا خلودهم فيها إذا دخلوها { وعد الله حقا } أي وعدهم ذلك وحقه حقا { وهو العزيز } الذي لا يغلبه شيء فيمنعه من إنجاز وعده ووعيده { الحكيم } الذي لا يضع شيئا إلا في محله.
[31.10]
{ خلق السموات بغير عمد ترونها } أي العمد جمع عماد وهو الأسطوانة، وهو صادق بأن لا عمد أصلا { وألقى فى الأرض رواسى } جبالا مرتفعة ل { أن } لا { تميد } تتحرك { بكم وبث فيها من كل دآبة وأنزلنا } فيه التفات عن الغيبة { من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم } صنف حسن.
[31.11]
{ هذا خلق الله } أي مخلوقه { فأرونى } أخبروني يا أهل مكة { ماذا خلق الذين من دونه } غيره أي: آلهتكم حتى أشركتموها به تعالى، وما استفهام إنكار مبتدأ، وذا بمعنى الذي بصلته خبره، وأروني معلق عن العمل لفظا، وما بعده سد مسد المفعولين { بل } للانتقال { الظلمون فى ضلل مبين } بين بإشراكهم وأنتم منهم.
[31.12]
{ ولقد ءاتينا لقمان الحكمة } منها العلم والديانة والإصابة في القول، وحكمه كثيرة مأثورة كان يفتي قبل بعثة داود، وأدرك بعثته وأخذ عنه العلم وترك الفتيا، وقال في ذلك: ألا أكتفي إذا كفيت، وقيل له: أي الناس شر؟ قال: الذي لا يبالي إن رآه الناس مسيئا { أن } أي وقلنا له أن { اشكر لله } على ما أعطاك من الحكمة { ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه } لأن ثواب شكره له { ومن كفر } النعمة { فإن الله غنى } عن خلقه { حميد } محمود في صنعه.
[31.13]
{ و } اذكر { إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه ي بنى } تصغير إشفاق { لا تشرك بالله إن الشرك } بالله { لظلم عظيم } فرجع إليه وأسلم.
[31.14]
{ ووصينا الإنسن بولديه } أمرناه أن يبرهما { حملته أمه } فوهنت { وهنا على وهن } أي ضعفت للحمل وضعفت للطلق وضعفت للولادة { وفصله } أي فطامه { فى عامين } وقلنا له { أن اشكر لى ولولديك إلى المصير } أي المرجع.
[31.15]
{ وإن جهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم } موافقة للواقع { فلا تطعهما وصحبهما فى الدنيا معروفا } أي بالمعروف:البر والصلة { واتبع سبيل } طريق { من أناب } رجع { إلى } بالطاعة { ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } فأجازيكم عليه وجملة الوصية وما بعدها اعتراض.
[31.16]
{ يبنى إنها } أي الخصلة السيئة { إن تك مثقال حبة من خردل فتكن فى صخرة أو فى السموات أو فى الأرض } أي في أخفى مكان من ذلك { يأت بها الله } فيحاسب عليها { إن الله لطيف } باستخراجها { خبير } بمكانها.
[31.17]
{ يبنى أقم الصلوة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على مآ أصابك } بسبب الأمر والنهي { إن ذلك } المذكور { من عزم الأمور } أي معزوماتها التي يعزم عليها لوجوبها.
[31.18]
{ ولا تصعر } وفي قراءة تصاعر { خدك للناس } لا تمل وجهك عنهم متكبرا { ولا تمش فى الأرض مرحا } أي خيلاء { إن الله لا يحب كل مختال } متبختر في مشيه { فخور } على الناس.
[31.19]
{ واقصد فى مشيك } توسط فيه بين الدبيب والإسراع، وعليك السكينة والوقار { واغضض } اخفض { من صوتك إن أنكر الأصوت } أقبحها { لصوت الحمير } أوله زفير وآخره شهيق.
[31.20]
{ ألم تروا } تعلموا يا مخاطبين { أن الله سخر لكم ما فى السموات } من الشمس والقمر والنجوم لتنتفعوا بها { وما فى الأرض } من الثمار والأنهار والدواب { وأسبغ } أوسع وأتم { عليكم نعمه ظهرة } وهي حسن الصورة وتسوية الأعضاء وغير ذلك { وباطنة } هي المعرفة وغيرها. { ومن الناس } أي أهل مكة { من يجدل فى الله بغير علم ولا هدى } من رسول الله صلى الله عليه وسلم { ولا كتب منير } أنزله الله، بل بالتقليد.
[31.21]
{ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه ءابآءنا } قال تعالى: { أ } يتبعونه { ولو كان الشيطن يدعوهم إلى عذاب السعير } أي موجباته؟ لا.
[31.22]
{ ومن يسلم وجهه إلى الله } أي يقبل على طاعته { وهو محسن } موحد { فقد استمسك بالعروة الوثقى } بالطرف الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه { وإلى الله عقبة الأمور } مرجعها.
[31.23]
{ ومن كفر فلا يحزنك } يا محمد { كفره } لا تهتم بكفره { إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور } أي بما فيها كغيره فمجاز عليه.
[31.24]
{ نمتعهم } في الدنيا { قليلا } أيام حياتهم { ثم نضطرهم } في الآخرة { إلى عذاب غليظ } وهو عذاب النار لا يجدون عنه محيصا.
[31.25]
{ ولئن } لام قسم { سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } حذف منه نون الرفع لتوالي الأمثال وواو الضمير لالتقاء الساكنين { قل الحمد لله } على ظهور الحجة عليهم بالتوحيد { بل أكثرهم لا يعلمون } وجوبه عليهم.
[31.26]
{ لله ما فى السموات والأرض } ملكا وخلقا وعبيدا فلا يستحق العبادة فيهما غيره { إن الله هو الغنى } عن خلقه { الحميد } المحمود في صنعه.
[31.27]
{ ولو أنما فى الأرض * من شجرة أقلام والبحر } عطف على اسم أن { يمده من بعده سبعة أبحر } مدادا { ما نفدت كلمت الله } المعبر بها عن معلوماته بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد ولو بأكثر من ذلك لأن معلوماته تعالى غير متناهية { إن الله عزيز } لا يعجزه شيء { حكيم } لا يخرج شيء عن علمه وحكمته.
[31.28]
{ ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس وحدة } خلقا وبعثا لأنه بكلمة (كن) فيكون { إن الله سميع } يسمع كل مسموع { بصير } يبصر كل مبصر لا يشغله شيء عن شيء.
[31.29]
{ ألم تر } تعلم يا مخاطب { أن الله يولج } يدخل { اليل في النهار ويولج النهار } يدخله { وله ما } فيزيد كل منهما بما نقص من الآخر { وسخر الشمس والقمر كل } منهما { يجرى } في فلكه { إلى أجل مسمى } هو يوم القيامة { وأن الله بما تعملون خبير }.
[31.30]
{ ذلك } المذكور { بأن الله هو الحق } الثابت { وأن ما يدعون } بالياء والتاء يعبدون { من دونه البطل } الزائل { وأن الله هو العلى } على خلقه بالقهر { الكبير } العظيم.
[31.31]
{ ألم تر أن الفلك } السفن { تجرى فى البحر بنعمت الله ليريكم } يا مخاطبين بذلك { من ءايته إن فى ذلك لايت } عبرا { لكل صبار } عن معاصي الله { شكور } لنعمته.
[31.32]
{ وإذا غشيهم } أي علا الكفار { موج كالظلل } كالجبال التي تظل من تحتها { دعوا الله مخلصين له الدين } أي الدعاء بأن ينجيهم أي لا يدعون معه غيره { فلما نجهم إلى البر فمنهم مقتصد } متوسط بين الكفر والإيمان ومنهم باق على كفره { وما يجحد بئايتنآ } ومنها الإنجاء من الموج { إلا كل ختار } غدار { كفور } لنعم الله تعالى.
[31.33]
{ يأيها الناس } أي أهل مكة { اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى } يغني { والد عن ولده } فيه شيئا { ولا مولود هو جاز عن والده } فيه { شيئا إن وعد الله حق } بالبعث { فلا تغرنكم الحيوة الدنيا } عن الإسلام { ولا يغرنكم بالله } في حلمه وإمهاله { الغرور } الشيطان.
[31.34]
{ إن الله عنده علم الساعة } متى تقوم { وينزل } بالتخفيف والتشديد { الغيث } بوقت يعلمه ويعلم ما في الأرحام أذكر أم أنثى ولا يعلم واحدا من الثلاثة غير الله تعالى { وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا } من خير أو شر ويعلمه الله تعالى { وما تدرى نفس بأى أرض تموت } ويعلمه الله تعالى { إن الله عليم } بكل شيء { خبير } بباطنه كظاهره روى البخاري عن ابن عمر حديث مفاتح الغيب خمسة أن الله عنده علم الساعة إلى آخر السورة.
[32 - سورة السجدة]
[32.1]
{ ألم } الله أعلم بمراده به.
[32.2]
{ تنزيل الكتب } القرآن مبتدأ { لا ريب } شك { فيه } خبر أول { من رب العلمين } خبر ثان.
[32.3]
{ أم } بل { يقولون افتراه } محمد؟ لا { بل هو الحق من ربك لتنذر } به { قوما مآ } نافية { أتهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون } بإنذارك.
[32.4]
{ الله الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام } أولها الأحد وآخرها الجمعة { ثم استوى على العرش } وهو في اللغة سرير الملك استواء يليق به { ما لكم } يا كفار مكة { من دونه } أي غيره { من ولى } اسم (ما) بزيادة (من) أي: ناصر { ولا شفيع } يدفع عذابه عنكم { أفلا تتذكرون } هذا فتؤمنون.
[32.5]
{ يدبر الامر من السمآء إلى الأرض } مدة الدنيا { ثم يعرج } يرجع الأمر والتدبير { إليه فى يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون } في الدنيا وفي سورة سأل
خمسين ألف سنة
[4:70] وهو يوم القيامة لشدة أهواله بالنسبة إلى الكافر،وأما المؤمن فيكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا كما جاء في الحديث.
[32.6]
{ ذلك } الخالق المدبر { علم الغيب والشهدة } أي ما غاب عن الخلق وما حضر { العزيز } المنيع في ملكه { الرحيم } بأهل طاعته.
[32.7]
{ الذى أحسن كل شىء خلقه } بفتح اللام فعلا ماضيا صفة،ل(شيء) وبسكونها بدل اشتمال { وبدأ خلق الإنسن } آدم { من طين }.
[32.8]
{ ثم جعل نسله } ذريته { من سللة } علقة { من مآء مهين } ضعيف هو النطفة.
[32.9]
{ ثم سواه } أي خلق آدم { ونفخ فيه من روحه } أي جعله حيا حساسا بعد أن كان جمادا { وجعل لكم } أي لذريته { السمع } بمعنى الأسماع { والأبصر والأفئدة } القلوب { قليلا ما تشكرون } ما زائدة مؤكدة للقلة.
[32.10]
{ وقالوا } أي منكرو البعث { أءذا ضللنا فى الأرض } غبنا فيها بأن صرنا ترابا مختلطا بترابها { أءنا لفى خلق جديد }؟ استفهام إنكاري بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين في الموضعين، قال تعالى: { بل هم بلقآء ربهم } بالبعث. { كفرون }.
[32.11]
{ قل } لهم { يتوفكم ملك الموت الذى وكل بكم } أي بقبض أرواحكم { ثم إلى ربكم ترجعون } أحياء فيجازيكم بأعمالكم.
[32.12]
{ ولو ترى إذ المجرمون } الكافرون { ناكسوا رءوسهم عند ربهم } مطأطئوها حياء يقولون { ربنآ أبصرنا } ما أنكرنا من البعث { وسمعنا } منك تصديق الرسل فيما كذبناهم فيه { فارجعنا } إلى الدنيا { نعمل صلحا } فيها { إنا موقنون } الآن فما ينفعهم ذلك ولا يرجعون، وجواب لو لرأيت أمرا فظيعا.
[32.13]
قال تعالى: { ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها } فتهتدي بالإيمان والطاعة باختيار منها { ولكن حق القول منى } وهو { لأملان جهنم من الجنة } الجن { والناس أجمعين }
[32.14]
وتقول لهم الخزنة إذا دخلوها: { فذوقوا } العذاب { بما نسيتم لقآء يومكم هذآ } أي بترككم الإيمان به { إنا نسينكم } تركناكم في العذاب { وذوقوا عذاب الخلد } الدائم { بما كنتم تعملون } من الكفر والتكذيب.
[32.15]
{ إنما يؤمن بئايتنا } القرآن { الذين إذا ذكروا } وعظوا { بها خروا سجدا وسبحوا } متلبسين { بحمد ربهم } أي قالوا: سبحان الله وبحمده { وهم لا يستكبرون } عن الإيمان والطاعة.
[32.16]
{ تتجافى جنوبهم } ترتفع { عن المضاجع } مواضع الاضطجاع بفرشها لصلاتهم بالليل تهجدا { يدعون ربهم خوفا } من عقابه { وطمعا } في رحمته { ومما رزقنهم ينفقون } يتصدقون.
[32.17]
{ فلا تعلم نفس مآ أخفى } خبىء { لهم من قرة أعين } ما تقر به أعينهم. وفي قراءة بسكون الياء مضارع { جزآء بما كانوا يعملون }.
[32.18]
{ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون } أي المؤمنون والفاسقون.
[32.19]
{ أما الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فلهم جنت المأوى نزلا } هو ما يعد للضيف { بما كانوا يعملون }.
[32.20]
{ وأما الذين فسقوا } بالكفر والتكذيب { فمأواهم النار كلمآ أرادوا أن يخرجوا منهآ أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون }.
[32.21]
{ ولنذيقنهم من العذاب الأدنى } عذاب الدنيا بالقتل والأسر والجدب سنين والأمراض { دون } قبل { العذاب الاكبر } عذاب الآخرة { لعلهم } أي من بقي منهم { يرجعون } إلى الإيمان.
[32.22]
{ ومن أظلم ممن ذكر بئايت ربه } القرآن { ثم أعرض عنهآ } أي لا أحد أظلم منه { إنا من المجرمين } أي المشركين { منتقمون }.
[32.23]
{ ولقد ءاتينا موسىالكتب } التوراة { فلا تكن فى مرية } شك { من لقآئه } وقد التقيا ليلة الإسراء { وجعلنه } أي موسى أو الكتاب { هدى } هاديا { لبنى إسرءيل }.
[32.24]
{ وجعلنا منهم أئمة } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء: قادة { يهدون } الناس { بأمرنا لما صبروا } على دينهم، وعلى البلاء من عدوهم وفي قراءة بكسر اللام وتخفيف الميم { وكانوا بئايتنا } الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا { يوقنون }.
[32.25]
{ إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون } من أمر الدين.
[32.26]
{ أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم } أي يتبين لكفار مكة إهلاكنا كثيرا { من القرون } الأمم بكفرهم { يمشون } حال من ضمير «لهم» { فى مسكنهم } في أسفارهم إلى الشام وغيرها فيعتبروا { إن فى ذلك لايات } دلالات على قدرتنا { أفلا يسمعون } سماع تدبر واتعاظ؟.
[32.27]
{ أولم يروا أنا نسوق المآء إلى الأرض الجرز } ، اليابسة التي لا نبات فيها { فنخرج به زرعا تأكل منه أنعمهم وأنفسهم أفلا يبصرون } هذا فيعلمون أنا نقدر على إعادتهم؟
[32.28]
{ ويقولون } للمؤمنين { متى هذا الفتح } بيننا وبينكم { إن كنتم صدقين }.
[32.29]
{ قل يوم الفتح } بإنزال العذاب بهم { لا ينفع الذين كفروا إيمنهم ولا هم ينظرون } يمهلون لتوبة أو معذرة.
[32.30]
{ فأعرض عنهم وانتظر } إنزال العذاب بهم { إنهم منتظرون } بك حادث موت أو قتل فيستريحون منك، وهذا قبل الأمر بقتالهم.
[33 - سورة الأحزاب]
[33.1]
{ يأيها النبى اتق الله } دم على تقواه { ولا تطع الكفرين والمنفقين } فيما يخالف شريعتك { إن الله كان عليما } بما يكون قبل كونه { حكيما } فيما يخلقه.
[33.2]
{ واتبع ما يوحى إليك من ربك } أي القرآن { إن الله كان بما تعملون خبيرا } وفي قراءة (يعملون)بالتحتانية.
[33.3]
{ وتوكل على الله } في أمرك { وكفى بالله وكيلا } حافظا لك. وأمته تبع له في ذلك كله.
[33.4]
{ ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه } ردا على من قال من الكفار: إن له قلبين يعقل بكل منهما أفضل من عقل محمد { وما جعل أزوجكم الىء } بهمزة وياء وبلا ياء { تظهرون } بلا ألف قبل الهاء وبها، والتاء الثانية في الأصل مدغمة في الظاء { منهن } يقول الواحد مثلا لزوجته: أنت علي كظهر أمي { أمهتكم } أي كالأمهات في تحريمها بذلك المعد في الجاهلية طلاقا، وإنما تجب به الكفارة بشرطه كما ذكر في سورة (المجادلة)[2:58-4] { وما جعل أدعياءكم } جمع دعي وهو من يدعى لغير أبيه ابنا له { أبناءكم } حقيقة { ذلكم قولكم بأفوهكم } أي اليهود والمنافقين لما قالوا لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش التي كانت امرأة زيد بن حارثة الذي تبناه النبي صلى الله عليه وسلم،قالوا تزوج محمد امرأة ابنه، فأكذبهم الله تعالى في ذلك { والله يقول الحق } في ذلك { وهو يهدى السبيل } سبيل الحق.
[33.5]
{ ادعوهم لأبآئهم هو أقسط } أعدل { عند الله فإن لم تعلموا ءابآءهم فإخوانكم فى الدين وموليكم } بنو عمكم { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } في ذلك { ولكن } في { ما تعمدت قلوبكم } فيه وهو بعد النهي { وكان الله غفورا } لما كان من قولكم قبل النهي { رحيما } بكم في ذلك.
[33.6]
{ النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم } فيما دعاهم إليه ودعتهم أنفسهم إلى خلافه { وأزوجه أمهتهم } في حرمة نكاحهن { وأولوا الأرحام } ذوو القرابات { بعضهم أولى ببعض } في الإرث { فى كتب الله من المؤمنين والمهجرين } أي من الإرث بالإيمان والهجرة الذي كان أول الإسلام فنسخ { إلا } لكن { أن تفعلوا إلى أوليآئكم معروفا } بوصية فجائز { كان ذلك } أي نسخ الإرث بالإيمان والهجرة بإرث ذوي الأرحام { فى الكتب مسطورا } وأريد بالكتاب في الموضعين اللوح المحفوظ.
[33.7]
{ و } اذكر { إذ أخذنا من النبيين ميثاقهم } حين أخرجوا من صلب آدم، كالذر جمع ذرة: وهي أصغر النمل { ومنك ومن نوح وإبرهيم وموسى وعيسى ابن مريم } بأن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادته، وذكر الخمسة من عطف الخاص على العام { وأخذنا منهم ميثقا غليظا } شديدا بالوفاء بما حملوه وهو اليمين بالله تعالى.
[33.8]
، ثم أخذ الميثاق { ليسأل } الله { الصدقين عن صدقهم } في تبليغ الرسالة تبكيتا للكافرين بهم { وأعد } تعالى { للكفرين } بهم { عذابا أليما } مؤلما هو عطف على أخذنا.
[33.9]
{ أليما يأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جآءتكم جنود } من الكفار متحزبون أيام حفر الخندق { فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها } من الملائكة { وكان الله بما تعملون } بالتاء من حفر الخندق، و(يعملون) بالياء من تحزيب المشركين { بصيرا }.
[33.10]
{ إذ جآءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } من أعلى الوادي وأسفله من المشرق والمغرب { وإذ زاغت الأبصر } مالت عن كل شيء إلى عدوها من كل جانب { وبلغت القلوب الحناجر } جمع حنجرة وهي منتهى الحلقوم من شدة الخوف { وتظنون بالله الظنونا } المختلفة بالنصر واليأس.
[33.11]
{ هنالك ابتلى المؤمنون } اختبروا ليتبين المخلص من غيره { وزلزلوا } حركوا { زلزالا شديدا } من شدة الخوف و الفزع.
[33.12]
{ و } اذكر { إذ يقول المنفقون والذين في قلوبهم مرض } ضعف اعتقاد { ما وعدنا الله ورسوله } بالنصر { إلا غرورا } باطلا.
[33.13]
{ وإذ قالت طآئفة منهم } أي المنافقين { منهم يأهل يثرب } هي أرض المدينة، ولم تصرف للعلمية ووزن الفعل { لا مقام لكم } بضم الميم وفتحها: أي لا إقامة ولا مكانة { فارجعوا } إلى منازلكم من المدينة وكانوا خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى سلع جبل خارج المدينة للقتال { ويستئذن فريق منهم النبى } في الرجوع { يقولون إن بيوتنا عورة } غير حصينة يخشى عليها، قال تعالى: { وما هى بعورة إن } ما { يريدون إلا فرارا } من القتال.
[33.14]
{ ولو دخلت } أي المدينة { عليهم من أقطارها } نواحيها { ثم سئلوا } أي سألهم الداخلون { الفتنة } الشرك { لأتوها } بالمد والقصر: أي أعطوها وفعلوها { وما تلبثوا بهآ إلا يسيرا }.
[33.15]
{ ولقد كانوا عهدوا الله من قبل لا يولون الأدبر وكان عهد الله مسئولا } عن الوفاء به.
[33.16]
{ قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا } إن فررتم { لا تمتعون } في الدنيا بعد فراركم { إلا قليلا } بقية آجالكم.
[33.17]
{ قل من ذا الذى يعصمكم } يجيركم { من الله إن أراد بكم سوءا } هلاكا وهزيمة { أو } يصيبكم بسوء إن { أراد } الله { بكم رحمة } خيرا { ولا يجدون لهم من دون الله } أي غيره { وليا } ينفعهم { ولا نصيرا } يدفع الضر عنهم.
[33.18]
{ قد يعلم الله المعوقين } المثبطين { منكم والقآئلين لإخونهم هلم } تعالوا { إلينا ولا يأتون البأس } القتال { إلا قليلا } رياء وسمعة.
[33.19]
{ أشحة عليكم } بالمعاونة جمع شحيح: وهو حال من ضمير «يأتون» { فإذا جآء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذى } كنظر أو كدوران الذي { يغشى عليه من الموت } أي سكراته { فإذا ذهب الخوف } وحيزت الغنائم { سلقوكم } آذوكم أو ضربوكم { بألسنة حداد أشحة على الخير } أي الغنيمة يطلبونها { أولئك لم يؤمنوا } حقيقة { فأحبط الله أعملهم وكان ذلك } الإحباط { على الله يسيرا } بإرادته.
[33.20]
{ يحسبون الأحزاب } من الكفار { لم يذهبوا } إلى مكة لخوفهم منهم { وإن يأت الأحزاب } كرة أخرى { يودوا } يتمنوا { لو أنهم بادون فى الأعراب } أي كائنون في البادية { يسئلون عن أنبائكم } أخباركم مع الكفار { ولو كانوا فيكم } هذه الكرة { ما قاتلوا إلا قليلا } رياء وخوفا من التعيير.
[33.21]
{ لقد كان لكم فى رسول الله أسوة } بكسر الهمزة وضمها { حسنة } اقتداء به في القتال والثبات في مواطنه { لمن } بدل من { كان يرجوا الله } يخافه { واليوم الأخر وذكر الله كثيرا } بخلاف من ليس كذلك.
[33.22]
{ ولما رءا المؤمنون الأحزاب } من الكفار { قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله } من الابتلاء والنصر { وصدق الله ورسوله } في الوعد { وما زادهم } ذلك { إلا إيمانا } تصديقا بوعد الله { وتسليما } لأمره.
[33.23]
{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه } من الثبات مع النبي صلى الله عليه وسلم { فمنهم من قضى نحبه } مات أو قتل في سبيل الله { ومنهم من ينتظر } ذلك { وما بدلوا تبديلا } في العهد، وهم بخلاف حال المنافقين.
[33.24]
{ ليجزى الله الصدقين بصدقهم ويعذب المنفقين إن شآء } بأن يميتهم على نفاقهم { أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا } لمن تاب { رحيما } به.
[33.25]
{ ورد الله الذين كفروا } أي الأحزاب { بغيظهم لم ينالوا خيرا } مرادهم من الظفر بالمؤمنين { وكفى الله المؤمنين القتال } بالريح والملائكة { وكان الله قويا } على إيجاد ما يريده { عزيزا } غالبا على أمره.
[33.26]
{ وأنزل الذين ظهروهم من أهل الكتب } أي قريظة { من صياصيهم } حصونهم، جمع صيصة وهو ما يتحصن به { وقذف فى قلوبهم الرعب } الخوف { فريقا تقتلون } منهم وهم المقاتلة { وتأسرون فريقا } منهم: أي الذراري.
[33.27]
{ وأورثكم أرضهم وديرهم وأمولهم وأرضا لم تطئوها } بعد وهي خيبر: أخذت بعد قريظة { تطئوها وكان الله على كل شىء قديرا }.
[33.28]
{ يأيها النبى قل لأزوجك } وهن تسع وطلبن منه من زينة الدنيا ما ليس عنده { إن كنتن تردن الحيوة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن } أي متعة الطلاق { وأسرحكن سراحا جميلا } أطلقكن من غير ضرار.
[33.29]
{ وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الأخرة } أي الجنة { فإن الله أعد للمحسنت منكن } بإرادة الآخرة { أجرا عظيما } أي الجنة، فاخترن الآخرة على الدنيا.
[33.30]
{ ينسآء النبى من يأت منكن بفحشة مبينة } بفتح الياء وكسرها: أي بينت، أو هي بينة { يضعف } وفي قراءة «يضعف» بالتشديد، وفي أخرى «نضعف» بالنون معه ونصب العذاب { لها العذاب ضعفين } ضعفي عذاب غيرهن: أي مثليه { وكان ذلك على الله يسيرا }.
[33.31]
{ ومن يقنت } يطع { منكن لله ورسوله وتعمل صلحا نؤتهآ أجرها مرتين } أي مثلي ثواب غيرهن من النساء، وفي قراءة بالتحتانية في تعمل ونؤتها { وأعتدنا لها رزقا كريما } في الجنة زيادة.
[33.32]
{ ينسآء النبى لستن كأحد } كجماعة { من النسآء إن اتقيتن } الله فإنكن أعظم { فلا تخضعن بالقول } للرجال { فيطمع الذى فى قلبه مرض } نفاق { وقلن قولا معروفا } من غير خضوع.
[33.33]
{ وقرن } بكسر القاف وفتحها { فى بيوتكن } من القرار، وأصله: اقررن، بكسر الراء وفتحها من قررت بفتح الراء وكسرها، نقلت حركة الراء إلى القاف وحذفت مع همزة الوصل { ولا تبرجن } بترك إحدى التاءين من أصله { تبرج الجهلية الأولى } أي ما قبل الإسلام من إظهار النساء محاسنهن للرجال، والإظهار بعد الإسلام مذكور في آية
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها
[24: 31] { وأقمن الصلوة وءاتين الزكوة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس } الإثم يا { أهل البيت } أي نساء النبي صلى الله عليه وسلم { ويطهركم } منه { تطهيرا }.
[33.34]
{ واذكرن ما يتلى فى بيوتكن من ءايت الله } القرآن { والحكمة } السنة { إن الله كان لطيفا } { خبيرا } بجميع خلقه.
[33.35]
{ إن المسلمين والمسلمت والمؤمنين والمؤمنت والقنتين والقنتت } المطيعات { والصدقين والصدقت } في الإيمان { والصبرين والصبرت } على الطاعات { والخشعين } المتواضعين { والخشعت والمتصدقين والمتصدقت والصئمين والصئمت والحفظين فروجهم والحفظت } عن الحرام { والذكرين الله كثيرا والذكرت أعد الله لهم مغفرة } للمعاصي { وأجرا عظيما } على الطاعات.
[33.36]
{ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن * تكون } بالتاء والياء { لهم الخيرة } أي الاختيار { من أمرهم } خلاف أمر الله ورسوله: نزلت في عبد الله ابن جحش وأخته زينب، خطبها النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة فكرها ذلك حين علما لظنهما قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبها لنفسه، ثم رضيا للآية { ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللا مبينا } بينا، فزوجها النبي صلى الله عليه وسلم لزيد، ثم وقع بصره عليها بعد حين فوقع في نفسه حبها وفي نفس زيد كراهتها، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أريد فراقها فقال:
" أمسك عليك زوجك "
كما قال تعالى.
[33.37]
{ وإذ } منصوب ب«اذكر» { تقول للذى أنعم الله عليه } بالإسلام { وأنعمت عليه } بالإعتاق: وهو زيد بن حارثة، كان من سبي الجاهلية، اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وأعتقه وتبناه { أمسك عليك زوجك واتق الله } في أمر طلاقها { وتخفى فى نفسك ما الله مبديه } مظهره من محبتها وأن لو فارقها زيد تزوجتها { وتخشى الناس } أن يقولوا تزوج زوجة ابنه { والله أحق أن تخشه } في كل شيء وتزوجها ولا عليك من قول الناس، ثم طلقها زيد وانقضت عدتها. قال تعالى: { فلما قضى زيد منها وطرا } حاجة { زوجنكها } فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن وأشبع المسلمين خبزا ولحما { لكي لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيآئهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله } مقضيه { مفعولا }.
[33.38]
{ ما كان على النبى من حرج فيما فرض } أحل { الله له سنة الله } أي كسنة الله، فنصب بنزع الخافض { فى الذين خلوا من قبل } من الأنبياء أن لا حرج عليهم في ذلك توسعة لهم في النكاح { وكان أمر الله } فعله { قدرا مقدورا } مقضيا.
[33.39]
{ الذين } نعت للذين قبله { يبلغون رسالت الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله } فلا يخشون مقالة الناس فيما أحل الله لهم { وكفى بالله حسيبا } حافظا لأعمال خلقه ومحاسبتهم .
[33.40]
{ ما كان محمد أبآ أحد من رجالكم } فليس أبا زيد أي والده فلا يحرم عليه التزوج بزوجته زينب { ولكن } كان { رسول الله وخاتم النبيين } فلا يكون له ابن رجل بعده يكون نبيا. وفي قراءة بفتح التاء كآلة الختم: أي به ختموا { وكان الله بكل شىء عليما } منه بأن لا نبي بعده، وإذا نزل السيد عيسى يحكم بشريعته.
[33.41]
{ يأيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا }.
[33.42]
{ وسبحوه بكرة وأصيلا } أول النهار وآخره.
[33.43]
{ هو الذى يصلى عليكم } أي يرحمكم { وملئكته } أي يستغفرون لكم { ليخرجكم } ليديم إخراجه إياكم { من الظلمت } أي الكفر { إلى النور } أي الإيمان { وكان بالمؤمنين رحيما }.
[33.44]
{ تحيتهم } منه تعالى { يوم يلقونه سلم } بلسان الملائكة { وأعد لهم أجرا كريما } هو الجنة.
[33.45]
{ يأيها النبى إنآ أرسلنك شاهدا } على من أرسلت إليهم { ومبشرا } من صدقك بالجنة { ونذيرا } منذرا من كذبك بالنار.
[33.46]
{ وداعيا إلى الله } إلى طاعته { بإذنه } بأمره { وسراجا منيرا } أي مثله في الاهتداء به.
[33.47]
{ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا } هو الجنة.
[33.48]
{ ولا تطع الكفرين والمنفقين } فيما يخالف شريعتك { ودع } اترك { أذاهم } لا تجازهم عليه إلى أن تؤمر فيهم بأمر { وتوكل على الله } فهو كافيك { وكفى بالله وكيلا } مفوضا إليه.
[33.49]
{ يأيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنت ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } وفي قراءة «تماسوهن» أي تجامعوهن { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } تحصونها بالأقراء وغيرها { فمتعوهن } أعطوهن ما يستمتعن به، أي إن لم يسم لهن أصدقة وإلا فلهن نصف المسمى فقط، قاله ابن عباس، وعليه الشافعي { وسرحوهن سراحا جميلا } خلوا سبيلهن من غير إضرار.
[33.50]
{ يأيها النبى إنآ أحللنا لك أزوجك التى ءاتيت أجورهن } مهورهن { وما ملكت يمينك ممآ أفآء الله عليك } من الكفار بالسبي كصفية وجويرية { وبنات عمك وبنات عمتك وبنات خالك وبنات خلتك التىهجرن معك } بخلاف من لم يهاجرن { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى إن أراد النبى أن يستنكحها } يطلب نكاحها بغير صداق { خالصة لك من دون المؤمنين } النكاح بلفظ الهبة من غير صداق { قد علمنا ما فرضنا عليهم } أي المؤمنين { فى أزوجهم } من الأحكام بأن لا يزيدوا على أربع نسوة ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر { و } في { ما ملكت أيمنهم } من الإماء بشراء وغيره بأن تكون الأمة ممن تحل لمالكها، كالكتابية بخلاف المجوسية والوثنية، وأن تستبرأ قبل الوطء { لكيلا } متعلق بما قبل ذلك { يكون عليك حرج } ضيق في النكاح { وكان الله غفورا } فيما يعسر التحرز عنه { رحيما } بالتوسعة في ذلك.
[33.51]
{ ترجي } بالهمزة والياء بدله: تؤخر { من تشآء منهن } أي أزواجك عن نوبتها { وتئوى } تضم { إليك من تشاء } منهن فتأتيها { ومن ابتغيت } طلبت { ممن عزلت } من القسمة { فلا جناح عليك } في طلبها وضمها إليك، خير في ذلك بعد أن كان القسم واجبا عليه { ذلك } التخيير { أدنى } أقرب إلى { أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بمآ ءاتيتهن } مما ذكر المخير فيه { كلهن } تأكيد للفاعل في يرضين { والله يعلم ما فى قلوبكم } من أمر النساء والميل إلى بعضهن، وإنما خيرناك فيهن تيسيرا عليك في كل ما أردت { وكان الله عليما } بخلقه { حليما } عن عقابهم.
[33.52]
{ لا يحل } بالتاء والياء { لك النسآء من بعد } بعد التسع اللاتي اخترنك { ولا أن تبدل } بترك إحدى التاءين في الأصل { بهن من أزواج } بأن تطلقهن أو بعضهن وتنكح بدل من طلقت { ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك } من الإماء فتحل لك، وقد ملك صلى الله عليه وسلم بعدهن مارية وولدت له إبراهيم ومات في حياته { وكان الله على كل شىء رقيبا } حفيظا.
[33.53]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم } في الدخول بالدعاء { إلى طعام } فتدخلوا { غير نظرين } منتظرين { إنه } نضجه، مصدر أنى يأني { ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا } تمكثوا { مستئنسين لحديث } من بعضكم لبعض { إن ذلكم } المكث { كان يؤذى النبى فيستحيى منكم } أن يخرجكم { والله لا يستحى من الحق } أن يخرجكم، أي لا يترك بيانه. وقرىء يستحي بياء واحدة { وإذا سألتموهن } أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم { متعا فاسئلوهن من ورآء حجاب } ستر { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } من الخواطر المريبة { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله } بشيء { ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله } ذنبا { عظيما }.
[33.54]
{ إن تبدوا شيئا أو تخفوه } من نكاحهن بعد { فإن الله كان بكل شىء عليما } فيجازيكم عليه.
[33.55]
{ لا جناح عليهن فى ءابآئهن ولا أبنآئهن ولا إخونهن ولا أبنآء إخونهن ولا أبناء أخوتهن ولا نسآئهن } أي المؤمنات { ولا ما ملكت أيمانهن } من الإماء والعبيد أن يروهن ويكلموهن من غير حجاب { واتقين الله } فيما أمرتن به { إن الله كان على كل شىء شهيدا } لا يخفى عليه شيء.
[33.56]
{ إن الله وملئكته يصلون على النبى } محمد صلى الله عليه وسلم { يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } أي قولوا: اللهم صل على سيدنا محمد وسلم.
[33.57]
{ إن الذين يؤذون الله ورسوله } وهم الكفار يصفون الله بما هو منزه عنه من الولد والشريك ويكذبون رسوله { لعنهم الله فى الدنيا والأخرة } أبعدهم { وأعد لهم عذابا مهينا } ذا إهانة وهو النار.
[33.58]
{ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنت بغير ما اكتسبوا } يرمونهم بغير ما عملوا { فقد احتملوا بهتنا } تحملوا كذبا { وإثما مبينا } بينا.
[33.59]
{ يأيها النبى قل لأزوجك وبنتك ونسآء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن } جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة، أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينا واحدة { ذلك أدنى } أقرب إلى { أن يعرفن } بأنهن حرائر { فلا يؤذين } بالتعرض لهن بخلاف الإماء فلا يغطين وجوههن، فكان المنافقون يتعرضون لهن { وكان الله غفورا } لما سلف منهن من ترك الستر { رحيما } بهن إذ سترهن.
[33.60]
{ لئن } لام قسم { لم ينته المنفقون } عن نفاقهم { والذين في قلوبهم مرض } بالزنى { والمرجفون فى المدينة } المؤمنين بقولهم: قد أتاكم العدو وسراياكم قتلوا أو هزموا { لنغرينك بهم } لنسلطنك عليهم { ثم لا يجاورونك } يساكنونك { فيها إلا قليلا }.
[33.61]
ثم يخرجون { ملعونين } مبعدين عن الرحمة { أينما ثقفوا } وجدوا { أخذوا وقتلوا تقتيلا } أي الحكم فيهم هذا على جهة الأمر به.
[33.62]
{ سنة الله } أي سن الله ذلك { فى الذين خلوا من قبل } من الأمم الماضية في منافقيهم المرجفين { ولن تجد لسنة الله تبديلا } منه.
[33.63]
{ يسئلك الناس } أي أهل مكة { عن الساعة } متى تكون؟ { قل إنما علمها عند الله وما يدريك } يعلمك بها؟ أي أنت لا تعلمها { لعل الساعة تكون } توجد { قريبا }.
[33.64]
{ إن الله لعن الكفرين } أبعدهم { وأعد لهم سعيرا } نارا شديدة يدخلونها.
[33.65]
{ خلدين } مقدرا خلودهم { فيهآ أبدا لا يجدون وليا } يحفظهم عنها { ولا نصيرا } يدفعها عنهم.
[33.66]
{ يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يليتنا } للتنبيه { ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا }.
[33.67]
{ وقالوا } أي الأتباع منهم { ربنآ إنآ أطعنا سادتنا } وفي قراءة «ساداتنا» جمع الجمع { وكبرآءنا فأضلونا السبيلا } طريق الهدى.
[33.68]
{ ربنآ ءاتهم ضعفين من العذاب } أي مثلي عذابنا { والعنهم } عذبهم { لعنا كبيرا } عدده. وفي قراءة (كبيرا) بالموحدة: أي عظيما.
[33.69]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تكونوا } مع نبيكم { كالذين ءاذوا موسى } بقولهم مثلا: ما يمنعه أن يغتسل معنا إلا أنه آدر { فبرأه الله مما قالوا } بأن وضع ثوبه على حجر ليغتسل ففر الحجر به حتى وقف بين ملأ من بني إسرائيل، فأدركه موسى فأخذ ثوبه فاستتر به فرأوه لوا أدرة به وهي نفخة في الخصية { وكان عند الله وجيها } ذا جاه. ومما أوذي به نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قسم قسما فقال رجل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى فغضب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وقال:
" يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر "
رواه البخاري.
[33.70]
{ وجيها يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا } صوابا.
[33.71]
{ يصلح لكم أعملكم } يتقبلها { ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } نال غاية مطلوبه.
[33.72]
{ إنا عرضنا الأمانة } الصلوات وغيرها مما في فعلها من الثواب وتركها من العقاب { على السموات والأرض *والجبال } بأن خلق فيها فهما ونطقا { فأبين أن يحملنها وأشفقن } خفن { منها وحملها الإنسن } آدم بعد عرضها عليه { إنه كان ظلوما } لنفسه بما حمله { جهولا } به.
[33.73]
{ ليعذب الله } اللام متعلقة ب«عرضنا» المترتب عليه حمل آدم { المنفقين والمنفقت والمشركين والمشركت } المضيعين الأمانة { ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنت } المؤدين الأمانة { وكان الله غفورا } للمؤمنين { رحيما } بهم.
[34 - سورة سبإ]
[34.1]
{ الحمد لله } حمد تعالى نفسه بذلك، والمراد به الثناء بمضمونه من ثبوت الحمد وهو الوصف بالجميل لله تعالى { الذى له ما فى #1649;لسموت وما في الأرض } ملكا وخلقا { وله الحمد فى الأخرة } كالدنيا: يحمده أولياؤه إذا دخلوا الجنة { وهو الحكيم } في فعله { الخبير } بخلقه.
[34.2]
{ يعلم ما يلج } يدخل { فى الأرض } كماء وغيره { وما يخرج منها } كنبات وغيره { وما ينزل من السمآء } من رزق وغيره { وما يعرج } يصعد { فيها } من عمل وغيره { وهو الرحيم } بأوليائه { الغفور } لهم.
[34.3]
{ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة } القيامة { قل } لهم { بلى وربى لتأتينكم علم الغيب } بالجر صفة، والرفع خبر مبتدأ و(علام) بالجر { لا يعزب } يغيب { عنه مثقال } وزن { ذرة } أصغر نملة { في السموت ولا فى الأرض ولآ أصغر من ذلك ولآ أكبر إلا فى كتب مبين } بين: هو اللوح المحفوظ.
[34.4]
{ ليجزى } فيها { الذين ءامنوا وعملوا الصلحت أولئك لهم مغفرة ورزق كريم } حسن في الجنة.
[34.5]
{ والذين سعو فى } إبطال { ءايتنا } القرآن { معجزين } وفي قراءة هنا وفيما يأتي «معاجزين» أي مقدرين عجزنا أو مسابقين لنا، فيفوتوننا لظنهم أن لا بعث ولا عقاب { أولئك لهم عذاب من رجز } سيىء العذاب { أليم } مؤلم بالجر، والرفع صفة لرجز أو عذاب.
[34.6]
{ ويرى } يعلم { الذين أوتوا العلم } مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه { الذى أنزل إليك من ربك } أي القرآن { هو } فصل { الحق ويهدى إلى صرط } طريق { العزيز الحميد } أي الله ذو العزة المحمود.
[34.7]
{ وقال الذين كفروا } أي قال بعضهم على جهة التعجب لبعض { هل ندلكم على رجل } هو محمد { ينبئكم } يخبركم أنكم { إذا مزقتم } قطعتم { كل ممزق } بمعنى تمزيق { إنكم لفى خلق جديد }؟.
[34.8]
{ أفترى } بفتح الهمزة للاستفهام واستغنى بها عن همزة الوصل { على الله كذبا } في ذلك { أم به جنة } جنون تخيل به ذلك، قال تعالى: { بل الذين لا يؤمنون بالأخرة } المشتملة على البعث والعذاب { فى العذاب } فيها { والضلل البعيد } عن الحق في الدنيا .
[34.9]
{ أفلم يروا } ينظروا { إلى ما بين أيديهم وما خلفهم } ما فوقهم وما تحتهم { من السمآء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا } بسكون السين وفتحها: قطعة { من السمآء } وفي قراءة في الأفعال الثلاثة بالياء { إن فى ذلك } المرئي { لأية لكل عبد منيب } راجع إلى ربه، تدل على قدرة الله على البعث وما يشاء.
[34.10]
{ ولقد ءاتينا داود منا فضلا } نبوة وكتابا وقلنا { يجبال أوبى } رجعي { معه } بالتسبيح { والطير } بالنصب عطفا على محل الجبال، أي ودعوناها تسبح معه { وألنا له الحديد } فكان في يده كالعجين.
[34.11]
وقلنا { أن اعمل } منه { سبغت } دروعا كوامل يجرها لابسها على الأرض { وقدر فى السرد } أي نسج الدروع، قيل لصانعها سراد أي اجعله بحيث تتناسب حلقه { واعملوا } أي آل داود معه { صلحا إنى بما تعملون بصير } فأجازيكم به.
[34.12]
{ و } سخرنا { لسليمن الريح } وقراءة الرفع بتقدير: تسخير { غدوها } مسيرها من الغدوة بمعنى الصباح إلى الزوال { شهر ورواحها } سيرها من الزوال إلى الغروب { شهر } أي مسيرته { وأسلنا } أذبنا { له عين القطر } أي النحاس فأجريت ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء وعمل الناس إلى اليوم مما أعطي سليمان { ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن } بأمر { ربه ومن يزغ } يعدل { منهم عن أمرنا } له بطاعته { نذقه من عذاب السعير } النار في الآخرة، وقيل في الدنيا، بأن يضربه ملك بسوط منها ضربة تحرقه.
[34.13]
{ يعملون له ما يشآء من محريب } أبنية مرتفعة يصعد إليها بدرج { وتمثيل } جمع تمثال وهو كل شيء مثلته بشيء: أي صور من نحاس وزجاج ورخام ولم يكن اتخاذ الصور حراما في شريعته { وجفان } جمع جفنة { كالجواب } ي جمع جابية وهو حوض كبير يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها { وقدور راسيت } ثابتات لها قوائم لا تتحرك عن أماكنها تتخذ من الجبال باليمن يصعد إليها بالسلالم وقلنا { اعملوا } يا { ءال داود } بطاعة الله { شكرا } له على ما آتاكم { وقليل من عبادى الشكور } العامل بطاعتي شكرا لنعمتي.
[34.14]
{ فلما قضينا عليه } على سليمان { الموت } أي مات ومكث قائما على عصاه حولا ميتا. والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة على عادتها لا تشعر بموته حتى أكلت الأرضة عصاه فخر ميتا { ما دلهم على موته إلا دآبة الأرض } مصدر أرضت الخشبة بالبناء للمفعول أكلتها الأرضة { تأكل منسأته } بالهمز وتركه بألف: عصاه، لأنها تنسأ تطرد ويزجر بها { فلما خر } ميتا { تبينت الجن } انكشف لهم { أن } مخففة: أي أنهم { لو كانوا يعلمون الغيب } ومنه ما غاب عنهم من موت سليمان { ما لبثوا فى العذاب المهين } العمل الشاق لهم لظنهم حياته خلاف ظنهم علم الغيب، وعلم كونه سنة بحساب ما أكلته الأرضة من العصا بعد موته يوما وليلة مثلا.
[34.15]
{ لقد كان لسبإ } بالصرف وعدمه: قبيلة سميت باسم جد لهم من العرب { فى مسكنهم } باليمن { ءاية } دالة على قدرة الله تعالى { جنتان } بدل { عن يمين وشمال } عن يمين واديهم وشماله. وقيل لهم: { كلوا من رزق ربكم واشكروا له } على ما رزقكم من النعمة في أرض سبأ { بلدة طيبة } ليس فيها سباخ ولا بعوضة ولا ذبابة ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ولا قملة وإن مر الغريب فيها وفي ثيابه قمل فيموت لطيب هوائها { و } الله { رب غفور }.
[34.16]
{ فأعرضوا } عن شكره وكفروا { فأرسلنا عليهم سيل العرم } جمع عرمة وهو ما يمسك الماء من بناء وغيره إلى وقت حاجته، أي سيل ودايهم الممسوك بما ذكر، فأغرق جنتيهم وأموالهم { وبدلنهم بجنتيهم جنتين ذواتى } تثنية ذوات مفرد على الأصل { أكل خمط } مر بشع بإضافة أكل بمعنى مأكول وتركها ويعطف عليه { وأثل وشىء من سدر قليل }.
[34.17]
{ ذلك } التبديل { جزينهم بما كفروا } بكفرهم { وهل نجازى إلا الكفور } بالياء والنون مع كسر الزاي ونصب الكفور، أي ما يناقش إلا هو.
[34.18]
{ وجعلنا بينهم } بين سبأ، وهم باليمن { وبين القرى التى بركنا فيها } بالماء والشجر، وهي قرى الشام التي يسيرون إليها للتجارة { قرى ظهرة } متواصلة من اليمن إلى الشام { وقدرنا فيها السير } بحيث يقيلون في واحدة ويبيتون في أخرى إلى انتهاء سفرهم، ولا يحتاجون فيه إلى حمل زاد وماء: أي وقلنا { سيروا فيها ليالى وأياما ءامنين } لا تخافون في ليل ولا نهار.
[34.19]
{ فقالوا ربنا بعد } وفي قراءة بعد { بين أسفارنا } إلى الشام اجعلها مفاوز ليتطاولوا على الفقراء بركوب الرواحل وحمل الزاد والماء فبطروا النعمة { وظلموا أنفسهم } بالكفر { فجعلنهم أحاديث } لمن بعدهم في ذلك { ومزقنهم كل ممزق } فرقناهم في البلاد كل التفريق { إن فى ذلك } المذكور { لأيت } عبرا { لكل صبار } عن المعاصي { شكور } على النعم.
[34.20]
{ ولقد صدق } بالتخفيف والتشديد { عليهم } أي الكفار، منهم سبأ { إبليس ظنه } أنهم بإغوائه يتبعونه { فاتبعوه } فصدق بالتخفيف في ظنه أو صدق بالتشديد ظنه: أي وجده صادقا { إلا } بمعنى لكن { فريقا من المؤمنين } للبيان: أي هم المؤمنون لم يتبعوه.
[34.21]
{ وما كان له عليهم من سلطن } تسليط منا { إلا لنعلم } علم ظهور { من يؤمن بالأخرة ممن هو منها فى شك } فنجازي كلا منهما { وربك على كل شىء حفيظ } رقيب.
[34.22]
{ قل } يا محمد لكفار مكة { ادعوا الذين زعمتم } أي زعمتموهم آلهة { من دون الله } أي غيره لينفعوكم بزعمكم، قال تعالى فيهم: { لا يملكون مثقال } وزن { ذرة } من خير أو شر { في السموت ولا فى الأرض وما لهم فيهما من شرك } شركه { وما له } تعالى { منهم } من الآلهة { من ظهير } معين.
[34.23]
{ ولا تنفع الشفعة عنده } تعالى ردا لقولهم إن آلهتهم تشفع عنده { إلا لمن أذن } بفتح الهمزة وضمها { له } فيها { حتى إذا فزع } بالبناء للفاعل والمفعول { عن قلوبهم } كشف عنها الفزع بالإذن فيها؟ { قالوا } قال بعضهم لبعض استبشارا { ماذا قال ربكم } فيها { قالوا } القول { الحق } أي قد أذن فيها { وهو العلى } فوق خلقه بالقهر { الكبير } العظيم.
[34.24]
{ قل من يرزقكم من السموت } المطر { والأرض } النبات؟ { قل الله } إن لم يقولوه، لا جواب غيره { وإنآ أو إياكم } أي أحد الفريقين { لعلى هدى أو فى ضلل مبين } بين، في الإبهام تلطف بهم داع إلى الإيمان إذا وفقوا له.
[34.25]
{ قل لا تسئلون عمآ أجرمنا } أذنبنا { ولا نسئل عما تعملون } لأنا بريئون منكم.
[34.26]
{ قل يجمع بيننا ربنا } يوم القيامة { ثم يفتح } يحكم { بيننا بالحق } فيدخل المحقين الجنة والمبطلين النار { وهو الفتاح } الحاكم { العليم } بما يحكم به.
[34.27]
{ قل أرونى } أعلموني { الذين ألحقتم به شركآء } في العبادة { كلا } ردع لهم عن اعتقاد شريك له { بل هو الله العزيز } الغالب على أمره { الحكيم } في تدبيره لخلقه فلا يكون له شريك في ملكه.
[34.28]
{ ومآ أرسلنك إلا كآفة } حال من الناس، قدم للاهتمام { للناس بشيرا } مبشرا للمؤمنين بالجنة { ونذيرا } منذرا للكافرين بالعذاب { ولكن أكثر الناس } أي كفار مكة { لا يعلمون } ذلك.
[34.29]
{ ويقولون متى هذا الوعد } بالعذاب { إن كنتم صدقين } فيه؟.
[34.30]
{ قل لكم ميعاد يوم لا تستئخرون عنه ساعة ولا تستقدمون } عليه وهو يوم القيامة.
[34.31]
{ وقال الذين كفروا } من أهل مكة { لن نؤمن بهذا القرءان ولا بالذى بين يديه } أي تقدمه كالتوراة والإنجيل الدالين على البعث لإنكارهم له. قال تعالى فيهم: { ولو ترى } يا محمد { إذ الظلمون } الكافرون { موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا } الأتباع { للذين استكبروا } الرؤساء { لولا أنتم } صددتمونا عن الإيمان { لكنا مؤمنين } بالنبي.
[34.32]
{ قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددنكم عن الهدى بعد إذ جآءكم }؟ لا { بل كنتم مجرمين } في أنفسكم.
[34.33]
{ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر اليل والنهار } أي مكر فيهما منكم بنا { إذ تأمروننآ أن نكفر بالله ونجعل له أندادا } شركاء { وأسروا } أي الفريقان { الندامة } على ترك الإيمان به { لما رأوا العذاب } أي أخفاها كل عن رفيقه مخافة التعيير { وجعلنا الأغلل فى أعناق الذين كفروا } في النار { هل } ما { يجزون إلا } جزاء { ما كانوا يعملون } في الدنيا.
[34.34]
{ ومآ أرسلنا فى قرية من نذير إلا قال مترفوهآ } رؤساؤها المتنعمون { إنا بمآ أرسلتم به كفرون }.
[34.35]
{ وقالوا نحن أكثر أمولا وأولدا } ممن آمن { وما نحن بمعذبين }.
[34.36]
{ قل إن ربى يبسط الرزق } يوسعه { لمن يشآء } امتحانا { ويقدر } يضيقه لمن يشاء ابتلاء { ولكن أكثر الناس } أي كفار مكة { لا يعلمون } ذلك.
[34.37]
{ ومآ أمولكم ولا أولدكم بالتى تقربكم عندنا زلفى } قربى، أي تقريبا { إلا } لكن { من ءامن وعمل صلحا فأولئك لهم جزآء الضعف بما عملوا } أي جزاء العمل. الحسنة مثلا بعشر فأكثر { وهم فى الغرفت } من الجنة { ءامنون } الموت وغيره. وفي قراءة «الغرفة» بمعنى الجمع.
[34.38]
{ والذين يسعون فى ءايتنا } القرآن بالإبطال { معجزين } لنا مقدرين عجزنا وأنهم يفوتوننا { أولئك فى العذاب محضرون }.
[34.39]
{ قل إن ربى يبسط الرزق } يوسعه { لمن يشآء من عباده } امتحانا { ويقدر } يضيقه { له } بعد البسط أو لمن يشاء ابتلاء { ومآ أنفقتم من شىء } في الخير { فهو يخلفه وهو خير الرزقين } يقال كل إنسان يرزق عائلته أي برزق الله.
[34.40]
{ و } اذكر { يوم يحشرهم جميعا } أي المشركين { ثم يقول للملئكة أهؤلاء إياكم } بتحقيق الهمزتين وإبدال الأولى ياء وإسقاطها { كانوا يعبدون }.
[34.41]
{ قالوا سبحنك } تنزيها لك عن الشريك { أنت ولينا من دونهم } أي لا موالاة بيننا وبينهم من جهتنا { بل } للانتقال { كانوا يعبدون الجن } الشياطين أي يطيعونهم في عبادتهم إيانا { أكثرهم بهم مؤمنون } مصدقون فيما يقولون لهم.
[34.42]
قال تعالى { فاليوم لا يملك بعضكم لبعض } أي بعض المعبودين لبعض العابدين { نفعا } شفاعة { ولا ضرا } تعذيبا { ونقول للذين ظلموا } كفروا { ذوقوا عذاب النار التى كنتم بها تكذبون }.
[34.43]
{ وإذا تتلى عليهم ءايتنا } القرآن { بينت } واضحات بلسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم { قالوا ما هذآ إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد ءابآؤكم } من الأصنام { وقالوا ما هذآ } أي القرآن { إلا إفك } كذب { مفترى } على الله { وقال الذين كفروا للحق } القرآن { لما جآءهم إن } ما { هذآ إلا سحر مبين } بين.
[34.44]
قال تعالى: { ومآ ءاتينهم من كتب يدرسونها ومآ أرسلنا إليهم قبلك من نذير } فمن أين كذبوك؟.
[34.45]
{ وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا } أي هؤلاء { معشار مآ ءاتينهم } من القوة وطول العمر وكثرة المال { فكذبوا رسلى } إليهم { فكيف كان نكير } إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك؟ أي هو واقع موقعه.
[34.46]
{ قل إنمآ أعظكم بوحدة } هي { أن تقوموا لله } أي لأجله { مثنى } أي اثنين اثنين { وفردى } واحدا واحدا { ثم تتفكروا } فتعلموا { ما بصاحبكم } محمد { من جنة } جنون { إن } ما { هو إلا نذير لكم بين يدى } أي قبل { عذاب شديد } في الآخرة إن عصيتموه.
[34.47]
{ قل } لهم { ما سألتكم } على الإنذار والتبليغ { من أجر فهو لكم } أي لا أسألكم عليه أجرا { إن أجرى } ما ثوابي { إلا على الله وهو على كل شىء شهيد } مطلع يعلم صدقي.
[34.48]
{ قل إن ربى يقذف بالحق } يلقيه إلى أنبيائه { علم الغيوب } ما غاب عن خلقه في السموات والأرض.
[34.49]
{ قل جآء الحق } الإسلام { وما يبدىء البطل } الكفر { وما يعيد } أي لم يبق له أثر.
[34.50]
{ قل إن ضللت } عن الحق { فإنمآ أضل على نفسى } أي إثم ضلالي عليها { وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربى } من القرآن والحكمة { إنه سميع } للدعاء { قريب }.
[34.51]
{ ولو ترى } يا محمد { إذ فزعوا } عند البعث لرأيت أمرا عظيما { فلا فوت } لهم منا أي لا يفوتوننا { وأخذوا من مكان قريب } أي القبور.
[34.52]
{ وقالوا ءامنا به } بمحمد أو القرآن { وأنى لهم التناوش } بواو وبالهمزة بدلها، أي تناول الإيمان { من مكان بعيد } عن محله إذ هم في الآخرة، ومحله الدنيا.
[34.53]
{ وقد كفروا به من قبل } في الدنيا { ويقدفون } يرمون { بالغيب من مكان بعيد } أي بما غاب علمه عنهم غيبة بعيدة حيث قالوا في النبي: ساحر، شاعر، كاهن، وفي القرآن: سحر، شعر، كهانة.
[34.54]
{ وحيل بينهم وبين ما يشتهون } من الإيمان أي قبوله { كما فعل بأشياعهم } أشباههم في الكفر { من قبل } أي قبلهم { إنهم كانوا فى شك مريب } موقع في الريبة لهم فيما آمنوا به الآن ولم يعتدوا بدلائله في الدنيا.
[35 - سورة فاطر]
[35.1]
{ الحمد لله } حمد الله تعالى نفسه بذلك كما بين في أول سبأ { فاطر السموت والأرض } خالقهما على غير مثال سبق { جاعل الملئكة رسلا } إلى الأنبياء { أولى أجنحة مثنى وثلث وربع يزيد فى الخلق } في الملائكة وغيرها { ما يشآء إن الله على كل شىء قدير }.
[35.2]
{ ما يفتح الله للناس من رحمة } كرزق ومطر { فلا ممسك لها وما يمسك } من ذلك { فلا مرسل له من بعده } أي بعد إمساكه { وهو العزيز } الغالب على أمره { الحكيم } في فعله.
[35.3]
{ يأيها الناس } أي أهل مكة { اذكروا نعمت الله عليكم } بإسكانكم الحرم ومنع الغارات عنكم { هل من خلق } «من» زائدة و «خالق» مبتدأ { غير الله } بالرفع والجر نعت ل «خالق» لفظا ومحلا، وخبر المبتدأ { يرزقكم من السمآء } المطر { و } من { الأرض } النبات؟ والاستفهام للتقرير: أي لا خالق رزاق غيره { لا إله إلا هو فأنى تؤفكون } من أين تصرفون عن توحيده مع إقراركم بأنه الخالق الرازق؟
[35.4]
{ وإن يكذبوك } يا محمد في مجيئك بالتوحيد والبعث، والحساب والعقاب { فقد كذبت رسل من قبلك } في ذلك فاصبر كما صبروا { وإلى الله ترجع الأمور } في الآخرة فيجازي المكذبين وينصر المرسلين.
[35.5]
{ يأيها الناس إن وعد الله } بالبعث وغيره { حق فلا تغرنكم الحيوة الدنيا } عن الإيمان بذلك { ولا يغرنكم بالله } في حلمه وإمهاله { الغرور } الشيطان.
[35.6]
{ إن الشيطن لكم عدو فاتخذوه عدوا } بطاعة الله ولا تطيعوه { إنما يدعوا حزبه } أتباعه في الكفر { ليكونوا من أصحب السعير } النار الشديدة.
[35.7]
{ الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين ءامنوا وعملوا الصلحت لهم مغفرة وأجر كبير } هذا بيان ما لموافقي الشيطان وما لمخالفيه.
[35.8]
ونزل في أبي جهل وغيره. { أفمن زين له سوء عمله } بالتمويه { فرءاه حسنا } «من» مبتدأ خبره: كمن هداه الله؟ لا، دل عليه: { فإن الله يضل من يشآء ويهدى من يشآء فلا تذهب نفسك عليهم } على المزين لهم { حسرت } باغتمامك أن لا يؤمنوا { إن الله عليم بما يصنعون } فيجازيهم عليه.
[35.9]
{ والله الذى أرسل الريح } وفي قراءة: «الريح» { فتثير سحابا } المضارع لحكاية الحال الماضية، أي تزعجه { فسقنه } فيه التفات عن الغيبة { إلى بلد ميت } بالتشديد والتخفيف. لا نبات بها { فأحيينا به الأرض } من البلد { بعد موتها } يبسها، أي أنبتنا به الزرع والكلأ { كذلك النشور } أي البعث والإحياء.
[35.10]
{ من كان يريد العزة فلله العزة جميعا } أي في الدنيا والآخرة فلا تنال منه إلا بطاعته فليطعه { إليه يصعد الكلم الطيب } يعلمه وهو: لا إله إلا الله، ونحوها { والعمل الصلح يرفعه } يقبله { والذين يمكرون } المكرات { السيئات } بالنبي في دار الندوة من تقييده أو قتله أو إخراجه كما ذكر في (الأنفال) [30:8] { لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور } يهلك.
[35.11]
{ والله خلقكم من تراب } بخلق أبيكم آدم منه { ثم من نطفة } أي مني بخلق ذريته منها { ثم جعلكم أزوجا } ذكورا وإناثا { وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه } حال، أي معلومة له { وما يعمر من معمر } أي ما يزاد في عمر طويل العمر { ولا ينقص من عمره } أي ذلك المعمر أو معمر آخر { إلا فى كتب } هو اللوح المحفوظ { إن ذلك على الله يسير } هين.
[35.12]
{ وما يستوى البحران هذا عذب فرات } شديد العذوبة { سآئغ شرابه } شربه { وهذا ملح أجاج } شديد الملوحة { ومن كل } منهما { تأكلون لحما طريا } هو السمك { وتستخرجون } من الملح، وقيل منهما { حلية تلبسونها } هي اللؤلؤ والمرجان { وترى } تبصر { الفلك } السفن { فيه } في كل منهما { مواخر } تمخر الماء، أي تشقه بجريها فيه مقبلة ومدبرة بريح واحدة { لتبتغوا } تطلبوا { من فضله } تعالى بالتجارة { ولعلكم تشكرون } الله على ذلك.
[35.13]
{ يولج } يدخل الله { اليل فى النهار } فيزيد { ويولج النهار } يدخله { فى اليل } فيزيد { وسخر الشمس والقمر كل } منهما { يجرى } في فلكه { لأجل مسمى } يوم القيامة { ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون } تعبدون { من دونه } أي غيره وهم الأصنام { ما يملكون من قطمير } لفافة النواة.
[35.14]
{ إن تدعوهم لا يسمعوا دعآءكم ولو سمعوا } فرضا { ما استجابوا لكم } ما أجابوكم { ويوم القيمة يكفرون بشرككم } بإشراككم إياهم مع الله، أي يتبرؤون منكم ومن عبادتكم إياهم { ولا ينبئك } بأحوال الدارين { مثل خبير } عالم وهو الله تعالى.
[35.15]
{ يأيها الناس أنتم الفقرآء إلى الله } بكل حال { والله هو الغنى } عن خلقه { الحميد } المحمود في صنعه بهم.
[35.16]
{ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد } بدلكم.
[35.17]
{ وما ذلك على الله بعزيز } شديد.
[35.18]
{ ولا تزر } نفس { وازرة } آثمة، أي لا تحمل { وزر } نفس { أخرى وإن تدع } نفس { مثقلة } بالوزر { إلى حملها } منه أحدا ليحمل بعضه { لا يحمل منه شىء ولو كان } المدعو { ذا قربى } قرابة كالأب والابن، وعدم الحمل في الشقين حكم من الله { إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } أي يخافونه وما رأوه لأنهم المنتفعون بالإنذار { وأقاموا الصلوة } أداموها { ومن تزكى } تطهر من الشرك وغيره { فإنما يتزكى لنفسه } فصلاحه مختص به { وإلى الله المصير } المرجع فيجازي في الآخرة بالعمل.
[35.19]
{ وما يستوى الأعمى والبصير } الكافر والمؤمن.
[35.20]
{ ولا الظلمت } الكفر { ولا النور } الإيمان.
[35.21]
{ ولا الظل ولا الحرور } الجنة والنار.
[35.22]
{ وما يستوى الأحيآء ولا الأموت } المؤمنون ولا الكافرون، وزيادة «لا» في الثلاثة تأكيد { إن الله يسمع من يشآء } هدايته فيجيبه بالإيمان { ومآ أنت بمسمع من فى القبور } أي الكفار شبههم بالموتى فلا يجيبون.
[35.23]
{ إن } ما { أنت إلا نذير } منذر لهم.
[35.24]
{ إنآ أرسلنك بالحق } بالهدى { بشيرا } من أجاب إليه { ونذيرا } من لم يجب إليه { وإن } ما { من أمة إلا خلا } سلف { فيها نذير } نبي ينذرها.
[35.25]
{ وإن يكذبوك } أي أهل مكة { فقد كذب الذين من قبلهم جآءتهم رسلهم بالبينت } المعجزات { وبالزبر } كصحف إبراهيم { وبالكتب المنير } هو التوراة والإنجيل، فاصبر كما صبروا.
[35.26]
{ ثم أخذت الذين كفروا } بتكذيبهم { فكيف كان نكير } إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك؟ أي هو واقع موقعه.
[35.27]
{ ألم تر } تعلم { أن الله أنزل من السمآء مآء فأخرجنا } فيه التفات عن الغيبة { به ثمرت مختلفا ألونها } كأخضر وأحمر وأصفر وغيرها { ومن الجبال جدد } جمع جدة، طريق في الجبل وغيره { بيض وحمر } وصفر { مختلف ألونها } بالشدة والضعف { وغرابيب سود } عطف على «جدد» أي صخور شديدة السواد، يقال كثيرا: أسود غربيب، وقليلا: غربيب أسود.
[35.28]
{ ومن الناس والدوآب والأنعم مختلف ألونه كذلك } كاختلاف الثمار والجبال { إنما يخشى الله من عباده العلمؤا } بخلاف الجهال ككفار مكة { إن الله عزيز } في ملكه { غفور } لذنوب عباده المؤمنين.
[35.29]
{ إن الذين يتلون } يقرأون { كتب الله وأقاموا الصلوة } أداموها { وأنفقوا مما رزقنهم سرا وعلانية } زكاة وغيرها { يرجون تجرة لن تبور } تهلك.
[35.30]
{ ليوفيهم أجورهم } ثواب أعمالهم المذكورة { ويزيدهم من فضله إنه غفور } لذنوبهم { شكور } لطاعتهم.
[35.31]
{ والذى أوحينآ إليك من الكتب } القرآن { هو الحق مصدقا لما بين يديه } تقدمه من الكتب { إن الله بعباده لخبير بصير } عالم بالبواطن والظواهر.
[35.32]
{ ثم أورثنا } أعطينا { الكتب } القرآن { الذين اصطفينا من عبادنا } وهم أمتك { فمنهم ظلم لنفسه } بالتقصير في العمل به { ومنهم مقتصد } يعمل به أغلب الأوقات { ومنهم سابق بالخيرت } يضم إلى العمل به التعليم والإرشاد إلى العمل به { بإذن الله } بإرادته { ذلك } أي إيراثهم الكتاب { هو الفضل الكبير }.
[35.33]
{ جنت عدن } إقامة { يدخلونها } الثلاثة بالبناء للفاعل وللمفعول خبر جنات المبتدأ { يحلون } خبر ثان { فيها من } بعض { أساور من ذهب ولؤلؤا } مرصع بالذهب { ولباسهم فيها حرير }.
[35.34]
{ وقالوا الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن } جميعه { إن ربنا لغفور } للذنوب { شكور } للطاعة.
[35.35]
{ الذى أحلنا دار المقامة } أي الإقامة { من فضله لا يمسنا فيها نصب } تعب { ولا يمسنا فيها لغوب } إعياء من التعب لعدم التكليف فيها وذكر الثاني التابع للأول للتصريح بنفيه.
[35.36]
{ والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم } بالموت { فيموتوا } يستريحوا { ولا يخفف عنهم من عذابها } طرفة عين { كذلك } كما جزيناهم { نجزى كل كفور } كافر بالياء والنون المفتوحة مع كسر الزاي ونصب كل.
[35.37]
{ وهم يصطرخون فيها } يستغيثون بشدة وعويل يقولون { ربنآ أخرجنا } منها { نعمل صلحا غير الذى كنا نعمل } فيقال لهم { أولم نعمركم ما } وقتا { يتذكر فيه من تذكر وجآءكم النذير } الرسول؟ فيما أجبتم { فذوقوا فما للظلمين } الكافرين { من نصير } يدفع العذاب عنهم.
[35.38]
{ إن الله علم غيب السموت والأرض إنه عليم بذات الصدور } بما في القلوب، فعلمه بغيره أولى بالنظر إلى حال الناس.
[35.39]
{ هو الذى جعلكم خلئف فى الأرض } جمع خليفة، أي يخلف بعضكم بعضا { فمن كفر } منكم { فعليه كفره } أي وبال كفره { ولا يزيد الكفرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا } غضبا { ولا يزيد الكفرين كفرهم إلا خسارا } للآخرة.
[35.40]
{ قل أرءيتم شركآءكم الذين تدعون } تعبدون { من دون الله } أي غيره، وهم الأصنام الذين زعمتم أنهم شركاء الله تعالى { أرونى } أخبروني { ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك } شركة مع الله { فى } خلق { السموت أم ءاتينهم كتبا فهم على بينت } حجة { منه } بأن لهم معي شركة؟ لا شيء من ذلك { بل إن } ما { يعد الظلمون } الكافرون { بعضهم بعضا إلا غرورا } باطلا بقولهم: الأصنام تشفع لهم.
[35.41]
{ إن الله يمسك السموت والأرض أن تزولا } أي يمنعهما من الزوال { ولئن } لام قسم { زالتآ إن } ما { أمسكهما } يمسكهما { من أحد من بعده } أي سواه { إنه كان حليما غفورا } في تأخير عقاب الكفار.
[35.42]
{ وأقسموا } أي كفار مكة { بالله جهد أيمنهم } غاية اجتهادهم فيها { لئن جآءهم نذير } رسول { ليكونن أهدى من إحدى الأمم } اليهود والنصارى وغيرهما، أي: أي واحدة منها لما رأوا من تكذيب بعضهما بعضا، إذ
وقالت اليهود ليست النصرى على شىء وقالت النصرى ليست اليهود على شىء
[113:2] { فلما جآءهم نذير } محمد صلى الله عليه وسلم { ما زادهم } مجيئه { إلا نفورا } تباعدا عن الهدى.
[35.43]
{ استكبارا فى الأرض } عن الإيمان، مفعول له { ومكر } العمل { السيء } من الشرك وغيره { ولا يحيق } يحيط { المكر السيىء إلا بأهله } وهو الماكر، ووصف المكر بالسيء أصل، وإضافته إليه قبل: استعمال آخر، قدر فيه مضاف حذرا من الإضافة إلى الصفة { فهل ينظرون } ينتظرون { إلا سنت الأولين } سنة الله فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم رسلهم { فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا } أي لا يبدل بالعذاب غيره ولا يحول إلى غير مستحقه.
[35.44]
{ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة } فأهلكهم الله بتكذيبهم رسلهم { وما كان الله ليعجزه } يسبقه ويفوته { من شىء في السموت ولا فى الأرض إنه كان عليما } أي بالأشياء كلها { قديرا } عليها.
[35.45]
{ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا } من المعاصي { ما ترك على ظهرها } أي الأرض { من دآبة } نسمة تدب عليها { ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى } أي يوم القيامة { فإذا جآء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا } فيجازيهم على أعمالهم، بإثابة المؤمنين وعقاب الكافرين.
[36 - سورة يس]
[36.1]
{ يس } الله أعلم بمراده به.
[36.2]
{ والقرءان الحكيم } المحكم بعجيب النظم وبديع المعاني.
[36.3]
{ إنك } يا محمد { لمن المرسلين }.
[36.4]
{ على } متعلق بما قبله { صرط مستقيم } أي طريق الأنبياء قبلك التوحيد والهدى، والتأكيد بالقسم وغيره رد لقول الكفار له { لست مرسلا }.
[36.5]
{ تنزيل العزيز } في ملكه { الرحيم } بخلقه خبر مبتدأ مقدر، أي القرآن.
[36.6]
{ لتنذر } به { قوما } متعلق بتنزيل { مآ أنذر ءابآؤهم } أي لم ينذروا في زمن الفترة { فهم } أي القوم { غفلون } عن الإيمان والرشد.
[36.7]
{ لقد حق القول } وجب { على أكثرهم } بالعذاب { فهم لا يؤمنون } أي الأكثر.
[36.8]
{ إنا جعلنا فى أعنقهم أغللا } بأن تضم إليها الأيدي لأن الغل يجمع اليد إلى العنق { فهى } أي الأيدي مجموعة { إلى الأذقان } جمع ذقن وهي مجتمع اللحيين { فهم مقمحون } رافعون رؤوسهم لا يستطيعون خفضها، وهذا تمثيل، والمراد أنهم لا يذعنون للإيمان ولا يخفضون رؤوسهم له.
[36.9]
{ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا } بفتح السين وضمها في الموضعين { فأغشينهم فهم لا يبصرون } تمثيل أيضا لسد طرق الإيمان عليهم.
[36.10]
{ وسوآء عليهم ءأنذرتهم }؟ بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه { أم لم تنذرهم لا يؤمنون }.
[36.11]
{ إنما تنذر } ينفع إنذارك { من اتبع الذكر } القرآن { وخشى الرحمن بالغيب } خافه ولم يره { فبشره بمغفرة وأجر كريم } هو الجنة.
[36.12]
{ إنا نحن نحى الموتى } للبعث { ونكتب } في اللوح المحفوظ { ما قدموا } في حياتهم من خير وشر ليجازوا عليه { وءاثرهم } ما استن به بعدهم { وكل شىء } نصبه بفعل يفسره { أحصينه } ضبطناه { فى إمام مبين } كتاب بين، هو اللوح المحفوظ.
[36.13]
{ واضرب } اجعل { لهم مثلا } مفعول أول { أصحب } مفعول ثان { القرية } انطاكية { إذ جآءها } إلى آخره بدل اشتمال من أصحاب القرية { المرسلون } أي رسل عيسى.
[36.14]
{ إذ أرسلنآ إليهم اثنين فكذبوهما } إلى آخره بدل من إذ الأولى { فعززنا } بالتخفيف والتشديد: قوينا الاثنين { بثالث فقالوا إنآ إليكم مرسلون }.
[36.15]
{ قالوا مآ أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شىء إن } ما { أنتم إلا تكذبون }.
[36.16]
{ قالوا ربنا يعلم } جار مجرى القسم، وزيد التأكيد به وباللام على ما قبله لزيادة الإنكار في { إنآ إليكم لمرسلون }.
[36.17]
{ وما علينآ إلا البلغ المبين } التبليغ البين الظاهر بالأدلة الواضحة وهي إبراء الأكمة والأبرص والمريض وإحياء الميت.
[36.18]
{ قالوا إنا تطيرنا } تشاءمنا { بكم } لانقطاع المطر عنا بسببكم { لئن } لام قسم { لم تنتهوا لنرجمنكم } بالحجارة { وليمسنكم منا عذاب أليم } مؤلم.
[36.19]
{ قالوا طئركم } شؤمكم { معكم } بكفركم { أئن } همزة استفهام دخلت على إن الشرطية وفي همزتها التحقيق والتسهيل وإدخال ألف بينها بوجهيها وبين الأخرى { ذكرتم } وعظتم وخوفتم؟ وجواب الشرط محذوف، أي تطيرتم وكفرتم وهو محل الاستفهام، والمراد به التوبيخ { بل أنتم قوم مسرفون } متجاوزون الحد بشرككم.
[36.20]
{ وجآء من أقصا المدينة رجل } هو حبيب النجار كان قد آمن بالرسل ومنزله بأقصى البلد { يسعى } يشتد عدوا لما سمع بتكذيب القوم الرسل { قال يقوم اتبعوا المرسلين }.
[36.21]
{ اتبعوا } تأكيد للأول { من لا يسئلكم أجرا } على رسالته { وهم مهتدون } فقيل له: أنت على دينهم؟. فقال:
[36.22]
{ وما لى لآ أعبد الذى فطرنى }؟ خلقني، أي لا مانع لي من عبادته الموجود مقتضيها، وأنتم كذلك { وإليه ترجعون } بعد الموت فيجازيكم كغيركم.
[36.23]
{ ءأتخذ } في الهمزتين منه ما تقدم في «أأنذرتهم» وهو استفهام بمعنى النفي { من دونه } أي غيره { ءالهة } أصناما؟ { إن يردن الرحمن بضر لا تغن عنى شفعتهم } التي زعمتموها { شيئا ولا ينقذون } صفة آلهة.
[36.24]
{ إنى إذا } أي إن عبدت غير الله { لفى ضلل مبين } بين.
[36.25]
{ إنى ءامنت بربكم فاسمعون } أي اسمعوا قولي، فرجموه فمات.
[36.26]
{ قيل } له عند موته { ادخل الجنة } وقيل دخلها حيا { قال يا } حرف تنبيه { ليت قومى يعلمون }.
[36.27]
{ بما غفر لى ربى } بغفرانه { وجعلنى من المكرمين }.
[36.28]
{ ومآ } نافية { أنزلنا على قومه } أي حبيب { من بعده } بعد موته { من جند من السمآء } أي ملائكة لإهلاكهم { وما كنا منزلين } ملائكة لإهلاك أحد.
[36.29]
{ إن } ما { كانت } عقوبتهم { إلا صيحة وحدة } صاح بهم جبريل { فإذا هم خمدون } ساكنون ميتون.
[36.30]
{ يحسرة على العباد } هؤلاء ونحوهم ممن كذبوا الرسل فأهلكوا، وهي شدة التألم ونداؤها مجاز، أي هذا أوانك فاحضري { ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءن } مسوق لبيان سببها لاشتماله على استهزائهم المؤدي إلى إهلاكهم المسبب عنه الحسرة.
[36.31]
{ ألم يروا } أي أهل مكة القائلون للنبي (لست مرسلا ) والاستفهام للتقرير: أي اعلموا { كم } خبرية بمعنى كثيرا معمولة لما بعدها معلقة لما قبلها عن العمل، والمعنى: إنا { أهلكنا قبلهم } كثيرا { من القرون } الأمم { أنهم } أي المهلكين { إليهم } أي المكذبين { لا يرجعون } أفلا يعتبرون بهم؟ وأنهم الخ: بدل مما قبله برعاية المعنى المذكور.
[36.32]
{ وإن } نافية أو مخففة { كل } أي الخلائق، مبتدأ { لما } بالتشديد بمعنى إلا، أو بالتخفيف، فاللام فارقة و ما مزيدة { جميع } خبر المبتدأ، أي مجموعون { لدينا } عندنا في الموقف بعد بعثهم { محضرون } للحساب، خبر ثان.
[36.33]
{ وءاية لهم } على البعث، خبر مقدم { الأرض الميتة } بالتخفيف والتشديد { أحيينها } بالماء، مبتدأ { وأخرجنا منها حبا } كالحنطة { فمنه يأكلون }.
[36.34]
{ وجعلنا فيها جنت } بساتين { من نخيل وأعنب وفجرنا فيها من العيون } أي بعضها.
[36.35]
{ ليأكلوا من ثمره } بفتحتين وبضمتين، أي ثمر المذكور من النخيل وغيره { وما عملته أيديهم } أي لم تعمل الثمر { أفلا يشكرون } أنعمه تعالى عليهم؟.
[36.36]
{ سبحن الذى خلق الأزوج } الأصناف { كلها مما تنبت الأرض } من الحبوب وغيرها { ومن أنفسهم } من الذكور والإناث { ومما لا يعلمون } من المخلوقات العجيبة الغريبة.
[36.37]
{ وءاية لهم } على القدرة العظيمة { ليل نسلخ } نفصل { منه النهار فإذا هم مظلمون } داخلون في الظلام.
[36.38]
{ والشمس تجرى } إلى آخره من جملة الآية لهم: أو آية أخرى، والقمر كذلك { لمستقر لها } أي إليه لا تتجاوزه { ذلك } أي جريها { تقدير العزيز } في ملكه { العليم } بخلقه.
[36.39]
{ والقمر } بالرفع والنصب، وهو منصوب بفعل يفسره ما بعده { قدرنه } من حيث مسيره { منازل } ثمانية وعشرين منزلا في ثمان وعشرين ليلة من كل شهر، ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما، وليلة إن كان تسعة وعشرين يوما { حتى عاد } في آخر منازله في رأي العين { كالعرجون القديم } أي كعود الشماريخ إذا عتق فإنه يرق ويتقوس ويصفر.
[36.40]
{ لا الشمس ينبغى } يسهل ويصح { لهآ أن تدرك القمر } فتجتمع معه في الليل { ولا اليل سابق النهار } فلا يأتي قبل انقضائه { وكل } تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر والنجوم { فى فلك } مستدير { يسبحون } يسيرون نزلوا منزلة العقلاء.
[36.41]
{ وءاية لهم } على قدرتنا { أنا حملنا ذريتهم } وفي قراءة «ذرياتهم» أي آبائهم الأصول { فى الفلك } أي سفينة نوح { المشحون } المملوء.
[36.42]
{ وخلقنا لهم من مثله } أي مثل فلك نوح، وهو ما عملوه من شكله من السفن الصغار والكبار بتعليم الله تعالى { ما يركبون } فيه.
[36.43]
{ وإن نشأ نغرقهم } مع إيجاد السفن { فلا صريخ } مغيث { لهم ولا هم ينقذون } ينجون.
[36.44]
{ إلا رحمة منا ومتعا إلى حين } أي لا ينجيهم إلا رحمتنا لهم وتمتيعنا إياهم بلذاتهم إلى انقضاء آجالهم.
[36.45]
{ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم } من عذاب الدنيا كغيركم { وما خلفكم } من عذاب الآخرة { لعلكم ترحمون } أعرضوا.
[36.46]
{ وما تأتيهم من ءاية من ءايت ربهم إلا كانوا عنها معرضين }.
[36.47]
{ وإذا قيل } أي قال فقراء الصحابة { لهم أنفقوا } علينا { مما رزقكم الله } من الأموال { قال الذين كفروا للذين ءامنوا } استهزاء بهم { أنطعم من لو يشآء الله أطعمه } في معتقدكم هذا؟ { إن } ما { أنتم } في قولكم لنا ذلك مع معتقدكم هذا { إلا فى ضلل مبين } بين، وللتصريح بكفرهم موقع عظيم.
[36.48]
قال تعالى: { ويقولون متى هذا الوعد } بالبعث { إن كنتم صدقين } فيه.
[36.49]
قال تعالى { ما ينظرون } أي ينتظرون { إلا صيحة وحدة } وهي نفخة إسرافيل الأولى { تأخذهم وهم يخصمون } بالتشديد: أصله يختصمون نقلت حركة التاء إلى الخاء وأدغمت في الصاد، أي وهم في غفلة عنها بتخاصم وتبايع وأكل وشرب وغير ذلك، وفي قراءة «يخصمون» كيضربون، أي يخصم بعضهم بعضا.
[36.50]
{ فلا يستطيعون توصية } أي أن يوصوا { ولآ إلى أهلهم يرجعون } من أسواقهم وأشغالهم بل يموتون فيها.
[36.51]
{ ونفخ فى الصور } هو قرن النفخة الثانية للبعث، وبين النفختين أربعون سنة { فإذا هم } أي المقبورون { من الأجداث } القبور { إلى ربهم ينسلون } يخرجون بسرعة.
[36.52]
{ قالوا } أي الكفار منهم { يا } للتنبيه { ويلنا } هلاكنا. وهو مصدر لا فعل له من لفظه { من بعثنا من مرقدنا } لأنهم كانوا بين النفختين نائمين ولم يعذبوا { هذا } أي البعث { ما } أي الذي { وعد } به { الرحمن وصدق } فيه { المرسلون } أقروا حين لا ينفعهم الإقرار، وقيل: يقال لهم ذلك.
[36.53]
{ أن } ما { كانت إلا صيحة وحدة فإذا هم جميع لدينا } عندنا { محضرون }.
[36.54]
{ فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا } جزاء { ما كنتم تعملون }.
[36.55]
{ إن أصحب الجنة اليوم فى شغل } بسكون الغين وضمها. عما فيه أهل النار مما يتلذذون به كافتضاض الأبكار، لا شغل يتعبون فيه، لأن الجنة لا نصب فيها { فكهون } ناعمون خبر ثان لإن ، والأول في شغل.
[36.56]
{ هم } مبتدأ { وأزوجهم فى ظلل } جمع ظلة أو ظل خبر: أي لا تصيبهم الشمس { على الأرآئك } جمع أريكة وهو السرير في الحجلة أو الفرش فيها { متكئون } خبر ثان متعلق على.
[36.57]
{ لهم فيها فكهة ولهم } فيها { ما يدعون } يتمنون.
[36.58]
{ سلم } مبتدأ { قولا } أي بالقول خبره { من رب رحيم } بهم، أي: يقول لهم سلام عليكم.
[36.59]
{ و } يقول { وامتازوا اليوم أيها المجرمون } أي انفردوا عن المؤمنين، عند اختلاطهم بهم.
[36.60]
{ ألم أعهد إليكم } آمركم { يبنى ءادم } على لسان رسلي { أن لا تعبدوا الشيطن } لا تطيعوه { إنه لكم عدو مبين } بين العداوة؟.
[36.61]
{ وأن اعبدونى } وحدوني وأطيعوني { هذا صرط } طريق { مستقيم }؟.
[36.62]
{ ولقد أضل منكم جبلا } خلقا جمع جبيل كقديم، وفي قراءة بضم الباء { كثيرا أفلم تكونوا تعقلون } عداوته وإضلاله، و ما حل بهم من العذاب، فتؤمنون؟
[36.63]
ويقا لهم في الآخرة: { هذه جهنم التى كنتم توعدون } بها.
[36.64]
{ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون }.
[36.65]
{ اليوم نختم على أفوههم } أي الكفار لقولهم
والله ربنا ما كنا مشركين
[23:6] { وتكلمنآ أيديهم وتشهد أرجلهم } وغيرها { بما كانوا يكسبون } فكل عضو ينطق بما صدر منه.
[36.66]
{ ولو نشآء لطمسنا على أعينهم } لأعميناهم طمسا { فاستبقوا } ابتدروا { الصرط } الطريق ذاهبين كعادتهم { فأنى } فكيف { يبصرون } حينئذ؟ أي لا يبصرون.
[36.67]
{ ولو نشآء لمسخنهم } قردة وخنازير أو حجارة { على مكانتهم } وفي قراءة «مكاناتهم» جمع مكانة بمعنى مكان: أي في منازلهم { فما استطعوا مضيا ولا يرجعون } أي لم يقدروا على ذهاب ولا مجيء.
[36.68]
{ ومن نعمره } بإطالة أجله { ننكسه } وفي قراءة بالتشديد من التنكيس { فى الخلق } أي خلقه فيكون بعد قوته وشبابه ضعيفا وهرما { أفلا يعقلون } أن القادر على ذلك المعلوم عندهم قادر على البعث فيؤمنون؟ وفي قراءة بالتاء.
[36.69]
{ وما علمنه } أي النبي { الشعر } رد لقولهم: إن ما أتى به من القرآن شعر { وما ينبغى } يسهل { له } الشعر { إن هو } ليس الذي أتى به { إلا ذكر } عظة { وقرءان مبين } مظهر للأحكام وغيرها.
[36.70]
{ لينذر } بالياء والتاء به { من كان حيا } يعقل ما يخاطب به وهم المؤمنون { ويحق القول } بالعذاب { على الكفرين } وهم كالميتين لا يعقلون ما يخاطبون به.
[36.71]
{ أولم يروا } يعلموا. والاستفهام للتقرير، والواو الداخلة عليها للعطف { أنا خلقنا لهم } في جملة الناس { مما عملت أيدينآ } أي عملناه بلا شريك ولا معين { أنعما } هي الإبل والبقر والغنم { فهم لها ملكون }؟ ضابطون.
[36.72]
{ وذللنها } سخرناها { لهم فمنها ركوبهم } مركوبهم { ومنها يأكلون }.
[36.73]
{ ولهم فيها منفع } كأصوافها وأوبارها وأشعارها { ومشارب } من لبنها جمع مشرب بمعنى شرب أو موضعه { أفلا يشكرون } المنعم عليهم بها فيؤمنون؟ أي ما فعلوا ذلك.
[36.74]
{ واتخذوا من دون الله } أي غيره { ءالهة } أصناما يعبدونها { لعلهم ينصرون } يمنعون من عذاب الله تعالى بشفاعة آلهتهم بزعمهم.
[36.75]
{ لا يستطيعون } أي آلهتهم، نزلوا منزلة العقلاء { نصرهم وهم } أي آلهتهم من الأصنام { لهم جند } بزعمهم نصرهم { محضرون } في النار معهم.
[36.76]
{ فلا يحزنك قولهم } لك: لست مرسلا وغير ذلك { إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون } من ذلك وغيره فنجازيهم عليه.
[36.77]
{ أو لم ير الإنسن } يعلم، وهو العاصي بن وائل { أنا خلقنه من نطفة } مني إلى أن صيرناه شديدا قويا { فإذا هو خصيم } شديد الخصومة لنا { مبين } بينها في نفي البعث؟.
[36.78]
{ وضرب لنا مثلا } في ذلك { ونسى خلقه } من المني، وهو أغرب من مثله { قال من يحى العظم وهى رميم } أي بالية؟ ولم يقل رميمة بالتاء لأنه اسم لا صفة. وروي أنه أخذ عظما رميما ففتته وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أترى يحيي الله هذا بعد ما بلي ورم؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
" نعم ويدخلك النار ".
[36.79]
{ قل يحييها الذى أنشأهآ أول مرة وهو بكل خلق } مخلوق { عليم } مجملا ومفصلا قبل خلقه وبعد خلقه.
[36.80]
{ الذى جعل لكم } في جملة الناس { من الشجر الأخضر } المرخ والعفار أو كل شجر إلا العناب { نارا فإذآ أنتم منه توقدون } تقدحون، وهذا دال على القدرة على البعث، فإنه جمع فيه بين الماء والنار والخشب، فلا الماء يطفىء النار، ولا النار تحرق الخشب.
[36.81]
{ أو ليس الذى خلق السموت والأرض } مع عظمهما { بقدر على أن يخلق مثلهم } أي الأناسي في الصغر؟ { بلى } أي هو قادر على ذلك أجاب نفسه { وهو الخلق } الكثير الخلق { العليم } بكل شيء.
[36.82]
{ إنمآ أمره } شأنه { إذآ أراد شيئا } أي خلق شيء { أن يقول له كن فيكون } أي فهو يكون، وفي قراءة بالنصب عطفا على يقول.
[36.83]
{ فسبحن الذى بيده ملكوت } ملك، زيدت الواو والتاء للمبالغة: أي القدرة على { كل شىء وإليه ترجعون } تردون في الآخرة.
[37 - سورة الصافات]
[37.1]
{ والصفت صفا } الملائكة تصف نفوسها في العبادة أو أجنحتها في الهواء تنتظر ما تؤمر به.
[37.2]
{ فالزجرت زجرا } الملائكة تزجر السحاب أي تسوقه.
[37.3-4]
{ فالتليت } أي جماعة قراء القرآن تتلوه { ذكرا } مصدر من معنى التاليات. { إن إلهكم } يا أهل مكة { لوحد }.
[37.5]
{ رب السموت والأرض وما بينهما ورب المشرق } أي والمغارب للشمس، لها كل يوم مشرق ومغرب.
[37.6]
{ إنا زينا السمآء الدنيا بزينة الكوكب } أي بضوئها أو بها، والإضافة للبيان. كقراءة تنوين زينة المبينة بالكواكب.
[37.7]
{ وحفظا } منصوب بفعل مقدر: أي حفظناها بالشهب { من كل } متعلق بالمقدر { شيطن مارد } عات، خارج عن الطاعة.
[37.8]
{ لا يسمعون } أي الشياطين وسماعهم مستأنف، في المعنى المحفوظ عنه { إلى الملإ الأعلى } الملائكة في السماء، وعدي السماع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء. وفي قراءة بتشديد الميم والسين: أصله يتسمعون، وأدغمت التاء في السين { ويقذفون } أي الشياطين بالشهب { من كل جانب } من آفاق السماء.
[37.9]
{ دحورا } مصدر دحره: أي طرده وأبعده، وهو مفعول له { ولهم } في الآخرة { عذاب واصب } دائم.
[37.10]
{ إلا من خطف الخطفة } مصدر أي: المرة والاستثناء من ضمير يسمعون: أي لا يسمع إلا الشيطان الذي سمع الكلمة من الملائكة فأخذها بسرعة { فأتبعه شهاب } كوكب مضيء { ثاقب } يثقبه أو يحرقه أو يخبله.
[37.11]
{ فاستفتهم } استخبر كفار مكة. تقريرا أو توبيخا { أهم أشد خلقا أم من خلقنآ } من الملائكة والسموات والأرضين وما فيهما؟ وفي الإتيان بمن تغليب العقلاء { إنا خلقنهم } أي أصلهم آدم { من طين لازب } لازم يلصق باليد، المعنى: أن خلقهم ضعيف فلا يتكبروا بإنكار النبي والقرآن المؤدي إلى إهلاكهم اليسير.
[37.12]
{ بل } للانتقال من غرض إلى آخر، وهو الإخبار بحاله وبحالهم { عجبت } بفتح التاء خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم أي من تكذيبهم إياك { و } هم { يسخرون } من تعجبك.
[37.13]
{ وإذا ذكروا } وعظوا بالقرآن { لا يذكرون } لا يتعظون.
[37.14]
{ وإذا رأوا ءاية } كانشقاق القمر { يستسخرون } يستهزئون بها.
[37.15]
{ وقالوا } فيها { إن } ما { هذآ إلا سحر مبين } بين.
[37.16]
وقالوا منكرين للبعث: { أءذا متنا وكنا ترابا وعظما أءنا لمبعوثون } في الهمزتين في الموضعين التحقيق، وتسهيل الثانية، وإدخال ألف بينهما على الوجهين.
[37.17]
{ أو ءابآؤنا الاولون } بسكون الواو عطفا بأو، وبفتحها والهمزة للاستفهام والعطف بالواو والمعطوف عليه محل إن واسمها أو الضمير في المبعوثون والفاصل همزة الاستفهام.
[37.18]
{ قل نعم } تبعثون { وأنتم دخرون } صاغرون.
[37.19]
{ فإنما هى } ضميره مبهم يفسره { زجرة } أي صيحة { وحدة فإذا هم } أي الخلائق أحياء { ينظرون } ما يفعل بهم.
[37.20]
{ وقالوا } أي الكفار { يا } للتنبيه { ويلنا } هلاكنا، وهو مصدر لا فعل له من لفظه، وتقول لهم الملائكة { هذا يوم الدين } أي الحساب والجزاء.
[37.21]
{ هذا يوم الفصل } بين الخلائق { الذي كنتم به تكذبون }.
[37.22]
ويقال للملائكة: { احشروا الذين ظلموا } أنفسهم بالشرك { وأزوجهم } قرناءهم من الشياطين { وما كانوا يعبدون }.
[37.23]
{ من دون الله } أي غيره من الأوثان { فاهدوهم } دلوهم وسوقوهم { إلى صرط الجحيم } طريق النار.
[37.24]
{ وقفوهم } احبسوهم عند الصراط { إنهم مسئولون } عن جميع أقوالهم وأفعالهم، ويقال لهم توبيخا:
[37.25]
{ ما لكم لا تناصرون } لا ينصر بعضكم بعضا كحالكم في الدنيا؟
[37.26]
ويقال لهم: { بل هم اليوم مستسلمون } منقادون أذلاء.
[37.27]
{ وأقبل بعضهم على بعض يتسآءلون } يتلاومون ويتخاصمون.
[37.28]
{ قالوا } أي الأتباع منهم للمتبوعين { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } عن الجهة التي كنا نأمنكم منها لحلفكم أنكم على الحق فصدقناكم واتبعناكم، المعنى: إنكم أضللتمونا.
[37.29]
{ قالوا } أي المتبعون لهم { بل لم تكونوا مؤمنين } وإنما يصدق الإضلال منا أن لو كنتم مؤمنين فرجعتم عن الإيمان إلينا.
[37.30]
{ وما كان لنا عليكم من سلطن } قوة وقدرة نقهركم على متابعتنا { بل كنتم قوما طغين } ضالين مثلنا.
[37.31]
{ فحق } وجب { علينا } جميعا { قول ربنآ } بالعذاب: أي قوله
لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين
[119:11] { إنا } جميعا { لذائقون } العذاب بذلك القول، ونشأ عنه قولهم.
[37.32]
{ فأغوينكم } المعلل بقولهم { إنا كنا غوين }.
[37.33]
قال تعالى : { فإنهم يومئذ } يوم القيامة { فى العذاب مشتركون } أي لاشتراكهم في الغواية.
[37.34]
{ إنا كذالك } كما نفعل بهؤلاء { نفعل بالمجرمين } غير هؤلاء: أي نعذبهم، التابع منهم والمتبوع.
[37.35]
{ إنهم } أي هؤلاء، بقرينة ما بعده { كانوا إذا قيل لهم لآ إله إلا الله يستكبرون }.
[37.36]
{ ويقولون أئنا } في همزتيه ما تقدم { لتاركوا ءالهتنا لشاعر مجنون } أي لأجل قول محمد؟.
[37.37]
قال تعالى { بل جآء بالحق وصدق المرسلين } الجائين به، وهو أن لا إله إلا الله.
[37.38]
{ إنكم } فيه التفات { لذآئقوا العذاب الأليم }.
[37.39]
{ وما تجزون إلا } جزاء { ما كنتم تعملون }.
[37.40]
{ إلا عباد الله المخلصين } أي المؤمنين استثناء منقطع.
[37.41]
ذكر جزاؤهم في قوله: { أولئك لهم } في الجنة { رزق معلوم } بكرة وعشيا.
[37.42]
{ فوكه } بدل أو بيان للرزق هو ما يؤكل تلذذا لا لحفظ صحة، لأن أهل الجنة مستغنون عن حفظها بخلق أجسامهم للأبد { وهم مكرمون } بثواب الله سبحانه وتعالى.
[37.43]
{ في جنت النعيم }.
[37.44]
{ على سرر متقبلين } لا يرى بعضهم قفا بعض.
[37.45]
{ يطاف عليهم } على كل منهم { بكأس } هو الإناء بشرابه { من معين } من خمر يجري على وجه الأرض كأنهار الماء.
[37.46]
{ بيضآء } أشد بياضا من اللبن { لذة } لذيذة { للشربين } بخلاف خمرة الدنيا فإنها كريهة عند الشرب.
[37.47]
{ لا فيها غول } ما يغتال عقولهم { ولا هم عنها ينزفون } بفتح الزاي وكسرها، من نزف الشارب وأنزف: أي يسكرون بخلاف خمر الدنيا.
[37.48]
{ وعندهم قصرت الطرف } حابسات الأعين على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم لحسنهم عندهن { عين } ضخام الأعين حسانها.
[37.49]
{ كأنهن } في اللون { بيض } للنعام { مكنون } مستور بريشه لا يصل إليه غبار، ولونه وهو البياض في صفرة، أحسن ألوان النساء.
[37.50]
{ فأقبل بعضهم } بعض أهل الجنة { على بعض يتسآءلون } عما مر بهم في الدنيا.
[37.51]
{ قال قآئل منهم إنى كان لى قرين } صاحب ينكر البعث.
[37.52]
{ يقول } لي تبكيتا { أءنك لمن المصدقين } بالبعث؟.
[37.53]
{ أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا } في الهمزتين في الثلاثة مواضع ما تقدم { لمدينون } مجزيون ومحاسبون؟ أنكر ذلك أيضا.
[37.54]
{ قال } ذلك القائل لإخوانه: { هل أنتم مطلعون } معي إلى النار لننظر حاله؟ فيقولون: لا.
[37.55]
{ فأطلع } ذلك القائل من بعض كوى الجنة { فرءاه } أي رأى قرينه { فى سوآء الجحيم } أي وسط النار.
[37.56]
{ قال } له شماتة { تالله إن } مخففة من الثقيلة { كدت } قاربت { لتردين } لتهلكني بإغوائك.
[37.57]
{ ولولا نعمة ربى } علي في الدنيا بالإيمان { لكنت من المحضرين } معك في النار.
[37.58]
ويقول أهل الجنة: { أفما نحن بميتين }.
[37.59]
{ إلا موتتنا الأولى } أي التي في الدنيا { وما نحن بمعذبين }؟ هو استفهام تلذذ وتحدث بنعمة الله تعالى من تأبيد الحياة وعدم التعذيب.
[37.60]
{ إن هذا } الذي ذكر لأهل الجنة { لهو الفوز العظيم }.
[37.61]
{ لمثل هذا فليعمل العملون } قيل يقال لهم ذلك، وقيل هم يقولونه.
[37.62]
{ أذلك } المذكور لهم { خير نزلا } وهو ما يعد للنازل من ضيف وغيره { أم شجرة الزقوم } المعدة لأهل النار؟ وهي من أخبث الشجر المر بتهامة ينبتها الله في الجحيم كما سيأتي.
[37.63]
{ إنا جعلنها } بذلك { فتنة للظلمين } أي الكافرين من أهل مكة، إذ قالوا: النار تحرق الشجر فكيف تنبته؟.
[37.64]
{ إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم } أي قعر جهنم، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
[37.65]
{ طلعها } المشبه بطلع النخل { كأنه رءوس الشيطين } أي الحيات القبيحة المنظر.
[37.66]
{ فإنهم } أي الكفار { لأكلون منها } مع قبحها لشدة جوعهم { فمالئون منها البطون }.
[37.67]
{ ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم } أي ماء حار يشربونه فيختلط بالمأكول منها فيصير شوبا له.
[37.68]
{ ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم } يفيد أنهم يخرجون منها لشرب الحميم وأنه خارجها.
[37.69]
{ إنهم ألفوا } وجدوا { ءابآءهم ضآلين فهم }.
[37.70]
{ فهم على ءاثرهم يهرعون } يزعجون إلى اتباعهم فيسرعون إليه.
[37.71]
{ ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين } من الأمم الماضية.
[37.72]
{ ولقد أرسلنا فيهم منذرين } من الرسل مخوفين.
[37.73]
{ فانظر كيف كان عقبة المنذرين } الكافرين: أي عاقبتهم العذاب.
[37.74]
{ إلا عباد الله المخلصين } أي المؤمنين فإنهم نجوا من العذاب لإخلاصهم في العبادة، أو لأن الله أخلصهم لها على قراءة فتح اللام.
[37.75]
{ ولقد نادنا نوح } بقوله رب
أني مغلوب فانتصر
[10:54] { فلنعم المجيبون } له نحن: أي دعانا على قومه فأهلكناهم بالغرق.
[37.76]
{ ونجينه وأهله من الكرب العظيم } أي الغرق.
[37.77]
{ وجعلنا ذريته هم الباقين } فالناس كلهم من نسله وكان له ثلاثة أولاد: سام وهو أبو العرب والفرس والروم وحام وهو أبو السودان، ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك.
[37.78]
{ وتركنا } أبقينا { عليه } ثناء حسنا { فى الأخرين } من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة.
[37.79]
{ سلم } منا { على نوح فى العلمين }.
[37.80]
{ إنا كذلك } كما جزيناهم { نجزى المحسنين }.
[37.81]
{ إنه من عبادنا المؤمنين }.
[37.82]
{ ثم أغرقنا الأخرين } كفار قومه.
[37.83]
{ وإن من شيعته } أي ممن تابعه في أصل الدين { لإبرهيم } وإن طال الزمن بينهما وهو ألفان وستمائة وأربعون سنة وكان بينهما هود وصالح.
[37.84]
{ إذ جآء ربه } أي تابعه وقت مجيئه { بقلب سليم } من الشرك وغيره.
[37.85]
{ إذ قال } في هذه الحالة المستمرة له { لأبيه وقومه } موبخا { ماذا } ما الذي { تعبدون }؟
[37.86]
{ أئفكا } في همزتيه ما تقدم { ءالهة دون الله تريدون } و إفكا مفعول له، و آلهة مفعول به، لتريدون والإفك: أسوأ الكذب، أي أتعبدون غير الله؟.
[37.87]
{ فما ظنكم برب العلمين } إذ عبدتم غيره أنه يترككم بلا عقاب؟ لا، وكانوا نجامين فخرجوا إلى عيد لهم وتركوا طعامهم عند أصنامهم زعموا التبرك عليه فإذا رجعوا أكلوه، وقالوا لسيدنا إبراهيم: اخرج معنا.
[37.88]
{ فنظر نظرة فى النجوم } إيهاما لهم أنه يعتمد عليها ليعتمدوه.
[37.89]
{ فقال إنى سقيم } عليل أي سأسقم.
[37.90]
{ فتولوا عنه } إلى عيدهم { مدبرين }.
[37.91]
{ فراغ } مال في خفية { إلى ءالهتهم } وهي الأصنام وعندها طعام. { فقال } استهزاء { ألا تأكلون } فلم ينطقوا.
[37.92]
فقال: { ما لكم لا تنطقون } فلم تجب.
[37.93]
{ فراغ عليهم ضربا باليمين } بالقوة فكسرها، فبلغ قومه ممن رآه.
[37.94]
{ فأقبلوا إليه يزفون } أي يسرعون المشي، فقالوا له: نحن نعبدها وأنت تكسرها؟.
[37.95]
{ قال } لهم موبخا { أتعبدون ما تنحتون } من الحجارة وغيرها أصناما.
[37.96]
{ والله خلقكم وما تعملون } من نحتكم ومنحوتكم، فاعبدوه وحده، وما مصدرية، وقيل موصولة، وقيل موصوفة.
[37.97]
{ قالوا } بينهم { ابنوا له بنينا } فاملأوه حطبا وأضرموه بالنار فإذا التهب { فألقوه فى الجحيم } النار الشديدة.
[37.98]
{ فأرادوا به كيدا } بإلقائه في النار لتهلكه { فجعلنهم الأسفلين } المقهورين فخرج من النار سالما.
[37.99]
{ وقال إنى ذاهب إلى ربى } مهاجر إليه من دار الكفر { سيهدين } إلى حيث أمرني ربي بالمصير إليه وهو الشام، فلما وصل إلى الأرض المقدسة قال:
[37.100]
{ رب هب لى } ولدا { من الصلحين }.
[37.101]
{ فبشرنه بغلم حليم } أي ذي حلم كثير.
[37.102]
{ فلما بلغ معه السعى } أي أن يسعى معه ويعينه. قيل: بلغ سبع سنين، وقيل: ثلاث عشرة سنة { قال يبنى إنى أرى } أي رأيت { فى المنام أنى أذبحك } ورؤيا الأنبياء حق وأفعالهم بأمر الله تعالى { فانظر ماذا ترى } من الرأي: شاوره ليأنس بالذبح وينقاد للأمر به { قال يأبت } التاء عوض عن ياء الإضافة { افعل ما تؤمر } به { ستجدنى إن شآء الله من الصبرين } على ذلك.
[37.103]
{ فلمآ أسلما } خضعا وانقادا لأمر الله تعالى { وتله للجبين } صرعه عليه، ولكل إنسان جبينان بينهما الجبهة وكان ذلك بمنى، وأمر السكين على حلقه فلم تعمل شيئا بمانع من القدرة الإلهية.
[37.104]
{ وندينه أن يإبرهيم }.
[37.105]
{ قد صدقت الرؤيآ } بما أتيت به مما أمكنك من أمر الذبح: أي يكفيك ذلك، فجملة ناديناه جواب لما بزيادة الواو { إنا كذلك } كما جزيناك { نجزى المحسنين } لأنفسهم بامتثال الأمر بإفراج الشدة عنهم.
[37.106]
{ إن هذا } الذبح المأمور به { لهو البلؤا المبين } أي الاختبار الظاهر.
[37.107]
{ وفدينه } أي المأمور بذبحه، وهو إسماعيل، أو إسحاق: قولان { بذبح } بكبش { عظيم } من الجنة: وهو الذي قربه هابيل، جاء به جبريل فذبحه السيد إبراهيم مكبرا.
[37.108]
{ وتركنا } أبقينا { عليه فى الأخرين } ثناء حسنا.
[37.109]
{ سلم } منا { على إبرهيم }.
[37.110]
{ كذلك } كما جزيناه { نجزى المحسنين } لأنفسهم.
[37.111]
{ إنه من عبادنا المؤمنين }.
[37.112]
{ وبشرنه بإسحق } استدل بذلك على أن الذبيح غيره { نبيا } حال مقدرة: أي يوجد مقدرا نبوته { من الصلحين }.
[37.113]
{ وبركنا عليه } بتكثير ذريته { وعلى إسحق } ولده بجعلنا أكثر الأنبياء من نسله { ومن ذريتهما محسن } مؤمن { وظالم لنفسه } كافر { مبين } بين الكفر.
[37.114]
{ ولقد مننا على موسى وهرون } بالنبوة.
[37.115]
{ ونجينهما وقومهما } بني إسرائيل { من الكرب العظيم } أي استعباد فرعون إياهم.
[37.116]
{ ونصرنهم } على القبط { فكانوا هم الغلبين }.
[37.117]
{ وءاتينهما الكتب المستبين } البليغ البيان فيما أتى به من الحدود والأحكام وغيرها وهو التوراة.
[37.118]
{ وهدينهما الصرط } الطريق { المستقيم }.
[37.119]
{ وتركنا } أبقينا { عليهما فى الأخرين } ثناء حسنا.
[37.120]
{ سلم } منا { على موسى وهرون }.
[37.121]
{ إنا كذلك } كما جزيناهما { نجزى المحسنين }.
[37.122]
{ إنهما من عبادنا المؤمنين }.
[37.123]
{ وإن إلياس } بالهمزة أوله وتركه { لمن المرسلين } قيل هو ابن أخي هرون أخي موسى وقيل غيره، أرسل إلى قوم ببعلبك ونواحيها.
[37.124]
{ إذ } منصوب باذكر مقدرا { قال لقومه ألا تتقون } الله.
[37.125]
{ أتدعون بعلا } اسم صنم لهم من ذهب، وبه سمي البلد أيضا مضافا إلى بك: أي أتعبدونه { وتذرون } تتركون { أحسن الخلقين } فلا تعبدونه.
[37.126]
{ الله ربكم ورب ءابآئكم الأولين } برفع الثلاثة على إضمار هو، وبنصبها على البدل من أحسن.
[37.127]
{ فكذبوه فإنهم لمحضرون } في النار.
[37.128]
{ إلا عباد الله المخلصين } أي المؤمنين منهم فإنهم نجوا منها.
[37.129]
{ وتركنا عليه فى الأخرين } ثناء حسنا.
[37.130]
{ سلم } منا { على إل ياسين } قيل هو (إلياس) المتقدم ذكره، وقيل: هو ومن أمن معه فجمعوا معه تغليبا، كقولهم للمهلب وقومه: المهلبون، وعلى قراءة (آل ياسين) بالمد أي أهله: المراد به إلياس أيضا.
[37.131]
{ إنا كذلك } كما جزيناه { نجزى المحسنين }.
[37.132]
{ إنه من عبادنا المؤمنين }.
[37.133]
{ وإن لوطا لمن المرسلين }.
[37.134]
اذكر { إذ نجينه وأهله أجمعين }.
[37.135]
{ إلا عجوزا فى الغبرين } أي الباقين في العذاب.
[37.136]
{ ثم دمرنا } أهلكنا { الأخرين } كفار قومه.
[37.137]
{ وإنكم لتمرون عليهم } على آثارهم ومنازلهم في أسفاركم { مصبحين } أي وقت الصباح يعني بالنهار.
[37.138]
{ وباليل أفلا تعقلون } يا أهل مكة ما حل بهم فتعتبرون به؟.
[37.139]
{ وإن يونس لمن المرسلين }.
[37.140]
{ إذ أبق } هرب { إلى الفلك المشحون } السفينة المملوءة حين غاضب قومه لما لم ينزل بهم العذاب الذي وعدهم به، فركب السفينة فوقفت في لجة البحر، فقال الملاحون: هنا عبد آبق من سيده تظهره القرعة.
[37.141]
{ فساهم } قارع أهل السفينة { فكان من المدحضين } المغلوبين بالقرعة، فألقوه في البحر.
[37.142]
{ فالتقمه الحوت } ابتلعه { وهو مليم } أي آت بما يلام من ذهابه إلى البحر وركوبه السفينة بلا إذن من ربه.
[37.143]
{ فلولآ أنه كان من المسبحين } الذاكرين بقوله كثيرا في بطن الحوت
لآ إله إلآ أنت سبحنك إني كنت من الظلمين
[87:21].
[37.144]
{ للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون } لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة.
[37.145]
{ فنبذنه } أي ألقيناه من بطن الحوت { بالعرآء } بوجه الأرض: أي بالساحل من يومه أو بعد ثلاثة أو سبعة أيام أو عشرين أو أربعين يوما { وهو سقيم } عليل كالفرخ الممعط.
[37.146]
{ وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } وهي القرع تظله بساق على خلاف العادة في القرع معجزة له، وكانت تأتيه وعلة صباحا ومساء ويشرب من لبنها حتى قوي.
[37.147]
{ وأرسلنه } بعد ذلك كقبله إلى قومه بنينوى من أرض الموصل { إلى مائة ألف أو } بل { يزيدون } عشرين أو ثلاثين أو سبعين ألفا.
[37.148]
{ فئامنوا } عند معاينة العذاب الموعودين به { فمتعنهم } أي أبقيناهم ممتعين بمالهم { إلى حين } تنقضي آجالهم فيه.
[37.149]
{ فاستفتهم } استخبر كفار مكة توبيخا لهم { ألربك البنات } بزعمهم أن الملائكة بنات الله { ولهم البنون } فيختصون بالأسنى؟
[37.150]
{ أم خلقنا الملئكة إنثا وهم شهدون } خلقنا فيقولون ذلك؟.
[37.151]
{ ألا إنهم من إفكهم } كذبهم { ليقولون }.
[37.152]
{ ولد الله } بقولهم: الملائكة بنات الله { وإنهم لكذبون } فيه.
[37.153]
{ اصطفى } بفتح الهمزة للاستفهام، واستغنى بها عن همزة الوصل فحذفت، أي اختار { البنات على البنين }.
[37.154]
{ ما لكم كيف تحكمون } هذا الحكم الفاسد؟
[37.155]
{ أفلا تذكرون } بإدغام التاء في الذال، أنه سبحانه وتعالى منزه عن الولد.
[37.156]
{ أم لكم سلطن مبين } حجة واضحة أن لله ولدا.
[37.157]
{ فأتوا بكتبكم } التوراة فأروني ذلك فيه { إن كنتم صدقين } في قولكم ذلك.
[37.158]
{ وجعلوا } أي المشركين { بينه } تعالى { وبين الجنة } أي الملائكة لاجتنابهم عن الأبصار { نسبا } بقولهم إنها بنات الله { ولقد علمت الجنة إنهم } أي قائلي ذلك { لمحضرون } للنار يعذبون فيها.
[37.159]
{ سبحن الله } تنزيها له { عما يصفون } بأن لله ولدا.
[37.160]
{ إلا عباد الله المخلصين } أي المؤمنين استثناء منقطع أي فإنهم ينزهون الله تعالى عما يصفه هؤلاء.
[37.161]
{ فإنكم وما تعبدون } من الأصنام.
[37.162]
{ مآ أنتم عليه } أي على معبودكم، و عليه متعلق بقوله { بفتنين } أي أحدا.
[37.163]
{ إلا من هو صال الجحيم } في علم الله تعالى.
[37.164]
قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم { وما منآ } معشر الملائكة أحد { إلا له مقام معلوم } في السموات يعبد الله فيه لا يتجاوزه.
[37.165]
{ وإنا لنحن الصآفون } أقدامنا في الصلاة.
[37.166]
{ وإنا لنحن المسبحون } المنزهون الله عما لا يليق به.
[37.167]
{ وإن } مخففة من الثقيلة { كانوا } أي كفار مكة { ليقولون }.
[37.168]
{ لو أن عندنا ذكرا } كتابا { من الأولين } أي من كتب الأمم الماضية.
[37.169]
{ لكنا عباد الله المخلصين } العبادة له.
[37.170]
قال تعالى: { فكفروا به } أي بالكتاب الذي جاءهم وهو القرآن الأشرف من تلك الكتب { فسوف يعلمون } عاقبة كفرهم.
[37.171]
{ ولقد سبقت كلمتنا } بالنصر { لعبادنا المرسلين } وهي
لأغلبن أنا ورسلى
[21:58].
[37.172]
أو هي قوله: { إنهم لهم المنصورون }.
[37.173]
{ وإن جندنا } أي المؤمنين { لهم الغلبون } للكفار بالحجة والنصرة عليهم في الدنيا، وإن لم ينتصر بعض منهم في الدنيا ففي الآخرة.
[37.174]
{ فتول عنهم } أي أعرض عن كفار مكة { حتى حين } تؤمر فيه بقتالهم.
[37.175]
{ وأبصرهم } إذا نزل بهم العذاب { فسوف يبصرون } عاقبة كفرهم.
[37.176]
فقالوا استهزاء: متى نزول هذا العذاب؟ قال تعالى تهديدا لهم. { أفبعذابنا يستعجلون }؟
[37.177]
{ فإذا نزل بساحتهم } بفنائهم. قال الفراء: العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم { فسآء } بئس صباحا { صباح المنذرين } فيه إقامة الظاهر مقام المضمر.
[37.178]
{ وتول عنهم حتى حين }.
[37.179]
{ وأبصر فسوف يبصرون } كرر تأكيدا لتهديدهم وتسلية له صلى الله عليه وسلم.
[37.180]
{ سبحن ربك رب العزة } الغلبة { عما يصفون } بأن له ولدا.
[37.181]
{ وسلم على المرسلين } المبلغين عن الله التوحيد والشرائع.
[37.182]
{ والحمد لله رب العلمين } على نصرهم وهلاك الكافرين.
[38 - سورة ص]
[38.1]
{ ص } الله أعلم بمراده به { والقرءان ذى الذكر } أي البيان أو الشرف، وجواب هذا القسم محذوف أي ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة.
[38.2]
{ بل الذين كفروا } من أهل مكة { فى عزة } حمية وتكبر عن الإيمان { وشقاق } خلاف وعداوة للنبي صلى الله عليه وسلم.
[38.3]
{ كم } أي كثيرا { أهلكنا من قبلهم من قرن } أي أمة من الأمم الماضية { فنادوا } حين نزول العذاب بهم { ولات حين مناص } أي ليس الحين حين فرار، والتاء زائدة، والجملة حال من فاعل «نادوا» أي استغاثوا والحال أن لا مهرب ولا منجى، وما اعتبر بهم كفار مكة.
[38.4]
{ وعجبوا أن جآءهم منذر منهم } رسول من أنفسهم ينذرهم ويخوفهم النار بعد البعث وهو النبي صلى الله عليه وسلم { وقال الكفرون } فيه وضع الظاهر موضع المضمر { هذا سحر كذاب }.
[38.5]
{ أجعل الألهة إلها وحدا } حيث قال لهم قولوا (لا إله إلا الله) أي كيف يسع الخلق كلهم إله واحد { إن هذا لشىء عجاب } أي عجيب.
[38.6]
{ وانطلق الملأ منهم } من مجلس اجتماعهم عند أبي طالب وسماعهم فيه من النبي صلى الله عليه وسلم قولوا: لا إله إلا الله { أن امشوا } أي يقول بعضهم لبعض: امشوا { واصبروا على ءالهتكم } اثبتوا على عبادتها { إن هذا } المذكور من التوحيد { لشىء يراد } منا.
[38.7]
{ ما سمعنا بهذا فى الملة الأخرة } أي ملة عيسى { إن } ما { هذآ إلا اختلاق } كذب.
[38.8]
{ أءنزل } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين وتركه { عليه } على محمد صلى الله عليه وسلم { الذكر } القرآن { من بيننا } وليس بأكبرنا ولا أشرفنا؟ أي لم ينزل عليه؟ قال تعالى { بل هم فى شك من ذكرى } وحيي: أي القرآن، حيث كذبوا الجائي به { بل لما } لم { يذوقوا عذاب } ولو ذاقوه لصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ولا ينفعهم التصديق حينئذ.
[38.9]
{ أم عندهم خزآئن رحمة ربك العزيز } الغالب { الوهاب } من النبوة وغيرها فيعطونها من شاؤوا.
[38.10]
{ أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما } إن زعموا ذلك { فليرتقوا فى الأسباب } الموصلة إلى السماء فيأتوا بالوحي فيخصوا به من شاؤوا. وأم في الموضعين بمعنى همزة الإنكار.
[38.11]
{ جند ما } أي جندهم حقير جند { هنالك } أي في تكذيبهم لك { مهزوم } صفة جند» { من الاحزاب } صفة «جند» أيضا: أي كالأجناد من جنس الأحزاب المتحزبين على الأنبياء قبلك، وأولئك قد قهروا وأهلكوا، فكذا نهلك هؤلاء.
[38.12]
{ كذبت قبلهم قوم نوح } تأنيث قوم باعتبار المعنى { وعاد وفرعون ذو الأوتاد } كان يتد لكل من يغضب عليه أربعة أوتاد يشد إليها يديه ورجليه ويعذبه.
[38.13]
{ وثمود وقوم لوط وأصحب لئيكة } أي الغيضة وهم قوم شعيب عليه السلام { أولئك الأحزاب }.
[38.14]
{ إن } ما { كل } من الأحزاب { إلا كذب الرسل } لأنهم إذا كذبوا واحدا منهم فقد كذبوا جميعهم، لأن دعوتهم واحدة، وهي دعوة التوحيد { فحق } وجب { عقاب }.
[38.15]
{ وما ينظر } ينتظر { هؤلآء } أي كفار مكة { إلا صيحة وحدة } ،هي نفخة القيامة تحل بهم العذاب { ما لها من فواق } بفتح الفاء وضمها: رجوع.
[38.16]
{ وقالوا } لما نزل
فأما من أوتي كتابه بيمينه
[19:69]الخ { ربنا عجل لنا قطنا } أي كتاب أعمالنا من (قط الشيء)إذا قطعه،ومعروف في اللغة أن يقال للنصيب (قط) { قبل يوم الحساب } قالوا ذلك استهزاء.
[38.17]
قال تعالى: { اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد } أي القوة في العبادة: كان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم نصف الليل وينام ثلثه ويقوم سدسه { إنه أواب } رجاع إلى مرضاة الله.
[38.18]
{ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن } بتسبيحه { بالعشى } وقت صلاة العشاء { والإشراق } وقت صلاة الضحى: وهو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوؤها.
[38.19]
{ و } سخرنا { الطير محشورة } مجموعة إليه تسبح معه { كل } من الجبال والطير { له أواب } رجاع إلى طاعته بالتسبيح.
[38.20]
{ وشددنا ملكه } قويناه بالحرس والجنود، وكان يحرس محرابه في كل ليلة ثلاثون ألف رجل { وءاتيءنه الحكمة } النبوة والإصابة في الأمور { وفصل الخطاب } البيان الشافي في كل قصد.
[38.21]
{ وهل } معنى الاستفهام هنا التعجيب والتشويق إلى استماع ما بعده { ءاتاك } يا محمد صلى الله عليه وسلم { نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب } محراب داود؟ أي مسجده، حيث منعوا الدخول عليه من الباب لشغله بالعبادة، أي خبرهم وقصتهم.
[38.22]
{ إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف } نحن { خصمان } قيل فريقان ليطابق ما قبله من ضمير الجمع. وقيل اثنان، والضمير بمعناهما، والخصم يطلق على الواحد وأكثر وهما ملكان جاءا في صورة خصمين وقع لهما ما ذكر على سبيل الفرض لتنبيه داود عليه السلام على ما وقع منه، وكان له تسع وتسعون امرأة وطلب امرأة شخص ليس له غيرها وتزوجها ودخل بها { بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط } تجر { واهدنآ } أرشدنا { إلى سوآء الصرط } وسط الطريق الصواب.
[38.23]
{ إن هذآ أخى } أي على ديني { له تسع وتسعون نعجة } يعبر بها عن المرأة { ولى نعجة وحدة فقال أكفلنيها } أي اجعلني كافلها { وعزنى } غلبني { فى الخطاب } أي الجدال وأقره الآخر على ذلك.
[38.24]
{ قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك } ليضمها { إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطآء } الشركاء { ليبغى بعضهم على بعض إلا الذين ءامنوا وعملوا الصلحت وقليل ما هم } «ما» لتأكيد القلة، فقال الملكان صاعدين في صورتيهما إلى السماء: قضى الرجل على نفسه، فتنبه داود. قال تعالى؟ { وظن } أي أيقن { داود أنما فتنه } أوقعناه في فتنة: أي بلية بمحبته تلك المرأة { فاستغفر ربه وخر راكعا } أي ساجدا { وأناب }.
[38.25]
{ فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى } أي زيادة خير في الدنيا { وحسن مئاب } مرجع في الآخرة.
[38.26]
{ مئاب يداود إنا جعلنك خليفة فى الأرض } تدبر أمر الناس { فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى } أي هوى النفس { فيضلك عن سبيل الله } أي عن الدلائل الدالة على توحيده { إن الذين يضلون عن سبيل الله } أي عن الإيمان بالله { لهم عذاب شديد بما نسوا } بنسيانهم { يوم الحساب } المرتب عليه تركهم الإيمان، ولو أيقنوا بيوم الحساب لآمنوا في الدنيا.
[38.27]
{ وما خلقنا السمآء والأرض وما بينهما بطلا }. أي عبثا { ذلك } أي خلق ما ذكر لا لشيء { ظن الذين كفروا } من أهل مكة { فويل } واد { للذين كفروا من النار }.
[38.28]
{ أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصلحت كالمفسدين فى الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } نزل لما قال كفار مكة للمؤمنين: إنا نعطى في الآخرة مثل ما تعطون. و «أم» بمعنى همزة الإنكار.
[38.29]
{ كتاب } خبر مبتدأ محذوف أي هذا { أنزلنه إليك مبرك ليدبروا } أصله ليتدبروا أدغمت التاء في الدال { ءايته } ينظروا في معانيها فيؤمنوا { وليتذكر } يتعظ { أولوا الالبب } أصحاب العقول.
[38.30]
{ ووهبنا وورث سليمن } ابنه { نعم العبد } أي سليمان { إنه أواب } رجاع في التسبيح والذكر في جميع الأوقات.
[38.31]
{ إذ عرض بالعشى } هو ما بعد الزوال { الصفنت } الخيل: جمع صافنة، وهي القائمة على ثلاث وإقامة الأخرى على طرف الحافر، وهو من صفن يصفن صفونا { الجياد } جمع جواد وهو السابق: المعنى أنها إذا استوقفت سكنت، وإن ركضت سبقت، وكانت ألف فرس عرضت عليه بعد أن صلى الظهر لإرادته الجهاد عليها لعدو، فعند بلوغ العرض منها تسعمائة غربت الشمس ولم يكن صلى العصر فاغتم.
[38.32]
{ فقال إنى أحببت } أي أردت { حب الخير } أي الخيل { عن ذكر ربى } أي صلاة العصر { حتى توارت } أي الشمس { بالحجاب } أي استترت بما يحجبها عن الأبصار.
[38.33]
{ ردوها على } أي الخيل المعروضة فردوها { فطفق مسحا } بالسيف { بالسوق } جمع ساق { والأعناق } أي ذبحها وقطع أرجلها تقربا إلى الله تعالى حيث اشتغل بها عن الصلاة وتصدق بلحمها فعوضه الله تعالى خيرا منها وأسرع، وهي الريح تجري بأمره كيف شاء.
[38.34]
{ ولقد فتنا سليمن } ابتليناه بسلب ملكه وذلك لتزوجه بامرأة هواها وكانت تعبد الصنم في داره من غير علمه، وكان ملكه في خاتمه فنزعه مرة عند إرادة الخلاء ووضعه عند امرأته المسماة بالأمينة على عادته فجاءها جني في صورة سليمان فأخذه منها { وألقينا على كرسيه جسدا } هو ذلك الجني وهو (صخر) أو غيره: جلس على كرسي سليمان وعكفت عليه الطير وغيرها فخرج سليمان في غير هيئته فرآه على كرسيه وقال للناس: أنا سليمان فأنكروه { ثم أناب } رجع سليمان إلى ملكه بعد أيام بأن وصل إلى الخاتم فلبسه وجلس على كرسيه.
[38.35]
{ قال رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى } لا يكون { لاحد من بعدى } أي سواي، نحو
فمن يهديه من بعد الله
[23:45] أي سوى الله { إنك أنت الوهاب }.
[38.36]
{ فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخآء } لينة { حيث أصاب } أراد.
[38.37]
{ والشيطين كل بنآء } يبني الأبنية { وغواص } في البحر يستخرج اللؤلؤ.
[38.38]
{ وءاخرين } منهم { مقرنين } مشدودين { فى الأصفاد } القيود بجمع أيديهم إلى أعناقهم.
[38.39]
وقلنا له: { هذا عطآؤنا فامنن } أعط منه من شئت { أو أمسك } عن الإعطاء { بغير حساب } أي لا حساب عليك في ذلك.
[38.40]
{ وإن له عندنا لزلفى وحسن مئاب } تقدم مثله.
[38.41]
{ واذكر عبدنآ أيوب إذ نادى ربه أنى } أي بأني { مسنى الشيطن بنصب } بضر { وعذاب } ألم، ونسب ذلك إلى الشيطان وإن كانت الأشياء كلها من الله تأدبا معه تعالى.
[38.42]
وقيل له: { اركض } اضرب { برجلك } الأرض، فضرب فنبعت عين ماء، فقيل { هذا مغتسل } ماء تغتسل به { بارد وشراب } تشرب منه، فاغتسل وشرب فذهب عنه كل داء كان بباطنه وظاهره.
[38.43]
{ ووهبنا له أهله ومثلهم معهم } أي أحيا الله له من مات من أولاده ورزقه مثلهم { رحمة } نعمة { منا وذكرى } عظة { لأولى الألبب } لأصحاب العقول.
[38.44]
{ وخذ بيدك ضغثا } هو حزمة من حشيش أو قضبان { فاضرب به } زوجتك، وكان قد حلف ليضربنها مائة ضربة لإبطائها عليه يوما { ولا تحنث } بترك ضربها، فأخذ مائة عود من الإذخر أو غيره فضربها به ضربة واحدة { إنا وجدنه صابرا نعم العبد } أيوب { إنه أواب } رجاع إلى الله تعالى.
[38.45]
{ واذكر عبادنا إبرهيم وإسحق ويعقوب أولى الأيدى } أصحاب القوى في العبادة { والأبصر } البصائر في الدين. وفي قراءة «عبدنا» وإبراهيم بيان له، وما بعده عطف على عبدنا.
[38.46]
{ إنآ أخلصنهم بخالصة } هي { ذكرى الدار } الآخرة، أي ذكرها والعمل لها. وفي قراءة: بالإضافة وهي للبيان.
[38.47]
{ وإنهم عندنا لمن المصطفين } المختارين { الأخيار } جمع «خير» بالتشديد.
[38.48]
{ واذكر إسمعيل واليسع } هو نبي، واللام زائدة { وذا الكفل } اختلف في نبوته، قيل: كفل مائة نبي فروا إليه من القتل { وكل } أي كلهم { من الأخيار } جمع «خير» بالتثقيل.
[38.49]
{ هذا ذكر } لهم بالثناء الجميل هنا { وإن للمتقين } الشاملين لهم { لحسن مئاب } مرجع في الآخرة.
[38.50]
{ جنت عدن } بدل أو عطف بيان ل «حسن مآب» { مفتحة لهم الأبواب } منها.
[38.51]
{ متكئين فيها } على الأرائك { يدعون فيها بفكهة كثيرة وشراب }.
[38.52]
{ وعندهم قصرت الطرف } حابسات العين على أزواجهن { أتراب } أسنانهن واحدة: وهي بنات ثلاث وثلاثين سنة.
[38.53]
{ هذا } المذكور { ما توعدون } بالغيبة وبالخطاب التفاتا { ليوم الحساب } أي لأجله.
[38.54]
{ إن هذا لرزقنا ما له من نفاد } أي انقطاع والجملة حال من «رزقنا» أو خبر ثان ل «أن» أي دائما أو دائم.
[38.55]
{ هذا } المذكور للمؤمنين { وإن للطغين } مستأنف { لشر مئاب }.
[38.56]
هو { جهنم يصلونها } يدخلونها { فبئس المهاد } الفراش.
[38.57]
{ هذا } أي العذاب المفهوم مما بعده { فليذوقوه حميم } أي ماء حار محرق { وغساق } بالتخفيف والتشديد: ماء يسيل من صديد أهل النار.
[38.58]
{ وءاخر } بالجمع والإفراد { من شكله } أي مثل المذكور من الحميم والغساق { أزوج } أصناف، أي عذابهم من أنواع مختلفة.
[38.59]
ويقال لهم عند دخولهم النار بأتباعهم { هذا فوج } جمع { مقتحم } داخل { معكم } النار بشدة فيقول المتبوعون { لا مرحبا بهم } أي لا سعة عليهم { إنهم صالو النار }.
[38.60]
{ قالوا } أي الأتباع { بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا } أي الكفر { فبئس القرار } لنا ولكم النار.
[38.61]
{ قالوا } أيضا { ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا } أي مثل عذابه على كفره { فى النار }.
[38.62]
{ وقالوا } أي كفار مكة وهم في النار { ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم } في الدنيا { من الأشرار }.
[38.63]
{ أتخذنهم سخريا } بضم السين وكسرها: أي كنا نسخر بهم في الدنيا، والياء للنسب: أي أمفقودون هم؟ { أم زاغت } مالت { عنهم الأبصر } فلم نرهم؟ وهم فقراء المسلمين كعمار وبلال وصهيب وسلمان.
[38.64]
{ إن ذالك لحق } واجب وقوعه وهو { تخاصم أهل النار } كما تقدم.
[38.65]
{ قل } يا محمد لكفار مكة { إنمآ أنا منذر } مخوف بالنار { وما من إله إلا الله الوحد القهار } لخلقه.
[38.66]
{ رب السموات والأرض وما بينهما العزيز } الغالب على أمره { الغفار } لأوليائه.
[38.67]
{ قل } لهم { هو نبؤا عظيم }.
[38.68]
{ أنتم عنه معرضون } أي القرآن الذي أنبأتكم به وجئتكم فيه بما لا يعلم إلا بوحي وهو قوله:
[38.69]
{ ما كان لى من علم بالملإ الأعلى } أي الملائكة { إذ يختصمون } في شأن آدم حين قال الله تعالى:
إني جاعل فى الارض خليفة
[30:2].
[38.70]
{ إن } ما { يوحى إلى إلا أنمآ أنا } أي إني { نذير مبين } بين الإنذار.
[38.71]
اذكر { إذ قال ربك للملئكة إنى خلق بشرا من طين } هو آدم.
[38.72]
{ فإذا سويته } أتممته { ونفخت } أجريت { فيه من روحى } فصار حيا، وإضافة الروح إليه تشريف لآدم والروح جسم لطيف يحيا به الإنسان بنفوذه فيه { فقعوا له سجدين } سجود تحية بالانحناء.
[38.73]
{ فسجد الملئكة كلهم أجمعون } فيه تأكيدان.
[38.74]
{ إلا إبليس } هو أبو الجن كان بين الملائكة { استكبر وكان من الكفرين } في علم الله تعالى.
[38.75]
{ قال يإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى } أي توليت خلقه، وهذا تشريف لآدم فإن كل مخلوق تولى الله خلقه { أستكبرت } الآن على السجود؟ استفهام توبيخ { أم كنت من العالين } المتكبرين فتكبرت عن السجود لكونك منهم.
[38.76]
{ قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين }.
[38.77]
{ قال فاخرج منها } أي من الجنة، وقيل: من السموات { فإنك رجيم } مطرود.
[38.78]
{ وإن عليك لعنتى إلى يوم الدين } الجزاء.
[38.79]
{ قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون } أي الناس.
[38.80]
{ قال فإنك من المنظرين }.
[38.81]
{ إلى يوم الوقت المعلوم } وقت النفخة الأولى.
[38.82]
{ قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين }.
[38.83]
{ إلا عبادك منهم المخلصين } أي المؤمنين.
[38.84]
{ قال فالحق والحق أقول } بنصبهما ورفع الأول ونصب الثاني، فنصبه بالفعل بعده، ونصب الأول قيل بالفعل المذكور، وقيل على المصدر: أي أحق الحق،وقيل على نزع حرف القسم، ورفعه على أنه مبتدأ محذوف الخبر: أي فالحق مني، وقيل: فالحق قسمي، وجواب القسم.
[38.85]
{ لأملان جهنم منك } بذريتك { وممن تبعك منهم } أي من الناس { أجمعين }.
[38.86]
{ قل مآ أسألكم عليه } على تبليغ الرسالة { من أجر } جعل { ومآ أنا من المتكلفين } المتقولين القرآن من تلقاء نفسي.
[38.87]
{ إن هو } أي ما القرآن { إلا ذكر } موعظة { للعلمين } للإنس والجن العقلاء دون الملائكة.
[38.88]
{ ولتعلمن } يا كفار مكة { نبأه } خبر صدقه { بعد حين } أي يوم القيامة، وعلم بمعنى: عرف واللام قبلها لام قسم مقدر: أي والله.
[39 - سورة الزمر]
[39.1]
{ تنزيل الكتب } القرآن مبتدأ { من الله } خبره { العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه.
[39.2]
{ إنا أنزلنا إليك } يا محمد { الكتب بالحق } متعلق بأنزل { فاعبد الله مخلصا له الدين } من الشرك: أي موحدا له.
[39.3]
{ ألا لله الدين الخالص } لا يستحقه غيره { والذين اتخذوا من دونه } الأصنام { أولياء } وهم كفار مكة قالوا: { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } قربى مصدر بمعنى تقريبا { إن الله يحكم بينهم } وبين المسلمين { فى ما هم فيه يختلفون } من أمر الدين فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار { إن الله لا يهدى من هو كذب } في نسبة الولد إلى الله { كفار } بعبادته غير الله.
[39.4]
{ لو أراد الله أن يتخذ ولدا } كما قالوا
اتخذ الرحمن ولدا
[26:21,88:19] { لاصطفى مما يخلق ما يشاء } واتخذه ولدا غير من قالوا: إن الملائكة بنات الله و
عزير ابن الله
[30:9]
المسيح ابن الله
[30:9] { سبحنه } تنزيها له عن اتخاذ الولد { هو الله الوحد القهار } لخلقه.
[39.5]
{ خلق السموات والأرض بالحق } متعلق بخلق { يكور } يدخل { ليل علىالنهار } فيزيد { ويكور النهار } يدخله { على اليل } فيزيد { وسخر الشمس والقمر كل يجرى } في فلكه { لأجل مسمى } ليوم القيامة { ألا هو العزيز } الغالب على أمره المنتقم من أعدائه { الغفار } لأوليائه.
[39.6]
{ خلقكم من نفس وحدة } أي آدم { ثم جعل منها زوجها } حواء { وأنزل لكم من الأنعم } الإبل والبقر والغنم الضأن والمعز { ثمنية أزوج } من كل زوجين ذكرا وأنثى كما بين في سورة (الأنعام) [143:6] { يخلقكم فى بطون أمهتكم خلقا من بعد خلق } أي نطفا ثم علقا ثم مضغا { فى ظلمت ثلث } هي ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة { ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون } عن عبادته إلى عبادة غيره؟
[39.7]
{ إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا } وإن أراده من بعضهم الله فتؤمنوا { يرضه } بسكون الهاء وضمها مع إشباع ودونه: أي الشكر { لكم ولا تزر } نفس { وزرة وزر } نفس { أخرى } أي لا تحمله { ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور } بما في القلوب.
[39.8]
{ وإذا مس الإنسن } أي الكافر { ضر دعا ربه } تضرع { منيبا } راجعا { إليه ثم إذا خوله نعمة } أعطاه إنعاما { منه نسى } ترك { ما كان يدعو } يتضرع { إليه من قبل } وهو الله، فما في موضع من { وجعل لله أندادا } شركاء { ليضل } بفتح الياء وضمها { عن سبيله } دين الإسلام { قل تمتع بكفرك قليلا } بقية أجلك { إنك من أصحب النار }.
[39.9]
{ أمن } بتخفيف الميم { هو قنت } قائم بوظائف الطاعات { ءاناء اليل } ساعاته { سجدا وقائما } للصلاة { يحذر الاخرة } أي يخاف عذابها { ويرجوا رحمة } جنة { ربه } كمن هو عاص بالكفر أو غيره؟ وفي قراءة «أم من» فأم بمعنى بل والهمزة { قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون } أي لا يستويان كما لا يستوي العالم والجاهل { إنما يتذكر } يتعظ { أولوا الألبب } أصحاب العقول.
[39.10]
{ قل يعبادالذين ءامنوا اتقوا ربكم } أي عذابه بأن تطيعوه { للذين أحسنوا فى هذه الدنيا } بالطاعة { حسنة } هي الجنة { وأرض الله واسعة } فهاجروا إليها من بين الكفار ومشاهدة المنكرات { إنما يوفى الصبرون } على الطاعة وما يبتلون به { أجرهم بغير حساب } بغير مكيال ولا ميزان.
[39.11]
{ قل إنى أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين } من الشرك.
[39.12]
{ وأمرت لأن } أي بأن { أكون أول المسلمين } من هذه الأمة.
[39.13]
{ قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم }.
[39.14]
{ قل الله أعبد مخلصا له دينى } من الشرك.
[39.15]
{ فاعبدوا ما شئتم من دونه } غيره، فيه تهديد لهم وإيذان بأنهم لا يعبدون الله تعالى { قل إن الخسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيمة } بتخليد الأنفس في النار وبعدم وصولهم إلى الحور المعدة لهم في الجنة لو آمنوا { ألا ذلك هو الخسران المبين } البين.
[39.16]
{ لهم من فوقهم ظلل } طباق { من النار ومن تحتهم ظلل } من النار { ذلك يخوف الله به عباده } أي المؤمنين ليتقوه يدل عليه { ياعبادفاتقون }.
[39.17]
{ والذين اجتنبوا الطغوت } الأوثان { أن يعبدوها وأنابوا } أقبلوا { إلى الله لهم البشرى } بالجنة { فبشر عباد }.
[39.18]
{ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } وهو ما فيه فلاحهم { أولائك الذين هداهم الله وأولائك هم أولوا الألبب } أصحاب العقول.
[39.19]
{ أفمن حق عليه كلمة العذاب } أي
لأملان جهنم
[119:11] الآية { أفأنت تنقذ } تخرج { من فى النار } جواب الشرط وأقيم فيه الظاهر مقام المضمر والهمزة للإنكار، والمعنى لا تقدر على هدايته فتنقذه من النار.
[39.20]
{ لكن الذين اتقوا ربهم } بأن أطاعوه { لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجرى من تحتها الأنهر } أي من تحت الغرف الفوقانية والتحتانية { وعد الله } منصوب بفعله المقدر { لا يخلف الله الميعاد } وعده.
[39.21]
{ ألم تر } تعلم { أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع } أدخله أمكنة نبع { فى الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج } ييبس { فتراه } بعد الخضرة مثلا { مصفرا ثم يجعله حطما } فتاتا { إن فى ذلك لذكرى } تذكيرا { لاولى الألبب } يتذكرون به لدلالته على وحدانية الله تعالى وقدرته.
[39.22]
{ أفمن شرح الله صدره للإسلم } فاهتدى { فهو على نور من ربه } كمن طبع على قلبه؟ دل على هذا { فويل } كلمة عذاب { للقسية قلوبهم من ذكر الله } أي عن قبول القرآن { أولئك فى ضلل مبين } بين.
[39.23]
{ الله نزل أحسن الحديث كتبا } بدل من أحسن أي قرآنا { متشبها } أي يشبه بعضه بعضا في النظم وغيره { مثاني } يثنى فيه الوعد والوعيد وغيرهما { تقشعر منه } ترتعد عند ذكر وعيده { جلود الذين يخشون } يخافون { ربهم ثم تلين } تطمئن { جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } أي عند ذكر وعده { ذلك } أي الكتاب { هدى الله يهدى به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد }.
[39.24]
{ أفمن يتقى } يلقى { بوجهه سوء العذاب يوم القيمة } أي أشده بأن يلقى في النار مغلولة يداه إلى عنقه كمن أمن منه بدخول الجنة { وقيل للظالمين } أي كفار مكة { ذوقوا ما كنتم تكسبون } أي جزاءه.
[39.25]
{ كذب الذين من قبلهم } رسلهم في إتيان العذاب { فأتهم العذاب من حيث لا يشعرون } من جهة لا تخطر ببالهم.
[39.26]
{ فأذاقهم الله الخزى } الذل والهوان من المسخ والقتل وغيره { في الحيوة الدنيا ولعذاب الأخرة أكبر لو كانوا } أي المكذبون { يعلمون } عذابها ما كذبوا.
[39.27]
{ ولقد ضربنا } جعلنا { للناس فى هذا القرءان من كل مثل لعلهم يتذكرون } يتعظون.
[39.28]
{ قرءانا عربيا } حال مؤكدة { غير ذى عوج } أي لبس واختلاف { لعلهم يتقون } الكفر.
[39.29]
{ ضرب الله } للمشرك والموحد { مثلا رجلا } بدل من مثلا { فيه شركاء متشكسون } متنازعون سيئة أخلاقهم { ورجلا سلما } خالصا { لرجل هل يستويان مثلا } تمييز: أي لا يستوي العبد لجماعة والعبد لواحد، فإن الأول إذا طلب منه كل من مالكيه خدمته في وقت واحد تحير فيمن يخدمه منهم وهذا مثل للمشرك، والثاني مثل للموحد { الحمد لله } وحده { بل أكثرهم } أي أهل مكة { لا يعلمون } ما يصيرون إليه من العذاب فيشركون.
[39.30]
{ إنك } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم { ميت وإنهم ميتون } ستموت ويموتون فلا شماتة بالموت، نزلت لما استبطأوا موته صلى الله عليه وسلم.
[39.31]
{ ثم إنكم } أيها الناس فيما بينكم من المظالم { يوم القيمة عند ربكم تختصمون }.
[39.32]
{ فمن } أي لا أحد { أظلم ممن كذب على الله } بنسبة الشريك والولد إليه { وكذب بالصدق } بالقرآن { إذ جاءه أليس فى جهنم مثوى } مأوى { للكفرين } بلى.
[39.33]
{ والذى جآء بالصدق } هو النبي صلى الله عليه وسلم { وصدق به } هم المؤمنون، فالذي بمعنى الذين { أولئك هم المتقون } الشرك.
[39.34]
{ لهم مايشآءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين } لأنفسهم بإيمانهم.
[39.35]
{ ليكفر الله عنهم أسوأ الذى عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذى كانوا يعملون } أسوأ و أحسن بمعنى السيء والحسن.
[39.36]
{ أليس الله بكاف عبده } أي النبي؟ بلى { ويخوفونك } الخطاب له { بالذين من دونه } أي الأصنام، أي تقتله أو تخبله { ومن يضلل الله فما له من هاد }.
[39.37]
{ ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز } غالب على أمره { ذى انتقام } من أعدائه؟ بلى.
[39.38]
{ ولئن } لام قسم { سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرايتم ما تدعون } تعبدون { من دون الله } أي الأصنام { إن أرادنى الله بضر هل هن كشفت ضره } لا { أو أرادنى برحمة هل هن ممسكت رحمته } لا، وفي قراءة بالإضافة فيها { قل حسبى الله عليه يتوكل المتوكلون } يثق الواثقون.
[39.39]
{ قل يقوم اعملوا على مكانتكم } حالتكم { إنى عمل } على حالتي { فسوف تعلمون }.
[39.40]
{ من } موصولة مفعول العلم { يأتيه عذاب يخزيه ويحل } ينزل { عليه عذاب مقيم } دائم هو عذاب النار، وقد أخزاهم الله ببدر.
[39.41]
{ إنا أنزلنا عليك الكتب للناس بالحق } متعلق ب «أنزل» { فمن اهتدى فلنفسه } اهتداؤه { ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل } فتجبرهم على الهدى.
[39.42]
{ الله يتوفى الأنفس حين موتها } يتوفى { التى لم تمت فى منامها } أي يتوفاها وقت النوم { فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى } أي وقت موتها والمرسلة نفس التمييز تبقى بدونها نفس الحياة بخلاف العكس { إن فى ذلك } المذكور { لأيت } دلالات { لقوم يتفكرون } فيعلمون أن القادر على ذلك،قادر على البعث، وقريش لم يتفكروا في ذلك.
[39.43]
{ أم } بل { اتخذوا من دون الله } أي الأصنام آلهة { شفعاء } عند الله بزعمهم؟ { قل } لهم { أ } يشفعون { ولو كانوا لا يملكون شيئا } من الشفاعة وغيرها { ولا يعقلون } أنكم تعبدونهم ولا غير ذلك؟ لا.
[39.44]
{ قل لله الشفعة جميعا } أي هو مختص بها فلا يشفع أحد إلا بإذنه { له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون }.
[39.45]
{ وإذا ذكر الله وحده } أي دون آلهتهم { اشمأزت } نفرت وانقبضت { قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة وإذا ذكر الذين من دونه } أي الأصنام { إذا هم يستبشرون }.
[39.46]
{ قل اللهم } بمعنى يا الله { فاطر السموات والارض } مبدعهما { علم الغيب والشهدة } ما غاب وما شوهد { أنت تحكم بين عبادك فى ما كانوا فيه يختلفون } من أمر الدين: اهدني لما اختلفوا فيه من الحق.
[39.47]
{ ولو أن للذين ظلموا ما فى الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيمة وبدا } ظهر { لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } يظنون.
[39.48]
{ وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق } نزل { بهم ما كانوا به يستهزءون } أي العذاب.
[39.49]
{ فإذا مس الإنسن } الجنس { ضر دعانا ثم إذا خولنه } أعطيناه { نعمة } إنعاما { منا قال إنما أوتيته على علم } من الله بأني له أهل { بل هى } أي القولة { فتنة } بلية يبتلى بها العبد { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن التخويل استدراج وامتحان.
[39.50]
{ قد قالها الذين من قبلهم } من الأمم كقارون وقومه الراضين بها { فمآ أغنى عنهم ما كانوا يكسبون }.
[39.51]
{ فأصابهم سيئات ما كسبوا } أي جزاؤها { والذين ظلموا من هاؤلاء } أي قريش { سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين } بفائتين عذابنا فقحطوا سبع سنين ثم وسع عليهم.
[39.52]
{ أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق } يوسعه { لمن يشاء } امتحانا { ويقدر } يضيقه لمن يشاء ابتلاء { إن فى ذلك لأيت لقوم يؤمنون } به.
[39.53]
{ قل يعبادى * الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا } بكسر النون وفتحها، وقرىء بضمها تيأسوا { من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } لمن تاب من الشرك { إنه هو الغفور الرحيم }.
[39.54]
{ وأنيبوا } ارجعوا { إلى ربكم وأسلموا } أخلصوا العمل { له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } بمنعه إن لم تتوبوا.
[39.55]
{ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } هو القرآن { من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون } قبل إتيانه بوقته.
[39.56]
فبادروا قبل وإن { أن تقول نفس يحسرتى } أصله يا حسرتي أي ندامتي { على ما فرطت فى جنب الله } أي طاعته { وإن } مخففة من الثقيلة أي وإني { كنت لمن السخرين } بدينه وكتابه.
[39.57]
{ أو تقول لو أن الله هدانى } بالطاعة فاهتديت { لكنت من المتقين } عذابه.
[39.58]
{ أو تقول حين ترى العذاب لو أن لى كرة } رجعة إلى الدنيا { فأكون من المحسنين } المؤمنين، فيقال له من قبل الله.
[39.59]
{ بلى قد جاءتك ءايتى } القرآن وهو سبب الهداية { فكذبت بها واستكبرت } تكبرت عن الإيمان بها { وكنت من الكفرين }.
[39.60]
{ ويوم القيمة ترى الذين كذبوا على الله } بنسبة الشريك والولد إليه { وجوههم مسودة أليس فى جهنم مثوى } مأوى { للمتكبرين } عن الإيمان؟ بلى.
[39.61]
{ وينجى الله } من جهنم { الذين اتقوا } الشرك { بمفازتهم } أي بمكان فوزهم من الجنة بأن يجعلوا فيه { لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون }.
[39.62]
{ الله خلق كل شىء وهو على كل شىء وكيل } متصرف فيه كيف يشاء.
[39.63]
{ له مقاليد السموات والأرض } أي مفاتيح خزائنهما من المطر والنبات وغيرهما { والذين كفروا بئايت الله } القرآن { أولئك هم الخسرون } متصل بقوله { وينجى الله الذين اتقوا } الخ وما بينهما اعتراض.
[39.64]
{ قل أفغير الله تأمرونى أعبد أيها الجهلون }؟ غير منصوب بأعبد المعمول لتأمروني بنون واحدة وبنونين بإدغام وفك بتقدير «أن».
[39.65]
{ ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك } والله { لئن أشركت } يا محمد فرضا { ليحبطن عملك ولتكونن من الخسرين }.
[39.66]
{ بل الله } وحده { فاعبد وكن من الشكرين } إنعامه عليك.
[39.67]
{ وما قدروا الله حق قدره } ما عرفوه حق معرفته، أو ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره { والأرض جميعا } حال: أي السبع { قبضته } أي مقبوضة له: أي في ملكه وتصرفه { يوم القيمة والسموت مطويت } مجموعات { بيمينه } بقدرته { سبحانه وتعالى عما يشركون } معه.
[39.68]
{ ونفخ فى الصور } النفخة الأولى { فصعق } مات { من فى السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله } من الحور والولدان وغيرهما { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم } أي جميع الخلائق الموتى { قيام ينظرون } ينتظرون ما يفعل بهم.
[39.69]
{ وأشرقت الأرض } أضاءت { بنور ربها } حين يتجلى لفصل القضاء { ووضع الكتب } كتاب الأعمال للحساب { وجاىء بالنبيين والشهداء } أي بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته يشهدون للرسل بالبلاغ { وقضى بينهم بالحق } أي العدل { وهم لا يظلمون } شيئا.
[39.70]
{ ووفيت كل نفس ما عملت } أي جزاءه { وهو أعلم } أي عالم { بما يفعلون } فلا يحتاج إلى شاهد.
[39.71]
{ وسيق الذين كفروا } بعنف { إلى جهنم زمرا } جماعات متفرقة { حتى إذا جاءوها فتحت أبوبها } جواب إذا { وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم ءايت ربكم } القرآن وغيره { وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب } أي( لأملأن جهنم) الآية { على الكفرين }.
[39.72]
{ قيل ادخلوا أبوب جهنم خلدين فيها } مقدرين الخلود { فبئس مثوى } مأوى { المتكبرين } جهنم.
[39.73]
{ وسيق الذين اتقوا ربهم } بلطف { إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوبها } الواو فيه للحال بتقدير قد { وقال لهم خزنتها سلم عليكم طبتم } حال { فادخلوها خلدين } مقدرين الخلود فيها، وجواب إذا مقدر أي دخلوها، وسوقهم وفتح الأبواب قبل مجيئهم تكريم لهم، وسوق الكفار وفتح أبواب جهنم عند مجيئهم ليبقى حرها إليهم إهانة لهم.
[39.74]
{ وقالوا } عطف على دخولها المقدر { الحمد لله الذى صدقنا وعده } بالجنة { وأورثنا الأرض } أي أرض الجنة { نتبوأ } ننزل { من الجنة حيث نشاء } لأنها كلها لا يختار فيها مكان على مكان { فنعم أجر العملين } الجنة.
[39.75]
{ وترى الملئكة حافين } حال { من حول العرش } من كل جانب منه { يسبحون } حال من ضمير حافين { بحمد ربهم } ملابسين للحمد أي يقولون: سبحان الله وبحمده { وقضى بينهم } بين جميع الخلائق { بالحق } أي العدل فيدخل المؤمنون الجنة والكافرون النار { وقيل الحمد لله رب العلمين } ختم استقرار الفريقين بالحمد من الملائكة.
[40 - سورة غافر]
[40.1]
{ حم } الله أعلم بمراده به.
[40.2]
{ تنزيل الكتب } القرآن مبتدأ { من الله } خبره { العزيز } في ملكه { العليم } بخلقه.
[40.3]
{ غافر الذنب } للمؤمنين { وقابل التوب } لهم، مصدر { شديد العقاب } للكافرين: أي مشددة { ذى الطول } أي الإنعام الواسع، وهو موصوف على الدوام بكل من هذه الصفات فإضافة المشتق منها للتعريف كالأخيرة { لا إله إلا هو إليه المصير } المرجع.
[40.4]
{ ما يجدل فى ءايت الله } القرآن { إلا الذين كفروا } من أهل مكة { فلا يغررك تقلبهم فى البلاد } للمعاش سالمين، فإن عاقبتهم النار.
[40.5]
{ كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب } كعاد وثمود وغيرهما { من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه } يقتلوه { وجدلوا بالبطل ليدحضوا } يزيلوا { به الحق فأخذتهم } بالعقاب { فكيف كان عقاب } لهم: أي هو واقع موقعه.
[40.6]
{ وكذلك حقت كلمت ربك } أي
لأملأن جهنم
[119:11] الآية { على الذين كفروا أنهم أصحب النار } بدل من كلمة.
[40.7]
{ الذين يحملون العرش } مبتدأ { ومن حوله } عطف عليه { يسبحون } خبره { بحمد ربهم } ملابسين للحمد، أي يقولون: سبحان الله وبحمده { ويؤمنون به } تعالى ببصائرهم أي يصدقون بوحدانيته { ويستغفرون للذين ءامنوا } يقولون { ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلما } أي وسعت رحمتك كل شيء وعلمك كل شيء { فاغفر للذين تابوا } من الشرك { واتبعوا سبيلك } دين الإسلام { وقهم عذاب الجحيم } النار.
[40.8]
{ ربنا وأدخلهم جنت عدن } إقامة { التى وعدتهم ومن صلح } عطف على «هم» في وأدخلهم أو في وعدتهم { من ءابائهم وأزوجهم وذريتهم إنك أنت العزيز الحكيم } في صنعه.
[40.9]
{ وقهم السيئت } أي عذابها { ومن تق السيئت يومئذ } يوم القيامة { فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم }.
[40.10]
{ إن الذين كفروا ينادون } من قبل الملائكة وهم يمقتون أنفسهم عند دخولهم النار { لمقت الله } إياكم { أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون } في الدنيا { إلى الإيمن فتكفرون }.
[40.11]
{ قالوا ربنا أمتنا اثنتين } إماتتين { وأحييتنا اثنتين } إحياءتين لأنهم نطف أموات فأحيوا ثم أميتوا ثم أحيوا للبعث { فاعترفنا بذنوبنا } بكفرنا بالبعث { فهل إلى خروج } من النار والرجوع إلى الدنيا لنطيع ربنا { من سبيل } طريق؟ وجوابهم: لا.
[40.12]
{ ذلكم } أي العذاب الذي أنتم فيه { بأنه } أي بسبب أنه في الدنيا { إذا دعى الله وحده كفرتم } بتوحيده { وإن يشرك به } يجعل له شريك { تؤمنوا } تصدقوا بالإشراك { فالحكم } في تعذيبكم { لله العلى } على خلقه { الكبير } العظيم.
[40.13]
{ هو الذى يريكم ءايته } دلائل توحيده { وينزل لكم من السماء رزقا } بالمطر { وما يتذكر } يتعظ { إلا من ينيب } يرجع عن الشرك.
[40.14]
{ فادعوا الله } اعبدوه { مخلصين له الدين } من الشرك { ولو كره الكفرون } إخلاصكم منه.
[40.15]
{ رفيع الدرجت } أي الله عظيم الصفات، أو رافع درجات المؤمنين في الجنة { ذو العرش } خالقه { يلقى الروح } الوحي { من أمره } أي قوله { على من يشاء من عباده لينذر } يخوف الملقى عليه الناس { يوم التلاق } بحذف الياء وإثباتها يوم القيامة لتلاقي أهل السماء والأرض،والعابد والمعبود، والظالم والمظلوم فيه.
[40.16]
{ يوم هم برزون } خارجون من قبورهم { لا يخفى على الله منهم شىء لمن الملك اليوم } يقوله تعالى:ويجيب نفسه { لله الواحد القهار } أي لخالقه.
[40.17]
{ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب } يحاسب جميع الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك.
[40.18]
{ وأنذرهم يوم الأزفة } يوم القيامة من أزف الرحيل قرب { إذ القلوب } ترتفع خوفا { لدى } عند { الحناجر كظمين } ممتلئين غما حال من القلوب عوملت بالجمع بالياء والنون معاملة أصحابها { ما للظلمين من حميم } محب { ولا شفيع يطاع } لا مفهوم للوصف إذ لا شفيع لهم أصلا «فما لنا من شافعين» أو: له مفهوم بناء على زعمهم أن لهم شفعاء، أي لو شفعوا فرضا لم يقبلوا.
[40.19]
{ يعلم } أي الله { خائنة الأعين } بمسارقتها النظر إلى محرم { وما تخفى الصدور } القلوب.
[40.20]
{ والله يقضى بالحق والذين يدعون } يعبدون أي كفار مكة بالياء والتاء { من دونه } وهم الأصنام { لا يقضون بشىء } فكيف يكونون شركاء الله { إن الله هو السميع } لأقوالهم { البصير } بأفعالهم.
[40.21]
{ أولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم } وفي قراءة منكم { قوة وءاثارا فى الأرض } من مصانع وقصور { فأخذهم الله } أهلكهم { بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق } عذابه؟.
[40.22]
{ ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينت } بالمعجزات الظاهرات { فكفروا فأخذهم الله إنه قوى شديد العقاب }.
[40.23]
{ ولقد أرسلنا موسى بآيتنا وسلطن مبين } برهان بين ظاهر.
[40.24]
{ إلى فرعون وهمن وقرون فقالوا } هو { سحر كذاب }.
[40.25]
{ فلما جاءهم بالحق } بالصدق { من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين ءامنوا معه واستحيوا } استبقوا { نساءهم وما كيد الكفرين إلا فى ضلل } هلاك.
[40.26]
{ وقال فرعون ذرونى أقتل موسى } لأنهم كانوا يكفونه عن قتله { وليدع ربه } ليمنعه مني { إنى أخاف أن يبدل دينكم } من عبادتكم إياي فتتبعونه { أوأن يظهر فى الأرض الفساد } من قتل وغيره، وفي قراءة: وأن، وفي أخرى بفتح الياء والهاء وضم الدال.
[40.27]
{ وقال موسى } لقومه وقد سمع ذلك { إنى عذت بربى وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب }.
[40.28]
{ وقال رجل مؤمن من ءال فرعون } قيل: هو ابن عمه { يكتم إيمنه أتقتلون رجلا أن } أي لأن { يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينت } بالمعجزات الظاهرات { من ربكم وإن يك كذبا فعليه كذبه } أي ضرر كذبه { وإن يك صادقا يصبكم بعض الذى يعدكم } به من العذاب عاجلا { إن الله لا يهدى من هو مسرف } مشرك { كذاب } مفتر.
[40.29]
{ يقوم لكم الملك اليوم ظهرين } غالبين حال { فى الأرض } أرض مصر { فمن ينصرنا من بأس الله } عذابه إن قتلتم أولياءه { إن جاءنا } أي لا ناصر لنا { قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى } أي ما أشير عليكم إلا بما أشير به على نفسي وهو قتل موسى { وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } طريق الصواب.
[40.30]
{ وقال الذى ءامن يقوم إنى أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب } أي يوم حزب بعد حزب.
[40.31]
{ مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم } مثل بدل من مثل قبله، أي مثل جزاء عادة من كفر قبلكم من تعذيبهم في الدنيا { وما الله يريد ظلما للعباد }.
[40.32]
{ ويقوم إنى أخاف عليكم يوم التناد } بحذف الياء وإثباتها أي يوم القيامة يكثر فيه نداء أصحاب الجنة أصحاب النار وبالعكس، والنداء بالسعادة لأهلها وبالشقاوة لأهلها وغير ذلك.
[40.33]
{ يوم تولون مدبرين } عن موقف الحساب إلى النار { ما لكم من الله } أي من عذابه { من عاصم } مانع { ومن يضلل الله فما له من هاد }.
[40.34]
{ ولقد جاءكم يوسف من قبل } أي من قبل موسى وهو يوسف بن يعقوب في قول عمر إلى زمن موسى، أو يوسف بن إبراهيم بن يعقوب في قول { بالبينت } بالمعجزات الظاهرات { فما زلتم فى شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم } من غير برهان { لن يبعث الله من بعده رسولا } أي فلن تزالوا كافرين بيوسف وغيره { كذلك } أي مثل إضلالكم { يضل الله من هو مسرف } مشرك { مرتاب } شاك فيما شهدت به البينات.
[40.35]
{ الذين يجدلون فى ءايت الله } معجزاته مبتدأ { بغير سلطن } برهان { أتهم كبر } جدالهم خبر المبتدأ { مقتا عند الله وعند الذين ءامنوا كذلك } أي مثل إضلالهم { يطبع } يختم { الله } بالضلال { على كل قلب متكبر جبار } بتنوين «قلب» ودونه، ومتى تكبر القلب تكبر صاحبه وبالعكس و كل على القراءتين لعموم الضلال جميع القلوب لا لعموم القلب.
[40.36]
{ وقال فرعون يهمن ابن لى صرحا } بناء عاليا { لعلى أبلغ الأسبب }.
[40.37]
{ أسبب السموات } طرقها الموصلة إليها { فأطلع } بالرفع عطفا على «أبلغ» وبالنصب جوابا لابن { إلى إله موسى وإنى لأظنه } أي موسى { كذبا } في أن له إلها غيري قال فرعون ذلك تمويها { وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل } طريق الهدى بفتح الصاد وضمها { وما كيد فرعون إلا فى تباب } خسار.
[40.38]
{ وقال الذى ءامن يقوم اتبعون } بإثبات الياء وحذفها { أهدكم سبيل الرشاد } تقدم.
[40.39]
{ يقوم إنما هذه الحيوة الدنيا متع } تمتع يزول { وإن الأخرة هى دار القرار }.
[40.40]
{ من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صلحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة } بضم الياء وفتح الخاء وبالعكس { يرزقون فيها بغير حساب } رزقا واسعا بغير تبعة.
[40.41]
{ ويقوم ما لى أدعوكم إلى النجوة وتدعوننى إلى النار }.
[40.42]
{ تدعوننى لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لى به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز } الغالب على أمره { الغفار } لمن تاب.
[40.43]
{ لا جرم } حقا { أنما تدعوننى إليه } لأعبده { ليس له دعوة } أي استجابة دعوة { فى الدنيا ولا فى الأخرة وأن مردنا } مرجعنا { إلى الله وأن المسرفين } الكافرين { هم أصحب النار }.
[40.44]
{ فستذكرون } إذا عاينتم العذاب { ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد } قال ذلك لما توعدوه بمخالفتة دينهم.
[40.45]
{ فوقه الله سيئات ما مكروا } به من القتل { وحاق } نزل { بئال فرعون } قومه معه { سوء العذاب } الغرق.
[40.46]
ثم { النار يعرضون عليها } يحرقون بها { غدوا وعشيا } صباحا ومساء { ويوم تقوم الساعة } يقال { أدخلوا } يا { ءال فرعون } وفي قراءة بفتح الهمزة وكسر الخاء أمر للملائكة { أشد العذاب } عذاب جهنم.
[40.47]
{ و } اذكر { إذ يتحاجون } يتخاصم الكفار { فى النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا } جمع تابع { فهل أنتم مغنون } دافعون { عنا نصيبا } جزءا { من النار }.
[40.48]
{ قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد } فأدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار.
[40.49]
{ وقال الذين فى النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما } أي قدر يوم { من العذاب }.
[40.50]
{ قالوا } أي الخزنة تهكما { أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينت } بالمعجزات الظاهرات { قالوا بلى } أي فكفروا بهم { قالوا فادعوا } أنتم فإنا لا نشفع للكافرين. قال تعالى { وما دعاء الكفرين إلا فى ضلل } انعدام.
[40.51]
{ إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا فى الحيوة الدنيا ويوم يقوم الأشهد } جمع شاهد، وهم الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ وعلى الكفار بالتكذيب.
[40.52]
{ يوم لا ينفع } بالياء والتاء { الظلمين معذرتهم } عذرهم لو اعتذروا { ولهم اللعنة } أي البعد من الرحمة { ولهم سوء الدار } الآخرة أي شدة عذابها.
[40.53]
{ ولقد ءاتينا موسى الهدى } التوراة والمعجزات { وأورثنا بنى إسرءيل } من بعد موسى { الكتب } التوراة.
[40.54]
{ هدى } هاديا { وذكرى لأولى الألبب } تذكرة لأصحاب العقول.
[40.55]
{ فاصبر } يا محمد { إن وعد الله } بنصر أوليائه { حق } وأنت ومن تبعك منهم { واستغفر لذنبك } ليستن بك { وسبح } صل متلبسا { بحمد ربك بالعشى } وهو من بعد الزوال { والإبكر } الصلوات الخمس.
[40.56]
{ إن الذين يجدلون فى ءايت الله } القرآن { بغير سلطن } برهان { أتهم إن } ما { فى صدورهم إلا كبر } تكبر وطمع أن يعلوا عليك { ما هم ببلغيه فاستعذ } من شرهم { بالله إنه هو السميع } لأقوالهم { البصير } بأحوالهم.
[40.57]
ونزل في منكري البعث { لخلق السموات والأرض } ابتداء { أكبر من خلق الناس } مرة ثانية وهي الإعادة { ولكن أكثر الناس } أي كفار مكة { لا يعلمون } ذلك فهم كالأعمى ومن يعلمه كالبصير.
[40.58]
{ وما يستوى الأعمى والبصير } لا { الذين ءامنوا وعملوا الصلحات } وهو المحسن { ولا المسىء } فيه زيادة لا { قليلا ما تتذكرون } يتعظون بالياء والتاء، أي تذكرهم قليل جدا.
[40.59]
{ إن الساعة لأتية لا ريب } شك { فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } بها.
[40.60]
{ وقال ربكم ادعونى أستجب لكم } أي اعبدوني أثبكم بقرينة ما بعده { إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون } بفتح الياء وضم الخاء وبالعكس { جهنم دخرين } صاغرين.
[40.61]
{ الله الذى جعل لكم اليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا } إسناد الإبصار إليه مجازي لأنه يبصر فيه { إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } الله فلا يؤمنون.
[40.62]
{ ذلكم الله ربكم خلق كل شىء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون }؟ فكيف تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان؟.
[40.63]
{ كذلك يؤفك } أي مثل إفك هؤلاء إفك { الذين كانوا بئايت الله } معجزاته { يجحدون }.
[40.64]
{ الله الذى جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء } سقفا { وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبت ذلكم الله ربكم فتبرك الله رب العلمين }.
[40.65]
{ هو الحى لا إله إلا هو فادعوه } اعبدوه { مخلصين له الدين } من الشرك { الحمد لله رب العلمين }.
[40.66]
{ قل إنى نهيت أن أعبد الذين تدعون } تعبدون { من دون الله لما جاءنى البينت } دلائل التوحيد { من ربى وأمرت أن أسلم لرب العلمين }.
[40.67]
{ هو الذى خلقكم من تراب } بخلق أبيكم آدم منه { ثم من نطفة } مني { ثم من علقة } دم غليظ { ثم يخرجكم طفلا } بمعنى أطفالا { ثم } يبقيكم { لتبلغوا أشدكم } تكامل قوتكم من الثلاثين سنة إلى الأربعين { ثم لتكونوا شيوخا } بضم الشين وكسرها { ومنكم من يتوفى من قبل } أي قبل الأشد والشيخوخة، فعل ذلك بكم لتعيشوا { ولتبلغوا أجلا مسمى } وقتا محدودا { ولعلكم تعقلون } دلائل التوحيد فتؤمنون.
[40.68]
{ هو الذى يحي ويميت فإذا قضى أمرا } أراد إيجاد شيء { فإنما يقول له كن فيكون } بضم النون وفتحها بتقدير أن أي يوجد عقب الإرادة التي هي معنى القول المذكور.
[40.69]
{ ألم تر إلى الذين يجدلون فى ءايت الله } القرآن { أنى } كيف { يصرفون } عن الإيمان.
[40.70]
{ الذين كذبوا بالكتب } القرآن { وبما أرسلنا به رسلنا } من التوحيد والبعث وهم كفار مكة { فسوف يعلمون } عقوبة تكذيبهم.
[40.71]
{ إذ الأغلل فى أعنقهم } إذ بمعنى إذا { والسلسل } عطف على الأغلال فتكون في الأعناق، أو مبتدأ خبره محذوف أي في أرجلهم أو خبره { يسحبون } أي يجرون بها.
[40.72]
{ فى الحميم } أي جهنم { ثم فى النار يسجرون } يوقدون.
[40.73]
{ ثم قيل لهم } تبكيتا { أين ما كنتم تشركون }.
[40.74]
{ من دون الله } معه؟ وهي الأصنام { قالوا ضلوا } غابوا { عنا } فلا نراهم { بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا } أنكروا عبادتهم إياها ثم أحضرت قال تعالى:
إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم
[98:21] أي وقودها { كذلك } أي مثل إضلال هؤلاء المكذبين { يضل الله الكفرين }.
[40.75]
ويقال لهم أيضا: { ذلكم } العذاب { بما كنتم تفرحون فى الأرض بغير الحق } من الإشراك وإنكار البعث { وبما كنتم تمرحون } تتوسعون في الفرح.
[40.76]
{ ادخلوا أبوب جهنم خلدين فيها فبئس مثوى } مأوى { المتكبرين }.
[40.77]
{ فاصبر إن وعد الله } بعذابهم { حق فإما نرينك } فيه إن الشرطية مدغمة، و ما زائدة تؤكد معنى الشرط أول الفعل والنون تؤكد آخره { بعض الذى نعدهم } به من العذاب في حياتك و جواب الشرط محذوف أي فذاك { أو نتوفينك } قبل تعذيبهم { فإلينا يرجعون } فنعذبهم أشد العذاب، فالجواب المذكور للمعطوف فقط.
[40.78]
{ ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك } روي أنه تعالى بعث ثمانية آلاف نبي: أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس { وما كان لرسول } منهم { أن يأتي بئاية إلا بإذن الله } لأنهم عبيد مربوبون { فإذا جاء أمر الله } بنزول العذاب على الكفار { قضى } بين الرسل ومكذبيها { بالحق وخسر هنالك المبطلون } أي ظهر القضاء والخسران للناس وهم خاسرون في كل وقت قبل ذلك.
[40.79]
{ الله الذى جعل لكم الأنعم } قيل الإبل خاصة هنا والظاهر والبقر والغنم { لتركبوا منها ومنها تأكلون }.
[40.80]
{ ولكم فيها منفع } من الدر والنسل والوبر الصوف { ولتبلغوا عليها حاجة فى صدوركم } هي حمل الأثقال إلى البلاد { وعليها } في البر { وعلى الفلك } السفن في البحر { تحملون }.
[40.81]
{ ويريكم ءايته فأى ءايت الله } الدالة على وحدانيته { تنكرون } استفهام توبيخ، وتذكير أي أشهر من تأنيثه.
[40.82]
{ أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وءاثارا فى الأرض } من مصانع وقصور { فمآ أغنى عنهم ما كانوا يكسبون }.
[40.83]
{ فلما جاءتهم رسلهم بالبينت } المعجزات الظاهرات { فرحوا } أي الكفار { بما عندهم } أي الرسل { من العلم } فرح استهزاء وضحك منكرين له { وحاق } نزل { بهم ما كانوا به يستهزءون } أي العذاب.
[40.84]
{ فلما رأوا بأسنا } أي شدة عذابنا { قالوا ءامنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين }.
[40.85]
{ فلم يك ينفعهم إيمنهم لما رأوا بأسنا سنت الله } نصبه على المصدر بفعل مقدر من لفظه { التى قد خلت فى عباده } في الأمم أن لا ينفعهم الإيمان وقت نزول العذاب { وخسر هنالك الكفرون } تبين خسرانهم لكل أحد وهم خاسرون في كل وقت قبل ذلك.
[41 - سورة فصلت]
[41.1]
{ حم } الله أعلم بمراده به.
[41.2]
{ تنزيل من الرحمن الرحيم } مبتدأ.
[41.3]
{ كتب } خبره { فصلت ءايته } بينت بالأحكام والقصص والمواعظ { قرءانا عربيا } حال من كتاب بصفته { لقوم } متعلق بفصلت { يعلمون } يفهمون ذلك، وهم العرب.
[41.4]
{ بشيرا } صفة قرآنا { ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون } سماع قبول.
[41.5]
{ وقالوا } للنبي { قلوبنا فى أكنة } أغطية { مما تدعونا إليه وفى ءاذاننا وقر } ثقل { ومن بيننا وبينك حجاب } خلاف في الدين { فاعمل } على دينك { إننا عملون } على ديننا.
[41.6]
{ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله وحد فاستقيموا إليه } بالإيمان والطاعة { واستغفروه وويل } كلمة عذاب { للمشركين }.
[41.7]
{ الذين لا يؤتون الزكوة وهم بالأخرة هم } تأكيد { كفرون }.
[41.8]
{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت لهم أجر غير ممنون } مقطوع.
[41.9]
{ قل أئنكم } بتحقيق الهمزة الثانية وتسهيلها وإدخال ألف بينهما بوجهيها وبين الأولى { لتكفرون بالذى خلق الأرض فى يومين } الأحد والاثنين { وتجعلون له أندادا } شركاء { ذلك رب } مالك { العلمين } جمع عالم وهو ما سوى الله وجمع لاختلاف أنواعه بالياء والنون تغليبا للعقلاء.
[41.10]
{ وجعل } مستأنف ولا يجوز عطفه على صلة الذي للفاصل الأجنبي { فيها رواسى } جبالا ثوابت { من فوقها وبرك فيها } بكثرة المياه والزروع والضروع { وقدر } قسم { فيها أقوتها } للناس والبهائم { فى } تمام { أربعة أيام } أي الجعل وما ذكر معه في يوم الثلاثاء والأربعاء { سوآء } منصوب على المصدر، أي استوت الأربعة استواء لا تزيد ولا تنقص { للسائلين } عن خلق الأرض بما فيها.
[41.11]
{ ثم استوى } قصد { إلى السماء وهى دخان } بخار مرتفع { فقال لها وللأرض ائتيا } إلى مرادي منكما { طوعا أو كرها } في موضع الحال، أي طائعتين أو مكرهتين { قالتا أتينا } بمن فينا { طائعين } فيه تغليب المذكر العاقل أو نزلتا لخطابهما منزلته.
[41.12]
{ فقضهن } الضمير يرجع إلى السماء لأنها في معنى الجمع الآيلة إليه، أي صيرها { سبع سموات فى يومين } الخميس والجمعة فرغ منها في آخر ساعة منه وفيه خلق آدم ولذلك لم يقل هنا سواء، ووافق ما هنا آيات خلق السموات والأرض في ستة أيام { وأوحى فى كل سماء أمرها } الذي أمر به من فيها من الطاعة والعبادة { وزينا السماء الدنيا بمصبيح } بنجوم { وحفظا } منصوب بفعله المقدر: أي حفظناها من استراق الشياطين السمع بالشهب { ذلك تقدير العزيز } في ملكه { العليم } بخلقه.
[41.13]
{ فإن أعرضوا } أي كفار مكة عن الإيمان بعد هذا البيان { فقل أنذرتكم } خوفتكم { صعقة مثل صعقة عاد وثمود } أي عذابا يهلككم مثل الذي أهلكهم.
[41.14]
{ إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم } أي مقبلين عليهم ومدبرين عنهم فكفروا كما سيأتي، والإهلاك في زمنه فقط { أ } ن أي بأن { لا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل } علينا { ملئكة فإنا بما أرسلتم به } على زعمكم { كفرون }.
[41.15]
{ فأما عاد فاستكبروا فى الأرض بغير الحق وقالوا } لما خوفوا بالعذاب { من أشد منا قوة } أي لا أحد، كان وأحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل يجعلها حيث يشاء { أو لم يروا } يعلموا { أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بئايتنا } المعجزات { يجحدون }.
[41.16]
{ فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا } باردة شديدة الصوت بلا مطر { فى أيام نحسات } بكسر الحاء وسكونها مشؤومات عليهم { لنذيقهم عذاب الخزى } الذل { في الحيوة الدنيا ولعذاب الأخرة أخزى } أشد { وهم لا ينصرون } بمنعه عنهم.
[41.17]
{ وأما ثمود فهدينهم } بينا لهم طريق الهدى { فاستحبوا العمى } اختاروا الكفر { على الهدى فأخذتهم صعقة العذاب الهون } المهين { بما كانوا يكسبون }.
[41.18]
{ ونجينا } منها { الذين ءامنوا وكانوا يتقون } الله.
[41.19]
{ و } اذكر { يوم يحشر } بالياء والنون المفتوحة وضم الشين وفتح همزة { أعداء الله إلى النار فهم يوزعون } يساقون.
[41.20]
{ حتى إذا ما } زائدة { جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصرهم وجلودهم بما كانوا يعملون }.
[41.21]
{ وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شىء } أي أراد نطقه { وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون } قيل: هو من كلام الجلود، وقيل: هو من كلام الله تعالى كالذي بعده وموقعه قريب مما قبله بأن القادر على إنشائكم ابتداء وإعادتكم بعد الموت أحياء قادر على إنطاق جلودكم وأعضائكم.
[41.22]
{ وما كنتم تستترون } عن ارتكابكم الفواحش من { أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصركم ولا جلودكم } لأنكم لم توقنوا بالبعث { ولكن ظننتم } عند استتاركم { أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون }.
[41.23]
{ وذلكم } مبتدأ { ظنكم } بدل منه { الذى ظننتم بربكم } نعت البدل، والخبر { أردكم } أي أهلككم { فأصبحتم من الخسرين }.
[41.24]
{ فإن يصبروا } على العذاب { فالنار مثوى } فنزل { لهم وإن يستعتبوا } يطلبوا العتبى، أي الرضا { فما هم من المعتبين } المرضيين.
[41.25]
{ وقيضنا } سببنا { لهم قرناء } من الشياطين { فزينوا لهم ما بين أيديهم } من أمر الدنيا واتباع الشهوات { وما خلفهم } من أمر الآخرة بقولهم لا بعث ولا حساب { وحق عليهم القول } بالعذاب وهو
لأملأن جهنم
[119:11] الآية { فى } جملة { أمم قد خلت } هلكت { من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خسرين }.
[41.26]
{ وقال الذين كفروا } عند قراءة النبي صلى الله عليه وسلم { لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه } ائتوا باللغط ونحوه وصيحوا في زمن قراءته { لعلكم تغلبون } فيسكت عن القراءة.
[41.27]
قال الله تعالى فيهم: { فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذى كانوا يعملون } أي أقبح جزاء عملهم.
[41.28]
{ ذلك } العذاب الشديد وأسوأ الجزاء { جزاء أعداء الله } بتحقيق الهمزة الثانية وإبدالها واوا { النار } عطف بيان ل(لجزاء) المخبر به عن ذلك { لهم فيها دار الخلد } أي إقامة لا انتقال منها { جزاء } منصوب على المصدر بفعله المقدر { بما كانوا بئايتنا } القرآن { يجحدون }.
[41.29]
{ وقال الذين كفروا } في النار { ربنا أرنا الذين أضلنا من الجن والإنس } أي إبليس وقابيل سنا الكفر والقتل { نجعلهما تحت أقدامنا } في النار { ليكونا من الأسفلين } أي أشد عذابا منا.
[41.30]
{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقموا } على التوحيد وغيره مما وجب عليهم { تتنزل عليهم الملئكة } عند الموت { أن } بأن { لا تخافوا } من الموت وما بعده { ولا تحزنوا } على ما خلفتم من أهل وولد فنحن نخلفكم فيه { وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون }.
[41.31]
{ نحن أولياؤكم فى الحيوة الدنيا } أي نحفظكم فيها { وفي الأخرة } أي نكون معكم فيها حتى تدخلوا الجنة { ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون } تطلبون.
[41.32]
{ نزلا } رزقا مهيأ منصوب بجعل مقدرا { من غفور رحيم } أي الله.
[41.33]
{ ومن أحسن قولا } أي لا أحد أحسن قولا { ممن دعا إلى الله } بالتوحيد { وعمل صلحا وقال إننى من المسلمين }.
[41.34]
{ ولا تستوى الحسنة ولا السيئة } في جزاءاتهما، لأن بعضهما فوق بعض { ادفع } السيئة { بالتى } أي بالخصلة التي { هى أحسن } كالغضب بالصبر والجهل بالحلم والإساءة بالعفو { فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم } أي فيصير عدوك كالصديق القريب في محبته إذا فعلت ذلك، فالذي مبتدأ، و كأنه الخبر، و إذا ظرف لمعنى التشبيه.
[41.35]
{ وما يلقها } أي يؤتى الخصلة التي هي أحسن { إلا الذين صبروا وما يلقها إلا ذو حظ } ثواب { عظيم }.
[41.36]
{ وإما } فيه إدغام نون «إن» الشرطية في ما الزائدة { ينزغنك من الشيطن نزغ } أي يصرفك عن الخصلة وغيرها من الخير صارف { فاستعذ بالله } جواب الشرط وجواب الأمر محذوف، أي يدفعه عنك { إنه هو السميع } للقول { العليم } بالفعل.
[41.37]
{ ومن ءايته اليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذى خلقهن } أي الآيات الأربع { إن كنتم إياه تعبدون }.
[41.38]
{ فإن استكبروا } عن السجود لله وحده { فالذين عند ربك } أي فالملائكة { يسبحون } يصلون { له باليل والنهار وهم لا يسئمون } لا يملون.
[41.39]
{ ومن ءايته أنك ترى الأرض خشعة } يابسة لا نبات فيها { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت } تحركت { وربت } انتفخت وعلت { إن الذى أحياها لمحى الموتى إنه على كل شىء قدير }.
[41.40]
{ إن الذين يلحدون } من ألحد ولحد { فى ءايتنا } القرآن بالتكذيب { لا يخفون علينا } فنجازيهم { أفمن يلقى فى النار خير أم من يأتى ءامنا يوم القيمة عملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير } تهديد لهم.
[41.41]
{ إن الذين كفروا بالذكر } القرآن { لما جاءهم } نجازيهم { وإنه لكتب عزيز } منيع.
[41.42]
{ لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه } أي ليس قبله كتاب يكذبه ولا بعده { تنزيل من حكيم حميد } أي الله المحمود في أمره.
[41.43]
{ ما يقال لك } من التكذيب { إلا } مثل { ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة } للمؤمنين { وذو عقاب أليم } للكافرين.
[41.44]
{ ولو جعلنه } أي الذكر { قرءانا أعجميا لقالوا لولا } هلا { فصلت } بينت { ءايته } حتى نفهمها؟ { أ } قرآن { أعجمى و } نبي { عربى }؟ استفهام إنكار منهم بتحقيق الهمزة الثانية وقلبها ألفا بإشباع ودونه { قل هو للذين ءامنوا هدى } من الضلالة { وشفاء } من الجهل { والذين لا يؤمنون فى ءاذانهم وقر } ثقل فلا يسمعون { وهو عليهم عمى } فلا يفهمونه { أولئك ينادون من مكان بعيد } أي هم كالمنادى من مكان بعيد لا يسمع ولا يفهم ما ينادى به.
[41.45]
{ ولقد ءاتينا موسى الكتب } التوراة { فاختلف فيه } بالتصديق والتكذيب كالقرآن { ولولا كلمة سبقت من ربك } بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة { لقضي بينهم } في الدنيا فيما اختلفوا فيه { وإنهم } أي المكذبين به { لفى شك منه مريب } موقع في الريبة.
[41.46]
{ من عمل صلحا فلنفسه } عمل { ومن أساء فعليها } أي فضرر إساءته على نفسه { وما ربك بظلم للعبيد } أي بذي ظلم لقوله تعالى
إن الله لا يظلم مثقال ذرة
[40:4].
[41.47]
{ إليه يرد علم الساعة } متى تكون لا يعلمها غيره { وما تخرج من ثمرات } وفي قراءة ثمرة { من أكمامها } أوعيتها جمع كم بكسر الكاف إلا بعلمه { وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركءى قالوا ءاذنك } أعلمناك الآن { ما منا من شهيد } أي شاهد بأن لك شريكا.
[41.48]
{ وضل } غاب { عنهم ما كانوا يدعون } يعبدون { من قبل } في الدنيا من الأصنام { وظنوا } أيقنوا { ما لهم من محيص } مهرب من العذاب والنفي في الموضعين معلق عن العمل وجملة النفي سد مسد المفعولين.
[41.49]
{ لا يسئم الإنسن من دعاء الخير } أي لا يزال يسأل ربه المال والصحة وغيرهما { وإن مسه الشر } الفقر والشدة { فيئوس قنوط } من رحمة الله وهذا وما بعده في الكافر.
[41.50]
{ ولئن } لام قسم { أذقنه } آتيناه { رحمة } غنى وصحة { منا من بعد ضراء } شدة وبلاء { مسته ليقولن هذا لى } أي بعملي { وما أظن الساعة قائمة ولئن } لام قسم { رجعت إلى ربى إن لى عنده للحسنى } أي الجنة { فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ } شديد، واللام في الفعلين لام قسم.
[41.51]
{ وإذا أنعمنا على الإنسن } الجنس { أعرض } عن الشكر { ونئا بجانبه } ثنى عطفه متبخترا، وفي قراءة بتقديم الهمزة { وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } كثير.
[41.52]
{ قل أرءيتم إن كان } أي القرآن { من عند الله } كما قال النبي { ثم كفرتم به من } أي لا أحد { أضل ممن هو فى شقاق } خلاف { بعيد } عن الحق؟ أوقع هذا موقع منكم بيانا لحالهم.
[41.53]
{ سنريهم ءايتنا فى الأفاق } أقطار السموات والأرض من النيرات والنبات والأشجار { وفى أنفسهم } من لطيف الصنعة وبديع الحكمة { حتى يتبين لهم أنه } أي القرآن { الحق } المنزل من الله بالبعث والحساب والعقاب، فيعاقبون على كفرهم به وبالجائي به { أو لم يكف بربك } فاعل يكف { أنه على كل شىء شهيد } بدل منه، أي أو لم يكفهم في صدقك أن ربك لا يغيب عنه شيء ما؟
[41.54]
{ ألا إنهم فى مرية } شك { من لقاء ربهم } لإنكارهم البعث { ألا إنه } تعالى { بكل شىء محيط } علما وقدرة فيجازيهم بكفرهم.
[42 - سورة الشورى]
[42.1]
{ حم }.
[42.2]
{ عسق } الله أعلم بمراده به.
[42.3]
{ كذلك } أي مثل ذلك الإيحاء { يوحى إليك و } أوحى { إلى الذين من قبلك الله } فاعل الإيحاء { العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه.
[42.4]
{ له ما في السموات وما في الأرض } ملكا وخلقا وعبيدا { وهو العلى } على خلقه { العظيم } الكبير.
[42.5]
{ تكاد } بالتاء والياء { السموات يتفطرن } بالنون، وفي قراءة بالتاء والتشديد { من فوقهن } أي تنشق كل واحدة فوق التي تليها من عظمة الله تعالى { والملئكة يسبحون بحمد ربهم } أي ملابسين للحمد { ويستغفرون لمن فى الأرض } من المؤمنين { ألا إن الله هو الغفور } لأوليائه { الرحيم } بهم.
[42.6]
{ والذين اتخذوا من دونه } أي الأصنام { أولياء الله حفيظ } محص { عليهم } ليجازيهم { وما أنت عليهم بوكيل } تحصل المطلوب منهم
فإنما عليك البلغ.
[42.7]
{ وكذلك } مثل ذلك الإيحاء { أوحينا إليك قرءانا عربيا لتنذر } تخوف { أم القرى ومن حولها } أي أهل مكة وسائر الناس { وتنذر } الناس { يوم الجمع } أي يوم القيامة تجمع فيه الخلائق { لا ريب } شك { فيه فريق } منهم { فى الجنة وفريق فى السعير } النار.
[42.8]
{ ولو شاء الله لجعلهم أمة وحدة } أي على دين واحد، وهو الإسلام { ولكن يدخل من يشاء فى رحمته والظلمون } الكافرون { ما لهم من ولى ولا نصير } يدفع عنهم العذاب.
[42.9]
{ أم اتخذوا من دونه } أي الأصنام { أولياء } أم منقطعة بمعنى: بل التي للانتقال، والهمزة للإنكار أي ليس المتخذون أولياء { فالله هو الولى } أي الناصر للمؤمنين والفاء لمجرد العطف { وهو يحى الموتى وهو على كل شىء قدير }.
[42.10]
{ وما اختلفتم } مع الكفار { فيه من شىء } من الدين وغيره { فحكمه } مردود { إلى الله } يوم القيامة يفصل بينكم، قل لهم { ذلكم الله ربى عليه توكلت وإليه أنيب } أرجع.
[42.11]
{ فاطر السموات والأرض } مبدعهما { جعل لكم من أنفسكم أزواجا } حيث خلق حواء من ضلع آدم { ومن الأنعم أزوجا } ذكورا وإناثا { يذرؤكم } بالمعجمة يخلقكم { فيه } في الجعل المذكور، أي يكثركم بسببه بالتوالد والضمير للأناسي والأنعام بالتغليب { ليس كمثله شىء } الكاف زائدة لأنه تعالى لا مثل له { وهو السميع } لما يقال { البصير } لما يفعل.
[42.12]
{ له مقاليد السموات والأرض } أي مفاتيح خزائنهما من المطر والنبات وغيرهما { يبسط الرزق } يوسعه { لمن يشاء } امتحانا { ويقدر } يضيقه لمن يشاء ابتلاء { إنه بكل شىء عليم }.
[42.13]
{ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا } هو أول أنبياء الشريعة { والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } هذا هو المشروع الموصى به، والموحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو التوحيد { كبر } عظم { على المشركين ما تدعوهم إليه } من التوحيد { الله يجتبى إليه } إلى التوحيد { من يشاء ويهدى إليه من ينيب } يقبل إلى طاعته.
[42.14]
{ وما تفرقوا } أي أهل الأديان في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض { إلا من بعد ما جاءهم العلم } بالتوحيد { بغيا } من الكافرين { بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك } بتأخير الجزاء { إلى أجل مسمى } يوم القيامة { لقضي بينهم } بتعذيب الكافرين في الدنيا { وإن الذين أورثوا الكتب من بعدهم } وهم اليهود والنصارى { لفى شك منه } من محمد صلى الله عليه وسلم { مريب } موقع في الريبة.
[42.15]
{ فلذلك } التوحيد { فادع } يا محمد الناس { واستقم } عليه { كما أمرت ولا تتبع أهواءهم } في تركه { وقل ءامنت بما أنزل الله من كتب وأمرت لأعدل } أي بأن أعدل { بينكم } في الحكم { الله ربنا وربكم لنا أعملنا ولكم أعملكم } فكل يجازى بعمله { لا حجة } خصومة بأن أعدل { بيننا وبينكم } هذا قبل أن يؤمر بالجهاد { الله يجمع بيننا } في المعاد لفصل القضاء { وإليه المصير } المرجع.
[42.16]
{ والذين يحآجون فى } دين { الله } نبيه { من بعد ما استجيب له } بالإيمان لظهور معجزاته وهم اليهود { حجتهم داحضة } باطلة { عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد }.
[42.17]
{ الله الذى أنزل الكتب } القرآن { بالحق } متعلق بأنزل { والميزان } العدل { وما يدريك } يعلمك { لعل الساعة } أي إتيانها { قريب } ولعل معلق للفعل عن العمل، وما بعده سد مسد المفعولين.
[42.18]
{ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها } يقولون: متى تأتي؟ ظنا منهم أنها غير آتية { والذين ءامنوا مشفقون } خائفون { منها ويعلمون أنها الحق ألآ إن الذين يمارون } يجادلون { فى الساعة لفى ضلل بعيد }.
[42.19]
{ الله لطيف بعباده } برهم وفاجرهم، حيث لم يهلكهم جوعا بمعاصيهم { يرزق من يشآء } من كل منهم ما يشاء { وهو القوى } على مراده { العزيز } الغالب على أمره.
[42.20]
{ من كان يريد } بعمله { حرث الأخرة } أي: كسبها وهو الثواب { نزد له فى حرثه } بالتضعيف فيه الحسنة إلى العشر وأكثر [261:2] { ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها } بلا تضعيف ما قسم له { وما له فى الأخرة من نصيب }.
[42.21]
{ أم } بل { لهم } لكفار مكة { شركؤا } هم شياطينهم { شرعوا } أي الشركاء { لهم } للكفار { من الدين } الفاسد { ما لم يأذن به الله } كالشرك وإنكار البعث { ولولا كلمة الفصل } أي القضاء السابق بأن الجزاء في يوم القيامة { لقضي بينهم } وبين المؤمنين بالتعذيب لهم في الدنيا { وإن الظلمين } الكافرين { لهم عذاب أليم } مؤلم.
[42.22]
{ ترى الظلمين } يوم القيامة { مشفقين } خائفين { مما كسبوا } في الدنيا من السيئات أن يجازوا عليها { وهو } أي الجزاء عليها { واقع بهم } يوم القيامة لا محالة { والذين ءامنوا وعملوا الصلحت فى روضات الجنات } أنزهها بالنسبة إلى من دونهم { لهم ما يشآءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير }.
[42.23]
{ ذلك الذى يبشر } من البشارة مخففا ومثقلا { الله عباده الذين ءامنوا وعملوا الصلحت قل لا أسئلكم عليه } أي على تبليغ الرسالة { أجرا إلا المودة فى القربى } استثناء منقطع، أي لكن أسألكم أن تودوا قرابتي التي هي قرابتكم أيضا فإن له في كل بطن من قريش قرابة { ومن يقترف } يكتسب { حسنة } طاعة { نزد له فيها حسنا } بتضعيفها { إن الله غفور } للذنوب { شكور } للقليل فيضاعفه.
[42.24]
{ أم } بل { يقولون افترى على الله كذبا } بنسبة القرآن إلى الله تعالى { فإن يشإ الله يختم } يربط { على قلبك } بالصبر على آذاهم بهذا القول وغيره، وقد فعل { ويمح الله البطل } الذي قالوه { ويحق الحق } يثبته { بكلمته } المنزلة على نبيه { إنه عليم بذات الصدور } بما في القلوب.
[42.25]
{ وهو الذى يقبل التوبة عن عباده } منهم { ويعفوا عن السيئات } المتاب عنها { ويعلم ما تفعلون } بالياء والتاء.
[42.26]
{ ويستجيب الذين ءامنوا وعملوا الصلحت } يجيبهم إلى ما يسألون { ويزيدهم من فضله والكفرون لهم عذاب شديد }.
[42.27]
{ ولو بسط الله الرزق لعباده } جميعهم { لبغوا } جميعهم أي طغوا { فى الأرض ولكن ينزل } بالتخفيف وضده، من الأرزاق { بقدر ما يشاء } فيبسطها لبعض عباده دون بعض، وينشأ عن البسط البغي { إنه بعباده خبير بصير }.
[42.28]
{ وهو الذى ينزل الغيث } المطر { من بعد ما قنطوا } يئسوا من نزوله { وينشر رحمته } يبسط مطره { وهو الولى } المحسن للمؤمنين { الحميد } المحمود عندهم.
[42.29]
{ ومن ءايته خلق السموات والأرض } خلق { و ما بث } فرق ونشر { فيهما من دآبة } هي ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم { وهو على جمعهم } للحشر { إذا يشآء قدير } في الضمير تغليب العاقل على غيره.
[42.30]
{ ومآ أصبكم } خطاب للمؤمنين { من مصيبة } بلية وشدة { فبما كسبت أيديكم } أي كسبتم من الذنوب وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها { ويعفوا عن كثير } منها فلا يجازي عليه وهو تعالى أكرم من أن يثني الجزاء في الآخرة، أما غير المذنبين فما يصيبهم في الدنيا لرفع درجاتهم في الآخرة.
[42.31]
{ ومآ أنتم } يا مشركون { بمعجزين } الله هربا { فى الأرض } فتفوتونه { وما لكم من دون الله } أي غيره { من ولي ولا نصير } يدفع عذابه عنكم.
[42.32]
{ ومن ءايته الجوار } السفن { فى البحر كالأعلم } كالجبال في العظم.
[42.33]
{ إن يشأ يسكن الريح فيظللن } يصرن { رواكد } ثوابت لا تجري { على ظهره إن فى ذلك لأيت لكل صبار شكور } هو المؤمن يصبر في الشدة ويشكر في الرخاء.
[42.34]
{ أو يوبقهن } عطف على يسكن أي يغرقهن بعصف الريح بأهلهن { بما كسبوا } أي أهلهن من الذنوب { ويعف عن كثير } منها فلا يغرق أهله.
[42.35]
{ ويعلم } بالرفع مستأنف، وبالنصب معطوف على تعليل مقدر، أي يغرقهم لينتقم منهم ويعلم { الذين يجدلون فى ءايتنا ما لهم من محيص } مهرب من العذاب، وجملة النفي سدت مسد مفعولي يعلم والنفي معلق عن العمل.
[42.36]
{ فما أوتيتم } خطاب للمؤمنين وغيرهم { من شىء } من أثاث الدنيا { فمتع الحيوة الدنيا } يتمتع به فيها ثم يزول { وما عند الله } من الثواب { خير وأبقى للذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون } ويعطف عليهم.
[42.37]
{ والذين يجتنبون كبئر الإثم والفوحش } موجبات الحدود من عطف البعض على الكل { وإذا ما غضبوا هم يغفرون } يتجاوزون.
[42.38]
{ والذين استجابوا لربهم } أجابوه إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة { وأقاموا الصلوة } أداموها { وأمرهم } الذي يبدو لهم { شورى بينهم } يتشاورون فيه ولا يعجلون { ومما رزقنهم } أعطيناهم { ينفقون } في طاعة الله، ومن ذكر صنف:
[42.39]
{ والذين إذا أصابهم البغى } الظلم { هم ينتصرون } صنف، أي ينتقمون ممن ظلمهم بمثل ظلمه، كما قال تعالى:
[42.40]
{ سيئة سيئة مثلها } سميت الثانية سيئة لمشابهتها للأولى في الصورة، وهذا ظاهر فيما يقتص فيه من الجراحات، قال بعضهم: وإذا قال له أخزاك الله، فيجيبه: أخزاك الله { فمن عفا } عن ظالمه { وأصلح } الود بينه وبين المعفو عنه { فأجره على الله } أي إن الله يأجره لا محالة { إن الله لا يحب الظلمين } أي البادئين بالظلم فيرتب عليهم عقابه.
[42.41]
{ ولمن انتصر بعد ظلمه } أي ظلم الظالم إياه { فأولئك ما عليهم من سبيل } مؤاخذة.
[42.42]
{ إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون } يعملون { فى الأرض بغير الحق } بالمعاصي { أولئك لهم عذاب أليم } مؤلم.
[42.43]
{ ولمن صبر } فلم ينتصر { وغفر } تجاوز { إن ذلك } الصبر والتجاوز { لمن عزم الأمور } أي معزوماتها، بمعنى المطلوبات شرعا.
[42.44]
{ ومن يضلل الله فما له من ولى من بعده } أي أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه { وترى الظلمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد } إلى الدنيا { من سبيل } طريق؟
[42.45]
{ وتراهم يعرضون عليها } أي النار { خشعين } خائفين متواضعين { من الذل ينظرون } إليها { من طرف خفى } ضعيف النظر مسارقة، و من ابتدائية أو بمعنى الباء { وقال الذين ءامنوا إن الخسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيمة } بتخليدهم في النار وعدم وصولهم إلى الحور المعدة لهم في الجنة لو آمنوا، والموصول خبر إن { ألا إن الظلمين } الكافرين { فى عذاب مقيم } دائم هو من مقول الله تعالى.
[42.46]
{ وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله } أي غيره يدفع عذابه عنهم { ومن يضلل الله فما له من سبيل } طريق إلى الحق في الدنيا وإلى الجنة في الآخرة.
[42.47]
{ استجيبوا لربكم } أجيبوه بالتوحيد والعبادة { من قبل أن يأتى يوم } هو يوم القيامة { لا مرد له من الله } أي إنه إذا أتى به لا يرده. { ما لكم من ملجأ } تلجؤون إليه { يومئذ وما لكم من نكير } إنكار لذنوبكم.
[42.48]
{ فإن أعرضوا } عن الإجابة { فما أرسلنك عليهم حفيظا } تحفظ أعمالهم بأن توافق المطلوب منهم { إن } ما { عليك إلا البلغ } وهذا قبل الأمر بالجهاد [4:47] { وإنا إذا أذقنا الإنسن منا رحمة } نعمة كالغنى والصحة { فرح بها وإن تصبهم } الضمير للإنسان باعتبار الجنس { سيئة } بلاء { بما قدمت أيديهم } أي قدموه وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها { فإن الإنسن كفور } للنعمة.
[42.49]
{ لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء } من الأولاد { إنثا ويهب لمن يشاء الذكور }.
[42.50]
{ أو يزوجهم } أي يجعلهم { ذكرانا وإنثا ويجعل من يشاء عقيما } فلا يلد ولا يولد له { إنه عليم } بما يخلق { قدير } على ما يشاء.
[42.51]
{ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا } أن يوحي إليه { وحيا } في المنام أو بإلهام { أو } إلا { من وراء حجاب } بأن يسمعه كلامه ولا يراه كما وقع لموسى عليه السلام { أو } إلا أن { يرسل رسولا } ملكا كجبريل { فيوحى } الرسول إلى المرسل إليه أي يكلمه { بإذنه } أي الله { ما يشاء } الله { إنه على } عن صفات المحدثين { حكيم } في صنعه.
[42.52]
{ وكذلك } أي مثل إيحائنا إلى غيرك من الرسل { أوحينا إليك } يا محمد { روحا } هو القرآن به تحيا القلوب { من أمرنا } الذي نوحيه إليك { ما كنت تدرى } تعرف قبل الوحي إليك { ما الكتب } القرآن { ولا الإيمن } أي شرائعه ومعالمه والنفي معلق للفعل عن العمل وما بعده سد مسد المفعولين { ولكن جعلنه } أي الروح أو الكتاب { نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدى } تدعو بالوحي إليك { إلى صرط } طريق { مستقيم } دين الإسلام.
[42.53]
{ صرط الله الذى له ما فى السموات وما في الأرض } ملكا وخلقا وعبيدا { ألا إلى الله تصير الأمور } ترجع.
[43 - سورة الزخرف]
[43.1]
{ حم } الله أعلم بمراده به.
[43.2]
{ والكتب } القرآن { المبين } المظهر طريق الهدى وما يحتاج إليه من الشريعة.
[43.3]
{ إنا جعلنه } أوجدنا الكتاب { قرءنا عربيا } بلغة العرب { لعلكم } يا أهل مكة { تعقلون } تفهمون معانيه.
[43.4]
{ وإنه } مثبت { فى أم الكتب } أصل الكتب أي اللوح المحفوظ { لدينا } بدل عندنا { لعلى } على الكتب قبله { حكيم } ذو حكمة بالغة.
[43.5]
{ أفنضرب } نمسك { عنكم الذكر } القرآن { صفحا } إمساكا فلا تؤمرون ولا تنهون لأجل { أن كنتم قوما مسرفين } مشركين؟ لا.
[43.6]
{ وكم أرسلنا من نبي فى الأولين }.
[43.7]
{ وما يأتيهم } أتاهم { من نبى إلا كانوا به يستهزءون } كاستهزاء قومك بك وهذا تسلية له صلى الله عليه وسلم.
[43.8]
{ فأهلكنآ أشد منهم } من قومك { بطشا } قوة { ومضى } سبق في إثبات { مثل الأولين } صفتهم في الإهلاك فعاقبة قومك كذلك.
[43.9]
{ ولئن } لام قسم { سألتهم من خلق السموت والأرض ليقولن } حذف منه نون الرفع لتوالي النونات. وواو الضمير لالتقاء الساكنين { خلقهن العزيز العليم } آخر جوابهم اي الله ذو العزة والعلم،زاد تعالى:
[43.10]
{ الذى جعل لكم الأرض مهدا } فراشا كالمهد للصبي { وجعل لكم فيها سبلا } طرقا { لعلكم تهتدون } إلى مقاصدكم في أسفاركم.
[43.11]
{ والذى نزل من السمآء مآء بقدر } أي بقدر حاجتكم إليه ولم ينزله طوفانا { فأنشرنا } أحيينا { به بلدة ميتا كذلك } أي مثل هذا الإحياء { تخرجون } من قبوركم أحياء.
[43.12]
{ والذى خلق الأزوج } الأصناف { كلها وجعل لكم من الفلك } السفن { والأنعم } كالإبل { ما تركبون } حذف العائد اختصارا، وهو مجرور في الأول، أي فيه منصوب في الثاني.
[43.13]
{ لتستوا } لتستقروا { على ظهوره } ذكر الضمير وجمع الظهر نظرا للفظ ما ومعناها { ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحن الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } مطيقين.
[43.14]
{ وإنآ إلى ربنا لمنقلبون } لمنصرفون.
[43.15]
{ وجعلوا له من عباده جزءا } حيث قالوا الملائكة بنات الله لأن الولد جزء من الوالد، والملائكة من عباد الله تعالى { إن الإنسن } القائل ذلك { لكفور مبين } بين ظاهر الكفر.
[43.16]
{ أم } بمعنى همزة الإنكار والقول مقدر، أي أتقولون { اتخذ مما يخلق بنات } لنفسه { وأصفكم } أخلصكم { بالبنين }؟ اللازم من قولكم السابق فهو من جملة المنكر.
[43.17]
{ وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا } جعل له شبها بنسبة البنات إليه، لأن الولد يشبه الوالد، المعنى: إذا أخبر أحدهم بالبنت تولد له { ظل } صار { وجهه مسودا } متغيرا تغير مغتم { وهو كظيم } ممتلىء غما فكيف ينسب البنات إليه؟ تعالى عن ذلك.
[43.18]
{ أو } همزة الإنكار وواو العطف بجملة أي يجعلون لله { من ينشؤا فى الحلية } الزينة { وهو فى الخصام غير مبين } مظهر الحجة لضعفه عنها بالأنوثة؟
[43.19]
{ وجعلوا الملئكة الذين هم عبد الرحمن إنثا أشهدوا } حضروا { خلقهم ستكتب شهدتهم } بأنهم إناث { ويسئلون } عنها في الآخرة فيترتب عليها العقاب.
[43.20]
{ وقالوا لو شآء الرحمن ما عبدنهم } أي الملائكة فعبادتنا إياهم بمشيئته فهو راض بها. قال تعالى: { ما لهم بذلك } المقول من الرضا بعبادتها { من علم إن } ما { هم إلا يخرصون } يكذبون فيه فيترتب عليهم العقاب به.
[43.21]
{ أم ءاتينهم كتبا من قبله } أي القرآن بعبادة غير الله { فهم به مستمسكون } أي لم يقع ذلك.
[43.22]
{ بل قالوا إنا وجدنآ ءابآءنا على أمة } ملة { وإنا } ماشون { على ءاثرهم مهتدون } بهم وكانوا يعبدون غير الله.
[43.23]
{ وكذلك مآ أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوهآ } متنعموها مثل قول قومك { إنا وجدنآ ءابآءنا على أمة } ملة { وإنا على ءاثرهم مقتدون } متبعون.
[43.24]
{ قل } لهم { أ } تتبعون ذلك { ولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه ءابآءكم قالوا إنا بمآ أرسلتم به } أنت ومن قبلك { كفرون }.
[43.25]
قال تعالى تخويفا لهم { فانتقمنا منهم } أي من المكذبين للرسل قبلك { فانظر كيف كان عقبة المكذبين }.
[43.26]
{ و } اذكر { إذ قال إبرهيم لأبيه وقومه إننى برآء } أي بريء { مما تعبدون }.
[43.27]
{ إلا الذى فطرنى } خلقني { فإنه سيهدين } يرشدني لدينه.
[43.28]
{ وجعلها } أي كلمة التوحيد المفهومة من قوله
إنى ذاهب إلى ربى سيهدين
[99:37] { كلمة بقية فى عقبه } ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله { لعلهم } أي أهل مكة { يرجعون } عما هم عليه إلى دين إبراهيم أبيهم.
[43.29]
{ بل متعت هؤلآء } المشركين { وءابآءهم } ولم أعاجلهم بالعقوبة. { حتى جآءهم الحق } القرآن { ورسول مبين } مظهر لهم الأحكام الشرعية، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
[43.30]
{ ولما جآءهم الحق } القرآن { قالوا هذا سحر وإنا به كفرون }.
[43.31]
{ وقالوا لولا } هلا { نزل هذا القرءان على رجل من القريتين } من أية منهما { عظيم } أي الوليد بن المغيرة بمكة، أو عروة بن مسعود الثقفي بالطائف.
[43.32]
{ أهم يقسمون رحمت ربك } النبوة { نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحيوة الدنيا } فجعلنا بعضهم غنيا وبعضهم فقيرا { ورفعنا بعضهم } بالغنى { فوق بعض درجت ليتخذ بعضهم } الغني { بعضا } الفقير { سخريا } مسخرا في العمل له بالأجرة. والياء للنسب، وقرىء بكسر السين { ورحمت ربك } أي الجنة { خير مما يجمعون } في الدنيا.
[43.33]
{ ولولآ أن يكون الناس أمة وحدة } على الكفر { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم } بدل من لمن { سقفا } بفتح السين وسكون القاف، وبضمهما جمعا { من فضة ومعارج } كالدرج من فضة { عليها يظهرون } يعلون إلى السطح.
[43.34]
{ ولبيوتهم أبوبا } من فضة { و } جعلنا لهم { سررا } من فضة جمع سرير { عليها يتكئون }.
[43.35]
{ وزخرفا } ذهبا، المعنى: لولا خوف الكفر على المؤمن من إعطاء الكافر ما ذكر لأعطيناه ذلك لقلة خطر الدنيا عندنا وعدم حظه في الآخرة في النعيم { وإن } مخففة من الثقيلة { كل ذلك لما } بالتخفيف فما زائدة، وبالتشديد بمعنى إلا فإن نافية { متع الحيوة الدنيا } يتمتع به فيها ثم يزول { والأخرة } الجنة { عند ربك للمتقين }.
[43.36]
{ ومن يعش } يعرض { عن ذكر الرحمن } أي القرآن { نقيض } نسبب { له شيطنا فهو له قرين } لا يفارقه.
[43.37]
{ وإنهم } أي الشياطين { ليصدونهم } أي العاشين { عن السبيل } أي طريق الهدى { ويحسبون أنهم مهتدون } في الجمع رعاية معنى من.
[43.38]
{ حتى إذا جآءنا } العاشي بقرينه يوم القيامة { قال } له { يا } للتنبيه { ليت بيني وبينك بعد المشرقين } أي مثل بعد ما بين المشرق والمغرب { فبئس القرين } أنت لي.
[43.39]
قال تعالى: { ولن ينفعكم } أي العاشين تمنيكم وندمكم { اليوم إذ ظلمتم } أي تبين لكم ظلمكم. بالإشراك في الدنيا { أنكم } مع قرنائكم { فى العذاب مشتركون } عله بتقدير اللام لعدم النفع و إذ بدل من اليوم.
[43.40]
{ أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى ومن كان فى ضلل مبين } بين؟ أي فهم لا يؤمنون.
[43.41]
{ فإما } فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة { نذهبن بك } بأن نميتك قبل تعذيبهم { فإنا منهم منتقمون } في الآخرة.
[43.42]
{ أو نرينك } في حياتك { الذى وعدنهم } به من العذاب { فإنا عليهم } على عذابهم { مقتدرون } قادرون.
[43.43]
{ فاستمسك بالذى أوحى إليك } أي القرآن. { إنك على صرط } طريق { مستقيم }.
[43.44]
{ وإنه لذكر } لشرف { لك ولقومك } لنزوله بلغتهم { وسوف تسئلون } عن القيام بحقه.
[43.45]
{ وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنآ أجعلنا من دون الرحمن } أي غيره { ءالهة يعبدون } قيل هو على ظاهره بأن جمع له الرسل ليلة الإسراء ، وقيل المراد: أمم من أي أهل الكتابين، ولم يسأل على واحد من القولين لأن المراد من الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسول من الله ولا كتاب بعبادة غير الله.
[43.46]
{ ولقد أرسلنا موسى بئايتنآ إلى فرعون وملإيه } أي القبط { فقال إنى رسول رب العلمين }.
[43.47]
{ فلما جآءهم بئايتنآ } الدالة على رسالته { إذا هم منها يضحكون }.
[43.48]
{ وما نريهم من ءاية } من آيات العذاب كالطوفان، وهو ماء دخل بيوتهم ووصل إلى حلوق الجالسين سبعة أيام، والجراد { إلا هى أكبر من أختها } قرينتها التي قبلها { وأخذنهم بالعذاب لعلهم يرجعون } عن الكفر.
[43.49]
{ وقالوا } لموسى لما رأوا العذاب { يأيه الساحر } أي العالم الكامل لأن السحر عندهم علم عظيم { ادع لنا ربك بما عهد عندك } من كشف العذاب عنا إن آمنا { إننا لمهتدون } أي مؤمنون.
[43.50]
{ فلما كشفنا } بدعاء موسى { عنهم العذاب إذا هم ينكثون } ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم.
[43.51]
{ ونادى فرعون } افتخارا { فى قومه قال يقوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهر } أي من النيل { تجرى من تحتى } أي تحت قصوري؟ { أفلا تبصرون } عظمتي.
[43.52]
{ أم } تبصرون؟ وحينئذ { أنا خير من هذا } أي موسى { الذى هو مهين } ضعيف حقير { ولا يكاد يبين } يظهر كلامه للثغته بالجمرة التي تناولها في صغره.
[43.53]
{ فلولا } هلا { ألقى عليه } إن كان صادقا { أسورة من ذهب } جمع (أسورة) كأغربة جمع سوار. كعادتهم فيمن يسودونه أن يلبسوه أسورة ذهب ويطوقونه طوق ذهب { أو جآء معه الملئكة مقترنين } متتابعين يشهدون بصدقه.
[43.54]
{ فاستخف } استفز فرعون { قومه فأطاعوه } فيما يريد من تكذيب موسى { إنهم كانوا قوما فسقين }.
[43.55]
{ فلمآ ءاسفونا } أغضبونا { انتقمنا منهم فأغرقنهم أجمعين }.
[43.56]
{ فجعلنهم سلفا } جمع سالف كخادم وخدم: أي سابقين، عبرة { ومثلا للأخرين } بعدهم يتمثلون بحالهم فلا يقدمون على مثل أفعالهم.
[43.57]
{ ولما ضرب } جعل { ابن مريم مثلا } حين نزل قوله تعالى
إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم
[98:21] فقال المشركون: رضينا أن تكون آلهتنا مع عيسى لأنه عبد من دون الله { إذا قومك } أي المشركون { منه } من المثل { يصدون } يضحكون فرحا بما سمعوا .
[43.58]
{ وقالوا ءألهتنا خير أم هو } أي عيسى فنرضى أن تكون آلهتنا معه { ما ضربوه } أي المثل { لك إلا جدلا } خصومة بالباطل لعلمهم أن «ما» لغير العاقل فلا يتناول عيسى عليه السلام { بل هم قوم خصمون } شديدو الخصومة.
[43.59]
{ إن هو } ماعيسى { إلا عبد أنعمنا عليه } بالنبوة { وجعلنه } بوجوده من غير أب { مثلا لبنى إسرءيل } أي كالمثل لغرابته. يستدل به على قدرة الله تعالى على ما يشاء.
[43.60]
{ ولو نشآء لجعلنا منكم } بدلكم { ملئكة فى الأرض يخلفون } بأن نهلككم.
[43.61]
{ وإنه } أي عيسى { لعلم للساعة } تعلم بنزوله { فلا تمترن بها } أي تشكن فيها، حذف منه نون الرفع للجزم، وواو الضمير لالتقاء الساكنين { و } قل لهم { اتبعون } على التوحيد { هذا } الذي آمركم به { صرط } طريق { مستقيم }.
[43.62]
{ ولا يصدنكم } يصرفنكم عن دين الله { الشيطن إنه لكم عدو مبين } بين العداوة.
[43.63]
{ ولما جآء عيسى بالبينت } بالمعجزات والشرائع { قال قد جئتكم بالحكمة } بالنبوة وشرائع الإنجيل { ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه } من أحكام التوراة من أمر الدين وغيره فبين لهم أمر الدين { فاتقوا الله وأطيعون }.
[43.64]
{ إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه هذا صرط } طريق { مستقيم }.
[43.65]
{ فاختلف الأحزاب من بينهم } في عيسى. أهو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة؟ { فويل } كلمة عذاب { للذين ظلموا } كفروا بما قالوه في عيسى { من عذاب يوم أليم } مؤلم.
[43.66]
{ هل ينظرون } أي كفار مكة، أي ما ينتظرون { إلا الساعة أن تأتيهم } بدل من الساعة { بغتة } فجأة { وهم لا يشعرون } بوقت مجيئها قبله.
[43.67]
{ الأخلآء } على المعصية في الدنيا { يومئذ } يوم القيامة متعلق بقوله { بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } المتحابين في الله على طاعته فإنهم أصدقاء، ويقال لهم:
[43.68]
{ يعباد لا خوف عليكم اليوم ولآ أنتم تحزنون }.
[43.69]
{ الذين ءامنوا } نعت لعبادي { بئايتنا } القرآن { وكانوا مسلمين }.
[43.70]
{ ادخلوا الجنة أنتم } مبتدأ { وأزوجكم } زوجاتكم { تحبرون } تسرون وتكرمون، خبر المبتدأ.
[43.71]
{ يطاف عليهم بصحاف } بقصاع { من ذهب وأكواب } جمع كوب وهو إناء لا عروة له ليشرب الشارب من حيث شاء { وفيها ما تشتهيه الأنفس } تلذذا { وتلذ الأعين } نظرا { وأنتم فيها خلدون }.
[43.72]
{ وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون }.
[43.73]
{ لكم فيها فكهة كثيرة منها } أي بعضها { تأكلون } وكل ما يؤكل يخلف بدله.
[43.74]
{ إن المجرمين فى عذاب جهنم خلدون }.
[43.75]
{ لا يفتر } يخفف { عنهم وهم فيه مبلسون } ساكتون سكوت يأس.
[43.76]
{ وما ظلمنهم ولكن كانوا هم الظلمين }.
[43.77]
{ ونادوا يملك } هو خازن النار { ليقض علينا ربك } ليمتنا { قال } بعد ألف سنة { إنكم مكثون } مقيمون في العذاب دائما.
[43.78]
قال تعالى: { لقد جئنكم } أي أهل مكة { بالحق } على لسان الرسول { ولكن أكثركم للحق كرهون }.
[43.79]
{ أم أبرموا } أي كفار مكة: أحكموا { أمرا } في كيد محمد النبي صلى الله عليه وسلم { فإنا مبرمون } محكمون كيدنا في إهلاكهم.
[43.80]
{ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجوهم } ما يسرون إلى غيرهم وما يجهرون به بينهم { بلى } نسمع ذلك { ورسلنا } الحفظة { لديهم } عندهم { يكتبون } ذلك.
[43.81]
{ قل إن كان للرحمن ولد } فرضا { فأنا أول العبدين } للولد لكن ثبت أن لا ولد له تعالى، فانتفت عبادته.
[43.82]
{ سبحن رب السموت والأرض رب العرش } الكرسي { عما يصفون } يقولون من الكذب بنسبة الولد إليه.
[43.83]
{ فذرهم يخوضوا } في باطلهم { ويلعبوا } في دنياهم { حتى يلقوا يومهم الذى يوعدون } فيه العذاب وهو يوم القيامة.
[43.84]
{ وهو الذى } هو { فى السمآء إله } بتحقيق الهمزتين وإسقاط الأولى وتسهيلها كالياء. أي معبود { وفى الأرض إله } وكل من الظرفين متعلق بما بعده { وهو الحكيم } في تدبير خلقه { العليم } بمصالحهم.
[43.85]
{ وتبارك } تعظم { الذى له ملك السموت والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة } متى تقوم؟ { وإليه يرجعون } بالياء والتاء.
[43.86]
{ ولا يملك الذين يدعون } يعبدون، أي الكفار { من دونه } أي: من دون الله { الشفعة } لأحد { إلا من شهد بالحق } أي قال: لا إله إلا الله { وهم يعلمون } بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم. وهم: عيسى وعزير والملائكة، فإنهم يشفعون للمؤمنين.
[43.87]
{ ولئن } لام قسم { سألتهم من خلقهم ليقولن الله } حذف منه نون الرفع وواو الضمير { فأنى يؤفكون } يصرفون عن عبادة الله؟.
[43.88]
{ وقيله } أي قول محمد النبي صلى الله عليه وسلم. ونصبه على المصدر بفعله المقدر: أي وقال { يرب إن هؤلآء قوم لا يؤمنون }.
[43.89]
قال تعالى: { فاصفح } أعرض { عنهم وقل سلم } منكم. وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم [4:47] { فسوف تعلمون } بالتاء والياء تهديد لهم.
[44 - سورة الدخان]
[44.1]
{ حم } الله أعلم بمراده به.
[44.2]
{ والكتب } القرآن { المبين } المظهر الحلال من الحرام.
[44.3]
{ إنا أنزلنه فى ليلة مبركة } هي ليلة القدر أو ليلة النصف من شعبان، نزل فيها من أم الكتاب أي: اللوح المحفوظ من السماء السابعة إلى السماء الدنيا { إنا كنا منذرين } مخوفين به.
[44.4]
{ فيها } أي في ليلة القدر أو ليلة النصف من شعبان { يفرق } يفصل { كل أمر حكيم } محكم من الأرزاق والآجال وغيرهما التي تكون في السنة إلى مثل تلك الليلة.
[44.5]
{ أمرا } فرقا { من عندنا إنا كنا مرسلين } الرسل محمدا ومن قبله.
[44.6]
{ رحمة } رأفة بالمرسل إليهم { من ربك إنه هو السميع } لأقوالهم { العليم } بأفعالهم.
[44.7]
{ رب السموات والأرض وما بينهما } برفع رب خبر ثالث وبجره بدل من ربك { إن كنتم } يا أهل مكة { موقنين } بأنه تعالى رب السموات والأرض فأيقنوا بأن محمدا رسوله.
[44.8]
{ لا إله إلا هو يحى ويميت ربكم ورب ءابائكم الأولين }.
[44.9]
{ بل هم فى شك } من البعث { يلعبون } استهزاء بك يا محمد فقال: (اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف).
[44.10]
قال تعالى: { فارتقب } لهم { يوم تأتى السماء بدخان مبين } فأجدبت الأرض واشتد بهم الجوع إلى أن رأوا من شدته كهيئة الدخان بين السماء والأرض.
[44.11]
{ يغشى الناس } فقالوا { هذا عذاب أليم }.
[44.12]
{ ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون } مصدقون نبيك.
[44.13]
قال تعالى: { أنى لهم الذكرى } أي لا ينفعهم الإيمان عند نزول العذاب { وقد جاءهم رسول مبين } بين الرسالة.
[44.14]
{ ثم تولوا عنه وقالوا معلم } أي يعلمه القرآن بشر { مجنون }.
[44.15]
{ إنا كاشفوا العذاب } أي الجوع عنكم زمنا { قليلا } فكشف عنهم { إنكم عائدون } إلى كفركم فعادوا إليه.
[44.16]
اذكر { يوم نبطش البطشة الكبرى } هو يوم بدر { إنا منتقمون } منهم، والبطش الأخذ بقوة.
[44.17]
{ ولقد فتنا } بلونا { قبلهم قوم فرعون } معه { وجاءهم رسول } هو موسى عليه السلام { كريم } على الله تعالى.
[44.18]
{ أن } أي بأن { أدوا إلى } ما أدعوكم إليه من الإيمان، أي أظهروا إيمانكم بالطاعة لي يا { عباد الله إنى لكم رسول أمين } على ما أرسلت به.
[44.19]
{ وأن لا تعلوا } تتجبروا { على الله } بترك طاعته { إنى ءاتيكم بسلطن } برهان { مبين } بين على رسالتي فتوعدوه بالرجم.
[44.20]
فقال { وإنى عذت بربى وربكم أن ترجمون } بالحجارة.
[44.21]
{ وإن لم تؤمنوا لى } تصدقوني { فاعتزلون } فاتركوا أذاي فلم يتركوه.
[44.22]
{ فدعا ربه أن } أي بأن { هؤلاء قوم مجرمون } مشركون.
[44.23]
فقال تعالى: { فأسر } بقطع الهمزة ووصلها { بعبادى } بني إسرائيل { ليلا إنكم متبعون } يتبعكم فرعون وقومه.
[44.24]
{ واترك البحر } إذا قطعته أنت وأصحابك { رهوا } ساكنا منفرجا حتى يدخله القبط { إنهم جند مغرقون } فاطمأن بذلك فأغرقوا.
[44.25]
{ كم تركوا من جنت } بساتين { وعيون } تجري.
[44.26]
{ وزروع ومقام كريم } مجلس حسن.
[44.27]
{ ونعمة } متعة { كانوا فيها فكهين } ناعمين.
[44.28]
{ كذلك } خبر مبتدأ، أي الأمر { وأورثنها } أي أموالهم { قوما ءاخرين } أي بني إسرائيل.
[44.29]
{ فما بكت عليهم السماء والأرض } بخلاف المؤمنين يبكي عليهم بموتهم مصلاهم من الأرض ومصعد عملهم من السماء { وما كانوا منظرين } مؤخرين للتوبة.
[44.30]
{ ولقد نجينا بنى إسرءيل من العذاب المهين } قتل الأبناء واستخدام النساء.
[44.31]
{ من فرعون } قيل بدل من العذاب بتقدير مضاف، أي عذاب وقيل حال من العذاب { إنه كان عاليا من المسرفين }.
[44.32]
{ ولقد اخترنهم } أي بني إسرائيل { على علم } منا بحالهم { على العلمين } أي عالمي زمانهم العقلاء.
[44.33]
{ وءاتينهم من الأيت ما فيه بلؤا مبين } نعمة ظاهرة من فلق البحر والمن والسلوى وغيرها.
[44.34]
{ إن هؤلآء } أي كفار مكة { ليقولون }.
[44.35]
{ إن هى } ما الموتة التي بعدها الحياة { إلا موتتنا الأولى } أي وهم نطف { وما نحن بمنشرين } بمبعوثين أحياء بعد الثانية.
[44.36]
{ فأتوا بئابائنا } أحياء { إن كنتم صدقين } أنا نبعث بعد موتنا، أي نحيا.
[44.37]
{ أهم خير أم قوم تبع }؟ هو نبي أو رجل صالح { والذين من قبلهم } من الأمم { أهلكنهم } بكفرهم والمعنى ليسوا أقوى منهم وأهلكوا { إنهم كانوا مجرمين }.
[44.38]
{ وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين } بخلق ذلك حال.
[44.39]
{ ما خلقنهما } وما بينهما { إلا بالحق } أي محقين في ذلك ليستدل به على قدرتنا ووحدانيتنا وغير ذلك { ولكن أكثرهم } أي كفار مكة { لا يعلمون }.
[44.40]
{ إن يوم الفصل } يوم القيامة يفصل الله فيه بين العباد { ميقتهم أجمعين } للعذاب الدائم.
[44.41]
{ يوم لا يغنى مولى عن مولى } بقرابة أو صداقة، أي لا يدفع عنه { شيئا } من العذاب { ولا هم ينصرون } يمنعون منه، و يوم بدل من يوم الفصل.
[44.42]
{ إلا من رحم الله } وهم المؤمنون فإنه يشفع بعضهم لبعض بإذن الله { إنه هو العزيز } الغالب في انتقامه من الكفار { الرحيم } بالمؤمنين.
[44.43]
{ إن شجرت الزقوم } هي من أخبث الشجر المر بتهامة ينبتها الله تعالى في الجحيم.
[44.44]
{ طعام الأثيم } أبي جهل وأصحابه ذوي الإثم الكبير.
[44.45]
{ كالمهل } أي كدردي الزيت الأسود خبر ثان { يغلى فى البطون } بالفوقانية خبر ثالث وبالتحتانية حال من المهل.
[44.46]
{ كغلى الحميم } الماء الشديدة الحرارة.
[44.47]
{ خذوه } يقال للزبانية: خذوا الأثيم { فاعتلوه } بكسر التاء وضمها جروه بغلظة وشدة { إلى سواء الجحيم } وسط النار.
[44.48]
{ ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم } أي من الحميم الذي لا يفارقه العذاب فهو أبلغ مما في آية
يصب من فوق رءوسهم الحميم
[19:22].
[44.49]
يقال له: { ذق } أي العذاب { إنك أنت العزيز الكريم } بزعمك وقولك ما بين جبليها أعز وأكرم مني.
[44.50]
ويقال لهم: { إن هذا } الذي ترون من العذاب { ما كنتم به تمترون } فيه تشكون.
[44.51]
{ إن المتقين فى مقام } مجلس { أمين } يؤمن فيه الخوف.
[44.52]
{ في جنت } بساتين { وعيون }.
[44.53]
{ يلبسون من سندس وإستبرق } أي ما رق من الديباج وما غلظ منه { متقبلين } حال، أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض لدوران الأسرة بهم.
[44.54]
{ كذلك } يقدر قبله الأمر { وزوجنهم } من التزويج أو قرناهم { بحور عين } بنساء بيض واسعات الأعين حسانها.
[44.55]
{ يدعون } يطلبون الخدم { فيها } أي الجنة أن يأتوا { بكل فكهة } منها { ءامنين } من انقطاعها ومضرتها ومن كل مخوف حال.
[44.56]
{ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى } أي التي في الدنيا بعد حياتهم فيها، قال بعضهم إلا بمعنى بعد { ووقهم } ربهم { عذاب الجحيم }.
[44.57]
{ فضلا } مصدر بمعنى تفضلا منصوب بتفضل مقدرا { من ربك ذلك هو الفوز العظيم }.
[44.58]
{ فإنما يسرنه } سهلنا القرآن { بلسانك } بلغتك لتفهمه العرب منك { لعلهم يتذكرون } يتعظون فيؤمنون بك لكنهم لا يؤمنون.
[44.59]
{ فارتقب } انتظر هلاكهم { إنهم مرتقبون } هلاكك، وهذا قبل نزول الأمر بجهادهم [4:47].
[45 - سورة الجاثية]
[45.1]
{ حم } الله أعلم بمراده به.
[45.2]
{ تنزيل الكتب } القرآن مبتدأ { من الله } خبره { العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه.
[45.3]
{ إن فى السموات والأرض } أي في خلقهما { لأيت } دالة على قدرة الله تعالى ووحدانيته تعالى { للمؤمنين }.
[45.4]
{ وفى خلقكم } أي في خلق كل منكم من نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن صار إنسانا { و } خلق { ما يبث } يفرق في الأرض { من دابة } هي ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم { ءايت لقوم يوقنون } بالبعث.
[45.5]
{ و } في { اختلف اليل والنهار } ذهابهما ومجيئهما { وما أنزل الله من السماء من رزق } مطر لأنه سبب الرزق { فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الريح } تقليبها مرة جنوبا ومرة شمالا وباردة وحارة { ءايت لقوم يعقلون } الدليل فيؤمنون.
[45.6]
{ تلك } الآيات المذكورة { ءايت الله } حججه الدالة على وحدانيته { نتلوها } نقصها { عليك بالحق } متعلق ب «نتلو» { فبأى حديث بعد الله } أي حديثه وهو القرآن { وءايته } حججه { يؤمنون }؟ أي كفار مكة، أي لا يؤمنون وفي قراءة بالتاء.
[45.7]
{ ويل } كلمة عذاب { لكل أفاك } كذاب { أثيم } كثير الإثم.
[45.8]
{ يسمع ءايت الله } القرآن { تتلى عليه ثم يصر } على كفره { مستكبرا } متكبرا عن الإيمان { كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم } مؤلم.
[45.9]
{ وإذا علم من ءايتنا } أي القرآن { شيئا اتخذها هزوا } أي مهزوءا بها { أولئك } أي الأفاكون { لهم عذاب مهين } ذو إهانة.
[45.10]
{ من ورائهم } أي أمامهم لأنهم في الدنيا { جهنم ولا يغنى عنهم ما كسبوا } من المال والفعال { شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله } أي الأصنام { أولياء ولهم عذاب عظيم }.
[45.11]
{ هذا } أي القرآن { هدى } من الضلالة { والذين كفروا بئايت ربهم لهم عذاب } حظ { من رجز } أي عذاب { أليم } موجع.
[45.12]
{ الله الذى سخر لكم البحر لتجرى الفلك } السفن { فيه بأمره } بإذنه { ولتبتغوا } تطلبوا بالتجارة { من فضله ولعلكم تشكرون }.
[45.13]
{ وسخر لكم ما فى السموات } من شمس وقمر ونجوم وماء وغيره { وما فى الأرض } من دابة وشجر ونبات وأنهار وغيرها أي خلق ذلك لمنافعكم { جميعا } تأكيد { منه } حال، أي سخرها كائنة منه تعالى { إن فى ذلك لأيت لقوم يتفكرون } فيها فيؤمنون.
[45.14]
{ قل للذين ءامنوا يغفروا للذين لا يرجون } يخافون { أيام الله } وقائعه، أي اغفروا للكفار ما وقع منهم من الأذى لكم وهذا قبل الأمر بجهادهم [4:47] { ليجزى } أي الله وفي قراءة بالنون { قوما بما كانوا يكسبون } من الغفر للكفار أذاهم.
[45.15]
{ من عمل صلحا فلنفسه } عمل { ومن أساء فعليها } أساء { ثم إلى ربكم ترجعون } تصيرون فيجازي المصلح والمسيء.
[45.16]
{ ولقد ءاتينا بنى إسرءيل الكتب } التوراة { والحكم } به بين الناس { والنبوة } لموسى وهرون منهم { ورزقنهم من الطيبت } الحلالات كالمن والسلوى { وفضلنهم على العلمين } عالمي زمانهم العقلاء.
[45.17]
{ وءاتينهم بينت من الأمر } أمر الدين من الحرام والحلال وبعثة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام { فما اختلفوا } في بعثته { إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم } أي لبغي حدث بينهم حسدا له { إن ربك يقضى بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون }.
[45.18]
{ ثم جعلنك } يا محمد { على شريعة } طريقة { من الأمر } أمر الدين { فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } في عبادة غير الله.
[45.19]
{ إنهم لن يغنوا } يدفعوا { عنك من الله } من عذابه { شيئا وإن الظلمين } الكافرين { بعضهم أولياء بعض والله ولى المتقين } المؤمنين.
[45.20]
{ هذا } القرآن { بصائر للناس } معالم يتبصرون بها في الأحكام والحدود { وهدى ورحمة لقوم يوقنون } بالبعث.
[45.21]
{ أم } بمعنى همزة الإنكار { حسب الذين اجترحوا } اكتسبوا { السيئات } الكفر والمعاصي { أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصلحت سواء } خبر { محيهم وممتهم } مبتدأ ومعطوف والجملة بدل من الكاف والضميران للكفار، والمعنى: أحسبوا أن نجعلهم في الآخرة في خير كالمؤمنين أي في رغد من العيش مساو لعيشهم في الدنيا حيث قالوا للمؤمنين: لئن بعثنا لنعطى من الخير مثل ما تعطون؟ قال تعالى على وفق إنكاره بالهمزة: { ساء ما يحكمون } أي ليس الأمر كذلك فهم في الآخرة في العذاب على خلاف عيشهم في الدنيا والمؤمنون في الآخرة في الثواب بعملهم الصالحات في الدنيا من الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك و «ما» مصدرية أي بئس حكما حكمهم هذا.
[45.22]
{ وخلق الله السموات و } خلق { الأرض بالحق } متعلق بخلق ليدل على وحدانيته وقدرته { ولتجزى كل نفس بما كسبت } من المعاصي والطاعات فلا يساوي الكافر المؤمن { وهم لا يظلمون }.
[45.23]
{ أفرءيت } أخبرني { من اتخذ إلهه هواه } ما يهواه من حجر بعد حجر يراه أحسن { وأضله الله على علم } منه تعالى: أي عالما بأنه من أهل الضلالة قبل خلقه { وختم على سمعه وقلبه } فلم يسمع الهدى ولم يعقله { وجعل على بصره غشوة } ظلمة فلم يبصر الهدى، ويقدر هنا المفعول الثاني لرأيت أيهتدي؟ { فمن يهديه من بعد الله } أي بعد إضلاله إياه أي لا يهتدي { أفلا تذكرون } تتعظون؟ فيه إدغام إحدى التاءين في الذال.
[45.24]
{ وقالوا } أي منكروا البعث { ما هى } أي الحياة { إلا حياتنا } التي في { الدنيا نموت ونحيا } أي يموت بعض ويحيا بعض بأن يولدوا { وما يهلكنا إلا الدهر } أي مرور الزمان قال تعالى: { وما لهم بذلك } المقول { من علم إن } ما { هم إلا يظنون }.
[45.25]
{ وإذا تتلى عليهم ءايتنا } من القرآن الدالة على قدرتنا على البعث { بينت } واضحات حال { ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بئابائنا } أحياء { إن كنتم صدقين } أنا نبعث.
[45.26]
{ قل الله يحييكم } حين كنتم نطفا { ثم يميتكم ثم يجمعكم } أحياء { إلى يوم القيمة لا ريب } شك { فيه ولكن أكثر الناس } وهم القائلون ما ذكر { لا يعلمون }.
[45.27]
{ ولله ملك السموات والأرض ويوم تقوم الساعة } يبدل منه { يومئذ يخسر المبطلون } الكافرون أي يظهر خسرانهم بأن يصيروا إلى النار.
[45.28]
{ وترى كل أمة } أي أهل دين { جاثية } على الركب أو مجتمعة { كل أمة تدعى إلى كتبها } كتاب أعمالها ويقال لهم: { اليوم تجزون ما كنتم تعملون } أي جزاءه.
[45.29]
{ هذا كتبنا } ديوان الحفظة { ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ } نثبت ونحفظ { ما كنتم تعملون }.
[45.30]
{ فأما الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فيدخلهم ربهم فى رحمته } جنته { ذلك هو الفوز المبين } البين الظاهر.
[45.31]
{ وأما الذين كفروا } فيقال لهم: { أفلم تكن ءايتي } القرآن { تتلى عليكم فاستكبرتم } تكبرتم { وكنتم قوما مجرمين } كافرين؟
[45.32]
{ وإذا قيل } لكم أيها الكفار { إن وعد الله } بالبعث { حق والساعة } بالرفع والنصب { لا ريب } شك { فيها قلتم ما ندرى ما الساعة إن } ما { نظن إلا ظنا } قال المبرد: أصله إن نحن إلا نظن ظنا { وما نحن بمستيقنين } أنها آتية.
[45.33]
{ وبدا } ظهر { لهم } في الآخرة { سيئات ما عملوا } في الدنيا، أي جزاؤها { وحاق } نزل { بهم ما كانوا به يستهزءون } أي العذاب.
[45.34]
{ وقيل اليوم ننسكم } نترككم في النار { كما نسيتم لقآء يومكم هذا } أي تركتم العمل للقائه { ومأوكم النار وما لكم من نصرين } مانعين منه.
[45.35]
{ ذلكم بأنكم اتخذتم ءايت الله } القرآن { هزوا وغرتكم الحيوة الدنيا } حتى قلتم لا بعث ولا حساب { فاليوم لا يخرجون } بالبناء للفاعل وللمفعول { منها } من النار { ولا هم يستعتبون } أي لا يطلب منهم أن يرضوا ربهم بالتوبة والطاعة، لأنها لا تنفع يومئذ.
[45.36]
{ فلله الحمد } الوصف بالجميل على وفاء وعده في المكذبين { رب السموت ورب الأرض رب العلمين } خالق ما ذكر، والعالم ما سوى الله، وجمع لاختلاف أنواعه، و رب بدل.
[45.37]
{ وله الكبريآء } العظمة { في السموت والأرض } حال، أي كائنة فيهما { وهو العزيز الحكيم } تقدم.
[46 - سورة الأحقاف]
[46.1]
{ حم } الله أعلم بمراده به.
[46.2]
{ تنزيل الكتب } القرآن مبتدأ { من الله } خبره { العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه.
[46.3]
{ ما خلقنا السموات والأرض وما بينهمآ إلا } خلقا { بالحق } ليدل على قدرتنا ووحدانيتنا { وأجل مسمى } إلى فنائهما يوم القيامة { والذين كفروا عمآ أنذروا } خوفوا به من القرآن { معرضون }.
[46.4]
{ قل أرءيتم } أخبروني { ما تدعون } تعبدون { من دون الله } أي الأصنام مفعول أول { أرونى } أخبروني ما تأكيد { ماذا خلقوا } مفعول ثان { من الأرض } بيان ما { أم لهم شرك } مشاركة { فى } خلق { السموات } مع الله و أم بمعنى همزة الإنكار { ائتونى بكتب } منزل { من قبل هذآ } القرآن { أو أثرة } بقية { من علم } يؤثر عن الأولين بصحة دعواكم في عبادة الأصنام أنها تقربكم إلى الله { إن كنتم صدقين } في دعواكم.
[46.5]
{ ومن } استفهام بمعنى النفي أي لا أحد { أضل ممن يدعوا } يعبد { من دون الله } أي غيره { من لا يستجيب له إلى يوم القيمة } وهم الأصنام لا يجيبون عابديهم إلى شيء يسألونه أبدا { وهم عن دعآئهم } عبادتهم { غفلون } لأنهم جماد لا يعقلون.
[46.6]
{ وإذا حشر الناس كانوا } أي الأصنام { لهم } لعابديهم { أعدآء وكانوا بعبادتهم } بعبادة عابديهم { كفرين } جاحدين.
[46.7]
{ وإذا تتلى عليهم } أي أهل مكة { ءايتنا } القرآن { بينت } ظاهرات حال { قال الذين كفروا } منهم { للحق } أي القرآن { لما جآءهم هذا سحر مبين } بين ظاهر.
[46.8]
{ أم } بمعنى بل وهمزة الإنكار { يقولون افتراه } أي القرآن؟ { قل إن افتريته } فرضا { فلا تملكون لى من الله } أي من عذابه { شيئا } أي لا تقدرون على دفعه عني إذا عذبني الله { هو أعلم بما تفيضون فيه } تقولون في القرآن { كفى به } تعالى { شهيدا بينى وبينكم وهو الغفور } لمن تاب { الرحيم } به فلم يعاجلكم بالعقوبة.
[46.9]
{ قل ما كنت بدعا } بديعا { من الرسل } أي أول مرسل، قد سبق قبلي كثيرون منهم فكيف تكذبوني؟ { ومآ أدرى ما يفعل بى ولا بكم } في الدنيا أأخرج من بلدي، أم أقتل كما فعل بالأنبياء قبلي؟ أو ترموني بالحجارة؟ أم يخسف بكم كالمكذبين قبلكم { إن } ما { أتبع إلا ما يوحى إلى } أي القرآن، ولا أبتدع من عندي شيئا { ومآ أنا إلا نذير مبين } بين الإنذار.
[46.10]
{ قل أرءيتم } أخبروني ماذا حالكم { إن كان } أي القرآن { من عند الله وكفرتم به } جملة حالية { وشهد شاهد من بنى إسرءيل } هو عبد الله بن سلام { على مثله } أي عليه أنه من عند الله { فئامن } الشاهد { واستكبرتم } تكبرتم عن الإيمان. وجواب الشرط بما عطف عليه ألستم ظالمين؟ دل عليه { إن الله لا يهدى القوم الظلمين }.
[46.11]
{ وقال الذين كفروا للذين ءامنوا } أي في حقهم { لو كان } الإيمان { خيرا ما سبقونآ إليه وإذ لم يهتدوا } أي القائلون { به } أي القرآن { فسيقولون هذآ } أي القرآن { إفك } كذب { قديم }.
[46.12]
{ ومن قبله } أي القرآن { كتاب موسى } أي التوراة { إماما ورحمة } للمؤمنين به حالان { وهذا } أي القرآن { كتب مصدق } للكتب قبله { لسانا عربيا } حال من الضمير في مصدق { لينذر الذين ظلموا } مشركي مكة { و } هو { بشرى للمحسنين } المؤمنين .
[46.13]
{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقموا } على الطاعة { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }.
[46.14]
{ أولئك أصحب الجنة خلدين فيها } حال { جزآء } منصوب على المصدر بفعله المقدر أي يجزون { بما كانوا يعملون }.
[46.15]
{ ووصينا الإنسن بوالديه إحسنا } وفي قراءة إحسانا أي أمرناه أن يحسن إليهما، فنصب إحسانا على المصدر بفعله المقدر، ومثله حسنا { حملته أمه كرها ووضعته كرها } أي على مشقة { وحمله وفصله } من الرضاع { ثلاثون شهرا } ستة أشهر أقل مدة الحمل، والباقي أكثر مدة الرضاع. وقيل: إن حملت به ستة أو تسعة أرضعته الباقي { حتى } غاية لجملة مقدرة: أي وعاش حتى { إذا بلغ أشده } هو كمال قوته وعقله ورأيه: أقله ثلاث وثلاثون سنة أو ثلاثون { وبلغ أربعين سنة } أي تمامها وهو أكثر الأشد { قال رب } الخ نزل في أبي بكر الصديق لما بلغ أربعين سنة بعد سنتين من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم آمن به ثم آمن أبواه ثم ابنه عبد الرحمن وابن عبد الرحمن أبو عتيق { أوزعنى } ألهمني { أن أشكر نعمتك التى أنعمت } بها { على وعلى والدى } وهي التوحيد { وأن أعمل صلحا ترضه } فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله { وأصلح لى فى ذريتى } فكلهم مؤمنون { إنى تبت إليك وإنى من المسلمين }.
[46.16]
{ أولئك } أي قائلو هذا القول أبو بكر وغيره { الذين نتقبل عنهم أحسن } بمعنى حسن { ما عملوا ونتجاوز عن سيئتهم فى أصحب الجنة } حال أي كائنين في جملتهم { وعد الصدق الذى كانوا يوعدون } في قوله تعالى
وعد الله المؤمنين والمؤمنت جنت
[72:9].
[46.17]
{ والذى قال لولديه } بالإفراد أريد به الجنس { أف } بكسر الفاء وفتحها بمعنى مصدر أي نتنا وقبحا { لكمآ } أتضجر منكما { أتعداننى } وفي قراءة بالإدغام { أن أخرج } من القبر { وقد خلت القرون } الأمم { من قبلى } ولم تخرج من القبور { وهما يستغيثان الله } يسألانه الغوث برجوعه ويقولان إن لم ترجع { ويلك } أي هلاكا بمعنى هلكت { ءامن } بالبعث { إن وعد الله حق فيقول ما هذآ } أي القول بالبعث { إلا أسطير الأولين } أكاذيبهم.
[46.18]
{ أولئك الذين حق } وجب { عليهم القول } بالعذاب { فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خسرين }.
[46.19]
{ ولكل } من جنس المؤمن والكافر { درجت } فدرجات المؤمنين في الجنة عالية، ودرجات الكافرين في النار سافلة { مما عملوا } أي المؤمنون من الطاعات والكافرون من المعاصي { وليوفيهم } أي الله. وفي قراءة(ولنوفيهم) بالنون { أعملهم } أي جزاءها { وهم لا يظلمون } شيئا ينقص للمؤمنين ويزاد للكفار.
[46.20]
{ ويوم يعرض الذين كفروا على النار } بأن تكشف لهم، يقال لهم { أذهبتم } بهمزة، وبهمزتين، وبهمزة ومدة، وبهما وتسهيل الثانية { طيبتكم } باشتغالكم بلذاتكم { فى حياتكم الدنيا واستمتعتم } تمتعتم { بها فاليوم تجزون عذاب الهون } أي الهوان { بما كنتم تستكبرون } تتكبرون { فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون } به وتعذبون بها.
[46.21]
{ واذكر أخا عاد } هو هود عليه السلام { إذ } الخ بدل اشتمال { أنذر قومه } خوفهم { بالأحقاف } واد باليمن به منازلهم { وقد خلت النذر } مضت الرسل { من بين يديه ومن خلفه } أي من قبل هود ومن بعده إلى أقوامهم { إ } ن أي بأن قال { تعبدوا إلا الله } وجملة «وقد خلت» معترضة { إنى أخاف عليكم } إن عبدتم غير الله { عذاب يوم عظيم }.
[46.22]
{ قالوا أجئتنا لتأفكنا عن ءالهتنا } لتصرفنا عن عبادتها { فأتنا بما تعدنآ } من العذاب على عبادتها { إن كنت من الصدقين } في أنه يأتينا.
[46.23]
{ قال } هود { إنما العلم عند الله } هو الذي يعلم متى يأتيكم العذاب { وأبلغكم مآ أرسلت به } إليكم { ولكنى أراكم قوما تجهلون } باستعجالكم العذاب.
[46.24]
{ فلما رأوه } أي ما هو العذاب { عارضا } سحابا عرض في أفق السماء { مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا } أي مطرأتانا. قال تعالى: { بل هو ما استعجلتم به } من العذاب { ريح } بدل من ما { فيها عذاب أليم } مؤلم.
[46.25]
{ تدمر } تهلك { كل شىء } مرت عليه { بأمر ربها } بإرادته أي كل شيء أراد إهلاكه بها، فأهلكت رجالهم ونساءهم وصغارهم وأموالهم بأن طارت بذلك بين السماء والأرض ومزقته وبقي هود ومن آمن معه { فأصبحوا لا ترى إلا مسكنهم كذلك } كما جزيناهم { نجزي القوم المجرمين } غيرهم.
[46.26]
{ ولقد مكنهم فيمآ } في الذي { إن } نافية أو زائدة { مكنكم } يا أهل مكة { فيه } من القوة والمال { وجعلنا لهم سمعا } بمعنى أسماعا { وأبصرا وأفئدة } قلوبا { فمآ أغنى عنهم سمعهم ولا أبصرهم ولا أفئدتهم من شىء } أي شيئا من الإغناء و «من» زائدة { إذ } معموله لأغنى وأشربت معنى التعليل { كانوا يجحدون بئايت الله } بحججه البينة { وحاق } نزل { بهم ما كانوا به يستهزءون } أي العذاب.
[46.27]
{ ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى } أي أهلها كثمود وعاد وقوم لوط { وصرفنا الأيت } كررنا الحجج البينات { لعلهم يرجعون }.
[46.28]
{ فلولا } هلا { نصرهم } بدفع العذاب عنهم { الذين اتخذوا من دون الله } أي غيره { قربانا } متقربا بهم إلى الله { ءالهة } معه وهم الأصنام ومفعول اتخذ الأول ضمير محذوف يعود على الموصول أي هم و قربانا الثاني و آلهة بدل منه { بل ضلوا } غابوا { عنهم } عند نزول العذاب { وذلك } أي اتخاذهم الأصنام آلهة قربانا { إفكهم } كذبهم { وما كانوا يفترون } يكذبون، و ما مصدرية أو موصولة والعائد محذوف أي فيه.
[46.29]
{ و } اذكر { إذ صرفنا } أملنا { إليك نفرا من الجن } جن نصيبين من اليمن، أو جن نينوى وكانوا سبعة أو تسعة، (وكان صلى الله عليه وسلم ببطن نخل يصلي بأصحابه الفجر) رواه الشيخان { يستمعون القرءان فلما حضروه قالوا } أي قال بعضهم لبعض { أنصتوا } أصغوا لاستماعه { فلما قضى } فرغ من قراءته { ولوا } رجعوا { إلى قومهم منذرين } مخوفين قومهم العذاب إن لم يؤمنوا وكانوا يهودا وقد أسلموا.
[46.30]
{ قالوا يقومنا إنا سمعنا كتبا } هو القرآن { أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه } أي تقدمه كالتوراة { يهدى إلى الحق } الإسلام { وإلى طريق مستقيم } أي طريقه.
[46.31]
{ يقومنا أجيبوا داعى الله } محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان { وءامنوا به يغفر } الله { لكم من ذنوبكم } أي بعضها لأن منها المظالم ولا تغفر إلا برضا أربابها { ويجركم من عذاب أليم } مؤلم.
[46.32]
{ ومن لا يجب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض } أي لا يعجز الله بالهرب منه فيفوته { وليس له } لمن لا يجيب { من دونه } أي الله { أولياء } أنصار يدفعون عنه العذاب { أولئك } الذين لم يجيبوا { فى ضلل مبين } بين ظاهر.
[46.33]
{ أو لم يروا } يعلموا، أي منكرو البعث { أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن } لم يعجز عنه { بقادر } خبر أن وزيدت الباء فيه لأن الكلام في قوة أليس الله بقادر؟ { على أن يحى الموتى بلى }؟ هو قادر على إحياء الموتى { إنه على كل شىء قدير }.
[46.34]
{ ويوم يعرض الذين كفروا على النار } بأن يعذبوا بها يقال لهم { أليس هذا } التعذيب { بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون }.
[46.35]
{ فاصبر } على أذى قومك { كما صبر أولوا العزم } ذوو الثبات والصبر على الشدائد { من الرسل } قبلك فتكون ذا عزم، و من للبيان فكلهم ذوو عزم وقيل للتبعيض فليس منهم آدم لقوله تعالى
ولم نجد له عزما
[115:20] ولا يونس لقوله تعالى
ولا تكن كصاحب الحوت
[48:68] { ولا تستعجل لهم } لقومك نزول العذاب بهم، قيل: كأنه ضجر منهم فأحب نزول العذاب بهم فأمر بالصبر وترك الاستعجال للعذاب فإنه نازل بهم لا محالة { كأنهم يوم يرون ما يوعدون } من العذاب في الآخرة لطوله { لم يلبثوا } في الدنيا في ظنهم { إلا ساعة من نهار } هذا القرآن { بلاغ } تبليغ من الله إليكم { فهل } أي لا { يهلك } عند رؤية العذاب { إلا القوم الفسقون } أي الكافرون.
[47 - سورة محمد]
[47.1]
{ الذين كفروا } من أهل مكة { وصدوا } غيرهم { عن سبيل الله } أي الإيمان { أضل } أحبط { أعملهم } كإطعام الطعام وصلة الأرحام، فلا يرون لها في الآخرة ثوابا ويجزون بها في الدنيا من فضله تعالى.
[47.2]
{ والذين ءامنوا } أي الأنصار وغيرهم { وعملوا الصلحت وءامنوا بما نزل على محمد } أي القرآن { وهو الحق من ربهم كفر عنهم } غفر لهم { سيئاتهم وأصلح بالهم } أي حالهم فلا يعصونه.
[47.3]
{ ذلك } أي إضلال الأعمال وتكفير السيئات { بأن } بسبب أن { الذين كفروا اتبعوا البطل } الشيطان { وأن الذين ءامنوا اتبعوا الحق } القرآن { من ربهم كذلك } أي مثل ذلك البيان { يضرب الله للناس أمثلهم } يبين أحوالهم أي فالكافر يحبط عمله، والمؤمن يغفر له.
[47.4]
{ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } مصدر بدل من اللفظ بفعله، أي فاضربوا رقابهم: أي اقتلوهم وعبر بضرب الرقاب أن الغالب في القتل أن يكون بضرب الرقبة { حتى إذا أثخنتموهم } أكثرتم فيهم القتل { فشدوا } أي فأمسكوا عنهم وأسروهم وشدوا { الوثاق } ما يوثق به الأسرى { فإما منا بعد } مصدر بدل من اللفظ بفعله،أي تمنون عليهم بإطلاقهم من غير شيء { وإما فداء } أي تفادونهم بمال أو أسرى مسلمين { حتى تضع الحرب } أي أهلها { أوزارها } أثقالها من السلاح وغيره بأن يسلم الكفار أو يدخلوا في العهد وهذه غاية للقتل والأسر { ذلك } خبر مبتدأ مقدر، أي الأمر فيهم ما ذكر { ولو يشاء الله لانتصر منهم } بغير قتال { ولكن } أمركم به { ليبلوا بعضكم ببعض } منهم في القتال فيصير من قتل منكم إلى الجنة ومنهم إلى النار { والذين قتلوا } وفي قراءة «قاتلوا» الآية نزلت يوم أحد وقد فشا في المسلمين القتل والجراحات { فى سبيل الله فلن يضل } يحبط { أعملهم }.
[47.5]
{ سيهديهم } في الدنيا والآخرة إلى ما ينفعهم { ويصلح بالهم } حالهم فيهما وما في الدنيا لمن لم يقتل وأدرجوا في «قتلوا» تغليبا.
[47.6]
{ ويدخلهم الجنة عرفها } بينها { لهم } فيهتدون إلى مساكنهم منها وأزواجهم وخدمهم من غير استدلال.
[47.7]
{ يأيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله } أي دينه ورسوله { ينصركم } على عدوكم { ويثبت أقدامكم } يثبتكم في المعترك.
[47.8]
{ والذين كفروا } من أهل مكة مبتدأ خبره تعسوا يدل عليه { فتعسا لهم } أي هلاكا وخيبة من الله { وأضل أعملهم } عطف علىتعسوا.
[47.9]
{ ذلك } أي التعس والإضلال { بأنهم كرهوا ما أنزل الله } من القرآن المشتمل على التكاليف { فأحبط أعملهم }.
[47.10]
{ أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم } أهلك أنفسهم أولادهم وأموالهم { وللكفرين أمثلها } أي أمثال عاقبة ما قبلهم.
[47.11]
{ ذلك } أي نصر المؤمنين وقهر الكافرين { بأن الله مولى } ولي وناصر { الذين ءامنوا وأن الكفرين لا مولى لهم }.
[47.12]
{ إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصلحت جنت تجرى من تحتها الأنهر والذين كفروا يتمتعون } في الدنيا { ويأكلون كما تأكل الأنعم } أي ليس لهم هم إلا بطونهم وفروجهم ولا يلتفتون إلى الآخرة { والنار مثوى لهم } أي منزل ومقام ومصير.
[47.13]
{ وكأين } وكم { من قرية } أريد بها أهلها { هى أشد قوة من قريتك } مكة أي أهلها { التى أخرجتك } روعي لفظ قرية { أهلكنهم } روعي معنى قرية الأولى { فلا ناصر لهم } من إهلاكنا.
[47.14]
{ أفمن كان على بينة } حجة وبرهان { من ربه } وهم المؤمنون { كمن زين له سوء عمله } فرآه حسنا وهم كفار مكة { واتبعوا أهواءهم } في عبادة الأوثان؟ أي لا مماثلة بينهما.
[47.15]
{ مثل } أي صفة { الجنة التى وعد المتقون } المشتركة بين داخليها مبتدأ خبره { فيها أنهار من ماء غير ءاسن } بالمد والقصر كضارب وحذر، أي غير متغير بخلاف ماء الدنيا فيتغير لعارض { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } بخلاف لبن الدنيا لخروجه من الضروع { وأنهر من خمر لذة } لذيذة { للشاربين } بخلاف خمر الدنيا فإنها كريهة عند الشرب { وأنهر من عسل مصفى } بخلاف عسل الدنيا فإنه بخروجه من بطون النحل يخالط الشمع وغيره { ولهم فيها } أصناف { من كل الثمرت ومغفرة من ربهم } فهو راض عنهم مع إحسانه إليهم بما ذكر بخلاف سيد العبيد في الدنيا فإنه قد يكون مع إحسانه إليهم ساخطا عليهم { كمن هو خلد فى النار } خبر مبتدأ مقدر، أي أمن هو في هذا النعيم { وسقوا ماء حميما } أي شديد الحرارة { فقطع أمعاءهم } أي مصارينهم فخرجت من أدبارهم، وهو جمع معى بالقصر وألفه عن ياء لقولهم معيان.
[47.16]
{ ومنهم } أي الكفار { من يستمع إليك } في خطبة الجمعة وهم المنافقون { حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم } لعلماء الصحابة منهم ابن مسعود وابن عباس استهزاء وسخرية { ماذا قال ءانفا } بالمد والقصر، أي الساعة، أي لا نرجع إليه { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم } بالكفر { واتبعوا أهواءهم } في النفاق.
[47.17]
{ والذين اهتدوا } وهم المؤمنون { زادهم } الله { هدى وءاتهم تقواهم } ألهمهم ما يتقون به النار.
[47.18]
{ فهل ينظرون } ما ينتظرون أي كفار مكة { إلا الساعة أن تأتيهم } بدل اشتمال من الساعة أي ليس الأمر إلا أن تأتيهم { بغتة } فجأة { فقد جاء أشراطها } علاماتها: منها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وانشقاق القمر والدخان { فأنى لهم إذا جاءتهم } الساعة { ذكراهم } تذكرهم ؟ أي لا ينفعهم.
[47.19]
{ فاعلم أنه لا إله إلاالله } أي دم يا محمد على علمك بذلك النافع في القيامة { واستغفر لذنبك } لأجله قيل له ذلك مع عصمته لتستن به أمته وقد فعله قال صلى الله عليه وسلم:«إني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة» { وللمؤمنين والمؤمنت } فيه إكرام لهم بأمر نبيهم بالاستغفار لهم { والله يعلم متقلبكم } متصرفكم لأشغالكم بالنهار { ومثواكم } مأواكم إلى مضاجعكم بالليل، أي هو عالم بجميع أحوالكم لا يخفى عليه شيء منها فاحذروه، والخطاب للمؤمنين وغيرهم.
[47.20]
{ ويقول الذين ءامنوا } طلبا للجهاد { لولا } هلا { نزلت سورة } فيها ذكر الجهاد { فإذا أنزلت سورة محكمة } أي لم ينسخ منها شيء { وذكر فيها القتال } أي طلبه { رأيت الذين فى قلوبهم مرض } أي شك وهم المنافقون { ينظرون إليك نظر المغشى } المغمي { عليه من الموت } خوفا منه وكراهية له، أي فهم يخافون من القتال ويكرهونه { فأولى لهم } مبتدأ خبره.
[47.21]
{ طاعة وقول معروف } أي حسن لك { فإذا عزم الأمر } أي فرض القتال { فلو صدقوا الله } في الإيمان والطاعة { لكان خيرا لهم } وجملة لو جواب إذا.
[47.22]
{ فهل عسيتم } بكسر السين وفتحها وفيه التفات عن الغيبة إلى الخطاب أي لعلكم { إن توليتم } أعرضتم عن الإيمان { أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم } أي تعودوا إلى أمر الجاهلية من البغي والقتال.
[47.23]
{ أولئك } أي المفسدون { الذين لعنهم الله فأصمهم } عن استماع الحق { وأعمى أبصرهم } عن طريق الهداية.
[47.24]
{ أفلا يتدبرون القرءان } فيعرفون الحق { أم } بل { على قلوب } لهم { أقفالهآ } فلا يفهمونه؟
[47.25]
{ إن الذين ارتدوا } بالنفاق { على أدبرهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطن سول } أي زين { لهم وأملى لهم } بضم أوله، وبفتحه واللام والمملي الشيطان بإرادته تعالى، فهو المضل لهم.
[47.26]
{ ذلك } أي إضلالهم { بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله } أي للمشركين { سنطيعكم فى بعض الأمر } أي المعاونة على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيط الناس عن الجهاد معه، قالوا ذلك سرا فأظهره الله تعالى { والله يعلم إسرارهم } بفتح الهمزة جمع سر، وبكسرها مصدر.
[47.27]
{ فكيف } حالهم { إذا توفتهم الملئكة يضربون } حال من الملائكة { وجوههم وأدبرهم } ظهورهم بمقامع من حديد؟
[47.28]
{ ذلك } أي التوفي على الحالة المذكورة { بأنهم اتبعوا مآ أسخط الله وكرهوا رضوانه } أي العمل بما يرضيه { فأحبط أعملهم }.
[47.29]
{ أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغنهم } يظهر أحقادهم على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؟
[47.30]
{ ولو نشآء لأرينكهم } عرفناكم، وكررت اللام في { فلعرفتهم بسيمهم } علاماتهم { ولتعرفنهم } الواو لقسم محذوف، وما بعدها جوابه { فى لحن القول } أي معناه إذا تكلموا عندك بأن يعرضوا بما فيه تهجين أمر المسلمين { والله يعلم أعملكم }.
[47.31]
{ ولنبلونكم } نختبركم بالجهاد وغيره { حتى نعلم } علم ظهور { المجهدين منكم والصبرين } في الجهاد وغيره { ونبلوا } نظهر { أخباركم } من طاعتكم وعصيانكم في الجهاد وغيره بالياء والنون في الأفعال الثلاثة.
[47.32]
{ إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } طريق الحق { وشآقوا الرسول } خالفوه { من بعد ما تبين لهم الهدى } هو معنى سبيل الله { لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعملهم } يبطلها من صدقة ونحوها فلا يرون لها في الآخرة ثوابا، نزلت في المطعمين من أصحاب بدر، أو في قريظة والنضير.
[47.33]
{ يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعملكم } بالمعاصي مثلا.
[47.34]
{ إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } طريقه وهو الهدى { ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم } نزلت في أصحاب القليب.
[47.35]
{ فلا تهنوا } تضعفوا { وتدعوا إلى السلم } بفتح السين وكسرها، أي الصلح مع الكفار إذا لقيتموهم { وأنتم الأعلون } حذفت منه واو لام الفعل: الأغلبون القاهرون { والله معكم } بالعون والنصر { ولن يتركم } ينقصكم { أعملكم } أي ثوابها.
[47.36]
{ إنما الحيوة الدنيا } أي الاشتغال فيها { لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا } الله وذلك من أمور الآخرة { يؤتكم أجوركم ولا يسئلكم أمولكم } جميعها، بل الزكاة المفروضة فيها.
[47.37]
{ إن يسئلكموها فيحفكم } يبالغ في طلبها { تبخلوا ويخرج } البخل { أضغنكم } لدين الإسلام.
[47.38]
{ هأنتم } يا { هؤلاء تدعون لتنفقوا فى سبيل الله } ما فرض عليكم { فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه } يقال بخل عليه وعنه { والله الغنى } عن نفقتكم { وأنتم الفقرآء } إليه { وإن تتولوا } عن طاعته { يستبدل قوما غيركم } أي يجعلهم بدلكم { ثم لا يكونوا أمثلكم } في التولي عن طاعته، بل مطيعين له عز وجل.
[48 - سورة الفتح]
[48.1]
{ إنا فتحنا لك } قضينا بفتح مكة وغيرها في المستقبل عنوة بجهادك { فتحا مبينا } بينا ظاهرا.
[48.2]
{ ليغفر لك الله } بجهادك { ما تقدم من ذنبك وما تأخر } منه لترغب أمتك في الجهاد وهو مؤول لعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالدليل العقلي القاطع من الذنوب واللام للعلة الغائية فمدخولها مسبب لا سبب { ويتم } بالفتح المذكور { نعمته } إنعامه { عليك ويهديك } به { صراطا } طريقا { مستقيما } يثبتك عليه وهو دين الإسلام.
[48.3]
{ وينصرك الله } به { نصرا عزيزا } ذا عز لا ذل معه.
[48.4]
{ هو الذى أنزل السكينة } الطمأنينة { فى قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمنا مع إيمنهم } بشرائع الدين كلما نزل واحدة منها آمنوا بها منها الجهاد { ولله جنود السموت والأرض } فلو أراد نصر دينه بغيركم لفعل { وكان الله عليما } بخلقه { حكيما } في صنعه: أي لم يزل متصفا بذلك.
[48.5]
{ ليدخل } متعلق بمحذوف أي أمر بالجهاد { المؤمنين والمؤمنت جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها ويكفر عنهم سيئتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما }.
[48.6]
{ ويعذب المنفقين والمنفقت والمشركين والمشركت الظانين بالله ظن السوء } بفتح السين وضمها في المواضع الثلاثة، ظنوا أنه لا ينصر محمدا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين { عليهم دائرة السوء } بالذل والعذاب { وغضب الله عليهم ولعنهم } أبعدهم { وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا } أي مرجعا.
[48.7]
{ ولله جنود السموت والأرض وكان الله عزيزا } في ملكه { حكيما } في صنعه، أي لم يزل متصفا بذلك.
[48.8]
{ إنا أرسلنك شاهدا } على أمتك في القيامة { ومبشرا } لهم في الدنيا بالجنة { ونذيرا } منذرا مخوفا فيها من عمل سوءا بالنار.
[48.9]
{ ليؤمنوا بالله ورسوله } بالياء والتاء فيه وفي الثلاثة بعده { ويعزروه } ينصروه وقرىء بزاءين مع الفوقانية { ويوقروه } يعظموه وضميرهما لله أو لرسوله { ويسبحوه } أي الله { بكرة وأصيلا } بالغداة والعشي.
[48.10]
{ إن الذين يبايعونك } بيعة الرضوان بالحديبية { إنما يبايعون الله } هو نحو
من يطع الرسول فقد أطاع الله
[80:4] { يد الله فوق أيديهم } التي بايعوا بها النبي أي هو تعالى مطلع على مبايعتهم فيجازيهم عليها { فمن نكث } نقض البيعة { فإنما ينكث } يرجع وبال نقضه { على نفسه ومن أوفى بما عهد عليه الله فسيؤتيه } بالياء والنون { أجرا عظيما }.
[48.11]
{ سيقول لك المخلفون من الأعراب } حول المدينة، أي الذين خلفهم الله عن صحبتك لما طلبتهم ليخرجوا معك إلى مكة خوفا من تعرض قريش لك عام الحديبية إذا رجعت منها { شغلتنا أمولنا وأهلونا } عن الخروج معك { فاستغفر لنا } الله من ترك الخروج معك قال تعالى مكذبا لهم: { يقولون بألسنتهم } أي من طلب الاستغفار وما قبله و { ما ليس فى قلوبهم } فهم كاذبون في اعتذراهم { قل فمن } استفهام بمعنى النفي أي لا أحد { يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا } بفتح الضاد وضمها { أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا } أي لم يزل متصفا بذلك.
[48.12]
{ بل } في الموضعين للانتقال من غرض إلى آخر { ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك فى قلوبكم } أي أنهم يستأصلون بالقتل فلا يرجعون { وظننتم ظن السوء } هذا وغيره { وكنتم قوما بورا } جمع بائر، أي هالكين عند الله بهذا الظن.
[48.13]
{ ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكفرين سعيرا } نارا شديدة.
[48.14]
{ ولله ملك السموت والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما } أي لم يزل متصفا بما ذكر.
[48.15]
{ سيقول المخلفون } المذكورون { إذا انطلقتم إلى مغانم } هي مغانم خيبر { لتأخذوها ذرونا } اتركونا { نتبعكم } لنأخذ منها { يريدون } بذلك { أن يبدلوا كلم الله } وفي قراءة «كلم الله» بكسر اللام أي مواعيده بغنائم خيبر أهل الحديبية خاصة { قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل } أي قبل عودنا { فسيقولون بل تحسدوننا } أي نصيب معكم من الغنائم فقلتم ذلك؟ { بل كانوا لا يفقهون } من الدين { إلا قليلا } منه.
[48.16]
{ قل للمخلفين من الأعراب } المذكورين اختبارا { ستدعون إلى قوم أولى } أصحاب { بأس شديد } قيل هم بنو حنيفة أصحاب اليمامة، وقيل فارس والروم { تقتلونهم } حال مقدرة هي المدعو إليها في المعنى { أو } هم { يسلمون } فلا تقاتلونهم { فإن تطيعوا } إلى قتالهم { يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما } مؤلما.
[48.17]
{ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } في ترك الجهاد { ومن يطع الله ورسوله يدخله } بالياء والنون { جنت تجرى من تحتها الأنهر ومن يتول يعذبه } بالياء والنون { عذابا أليما }.
[48.18]
{ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك } بالحديبية { تحت الشجرة } هي (سمرة)، وهم ألف وثلاثمائة أو أكثرثم بايعهم على أن يناجزوا قريشا وأن لا يفروا،وعلى الموت { فعلم } الله { ما فى قلوبهم } من الصدق والوفاء { فأنزل السكينة عليهم وأثبهم فتحا قريبا } هو فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية.
[48.19]
{ ومغانم كثيرة يأخذونها } من خيبر { وكان الله عزيزا حكيما } أي لم يزل متصفا بذلك.
[48.20]
{ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها } من الفتوحات { فعجل لكم هذه } غنيمة خيبر { وكف أيدى الناس عنكم } في عيالكم لما خرجتم وهمت بهم اليهود فقذف الله في قلوبهم الرعب { ولتكون } أي المعجلة عطف على مقدر، أي لتشكروه { ءاية للمؤمنين } في نصرهم { ويهديكم صرطا مستقيما } أي طريق التوكل عليه وتفويض الأمر إليه تعالى.
[48.21]
{ وأخرى } صفة مغانم مقدرا مبتدأ { لم تقدروا عليها } هي فارس والروم { قد أحاط الله بها } علم أنها ستكون لكم { وكان الله على كل شىء قديرا } أي لم يزل متصفا بذلك.
[48.22]
{ ولو قتلكم الذين كفروا } بالحديبية { لولوا الأدبر ثم لا يجدون وليا } يحرسهم { ولا نصيرا }.
[48.23]
{ سنة الله } مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله من هزيمة الكافرين ونصر المؤمنين أي سن الله ذلك سنة { التى قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا } منه.
[48.24]
{ وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة } بالحديبية { من بعد أن أظفركم عليهم } فإن ثمانين منهم طافوا بعسكركم ليصيبوا منكم فأخذوا وأتي بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم فكان ذلك سبب الصلح { وكان الله بما تعملون بصيرا } بالياء والتاء أي لم يزل متصفا بذلك.
[48.25]
{ هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام } أي عن الوصول إليه { والهدى } معطوف على كم { معكوفا } محبوسا حال { أن يبلغ محله } أي مكانه الذي ينحر فيه عادة وهو الحرم بدل اشتمال { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنت } موجودون بمكة مع الكفار { لم تعلموهم } بصفة الإيمان { أن تطئوهم } أي تقتلوهم مع الكفار لو أذن لكم في الفتح بدل اشتمال من هم { فتصيبكم منهم معرة } أي إثم { بغير علم } منكم به وضمائر الغيبة للصنفين بتغليب الذكور وجواب «لولا» محذوف: أي لأذن لكم في الفتح لكن لم يؤذن فيه حينئذ { ليدخل الله فى رحمته من يشاء } كالمؤمنين المذكورين { لو تزيلوا } تميزوا عن الكفار { لعذبنا الذين كفروا منهم } من أهل مكة حينئذ بأن نأذن لكم في فتحها { عذابا أليما } مؤلما.
[48.26]
{ إذ جعل } متعلق بعذبنا { الذين كفروا } فاعل { فى قلوبهم الحمية } الأنفة من الشيء { حمية الجهلية } بدل من الحمية وهي صدهم النبي وأصحابه عن المسجد الحرام { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } فصالحوهم على أن يعودوا من قابل ولم يلحقهم من الحمية ما لحق الكفار حتى يقاتلوهم { وألزمهم } أي المؤمنين { كلمة التقوى } لا إله إلا الله محمد رسول الله وأضيفت إلى التقوى لأنها سببها { وكانوا أحق بها } بالكلمة من الكفار { وأهلها } عطف تفسيري { وكان الله بكل شىء عليما } أي لم يزل متصفا بذلك ومن معلوماته تعالى أنهم أهلها.
[48.27]
{ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم عام الحديبية قبل خروجه أنه يدخل مكة هو وأصحابه آمنين ويحلقون ويقصرون فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا فلما خرجوا معه وصدهم الكفار بالحديبية ورجعوا وشق عليهم ذلك وراب بعض المنافقين نزلت.وقوله «بالحق» متعلق بصدق أو حال من الرؤيا وما بعدها تفسيرها { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله } للتبرك { ءامنين محلقين رءوسكم } أي جميع شعورها { ومقصرين } بعض شعورها، وهما حالان مقدرتان { لا تخفون } أبدا { فعلم } في الصلح { ما لم تعلموا } من الصلاح { فجعل من دون ذلك } أي الدخول { فتحا قريبا } هو فتح خيبر وتحققت الرؤيا في العام القابل.
[48.28]
{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره } أي دين الحق { على الدين كله } على جميع باقي الأديان { وكفى بالله شهيدا } أنك مرسل بما ذكر كما قال الله تعالى:
[48.29]
{ محمد } مبتدأ { رسول الله } خبره { والذين معه } أي أصحابه من المؤمنين مبتدأ خبره { أشداء } غلاظ { على الكفار } لا يرحمونهم { رحماء بينهم } خبر ثان، أي متعاطفون متوادون كالوالد مع الولد { تراهم } تبصرهم { ركعا سجدا } حالان { يبتغون } مستأنف يطلبون { فضلا من الله ورضوانا سيماهم } علاماتهم مبتدأ { فى وجوههم } خبره وهو نور وبياض يعرفون به في الآخرة أنهم سجدوا في الدنيا { من أثر السجود } متعلق بما تعلق به الخبر، أي كائنة. وأعرب حالا من ضميره المنتقل إلى الخبر { ذلك } أي الوصف المذكور { مثلهم } صفتهم مبتدأ { في التوراة } خبره { ومثلهم فى الإنجيل } مبتدأ وخبره { كزرع أخرج شطئه } بسكون الطاء وفتحها: فراخه { فآزره } بالمد والقصر. قواه وأعانه { فاستغلظ } غلظ { فاستوى } قوي واستقام { على سوقه } أصوله جمع ساق { يعجب الزراع } أي زراعه لحسنه،مثل الصحابة رضي الله عنهم بذلك لأنهم بدأوا في قلة وضعف فكثروا وقووا على أحسن الوجوه { ليغيظ بهم الكفار } متعلق بمحذوف دل عليه ما قبله، أي شبهوا بذلك { وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصلحت منهم } أي الصحابة ومن لبيان الجنس لا للتبعيض لأنهم كلهم بالصفة المذكورة { مغفرة وأجرا عظيما } الجنة وهما لمن بعدهم أيضا كما في آيات.
[49 - سورة الحجرات]
[49.1]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تقدموا } من قدم بمعنى تقدم أي لا تتقدموا بقول ولا فعل { بين يدى الله ورسوله } المبلغ عنه، أي بغير إذنهما { واتقوا الله إن الله سميع } لقولكم { عليم } بفعلكم نزلت في مجادلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عند النبي صلى الله عليه وسلم في تأمير الأقرع بن حابس أو القعقاع بنمعبد.
[49.2]
ونزل فيمن رفع صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم { يأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصوتكم } إذا نطقتم { فوق صوت النبى } إذا نطق { ولا تجهروا له بالقول } إذا ناجيتموه { كجهر بعضكم لبعض } بل دون ذلك إجلالا له { أن تحبط أعملكم وأنتم لا تشعرون } أي خشية ذلك بالرفع والجهر المذكورين.
[49.3]
ونزل فيمن كان يخفض صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وغيرهما رضي الله عنهم. { إن الذين يغضون أصوتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن } اختبر { الله قلوبهم للتقوى } أي لتظهر منهم { لهم مغفرة وأجر عظيم } الجنة.
[49.4]
ونزل في قوم جاؤوا وقت الظهيرة والنبي صلى الله عليه وسلم في منزله فنادوه { إن الذين ينادونك من ورآء الحجرت } حجرات نسائه صلى الله عليه وسلم جمع حجرة وهي ما يحجر عليه من الأرض بحائط ونحوه وكان كل واحد منهم نادى خلف حجرة لأنهم لم يعلموه في أي حجرة، مناداة الأعراب بغلظة وجفاء { أكثرهم لا يعقلون } فيما فعلوه محلك الرفيع وما يناسبه من التعظيم.
[49.5]
{ ولو أنهم صبروا } أنهم في محل رفع بالابتداء، وقيل فاعل لفعل مقدر، أي ثبت { حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم } لمن تاب منهم.
[49.6]
ونزل في الوليد بن عقبة وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقا فخافهم لترة كانت بينه وبينهم في الجاهلية فرجع وقال إنهم منعوا الصدقة وهموا بقتله فهم النبي صلى الله عليه وسلم بغزوهم فجاؤوا منكرين ما قاله عنهم. { يأيها الذين ءامنوا إن جآءكم فاسق بنبإ } خبر { فتبينوا } صدقه من كذبه، وفي قراءة «فتثبتوا» من الثبات { أن تصيبوا قوما } مفعول له أي خشية ذلك { بجهالة } حال من الفاعل أي جاهلين { فتصبحوا } تصيروا { على ما فعلتم } من الخطأ بالقوم { ندمين } وأرسل صلى الله عليه وسلم إليهم بعد عودهم إلى بلادهم خالدا فلم ير فيهم إلا الطاعة والخير فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
[49.7]
{ واعلموا أن فيكم رسول الله } فلا تقولوا الباطل فإن الله يخبره بالحال { لو يطيعكم فى كثير من الأمر } الذي تخبرون به على خلاف الواقع فيرتب على ذلك مقتضاه { لعنتم } لأثمتم دونه إثم التسبب إلى المرتب { ولكن الله حبب إليكم الإيمن وزينه } حسنه { فى قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } استدراك من حيث المعنى دون اللفظ لأن من حبب إليه الإيمان الخ غايرت صفته صفة من تقدم ذكره { أولئك هم } فيه التفات عن الخطاب { الراشدون } الثابتون على دينهم.
[49.8]
{ فضلا من الله } مصدر منصوب بفعله المقدر، أي أفضل { ونعمة } منه { والله عليم } بهم { حكيم } في إنعامه عليهم.
[49.9]
{ وإن طآئفتان من المؤمنين } الآية، نزلت في قضية هي أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا ومر على ابن أبي فبال الحمار فسد ابن أبي أنفه فقال ابن رواحة: والله لبول حماره أطيب ريحا من مسكك، فكان بين قوميهما ضرب بالأيدي والنعال والسعف { اقتتلوا } جمع نظرا إلى المعنى لأن كل طائفة جماعة. وقرىء «اقتتلتا» { فأصلحوا بينهما } ثني نظرا إلى اللفظ { فإن بغت } تعدت { إحداهما على الأخرى فقتلوا التى تبغى حتى تفىء } ترجع { إلى أمر الله } الحق { فإن فآءت فأصلحوا بينهما بالعدل } بالإنصاف { وأقسطوا } أعدلوا { إن الله يحب المقسطين }.
[49.10]
{ إنما المؤمنون إخوة } في الدين { فأصلحوا بين أخويكم } إذا تنازعا، وقرىء «إخوتكم» بالفوقانية { واتقوا الله لعلكم ترحمون }.
[49.11]
{ يأيها الذين ءامنوا لا يسخر } الآية نزلت في وفد تميم حين سخروا من فقراء المسلمين كعمار وصهيب، والسخرية: الازدراء والاحتقار { قوم } أي رجال منكم { من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم } عند الله { ولا نسآء } منكم { من نسآء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم } لا تعيبوا فتعابوا، أي لا يعب بعضكم بعضا { ولا تنابزوا بالالقب } لا يدعو بعضكم بعضا بلقب يكرهه، ومنه يا فاسق يا كافر { بئس الاسم } أي المذكور من السخرية واللمز والتنابز { الفسوق بعد الإيمان } بدل من الاسم لإفادة أنه فسق لتكرره عادة { ومن لم يتب } من ذلك { فأولئك هم الظلمون }.
[49.12]
{ يأيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم } أي مأثم وهو كثير كظن السوء بأهل الخير من المؤمنين وهم كثير بخلافه بالفساق منهم فلا إثم فيه في نحو ما يظهر منهم { ولا تجسسوا } حذف منه إحدى التاءين: لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالبحث عنها { ولا يغتب بعضكم بعضا } لا يذكره بشيء يكرهه وإن كان فيه { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا } بالتخفيف والتشديد أي لا يحسن به { فكرهتموه } أي فاغتيابه في حياته كأكل لحمه بعد مماته وقد عرض عليكم الثاني فكرهتموه فاكرهوا الأول { واتقوا الله } أي عقابه في الاغتياب بأن تتوبوا منه { إن الله تواب } قابل توبة التائبين { رحيم } بهم.
[49.13]
{ ياأيها الناس إنا خلقنكم من ذكر وأنثى } آدم وحواء { وجعلنكم شعوبا } جمع شعب بفتح الشين هو أعلى طبقات النسب { وقبآئل } هي دون الشعوب وبعدها العمائر ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل آخرها مثاله خزيمة: شعب، كنانة قبيلة. قريش عمارة بكسر العين قصي:بطن، هاشم فخذ. العباس فصيلة { لتعارفوا } حذف منه إحدى التاءين ليعرف بعضكم بعضا لا لتفاخروا بعلو النسب، وإنما الفخر بالتقوى { إن أكرمكم عند الله أتقكم إن الله عليم } بكم { خبير } ببواطنكم.
[49.14]
{ قالت الأعراب } نفر من بني أسد { ءامنا } صدقنا بقلوبنا { قل } لهم { لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } أي انقدنا ظاهرا { ولما } أي لم { يدخل الإيمن فى قلوبكم } إلى الآن لكنه يتوقع منكم { وإن تطيعوا الله ورسوله } بالإيمان وغيره { لا يلتكم } بالهمز وتركه وبإبداله ألفا: لا ينقصكم { من أعملكم } من ثوابها { شيئا إن الله غفور } للمؤمنين { رحيم } بهم.
[49.15]
{ إنما المؤمنون } أي الصادقون في إيمانهم كما صرح به بعد { الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا } لم يشكوا في الإيمان { وجهدوا بأمولهم وأنفسهم فى سبيل الله } فجهادهم يظهر بصدق إيمانهم { أولئك هم الصدقون } في إيمانهم، لا من قالوا آمنا ولم يوجد منهم غير الإسلام.
[49.16]
{ قل } لهم { أتعلمون الله بدينكم }؟ مضعف «علم» بمعنى شعر أي أتشعرونه بما أنتم عليه في قولكم آمنا { والله يعلم ما فى السموات وما في الأرض والله بكل شيء عليم }.
[49.17]
{ يمنون عليك أن أسلموا } من غير قتال بخلاف غيرهم ممن أسلم بعد قتاله منهم { قل لا تمنوا على إسلمكم } منصوب بنزع الخافض الباء ويقدر قبل أن في الموضعين { بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمن إن كنتم صدقين } في قولكم آمنا.
[49.18]
{ إن الله يعلم غيب السموات والأرض } أي ما غاب فيهما { والله بصير بما تعملون } بالياء والتاء لا يخفى عليه شيء منه.
[50 - سورة ق]
[50.1]
{ ق } الله أعلم بمراده به { ق والقرءان } الكريم ما آمن كفار مكة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
[50.2]
{ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم } رسول من أنفسهم يخوفهم بالنار بعد البعث { فقال الكفرون هذا } الإنذار { شىء عجيب }.
[50.3]
{ أءذا } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين { متنا وكنا ترابا } نرجع؟ { ذلك رجع بعيد } في غاية البعد.
[50.4]
{ قد علمنا ما تنقص الأرض } تأكل { منهم وعندنا كتب حفيظ } هو اللوح المحفوظ فيه جميع الأشياء المقدرة.
[50.5]
{ بل كذبوا بالحق } القرآن { لما جاءهم فهم } في شأن النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن { فى أمر مريج } مضطرب قالوا مرة: ساحر وسحر، ومرة: شاعر وشعر، ومرة: كاهن وكهانة.
[50.6]
{ أفلم ينظروا } بعيونهم معتبرين بعقولهم حين أنكروا البعث { إلى السماء } كائنة { فوقهم كيف بنينها } بلا عمد { وزينها } بالكواكب { وما لها من فروج } شقوق تعيبها؟.
[50.7]
{ والأرض } معطوف على موضع إلى السماء كيف { مددنها } دحوناها على وجه الماء { وألقينا فيها روسي } جبالا تثبتها { وأنبتنا فيها من كل زوج } صنف { بهيج } يبهج به لحسنه.
[50.8]
{ تبصرة } مفعول له: أي فعلنا ذلك تبصيرا منا { وذكرى } تذكيرا { لكل عبد منيب } رجاع إلى طاعتنا.
[50.9]
{ ونزلنا من السماء ماء مبركا } كثير البركة { فأنبتنا به جنت } بساتين { وحب } الزرع { الحصيد } المحصود.
[50.10]
{ والنخل بسقت } طوالا حال مقدرة { لها طلع نضيد } متراكب بعضه فوق بعض.
[50.11]
{ رزقا للعباد } مفعول له { وأحيينا به بلدة ميتا } يستوي فيه المذكر والمؤنث { كذلك } أي مثل هذا الإحياء { الخروج } من القبور فكيف تنكرونه؟ والاستفهام للتقرير والمعنى أنهم نظروا وعلموا ما ذكر.
[50.12]
{ كذبت قبلهم قوم نوح } تأنيث الفعل بمعنى قوم { وأصحب الرس } هي بئر كانوا مقيمين عليها بمواشيهم يعبدون الأصنام، ونبيهم: قيل حنظلة بن صفوان وقيل غيره { وثمود } قوم صالح.
[50.13]
{ وعاد } قوم هود { وفرعون وإخون لوط }.
[50.14]
{ وأصحب الأيكة } أي الغيضة قوم شعيب { وقوم تبع } هو ملك كان باليمن أسلم ودعا قومه إلى الإسلام فكذبوه { كل } من المذكورين { كذب الرسل } كقريش { فحق وعيد } وجب نزول العذاب على الجميع فلا يضيق صدرك من كفر قريش بك.
[50.15]
{ أفعيينا بالخلق الأول } أي لم نعي به فلا نعيا بالإعادة { بل هم فى لبس } شك { من خلق جديد } وهو البعث.
[50.16]
{ ولقد خلقنا الإنسن ونعلم } حال بتقدير نحن { ما } مصدرية { توسوس } تحدث { به } الباء زائدة أو للتعدية، والضمير للإنسان { نفسه ونحن أقرب إليه } بالعلم { من حبل الوريد } الإضافة للبيان والوريدان عرقان بصفحتي العنق.
[50.17]
{ إذ } منصوبة باذكر مقدرا { يتلقى } يأخذ ويثبت { المتلقيان } الملكان الموكلان بالإنسان ما يعمله { عن اليمين وعن الشمال } منه { قعيد } أي قاعدان وهو مبتدأ خبره ما قبله.
[50.18]
{ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب } حافظ { عتيد } حاضر، وكل منهما بمعنى المثنى.
[50.19]
{ وجاءت سكرة الموت } غمرته وشدته { بالحق } من أمر الآخرة حتى يراها المنكر لها عيانا وهو نفس الشدة { ذلك } أي الموت { ما كنت منه تحيد } تهرب وتفزع.
[50.20]
{ ونفخ فى الصور } للبعث { ذلك } أي يوم النفخ { يوم الوعيد } للكفار بالعذاب.
[50.21]
{ وجاءت } فيه { كل نفس } إلى المحشر { معها سائق } ملك يسوقها إليه { وشهيد } يشهد عليها بعملها وهو الأيدي والأرجل وغيرها ويقال للكافر.
[50.22]
{ لقد كنت } في الدنيا { فى غفلة من هذا } النازل بك اليوم { فكشفنا عنك غطاءك } أزلنا غفلتك بما تشاهده اليوم { فبصرك اليوم حديد } حاد تدرك به ما أنكرته في الدنيا.
[50.23]
{ وقال قرينه } الملك الموكل به { هذا ما } أي الذي { لدى عتيد } حاضر فيقال لمالك.
[50.24]
{ ألقيا فى جهنم } أي: ألق ألق أو ألقين وبه قرأ الحسن فأبدلت النون ألفا { كل كفار عنيد } معاند للحق.
[50.25]
{ مناع للخير } كالزكاة { معتد } ظالم { مريب } شاك في دينه.
[50.26]
{ الذى جعل مع الله إلها ءاخر } مبتدأ، ضمن معنى الشرط خبره { فألقياه فى العذاب الشديد } تفسيره مثل ما تقدم.
[50.27]
{ قال قرينه } الشيطان { ربنا ما أطغيته } أضللته { ولكن كان فى ضلل بعيد } فدعوته فاستجاب لي، وقال هو أطغاني بدعائه لي.
[50.28]
{ قال } تعالى { لا تختصموا لدى } أي ما ينفع الخصام هنا { وقد قدمت إليكم } في الدنيا { بالوعيد } بالعذاب في الآخرة لو لم تؤمنوا ولا بد منه.
[50.29]
{ ما يبدل } يغير { القول لدى } في ذلك { وما أنا بظلم للعبيد } فأعذبهم بغير جرم، وظلام بمعنى ذي ظلم لقوله
لا ظلم اليوم
[17:40].
[50.30]
{ يوم } ناصبه ظلام { نقول } بالنون والياء { لجهنم هل امتلأت } استفهام تحقيق لوعده بملئها { وتقول } بصورة الاستفهام كالسؤال { هل من مزيد }؟أي، لا أسع غير ما امتلأت به، أي قد امتلأت.
[50.31]
{ وأزلفت الجنة } قربت { للمتقين } مكانا { غير بعيد } منهم فيرونها، ويقال لهم:
[50.32]
{ هذا } المرئي { ما توعدون } بالتاء والياء في الدنيا ويبدل من «للمتقين» قوله { لكل أواب } رجاع إلى طاعة الله { حفيظ } حافظ لحدوده.
[50.33]
{ من خشى الرحمن بالغيب } خافه ولم يره { وجاء بقلب منيب } مقبل على طاعته.
[50.34]
ويقال للمتقين أيضا { ادخلوها بسلام } أي سالمين من كل مخوف أو مع سلام أي سلموا وادخلوا { ذلك } اليوم الذي حصل فيه الدخول { يوم الخلود } الدوام في الجنة.
[50.35]
{ لهم ما يشآءون فيها ولدينا مزيد } زيادة على ما عملوا وطلبوا.
[50.36]
{ وكم أهلكنا قبلهم من قرن } أي أهلكنا قبل كفار قريش قرونا كثيرة من الكفار و { هم أشد منهم بطشا } قوة { فنقبوا } فتشوا { فى البلد هل من محيص } لهم أو لغيرهم من الموت؟ فلم يجدوا.
[50.37]
{ إن فى ذلك } المذكور { لذكرى } لعظة { لمن كان له قلب } عقل { أو ألقى السمع } استمع الوعظ { وهو شهيد } حاضر القلب.
[50.38]
{ ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام } أولها الأحد وآخرها الجمعة { وما مسنا من لغوب } تعب نزل ردا على اليهود في قولهم: إن الله استراح يوم السبت،وانتفاء التعب عنه بتنزهه تعالى عن صفات المخلوقين ولعدم المماسة بينه وبين غيره
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
[82:36].
[50.39]
{ فاصبر } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم { على ما يقولون } أي اليهود وغيرهم من التشبيه والتكذيب { وسبح بحمد ربك } صل حامدا { قبل طلوع الشمس } أي صلاة الصبح { وقبل الغروب } أي صلاة الظهر والعصر.
[50.40]
{ ومن اليل فسبحه } أي صل العشاءين { وأدبر السجود } بفتح الهمزة جمع دبر وكسرها مصدر أدبر أي صل النوافل المسنونة عقب الفرائض وقيل المراد حقيقة التسبيح في هذه الأوقات ملابسا للحمد.
[50.41]
{ واستمع } يا مخاطب مقولي { يوم يناد المناد } هو إسرافيل { من مكان قريب } من السماء وهو صخرة بيت المقدس أقرب موضع من الأرض إلى السماء يقول: أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء.
[50.42]
{ يوم } بدل من «يوم» قبله { يسمعون } أي الخلق كلهم { الصيحة بالحق } بالبعث وهي النفخة الثانية من إسرافيل ويحتمل أن تكون قبل ندائه وبعده { ذلك } أي يوم النداء والسماع { يوم الخروج } من القبور، وناصب «يوم» الثانية (ينادي) مقدرا، أي يعلمون عاقبة تكذيبهم.
[50.43]
{ إنا نحن نحى ونميت وإلينا المصير }.
[50.44]
{ يوم } بدل من يوم قبله وما بينهما اعتراض { تشقق } بتخفيف الشين وتشديدها بإدغام التاء الثانية في الأصل فيها { الارض عنهم سراعا } جمع سريع حال من مقدر، أي فيخرجون مسرعين { ذلك حشر علينا يسير } فيه فصل بين الموصوف والصفة بمتعلقها للاختصاص وهو لا يضر وذلك إشارة إلى معنى الحشر المخبر به عنه، وهو الإحياء بعد الفناء والجمع للعرض والحساب.
[50.45]
{ نحن أعلم بما يقولون } أي كفار قريش { وما أنت عليهم بجبار } تجبرهم على الإيمان وهذا قبل الأمر بالجهاد[4:47] { فذكر بالقرءان من يخاف وعيد } وهم المؤمنون.
[51 - سورة الذاريات]
[51.1]
{ والذريت } الرياح تذرو التراب وغيره { ذروا } مصدر ويقال تذريه ذريا: تهب به.
[51.2]
{ فالحملت } السحب تحمل الماء { وقرا } ثقلا مفعول الحاملات.
[51.3]
{ فالجريت } السفن تجري على وجه الماء { يسرا } بسهولة مصدر في موضع الحال، أي ميسرة.
[51.4]
{ فالمقسمت أمرا } الملائكة تقسم الأرزاق والأمطار وغيرها بين البلاد والعباد.
[51.5]
{ إنما توعدون } ما مصدرية، أي إن وعدهم بالبعث وغيره { لصادق } لوعد صادق.
[51.6]
{ وإن الدين } الجزاء بعد الحساب { لواقع } لا محالة.
[51.7]
{ والسماء ذات الحبك } جمع حبيكة كطريقة وطرق أي صاحبة الطرق في الخلقة كالطريق في الرمل.
[51.8]
{ إنكم } يا أهل مكة في شأن النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن { لفى قول مختلف } قيل شاعر ساحر كاهن، شعر سحر كهانة.
[51.9]
{ يؤفك } يصرف { عنه } عن النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن أي عن الإيمان به { من أفك } صرف عن الهداية في علم الله تعالى.
[51.10]
{ قتل الخرصون } لعن الكذابون أصحاب القول المختلف.
[51.11]
{ الذين هم فى غمرة } جهل يغمرهم { ساهون } غافلون عن أمر الآخرة.
[51.12]
{ يسئلون } النبي استفهام استهزاء { أيان يوم الدين } أي متى مجيئه؟
[51.13]
وجوابهم: يجيء { يوم هم على النار يفتنون } أي يعذبون فيها.
[51.14]
ويقال لهم حين التعذيب: { ذوقوا فتنتكم } تعذيبكم { هذا } التعذيب { الذى كنتم به تستعجلون } في الدنيا استهزاء.
[51.15]
{ إن المتقين فى جنت } بساتين { وعيون } تجري فيها.
[51.16]
{ ءاخذين } حال من الضمير في خبر إن { ما ءاتهم } أعطاهم { ربهم } من الثواب { إنهم كانوا قبل ذلك } أي دخولهم الجنة { محسنين } في الدنيا.
[51.17]
{ كانوا قليلا من اليل ما يهجعون } ينامون. و ما زائدة، و يهجعون خبر كان و «قليلا» ظرف أي ينامون في زمن يسير من الليل ويصلون أكثره.
[51.18]
{ وبالأسحار هم يستغفرون } يقولون: اللهم اغفر لنا.
[51.19]
{ وفى أمولهم حق للسائل والمحروم } الذي لا يسأل لتعففه.
[51.20]
{ وفى الأرض } من الجبال والبحار والأشجار والثمار والنبات وغيرها { ءايت } دلالات على قدرة الله سبحانه وتعالى ووحدانيته { للموقنين }.
[51.21]
{ وفى أنفسكم } آيات أيضا من مبدأ خلقكم إلى منتهاه وما في تركيب خلقكم من العجائب { أفلا تبصرون } ذلك فتستدلون به على صانعه وقدرته.
[51.22]
{ وفى السماء رزقكم } أي المطر المسبب عنه النبات الذي هو رزق { وما توعدون } من المآب والثواب والعقاب أي مكتوب ذلك في السماء.
[51.23]
{ فورب السماء والأرض إنه } أي ما توعدون { لحق مثل ما أنكم تنطقون } برفع «مثل» صفة و «ما» مزيدة وبفتح اللام مركبة مع ما، المعنى: مثل نطقكم في حقيقته أي معلوميته عندكم ضرورة صدوره عنكم.
[51.24]
{ هل أتاك } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم { حديث ضيف إبرهيم المكرمين } وهم ملائكة اثنا عشر أو عشرة أو ثلاثة، منهم جبريل.
[51.25]
{ إذ } ظرف لحديث ضيف { دخلوا عليه فقالوا سلاما } أي هذا اللفظ { قال سلم } أي هذا اللفظ { قوم منكرون } لا نعرفهم قال ذلك في نفسه وهو خبر مبتدأ مقدر أي هؤلاء.
[51.26]
{ فراغ } مال { إلى أهله } سرا { فجاء بعجل سمين } وفي سورة (هود)
بعجل حنيذ
[69:11] أي مشوي.
[51.27]
{ فقربه إليهم قال ألا تأكلون }؟ عرض عليهم الأكل فلم يجيبوا.
[51.28]
{ فأوجس } أضمر في نفسه { منهم خيفة قالوا لا تخف } إنا رسل ربك { وبشروه بغلم عليم } ذي علم كثير وهو إسحق، كما ذكر في هود[71:11].
[51.29]
{ فأقبلت امرأته } سارة { فى صرة } صيحة حال، أي جاءت صائحة { فصكت وجهها } لطمته { وقالت عجوز عقيم } لم تلد قط وعمرها تسعة وتسعون سنة وعمر إبراهيم مائة سنة، أو عمره مائة وعشرون سنة وعمرها تسعون سنة.
[51.30]
{ قالوا كذلك } أي مثل قولنا في البشارة { قال ربك إنه هو الحكيم } في صنعه { العليم } بخلقه.
[51.31]
{ قال فما خطبكم } شأنكم { أيها المرسلون }.
[51.32]
{ قالوا إنآ أرسلنآ إلى قوم مجرمين } كافرين أي قوم لوط.
[51.33]
{ لنرسل عليهم حجارة من طين } يطبخ في النار.
[51.34]
{ مسومة } معلمة عليها اسم من يرمى بها { عند ربك } ظرف لها { للمسرفين } بإتيانهم الذكور مع كفرهم.
[51.35]
{ فأخرجنا من كان فيها } أي قرى قوم لوط { من المؤمنين } لإهلاك الكافرين.
[51.36]
{ فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } وهم لوط وابنتاه وصفوا بالإيمان والإسلام أي هم مصدقون بقلوبهم عاملون بجوارحهم الطاعات.
[51.37]
{ وتركنا فيها } بعد إهلاك الكافرين { ءاية } علامة على إهلاكهم { للذين يخافون العذاب الأليم } فلا يفعلون مثل فعلهم.
[51.38]
{ وفى موسى } معطوف على «فيها» المعنى وجعلنا في قصة موسى آية { إذ أرسلنه إلى فرعون } ملتبسا { بسلطن مبين } بحجة واضحة.
[51.39]
{ فتولى } أعرض عن الإيمان { بركنه } مع جنوده لأنهم له كالركن { وقال } لموسى هو { سحر أو مجنون }.
[51.40]
{ فأخذنه وجنوده فنبذنهم } طرحناهم { في اليم } البحر فغرقوا { وهو } أي فرعون { مليم } آت بما يلام عليه من تكذيب الرسل ودعوى الربوبية.
[51.41]
{ وفى } إهلاك { عاد } آية { إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } هي التي لا خير فيها لأنها لا تحمل المطر ولا تلقح الشجر وهي الدبور.
[51.42]
{ ما تذر من شىء } نفس أو مال { أتت عليه إلا جعلته كالرميم } كالبالي المتفتت.
[51.43]
{ وفى } إهلاك { ثمود } آية { إذ قيل لهم } بعد عقرهم الناقة { تمتعوا حتى حين } أي إلى انقضاء آجالكم، كما في آية
تمتعوا فى داركم ثلثة أيام
[65:11].
[51.44]
{ فعتوا } تكبروا { عن أمر ربهم } أي عن امتثاله { فأخذتهم الصعقة } بعد مضي الثلاثة أيام أي الصيحة المهلكة { وهم ينظرون } أي بالنهار.
[51.45]
{ فما استطعوا من قيام } أي ما قدروا على النهوض حين نزول العذاب { وما كانوا منتصرين } على من أهلكهم.
[51.46]
{ وقوم نوح } بالجر عطف على ثمود، أي وفي إهلاكهم بما في السماء والأرض آية وبالنصب أي وأهلكنا قوم نوح { من قبل } أي قبل إهلاك هؤلاء المذكورين { إنهم كانوا قوما فسقين }.
[51.47]
{ والسماء بنينها بأيد } بقوة { وإنا لموسعون } قادرون يقال: آد الرجل يئيد قوي، وأوسع الرجل: صار ذا سعة وقوة.
[51.48]
{ والأرض فرشنها } مهدناها { فنعم المهدون } نحن.
[51.49]
{ ومن كل شىء } متعلق بقوله: { خلقنا زوجين } صنفين كالذكر والأنثى، والسماء والأرض، والشمس والقمر، والسهل والجبل، والصيف والشتاء، والحلو والحامض، والنور والظلمة { لعلكم تذكرون } بحذف إحدى التاءين من الأصل فتعلمون أن خالق الأزواج فرد فتعبدونه.
[51.50]
{ ففروا إلى الله } أي إلى ثوابه من عقابه بأن تطيعوه ولا تعصوه { إنى لكم منه نذير مبين } بين الإنذار.
[51.51]
{ ولا تجعلوا مع الله إلها ءاخر إني لكم منه نذير مبين } يقدر قبل ففروا قل لهم.
[51.52]
{ كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا } هو { سحر أو مجنون } أي مثل تكذيبهم لك بقولهم: إنك ساحر أو مجنون، تكذيب الأمم قبلهم رسلهم بقولهم ذلك.
[51.53]
{ أتواصوا } كلهم { به }؟ استفهام بمعنى النفي { بل هم قوم طاغون } جمعهم على هذا القول طغيانهم.
[51.54]
{ فتول } أعرض { عنهم فما أنت بملوم } لأنك بلغتهم الرسالة.
[51.55]
{ وذكر } عظ بالقرآن { فإن الذكرى تنفع المؤمنين } من علم الله تعالى أنه يؤمن.
[51.56]
{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ولا ينافي ذلك عدم عبادة الكافرين، لأن الغاية لا يلزم وجودها كما في قولك بريت هذا القلم لأكتب به، فإنك قد لا تكتب به.
[51.57]
{ ما أريد منهم من رزق } لي ولأنفسهم وغيرهم { وما أريد أن يطعمون } ولا أنفسهم ولا غيرهم.
[51.58]
{ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } الشديد.
[51.59]
{ فإن للذين ظلموا } أنفسهم بالكفر من أهل مكة وغيرهم { ذنوبا } نصيبا من العذاب { مثل ذنوب } نصيب { أصحبهم } الهالكين قبلهم { فلا يستعجلون } بالعذاب إن أخرتهم إلى يوم القيامة.
[51.60]
{ فويل } شدة عذاب { للذين كفروا من } في { يومهم الذى يوعدون } أي يوم القيامة.
[52 - سورة الطور]
[52.1]
{ والطور } أي الجبل الذي كلم الله عليه موسى.
[52.2]
{ وكتب مسطور }.
[52.3]
{ فى رق منشور } أي التوراة أو القرآن.
[52.4]
{ والبيت المعمور } هو في السماء الثالثة أو السادسة أو السابعة بحيال الكعبة يزوره كل يوم سبعون ألف ملك بالطواف والصلاة لا يعودون إليه أبدا.
[52.5]
{ والسقف المرفوع } أي السماء.
[52.6]
{ والبحر المسجور } أي المملوء.
[52.7]
{ إن عذاب ربك لواقع } لنازل بمستحقه.
[52.8]
{ ما له من دافع } عنه.
[52.9]
{ يوم } معمول لواقع { تمور السماء مورا } تتحرك وتدور.
[52.10]
{ وتسير الجبال سيرا } تصير
هبآء منثورا
[23:25] وذلك في يوم القيامة.
[52.11]
{ فويل } شدة عذاب { يومئذ للمكذبين } للرسل.
[52.12]
{ الذين هم فى خوض } باطل { يلعبون } أي يتشاغلون بكفرهم.
[52.13]
{ يوم يدعون إلى نار جهنم دعا } يدفعون بعنف بدل من «يوم تمور» ويقال لهم تبكيتا.
[52.14]
{ هذه النار التى كنتم بها تكذبون }.
[52.15]
{ أفسحر هذا } العذاب الذي ترون كما كنتم تقولون في الوحي هذا سحر؟ { أم أنتم لا تبصرون }.
[52.16]
{ اصلوها فاصبروا } عليها { أو لا تصبروا } صبركم وجزعكم { سواء عليكم } لأن صبركم لا ينفعكم { إنما تجزون ما كنتم تعملون } أي جزاءه.
[52.17]
{ إن المتقين فى جنت ونعيم }.
[52.18]
{ فكهين } متلذذين { بما } مصدرية { ءاتهم } أعطاهم { ربهم ووقهم ربهم عذاب الجحيم } عطفا على آتاهم أي بإتيانهم ووقايتهم.
[52.19]
ويقال لهم: { كلوا واشربوا هنيئا } حال أي مهنئين { بما } الباء سببية { كنتم تعملون }.
[52.20]
{ متكئين } حال من الضمير المستكن في قوله تعالى في جنات { على سرر مصفوفة } بعضها إلى جنب بعض { وزوجنهم } عطف على «في جنات» أي قرناهم { بحور عين } عظام الأعين حسانها.
[52.21]
{ والذين ءامنوا } مبتدأ { واتبعتهم } معطوف على آمنوا ذريتهم } الصغار والكبار وفي قراءة (ذرياتهم)، { بإيمن } من الكبار ومن أولادهم الصغار. والخبر { ألحقنا بهم ذريتهم } المذكورين في الجنة، فيكونون في درجتهم وإن لم يعملوا بعملهم تكرمة للآباء باجتماع الأولاد إليهم { وما ألتنهم } بفتح اللام وكسرها نقصناهم { من عملهم من } زائدة { شىء } يزاد في عمل الأولاد { كل امرىء بما كسب } من عمل خير أو شر { رهين } مرهون يؤاخذ بالشر ويجازى بالخير.
[52.22]
{ وأمددنهم } زدناهم في وقت بعد وقت { بفكهة ولحم مما يشتهون } وإن لم يصرحوا بطلبه.
[52.23]
{ يتنزعون } يتعاطون بينهم { فيها } أي الجنة { كأسا } خمرا { لا لغو فيها } أي بسبب شربها يقع بينهم { ولا تأثيم } به يلحقهم بخلاف خمر الدنيا.
[52.24]
{ ويطوف عليهم } للخدمة { غلمان } أرقاء { لهم كأنهم } حسنا ولطافة { لؤلؤ مكنون } مصون في الصدف لأنه فيها أحسن منه في غيرها.
[52.25]
{ وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } يسأل بعضهم بعضا عما كانوا عليه وما وصلوا إليه تلذذا واعترافا بالنعمة.
[52.26]
{ قالوا } إيماء إلى علة الوصول { إنا كنا قبل فى أهلنا } في الدنيا { مشفقين } خائفين من عذاب الله.
[52.27]
{ فمن الله علينا } بالمغفرة { ووقنا عذاب السموم } أي النار لدخولها في المسام وقالوا إيماء أيضا.
[52.28]
{ إنا كنا من قبل } أي في الدنيا { ندعوه } أي نعبده موحدين { إنه } بالكسر استئنافا وإن كان تعليلا معنى وبالفتح تعليلا لفظا { هو البر } المحسن الصادق في وعده { الرحيم } العظيم الرحمة.
[52.29]
{ فذكر } دم على تذكير المشركين ولا ترجع عنه لقولهم لك كاهن مجنون { فما أنت بنعمة ربك } أي بإنعامه عليك { بكاهن } خبر ما { ولا مجنون } معطوف عليه.
[52.30]
{ أم } بل { يقولون } هو { شاعر نتربص به ريب المنون } حوادث الدهر فيهلك كغيره من الشعراء.
[52.31]
{ قل تربصوا } هلاكي { فإنى معكم من المتربصين } هلاكهم فعذبوا بالسيف يوم بدر، والتربص الانتظار.
[52.32]
{ أم تأمرهم أحلمهم }؟عقولهم { بهذا } أي قولهم له: ساحر كاهن شاعر مجنون؟ أي لا تأمرهم بذلك { أم } بل { هم قوم طغون } بعنادهم.
[52.33]
{ أم يقولون تقوله } اختلق القرآن لم يختلقه { بل لا يؤمنون } استكبارا فإن قالوا اختلقه.
[52.34]
{ فليأتوا بحديث } مختلق { مثله إن كانوا صدقين } في قولهم.
[52.35]
{ أم خلقوا من غير شىء } من غير خالق { أم هم الخلقون } أنفسهم؟ ولا يعقل مخلوق بغير خالق ولا معدوم يخلق فلا بد لهم من خالق هو الله الواحد فلم لا يوحدونه ويؤمنون برسوله وكتابه؟
[52.36]
{ أم خلقوا السموات والأرض } ولا يقدر على خلقهما إلا الله الخالق فلم لا يعبدونه؟ { بل لا يوقنون } به وإلا لآمنوا بنبيه.
[52.37]
{ أم عندهم خزائن ربك } من النبوة والرزق وغيرهما فيخصوا من شاؤوا بما شاؤوا { أم هم المسيطرون } المتسلطون الجبارون؟ وفعله سيطر ومثله بيطر وبيقر.
[52.38]
{ أم لهم سلم } مرقى إلى السماء { يستمعون فيه } أي عليه كلام الملائكة حتى يمكنهم منازعة النبي بزعمهم إن ادعوا ذلك { فليأت مستمعهم } أي مدعي الاستماع عليه { بسلطن مبين } بحجة بينة واضحة ولشبه هذا الزعم بزعمهم أن الملائكة بنات الله قال تعالى:
[52.39]
{ أم له البنت } أي بزعمكم { ولكم البنون } تعالى الله عما زعموه.
[52.40]
{ أم تسئلهم أجرا } على ما جئتهم به من الدين { فهم من مغرم } غرم ذلك { مثقلون } فلا يسلمون.
[52.41]
{ أم عندهم الغيب } أي علمه { فهم يكتبون } ذلك حتى يمكنهم منازعة النبي صلى الله عليه وسلم في البعث وأمور الآخرة بزعمهم؟
[52.42]
{ أم يريدون كيدا } بك ليهلكوك في دار الندوة { فالذين كفروا هم المكيدون } المغلوبون المهلكون فحفظه الله منهم ثم أهلكهم ببدر.
[52.43]
{ أم لهم إله غير الله سبحن الله عما يشركون } به من الآلهة والاستفهام بأم في مواضعها للتقبيح والتوبيخ.
[52.44]
{ وإن يروا كسفا } بعضا { من السماء ساقطا } عليهم كما قالوا
فأسقط علينا كسفا من السمآء
أي تعذيبا لهم { يقولوا } هذا { سحب مركوم } متراكب نرتوي به ولا يؤمنون.
[52.45]
{ فذرهم حتى يلقوا يومهم الذى فيه يصعقون } يموتون.
[52.46]
{ يوم لا يغنى } بدل من يومهم { عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون } يمنعون من العذاب في الآخرة.
[52.47]
{ وإن للذين ظلموا } بكفرهم { عذابا دون ذلك } أي في الدنيا قبل موتهم فعذبوا بالجوع والقحط سبع سنين وبالقتل يوم بدر { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن العذاب ينزل بهم.
[52.48]
{ واصبر لحكم ربك } بإمهالهم ولا يضيق صدرك { فإنك بأعيننا } بمرأى منا نراك ونحفظك { وسبح } متلبسا { بحمد ربك } أي قل: سبحان الله وبحمده { حين تقوم } من منامك أو من مجلسك.
[52.49]
{ ومن اليل فسبحه } حقيقة أيضا { وإدبر النجوم } مصدر، أي عقب غروبها سبحه أيضا أو صل في الأول العشاءين، وفي الثاني الفجر وقيل الصبح.
[53 - سورة النجم]
[53.1]
{ والنجم } الثريا { إذا هوى } غاب.
[53.2]
{ ما ضل صاحبكم } محمد عليه الصلاة والسلام عن طريق الهداية { وما غوى } ما لابس الغي وهو جهل من اعتقاد فاسد.
[53.3]
{ وما ينطق } بما يأتيكم به { عن الهوى } هوى نفسه.
[53.4]
{ إن } ما { هو إلا وحى يوحى } إليه.
[53.5]
{ علمه } إياه ملك { شديد القوى }.
[53.6]
{ ذو مرة } قوة وشدة أو منظر حسن أي جبريل عليه السلام { فاستوى } استقر.
[53.7]
{ وهو بالأفق الأعلى } أفق الشمس، أي عند مطلعها على صورته التي خلق عليها فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وكان بحراء قد سد الأفق إلى المغرب فخر مغشيا عليه وكان قد سأله أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها فواعده بحراء فنزل جبريل له في صورة الآدميين.
[53.8]
{ ثم دنا } قرب منه { فتدلى } زاد في القرب.
[53.9]
{ فكان } منه { قاب } قدر { قوسين أو أدنى } من ذلك حتى أفاق وسكن روعه.
[53.10]
{ فأوحى } تعالى { إلى عبده } جبريل { مآ أوحى } جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر الموحي تفخيما لشأنه.
[53.11]
{ ما كذب } بالتخفيف والتشديد أنكر { الفؤاد } فؤاد النبي { ما رأى } ببصره من صورة جبريل.
[53.12]
{ أفتمرونه } تجادلونه وتغلبونه { على ما يرى } خطاب للمشركين المنكرين رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل.
[53.13]
{ ولقد رءاه } على صورته { نزلة } مرة { أخرى }.
[53.14]
{ عند سدرة المنتهى } لما أسري به في السموات وهي شجرة نبق عن يمين العرش لا يتجاوزها أحد من الملائكة وغيرهم.
[53.15]
{ عندها جنة المأوى } تأوي إليها الملائكة أوأرواح الشهداء والمتقون.
[53.16]
{ إذ } حين { يغشى السدرة ما يغشى } من طير وغيره،وإذ معمولة لرآه.
[53.17]
{ ما زاغ البصر } من النبي صلى الله عليه وسلم { وما طغى } أي ما مال بصره عن مرئيه المقصود له ولا جاوزه تلك الليلة.
[53.18]
{ لقد رأى } فيها { من ءايت ربه الكبرى } أي العظام، أي بعضها فرأى من عجائب الملكوت رفرفا أخضر سد أفق السماء وجبريل له ستمائة جناح.
[53.19]
{ أفرءيتم اللت والعزى }.
[53.20]
{ ومنوة الثالثة } للتين قبلها { الأخرى } صفة ذم للثالثة وهي أصنام من حجارة كان المشركون يعبدونها ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله ومفعول أفرأيتم الأول اللات وما عطف عليه والثاني محذوف،والمعنى أخبروني ألهذه الأصنام قدرة على شيء ما فتعبدونها دون الله القادر على ما تقدم ذكره؟ولما زعموا أيضا أن الملائكة بنات الله مع كراهتهم البنات نزلت:
[53.21]
{ ألكم الذكر وله الأنثى }.
[53.22]
{ تلك إذا قسمة ضيزى } جائرة من ضازه يضيزه إذا ظلمه وجار عليه.
[53.23]
{ إن هى } أي ما المذكورات { إلا أسمآء سميتموهآ } أي سميتم بها { أنتم وءابآؤكم } أصناما تعبدونها { مآ أنزل الله بها } أي بعبادتها { من سلطن } حجة وبرهان { إن } ما { يتبعون } في عبادتها { إلا الظن وما تهوى الأنفس } مما زين لهم الشيطان من أنها تشفع لهم عند الله تعالى { ولقد جآءهم من ربهم الهدى } على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بالبرهان القاطع فلم يرجعوا عما هم عليه.
[53.24]
{ أم للإنسن } أي لكل إنسان منهم { ما تمنى } من أن الأصنام تشفع لهم؟ ليس الأمر كذلك.
[53.25]
{ فلله الأخرة والأولى } أي الدنيا فلا يقع فيهما إلا ما يريده تعالى.
[53.26]
{ وكم من ملك } أي وكثير من الملائكة { في السموات } وما أكرمهم عند الله { لا تغنى شفعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله } لهم فيها { لمن يشاء } من عباده { ويرضى } عنه لقوله
ولا يشفعون إلا لمن ارتضى
[28:21] ومعلوم أنها لا توجد منهم إلا بعد الإذن فيها
من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه
[255:2].
[53.27]
{ إن الذين لا يؤمنون بالأخرة ليسمون الملئكة تسمية الأنثى } حيث قالوا هم بنات الله.
[53.28]
{ وما لهم به } بهذا المقول { من علم إن } ما { يتبعون } فيه { إلا الظن } الذي تخيلوه { وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا } أي عن العلم فيما المطلوب فيه العلم.
[53.29]
{ فأعرض عن من تولى عن ذكرنا } أي القرآن { ولم يرد إلا الحيوة الدنيا } وهذا قبل الأمر بالجهاد.
[53.30]
{ ذلك } أي طلب الدنيا { مبلغهم من العلم } أي نهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى } أي عالم بهما فيجازيهما.
[53.31]
{ ولله ما فى السموات وما في الأرض } أي هو مالك لذلك ومنه الضال والمهتدي يضل من يشاء ويهدي من يشاء { ليجزى الذين أسئوا بما عملوا } من الشرك وغيره { ويجزى الذين أحسنوا } بالتوحيد وغيره من الطاعات { بالحسنى } أي الجنة.
[53.32]
وبين المحسنين بقوله { الذين يجتنبون كبئر الإثم والفوحش إلا اللمم } هو صغار الذنوب كالنظرة والقبلة واللمسة فهو استثناء منقطع ، والمعنى لكن اللمم يغفر باجتناب الكبائر { إن ربك وسع المغفرة } بذلك وبقبول التوبة، ونزل فيمن كان يقول صلاتنا صيامنا حجنا: { هو أعلم } أي عالم { بكم إذ أنشأكم من الأرض } أي خلق أباكم آدم من التراب { وإذ أنتم أجنة } جمع جنين { فى بطون أمهتكم فلا تزكوا أنفسكم } لا تمدحوها أي على سبيل الإعجاب، أما على سبيل الاعتراف بالنعمة فحسن { هو أعلم } أي عالم { بمن اتقى }.
[53.33]
{ أفرأيت الذى تولى } عن الإيمان؟ أي ارتد لما عير به وقال إني خشيت عذاب الله وضمن له المعير له أن يحمل عنه عذاب الله إن رجع إلى شركه وأعطاه من ماله كذا فرجع.
[53.34]
{ وأعطى قليلا } من المال المسمى { وأكدى } منع الباقي مأخوذ من الكدية وهي أرض صلبة كالصخرة تمنع حافر البئر إذا وصل إليها من الحفر.
[53.35]
{ علم الغيب فهو يرى } يعلم من جملته أن غيره يتحمل عنه عذاب الآخرة؟ لا، وهو الوليد بن المغيرة أو غيره، وجملة أعنده المفعول الثاني لرأيت بمعنى أخبرني.
[53.36]
{ أم } بل { لم ينبأ بما فى صحف موسى } أسفار التوراة أو صحف قبلها.
[53.37]
{ و } وصحف { إبراهيم الذى وفى } تمم ما أمر به؟نحو
وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن
[124:2] وبيان ما.
[53.38]
{ أ } ن { لا تزر وزرة وزر أخرى } إلخ وأن مخففة من الثقيلة،أي أنه لا تحمل نفس ذنب غيرها.
[53.39]
{ وأن } أي أنه { ليس للإنسن إلا ما سعى } من خير فليس له من سعي غيره الخير شيء.
[53.40]
{ وأن سعيه سوف يرى } أي يبصر في الآخرة.
[53.41]
{ ثم يجزاه الجزاء الاوفى } الأكمل يقال جزيته سعيه وبسعيه.
[53.42]
{ وأن } بالفتح عطفا وقرىء بالكسر استئنافا وكذا ما بعدها فلا يكون مضمون الجمل في الصحف على الثاني { إلى ربك المنتهى } المرجع والمصير بعد الموت فيجازيهم.
[53.43]
{ وأنه هو أضحك } من شاء أفرحه { وأبكى } من شاء أحزنه.
[53.44]
{ وأنه هو أمات } في الدنيا { وأحيا } للبعث.
[53.45]
{ وأنه خلق الزوجين } الصنفين { الذكر والأنثى }.
[53.46]
{ من نطفة } مني { إذا تمنى } تصب في الرحم.
[53.47]
{ وأن عليه النشأة } بالمد والقصر { الأخرى } الخلقة الأخرى للبعث بعد الخلقة الأولى.
[53.48]
{ وأنه هو أغنى } الناس بالكفاية بالأموال { وأقنى } أعطى المال المتخذ قنية.
[53.49]
{ وأنه هو رب الشعرى } هو كوكب خلف الجوزاء كانت تعبد في الجاهلية.
[53.50]
{ وأنه أهلك عادا الأولى } وفي قراءة بإدغام التنوين في اللام وضمها وبلا همزة، هي قوم عاد والأخرى قوم صالح.
[53.51]
{ وثمودا } بالصرف اسم للأب وبلا صرف للقبيلة وهو معطوف على عاد { فما أبقى } منهم أحدا.
[53.52]
{ وقوم نوح من قبل } أي قبل عاد وثمود أهلكناهم { إنهم كانوا هم أظلم وأطغى } من عاد وثمود لطول لبث نوح فيهم
فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما
[14:29] وهم مع عدم إيمانهم به يؤذونه ويضربونه.
[53.53]
{ والمؤتفكة } وهي قرى قوم لوط { أهوى } أسقطها بعد رفعها إلى السماء مقلوبة إلى الأرض بأمره جبريل بذلك.
[53.54]
{ فغشها } من الحجارة بعد ذلك { ما غشى } أبهم تهويلا وفي هود
جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل
[82:11].
[53.55]
{ فبأى ءالآء ربك } أنعمه الدالة على وحدانيته وقدرته { تتمارى } تتشكك أيها الإنسان أو تكذب؟
[53.56]
{ هذا } محمد { نذير من النذر الأولى } من جنسهم ،أي رسول كالرسل قبله أرسل إليكم كما أرسلوا إلى أقوامهم.
[53.57]
{ أزفت الأزفة } قربت القيامة.
[53.58]
{ ليس لها من دون الله } نفس { كاشفة } أي لا يكشفها ويظهرها إلا هو كقوله
لا يجليها لوقتها إلا هو
[187:7].
[53.59]
{ أفمن هذا الحديث } أي القرآن { تعجبون } تكذيبا.
[53.60]
{ وتضحكون } استهزاء { ولا تبكون } لسماع وعده ووعيده.
[53.61]
{ وأنتم سمدون } لاهون غافلون عما يطلب منكم.
[53.62]
{ فاسجدوا لله } الذي خلقكم { واعبدوا } ولا تسجدوا للأصنام ولا تعبدوها.
[54 - سورة القمر]
[54.1]
{ اقتربت الساعة } قربت القيامة { وانشق القمر } انفلق فلقتين على أبي قبيس وقعيقعان آية له صلى الله عليه وسلم وقد سئلها فقال (اشهدوا) رواه الشيخان.
[54.2]
{ وإن يروا } أي كفار قريش { ءاية } معجزة له صلى الله عليه وسلم { يعرضوا ويقولوا } هذا { سحر مستمر } قوي من المرة:القوة أو دائم.
[54.3]
{ وكذبوا } النبي صلى الله عليه وسلم { واتبعوا أهواءهم } في الباطل { وكل أمر } من الخير والشر { مستقر } بأهله في الجنة أو النار.
[54.4]
{ ولقد جآءهم من الأنبآء } أخبار إهلاك الأمم المكذبة رسلهم { ما فيه مزدجر } لهم اسم مصدر أو اسم مكان والدال بدل من تاء الافتعال وازدجرته وزجرته: نهيته بغلظة وما موصولة أو موصوفة.
[54.5]
{ حكمة } خبر مبتدأ محذوف أو بدل من ما أو من مزدجر { بلغة } تامة { فما تغن } تنفع فيهم { النذر } جمع نذير بمعنى منذر، أي الأمور المنذرة لهم وما للنفي أو للاستفهام الإنكاري وهي على الثاني مفعول مقدم.
[54.6]
{ فتول عنهم } هو فائدة ما قبله وتم به الكلام { يوم يدع الداع } هو إسرافيل وناصب يوم يخرجون بعد { إلى شىء نكر } بضم الكاف وسكونها ،أي منكر تنكره النفوس لشدته وهو الحساب.
[54.7]
{ خشعا } ذليلا وفي قراءة خشعا بضم الخاء وفتح الشين مشددة { أبصرهم } حال من فاعل { يخرجون } أي الناس { من الأجداث } القبور { كأنهم جراد منتشر } لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة ، والجملة حال من فاعل يخرجون وكذا قوله.
[54.8]
{ مهطعين } أي مسرعين مادين أعناقهم { إلى الداع يقولالكفرون } منهم { هذا يوم عسر } أي صعب على الكافرين كما في المدثر
يوم عسير على الكافرين
[10,9:74].
[54.9]
{ كذبت قبلهم } قبل قريش { قوم نوح } تأنيث الفعل لمعنى قوم { فكذبوا عبدنا } نوحا { وقالوا مجنون وازدجر } أي انتهروه بالسب وغيره.
[54.10]
{ فدعا ربه أنى } بالفتح ،أي بأني { مغلوب فانتصر }.
[54.11]
{ ففتحنآ } بالتخفيف والتشديد { أبوب السمآء بمآء منهمر } منصب انصبابا شديدا.
[54.12]
{ وفجرنا الأرض عيونا } تنبع { فالتقى المآء } ماء السماء والأرض { على أمر } حال { قد قدر } قضي به في الأزل وهو هلاكهم غرقا.
[54.13]
{ وحملناه } أي نوحا { على } سفينة { ذات ألوح ودسر } وهو ما تشد به الألواح من المسامير وغيرها واحدها دسار ككتاب.
[54.14]
{ تجرى بأعيننا } بمرأى منا ،أي محفوظة { جزآء } منصوب بفعل مقدر أي أغرقوا انتصارا { لمن كان كفر } وهو نوح عليه السلام وقرىء( كفر) بالبناء للفاعل أي أغرقوا عقابا لهم.
[54.15]
{ ولقد تركنهآ } أبقينا هذه الفعلة { ءاية } لمن يعتبر بها؟أي شاع خبرها واستمر { فهل من مدكر } معتبر ومتعظ بها؟ وأصله مذتكر أبدلت التاء دالا مهملة وكذا المعجمة وأدغمت فيها.
[54.16]
{ فكيف كان عذابى ونذر } أي إنذاري؟ استفهام تقرير و(كيف) خبر كان وهي للسؤال عن الحال والمعنى حمل المخاطبين على الإقرار بوقوع عذابه تعالى بالمكذبين لنوح موقعه.
[54.17]
{ ولقد يسرنا القرءان للذكر } سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر { فهل من مدكر } متعظ به وحافظ له؟ والاستفهام بمعنى الأمر ،أي احفظوه واتعظوا به وليس يحفظ من كتب الله عن ظهر القلب غيره.
[54.18]
{ كذبت عاد } نبيهم هودا فعذبوا { فكيف كان عذابى ونذر } أي إنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله؟ أي وقع موقعه وقد بينه بقوله:
[54.19]
{ إنآ أرسلنا عليهم ريحا صرصرا } أي شديدة الصوت { فى يوم نحس } شؤم { مستمر } دائم الشؤم أو قويه وكان يوم الأربعاء آخر الشهر.
[54.20]
{ تنزع الناس } تقلعهم من حفر الأرض المندسين فيها وتصرعهم على رؤوسهم فتدق رقابهم فتبين الرأس عن الجسد { كأنهم } وحالهم ما ذكر { أعجاز } أصول { نخل منقعر } منقلع ساقط على الأرض وشبهوا بالنخل لطولهم وذكر هنا وأنث في الحاقة
نخل خاوية
[7:69] مراعاة للفواصل في الموضعين.
[54.21]
{ فكيف كان عذابى ونذر }.
[54.22]
{ ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر }.
[54.23]
{ كذبت ثمود بالنذر } جمع نذير بمعنى منذر،أي بالأمور التي أنذرهم بها نبيهم صالح إن لم يؤمنوا به ويتبعوه.
[54.24]
{ فقالوا أبشرا } منصوب على الاشتغال { منا وحدا } صفتان ل (بشرا) { نتبعه } مفسر للفعل الناصب له والاستفهام بمعنى النفي، المعنى: كيف نتبعه ونحن جماعة كثيرة وهو واحد منا وليس بملك؟ أي لا نتبعه { إنا إذا } أي إن اتبعناه { لفى ضلل } ذهاب عن الصواب { وسعر } جنون.
[54.25]
{ أءلقي } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وادخال ألف بينهما على الوجهين وتركه { الذكر } الوحي { عليه من بيننا } أي لم يوح إليه { بل هو كذاب } في قوله إنه أوحي إليه ما ذكر { أشر } متكبر بطر، قال تعالى:
[54.26]
{ سيعلمون غدا } في الآخرة { من الكذاب الاشر } وهوهم بأن يعذبوا على تكذيبهم نبيهم صالحا.
[54.27]
{ إنا مرسلوا الناقة } مخرجوها من الهضبة الصخرة كما سألوا { فتنة } محنة { لهم } لنختبرهم { فارتقبهم } يا صالح أي انتظر ما هم صانعون وما نصنع بهم { واصطبر } الطاء بدل من تاء الافتعال أي اصبر على أذاهم.
[54.28]
{ ونبئهم أن المآء قسمة } مقسوم { بينهم } وبين الناقة فيوم لهم ويوم لها { كل شرب } نصيب من الماء { محتضر } يحضر القوم يومهم والناقة يومها فتمادوا على ذلك ثم ملوه فهموا بقتل الناقة.
[54.29]
{ فنادوا صاحبهم } قدارا ليقتلها { فتعاطى } تناول السيف { فعقر } به الناقة، أي قتلها موافقة لهم.
[54.30]
{ فكيف كان عذابى ونذر } أي إنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله أي وقع موقعه وبينه بقوله:
[54.31]
{ إنآ أرسلنا عليهم صيحة وحدة فكانوا كهشيم المحتظر } هو الذي يجعل لغنمه حظيرة من يابس الشجر والشوك يحفظهن فيها من الذئاب والسباع وما سقط من ذلك فداسته هو الهشيم.
[54.32]
{ ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر }.
[54.33]
{ كذبت قوم لوط بالنذر } أي بالأمور المنذرة لهم على لسانه.
[54.34]
{ إنآ أرسلنا عليهم حاصبا } ريحا ترميهم بالحصباء وهي صغار الحجارة الواحد دون ملء الكف فهلكوا { إلا ءال لوط } وهم ابنتاه معه { نجينهم بسحر } من الأسحار أي وقت الصبح من يوم غير معين ولو أريد من يوم معين لمنع الصرف لأنه معرفة معدول عن السحر لأن حقه أن يستعمل في المعرفة بأل وهل أرسل الحاصب على آل لوط أولا؟ قولان وعبر عن الاستثناء على الأول بأنه متصل وعلى الثاني بأنه منقطع وإن كان من الجنس تسمحا.
[54.35]
{ نعمة } مصدر،أي إنعاما { من عندنا كذلك } أي مثل ذلك الجزاء { نجزى من شكر } أنعمنا وهو مؤمن أو من آمن بالله ورسوله وأطاعهما.
[54.36]
{ ولقد أنذرهم } خوفهم لوط { بطشتنا } أخذتنا إياهم بالعذاب { فتماروا } تجادلوا وكذبوا { بالنذر } بإنذاره.
[54.37]
{ ولقد راودوه عن ضيفه } أي أن يخلي بينهم وبين القوم الذين أتوه في صورة الأضياف ليخبثوا بهم وكانوا ملائكة { فطمسنآ أعينهم } أعميناهم وجعلناها بلا شق كباقي الوجه بأن صفقها جبريل بجناحه { فذوقوا } فقلنا لهم ذوقوا { عذابى ونذر } أي إنذاري وتخويفي، أي ثمرته وفائدته.
[54.38]
{ ولقد صبحهم بكرة } وقت الصبح من يوم غير معين { عذاب مستقر } دائم متصل بعذاب الآخرة.
[54.39]
{ فذوقوا عذابى ونذر }.
[54.40]
{ ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر }.
[54.41]
{ ولقد جآء ءال فرعون } قومه معه { النذر } الإنذار على لسان موسى وهارون فلم يؤمنوا.
[54.42]
بل { كذبوا بئايتنا كلها } أي التسع التي أوتيها موسى { فأخذنهم } بالعذاب { أخذ عزيز } قوي { مقتدر } قادر لا يعجزه شيء.
[54.43]
{ أكفاركم } يا قريش { خير من أولئكم } المذكورين من قوم نوح إلى فرعون فلم يعذبوا؟ { أم لكم } يا كفار قريش { برآءة } من العذاب { فى الزبر } الكتب؟ والاستفهام في الموضعين بمعنى النفي أي ليس الأمر كذلك.
[54.44]
{ أم يقولون } أي كفار قريش { نحن جميع } أي جمع { منتصر } على محمد ولما قال أبو جهل يوم بدر إنا جمع منتصر نزل:
[54.45]
{ سيهزم الجمع ويولون الدبر } فهزموا ببدر ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم.
[54.46]
{ بل الساعة موعدهم } بالعذاب { والساعة } أي عذابها { أدهى } أعظم بلية { وأمر } أشد مرارة من عذاب الدنيا.
[54.47]
{ إن المجرمين فى ضلل } هلاك بالقتل في الدنيا { وسعر } نار مسعرة بالتشديد أي مهيجة في الآخرة.
[54.48]
{ يوم يسحبون فى النار على وجوههم } أي في الآخرة ويقال لهم { ذوقوا مس سقر } إصابة جهنم لكم.
[54.49]
{ إنا كل شىء } منصوب بفعل يفسره { خلقنه بقدر } بتقدير حال من كل أي مقدرا، وقرىء (كل) بالرفع مبتدأ خبره خلقناه.
[54.50]
{ ومآ أمرنآ } لشيء نريد وجوده { إلا } أمرة { وحدة كلمح بالبصر } في السرعة وهي قول (كن) فيوجد
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
[82:36].
[54.51]
{ ولقد أهلكنآ أشياعكم } أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية { فهل من مدكر }؟استفهام بمعنى الأمر، أي اذكروا واتعظوا.
[54.52]
{ وكل شىء فعلوه } أي العباد مكتوب { فى الزبر } كتب الحفظة.
[54.53]
{ وكل صغير وكبير } من الذنب أو العمل { مستطر } مكتوب في اللوح المحفوظ.
[54.54]
{ إن المتقين فى جنت } بساتين { ونهر } أريد به الجنس ،وقرىء بضم النون والهاء جمعا كأسد وأسد،و المعنى إنهم يشربون من أنهارها الماء واللبن والعسل والخمر.
[54.55]
{ فى مقعد صدق } مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم أريد به الجنس، وقرىء (مقاعد) المعنى أنهم في مجالس من الجنات سالمة من اللغو والتأثيم بخلاف مجالس الدنيا فقل أن تسلم من ذلك، وأعرب هذا خبرا ثانيا وبدلا وهو صادق ببدل البعض وغيره { عند مليك } مثال مبالغة، أي عزيز الملك واسعه { مقتدر } قادر لا يعجزه شيء وهو الله تعالى (عند) إشارة إلى الرتبة ومن فضله تعالى.
[55 - سورة الرحمن]
[55.1]
{ الرحمن } الله تعالى.
[55.2]
{ علم } من شاء { القرءان }.
[55.3]
{ خلق الإنسن } أي الجنس.
[55.4]
{ علمه البيان } النطق.
[55.5]
{ الشمس والقمر بحسبان } يجريان.
[55.6]
{ والنجم } ما لا ساق له من النبات { والشجر } ما له ساق { يسجدان } يخضعان بما يراد منهما.
[55.7]
{ والسماء رفعها ووضع الميزان } أثبت العدل.
[55.8]
{ ألا تطغوا } أي لأجل أن لا تجوروا { فى الميزان } ما يوزن به.
[55.9]
{ وأقيموا الوزن بالقسط } بالعدل { ولا تخسروا الميزان } تنقصوا الموزون.
[55.10]
{ والأرض وضعها } أثبتها { للأنام } للخلق الإنس والجن وغيرهم.
[55.11]
{ فيها فكهة والنخل } المعهود { ذات الأكمام } أوعية طلعها.
[55.12]
{ والحب } كالحنطة والشعير { ذو العصف } التبن { والريحان } الورق أو المشموم.
[55.13]
{ فبأى الاء } نعم { ربكما } أيها الإنس والجن { تكذبان } ذكرت إحدى وثلاثين مرة والاستفهام فيها للتقرير لما روى الحاكم عن جابر قال: قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال
" ما لي أراكم سكوتا للجن كانوا أحسن منكم ردا ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة فبأي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد "
[55.14]
{ خلق الإنسن } آدم { من صلصل } طين يابس يسمع له صلصلة أي صوت إذا نقر { كالفخار } وهو ما طبخ من الطين.
[55.15]
{ وخلق الجآن } أبا الجن وهو إبليس { من مارج من نار } هو لهبها الخالص من الدخان.
[55.16]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.17]
{ رب المشرقين } مشرق الشتاء ومشرق الصيف { ورب المغربين } كذلك.
[55.18]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.19]
{ مرج } أرسل { البحرين } العذب والملح { يلتقيان } في رأي العين.
[55.20]
{ بينهما برزخ } حاجز من قدرته تعالى { لا يبغيان } لا يبغي واحد منهما على الآخر فيختلط به.
[55.21]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.22]
{ يخرج } بالبناء للمفعول والفاعل { منهما } من مجموعهما الصادق بأحدهما والملح { اللؤلؤ والمرجان } خرز أحمر أو صغار اللؤلؤ.
[55.23]
{ فبأى ءالاء ربكما تكذبان }.
[55.24]
{ وله الجوار } السفن { المنشئات } المحدثات { فى البحر كالأعلم } كالجبال عظما وارتفاعا.
[55.25]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.26]
{ كل من عليها } أي الأرض من الحيوان { فان } هالك وعبر بمن تغليبا للعقلاء.
[55.27]
{ ويبقى وجه ربك } ذاته { ذو الجلل } العظمة { والإكرام } للمؤمنين بأنعمه عليهم.
[55.28]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.29]
{ يسئله من فى السموات والأرض } أي بنطق أو حال : ما يحتاجون إليه من القوة على العبادة والرزق والمغفرة وغير ذلك { كل يوم } وقت { هو فى شأن } أمر يظهره على وفق ما قدره في الأزل من إحياء وإماتة وإعزاز وإذلال وإغناء وإعدام وإجابة داع وإعطاء سائل وغير ذلك.
[55.30]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.31]
{ سنفرغ لكم } سنقصد لحسابكم { أيه الثقلان } الإنس والجن.
[55.32]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.33]
{ يمعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا } تخرجوا { من أقطار } نواحي { السموات والأرض فانفذوا } أمر تعجيز { لا تنفذون إلا بسلطن } بقوة ولا قوة لكم على ذلك.
[55.34]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.35]
{ يرسل عليكما شواظ من نار } هو لهبها الخالص من الدخان أو معه { ونحاس } أي دخان لا لهب فيه { فلا تنتصران } تمتنعان من ذلك، بل يسوقكم إلى المحشر.
[55.36]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.37]
{ فإذا انشقت السمآء } انفرجت أبوابا لنزول الملائكة { فكانت وردة } أي مثلها محمرة { كالدهان } الأديم الأحمر على خلاف العهد بها وجواب إذا فما أعظم الهول؟
[55.38]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.39]
{ فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جآن } عن ذنبه ويسألون في وقت آخر
فوربك لنسئلنهم أجمعين
[92:15] والجان هنا وفيما سيأتي بمعنى الجني، والإنس فيهما بمعنى الإنسي.
[55.40]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.41]
{ يعرف المجرمون بسيمهم } أي سواد الوجوه وزرقة العيون { فيؤخذ بالنواصى والأقدام }.
[55.42]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان } أي تضم ناصية كل منهما إلى قدميه من خلف أو قدام ويلقى في النار ويقال لهم:
[55.43]
{ هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون }.
[55.44]
{ يطوفون } يسعون { بينها وبين حميم } ماء حار { آن } شديد الحرارة يسقونه إذا استغاثوا من حر النار، وهو منقوص كقاض.
[55.45]
{ فبأى ءا|لآء ربكما تكذبان }.
[55.46]
{ ولمن خاف } أي لكل منهم أو لمجموعهم { مقام ربه } قيامه بين يديه للحساب فترك معصيته { جنتان }.
[55.47]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.48]
{ ذواتآ } تثنية ذوات على الأصل ولامها ياء { أفنان } أغصان جمع فنن كطلل.
[55.49]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.50]
{ فيهما عينان تجريان }.
[55.51]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.52]
{ فيهما من كل فكهة } في الدنيا أو كل ما يتفكه به { زوجان } نوعان رطب ويابس والمر منهما في الدنيا كالحنظل وحلو.
[55.53]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.54]
{ متكئين } حال عامله محذوف، أي يتنعمون { على فرش بطآئنها من إستبرق } ما غلظ من الديباج وخشن، والظهائر من السندس { وجنى الجنتين } ثمرهما { دان } قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع.
[55.55]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.56]
{ فيهن } في الجنتين وما اشتملتا عليه من العلالي والقصور { قصرت الطرف } العين على أزواجهن المتكئين من الإنس والجن { لم يطمثهن } يفتضهن وهن من الحور أو من نساء الدنيا المنشآت { إنس قبلهم ولا جآن }.
[55.57]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.58]
{ كأنهن الياقوت } صفاء { والمرجان } أي اللؤلؤ بياضا.
[55.59]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.60]
{ هل } ما { جزآء الإحسن } بالطاعة { إلا الإحسن } بالنعيم.
[55.61]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.62]
{ ومن دونهما } أي الجنتين المذكورتين { جنتان } أيضا لمن خاف مقام ربه.
[55.63]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.64]
{ مدهآمتان } سوداوان من شدة خضرتهما.
[55.65]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.66]
{ فيهما عينان نضاختان } فوارتان بالماء لا تنقطعان.
[55.67]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.68]
{ فيهما فكهة ونخل ورمان } هما منها وقيل من غيرها.
[55.69]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.70]
{ فيهن } أي الجنتين وقصورها { خيرت } أخلاقا { حسان } وجوها.
[55.71]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.72]
{ حور } شديدات سواد العيون وبياضها { مقصورت } مستورات { فى الخيام } من در مجوف مضافة إلى القصور شبيهة بالخدور.
[55.73]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.74]
{ لم يطمثهن إنس قبلهم } قبل أزواجهن { ولا جان }.
[55.75]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.76]
{ متكئين } أي أزواجهن، وإعرابه كما تقدم[54:55] { على رفرف خضر } جمع رفرفة أي بسط أو وسائد { وعبقرى حسان } جمع عبقرية، أي طنافس.
[55.77]
{ فبأى ءالآء ربكما تكذبان }.
[55.78]
{ تبرك اسم ربك ذى الجلل والإكرام } تقدم [27:55] ولفظ «اسم» زائد.
[56 - سورة الواقعة]
[56.1]
{ إذا وقعت الواقعة } قامت القيامة.
[56.2]
{ ليس لوقعتها كاذبة } نفس تكذب: بأن تنفيها كما نفتها في الدنيا.
[56.3]
{ خافضة رافعة } أي هي مظهرة لخفض أقوام بدخولهم النار ولرفع آخرين بدخولهم الجنة.
[56.4]
{ إذا رجت الأرض رجا } حركت حركة شديدة.
[56.5]
{ وبست الجبال بسا } فتتت.
[56.6]
{ فكانت هبآء } غبارا { منبثا } منتشرا، و «إذا» الثانية بدل من الأولى.
[56.7]
{ وكنتم } في القيامة { أزوجا } أصنافا { ثلثة }.
[56.8]
{ فأصحب الميمنة } وهم الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم: مبتدأ خبره { مآ أصحب الميمنة } تعظيم لشأنهم بدخولهم الجنة.
[56.9]
{ وأصحب المشئمة } أي الشمال بأن يؤتى كل منهم كتابه بشماله { ما أصحب المشئمة } تحقير لشأنهم بدخولهم النار.
[56.10]
{ والسبقون } إلى الخير وهم الأنبياء: مبتدأ. { السبقون } تأكيد لتعظيم شأنهم.
[56.11]
والخبر { أولئك المقربون }.
[56.12]
{ في جنت النعيم }.
[56.13]
{ ثلة من الأولين } مبتدأ: أي جماعة من الأمم الماضية.
[56.14]
{ وقليل من الآخرين } من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم السابقون من الأمم الماضية وهذه الأمم، والخبر:
[56.15]
{ على سرر موضونة } منسوجة بقضبان الذهب والجواهر.
[56.16]
{ متكئين عليها متقبلين } حالان من الضمير في الخبر.
[56.17]
{ يطوف عليهم } للخدمة { ولدن مخلدون } على شكل الأولاد لا يهرمون.
[56.18]
{ بأكواب } أقداح لا عرى لها { وأباريق } لها عرى وخراطيم { وكأس } إناء يشرب به الخمر { من معين } أي خمر جارية من منبع لا ينقطع أبدا.
[56.19]
{ لا يصدعون عنها ولا ينزفون } بفتح الزاي وكسرها، من نزف الشارب وأنزف: أي لا يحصل لهم منها صداع ولا ذهاب عقل بخلاف خمر الدنيا.
[56.20]
{ وفكهة مما يتخيرون }.
[56.21]
{ ولحم طير مما يشتهون }.
[56.22]
{ و } لهم للاستمتاع. { حور } نساء شديدات سواد العيون وبياضها { عين } ضخام العيون: كسرت عينه بدل ضمها لمجانسة الياء ومفرده عيناء كحمراء. وفي قراءة بجر (حور عين).
[56.23]
{ كأمثل اللؤلؤ المكنون } المصون.
[56.24]
{ جزآء } مفعول له أو مصدر، والعامل مقدر: أي جعلنا لهم ما ذكر للجزاء، أو جزيناهم { بما كانوا يعملون }.
[56.25]
{ لا يسمعون فيها } في الجنة { لغوا } فاحشا من الكلام { ولا تأثيما } أي من يؤثم.
[56.26]
{ إلا } لكن { قيلا } قولا { سلما سلما } بدل من «قيلا» فإنهم يسمعونه.
[56.27]
{ وأصحب اليمين مآ أصحب اليمين }.
[56.28]
{ فى سدر } شجر النبق { مخضود } لا شوك فيه.
[56.29]
{ وطلح } شجر الموز { منضود } بالحمل من أسفله إلى أعلاه.
[56.30]
{ وظل ممدود } دائم.
[56.31]
{ ومآء مسكوب } جار دائما.
[56.32]
{ وفكهة كثيرة }.
[56.33]
{ لا مقطوعة } في زمن { ولا ممنوعة } بثمن.
[56.34]
{ وفرش مرفوعة } على السرر.
[56.35]
{ إنآ أنشأنهن إنشآء } أي الحور العين من غير ولادة.
[56.36]
{ فجعلنهن أبكارا } عذارى كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن عذارى ولا وجع.
[56.37]
{ عربا } بضم الراء وسكونها: جمع عروب: وهي المتحببة إلى زوجها عشقا له { أترابا } جمع ترب: أي مستويات في السن.
[56.38]
{ لأصحب اليمين } صلة «أنشأناهن» أو «جعلناهن» وهم.
[56.39]
{ ثلة من الأولين }.
[56.40]
{ وثلة من الأخرين }.
[56.41]
{ وأصحب الشمال مآ أصحب الشمال }.
[56.42]
{ فى سموم } ريح حارة من النار تنفذ في المسام { وحميم } ماء شديد الحرارة.
[56.43]
{ وظل من يحموم } دخان شديد السواد.
[56.44]
{ لا بارد } كغيره من الظلال { ولا كريم } حسن المنظر.
[56.45]
{ إنهم كانوا قبل ذلك } في الدنيا { مترفين } منعمين لا يتعبون في الطاعة.
[56.46]
{ وكانوا يصرون على الحنث } الذنب { العظيم } أي الشرك.
[56.47]
{ وكانوا يقولون أءذا متنا وكنا ترابا وعظما أءنا لمبعوثون } في الهمزتين في الموضعين التحقيق، وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين.
[56.48]
{ أو ءابآؤنا الأولون } بفتح الواو للعطف والهمزة للاستفهام، وهو في ذلك وفيما قبله للاستبعاد. وفي قراءة بسكون الواو عطفا بأو والمعطوف عليه محل «إن» واسمها.
[56.49]
{ قل إن الأولين والأخرين }.
[56.50]
{ لمجموعون إلى ميقت } وقت { يوم معلوم } أي يوم القيامة.
[56.51]
{ ثم إنكم أيها الضآلون المكذبون }.
[56.52]
{ لأكلون من شجر من زقوم } بيان للشجر.
[56.53]
{ فمالئون منها } من الشجر { البطون }.
[56.54]
{ فشربون عليه } أي الزقوم المأكول { من الحميم }.
[56.55]
{ فشربون شرب } بفتح الشين وضمها: مصدر { الهيم } الإبل العطاش: جمع هيمان للذكر وهيمى للأنثى، كعطشان وعطشى.
[56.56]
{ هذا نزلهم } ما أعد لهم { يوم الدين } يوم القيامة.
[56.57]
{ نحن خلقنكم } أوجدناكم من عدم { فلولا } هلا { تصدقون } بالبعث، إذ القادر على الإنشاء قادر على الإعادة.
[56.58]
{ أفرءيتم ما تمنون } تريقون المني في أرحام النساء؟
[56.59]
{ ءأنتم } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه في المواضع الأربعة { تخلقونه } أي المني بشرا { أم نحن الخلقون }.
[56.60]
{ نحن قدرنا } بالتشديد والتخفيف { بينكم الموت وما نحن بمسبوقين } بعاجزين.
[56.61]
{ على } عن { أن نبدل } أي نجعل { أمثالكم } مكانكم { وننشئكم } نخلقكم { فى ما لا تعلمون } من الصور كالقردة والخنازير.
[56.62]
{ ولقد علمتم النشأة الأولى } بسكون الشين { فلولا تذكرون } فيه إدغام التاء الثانية في الأصل في الذال.
[56.63]
{ أفرءيتم ما تحرثون } تثيرون في الأرض وتلقون البذر فيها.
[56.64]
{ ءأنتم تزرعونه } تنبتونه { أم نحن الزارعون }.
[56.65]
{ لو نشآء لجعلناه حطما } نباتا يابسا لا حب فيه { فظلتم } أصله: ظللتم بكسر اللام حذفت تخفيفا: أي أقمتم نهارا { تفكهون } حذفت منه إحدى التاءين في الأصل: تعجبون من ذلك وتقولون:
[56.66]
{ إنا لمغرمون } نفقة زرعنا.
[56.67]
{ بل نحن محرومون } ممنوعون من رزقنا.
[56.68]
{ أفرءيتم المآء الذى تشربون }.
[56.69]
{ ءأنتم أنزلتموه من المزن } السحاب: جمع مزنة { أم نحن المنزلون }.
[56.70]
{ لو نشآء جعلنه أجاجا } ملحا لا يمكن شربه { فلولا } فهلا { تشكرون }.
[56.71]
{ أفرءيتم النار التى تورون } تخرجون من الشجر الأخضر؟
[56.72]
{ ءأنتم أنشأتم شجرتهآ } كالمرخ والعفار والكلخ { أم نحن المنشئون }.
[56.73]
{ نحن جعلنها تذكرة } لنار جهنم { ومتعا } بلغة { للمقوين } للمسافرين، من أقوى القوم: أي صاروا بالقوى بالقصر والمد: أي القفر وهو مفازة لا نبات فيها ولا ماء.
[56.74]
{ فسبح } نزه { باسم } زائد { ربك العظيم } أي الله.
[56.75]
{ فلا أقسم } «لا» زائدة { بموقع النجوم } بمساقطها لغروبها.
[56.76]
{ وإنه } أي القسم بها { لقسم لو تعلمون عظيم } أي لو كنتم من ذوي العلم لعلمتم عظم هذا القسم.
[56.77]
{ إنه } أي المتلو عليكم { لقرءان كريم }.
[56.78]
{ فى كتب } مكتوب { مكنون } مصون وهو المصحف.
[56.79]
{ لا يمسه } خبر بمعنى النهي { إلا المطهرون } أي الذين طهروا أنفسهم من الأحداث.
[56.80]
{ تنزيل } منزل { من رب العلمين }.
[56.81]
{ أفبهذا الحديث } القرآن { أنتم مدهنون } متهاونون مكذبون؟
[56.82]
{ وتجعلون رزقكم } من المطر: أي شكره { أنكم تكذبون } بسقيا الله حيث قلتم: مطرنا بنوء كذا.
[56.83]
{ فلولا } فهلا { إذا بلغت } الروح وقت النزع { الحلقوم } وهو مجرى الطعام.
[56.84]
{ وأنتم } يا حاضري الميت { حينئذ تنظرون } إليه.
[56.85]
{ ونحن أقرب إليه منكم } بالعلم { ولكن لا تبصرون } من التبصيرة، أي لا تعلمون ذلك.
[56.86]
{ فلولا } فهلا { إن كنتم غير مدينين } مجزيين بأن تبعثوا، أي غير مبعوثين بزعمكم.
[56.87]
{ ترجعونهآ } تردون الروح إلى الجسد بعد بلوغ الحلقوم { إن كنتم صدقين } فيما زعمتم، ف «لولا» الثانية تأكيد للأولى و «إذا» ظرف ل «ترجعون» المتعلق به الشرطان، والمعنى: هلا ترجعونها إن نفيتم البعث صادقين في نفيه أي لينتفي عن محلها الموت كالبعث.
[56.88]
{ فأمآ إن كان } الميت { من المقربين }.
[56.89]
{ فروح } أي فله استراحة { وريحان } رزق حسن { وجنت نعيم } وهل الجواب ل «أما» أو ل «إن» أو لهما؟ أقوال.
[56.90]
{ وأمآ إن كان من أصحب اليمين }.
[56.91]
{ فسلم لك } أي له السلامة من العذاب { من أصحب اليمين } من جهة أنه منهم.
[56.92]
{ وأمآ إن كان من المكذبين الضآلين }.
[56.93]
{ فنزل من حميم }.
[56.94]
{ وتصلية جحيم }.
[56.95]
{ إن هذا لهو حق اليقين } من إضافة الموصوف إلى صفته.
[56.96]
{ فسبح باسم ربك العظيم } تقدم.
[57 - سورة الحديد]
[57.1]
{ سبح لله ما فى السموات والأرض } أي نزهه كل شيء فاللام مزيدة وجيء بما دون من تغليبا للأكثر { وهو العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه.
[57.2]
{ له ملك السموات والأرض يحى } بالإنشاء { ويميت } بعده { وهو على كل شىء قدير }.
[57.3]
{ هو الأول } قبل كل شيء بلا بداية { والأخر } بعد كل شيء بلا نهاية { والظهر } بالأدلة عليه { والبطن } عن إدراك الحواس { وهو بكل شىء عليم }.
[57.4]
{ هو الذى خلق السموات والارض في ستة أيام } من أيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة { ثم استوى على العرش } الكرسي استواء يليق به { يعلم ما يلج } يدخل { فى الارض } كالمطر والأموات { وما يخرج منها } كالنبات والمعادن { وما ينزل من السماء } كالرحمة والعذاب { وما يعرج } يصعد { فيها } كالأعمال الصالحة والسيئة { وهو معكم } بعلمه { أين ما كنتم والله بما تعملون بصير }.
[57.5]
{ له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور } الموجودات جميعها.
[57.6]
{ يولج اليل } يدخله { فى النهار } فيزيد وينقص الليل { ويولج النهار فى اليل } فيزيد وينقص النهار { وهو عليم بذات الصدور } بما فيها من الأسرار والمعتقدات.
[57.7]
{ ءامنوا } دوموا على الإيمان { بالله ورسوله وأنفقوا } في سبيل الله { مما جعلكم مستخلفين فيه } من مال من تقدمكم وسيخلفكم فيه من بعدكم، نزل في غزوة العسرة وهي غزوة تبوك { فالذين ءامنوا منكم وأنفقوا } إشارة إلى عثمان رضي الله عنه { لهم أجر كبير }.
[57.8]
{ وما لكم لا تؤمنون } خطاب للكفار أي لا مانع لكم من الإيمان { بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ } بضم الهمزة وكسر الخاء وبفتحهما ونصب ما بعدهما { ميثقكم } عليه أي أخذه الله في عالم الذر حين
وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى
[ 172:7] { إن كنتم مؤمنين } أي مريدين الإيمان به فبادروا إليه.
[57.9]
{ هو الذى ينزل على عبده ءايت بينت } آيات القرآن { ليخرجكم من الظلمت } الكفر { إلى النور } الإيمان { وإن الله بكم } في إخراجكم من الكفر إلى الإيمان { لرؤوف رحيم }.
[57.10]
{ وما لكم } بعد إيمانكم { ألا } فيه إدغام نون أن في لام لا { تنفقوا فى سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض } بما فيهما فتصل إليه أموالكم من غير أجر الإنفاق بخلاف ما لو أنفقتم فتؤجرون { لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح } لمكة { وقتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقتلوا وكلا } من الفريقين وفي قراءة بالرفع مبتدأ { وعد الله الحسنى } الجنة { والله بما تعملون خبير } فيجازيكم به.
[57.11]
{ من ذا الذى يقرض الله } بإنفاق ماله في سبيل الله { قرضا حسنا } بأن ينفقه لله { فيضاعفه } وفي قراءة «فيضعفه» بالتشديد { له } من عشر إلى أكثر من سبعمائة كما ذكر في البقرة [261:2] { وله } مع المضاعفة { أجر كريم } مقترن به رضا وإقبال.
[57.12]
اذكر { يوم ترى المؤمنين والمؤمنت يسعى نورهم بين أيديهم } أمامهم { و } يكون { بأيمانهم } ويقال لهم: { بشراكم اليوم جنت } أي ادخلوها { تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها ذلك هو الفوز العظيم }.
[57.13]
{ يوم يقول المنفقون والمنفقت للذين ءامنوا انظرونا } أبصرونا. وفي قراءة بفتح الهمزة وكسر الظاء: أمهلونا { نقتبس } نأخذ القبس والإضاءة { من نوركم قيل } لهم استهزاء بهم { ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا } فرجعوا { فضرب بينهم } وبين المؤمنين { بسور } قيل هو سور الأعراف { له باب باطنه فيه الرحمة } من جهة المؤمنين { وظهره } من جهة المنافقين { من قبله العذاب }.
[57.14]
{ ينادونهم ألم نكن معكم } على الطاعة { قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم } بالنفاق { وتربصتم } بالمؤمنين الدوائر { وارتبتم } شككتم في دين الإسلام { وغرتكم الأمانى } الأطماع { حتى جاء أمر الله } الموت { وغركم بالله الغرور } الشيطان.
[57.15]
{ فاليوم لا يؤخذ } بالياء والتاء { منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هى مولكم } أولى بكم { وبئس المصير } هي.
[57.16]
{ ألم يأن } يحن { للذين ءامنوا } نزلت في شأن الصحابة لما أكثروا المزاح { أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل } بالتشديد والتخفيف { من الحق } القرآن { ولا يكونوا } معطوف على تخشع { كالذين أوتوا الكتب من قبل } هم اليهود والنصارى { فطال عليهم الأمد } الزمن بينهم وبين أنبيائهم { فقست قلوبهم } لم تلن لذكر الله { وكثير منهم فسقون }.
[57.17]
{ اعلموا } خطاب للمؤمنين المذكورين { أن الله يحى الأرض بعد موتها } بالنبات فكذلك يفعل بقلوبكم يردها إلى الخشوع و { قد بينا لكم الايت } الدالة على قدرتنا بهذا وغيره { لعلكم تعقلون }.
[57.18]
{ إن المصدقين } من التصدق أدغمت التاء في الصاد: أي الذين تصدقوا { والمصدقت } اللاتي تصدقن وفي قراءة بتخفيف الصاد فيهما من التصديق والإيمان { وأقرضوا الله قرضا حسنا } راجع إلى الذكور والإناث بالتغليب وعطف الفعل على الاسم في صلة أل لأنه فيها حل محل الفعل، وذكر القرض بوصفه بعد التصديق تقييد له { يضاعف } وفي قراءة «يضعف» بالتشديد أي قرضهم { لهم ولهم أجر كريم }.
[57.19]
{ والذين ءامنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون } المبالغون في التصديق { والشهداء عند ربهم } على المكذبين من الأمم { لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بئايتنا } الدالة على وحدانيتنا { أولئك أصحب الجحيم } النار.
[57.20]
{ اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة } تزيين { وتفاخر بينكم وتكاثر فى الأمول والأولد } أي الاشتغال فيها، وأما الطاعات وما يعين عليها فمن أمور الآخرة { كمثل } أي هي في إعجابها لكم واضمحلالها كمثل { غيث } مطر { أعجب الكفار } الزراع { نباته } الناشىء عنه { ثم يهيج } ييبس { فتراه مصفرا ثم يكون حطاما } فتاتا يضمحل بالرياح { وفى الأخرة عذاب شديد } لمن آثر عليها الدنيا { ومغفرة من الله ورضون } لمن لم يؤثر عليها الدنيا { وما الحيوة الدنيا } ما التمتع فيها { إلا متع الغرور }.
[57.21]
{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض } لو وصلت إحداهما بالأخرى والعرض:السعة { أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء والله ذو الفضل العظيم }.
[57.22]
{ ما أصاب من مصيبة فى الأرض } بالجدب { ولا فى أنفسكم } كالمرض وفقد الولد { إلا فى كتب } يعني اللوح المحفوظ { من قبل أن نبرأها } نخلقها، ويقال في النعمة كذلك { إن ذلك على الله يسير }.
[57.23]
{ لكيلا } كي ناصبة للفعل بمعنى أن أي أخبر تعالى بذلك لئلا { تأسوا } تحزنوا { على ما فاتكم ولا تفرحوا } فرح بطر بل فرح شكر على النعمة { بما ءاتكم } بالمد أعطاكم وبالقصر جاءكم منه { والله لا يحب كل مختال } متكبر بما أوتي { فخور } به على الناس.
[57.24]
{ الذين يبخلون } بما يجب عليهم { ويأمرون الناس بالبخل } به لهم وعيد شديد { ومن يتول } عما يجب عليه { فإن الله هو } ضمير فصل وفي قراءة بسقوطه { الغنى } عن غيره { الحميد } لأوليائه.
[57.25]
{ لقد أرسلنا رسلنا } الملائكة إلى الأنبياء { بالبينت } بالحجج القواطع { وأنزلنا معهم الكتب } بمعنى الكتب { والميزان } العدل { ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد } أخرجناه من المعادن { فيه بأس شديد } يقاتل به { ومنفع للناس وليعلم الله } علم مشاهدة معطوف على ليقوم الناس { من ينصره } بأن ينصر دينه بآلات الحرب من الحديد وغيره { ورسله بالغيب } حال من هاء «ينصره» أي غائبا عنهم في الدنيا، قال ابن عباس: ينصرونه ولا يبصرونه { إن الله قوى عزيز } لا حاجة له إلى النصرة لكنها تنفع من يأتي بها.
[57.26]
{ ولقد أرسلنا نوحا وإبرهيم وجعلنا فى ذريتهما النبوة والكتب } يعني الكتب الأربعة: التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن فإنها في ذرية إبراهيم { فمنهم مهتد وكثير منهم فسقون }.
[57.27]
{ ثم قفينا على ءاثرهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وءاتينه الإنجيل وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية } هي رفض النساء واتخاذ الصوامع { ابتدعوها } من قبل أنفسهم { ما كتبنها عليهم } ما أمرناهم بها { إلا } لكن فعلوها { ابتغاء رضون } مرضاة { الله فما رعوها حق رعايتها } إذ تركها كثير منهم وكفروا بدين عيسى ودخلوا في دين ملكهم وبقي على دين عيسى كثير منهم فآمنوا بنبينا { فئاتينا الذين ءامنوا } به { منهم أجرهم وكثير منهم فسقون }.
[57.28]
{ يأيها الذين ءامنوا } بعيسى { اتقوا الله وءامنوا برسوله } محمد صلى الله عليه وسلم { يؤتكم كفلين } نصيبين { من رحمته } لإيمانكم بالنبيين { ويجعل لكم نورا تمشون به } على الصراط { ويغفر لكم والله غفور رحيم }.
[57.29]
{ لئلا يعلم } أي أعلمكم بذلك ليعلم { أهل الكتب } التوراة الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم { أ } ن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن والمعنى أنهم { لا يقدرون على شىء من فضل الله } خلاف ما في زعمهم أنهم أحباء الله وأهل رضوانه { وأن الفضل بيد الله يؤتيه } يعطيه { من يشآء } فآتى المؤمنين منهم أجرهم مرتين كما تقدم { والله ذو الفضل العظيم }.
[58 - سورة المجادلة]
[58.1]
{ قد سمع الله قول التى تجدلك } تراجعك أيها النبي { فى زوجها } المظاهر منها، وكان قال لها: أنت علي كظهر أمي، وقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأجابها بأنها حرمت عليه على ما هو المعهود عندهم من أن الظهار موجبه فرقة مؤبدة وهي خولة بنت ثعلبة وهو أوس بن الصامت { وتشتكى إلى الله } وحدتها وفاقتها وصبية صغارا إن ضمتهم إليه ضاعوا أو إليها جاعوا { والله يسمع تحاوركما } تراجعكما { إن الله سميع بصير } عالم.
[58.2]
{ الذين يظهرون } أصله (يتظهرون) أدغمت التاء في الظاء وفي قراءة (يتظاهرون) بألف بين الظاء والهاء الخفيفة وفي أخرى كيقاتلون والموضع الثاني كذلك { منكم من نسائهم ما هن أمهتهم إن أمهتهم إلا الئى } بهمزة وياء وبلا ياء { ولدنهم وإنهم } بالظهار { ليقولون منكرا من القول وزورا } كذبا { وإن الله لعفو غفور } للمظاهر بالكفارة.
[58.3]
{ والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } أي فيه بأن يخالفوه بإمساك المظاهر منها الذي هو خلاف مقصود الظهار من وصف المرأة بالتحريم { فتحرير رقبة } أي إعتاقها عليه { من قبل أن يتماسا } بالوطء { ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير }.
[58.4]
{ فمن لم يجد } رقبة { فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع } أي الصيام { فإطعام ستين مسكينا } عليه: أي من قبل أن يتماسا حملا للمطلق على المقيد لكل مسكين مد من غالب قوت البلد { ذلك } أي التخفيف في الكفارة { لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك } أي الأحكام المذكورة { حدود الله وللكفرين } بها { عذاب أليم } مؤلم.
[58.5]
{ إن الذين يحادون } يخالفون { الله ورسوله كبتوا } أذلوا { كما كبت الذين من قبلهم } في مخالفتهم رسلهم { وقد أنزلنا ءايت بينت } دالة على صدق الرسول { وللكفرين } بالآيات { عذاب مهين } ذو إهانة.
[58.6]
{ يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصه الله ونسوه والله على كل شىء شهيد }.
[58.7]
{ ألم تر } تعلم { أن الله يعلم ما فى السموت وما فى الأرض ما يكون من نجوى ثلثة إلا هو رابعهم } بعلمه { ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيمة إن الله بكل شيء عليم }.
[58.8]
{ ألم تر } تنظر { إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتنجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول } هم اليهود نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عما كانوا يفعلون من تناجيهم، أي تحدثهم سرا ناظرين إلى المؤمنين ليوقعوا في قلوبهم الريبة { وإذا جاءوك حيوك } أيها النبي { بما لم يحيك به الله } وهو قولهم السام عليك، أي الموت { ويقولون فى أنفسهم لولا } هلا { يعذبنا الله بما نقول } من التحية وأنه ليس بنبي إن كان نبيا؟ { حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير } هي.
[58.9]
{ يأيها الذين ءامنوا إذا تنجيتم فلا تتنجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتنجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذى إليه تحشرون }.
[58.10]
{ إنما النجوى } بالإثم ونحوه { من الشيطن } بغروره { ليحزن الذين ءامنوا وليس } هو { بضارهم شيئا إلا بإذن الله } أي إرادته { وعلى الله فليتوكل المؤمنون }.
[58.11]
{ يأيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا } توسعوا { فى المجلس } مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أوالذكر حتى يجلس من جاءكم وفي قراءة المجلس { فافسحوا يفسح الله لكم } في الجنة { وإذا قيل } لكم { انشزوا } قوموا إلى الصلاة وغيرها من الخيرات { فانشزوا } وفي قراءة بضم الشين فيهما { يرفع الله الذين ءامنوا منكم } بالطاعة في ذلك { و } يرفع { الذين أوتوا العلم درجت } في الجنة { والله بما تعملون خبير }.
[58.12]
{ يأيها الذين ءامنوا إذا نجيتم الرسول } أردتم مناجاته { فقدموا بين يدى نجوكم } قبلها { صدقة ذلك خير لكم وأطهر } لذنوبكم { فإن لم تجدوا } ما تتصدقون به { فإن الله غفور } لمناجاتكم { رحيم } بكم، يعني فلا عليكم في المناجاة من غير صدقة، ثم نسخ ذلك بقوله:
[58.13]
{ ءأشفقتم } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه، أي خفتم من { أن تقدموا بين يدى نجوكم صدقت } لفقر { فإذ لم تفعلوا } الصدقة { وتاب الله عليكم } رجع بكم عنها { فأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة وأطيعوا الله ورسوله } أي دوموا على ذلك { والله خبير بما تعملون }.
[58.14]
{ ألم تر } تنظر { إلى الذين تولوا } هم المنافقون { قوما } هم اليهود { غضب الله عليهم ما هم } أي المنافقون { منكم } من المؤمنين { ولا منهم } من اليهود بل هم مذبذبون { ويحلفون على الكذب } أي قولهم إنهم مؤمنون { وهم يعلمون } أنهم كاذبون فيه.
[58.15]
{ أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون } من المعاصي.
[58.16]
{ اتخذوا أيمنهم جنة } سترا عن أنفسهم وأموالهم { فصدوا } بها المؤمنين { عن سبيل الله } أي الجهاد فيهم بقتلهم وأخذ أموالهم { فلهم عذاب مهين } ذو إهانة.
[58.17]
{ لن تغنى عنهم أمولهم ولا أولدهم من الله } من عذابه { شيئا } من الإغناء { أولئك أصحب النار هم فيها خلدون }.
[58.18]
اذكر { يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له } أنهم مؤمنون { كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شىء } من نفع حلفهم في الآخرة كالدنيا { ألا إنهم هم الكذبون }.
[58.19]
{ استحوذ } استولى { عليهم الشيطن } بطاعتهم له { فأنسهم ذكر الله أولئك حزب الشيطن } أتباعه { ألا إن حزب الشيطن هم الخسرون }.
[58.20]
{ إن الذين يحادون } يخالفون { الله ورسوله أولئك فى الأذلين } المغلوبين.
[58.21]
{ كتب الله } في اللوح المحفوظ أو قضى { لأغلبن أنا ورسلى } بالحجة أو السيف { إن الله قوى عزيز }.
[58.22]
{ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون } يصادقون { من حاد الله ورسوله ولو كانوا } أي المحادون { ءاباءهم } أي المؤمنين { أو أبناءهم أو إخونهم أو عشيرتهم } بل يقصدونهم بالسوء ويقاتلونهم على الإيمان كما وقع لجماعة من الصحابة رضي الله عنهم { أولئك } الذين لا يوادونهم { كتب } أثبت { فى قلوبهم الإيمن وأيدهم بروح } بنور { منه } تعالى { ويدخلهم جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها رضى الله عنهم } بطاعته { ورضوا عنه } بثوابه { أولئك حزب الله } يتبعون أمره ويجتنبون نهيه { ألا إن حزب الله هم المفلحون } الفائزون.
[59 - سورة الحشر]
[59.1]
{ سبح لله ما فى السموت وما فى الأرض } أي نزهه فاللام مزيدة وفي الإتيان ب(ما) تغليب للأكثر { وهو العزيز الحكيم } في ملكه وصنعه.
[59.2]
{ هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتب } هم بنو النضير من اليهود { من ديرهم } مساكنهم بالمدينة { لأول الحشر } هو حشرهم إلى الشام وآخره أن أجلاهم عمر في خلافته إلى خيبر { ما ظننتم } أيها المؤمنون { أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم } خبر أن { حصونهم } فاعله تم به الخبر { من الله } من عذابه { فأتهم الله } أمره وعذابه { من حيث لم يحتسبوا } لم يخطر ببالهم من جهة المؤمنين { وقذف } ألقى { فى قلوبهم الرعب } بسكون العين وضمها، الخوف بقتل سيدهم كعب بن الأشرف { يخربون } بالتشديد والتخفيف من أخرب { بيوتهم } لينقلوا ما استحسنوه منها من خشب وغيره { بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يأولى الأبصر }.
[59.3]
{ ولولا أن كتب الله } قضى { عليهم الجلاء } الخروج من الوطن { لعذبهم فى الدنيا } بالقتل والسبي كما فعل بقريظة من اليهود { ولهم فى الأخرة عذاب النار }.
[59.4]
{ ذلك بأنهم شاقوا } خالفوا { الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب } له.
[59.5]
{ ما قطعتم } يا مسلمون { من لينة } نخلة { أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله } أي خيركم في ذلك { وليخزى } بالإذن في القطع { الفسقين } اليهود في اعتراضهم أن قطع الشجر المثمر فساد.
[59.6]
{ وما أفاء } رد { الله على رسوله منهم فما أوجفتم } أسرعتم يا مسلمون { عليه من } زائدة { خيل ولا ركاب } إبل، أي لم تقاسوا فيه مشقة { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شىء قدير } فلا حق لكم فيه ويختص به النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذكر معه في الآية الثانية من الأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل منهم خمس الخمس وله صلى الله عليه وسلم الباقي يفعل فيه ما يشاء فأعطى المهاجرين وثلاثة من الأنصار لفقرهم.
[59.7]
{ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } كالصفراء ووادي القرى وينبع { فلله } يأمر فيه بما يشاء { وللرسول ولذى } صاحب { القربى } قرابة النبي من بني هاشم وبني المطلب { واليتمى } أطفال المسلمين: الذين هلكت آباؤهم وهم فقراء { والمسكين } ذوي الحاجة من المسلمين { وابن السبيل } المنقطع في سفره من المسلمين، أي يستحقه النبي صلى الله عليه وسلم والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل من الأربعة خمس الخمس وله الباقي { كى لا } كي بمعنى اللام و أن مقدرة بعدها { يكون } الفيء علة لقسمه كذلك { دولة } متداولا { بين الأغنياء منكم وما ءاتكم } أعطاكم { الرسول } من الفيء وغيره { فخذوه وما نهكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب }.
[59.8]
{ للفقراء } متعلق بمحذوف، أي أعجبوا { المهجرين الذين أخرجوا من ديرهم وأمولهم يبتغون فضلا من الله ورضونا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصدقون } في إيمانهم.
[59.9]
{ والذين تبوءو الدار } أي المدينة { والإيمن } أي ألفوه وهم الأنصار { من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة } حسدا { مما أوتوا } أي آتى النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين من أموال بني النضير المختصة به { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } حاجة إلى ما يؤثرون به { ومن يوق شح نفسه } حرصها على المال { فأولئك هم المفلحون }.
[59.10]
{ والذين جاءو من بعدهم } من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخوننا الذين سبقونا بالإيمن ولا تجعل فى قلوبنا غلا } حقدا { للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم }.
[59.11]
{ ألم تر } تنظر { إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتب } وهم بنو النضير وإخوانهم في الكفر { لئن } لام قسم في الأربعة { أخرجتم } من المدينة { لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم } في خذلانكم { أحدا أبدا وإن قوتلتم } حذفت منه اللام الموطئة { لننصرنكم والله يشهد إنهم لكذبون }.
[59.12]
{ لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم } أي جاؤوا لنصرهم { ليولن الأدبر } واستغنى بجواب القسم المقدر عن جواب الشرط في المواضع الخمسة { ثم لا ينصرون } أي اليهود.
[59.13]
{ لأنتم أشد رهبة } خوفا { فى صدورهم } أي المنافقين { من الله } لتأخير عذابه { ذلك بأنهم قوم لا يفقهون }.
[59.14]
{ لا يقتلونكم } أي اليهود { جميعا } مجتمعين { إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر } أسوار وفي قراءة جدران { بأسهم } حربهم { بينهم شديد تحسبهم جميعا } مجتمعين { وقلوبهم شتى } متفرقة خلاف الحسبان { ذلك بأنهم قوم لا يعقلون }.
[59.15]
مثلهم في ترك الإيمان { كمثل الذين من قبلهم قريبا } بزمن قريب وهم أهل بدر من المشركين { ذاقوا وبال أمرهم } عقوبته في الدنيا من القتل وغيره { ولهم عذاب أليم } مؤلم في الآخرة.
[59.16]
مثلهم أيضا في سماعهم من المنافقين وتخلفهم عنهم { كمثل الشيطن إذ قال للإنسن اكفر فلما كفر قال إنى برىء منك إنى أخاف الله رب العلمين } كذبا منه ورياء.
[59.17]
{ فكان عقبتهما } أي الغاوي والمغوي وقرىء بالرفع اسم كان { أنهما فى النار خلدين فيها وذلك جزؤا الظلمين } الكافرين.
[59.18]
{ يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } ليوم القيامة { واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون }.
[59.19]
{ ولا تكونوا كالذين نسوا الله } تركوا طاعته { فأنسهم أنفسهم } أن يقدموا لها خيرا { أولئك هم الفسقون }.
[59.20]
{ لا يستوى أصحب النار أصحب الجنة وأصحب الجنة هم الفائزون }.
[59.21]
{ لو أنزلنا هذا القرءان على جبل } وجعل فيه تمييز كالإنسان { لرأيته خشعا متصدعا } متشققا { من خشية الله وتلك الأمثل } المذكورة { نضربها للناس لعلهم يتفكرون } فيؤمنون.
[59.22]
{ هو الله الذى لا إله إلا هو عالم الغيب والشهدة } السر والعلانية { هو الرحمن الرحيم }.
[59.23]
{ هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس } الطاهر عما لا يليق به { السلم } ذو السلامة من النقائص { المؤمن } المصدق رسله بخلق المعجزة لهم { المهيمن } من هيمن يهيمن إذا كان رقيبا على الشيء، أي الشهيد على عباده بأعمالهم { العزيز } القوي { الجبار } جبر خلقه على ما أراد { المتكبر } عما لا يليق به { سبحن الله } نزه نفسه { عما يشركون } به.
[59.24]
{ هو الله الخلق البارىء } المنشىء من العدم { المصور له الأسماء الحسنى } التسعة والتسعون الوارد بها الحديث، والحسنى مؤنث الأحسن { يسبح له ما فى السموت والأرض وهو العزيز الحكيم } تقدم أولها.
[60 - سورة الممتحنة]
[60.1]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم } أي كفار مكة { أولياء تلقون } توصلون { إليهم } قصد النبي صلى الله عليه وسلم غزوهم الذي أسره إليكم وورى بحنين { بالمودة } بينكم وبينهم، كتب حاطب بن أبي بلتعة إليهم كتابا بذلك لما له عندهم من الأولاد والأهل المشركين فاسترده النبي صلى الله عليه وسلم ممن أرسله معه بإعلام الله تعالى له بذلك وقبل عذر حاطب فيه { وقد كفروا بما جاءكم من الحق } أي دين الإسلام والقرآن { يخرجون الرسول وإياكم } من مكة بتضييقهم عليكم { أن تؤمنوا } أي لأجل أن آمنتم { بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهدا } للجهاد { فى سبيلى وابتغاء مرضاتى } وجواب الشرط دل عليه ما قبله أي فلا تتخذوهم أولياء { تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم } أي إسرار خبر النبي إليهم { فقد ضل سواء السبيل } أخطأ طريق الهدى والسواء في الأصل الوسط.
[60.2]
{ إن يثقفوكم } يظفروا بكم { يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم } بالقتل والضرب { وألسنتهم بالسوء } بالسب والشتم { وودوا } تمنوا { لو تكفرون }.
[60.3]
{ لن تنفعكم أرحمكم } قراباتكم { ولا أولدكم } المشركون الذين لأجلهم أسررتم الخبر من العذاب في الآخرة { يوم القيمة يفصل } بالبناء للمفعول والفاعل { بينكم } وبينهم فتكونون في الجنة وهم في جملة الكفار في النار { والله بما تعملون بصير }.
[60.4]
{ قد كانت لكم أسوة } بكسر الهمزة وضمها في الموضعين، قدوة { حسنة فى إبرهيم } أي به قولا وفعلا { والذين معه } من المؤمنين { إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤا } جمع بريء كظريف { منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم } أنكرناكم { وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية واوا { حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبرهيم لأبيه لأستغفرن لك } مستثنى من «أسوة» أي فليس لكم التأسي به في ذلك بأن تستغفروا للكفار وقوله { وما أملك لك من الله } أي من عذابه وثوابه { من شىء } كنى به عن أنه لا يملك له غير الاستغفار فهو مبني عليه مستثنى من حيث المراد منه وإن كان من حيث ظاهره مما يتأسى فيه { قل فمن يملك لكم من الله شيئا } واستغفاره له قبل أن يتبين
له أنه عدو لله
[114:9] كما ذكرنا في براءة { ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير } من مقول الخليل ومن معه أي وقالوا.
[60.5]
{ ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا } أي لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيفتنوا، أي تذهب عقولهم بنا { واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم } في ملكك وصنعك.
[60.6]
{ لقد كان لكم } يا أمة محمد جواب قسم مقدر { فيهم أسوة حسنة لمن كان } بدل اشتمال من «كم» بإعادة الجار { يرجو الله واليوم الأخر } أي يخافهما أو يظن الثواب والعقاب { ومن يتول } بأن يوالي الكفار { فإن الله هو الغنى } عن خلقه { الحميد } لأهل طاعته.
[60.7]
{ عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم } من كفار مكة طاعة لله تعالى { مودة } بأن يهديهم للإيمان فيصيروا لكم أولياء { والله قدير } على ذلك وقد فعله بعد فتح مكة { والله غفور } لهم ما سلف { رحيم } بهم.
[60.8]
{ لا ينهكم الله عن الذين لم يقتلوكم } من الكفار { فى الدين ولم يخرجوكم من ديركم أن تبروهم } بدل اشتمال من الذين { وتقسطوا } تفضوا { إليهم } بالقسط، أي بالعدل وهذا قبل الأمر بجهادهم [5:47] { إن الله يحب المقسطين } العادلين.
[60.9]
{ إنما ينهكم الله عن الذين قتلوكم فى الدين وأخرجوكم من ديركم وظهروا } عاونوا { على إخرجكم أن تولوهم } بدل اشتمال من الذين أي تتخذوهم أولياء { ومن يتولهم فأولئك هم الظلمون }.
[60.10]
{ يأيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنت } بألسنهن { مهجرت } من الكفار بعد الصلح معهم في الحديبية على أن من جاء منهم إلى المؤمنين يرد { فامتحنوهن } بالحلف أنهن ما خرجن إلا رغبة في الإسلام لا بغضا لأزواجهن الكفار ولا عشقا لرجال من المسلمين كذا كان صلى الله عليه وسلم يحلفهن { الله أعلم بإيمنهن فإن علمتموهن } ظننتموهن بالحلف { مؤمنت فلا ترجعوهن } تردوهن { إلى الكفار لاهن حل لهم ولاهم يحلون لهن وءاتوهم } أي أعطوا الكفار أزواجهن { ما أنفقوا } عليهن من المهور { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن } بشرطه { إذا ءاتيتموهن أجورهن } مهورهن { ولا تمسكوا } بالتشديد والتخفيف { بعصم الكوافر } زوجاتكم لقطع إسلامكم لها بشرطه أو اللاحقات بالمشركين مرتدات لقطع ارتدادهن نكاحكم بشرطه { وسئلوا } اطلبوا { ما أنفقتم } عليهن من المهور في صورة الارتداد ممن تزوجن من الكفار { وليسئلوا ما أنفقوا } على المهاجرات كما تقدم أنهم يؤتونه { ذلكم حكم الله يحكم بينكم } به { والله عليم حكيم }.
[60.11]
{ وإن فاتكم شىء من أزوجكم } أي واحدة فأكثر منهن أو شيء من مهورهن بالذهاب { إلى الكفار } مرتدات { فعاقبتم } فغزوتم وغنمتم { فئاتوا الذين ذهبت أزوجهم } من الغنيمة { مثل ما أنفقوا } لفواته عليهم من جهة الكفار { واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون } وقد فعل المؤمنون ما أمروا به من الإيتاء للكفار والمؤمنين ثم ارتفع هذا الحكم.
[60.12]
{ يأيها النبى إذا جاءك المؤمنت يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولدهن } كما كان يفعل في الجاهلية من وأد البنات، أي دفنهن أحياء خوف العار والفقر { ولا يأتين ببهتن يفترينه بين أيديهن وأرجلهن } أي بولد ملقوط ينسبنه إلى الزوج وصفه بصفة الولد الحقيقي، فإن الأم إذا وضعته سقط بين يديها ورجليها { ولا يعصينك فى } فعل { معروف } هو ما وافق طاعة الله كترك النياحة وتمزيق الثياب وجز الشعور وشق الجيب وخمش الوجه { فبايعهن } فعل ذلك صلى الله عليه وسلم بالقول ولم يصافح واحدة منهن { واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم }.
[60.13]
{ يأيها الذين ءامنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم } هم اليهود { قد يئسوا من الأخرة } أي من ثوابها مع إيقانهم بها لعنادهم للنبي مع علمهم بصدقه { كما يئس الكفار } الكائنون { من أصحب القبور } أي المقبورين من خير الآخرة، إذ تعرض عليهم مقاعدهم من الجنة لو كانوا آمنوا وما يصيرون إليه من النار.
[61 - سورة الصف]
[61.1]
{ سبح لله ما فى السموت وما فى الأرض } أي نزهه فاللام مزيدة وجيء بما دون «من» تغليبا للأكثر { وهو العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه.
[61.2]
{ يأيها الذين ءامنوا لم تقولون } في طلب الجهاد { ما لا تفعلون } إذ انهزمتم بأحد؟
[61.3]
{ كبر } عظم { مقتا } تمييز { عند الله أن تقولوا } فاعل كبر { ما لا تفعلون }.
[61.4]
{ إن الله يحب } ينصر ويكرم { الذين يقتلون فى سبيله صفا } حال، أي صافين { كأنهم بنين مرصوص } ملزق بعضه إلى بعض ثابت.
[61.5]
{ و } اذكر { إذ قال موسى لقومه يقوم لم تؤذوننى } قالوا: إنه آدر، أي منتفخ الخصية وليس كذلك، وكذبوه { وقد } للتحقيق { تعلمون أنى رسول الله إليكم } الجملة حال، والرسول يحترم { فلما زاغوا } عدلوا عن الحق بإيذائه { أزاغ الله قلوبهم } أمالها عن الهدى على وفق ما قدره في الأزل { والله لا يهدى القوم الفسقين } الكافرين في علمه.
[61.6]
{ و } اذكر { إذ قال عيسى ابن مريم يبنى إسرءيل } لم يقل: يا قوم لأنه لم يكن له فيهم قرابة { إنى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدى } قبلي { من التورة ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد } قال تعالى: { فلما جاءهم } جاء أحمد الكفار { بالبينت } الآيات والعلامات { قالوا هذا } أي المجيء به { سحر } وفي قراءة «ساحر» أي الجائي به (مبين) بين.
[61.7]
{ ومن } أي لا أحد { أظلم } أشد ظلما { ممن افترى على الله الكذب } بنسبة الشريك والولد إليه ووصف آياته بالسحر { وهو يدعى إلى الإسلم والله لا يهدى القوم الظلمين } الكافرين.
[61.8]
{ يريدون ليطفئوا } منصوب بأن مقدرة واللام مزيدة { نور الله } شرعه وبراهينه { بأفوههم } بأقوالهم إنه سحر وشعر وكهانة { والله متم } مظهر { نوره } وفي قراءة بالإضافة { ولو كره الكفرون } ذلك.
[61.9]
{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره } يعليه { على الدين كله } جميع الأديان المخالفة { ولو كره المشركون } ذلك.
[61.10]
{ يأيها الذين ءامنوا هل أدلكم على تجرة تنجيكم } بالتخفيف والتشديد { من عذاب أليم } مؤلم، فكأنهم قالوا نعم فقال:
[61.11]
{ تؤمنون } تدومون على الإيمان { بالله ورسوله وتجهدون فى سبيل الله بأمولكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } أنه خير لكم فافعلوه.
[61.12]
{ يغفر } جواب شرط مقدر، أي إن تفعلوه يغفر { لكم ذنوبكم ويدخلكم جنت تجرى من تحتها الأنهر ومسكن طيبة فى جنت عدن } إقامة { ذلك الفوز العظيم }.
[61.13]
{ و } يؤتكم نعمة { أخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين } بالنصر والفتح.
[61.14]
{ يأيها الذين ءامنوا كونوا أنصار الله } لدينه وفي قراءة بالإضافة { كما } كان الحواريون كذلك، الدال عليه { قالعيسى ابن مريم للحواريين من أنصرى إلى الله } أي من الأنصار الذين يكونون معي متوجها إلى نصرة الله؟ { قال الحواريون نحن أنصار الله } والحواريون أصفياء عيسى وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها { فئامنت طائفة من بنى إسرءيل } بعيسى ابن مريم، وقالوا إنه عبد الله رفع إلى السماء { وكفرت طائفة } لقولهم إنه ابن الله رفعه إليه فاقتتلت الطائفتان { فأيدنا } قوينا { الذين ءامنوا } من الطائفتين { على عدوهم } الطائفة الكافرة { فأصبحوا ظهرين } غالبين.
[62 - سورة الجمعة]
[62.1]
{ يسبح لله } ينزهه فاللام زائدة { ما في السموات وما في الأرض } في ذكر «ما» تغليب للأكثر { الملك القدوس } المنزه عما لا يليق به { العزيز الحكيم } في ملكه وصنعه.
[62.2]
{ هو الذى بعث فى الأميين } العرب، والأمي: من لا يكتب ولا يقرأ كتابا { رسولا منهم } هو محمد صلى الله عليه وسلم { يتلوا عليهم ءايته } القرآن { ويزكيهم } يطهرهم من الشرك { ويعلمهم الكتب } القرآن { والحكمة } ما فيه من الأحكام { وإن } مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي وإنهم { كانوا من قبل } قبل مجيئه { لفى ضلل مبين } بين.
[62.3]
{ وءاخرين } عطف على الأميين، أي الموجودين { منهم } والآتين منهم بعدهم { لما } لم { يلحقوا بهم } في السابقة والفضل { وهو العزيز الحكيم } في ملكه وصنعه وهم التابعون، والاقتصار عليهم كاف في بيان فضل الصحابة المبعوث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم على من عداهم ممن بعث إليهم وآمنوا به من جميع الإنس والجن إلى يوم القيامة، لأن كل قرن خير ممن يليه.
[62.4]
{ ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء } النبي ومن ذكر معه { والله ذو الفضل العظيم }.
[62.5]
{ مثل الذين حملوا التورة } كلفوا العمل بها { ثم لم يحملوها } لم يعملوا بما فيها من نعته صلى الله عليه وسلم فلم يؤمنوا به { كمثل الحمار يحمل أسفارا } أي كتبا في عدم انتفاعه بها { بئس مثل القوم الذين كذبوا بئايت الله } المصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم والمخصوص بالذم محذوف، تقديره هذا المثل { والله لا يهدى القوم الظلمين } الكافرين.
[62.6]
{ قل يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أوليآء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صدقين } تعلق بتمنوا الشرطان على أن الأول قيد في الثاني أي إن صدقتم في زعمكم أنكم أولياء لله والولي يؤثر الآخرة ومبدؤها الموت فتمنوه.
[62.7]
{ ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم } من كفرهم بالنبي المستلزم لكذبهم { والله عليم بالظلمين } الكافرين.
[62.8]
{ قل إن الموت الذى تفرون منه فإنه } الفاء زائدة { ملقيكم ثم تردون إلى علم الغيب والشهدة } السر والعلانية { فينبئكم بما كنتم تعملون } فيجازيكم به.
[62.9]
{ يأيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلوة من } بمعنى في { يوم الجمعة فاسعوا } فامضوا { إلى ذكر الله } أي الصلاة { وذروا البيع } أي اتركوا عقده { ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } أنه خير فافعلوه.
[62.10]
{ فإذا قضيت الصلوة فانتشروا فى الأرض } أمر إباحة { وابتغوا } اطلبوا الرزق { من فضل الله واذكروا الله } ذكرا { كثيرا لعلكم تفلحون } تفوزون، كان صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقدمت عير وضرب لقدومها الطبل على العادة فخرج لها الناس من المسجد غير اثني عشر رجلا فنزلت.
[62.11]
{ وإذا رأوا تجرة أو لهوا انفضوا إليها } أي التجارة لأنها مطلوبهم دون اللهو { وتركوك } في الخطبة { قآئما قل ما عند الله } من الثواب { خير } للذين آمنوا { من اللهو ومن التجرة والله خير الرزقين } يقال: كل إنسان يرزق عائلته، أي من رزق الله تعالى.
[63 - سورة المنافقون]
[63.1]
{ إذا جاءك المنفقون قالوا } بألسنتهم على خلاف ما في قلوبهم { نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد } يعلم { إن المنفقين لكذبون } فيما أضمروه مخالفا لما قالوه.
[63.2]
{ اتخذوا أيمنهم جنة } سترة على أموالهم ودمائهم { فصدوا } بها { عن سبيل الله } أي من الجهاد فيهم { إنهم سآء ما كانوا يعملون }.
[63.3]
{ ذلك } أي سوء عملهم { بأنهم ءامنوا } باللسان { ثم كفروا } بالقلب، أي استمروا على كفرهم به { فطبع } ختم { على قلوبهم } بالكفر { فهم لا يفقهون } الإيمان.
[63.4]
{ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } لجمالها { وإن يقولوا تسمع لقولهم } لفصاحته { كأنهم } من عظم أجسامهم في ترك التفهم { خشب } بسكون الشين وضمها { مسندة } ممالة إلى الجدار { يحسبون كل صيحة } تصاح كنداء في العسكر وإنشاد ضالة { عليهم } لما في قلوبهم من الرعب أن ينزل فيهم ما يبيح دماءهم { هم العدو فاحذرهم } فإنهم يفشون سرك للكفار { قتلهم الله } أهلكهم { أنى يؤفكون } كيف يصرفون عن الإيمان بعد قيام البرهان؟
[63.5]
{ وإذا قيل لهم تعالوا } معتذرين { يستغفر لكم رسول الله لووا } بالتشديد والتخفيف عطفوا { رءوسهم ورأيتهم يصدون } يعرضون عن ذلك { وهم مستكبرون }.
[63.6]
{ سوآء عليهم أستغفرت لهم } استغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل { أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدى القوم الفسقين }.
[63.7]
{ هم الذين يقولون } لأصحابهم من الأنصار { لا تنفقوا على من عند رسول الله } من المهاجرين { حتى ينفضوا } يتفرقوا عنه { ولله خزآئن السموت والأرض } بالرزق فهو الرازق للمهاجرين وغيرهم { ولكن المنفقين لا يفقهون }.
[63.8]
{ يقولون لئن رجعنآ } أي من غزوة بني المصطلق { إلى المدينة ليخرجن الأعز } عنوا به أنفسهم { منها الأذل } عنوا به المؤمنين { ولله العزة } الغلبة { ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنفقين لا يعلمون } ذلك.
[63.9]
{ يعلمون يأيها الذين ءامنوا لا تلهكم } تشغلكم { أمولكم ولآ أولدكم عن ذكر الله } الصلوات الخمس { ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخسرون }.
[63.10]
{ وأنفقوا } في الزكاة { من ما رزقنكم من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول رب لولآ } بمعنى هلا، أو «لا» زائدة « ولو» للتمني { أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق } بإدغام التاء في الأصل في الصاد أتصدق بالزكاة { وأكن من الصلحين } بأن أحج، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما قصر أحد في الزكاة والحج إلا سأل الرجعة عند الموت.
[63.11]
{ ولن يؤخر الله نفسا إذا جآء أجلها والله خبير بما تعملون } بالتاء والياء.
[64 - سورة التغابن]
[64.1]
{ يسبح لله ما فى السموت وما فى الأرض } أي ينزهه فاللام زائدة، وأتى ب «ما» دون «من» تغليبا للأكثر { له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير }.
[64.2]
{ هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } في أصل الخلقة ثم يميتكم ويعيدكم على ذلك { والله بما تعملون بصير }.
[64.3]
{ خلق السموت والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم } إذ جعل شكل الآدمي أحسن الأشكال { وإليه المصير }.
[64.4]
{ يعلم ما فى السموت والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور } بما فيها من الأسرار والمعتقدات.
[64.5]
{ ألم يأتكم } يا كفار مكة { نبؤا } خبر { الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم } عاقبة كفرهم في الدنيا { ولهم } في الآخرة { عذاب أليم } مؤلم؟.
[64.6]
{ ذلك } أي عذاب الدنيا { بأنه } ضمير الشأن { كانت تأتيهم رسلهم بالبينت } الحجج الظاهرات على الإيمان { فقالوا أبشر } أريد به الجنس { يهدوننا فكفروا وتولوا } عن الإيمان { واستغنى الله } عن إيمانهم { والله غنى } عن خلقه { حميد } محمود في أفعاله.
[64.7]
{ زعم الذين كفروا أن } مخففة واسمها محذوف، أي أنهم { لن يبعثوا قل بلى وربى لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير }.
[64.8]
{ فئامنوا بالله ورسوله والنور } القرآن { الذى أنزلنا والله بما تعملون خبير }.
[64.9]
اذكر { يوم يجمعكم ليوم الجمع } يوم القيامة { ذلك يوم التغابن } يغبن المؤمنون الكافرين بأخذ منازلهم وأهليهم في الجنة لو آمنوا { ومن يؤمن بالله ويعمل صلحا يكفر عنه سيئته ويدخله } وفي قراءة (نكفر) و (ندخله) بالنون في الفعلين { جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم }.
[64.10]
{ والذين كفروا وكذبوا بئايتنا } القرآن { أولئك أصحب النار خلدين فيها وبئس المصير } هي.
[64.11]
{ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله } بقضائه { ومن يؤمن بالله } في قوله: إن المصيبة بقضائه { يهد قلبه } للصبر عليها { والله بكل شيء عليم }.
[64.12]
{ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلغ المبين } البين.
[64.13]
{ الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون }.
[64.14]
{ يأيها الذين ءامنوا إن من أزوجكم وأولدكم عدوا لكم فاحذروهم } أن تطيعوهم في التخلف عن الخير كالجهاد والهجرة فإن سبب نزول الآية الإطاعة في ذلك { وأن تعفوا } عنهم في تثبيطهم إياكم عن ذلك الخير معتلين بمشقة فراقكم عليهم { وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم }.
[64.15]
{ إنما أمولكم وأولدكم فتنة } لكم شاغلة عن أمور الآخرة { والله عنده أجر عظيم } فلا تفوتوه باشتغالكم بالأموال والأولاد.
[64.16]
{ فاتقوا الله ما استطعتم } ناسخة لقوله:
اتقوا الله حق تقاته
[102:3] { واسمعوا } ما أمرتم به سماع قبول { وأطيعوا وأنفقوا } في الطاعة { خيرا لأنفسكم } خبر يكن مقدرة جواب الأمر { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } الفائزون.
[64.17]
{ إن تقرضوا الله قرضا حسنا } بأن تتصدقوا عن طيب قلب { يضعفه لكم } وفي قراءة «يضعفه» بالتشديد بالواحدة عشرا إلى سبعمائة وأكثر [261:2] { ويغفر لكم } ما يشاء { والله شكور } مجاز على الطاعة { حليم } في العقاب على المعصية.
[64.18]
{ علم الغيب } السر { والشهدة } العلانية { العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه.
[65 - سورة الطلاق]
[65.1]
{ يأيها النبى } المراد أمته بقرينة ما بعده، أو قل لهم { إذا طلقتم النسآء } أي أردتم الطلاق { فطلقوهن لعدتهن } لأولها بأن يكون الطلاق في طهر لم تمس فيه لتفسيره صلى الله عليه وسلم بذلك، رواه الشيخان { وأحصوا العدة } احفظوها لتراجعوا قبل فراغها { واتقوا الله ربكم } أطيعوه في أمره ونهيه { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } منها حتى تنقضي عدتهن { إلا أن يأتين بفحشة } زنا { مبينة } بفتح الياء وكسرها: أي بينت، أو بينة فيخرجن لإقامة الحد عليهن { وتلك } المذكورات { حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك } الطلاق { أمرا } مراجعة فيما إذا كان واحدة أو اثنتين.
[65.2]
{ فإذا بلغن أجلهن } قاربن انقضاء عدتهن { فأمسكوهن } بأن تراجعوهن { بمعروف } من غير ضرار { أو فارقوهن بمعروف } اتركوهن حتى تنقضي عدتهن ولا تضاروهن بالمراجعة { وأشهدوا ذوى عدل منكم } على المراجعة أو الفراق { وأقيموا الشهدة لله } لا للمشهود عليه أو له { ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الأخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا } من كرب الدنيا والآخرة.
[65.3]
{ ويرزقه من حيث لا يحتسب } يخطر بباله { ومن يتوكل على الله } في أموره { فهو حسبه } كافيه { إن الله بلغ أمره } مراده. وفي قراءة بالإضافة { قد جعل الله لكل شىء } كرخاء وشدة { قدرا } ميقاتا.
[65.4]
{ والئى } بهمزة وياء، وبلا ياء في الموضعين { يئسن من المحيض } بمعنى الحيض { من نسآئكم إن ارتبتم } شككتم في عدتهن { فعدتهن ثلثة أشهر والئى لم يحضن } لصغرهن فعدتهن ثلاثة أشهر، والمسألتان في غير المتوفى عنهن أزواجهن، أما هن فعدتهن ما في آية (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) { وأولت الأحمال أجلهن } انقضاء عدتهن مطلقات أو متوفى عنهن أزواجهن { أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا } في الدنيا والآخرة.
[65.5]
{ ذلك } المذكور في العدة { أمر الله } حكمه { أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئته ويعظم له أجرا }.
[65.6]
{ أسكنوهن } أي المطلقات { من حيث سكنتم } أي بعض مساكنكم { من وجدكم } أي سعتكم عطف بيان، أو بدل مما قبله بإعادة الجار وتقدير مضاف أي أمكنة سعتكم لا ما دونها { ولا تضآروهن لتضيقوا عليهن } المساكن فيحتجن إلى الخروج أو النفقة فيفتدين منكم { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم } أولادكم منهن { فئاتوهن أجورهن } على الرضاع { وأتمروا بينكم } وبينهن { بمعروف } بجميل في حق الأولاد بالتوافق على أجر معلوم للإرضاع { وإن تعاسرتم } تضايقتم في الرضاع فامتنع الأب من الأجرة والأم من فعله { فسترضع له } للأب { أخرى } ولا تكره الأم على إرضاعه.
[65.7]
{ لينفق } على المطلقات والمرضعات { ذو سعة من سعته ومن قدر } ضيق { عليه رزقه فلينفق مما ءاته } أعطاه { الله } على قدره { لا يكلف الله نفسا إلا مآ ءاتها سيجعل الله بعد عسر يسرا } وقد جعله بالفتوح.
[65.8]
{ وكأين } هي كاف الجر دخلت على أي بمعنى كم { من قرية } أي وكثير من القرى { عتت } عصت، يعني أهلها { عن أمر ربها ورسله فحاسبنها } في الآخرة وإن لم تجيء لتحقق وقوعها { حسابا شديدا وعذبنها عذابا نكرا } بسكون الكاف وضمها فظيعا وهو عذاب النار.
[65.9]
{ فذاقت وبال أمرها } عقوبته { وكانت عقبة أمرها خسرا } خسارا وهلاكا.
[65.10]
{ أعد الله لهم عذابا شديدا } تكرير الوعيد توكيد { فاتقوا الله يأولى الألبب } أصحاب العقول { الذين ءامنوا } نعت للمنادى أو بيان له { قد أنزل الله إليكم ذكرا } هو القرآن.
[65.11]
{ رسولا } أي محمدا صلى الله عليه وسلم منصوب بفعل مقدر، أي وأرسل { يتلوا عليكم ءايت الله مبينت } بفتح الياء وكسرها كما تقدم { ليخرج الذين ءامنوا وعملوا الصلحت } بعد مجيء الذكر والرسول { من الظلمت } الكفر الذي كانوا عليه { إلى النور } الإيمان الذي قام بهم بعد الكفر { ومن يؤمن بالله ويعمل صلحا يدخله } وفي قراءة (ندخله) بالنون { جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيهآ أبدا قد أحسن الله له رزقا } هو رزق الجنة التي لا ينقطع نعيمها.
[65.12]
{ الله الذى خلق سبع سموت ومن الأرض مثلهن } يعني سبع أرضين { يتنزل الأمر } الوحي { بينهن } بين السموات والأرض: ينزل به جبريل من السماء السابعة إلى الأرض السابعة { لتعلموا } متعلق بمحذوف، أي أعلمكم بذلك الخلق والتنزيل { أن الله على كل شىء قدير وأن الله قد أحاط بكل شىء علما }.
[66 - سورة التحريم]
[66.1]
{ يأيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك } من أمتك مارية القبطية لما واقعها في بيت حفصة، وكانت غائبة فجاءت وشق عليه كون ذلك في بيتها وعلى فراشها حيث قلت: هي حرام علي { تبتغى } بتحريمها { مرضات أزوجك } أي رضاهن { والله غفور رحيم } غفر لك هذا التحريم.
[66.2]
{ قد فرض الله } شرع { لكم تحلة أيمنكم } تحليلها بالكفارة المذكورة في سورة (المائدة) [5:5]، ومن الأيمان تحريم الأمة، وهل كفر صلى الله عليه وسلم؟ قال مقاتل: أعتق رقبة في تحريم مارية. وقال الحسن: لم يكفر لأنه صلى الله عليه وسلم مغفور له { والله مولكم } ناصركم { وهو العليم الحكيم }.
[66.3]
{ و } اذكر { إذ أسر النبى إلى بعض أزوجه } هي حفصة { حديثا } هو تحريم مارية، وقال لها لا تفشيه { فلما نبأت به } عائشة ظنا منها أن لا حرج في ذلك { وأظهره الله } أطلعه { عليه } على المنبأ به { عرف بعضه } لحفصة { وأعرض عن بعض } تكرما منه { فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأنى العليم الخبير } أي الله.
[66.4]
{ إن تتوبآ } أي حفصة وعائشة { إلى الله فقد صغت قلوبكما } مالت إلى تحريم مارية أي سركما ذلك مع كراهة النبي صلى الله عليه وسلم له، وذلك ذنب، وجواب الشرط محذوف: أي تقبلا، وأطلق «قلوب» على «قلبين» ولم يعبر به لاستثقال الجمع بين تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة { وإن تظاهرا } بإدغام التاء الثانية في الأصل في الظاء، وفي قراءة بدونها: تتعاونا { عليه } أي النبي فيما يكرهه { فإن الله هو } ضمير فصل { موله } ناصره { وجبريل وصلح المؤمنين } أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، معطوف على محل اسم «إن» فيكونون ناصريه { والملئكة بعد ذلك } بعد نصر الله والمذكورين { ظهير } ظهراء أعوان له في نصره عليكما.
[66.5]
{ عسى ربه إن طلقكن } أي طلق النبي أزواجه { أن يبدله } بالتشديد والتخفيف { أزوجا خيرا منكن } خبر «عسى» والجملة جواب الشرط ولم يقع التبديل لعدم وقوع الشرط { مسلمت } مقرات بالإسلام { مؤمنت } مخلصات { قنتت } مطيعات { تئبت عبدت سئحت } صائمات أو مهاجرات { ثيبت وأبكارا }.
[66.6]
{ يأيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم } بالحمل على طاعة الله { نارا وقودها الناس } الكفار { والحجارة } كأصنامهم منها، يعني أنها مفرطة الحرارة تتقد بما ذكر، لا كنار الدنيا تتقد بالحطب ونحوه { عليها ملائكة } خزنتها عدتهم
تسعة عشر
[31,30:74] كما سيأتي في المدثر { غلاظ } من غلظ القلب { شداد } في البطش { لا يعصون الله ما أمرهم } بدل من الجلالة، أي لا يعصون أمر الله { ويفعلون ما يؤمرون } تأكيد، والآية تخويف للمؤمنين عن الارتداد، وللمنافقين المؤمنين بألسنتهم دون قلوبهم.
[66.7]
{ يأيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم } يقال لهم ذلك عند دخولهم النار، أي: لأنه لا ينفعكم { إنما تجزون ما كنتم تعملون } أي جزاءه.
[66.8]
{ يأيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا } بفتح النون وضمها: صادقة بأن لا يعاد إلى الذنب ولا يراد العود إليه { عسى ربكم } ترجية تقع { أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنت } بساتين { تجرى من تحتها الأنهر يوم لا يخزى الله } بإدخال النار { النبي والذين ءامنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم } أمامهم { و } يكون { بإيمانهم يقولون } مستأنف { ربنا أتمم لنا نورنا } إلى الجنة والمنافقون يطفأ نورهم { واغفر لنا } ربنا { إنك على كل شىء قدير }.
[66.9]
{ يأيها النبى جهد الكفار } بالسيف { والمنفقين } باللسان والحجة { واغلظ عليهم } بالانتهار والمقت { ومأوهم جهنم وبئس المصير } هي.
[66.10]
{ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صلحين فخانتاهما } في الدين إذ كفرتا. وكانت امرأة نوح واسمها (واهلة) تقول لقومه: إنه مجنون، وامرأة لوط واسمها (واعلة) تدل قومه على أضيافه إذا نزلوا به ليلا بإيقاد النار، ونهارا بالتدخين { فلم يغنينا } أي نوح ولوط { عنهما من الله } من عذابه { شيئا وقيل } لهما { ادخلا النار مع الداخلين } من كفار قوم نوح وقوم لوط.
[66.11]
{ وضرب الله مثلا للذين ءامنوا امرأت فرعون } آمنت بموسى واسمها (آسية)، فعذبها فرعون بأن أوتد يديها ورجليها وألقى على صدرها رحى عظيمة واستقبل بها الشمس، فكانت إذا تفرق عنها من وكل بها ظللتها الملائكة { إذ قالت } في حال التعذيب { رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة } فكشف لها فرأته فسهل عليها التعذيب { ونجنى من فرعون وعمله } وتعذيبه { ونجنى من القوم الظلمين } أهل دينه فقبض الله روحها. وقال ابن كيسان: رفعت إلى الجنة حية فهي تأكل وتشرب.
[66.12]
{ ومريم } عطف على «امرأة فرعون» { ابنة عمران التى أحصنت فرجها } حفظته { فنفخنا فيه من روحنا } أي جبريل حيث نفخ في جيب درعها بخلق الله تعالى فعله الواصل إلى فرجها فحملت بعيسى { وصدقت بكلمت ربها } شرائعه { وكتبه } المنزلة { وكانت من القنتين } من القوم المطيعين.
[67 - سورة الملك]
[67.1]
{ تبارك } تنزه عن صفات المحدثين { الذى بيده } في تصرفه { الملك } السلطان والقدرة { وهو على كل شىء قدير }.
[67.2]
{ الذى خلق الموت } في الدنيا { والحيوة } في الآخرة أو هما في الدنيا، فالنطفة تعرض لها الحياة وهي ما به الإحساس، والموت ضدها أو عدمها قولان، والخلق على الثاني بمعنى التقدير { ليبلوكم } ليختبركم في الحياة { أيكم أحسن عملا } أطوع لله { وهو العزيز } في انتقامه ممن عصاه { الغفور } لمن تاب إليه.
[67.3]
{ الذى خلق سبع سموت طباقا } بعضها فوق بعض من غير مماسة { ما ترى فى خلق الرحمن } لهن ولا لغيرهن { من تفوت } تباين وعدم تناسب { فارجع البصر } أعده إلى السماء { هل ترى } فيها { من فطور } صدوع وشقوق؟.
[67.4]
{ ثم ارجع البصر كرتين } كرة بعد كرة { ينقلب } يرجع { إليك البصر خاسئا } ذليلا لعدم إدراك خلل { وهو حسير } منقطع عن رؤية الخلل.
[67.5]
{ ولقد زينا السمآء الدنيا } القربى إلى الأرض { بمصبيح } بنجوم { وجعلنها رجوما } مراجم { للشيطين } إذا استرقوا السمع، بأن ينفصل شهاب عن الكوكب كالقبس يؤخذ من النار فيقتل الجني أو يخبله، لا أن الكوكب يزول عن مكانه { وأعتدنا لهم عذاب السعير } النار الموقدة.
[67.6]
{ وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير } هي.
[67.7]
{ إذآ ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا } صوتا منكرا كصوت الحمار { وهى تفور } تغلي.
[67.8]
{ تكاد تميز } وقرىء «تتميز» على الأصل تتقطع { من الغيظ } غضبا على الكافر { كلمآ ألقى فيها فوج } جماعة منهم { سألهم خزنتهآ } سؤال توبيخ { ألم يأتكم نذير } رسول ينذركم عذاب الله تعالى؟.
[67.9]
{ قالوا بلى قد جآءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شىء إن } ما { أنتم إلا فى ضلل كبير } يحتمل أن يكون من كلام الملائكة للكفار حين أخبروا بالتكذيب، وأن يكون من كلام الكفار للنذر.
[67.10]
{ وقالوا لو كنا نسمع } أي سماع تفهم { أو نعقل } أي عقل تفكر { ما كنا فى أصحب السعير }.
[67.11]
{ فاعترفوا } حيث لا ينفع الاعتراف { بذنبهم } وهو تكذيب النذر { فسحقا } بسكون الحاء وضمها { لأصحب السعير } فبعدا لهم عن رحمة الله.
[67.12]
{ إن الذين يخشون ربهم } يخافونه { بلغيب } في غيبتهم عن أعين الناس فيطيعونه سرا فيكون علآنية أولى { لهم مغفرة وأجر كبير } أي الجنة.
[67.13]
{ وأسروا } أيها الناس { قولكم أو اجهروا به إنه } تعالى { عليم بذات الصدور } بما فيها فكيف بما نطقتم به؟ وسبب نزول ذلك أن المشركين قال بعضهم لبعض: أسروا قولكم لا يسمعكم إله محمد.
[67.14]
{ ألا يعلم من خلق } ما تسرون أي: أينتفي علمه بذلك { وهو اللطيف } في علمه { الخبير } فيه؟ لا.
[67.15]
{ هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا } سهلة للمشي فيها { فامشوا فى مناكبها } جوانبها { وكلوا من رزقه } المخلوق لأجلكم { وإليه النشور } من القبور للجزاء.
[67.16]
{ ءأمنتم } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينها وبين الأخرى وتركه وإبدالها ألفا { من فى السمآء } سلطانه وقدرته { أن يخسف } بدل من «من» { بكم الأرض فإذا هى تمور } تتحرك بكم وترتفع فوقكم.
[67.17]
{ أم أمنتم من فى السمآء أن يرسل } بدل من «من» { عليكم حاصبا } ريحا ترميكم بالحصباء { فستعلمون } عند معاينة العذاب { كيف نذير } إنذاري بالعذاب؟ أي إنه حق.
[67.18]
{ ولقد كذب الذين من قبلهم } من الأمم { فكيف كان نكير } إنكاري عليهم بالتكذيب عند إهلاكهم، أي إنه حق.
[67.19]
{ أولم يروا } ينظروا { إلى الطير فوقهم } في الهواء { صفت } باسطات أجنحتهن { ويقبضن } أجنحتهن بعد البسط، أي وقابضات { ما يمسكهن } عن الوقوع في حال البسط والقبض { إلا الرحمن } بقدرته { إنه بكل شىء بصير } المعنى: ألم يستدلوا بثبوت الطير في الهواء على قدرتنا أن نفعل بهم ما تقدم وغيره من العذاب؟.
[67.20]
{ أمن } مبتدأ { هذا } خبره { الذى } بدل من هذا { هو جند } أعوان { لكم } صلة الذي { ينصركم } صفة جند { من دون الرحمن } أي غيره يدفع عنكم عذابه، أي لا ناصر لكم { إن } ما { الكفرون إلا فى غرور } غرهم الشيطان بأن العذاب لا ينزل بهم.
[67.21]
{ أمن هذا الذى يرزقكم إن أمسك } الرحمن { رزقه } أي المطر عنكم؟ وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله، أي فمن يرزقكم؟، أي لا رازق لكم غيره { بل لجوا } تمادوا { فى عتو } تكبر { ونفور } تباعد عن الحق.
[67.22]
{ أفمن يمشى مكبا } واقعا { على وجهه أهدى أمن يمشى سويا } معتدلا { على صرط } طريق { مستقيم }؟ وخبر من الثانية محذوف دل عليه خبر الأولى أي أهدى والمثل في المؤمن والكافر: أي أيهما على هدى؟.
[67.23]
{ قل هو الذى أنشأكم } خلقكم { وجعل لكم السمع والأبصر والأفئدة } القلوب { قليلا ما تشكرون } ما مزيدة والجملة مستأنفة مخبرة بقلة شكرهم جدا على هذه النعم.
[67.24]
{ قل هو الذى ذرأكم } خلقكم { فى الأرض وإليه تحشرون } للحساب.
[67.25]
{ ويقولون } للمؤمنين { متى هذا الوعد } وعد الحشر { إن كنتم صدقين } فيه؟.
[67.26]
{ قل إنما العلم } بمجيئه { عند الله وإنمآ أنا نذير مبين } بين الإنذار.
[67.27]
{ فلما رأوه } أي العذاب بعد الحشر { زلفة } قريبا { سيئت } اسودت { وجوه الذين كفروا وقيل } أي قال الخزنة لهم { هذا } أي العذاب { الذى كنتم به } بإنذاره { تدعون } أنكم لا تبعثون. وهذه حكاية حال تأتي، عبر عنها بطريق المضي لتحقق وقوعها.
[67.28]
{ قل أرءيتم إن أهلكنى الله ومن معى } من المؤمنين بعذابه كما تقصدون { أو رحمنا } فلم يعذبنا { فمن يجير الكفرين من عذاب أليم } أي لا مجير لهم منه.
[67.29]
{ قل هو الرحمن ءامنا به وعليه توكلنا فستعلمون } بالتاء والياء عند معاينة العذاب { من هو فى ضلل مبين } بين، أنحن أم أنتم أم هم؟.
[67.30]
{ قل أرءيتم إن أصبح مآؤكم غورا } غائرا في الأرض { فمن يأتيكم بمآء معين } جار تناله الأيدي والدلاء كمائكم؟ أي لا يأتي به إلا الله تعالى فكيف تنكرون أن يبعثكم؟ ويستحب أن يقول القارىء عقب معين: «الله رب العالمين» كما ورد في الحديث. وتليت هذه الآية عند بعض المتجبرين فقال: تأتي به الفؤوس والمعاول فذهب ماء عينيه وعمي. نعوذ بالله من الجراءة على الله وعلى آياته.
[68 - سورة القلم]
[68.1]
{ ن } أحد حروف الهجاء الله أعلم بمراده به { والقلم } الذي كتب به الكائنات في اللوح المحفوظ { وما يسطرون } أي الملائكة من الخير والصلاح.
[68.2]
{ مآ أنت } يا محمد { بنعمة ربك بمجنون } أي انتفى الجنون عنك بسبب إنعام ربك عليك بالنبوة وغيرها. وهذا رد لقولهم: إنه مجنون.
[68.3]
{ وإن لك لأجرا غير ممنون } مقطوع.
[68.4]
{ وإنك لعلى خلق } دين { عظيم }.
[68.5]
{ فستبصر ويبصرون }.
[68.6]
{ بأييكم المفتون } مصدر كالمعقول، أي الفتون بمعنى الجنون، أي أبك أم بهم؟.
[68.7]
{ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } له و أعلم بمعنى عالم.
[68.8]
{ فلا تطع المكذبين }.
[68.9]
{ ودوا } تمنوا { لو } مصدرية { تدهن } تلين لهم { فيدهنون } يلينون لك، وهو معطوف على تدهن، وإن جعل جواب التمني المفهوم من «ودوا» قدر قبله بعد الفاء: هم.
[68.10]
{ ولا تطع كل حلاف } كثير الحلف بالباطل { مهين } حقير.
[68.11]
{ هماز } عياب أي مغتاب { مشآء بنميم } ساع بالكلام بين الناس على وجه الإفساد بينهم.
[68.12]
{ مناع للخير } بخيل بالمال عن الحقوق { معتد } ظالم { أثيم } آثم.
[68.13]
{ عتل } غليظ جاف { بعد ذلك زنيم } دعي في قريش، وهو الوليد بن المغيرة ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة. قال ابن عباس: لا نعلم أن الله وصف أحدا بما وصفه به من العيوب فألحق به عارا لا يفارقه أبدا. وتعلق ب «زنيم» الظرف قبله.
[68.14]
{ أن كان ذا مال وبنين } أي لأن وهو متعلق بما دل عليه.
[68.15]
{ إذا تتلى عليه ءايتنا } القرآن { قال } هي { أسطير الأولين } أي كذب بها لإنعامنا عليه بما ذكر؟ وفي قراءة (أأن) بهمزتين مفتوحتين.
[68.16]
{ سنسمه على الخرطوم } سنجعل على أنفه علامة يعير بها ما عاش فخطم أنفه بالسيف يوم بدر.
[68.17]
{ إنا بلونهم } امتحنا أهل مكة بالقحط والجوع { كما بلونآ أصحب الجنة } البستان { إذ أقسموا ليصرمنها } يقطعون ثمرتها { مصبحين } وقت الصباح، كي لا يشعر بهم المساكين فلا يعطونهم منها ما كان أبوهم يتصدق به عليهم منها.
[68.18]
{ ولا يستثنون } في يمينهم بمشيئة الله تعالى، والجملة مستأنفة، أي وشأنهم ذلك.
[68.19]
{ فطاف عليها طآئف من ربك } نار أحرقتها ليلا { وهم نآئمون }.
[68.20]
{ فأصبحت كالصريم } كالليل الشديد الظلمة، أي سوداء.
[68.21]
{ فتنادوا مصبحين }.
[68.22]
{ أن اغدوا على حرثكم } غلتكم تفسير «للتنادي» أو أن مصدرية أي بأن { إن كنتم صرمين } مريدين القطع وجواب الشرط دل عليه ما قبله.
[68.23]
{ فانطلقوا وهم يتخفتون } يتسارون.
[68.24]
{ أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين } تفسير لما قبله، أو أن مصدرية: أي بأن.
[68.25]
{ وغدوا على حرد } منع للفقراء { قدرين } عليه في ظنهم.
[68.26]
{ فلما رأوها } سوداء محترقة { قالوا إنا لضآلون } عنها، أي ليست هذه، ثم قالوا لما علموها:
[68.27]
{ بل نحن محرومون } ثمرتها بمنعنا الفقراء منها.
[68.28]
{ قال أوسطهم } خيرهم { ألم أقل لكم لولا } هلا { تسبحون } الله تائبين؟.
[68.29]
{ قالوا سبحن ربنآ إنا كنا ظلمين } بمنع الفقراء حقهم.
[68.30]
{ فأقبل بعضهم على بعض يتلومون }.
[68.31]
{ قالوا يآ } للتنبيه { ويلنا } هلاكنا { إنا كنا طغين }.
[68.32]
{ عسى ربنآ أن يبدلنا } بالتشديد والتخفيف { خيرا منهآ إنآ إلى ربنا رغبون } ليقبل توبتنا وليرد علينا خيرا من جنتنا. روي أنهم أبدلوا خيرا منها.
[68.33]
{ كذلك } أي مثل العذاب لهؤلاء { العذاب } لمن خالف أمرنا من كفار مكة وغيرهم { ولعذاب الأخرة أكبر لو كانوا يعلمون } عذابها ما خالفوا أمرنا. ونزل لما قالوا: إن بعثنا نعطى أفضل منكم:
[68.34]
{ إن للمتقين عند ربهم جنت النعيم }.
[68.35]
{ أفنجعل المسلمين كالمجرمين } أي تابعين لهم في العطاء.
[68.36]
{ ما لكم كيف تحكمون } هذا الحكم الفاسد؟.
[68.37]
{ أم } أي بل أ { لكم كتب } منزل { فيه تدرسون } أي تقرأون؟.
[68.38]
{ إن لكم فيه لما تخيرون } تختارون.
[68.39]
{ أم لكم أيمن } عهود { علينا بلغة } واثقة { إلى يوم القيمة } متعلق معنى بعلينا وفي هذا الكلام معنى القسم، أي قسمنا لكم وجوابه { إن لكم لما تحكمون } به لأنفسكم.
[68.40]
{ سلهم أيهم بذلك } الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل من المؤمنين { زعيم } كفيل لهم؟.
[68.41]
{ أم لهم } أي عندهم { شركآء } موافقون لهم في هذا المقول يكفلون لهم به ؟ فإن كان كذلك { فليأتوا بشركآئهم } الكافلين لهم به { إن كانوا صدقين }.
[68.42]
اذكر { يوم يكشف عن ساق } هو عبارة عن شدة الأمر يوم القيامة للحساب والجزاء. يقال: كشف الحرب عن ساق: إذا اشتد الأمر فيها { ويدعون إلى السجود } امتحانا لإيمانهم { فلا يستطيعون } تصير ظهورهم طبقا واحدا.
[68.43]
{ خشعة } حال من ضمير يدعون، أي ذليلة { أبصرهم } لا يرفعونها { ترهقهم } تغشاهم { ذلة وقد كانوا يدعون } في الدنيا { إلى السجود وهم سلمون } فلا يأتون به بأن لا يصلوا.
[68.44]
{ فذرنى } دعني { ومن يكذب بهذا الحديث } القرآن { سنستدرجهم } نأخذهم قليلا قليلا { من حيث لا يعلمون }.
[68.45]
{ وأملى لهم } أمهلهم { إن كيدى متين } شديد لا يطاق.
[68.46]
{ أم } بل أ { تسئلهم } على تبليغ الرسالة { أجرا فهم من مغرم } مما يعطونكه { مثقلون } فلا يؤمنون لذلك؟.
[68.47]
{ أم عندهم الغيب } أي اللوح المحفوظ الذي فيه الغيب { فهم يكتبون } منه ما يقولون؟.
[68.48]
{ فاصبر لحكم ربك } فيهم بما يشاء { ولا تكن كصحب الحوت } في الضجر والعجلة، وهو يونس عليه السلام { إذ نادى } دعا ربه { وهو مكظوم } مملوء غما في بطن الحوت.
[68.49]
{ لولآ أن تدركه } أدركه { نعمة } رحمة { من ربه لنبذ } من بطن الحوت { بالعرآء } بالأرض الفضاء { وهو مذموم } لكنه رحم فنبذ غير مذموم.
[68.50]
{ فاجتبه ربه } بالنبوة { فجعله من الصلحين } الأنبياء.
[68.51]
{ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك } بضم الياء وفتحها { بأبصرهم } أي ينظرون إليك نظرا شديدا يكاد أن يصرعك ويسقطك من مكانك { لما سمعوا الذكر } القرآن { ويقولون } حسدا { إنه لمجنون } بسبب القرآن الذي جاء به.
[68.52]
{ وما هو } أي القرآن { إلا ذكر } موعظة { للعلمين } الجن والإنس لا يحدث بسببه جنون.
[69 - سورة الحاقة]
[69.1]
{ الحآقة } القيامة التي يحق فيها ما أنكر من البعث والحساب والجزاء، أو المظهرة لذلك.
[69.2]
{ ما الحآقة } تعظيم لشأنها، وهما مبتدأ وخبر، (خبر) الحاقة.
[69.3]
{ وما أدرك } أعلمك { ما الحاقة } زيادة تعظيم لشأنها. فما الأولى مبتدأ وما بعدها خبره، و ما الثانية وخبرها في محل المفعول الثاني لأدرى.
[69.4]
{ كذبت ثمود وعاد بالقارعة } القيامة لأنها تقرع القلوب بأهوالها.
[69.5]
{ فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية } بالصيحة المجاوزة للحد في الشدة.
[69.6]
{ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر } شديدة الصوت { عاتية } قوية شديدة على عاد مع قوتهم وشدتهم.
[69.7]
{ سخرها } أرسلها بالقهر { عليهم سبع ليال وثمنية أيام } أولها من صبح يوم الأربعاء لثمان بقين من شوال. وكانت في عجز الشتاء { حسوما } متتابعات، شبهت بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء كرة بعد أخرى حتى ينحسم. { فترى القوم فيها صرعى } مطروحين هالكين { كأنهم أعجاز } أصول { نخل خاوية } ساقطة فارغة.
[69.8]
{ فهل ترى لهم من باقية } صفة «نفس» مقدرة، أو التاء للمبالغة، أي باق؟ لا.
[69.9]
{ وجآء فرعون ومن قبله } أتباعه. وفي قراءة بفتح القاف وسكون الباء أي من تقدمه من الأمم الكافرة { والمؤتفكت } أي أهلها وهي قرى قوم لوط { بالخاطئة } بالفعلات ذات الخطأ.
[69.10]
{ فعصوا رسول ربهم } أي لوطا وغيره { فأخذهم أخذة رابية } زائدة في الشدة على غيرها.
[69.11]
{ إنا لما طغا المآء } علا فوق كل شيء من الجبال وغيرها زمن الطوفان { حملنكم } يعني آباءكم إذ أنتم في أصلابهم { فى الجارية } السفينة التي عملها نوح ونجا هو ومن كان معه فيها وغرق الباقون.
[69.12]
{ لنجعلها } أي هذه الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين { لكم تذكرة } عظة { وتعيهآ } ولتحفظها { أذن وعية } حافظة لما تسمع.
[69.13]
{ فإذا نفخ فى الصور نفخة وحدة } للفصل بين الخلائق وهي الثانية.
[69.14]
{ وحملت } رفعت { الأرض والجبال فدكتا } دقتا { دكة وحدة }.
[69.15]
{ فيومئذ وقعت الواقعة } قامت القيامة.
[69.16]
{ وانشقت السمآء فهى يومئذ واهية } ضعيفة.
[69.17]
{ والملك } يعني: الملائكة { على أرجآئها } جوانب السماء { ويحمل عرش ربك فوقهم } أي الملائكة المذكورين. { يومئذ ثمنية } من الملائكة أو من صفوفهم.
[69.18]
{ يومئذ تعرضون } للحساب { لا تخفى } بالتاء والياء { منكم خافية } من السرائر.
[69.19]
{ فأما من أوتى كتبه بيمينه فيقول } خطابا لجماعته لما سر به { هآؤم } خذوا { اقرءوا كتبيه } تنازع فيه «هاؤم واقرؤوا».
[69.20]
{ إنى ظننت } تيقنت { أنى ملق حسابيه }.
[69.21]
{ فهو فى عيشة راضية } مرضية.
[69.22]
{ فى جنة عالية }.
[69.23]
{ قطوفها } ثمارها { دانية } قريبة يتناولها القائم والقاعد والمضطجع.
[69.24]
فيقال لهم { كلوا واشربوا هنيئا } حال، أي متهنئين { بمآ أسلفتم فى الأيام الخالية } الماضية في الدنيا.
[69.25]
{ وأما من أوتى كتبه بشماله فيقول يا } للتنبيه { ليتنى لم أوت كتبيه }.
[69.26]
{ ولم أدر ما حسابيه }.
[69.27]
{ يليتها } أي الموتة في الدنيا { كانت القاضية } القاطعة لحياتي بأن لا أبعث.
[69.28]
{ مآ أغنى عنى ماليه }.
[69.29]
{ هلك عنى سلطنيه } قوتي وحجتي و ها في «كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانيه» للسكت تثبت وقفا ووصلا اتباعا للمصحف الإمام والنقل، ومنهم من حذفها وصلا.
[69.30]
{ خذوه } خطاب لخزنة جهنم { فغلوه } اجمعوا يديه إلى عنقه في الغل.
[69.31]
{ ثم الجحيم } النار المحرقة { صلوه } أدخلوه.
[69.32]
{ ثم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا } بذراع الملك { فاسلكوه } أي أدخلوه فيها بعد إدخاله النار. ولم تمنع الفاء من تعلق الفعل بالظرف المتقدم.
[69.33]
{ إنه كان لا يؤمن بالله العظيم }.
[69.34]
{ ولا يحض على طعام المسكين }.
[69.35]
{ فليس له اليوم ههنا حميم } قريب ينتفع به.
[69.36]
{ ولا طعام إلا من غسلين } صديد أهل النار أو شجر فيها.
[69.37]
{ لا يأكله إلا الخطئون } الكافرون.
[69.38]
{ فلا } زائدة { أقسم بما تبصرون } من المخلوقات.
[69.39]
{ وما لا تبصرون } منها، أي بكل مخلوق.
[69.40]
{ أنه } أي القرآن { لقول رسول كريم } أي قاله رسالة عن الله تعالى.
[69.41]
{ وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون }.
[69.42]
{ ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون } بالتاء والياء «في» الفعلين «وما» مزيدة مؤكدة. والمعنى أنهم آمنوا بأشياء يسيرة وتذكروها مما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من الخير والصلة والعفاف فلم تغن عنهم شيئا.
[69.43]
بل هو { تنزيل من رب العلمين }.
[69.44]
{ ولو تقول } أي النبي { علينا بعض الأقاويل } بأن قال عنا ما لم نقله.
[69.45]
{ لأخذنا } لنلنا { منه } عقابا { باليمين } بالقوة والقدرة.
[69.46]
{ ثم لقطعنا منه الوتين } نياط القلب، وهو عرق متصل به إذا انقطع مات صاحبه.
[69.47]
{ فما منكم من أحد } هو اسم «ما» و «من» زائدة لتأكيد النفي و منكم حال من أحد { عنه حجزين } مانعين خبر ما وجمع لأن أحدا في سياق النفي بمعنى الجمع، وضمير «عنه» للنبي صلى الله عليه وسلم، أي لا مانع لنا عنه من حيث العقاب.
[69.48]
{ وإنه } أي القرآن { لتذكرة للمتقين }.
[69.49]
{ وإنا لنعلم أن منكم } أيها الناس { مكذبين } بالقرآن ومصدقين.
[69.50]
{ وإنه } أي القرآن { لحسرة على الكفرين } إذا رأوا ثواب المصدقين وعقاب المكذبين به.
[69.51]
{ وإنه } أي القرآن { لحق اليقين } أي اليقين المتيقن حق التيقن.
[69.52]
{ فسبح } نزه { باسم } الباء زائدة { ربك العظيم } سبحانه.
[70 - سورة المعارج]
[70.1]
{ سأل سآئل } دعا داع { بعذاب واقع }.
[70.2]
{ للكفرين ليس له دافع } هو النضر بن الحرث قال «اللهم إن كان هذا هو الحق» الآية.
[70.3]
{ من الله } متصل بواقع { ذي المعارج } مصاعد الملائكة وهي السماوات.
[70.4]
{ تعرج } بالتاء والياء { الملئكة والروح } جبريل { إليه } إلى مهبط أمره من السماء { فى يوم } متعلق بمحذوف، أي يقع العذاب بهم في يوم القيامة { كان مقداره خمسين ألف سنة } بالنسبة إلى الكافر لما يلقى فيه من الشدائد، وأما المؤمن فيكون عليه أخف من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا كما جاء في الحديث.
[70.5]
{ فاصبر } وهذا قبل أن يؤمر بالقتال { صبرا جميلا } أي لا جزع فيه.
[70.6]
{ إنهم يرونه } أي العذاب { بعيدا } غير واقع.
[70.7]
{ ونره قريبا } واقعا لا محالة.
[70.8]
{ يوم تكون السمآء } متعلق بمحذوف أي يقع { كالمهل } كذائب الفضة.
[70.9]
{ وتكون الجبال كالعهن } كالصوف في الخفة والطيران بالريح.
[70.10]
{ ولا يسئل حميم حميما } قريب قريبه لاشتغال كل بحاله.
[70.11]
{ يبصرونهم } أي يبصر الأحماء بعضهم بعضا ويتعارفون ولا يتكلمون، والجملة مستأنفة { يود المجرم } يتمنى الكافر { لو } بمعنى أن { يفتدي من عذاب يومئذ } بكسر الميم وفتحها { ببنيه }.
[70.12]
{ وصحبته } زوجته { وأخيه }.
[70.13]
{ وفصيلته } عشيرته لفصله منها { التى تئويه } تضمه.
[70.14]
{ ومن فى الأض جميعا ثم ينجيه } ذلك الافتداء عطف على يفتدي.
[70.15]
{ كلا } رد لما يوده { إنها } أي النار { لظى } اسم لجهنم لأنها تتلظى، أي تتلهب على الكفار.
[70.16]
{ نزاعة للشوى } جمع شواة وهي جلدة الرأس.
[70.17]
{ تدعوا من أدبر وتولى } عن الإيمان بأن تقول: إلي إلي.
[70.18]
{ وجمع } المال { فأوعى } أمسكه في وعائه ولم يؤد حق الله منه.
[70.19]
{ إن الإنسن خلق هلوعا } حال مقدرة، وتفسيره.
[70.20]
{ إذا مسه الشر جزوعا } وقت مس الشر.
[70.21]
{ وإذا مسه الخير منوعا } وقت مس الخير أي المال لحق الله منه.
[70.22]
{ إلا المصلين } أي المؤمنين.
[70.23]
{ الذين هم على صلاتهم دآئمون } مواظبون.
[70.24]
{ والذين فى أمولهم حق معلوم } هو الزكاة.
[70.25]
{ للسآئل والمحروم } المتعفف عن السؤال فيحرم.
[70.26]
{ والذين يصدقون بيوم الدين } الجزاء.
[70.27]
{ والذين هم من عذاب ربهم مشفقون } خائفون.
[70.28]
{ إن عذاب ربهم غير مأمون } نزوله.
[70.29]
{ والذين هم لفروجهم حفظون }.
[70.30]
{ إلا على أزوجهم أو ما ملكت أيمنهم } من الإماء { فإنهم غير ملومين }.
[70.31]
{ فمن ابتغى ورآء ذلك فأولئك هم العادون } المتجاوزون الحلال إلى الحرام.
[70.32]
{ والذين هم لأمنتهم } وفي قراءة بالإفراد، ما ائتمنوا عليه من أمر الدين والدنيا { وعهدهم } المأخوذ عليهم في ذلك { رعون } حافظون.
[70.33]
{ والذين هم بشهدتهم } وفي قراءة بالإفراد { قآئمون } يقيمونها ولا يكتمونها.
[70.34]
{ والذين هم على صلاتهم يحافظون } بأدائها في أوقاتها.
[70.35]
{ أولئك فى جنت مكرمون }.
[70.36]
{ فمال الذين كفروا قبلك } نحوك { مهطعين } حال، أي مديمي النظر.
[70.37]
{ عن اليمين وعن الشمال } منك { عزين } حال أيضا، أي جماعات حلقا حلقا، يقولون استهزاء بالمؤمنين: لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنها قبلهم.
[70.38]
قال تعالى: { أيطمع كل امرىء منهم أن يدخل جنة نعيم }.
[70.39]
{ كلا } ردع لهم عن طمعهم في الجنة { إنا خلقنهم } كغيرهم { مما يعلمون } من نطف فلا يطمع بذلك في الجنة، إنما يطمع فيها بالتقوى.
[70.40]
{ فلا } لا زائدة { أقسم برب المشرق والمغرب } للشمس والقمر وسائر الكواكب { إنا لقدرون }.
[70.41]
{ على أن نبدل } نأتي بدلهم { خيرا منهم وما نحن بمسبوقين } بعاجزين عن ذلك.
[70.42]
{ فذرهم } اتركهم { يخوضوا } في باطلهم { ويلعبوا } في دنياهم { حتى يلقوا } يلقوا { يومهم الذى يوعدون } فيه العذاب.
[70.43]
{ يوم يخرجون من الأجداث } القبور { سراعا } إلى المحشر { كأنهم إلى نصب } وفي قراءة نصب، شيء منصوب كعلم أو راية { يوفضون } يسرعون.
[70.44]
{ خشعة } ذليلة { أبصرهم ترهقهم } تغشاهم { ذلة ذلك اليوم الذى كانوا يوعدون } ذلك مبتدأ وما بعده الخبر، ومعناه يوم القيامة.
[71 - سورة نوح]
[71.1]
{ إنآ أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر } أي بإنذار { قومك من قبل أن يأتيهم } إن لم يؤمنوا { عذاب أليم } مؤلم في الدنيا والآخرة.
[71.2]
{ قال يقوم إنى لكم نذير مبين } بين الإنذار.
[71.3]
{ أن } أي بأن أقول لكم { اعبدوا الله واتقوه وأطيعون }.
[71.4]
{ يغفر لكم من ذنوبكم } من زائدة فإن الإسلام يغفر به ما قبله، أو تبعيضية لإخراج حقوق العباد { ويؤخركم } بلا عذاب { إلى أجل مسمى } أجل الموت { إن أجل الله } بعذابكم إن لم تؤمنوا { إذا جآء لا يؤخر لو كنتم تعلمون } ذلك لآمنتم.
[71.5]
{ قال رب إنى دعوت قومى ليلا ونهارا } أي دائما متصلا.
[71.6]
{ فلم يزدهم دعآءى إلا فرارا } عن الإيمان.
[71.7]
{ وإنى كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصبعهم فى ءاذانهم } لئلا يسمعوا كلامي { واستغشوا ثيابهم } غطوا رؤوسهم بها لئلا ينظروني { وأصروا } على كفرهم { واستكبروا } تكبروا عن الإيمان { استكبارا }.
[71.8]
{ ثم إنى دعوتهم جهارا } أي بأعلى صوتي.
[71.9]
{ ثم إنى أعلنت لهم } صوتي { وأسررت } الكلام { لهم إسرارا }.
[71.10]
{ فقلت استغفروا ربكم } من الشرك { إنه كان غفارا }.
[71.11]
{ يرسل السمآء } المطر وكانوا قد منعوه { عليكم مدرارا } كثير الدرور.
[71.12]
{ ويمددكم بأمول وبنين ويجعل لكم جنت } بساتين { ويجعل لكم أنهرا } جارية.
[71.13]
{ ما لكم لا ترجون لله وقارا }؟ أي تأملون وقار الله إياكم بأن تؤمنوا.
[71.14]
{ وقد خلقكم أطوارا } جمع طور وهو الحال، فطورا نطفة وطورا علقة إلى تمام خلق الإنسان، والنظر في خلقه يوجب الإيمان بخالقه.
[71.15]
{ ألم تروا } تنظروا { كيف خلق الله سبع سموت طباقا } بعضها فوق بعض.
[71.16]
{ وجعل القمر فيهن } أي في مجموعهن الصادق بالسماء الدنيا { نورا وجعل الشمس سراجا } مصباحا مضيئا وهو أقوى من نور القمر.
[71.17]
{ والله أنبتكم } خلقكم { من الأرض } إذ خلق أباكم آدم منها { نباتا }.
[71.18]
{ ثم يعيدكم فيها } مقبورين { ويخرجكم } للبعث { إخراجا }.
[71.19]
{ والله جعل لكم الأرض بساطا } مبسوطة.
[71.20]
{ لتسلكوا منها سبلا } طرقا { فجاجا } واسعة.
[71.21]
{ قال نوح رب إنهم عصونى واتبعوا } أي السفلة والفقراء { من لم يزده ماله وولده } وهم الرؤساء المنعم عليهم بذلك، و «ولد» بضم الواو وسكون اللام وبفتحهما، والأول قيل جمع (ولد) بفتحهما ك(خشب) وخشب، وقيل بمعناه: (كبخل) و(بخل) { إلا خسارا } طغيانا وكفرا.
[71.22]
{ ومكروا } أي الرؤساء { مكرا كبارا } عظيما جدا بأن كذبوا نوحا وآذوه ومن اتبعه.
[71.23]
{ وقالوا } للسفلة { لا تذرن ءالهتكم ولا تذرن ودا } بفتح الواو وضمها { ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } وهي أسماء أصنامهم.
[71.24]
{ وقد أضلوا } بها { كثيرا } من الناس بأن أمروهم بعبادتها { ولا تزد الظلمين إلا ضللا } عطفا على «قد أضلوا» دعا عليهم لما أوحي إليه
أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد ءامن
[36:11].
[71.25]
{ مما } ما صلة { خطيئتهم } بالهمز وفي قراءة خطاياهم { أغرقوا } بالطوفان { فأدخلوا نارا } عوقبوا بها عقب الإغراق تحت الماء { فلم يجدوا لهم من دون } أي غير { الله أنصارا } يمنعون عنهم العذاب.
[71.26]
{ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكفرين ديارا } أي نازل دار، والمعنى أحدا.
[71.27]
{ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا } من يفجر ويكفر، قال ذلك لما تقدم من الإيحاء إليه.
[71.28]
{ رب اغفر لى ولولدى } وكانا مؤمنين { ولمن دخل بيتى } منزلي أو مسجدي { مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنت } إلى يوم القيامة { ولا تزد الظلمين إلا تبارا } هلاكا فأهلكوا.
[72 - سورة الجن]
[72.1]
{ قل } يا محمد للناس { أوحى إلى } أي أخبرت بالوحي من الله تعالى { أنه } الضمير للشأن { استمع } لقراءتي { نفر من الجن } جن نصيبين وذلك في صلاة الصبح ببطن نخل، موضع بين مكة والطائف، وهم الذين ذكروا في قوله تعالى:
وإذ صرفنآ إليك نفرا من الجن
[29:46] الآية { فقالوا } لقومهم لما رجعوا إليهم { إنا سمعنا قرءانا عجبا } يتعجب منه في فصاحته وغزارة معانيه وغير ذلك.
[72.2]
{ يهدى إلى الرشد } الإيمان والصواب { فئامنا به ولن نشرك } بعد اليوم { بربنآ أحدا }.
[72.3]
{ وأنه } الضمير للشأن فيه وفي الموضعين بعده { تعلى جد ربنا } تنزه جلاله وعظمته عما نسب إليه { ما اتخذ صحبة } زوجة { ولا ولدا }.
[72.4]
{ وأنه كان يقول سفيهنا } جاهلنا { على الله شططا } غلوا في الكذب بوصفه بالصاحبة والولد.
[72.5]
{ وأنا ظننآ أن } مخففة، أي إنه { لن تقول الإنس والجن على الله كذبا } بوصفه بذلك حتى تبين كذبهم بذلك.
[72.6]
قال تعالى: { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون } يستعيذون { برجال من الجن } حين ينزلون في سفرهم بمخوف فيقول كل رجل أعوذ بسيد هذا المكان من شر سفهائه { فزادوهم } بعوذهم بهم { رهقا } طغيانا فقالوا سدنا الجن والإنس.
[72.7]
{ وأنهم } أي الجن { ظنوا كما ظننتم } يا إنس { أن } مخففة من الثقيلة، أي أنه { لن يبعث الله أحدا } بعد موته.
[72.8]
قال الجن { وأنا لمسنا السمآء } رمنا استراق السمع { فوجدنها ملئت حرسا } من الملائكة { شديدا وشهبا } نجوما محرقة وذلك لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم.
[72.9]
{ وأنا كنا } أي قبل مبعثه { نقعد منها مقعد للسمع } أي نستمع { فمن يستمع الأن يجد له شهابا رصدا } أي أرصد له ليرمى به.
[72.10]
{ وأنا لا ندرى أشر أريد } بعدم استراق السمع { بمن فى الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا } خيرا؟.
[72.11]
{ وأنا منا الصلحون } بعد استماع القرآن { ومنا دون ذلك } أي قوم غير صالحين { كنا طرآئق قددا } فرقا مختلفين مسلمين وكافرين.
[72.12]
{ وأنا ظننآ أن } مخففة من الثقيلة أي أنه { لن نعجز الله فى الأرض ولن نعجزه هربا } أي لا نفوته كائنين في الأرض أو هاربين منها في السماء.
[72.13]
{ وأنا لما سمعنا الهدى } القرآن { ءامنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف } بتقدير هو بعد الفاء { بخسا } نقصا من حسناته { ولا رهقا } ظلما بالزيادة في سيئاته.
[72.14]
{ وأنا منا المسلمون ومنا القسطون } الجائرون بكفرهم { فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا } قصدوا هداية.
[72.15]
{ وأما القسطون فكانوا لجهنم حطبا } وقودا وأنا وأنهم وأنه في اثني عشر موضعا هي وأنه تعالى (وأنا منا المسلمون) وما بينهما بكسر الهمزة استئنافا وبفتحها بما يوجه به.
[72.16]
قال تعالى في كفار مكة { وأن } مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي وأنهم وهو معطوف على أنه استمع { لو استقموا على الطريقة } أي طريقة الإسلام { لأسقينهم مآء غدقا } كثيرا من السماء وذلك بعد ما رفع المطر عنهم سبع سنين.
[72.17]
{ لنفتنهم } لنختبرهم { فيه } فنعلم كيف شكرهم علم ظهور { ومن يعرض عن ذكر ربه } القرآن { نسلكه } بالنون والياء ندخله { عذابا صعدا } شاقا.
[72.18]
{ وأن المسجد } مواضع الصلاة { لله فلا تدعوا } فيها { مع الله أحدا } بأن تشركوا كما كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا.
[72.19]
{ وأنه } بالفتح والكسر استئنافا والضمير للشأن { لما قام عبد الله } محمد النبي صلى الله عليه وسلم { يدعوه } يعبده ببطن نخلة { كادوا } أي الجن المستمعون لقراءته { يكونون عليه لبدا } بكسر اللام وضمها جميع لبدة كاللبد في ركوب بعضهم بعضا ازدحاما حرصا على سماع القرآن.
[72.20]
{ قل } مجيبا للكفار في قولهم (ارجع عما أنت فيه) وفي قراءة قال { إنمآ ادعوا ربى } إلها { ولآ أشرك به أحدا }.
[72.21]
{ قل إنى لآ أملك لكم ضرا } غيا { ولا رشدا } خيرا.
[72.22]
{ قل لن يجيرنى من الله } من عذابه إن عصيته { أحد ولن أجد من دونه } أي غيره { ملتحدا } ملتجأ.
[72.23]
{ إلا بلغا } استثناء من مفعول أملك، أي لا أملك لكم إلا البلاغ إليكم { من الله } أي عنه { ورسلته } عطف على بلاغا وما بين المستثنى منه والاستثناء اعتراض لتأكيد نفي الاستطاعة { ومن يعص الله ورسوله } في التوحيد فلم يؤمن { فإن له نار جهنم خلدين } حال من ضمير من في «له» رعاية لمعناها، وهي حال مقدرة، والمعنى يدخلونها مقدرا خلودهم { فيهآ أبدا }.
[72.24]
{ حتى إذا رأوا } حتى ابتدائية فيها معنى الغاية مقدر قبلها أي لا يزالون على كفرهم إلى أن يروا { ما يوعدون } به من العذاب { فسيعلمون } عند حلوله بهم يوم بدر أو يوم القيامة { من أضعف ناصرا وأقل عددا } أعوانا، أهم أم المؤمنون؟ على القول الأول، أو أنا أم هم؟ على الثاني، فقال بعضهم: متى هذا الوعد؟ فنزل.
[72.25]
{ قل إن } أي ما { أدرى أقريب ما توعدون } من العذاب { أم يجعل له ربى أمدا } غاية وأجلا لا يعلمه إلا هو؟.
[72.26]
{ علم الغيب } ما غاب عن العباد { فلا يظهر } يطلع { على غيبه أحدا } من الناس.
[72.27]
{ إلا من ارتضى من رسول فإنه } مع إطلاعه على ما شاء منه معجزة له { يسلك } يجعل ويسير { من بين يديه } أي الرسول { ومن خلفه رصدا } ملائكة يحفظونه حتى يبلغه في جملة الوحي.
[72.28]
{ ليعلم } الله علم ظهور { أن } مخففة من الثقيلة أي أنه { قد أبلغوا } أي الرسل { رسلت ربهم } روعي بجمع الضمير معنى من { وأحاط بما لديهم } عطف على مقدر، أي فعلم ذلك { وأحصى كل شىء عددا } تمييز وهو محول عن المفعول والأصل أحصى عدد كل شيء.
[73 - سورة المزمل]
[73.1]
{ يأيها المزمل } النبي وأصله المتزمل أدغمت التاء في الزاي، أي المتلفف بثيابه حين مجيء الوحي له خوفا منه لهيبته.
[73.2]
{ قم اليل } صل { إلا قليلا }.
[73.3]
{ نصفه } بدل من «قليلا» وقلته بالنظر إلى الكل { أو انقص منه } من النصف { قليلا } إلى الثلث.
[73.4]
{ أو زد عليه } إلى الثلثين، وأو للتخيير { ورتل القرءان } تثبت في تلاوته { ترتيلا }.
[73.5]
{ إنا سنلقى عليك قولا } قرآنا { ثقيلا } مهيبا أو شديدا لما فيه من التكاليف.
[73.6]
{ إن ناشئة اليل } القيام بعد النوم { هى أشد وطئا } موافقة السمع للقلب على تفهم القرآن { وأقوم قيلا } أبين قولا.
[73.7]
{ إن لك فى النهار سبحا طويلا } تصرفا في إشغالك لا تفرغ فيه لتلاوة القرآن.
[73.8]
{ واذكر اسم ربك } أي قل «بسم الله الرحمن الرحيم» في ابتداء قراءتك { وتبتل } انقطع { إليه } في العبادة { تبتيلا } مصدر بتل جيء به رعاية للفواصل وهو ملزوم التبتل.
[73.9]
هو { رب المشرق والمغرب لآ إله إلا هو فاتخذه وكيلا } موكلا له أمورك.
[73.10]
{ واصبر على ما يقولون } أي كفار مكة من أذاهم { واهجرهم هجرا جميلا } لا جزع فيه وهذا قبل الأمر بقتالهم.
[73.11]
{ وذرنى } اتركني { والمكذبين } عطف على المفعول، أو مفعول معه، والمعنى أنا كافيكهم. وهم صناديد قريش { أولى النعمة } التنعم { ومهلهم قليلا } من الزمن فقتلوا بعد يسير منه ببدر.
[73.12]
{ إن لدينآ أنكالا } قيودا ثقالا جمع نكل بكسر النون { وجحيما } نارا محرقة.
[73.13]
{ وطعاما ذا غصة } يغص به في الحلق وهو الزقوم أو الضريع أو الغسلين أو شوك من نار لا يخرج ولا ينزل { وعذابا أليما } مؤلما زيادة على ما ذكر لمن كذب النبي صلى الله عليه وسلم.
[73.14]
{ يوم ترجف } تزلزل { الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا } رملا مجتمعا { مهيلا } سائلا بعد اجتماعه وهو من: هال يهيل، وأصله: مهيول استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الهاء، وحذفت الواو ثاني الساكنين لزيادتها وقلبت الضمة كسرة لمجانسة الياء.
[73.15]
{ إنآ أرسلنآ إليكم } يا أهل مكة { رسولا } هو محمد صلى الله عليه وسلم { شهدا عليكم } يوم القيامة بما يصدر منكم من العصيان { كمآ أرسلنآ إلى فرعون رسولا } هو موسى عليه الصلاة والسلام.
[73.16]
{ فعصى فرعون الرسول فأخذنه أخذا وبيلا } شديدا.
[73.17]
{ فكيف تتقون إن كفرتم } في الدنيا { يوما } مفعول «تتقون» أي عذابه أي بأي حصن تتحصنون من عذاب يوم { يجعل الولدن شيبا } جمع أشيب لشدة هوله وهو يوم القيامة. والأصل في شين شيبا الضم وكسرت لمجانسة الياء. ويقال في اليوم الشديد: يوم يشيب نواصي الأطفال. وهو مجاز ويجوز أن يكون المراد في الآية الحقيقة.
[73.18]
{ السمآء منفطر } ذات انفطار أي انشقاق { به } بذلك اليوم لشدته { كان وعده } تعالى بمجيء ذلك اليوم { مفعولا } أي هو كائن لا محالة.
[73.19]
{ إن هذه } الآيات المخوفة { تذكرة } عظة للخلق { فمن شآء اتخذ إلى ربه سبيلا } طريقا بالإيمان والطاعة.
[73.20]
{ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى } أقل { من ثلثى اليل ونصفه وثلثه } بالجر عطف على «ثلثي» وبالنصب على «أدنى» وقيامه كذلك نحو ما أمر به أول السورة { وطآئفة من الذين معك } عطف على ضمير «تقوم» وجاز من غير تأكيد للفصل، وقيام طائفة من أصحابه كذلك للتأسي به، ومنهم من كان لا يدري كم صلى من الليل وكم بقي منه فكان يقوم الليل كله احتياطا، فقاموا حتى انتفخت أقدامهم سنة أو أكثر فخفف عنهم. قال تعالى { والله يقدر } يحصي { اليل والنهار علم أن } مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي أنه { لن تحصوه } أي الليل لتقوموا فيما يجب القيام فيه إلا بقيام جميعه وذلك يشق عليكم { فتاب عليكم } رجع بكم إلى التخفيف { فاقرءوا ما تيسر من القرءان } في الصلاة بأن تصلوا ما تيسر { علم أن } مخففة من الثقيلة، أي أنه { سيكون منكم مرضى وءاخرون يضربون فى الأرض } يسافرون { يبتغون من فضل الله } يطلبون من رزقه بالتجارة وغيرها { وءاخرون يقتلون فى سبيل الله } وكل من الفرق الثلاثة يشق عليهم ما ذكر في قيام الليل فخفف عنهم بقيام ما تيسر منه، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس { فاقرءوا ما تيسر منه } كما تقدم { وأقيموا الصلوة } المفروضة { وءاتوا لزكوة وأقرضوا الله } بأن تنفقوا ما سوى المفروض من المال في سبيل الخير { قرضا حسنا } عن طيب قلب { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا } مما خلفتم. و «هو» فصل، وما بعده وإن لم يكن معرفة يشبهها لامتناعه من التعريف { وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } للمؤمنين.
[74 - سورة المدثر ]
[74.1]
{ ياأيها المدثر } النبي صلى الله عليه وسلم وأصله المتدثر أدغمت التاء في الدال ، أي المتلفف بثيابه عند نزول الوحي عليه.
[74.2]
{ قم فأنذر } خوف أهل مكة النار إن لم يؤمنوا.
[74.3]
{ وربك فكبر } عظم عن إشراك المشركين.
[74.4]
{ وثيابك فطهر } عن النجاسة أو قصرها خلاف جر العرب ثيابهم خيلاء فربما أصابتها نجاسة.
[74.5]
{ والرجز } فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالأوثان { فاهجر } أي دم على هجره.
[74.6]
{ ولا تمنن تستكثر } بالرفع حال، أي لا تعط شيئا لتطلب منه أكثر وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم لأنه مأمور بأجمل الأخلاق وأشرف الآداب.
[74.7]
{ ولربك فاصبر } على الأوامر والنواهي.
[74.8]
{ فإذا نقر فى الناقور } نفخ في الصور وهو القرن النفخة الثانية.
[74.9]
{ فذلك } أي وقت النقر { يومئذ } بدل مما قبله المبتدأ وبني لإضافته إلى غير متمكن. وخبر المبتدأ { يوم عسير } والعامل في إذا ما دلت عليه الجملة أي اشتد الأمر.
[74.10]
{ على الكفرين غير يسير } فيه دلالة على أنه يسير على المؤمنين أي في عسره.
[74.11]
{ ذرنى } اتركني { ومن خلقت } عطف على المفعول أو مفعول معه { وحيدا } حال من من، أو من ضمير المحذوف من خلقت أي منفردا بلا أهل ولا مال هو الوليد بن المغيرة المخزومي.
[74.12]
{ وجعلت له مالا ممدودا } واسعا متصلا من الزروع والضروع والتجارة.
[74.13]
{ وبنين } عشرة أو أكثر { شهودا } يشهدون المحافل وتسمع شهاداتهم.
[74.14]
{ ومهدت } بسطت { له } في العيش والعمر والولد { تمهيدا }.
[74.15]
{ ثم يطمع أن أزيد }.
[74.16]
{ كلا } لا أزيده على ذلك { إنه كان لأيتنا } أي القرآن { عنيدا } معاندا.
[74.17]
{ سأرهقه } أكلفه { صعودا } مشقة من العذاب أو جبلا من نار يصعد فيه ثم يهوي أبدا.
[74.18]
{ إنه فكر } فيما يقول في القرآن الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم { وقدر } في نفسه ذلك.
[74.19]
{ فقتل } لعن وعذب { كيف قدر } على أي حال كان تقديره.
[74.20]
{ ثم قتل كيف قدر }.
[74.21]
{ ثم نظر } في وجوه قومه أو فيما يقدح به فيه.
[74.22]
{ ثم عبس } قبض وجهه وكلحه ضيقا بما يقول { وبسر } زاد في القبض والكلوح.
[74.23]
{ ثم أدبر } عن الإيمان { واستكبر } تكبر عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
[74.24]
{ فقال } فيما جاء به { إن } ما { هذا إلا سحر يؤثر } ينقل عن السحرة.
[74.25]
{ إن } ما { هذا إلا قول البشر } كما قالوا إنما يعلمه بشر.
[74.26]
{ سأصليه } أدخله { سقر } جهنم.
[74.27]
{ وما أدراك ما سقر } تعظيم لشأنها.
[74.28]
{ لا تبقى ولا تذر } شيئا من لحم ولا عصب إلا أهلكته ثم يعود كما كان.
[74.29]
{ لواحة للبشر } محرقة لظاهر الجلد.
[74.30]
{ عليها تسعة عشر } ملكا خزنتها. قال بعض الكفار وكان قويا شديد البأس أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم اثنين.
[74.31]
قال تعالى: { وما جعلنا أصحب النار إلا ملئكة } أي فلا يطاقون كما يتوهمون { وما جعلنا عدتهم } ذلك { إلا فتنة } ضلالا { للذين كفروا } بأن يقولوا لم كانوا تسعة عشر؟ { ليستيقن } ليستبين { الذين أوتوا الكتب } أي اليهود صدق النبي صلى الله عليه وسلم أنها تسعة عشر الموافق لما في كتابهم { ويزداد الذين ءامنوا } من أهل الكتاب { إيمنا } تصديقا لموافقة ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم لما في كتابهم { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتب والمؤمنون } من غيرهم في عدد الملائكة { وليقول الذين فى قلوبهم مرض } شك بالمدينة { والكفرون } بمكة { ماذا أراد الله بهذا } العدد { مثلا } سموه لغرابته بذلك وأعرب حالا { كذلك } أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهدى مصدقه { يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء وما يعلم جنود ربك } أي الملائكة في قوتهم وأعوانهم { إلا هو وما هى } أي سقر { إلا ذكرى للبشر }.
[74.32]
{ كلا } استفتاح بمعنى ألا { والقمر }.
[74.33]
{ واليل إذ } بفتح الذال بعدها همزة { أدبر } أي مضى وفي قراءة (إذا دبر) بفتح الذال جاء بعد النهار. وفي قراءة «إذ أدبر» بسكون الذال بعدها همزة: أي مضى.
[74.34]
{ والصبح إذا أسفر } ظهر.
[74.35]
{ إنها } أي سقر { لإحدى الكبر } البلايا العظام.
[74.36]
{ نذيرا } حال من إحدى وذكر لأنها بمعنى العذاب { للبشر }.
[74.37]
{ لمن شاء منكم } بدل من البشر { أن يتقدم } إلى الخير أو إلى الجنة بالإيمان { أو يتأخر } إلى الشر أو النار بالكفر.
[74.38]
{ كل نفس بما كسبت رهينة } مرهونة مأخوذة بعملها في النار.
[74.39]
{ إلا أصحب اليمين } وهم المؤمنون فناجون منها كائنون .
[74.40]
{ فى جنت يتساءلون } بينهم.
[74.41]
{ عن المجرمين } وحالهم ويقولون لهم بعد إخراج الموحدين من النار.
[74.42]
{ ما سلككم } أدخلكم { فى سقر }؟
[74.43]
{ قالوا لم نك من المصلين }.
[74.44]
{ ولم نك نطعم المسكين }.
[74.45]
{ وكنا نخوض } في الباطل { مع الخائضين }.
[74.46]
{ وكنا نكذب بيوم الدين } البعث والجزاء.
[74.47]
{ حتى أتنا اليقين } الموت.
[74.48]
{ فما تنفعهم شفعة الشفعين } من الملائكة والأنبياء والصالحين والمعنى لا شفاعة لهم.
[74.49]
{ فما } مبتدأ { لهم } خبره متعلق بمحذوف انتقل ضميره إليه { عن التذكرة معرضين } حال من الضمير والمعنى أي شيء حصل لهم في إعراضهم عن الاتعاظ؟
[74.50]
{ كأنهم حمر مستنفرة } وحشية.
[74.51]
{ فرت من قسورة } أسد أي هربت منه أشد الهرب.
[74.52]
{ بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة } أي من الله تعالى باتباع النبي كما قالوا
حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه
[93:17].
[74.53]
{ كلا } ردع عما أرادوه { بل لا يخافون الأخرة } أي عذابها.
[74.54]
{ كلا } استفتاح { إنه } أي القرآن { تذكرة } عظة.
[74.55]
{ فمن شاء ذكره } قرأه فاتعظ به.
[74.56]
{ وما يذكرون } بالياء والتاء { إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى } بأن يتقى { وأهل المغفرة } بأن يغفر لمن اتقاه.
[75 - سورة القيامة]
[75.1]
{ لا } زائدة في الموضعين { أقسم بيوم القيمة }.
[75.2]
{ ولا أقسم بالنفس اللوامة } التي تلوم نفسها وإن اجتهدت في الإحسان وجواب القسم محذوف، أي لتبعثن، دل عليه:
[75.3]
{ أيحسب الإنسن } أي الكافر { ألن نجمع عظامه } للبعث والإحياء؟.
[75.4]
{ بلى } نجمعها { قدرين } مع جمعها { على أن نسوى بنانه } وهو الأصابع، أي نعيد عظامها كما كانت مع صغرها فكيف بالكبيرة؟.
[75.5]
{ بل يريد الإنسن ليفجر } اللام زائدة ونصبه بأن مقدرة، أي أن يكذب { أمامه } أي يوم القيامة، دل عليه:
[75.6]
{ يسئل أيان } متى { يوم القيمة }؟ سؤال استهزاء وتكذيب.
[75.7]
{ فإذا برق البصر } بكسر الراء وفتحها دهش وتحير لما رأى مما كان يكذب به.
[75.8]
{ وخسف القمر } أظلم وذهب ضوؤه.
[75.9]
{ وجمع الشمس والقمر } فطلعا من المغرب أو ذهب ضوؤهما وذلك في يوم القيامة.
[75.10]
{ يقول الإنسن يومئذ أين المفر } الفرار؟.
[75.11]
{ كلا } ردع عن طلب الفرار { لا وزر } لا ملجأ يتحصن به.
[75.12]
{ إلى ربك يومئذ المستقر } مستقر الخلائق فيحاسبون ويجازون.
[75.13]
{ ينبؤا الإنسن يومئذ بما قدم وأخر } بأول عمله وآخره.
[75.14]
{ بل الإنسن على نفسه بصيرة } شاهد تنطق جوارحه بعمله والهاء للمبالغة فلا بد من جزائه.
[75.15]
{ ولو ألقى معاذيره } جمع معذرة على غير قياس، أي لو جاء بكل معذرة ما قبلت منه.
[75.16]
قال تعالى لنبيه: { لا تحرك به } بالقرآن قبل فراغ جبريل منه { لسانك لتعجل به } خوف أن ينفلت منك.
[75.17]
{ إن علينا جمعه } في صدرك { وقرءانه } قراءتك إياه، أي جريانه على لسانك.
[75.18]
{ فإذا قرأنه } عليك بقراءة جبريل { فاتبع قرءانه } استمع قراءته فكان صلى الله عليه وسلم يستمع ثم يقرأ.
[75.19]
{ ثم إن علينا بيانه } بالتفهيم لك، والمناسبة بين هذه الآية وما قبلها أن تلك تضمنت الإعراض عن آيات الله وهذه تضمنت المبادرة إليها بحفظها.
[75.20]
{ كلا } استفتاح بمعنى ألا { بل تحبون العاجلة } الدنيا بالتاء والياء في الفعلين.
[75.21]
{ وتذرون الأخرة } فلا تعملون لها.
[75.22]
{ وجوه يومئذ } أي في يوم القيامة { ناضرة } حسنة مضيئة.
[75.23]
{ إلى ربها ناظرة } أي يرون الله سبحانه وتعالى في الآخرة.
[75.24]
{ ووجوه يومئذ باسرة } كالحة شديدة العبوس.
[75.25]
{ تظن } توقن { أن يفعل بها فاقرة } داهية عظيمة تكسر فقار الظهر.
[75.26]
{ كلا } بمعنى ألا { إذا بلغت } النفس { التراقى } عظام الحلق.
[75.27]
{ وقيل } قال من حوله { من راق } يرقيه ليشفى؟.
[75.28]
{ وظن } أيقن من بلغت نفسه ذلك { أنه الفراق } فراق الدنيا.
[75.29]
{ والتفت الساق بالساق } أي إحدى ساقيه بالأخرى عند الموت، أو التفت شدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة.
[75.30]
{ إلى ربك يومئذ المساق } أي السوق وهذا يدل على العامل في إذا، المعنى إذا بلغت النفس الحلقوم تساق إلى حكم ربها.
[75.31]
{ فلا صدق } الإنسان { ولا صلى } أي لم يصدق ولم يصل.
[75.32]
{ ولكن كذب } بالقرآن { وتولى } عن الإيمان.
[75.33]
{ ثم ذهب إلى أهله يتمطى } يتبختر في مشيته إعجابا.
[75.34]
{ أولى لك } فيه التفات عن الغيبة والكلمة اسم فعل واللام للتبيين، أي وليك ما تكره { فأولى } أي فهو أولى بك من غيرك.
[75.35]
{ ثم أولى لك فأولى } تأكيد.
[75.36]
{ أيحسب } يظن { الإنسن أن يترك سدى } هملا لا يكلف بالشرائع؟ أي لا يحسب ذلك.
[75.37]
{ ألم يك } أي كان { نطفة من منى يمنى } بالياء والتاء تصب في الرحم؟.
[75.38]
{ ثم كان } المني { علقة فخلق } الله منها الإنسان { فسوى } عدل أعضاءه؟.
[75.39]
{ فجعل منه } من المني الذي صار علقة أي قطعة دم ثم مضغة أي قطعة لحم { الزوجين } النوعين { الذكر والأنثى }؟ يجتمعان تارة وينفرد كل منهما عن الآخر تارة.
[75.40]
{ أليس ذلك } الفعال لهذه الأشياء { بقدر على أن يحى الموتى }؟ قال صلى الله عليه وسلم
" بلى ".
[76 - سورة الانسان]
[76.1]
{ هل } قد { أتى على الإنسن } آدم { حين من الدهر } أربعون سنة { لم يكن } فيه { شيئا مذكورا } كان فيه مصورا من طين لا يذكر أوالمراد بالإنسان الجنس وبالحين مدة الحمل.
[76.2]
{ إنا خلقنا الإنسن } الجنس { من نطفة أمشاج } أخلاط، أي من ماء الرجل وماء المرأة المختلطين الممتزجين { نبتليه } نختبره بالتكليف والجملة مستأنفة أو حال مقدرة، أي مريدين ابتلاءه حين تأهله { فجعلنه } بسبب ذلك { سميعا بصيرا }.
[76.3]
{ إنا هدينه السبيل } بينا له طريق الهدى ببعث الرسل { إما شاكرا } أي مؤمنا { وإما كفورا } حالان من المفعول،أي بيناه له في حال شكره أو كفره المقدرة وإما لتفصيل الأحوال.
[76.4]
{ إنا أعتدنا } هيأنا { للكفرين سلسلا } يسحبون بها في النار { وأغللا } في أعناقهم تشد فيها السلاسل { وسعيرا } نارا مسعرة، أي مهيجة يعذبون بها.
[76.5]
{ إن الأبرار } جمع بر أو بار وهم المطيعون { يشربون من كأس } هو إناء شرب الخمر وهي فيه والمراد من خمر تسمية للحال باسم المحل و من للتبعيض { كان مزاجها } ما تمزج به { كافورا }.
[76.6]
{ عينا } بدل من «كافورا» فيها رائحته { يشرب بها } منها { عباد الله } أولياؤه { يفجرونها تفجيرا } يقودونها حيث شاؤوا من منازلهم.
[76.7]
{ يوفون بالنذر } في طاعة الله { ويخافون يوما كان شره مستطيرا } منتشرا.
[76.8]
{ ويطعمون الطعام على حبه } أي الطعام وشهوتهم له { مسكينا } فقيرا { ويتيما } لا أب له { وأسيرا } يعني المحبوس بحق.
[76.9]
{ إنما نطعمكم لوجه الله } لطلب ثوابه { لا نريد منكم جزاء ولا شكورا } شكرا فيه علة الإطعام، وهل تكلموا بذلك أو علمه الله منهم فأثنى عليهم به؟ قولان.
[76.10]
{ إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا } تكلح الوجوه فيه أي كريه المنظر لشدته { قمطريرا } شديدا في ذلك .
[76.11]
{ فوقهم الله شر ذلك اليوم ولقهم } أعطاهم { نضرة } حسنا وإضاءة في وجوههم { وسرورا }.
[76.12]
{ وجزهم بما صبروا } بصبرهم عن المعصية { جنة } ادخلوها { وحريرا } البسوه.
[76.13]
{ متكئين } حال من مرفوع أدخلوها المقدر { فيها على الأرائك } السرر في الحجال { لا يرون } لا يجدون حال ثانية { فيها شمسا ولا زمهريرا } أي لا حرا ولا بردا وقيل الزمهرير القمر فهي مضيئة من غير شمس ولا قمر.
[76.14]
{ ودانية } قريبة عطف على محل لا يرون، أي غير رائين { عليهم } منهم { ظللها } شجرها { وذللت قطوفها تذليلا } أدنيت ثمارها فينالها القائم والقاعد والمضطجع.
[76.15]
{ ويطاف عليهم } فيها { بئانية من فضة وأكواب } أقداح بلا عرى { كانت قواريرا }.
[76.16]
{ قواريرا من فضة } أي إنها من فضة يرى باطنها من ظاهرها كالزجاج { قدروها } أي الطائفون { تقديرا } على قدر ري الشاربين من غير زيادة ولا نقص وذلك ألذ الشراب.
[76.17]
{ ويسقون فيها كأسا } أي خمرا { كان مزاجها } ما تمزج به { زنجبيلا }.
[76.18]
{ عينا } بدل من زنجبيلا { فيها تسمى سلسبيلا } يعني أن ماءها كالزنجبيل الذي تستلذ به العرب سهل المساغ في الحلق.
[76.19]
{ ويطوف عليهم ولدن مخلدون } بصفة الولدان لا يشيبون { إذا رأيتهم حسبتهم } لحسنهم وانتشارهم في الخدمة { لؤلؤا منثورا } من سلكه أو من صدفه وهو أحسن منه في غير ذلك.
[76.20]
{ وإذا رأيت ثم } أي وجدت الرؤية منك في الجنة { رأيت } جواب إذا { نعيما } لا يوصف { وملكا كبيرا } واسعا لا غاية له.
[76.21]
{ عليهم } فوقهم فنصبه على الظرفية وهو خبر لمبتدأ بعده وفي قراءة بسكون الياء مبتدأ وما بعده خبره والضمير المتصل به للمعطوف عليهم { ثياب سندس } حرير { خضر } بالرفع { وإستبرق } بالجر ما غلظ من الديباج فهو البطائن والسندس الظهائر، وفي قراءة عكس ما ذكر فيهما، وفي أخرى برفعهما وفي أخرى بجرهما { وحلوا أساور من فضة } وفي موضع آخر (من ذهب) للإيذان بأنهم يحلون من النوعين معا ومفرقا { وسقهم ربهم شرابا طهورا } مبالغة في طهارته ونظافته بخلاف خمر الدنيا.
[76.22]
{ إن هذا } النعيم { كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا }.
[76.23]
{ إنا نحن } تأكيد لاسم إن أو فصل { نزلنا عليك القرءان تنزيلا } خبر إن أي فصلناه ولم ننزله جملة واحدة.
[76.24]
{ فاصبر لحكم ربك } عليك بتبليغ رسالته { ولا تطع منهم } أي الكفار { ءاثما أو كفورا } أي عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة، قالا للنبي صلى الله عليه وسلم ارجع عن هذا الأمر، ويجوز أن يراد كل آثم وكافر أي لا تطع أحدهما أيا كان فيما دعاك إليه من إثم أو كفر.
[76.25]
{ واذكر اسم ربك } في الصلاة { بكرة وأصيلا } يعني الفجر والظهر والعصر.
[76.26]
{ ومن اليل فاسجد له } يعني المغرب والعشاء { وسبحه ليلا طويلا } صل التطوع فيه كما تقدم من ثلثيه أو نصفه أو ثلثه.
[76.27]
{ إن هؤلاء يحبون العاجلة } الدنيا { ويذرون وراءهم يوما ثقيلا } شديدا أي يوم القيامة لا يعملون له.
[76.28]
{ نحن خلقنهم وشددنا } قوينا { أسرهم } أعضاءهم ومفاصلهم { وإذا شئنا بدلنا } جعلنا { أمثلهم } في الخلقة بدلا منهم بأن نهلكهم { تبديلا } تأكيد ووقعت إذا موقع إن، نحو
إن يشأ يذهبكم
[19:14] لأنه تعالى لم يشأ ذلك وإذا لم يقع.
[76.29]
{ إن هذه } السورة { تذكرة } عظة للخلق { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } طريقا بالطاعة.
[76.30]
{ وما تشآءون } بالتاء والياء اتخاذ السبيل بالطاعة { إلا أن يشاء الله } ذلك { إن الله كان عليما } بخلقه { حكيما } في فعله.
[76.31]
{ يدخل من يشاء فى رحمته } جنته وهم المؤمنون { والظلمين } ناصبه فعل مقدر أي أوعد يفسره { أعد لهم عذابا أليما } مؤلما وهم الكافرون.
[77 - سورة المرسلات]
[77.1]
{ والمرسلت عرفا } أي الرياح متتابعة كعرف الفرس يتلو بعضه بعضا ونصبه على الحال.
[77.2]
{ فالعصفت عصفا } الرياح الشديدة.
[77.3]
{ والنشرت نشرا } الرياح تنشر المطر.
[77.4]
{ فالفرقت فرقا } أي آيات القرآن تفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام.
[77.5]
{ فالملقيت ذكرا } أي الملائكة تنزل بالوحي إلى الأنبياء والرسل يلقون الوحي إلى الأمم.
[77.6]
{ عذرا أو نذرا } أي للإعذار والإنذار من الله تعالى وفي قراءة بضم ذال نذرا وقرىء بضم ذال (عذرا).
[77.7]
{ إنما توعدون } أي يا كفار مكة من البعث والعذاب { لواقع } كائن لا محالة.
[77.8]
{ فإذا النجوم طمست } محي نورها.
[77.9]
{ وإذا السماء فرجت } شقت.
[77.10]
{ وإذا الجبال نسفت } فتتت وسيرت.
[77.11]
{ وإذا الرسل أقتت } بالواو (أقتت) وبالهمزة بدلا منها، أي جمعت لوقت .
[77.12]
{ لأي يوم } ليوم عظيم { أجلت } للشهادة على أممهم بالتبليغ.
[77.13]
{ ليوم الفصل } بين الخلق ويؤخذ منه جواب إذا، أي وقع الفصل بين الخلائق.
[77.14]
{ وما أدراك ما يوم الفصل } تهويل لشأنه.
[77.15]
{ ويل يومئذ للمكذبين } هذا وعيد لهم.
[77.16]
{ ألم نهلك الأولين } بتكذيبهم، أي أهلكناهم.
[77.17]
{ ثم نتبعهم الأخرين } ممن كذبوا ككفار مكة فنهلكهم.
[77.18]
{ كذلك } مثل ما فعلنا بالمكذبين { نفعل بالمجرمين }. بكل من أجرم فيما يستقبل فنهلكهم.
[77.19]
{ ويل يومئذ للمكذبين } تأكيد.
[77.20]
{ ألم نخلقكم من ماء مهين } ضعيف؟ وهو المني.
[77.21]
{ فجعلنه فى قرار مكين } حريز وهو الرحم.
[77.22]
{ إلى قدر معلوم } وهو وقت الولادة.
[77.23]
{ فقدرنا } على ذلك { فنعم القدرون } نحن.
[77.24]
{ ويل للمكذبين }.
[77.25]
{ ألم نجعل الأرض كفاتا } مصدر كفت بمعنى ضم، أي ضامة.
[77.26]
{ أحياء } على ظهرها { وأموتا } في بطنها.
[77.27]
{ وجعلنا فيها رواسى شمخت } جبالا مرتفعات { وأسقينكم ماء فراتا } عذبا.
[77.28]
{ ويل يومئذ للمكذبين } ويقال للمكذبين يوم القيامة.
[77.29]
{ انطلقوا إلى ما كنتم به } من العذاب { تكذبون }.
[77.30]
{ انطلقوا إلى ظل ذى ثلث شعب } هو دخان جهنم إذا ارتفع افترق ثلاث فرق لعظمته.
[77.31]
{ لا ظليل } كنين يظلهم من حر ذلك اليوم { ولا يغنى } يرد عنهم شيئا { من اللهب } النار.
[77.32]
{ إنها } أي النار { ترمى بشرر } هو ما تطاير منها { كالقصر } من البناء في عظمه وارتفاعه.
[77.33]
{ كأنه جملت } جمع جمالة جمع جمل وفي قراءة جمالة { صفر } في هيئتها ولونها وفي الحديث «شرار النار أسود كالقير»، والعرب تسمي سود الإبل صفرا لشوب سوادها بصفرة فقيل صفر في الآية بمعنى سود لما ذكر وقيل لا والشرر: جمع شررة والشرار جمع شرارة، والقير: القار.
[77.34]
{ ويل يومئذ للمكذبين }.
[77.35]
{ هذا } أي يوم القيامة { يوم لا ينطقون } فيه بشيء.
[77.36]
{ ولا يؤذن لهم } في العذر { فيعتذرون } عطف على يؤذن من غير تسبب عنه فهو داخل في حيز النفي، أي لا إذن فلا اعتذار.
[77.37]
{ ويل يومئذ للمكذبين }.
[77.38]
{ هذا يوم الفصل جمعنكم } أيها المكذبون من هذه الأمة { والأولين } من المكذبين من قبلكم فتحاسبون وتعذبون جميعا.
[77.39]
{ فإن كان لكم كيد } حيلة في دفع العذاب عنكم { فكيدون } فافعلوها.
[77.40]
{ ويل يومئذ للمكذبين }.
[77.41]
{ إن المتقين فى ظلل } أي تكاثف أشجار إذ لا شمس يظل من حرها { وعيون } نابعة من الماء.
[77.42]
{ وفوكه مما يشتهون } فيه إعلام بأن المأكل والمشرب في الجنة بحسب شهواتهم بخلاف الدنيا فبحسب ما يجد الناس في الأغلب.
[77.43]
ويقال لهم: { كلوا واشربوا هنيئا } حال، أي مهنئين { بما كنتم تعملون } من الطاعة.
[77.44]
{ إنا كذلك } كما جزينا المتقين { نجزى المحسنين }.
[77.45]
{ ويل يومئذ للمكذبين }.
[77.46]
{ كلوا وتمتعوا } خطاب للكفار في الدنيا { قليلا } من الزمان وغايته إلى الموت، وفي هذا تهديد لهم { إنكم مجرمون }.
[77.47]
{ ويل يومئذ للمكذبين }.
[77.48]
{ وإذا قيل لهم اركعوا } صلوا { لا يركعون } لا يصلون.
[77.49]
{ ويل يومئذ للمكذبين }.
[77.50]
{ فبأي حديث بعده } أي القرآن { يؤمنون }؟ أي لا يمكن إيمانهم بغيره من كتب الله بعد تكذيبهم به لاشتماله على الإعجاز الذي لم يشتمل عليه غيره.
[78 - سورة النبإ]
[78.1]
{ عم } عن أي شيء { يتساءلون } يسأل بعض قريش بعضا.
[78.2]
{ عن النبإ العظيم } بيان لذلك الشيء والاستفهام لتفخيمه وهو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن المشتمل على البعث وغيره.
[78.3]
{ الذى هم فيه مختلفون } فالمؤمنون يثبتونه والكافرون ينكرونه.
[78.4]
{ كلا } ردع { سيعلمون } ما يحل بهم على إنكارهم له.
[78.5]
{ ثم كلا سيعلمون } تأكيد وجيء فيه ب «ثم» للإيذان بأن الوعيد الثاني أشد من الأول، ثم أومأ تعالى إلى القدرة على البعث فقال:
[78.6]
{ ألم نجعل الأرض مهدا } فراشا كالمهد.
[78.7]
{ والجبال أوتادا } تثبت بها الأرض كما تثبت الخيام بالأوتاد والاستفهام للتقرير.
[78.8]
{ وخلقنكم أزوجا } ذكورا وإناثا.
[78.9]
{ وجعلنا نومكم سباتا } راحة لأبدانكم.
[78.10]
{ وجعلنا اليل لباسا } ساترا بسواده.
[78.11]
{ وجعلنا النهار معاشا } وقتا للمعايش.
[78.12]
{ وبنينا فوقكم سبعا } سبع سموات { شدادا } جمع شديدة، أي قوية محكمة لا يؤثر فيها مرور الزمان.
[78.13]
{ وجعلنا سراجا } منيرا { وهاجا } وقادا: يعني الشمس.
[78.14]
{ وأنزلنا من المعصرات } السحابات التي حان لها أن تمطر، كالمعصر الجارية التي دنت من الحيض { ماء ثجاجا } صبابا.
[78.15]
{ لنخرج به حبا } كالحنطة { ونباتا } كالتين.
[78.16]
{ وجنت } بساتين { ألفافا } ملتفة، جمع لفيف كشريف وأشرف.
[78.17]
{ إن يوم الفصل } بين الخلائق { كان ميقتا } وقتا للثواب والعقاب.
[78.18]
{ يوم ينفخ فى الصور } القرن بدل من يوم الفصل أو بيان له والنافخ إسرافيل { فتأتون } من قبوركم إلى الموقف { أفواجا } جماعات مختلفة.
[78.19]
{ وفتحت السماء } بالتشديد والتخفيف شققت لنزول الملائكة { فكانت أبوبا } ذات أبواب.
[78.20]
{ وسيرت الجبال } ذهب بها عن أماكنها { فكانت سرابا } هباء، أي مثله في خفة سيرها.
[78.21]
{ إن جهنم كانت مرصادا } راصدة أو مرصدة.
[78.22]
{ للطغين } الكافرين فلا يتجاوزونها { مئابا } مرجعا لهم فيدخلونها.
[78.23]
{ لبثين } حال مقدرة، أي مقدرا لبثهم { فيها أحقابا } دهورا لا نهاية لها جمع حقب بضم أوله.
[78.24]
{ لا يذوقون فيها بردا } نوما فإنهم لا يذوقونه { ولا شرابا } ما يشرب تلذذا.
[78.25]
{ إلا } لكن { حميما } ماء حارا غاية الحرارة { وغساقا } بالتخفيف والتشديد ما يسيل من صديد أهل النار فإنهم يذوقونه جوزوا بذلك.
[78.26]
{ جزاء وفقا } موافقا لعملهم فلا ذنب أعظم من الكفر ولا عذاب أعظم من النار.
[78.27]
{ إنهم كانوا لا يرجون } يخافون { حسابا } لإنكارهم البعث.
[78.28]
{ وكذبوا بئايتنا } القرآن { كذابا } تكذيبا.
[78.29]
{ وكل شىء } من الأعمال { أحصينه } ضبطناه { كتبا } كتبا في اللوح المحفوظ لنجازي عليه ومن ذلك تكذيبهم بالقرآن.
[78.30]
{ فذوقوا } أي فيقال لهم في الآخرة عند وقوع العذاب عليهم ذوقوا جزاءكم { فلن نزيدكم إلا عذابا } فوق عذابكم.
[78.31]
{ إن للمتقين مفازا } مكان فوز في الجنة.
[78.32]
{ حدائق } بساتين بدل من «مفازا» أو بيان له { وأعنبا } عطف على مفازا.
[78.33]
{ وكواعب } جواري تكعبت ثديهن جمع كاعب { أترابا } على سن واحد، جمع ترب بكسر التاء وسكون الراء.
[78.34]
{ وكأسا دهاقا } خمرا مالئة محالها، وفي سورة (القتال)
وأنهر من خمر
[15:47].
[78.35]
{ لا يسمعون فيها } أي الجنة عند شرب الخمر وغيرها من الأحوال { لغوا } باطلا من القول { ولا كذبا } بالتخفيف، أي: كذبا، وبالتشديد أي تكذيبا، من واحد لغيره بخلاف ما يقع في الدنيا عند شرب الخمر.
[78.36]
{ جزآء من ربك } أي جزاهم الله بذلك جزاء { عطاء } بدل من جزاء { حسابا } أي كثيرا، من قولهم أعطاني فأحسبني، أي أكثر علي حتى قلت: حسبي.
[78.37]
{ رب السموات والأرض } بالجر والرفع { وما بينهما الرحمن } كذلك وبرفعه مع جر رب { لا يملكون } أي الخلق { منه } تعالى { خطابا } أي لا يقدر أحد أن يخاطبه خوفا منه.
[78.38]
{ يوم } ظرف ل «لا يملكون » { يقوم الروح } جبريل أو جند الله { والملئكة صفا } حال، أي مصطفين { لا يتكلمون } أي الخلق { إلا من أذن له الرحمن } في الكلام { وقال } قولا { صوابا } من المؤمنين والملائكة كأن يشفعوا لمن ارتضى.
[78.39]
{ ذلك اليوم الحق } الثابت وقوعه وهو يوم القيامة { فمن شاء اتخذ إلى ربه مئابا } مرجعا، أي رجع إلى الله بطاعته ليسلم من العذاب فيه.
[78.40]
{ إنا أنذرنكم } يا كفار مكة { عذابا قريبا } أي عذاب يوم القيامة الآتي، وكل آت قريب { يوم } ظرف ل «عذابا» بصفته { ينظر المرء } كل امرىء { ما قدمت يداه } من خير وشر { ويقول الكافر يا } حرف تنبيه { ليتنى كنت تربا } يعني فلا أعذب يقول ذلك عندما يقول الله تعالى للبهائم بعد الاقتصاص من بعضها لبعض: كوني ترابا.
[79 - سورة النازعات]
[79.1]
{ والنزعت } الملائكة تنزع أرواح الكفار { غرقا } نزعا بشدة.
[79.2]
{ والنشطت نشطا } الملائكة تنشط أرواح المؤمنين، أي تسلها برفق.
[79.3]
{ والسبحت سبحا } الملائكة تسبح من السماء بأمره تعالى، أي تنزل.
[79.4]
{ فالسبقت سبقا } الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة.
[79.5]
{ فالمدبرت أمرا } الملائكة تدبر أمر الدنيا، أي تنزل بتدبيره. وجواب هذه الأقسام محذوف، أي لتبعثن يا كفار مكة وهو عامل في.
[79.6]
{ يوم ترجف الراجفة } النفخة الأولى بها يرجف كل شيء، أي يتزلزل فوصفت بما يحدث منها.
[79.7]
{ تتبعها الرادفة } النفخة الثانية وبينهما أربعون سنة. والجملة حال من «الراجفة»، فاليوم واسع للنفختين وغيرهما، فصح ظرفيته للبعث الواقع عقب الثانية.
[79.8]
{ قلوب يومئذ واجفة } خائفة قلقة.
[79.9]
{ أبصرها خشعة } ذليلة لهول ما ترى.
[79.10]
{ يقولون } أي أرباب القلوب والأبصار استهزاء وإنكارا للبعث { أءنا } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين في الموضعين { لمردودون فى الحافرة } أي: أنرد بعد الموت إلى الحياة؟، والحافرة: اسم لأول الأمر، ومنه رجع فلان في حافرته: إذا رجع من حيث جاء.
[79.11]
{ أءذا كنا عظما نخرة } وفي قراءة «ناخرة» بالية متفتتة نحيا؟.
[79.12]
{ قالوا تلك } أي رجعتنا إلى الحياة { إذا } إن صحت { كرة } رجعة { خسرة } ذات خسران.
[79.13]
قال تعالى: { فإنما هى } أي الرادفة التي يعقبها البعث { زجرة } نفخة { وحدة } فإذا نفخت.
[79.14]
{ فإذا هم } أي كل الخلائق { بالساهرة } بوجه الأرض أحياء بعد ما كانوا ببطنها أمواتا.
[79.15]
{ هل أتك } يا محمد { حديث موسى } عامل في.
[79.16]
{ إذ ناده ربه بالواد المقدس طوى } اسم الوادي بالتنوين وتركه، فقال:
[79.17]
{ اذهب إلى فرعون إنه طغى } تجاوز الحد في الكفر.
[79.18]
{ فقل هل لك } أدعوك { إلى أن تزكى } وفي قراءة بتشديد «الزاي» بإدغام التاء الثانية في الأصل فيها: تتطهر من الشرك بأن تشهد أن لا إله إلا الله.
[79.19]
{ وأهديك إلى ربك } أدلك على معرفته بالبرهان { فتخشى } فتخافه.
[79.20]
{ فأره الأية الكبرى } من اياته التسع وهي اليد و العصا.
[79.21]
{ فكذب } فرعون موسى { وعصى } الله تعالى.
[79.22]
{ ثم أدبر } عن الإيمان { يسعى } في الأرض بالفساد.
[79.23]
{ فحشر } جمع السحرة وجنده { فنادى }.
[79.24]
{ فقال أنا ربكم الأعلى } لا رب فوقي.
[79.25]
{ فأخذه الله } أهلكه بالغرق { نكال } عقوبة { الأخرة } أي هذه الكلمة { والأولى } أي قوله قبلها
ما علمت لكم من إله غيري
[38:28] وكان بينهما أربعون سنة.
[79.26]
{ إن فى ذلك } المذكور { لعبرة لمن يخشى } الله تعالى.
[79.27]
{ ءأنتم } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه، أي منكرو البعث { أشد خلقا أم السمآء } أشد خلقا؟ { بنها } بيان لكيفية خلقها.
[79.28]
{ رفع سمكها } تفسير لكيفية البناء، أي جعل سمتها في جهة العلو رفيعا. وقيل سمكها سقفها { فسوها } جعلها مستوية بلا عيب.
[79.29]
{ وأغطش ليلها } أظلمه { وأخرج ضحها } أبرز نور شمسها، وأضيف إليها الليل لأنه ظلها، والشمس لأنها سراجها.
[79.30]
{ والأرض بعد ذلك دحهآ } بسطها وكانت مخلوقة قبل السماء من غير دحو.
[79.31]
{ أخرج } حال بإضمار «قد» أي مخرجا { منها ماءها } بتفجير عيونها { ومرعها } ما ترعاه النعم من الشجر والعشب وما يأكله الناس من الأقوات والثمار، وإطلاق المرعى عليه استعارة.
[79.32]
{ والجبال أرسها } أثبتها على وجه الأرض لتسكن.
[79.33]
{ متعا } مفعول له لمقدر، أي فعل ذلك متعة، أو مصدر: أي تمتيعا { لكم ولأنعمكم } جمع نعم، وهي الإبل والبقر والغنم.
[79.34]
{ فإذا جآءت الطآمة الكبرى } النفخة الثانية.
[79.35]
{ يوم يتذكر الإنسن } بدل من «إذا» { ما سعى } في الدنيا من خير وشر.
[79.36]
{ وبرزت } أظهرت { الجحيم } النار المحرقة { لمن يرى } لكل راء ، وجواب إذا:
[79.37]
{ فأما من طغى } كفر.
[79.38]
{ وءاثر الحيوة الدنيا } باتباع الشهوات.
[79.39]
{ فإن الجحيم هى المأوى } مأواه.
[79.40]
{ وأما من خاف مقام ربه } قيامه بين يديه { ونهى النفس } الأمارة { عن الهوى } المردي باتباع الشهوات.
[79.41]
{ فإن الجنة هى المأوى }. وحاصل الجواب: فالعاصي في النار والمطيع في الجنة.
[79.42]
{ يسئلونك } أي كفار مكة { عن الساعة أيان مرسها } متى وقوعها وقيامها؟.
[79.43]
{ فيم } في أي شيء { أنت من ذكرهآ } أي ليس عندك علمها حتى تذكرها.
[79.44]
{ إلى ربك منتههآ } منتهى علمها لا يعلمه غيره.
[79.45]
{ إنمآ أنت منذر } إنما ينفع إنذارك { من يخشها } يخافها.
[79.46]
{ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا } في قبورهم { إلا عشية أو ضحها } أي عشية يوم أو بكرته، وصح إضافة الضحى إلى العشية لما بينهما من الملابسة إذ هما طرفا النهار، وحسن الإضافة وقوع الكلمة فاصلة.
[80 - سورة عبس]
[80.1]
{ عبس } النبي صلى الله عليه وسلم: كلح وجهه { وتولى } أعرض لأجل.
[80.2]
{ أن جآءه الأعمى } عبد الله بن أم مكتوم فقطعه عما هو مشغول به ممن يرجو إسلامه من أشراف قريش الذين هو حريص على إسلامهم، ولم يدر الأعمى أنه مشغول بذلك فناداه، علمني مما علمك الله، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته فعوتب في ذلك بما نزل في هذه السورة، فكان بعد ذلك يقول له إذا جاء: «مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويبسط له رداءه».
[80.3]
{ وما يدريك } يعلمك. { لعله يزكى } فيه إدغام التاء في الأصل في الزاي، أي يتطهر من الذنوب بما يسمع منك.
[80.4]
{ أو يذكر } فيه إدغام التاء في الأصل في الذال أي يتعظ { فتنفعه الذكرى } العظة المسموعة منك وفي قراءة بنصب (تنفعه) جواب الترجي.
[80.5]
{ أما من استغنى } بالمال.
[80.6]
{ فأنت له تصدى } وفي قراءة بتشديد الصاد بإدغام التاء الثانية في الأصل فيها: تقبل وتتعرض.
[80.7]
{ وما عليك ألا يزكى } يؤمن.
[80.8]
{ وأما من جآءك يسعى } حال من فاعل جاء.
[80.9]
{ وهو يخشى } الله حال من فاعل (يسعى) وهو الأعمى.
[80.10]
{ فأنت عنه تلهى } فيه حذف التاء الأخرى في الأصل أي تتشاغل.
[80.11]
{ كلا } لا نفعل مثل ذلك { إنها } أي السورة أو الآيات { تذكرة } عظة للخلق.
[80.12]
{ فمن شآء ذكره } حفظ ذلك فاتعظ به.
[80.13]
{ فى صحف } خبر ثان لأنها وما قبله اعتراض { مكرمة } عند الله.
[80.14]
{ مرفوعة } في السماء { مطهرة } منزهة عن مس الشياطين.
[80.15]
{ بأيدى سفرة } كتبة ينسخونها من اللوح المحفوظ.
[80.16]
{ كرام بررة } مطيعين لله تعالى وهم الملائكة.
[80.17]
{ قتل الإنسن } لعن الكافر { مآ أكفره }؟ استفهام توبيخ، أي ما حمله على الكفر.
[80.18]
{ من أى شىء خلقه }؟ استفهام تقرير،
[80.19]
ثم بينه فقال: { من نطفة خلقه فقدره } علقة ثم مضغة إلى آخر خلقه.
[80.20]
{ ثم السبيل } أي طريق خروجه من بطن أمه. { يسره }.
[80.21]
{ ثم أماته فأقبره } جعله في قبر يستره.
[80.22]
{ ثم إذا شآء أنشره } للبعث.
[80.23]
{ كلا } حقا { لما يقض } لم يفعل { مآ أمره } به ربه.
[80.24]
{ فلينظر الإنسن } نظر اعتبار { إلى طعامه } كيف قدر ودبر له.
[80.25]
{ أنا صببنا المآء } من السحاب { صبا }.
[80.26]
{ ثم شققنا الأرض } بالنبات { شقا }.
[80.27]
{ فأنبتنا فيها حبا } كالحنطة والشعير.
[80.28]
{ وعنبا وقضبا } هو القت الرطب.
[80.29]
{ وزيتونا ونخلا }.
[80.30]
{ وحدآئق غلبا } بساتين كثيرة الأشجار.
[80.31]
{ وفكهة وأبا } ما ترعاه البهائم وقيل التبن.
[80.32]
{ متعا } متعة أو تمتيعا كما تقدم في السورة [33:79] قبلها { لكم ولأنعمكم } تقدم فيها أيضا.
[80.33]
{ فإذا جآءت الصآخة } النفخة الثانية.
[80.34]
{ يوم يفر المرء من أخيه }.
[80.35]
{ وأمه وأبيه }.
[80.36]
{ وصحبته } زوجته { وبنيه } يوم بدل من إذا، وجوابها دل عليه.
[80.37]
{ لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه } حال يشغله عن شأن غيره، أي اشتغل كل واحد بنفسه.
[80.38]
{ وجوه يومئذ مسفرة } مضيئة.
[80.39]
{ ضاحكة مستبشرة } فرحة وهم المؤمنون.
[80.40]
{ ووجوه يومئذ عليها غبرة } غبار.
[80.41]
{ ترهقها } تغشاها { قترة } ظلمة وسواد.
[80.42]
{ أولئك } أهل هذه الحالة { هم الكفرة الفجرة } أي الجامعون بين الكفر والفجور.
[81 - سورة التكوير]
[81.1]
{ إذا الشمس كورت } لففت وذهب بنورها.
[81.2]
{ وإذا النجوم انكدرت } انقضت وتساقطت على الأرض.
[81.3]
{ وإذا الجبال سيرت } ذهب بها عن وجه الأرض فصارت
هبآء منبثا
[6:56].
[81.4]
{ وإذا العشار } النوق الحوامل { عطلت } تركت بلا راع أو بلا حلب لما دهم من الأمر، ولم يكن مال أعجب إليهم منها.
[81.5]
{ وإذا الوحوش حشرت } جمعت بعد البعث ليقتص لبعض من بعض ثم تصير ترابا.
[81.6]
{ وإذا البحار سجرت } بالتخفيف والتشديد : أوقدت فصارت نارا.
[81.7]
{ وإذا النفوس زوجت } قرنت بأجسادها.
[81.8]
{ وإذا الموءودة } الجارية تدفن حية خوف العار والحاجة { سئلت } تبكيتا لقاتلها.
[81.9]
{ بأى ذنب قتلت }؟ وقرىء بكسر التاء حكاية لما تخاطب به وجوابها أن تقول: قتلت بلا ذنب.
[81.10]
{ وإذا الصحف } صحف الأعمال { نشرت } بالتخفيف والتشديد فتحت وبسطت.
[81.11]
{ وإذا السمآء كشطت } نزعت عن أماكنها كما ينزع الجلد عن الشاة.
[81.12]
{ وإذا الجحيم } النار { سعرت } بالتخفيف والتشديد أججت.
[81.13]
{ وإذا الجنة أزلفت } قربت لأهلها ليدخلوها وجواب إذا أول السورة وما عطف عليها.
[81.14]
{ علمت نفس } أي كل نفس وقت هذه المذكورات وهو يوم القيامة { مآ أحضرت } من خير وشر.
[81.15]
{ فلآ أقسم } لا زائدة { بالخنس }.
[81.16]
{ الجوار الكنس } هي النجوم الخمسة: زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد، تخنس بضم النون، أي ترجع في مجراها وراءها، بينما ترى النجم في آخر البرج إذ كر راجعا إلى أوله، وتكنس بكسر النون: تدخل في كناسها، أي تغيب في المواضع التي تغيب فيها.
[81.17]
{ واليل إذا عسعس } أقبل بظلامه أو أدبر.
[81.18]
{ والصبح إذا تنفس } امتد حتى يصير نهارا بينا.
[81.19]
{ أنه } أي القرآن { لقول رسول كريم } على الله تعالى وهو جبريل أضيف إليه لنزوله به.
[81.20]
{ ذى قوة } أي شديد القوى { عند ذى العرش } أي عند الله تعالى { مكين } ذي مكانة متعلق به عند.
[81.21]
{ مطاع ثم } أي تطيعه الملائكة في السموات والأرض { أمين } على الوحي.
[81.22]
{ وما صاحبكم } محمد صلى الله عليه وسلم عطف على إنه إلى آخر المقسم عليه { بمجنون } كما زعمتم.
[81.23]
{ ولقد رءاه } رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته التي خلق عليها { بالافق المبين } البين وهو الأعلى بناحية المشرق.
[81.24]
{ وما هو } أي محمد صلى الله عليه وسلم { على الغيب } ما غاب من الوحي وخبر السماء { بظنين } أي بمتهم، وفي قراءة (بضنين) بالضاد، أي ببخيل فينقص شيئا منه.
[81.25]
{ وما هو } أي القرآن { بقول شيطن } مسترق السمع { رجيم } مرجوم.
[81.26]
{ فأين تذهبون }؟ فأي طريق تسلكون في إنكاركم القرآن وإعراضكم عنه؟.
[81.27]
{ إن } ما { هو إلا ذكر } عظة { للعلمين } الإنس والجن.
[81.28]
{ لمن شآء منكم } بدل من العالمين بإعادة الجار { أن يستقيم } باتباع الحق.
[81.29]
{ وما تشآءون } الاستقامة على الحق { إلا أن يشآء الله رب العلمين } الخلائق، استقامتكم عليه.
[82 - سورة الإنفطار]
[82.1]
{ إذا السمآء انفطرت } انشقت.
[82.2]
{ وإذا الكواكب انتثرت } انقضت وتساقطت.
[82.3]
{ وإذا البحار فجرت } فتح بعضها في بعض فصارت بحرا واحدا واختلط العذب بالملح.
[82.4]
{ وإذا القبور بعثرت } قلب ترابها وبعث موتاها وجواب إذا وما عطف عليها.
[82.5]
5 { علمت نفس } أي كل نفس وقت هذه المذكورات وهو يوم القيامة { ما قدمت } من الأعمال { و } ما { أخرت } منها فلم تعمله.
[82.6]
{ يأيها الإنسن } الكافر { ما غرك بربك الكريم } حتى عصيته.
[82.7]
{ الذى خلقك } بعد أن لم تكن { فسوك } جعلك مستوي الخلقة، سالم الأعضاء { فعدلك } بالتخفيف والتشديد، جعلك معتدل الخلق متناسب الأعضاء ليس يد أو رجل أطول من الأخرى.
[82.8]
{ فى أى صورة ما } زائدة { شآء ركبك }.
[82.9]
{ كلا } ردع عن الاغترار بكرم الله تعالى { بل تكذبون } أي كفار مكة { بالدين } بالجزاء على الأعمال.
[82.10]
{ وإن عليكم لحفظين } من الملائكة لأعمالكم.
[82.11]
{ كراما } على الله { كتبين } لها.
[82.12]
{ يعلمون ما تفعلون } جميعه.
[82.13]
{ إن الأبرار } المؤمنين الصادقين في إيمانهم { لفى نعيم } جنة.
[82.14]
{ وإن الفجار } الكفار { لفى جحيم } نار محرقة.
[82.15]
{ يصلونها } يدخلونها ويقاسون حرها { يوم الدين } الجزاء.
[82.16]
{ وما هم عنها بغائبين } بمخرجين.
[82.17]
{ ومآ أدرك } أعلمك { ما يوم الدين }؟.
[82.18]
{ ثم ما أدرك ما يوم الدين }؟ تعظيم لشأنه.
[82.19]
{ يوم } بالرفع، أي هو يوم { لا تملك نفس لنفس شيئا } من المنفعة { والأمر يومئذ لله } لا أمر لغيره فيه، أي لم يمكن أحدا من التوسط فيه بخلاف الدنيا.
[83 - سورة المطففين]
[83.1]
{ ويل } كلمة عذاب أو واد في جهنم { للمطففين }.
[83.2]
{ الذين إذا اكتالوا على } أي من { الناس يستوفون } الكيل.
[83.3]
{ وإذا كالوهم } أي كالوا لهم { أو وزنوهم } أي وزنوا لهم { يخسرون } ينقصون الكيل أو الوزن.
[83.4]
{ ألا } استفهام توبيخ { يظن } يتيقن { أولئك أنهم مبعوثون }.
[83.5]
{ ليوم عظيم } أي فيه وهو يوم القيامة.
[83.6]
{ يوم } بدل من محل ليوم فناصبه مبعوثون { يقوم الناس } من قبورهم { لرب العلمين } الخلائق لأجل أمره وحسابه وجزائه.
[83.7]
{ كلا } حقا { إن كتب الفجار } أي كتاب أعمال الكفار { لفى سجين } قيل هو كتاب جامع لأعمال الشياطين والكفرة، وقيل هو مكان أسفل الأرض السابعة وهو محل إبليس وجنوده.
[83.8]
{ وما أدرك ما سجين } ما كتاب سجين؟.
[83.9]
{ كتب مرقوم } مختوم.
[83.10]
{ ويل يومئذ للمكذبين }.
[83.11]
{ الذين يكذبون بيوم الدين } الجزاء بدل أو بيان للمكذبين.
[83.12]
{ وما يكذب به إلا كل معتد } متجاوز الحد { أثيم } صيغة مبالغة.
[83.13]
{ إذا تتلى عليه ءايتنا } القرآن { قال أسطير الأولين } الحكايات التي سطرت قديما جمع «أسطورة» بالضم أو «إسطارة» بالكسر.
[83.14]
{ كلا } ردع وزجر لقولهم ذلك { بل ران } غلب { على قلوبهم } فغشيها { ما كانوا يكسبون } من المعاصي فهو كالصدأ.
[83.15]
{ كلا } حقا { إنهم عن ربهم يومئذ } يوم القيامة { لمحجوبون } فلا يرونه.
[83.16]
{ ثم إنهم لصالوا الجحيم } لداخلوا النار المحرقة.
[83.17]
{ ثم يقال } لهم { هذا } أي العذاب { الذي كنتم به تكذبون }.
[83.18]
{ كلا } حقا { إن كتب الأبرار } أي كتاب أعمال المؤمنين الصادقين في إيمانهم { لفى عليين } قيل هو كتاب جامع لأعمال الخير من الملائكة ومؤمني الثقلين، وقيل هو مكان في السماء السابعة تحت العرش.
[83.19]
{ ومآ أدرك } أعلمك { ما عليون } ما كتاب عليين؟.
[83.20]
هو { كتب مرقوم } مختوم.
[83.21]
{ يشهده المقربون } من الملائكة.
[83.22]
{ إن الأبرار لفى نعيم } جنة.
[83.23]
{ على الأرائك } السرر في الحجال { ينظرون } ما أعطوا من النعيم.
[83.24]
{ تعرف فى وجوههم نضرة النعيم } بهجة التنعيم وحسنه.
[83.25]
{ يسقون من رحيق } خمر خالصة من الدنس { مختوم } عى إنائها لا يفك ختمه إلا هم.
[83.26]
{ ختمه مسك } أي آخر شربه يفوح منه رائحة المسك { وفى ذلك فليتنافس المتنفسون } فليرغبوا بالمبادرة إلى طاعة الله.
[83.27]
{ ومزاجه } أي ما يمزج به { من تسنيم } فسر بقوله:
[83.28]
{ عينا } فنصبه بأمدح مقدرا { يشرب بها المقربون } أي منها، أو ضمن «يشرب» معنى يلتذ.
[83.29]
{ إن الذين أجرموا } كأبي جهل ونحوه { كانوا من الذين ءامنوا } كعمار وبلال ونحوهما { يضحكون } استهزاء بهم.
[83.30]
{ وإذا مروا } أي المؤمنون { بهم يتغامزون } أي يشير المجرمون إلى المؤمنين بالجفن والحاجب استهزاء.
[83.31]
{ وإذا انقلبوا } رجعوا { إلى أهلهم انقلبوا فاكهين } وفي قراءة «فكيهن» معجبين بذكرهم المؤمنين.
[83.32]
{ وإذا رأوهم } رأوا المؤمنين { قالوا إن هؤلآء لضآلون } لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.
[83.33]
قال تعالى: { ومآ أرسلوا } أي الكفار { عليهم } على المؤمنين { حفظين } لهم و لأعمالهم حتى يردوهم إلى مصالحهم.
[83.34]
{ فاليوم } أي يوم القيامة { الذين ءامنوا من الكفار يضحكون }.
[83.35]
{ على الأرآئك } في الجنة { ينظرون } من منازلهم إلى الكفار وهم يعذبون فيضحكون منهم كما ضحك الكفار منهم في الدنيا.
[83.36]
{ هل ثوب } جوزي { الكفار ما كانوا يفعلون } نعم.
[84 - سورة الإنشقاق]
[84.1]
{ إذا السمآء انشقت }.
[84.2]
{ وأذنت } سمعت وأطاعت في الانشقاق { لربها وحقت } أي وحق لها أن تسمع وتطيع.
[84.3]
{ وإذا الأرض مدت } زيد في سعتها كما يمد الأديم ولم يبق عليها بناء ولا جبل.
[84.4]
{ وألقت ما فيها } من الموتى إلى ظاهرها { وتخلت } عنه.
[84.5]
{ وأذنت } سمعت وأطاعت في ذلك { لربها وحقت } وذلك كله يكون يوم القيامة. وجواب «إذا» وما عطف عليها محذوف، دل عليه ما بعده تقديره لقي الإنسان عمله.
[84.6]
{ يأيها الإنسن إنك كادح } جاهد في عملك { إلى } لقاء { ربك } وهو الموت { كدحا فملقيه } أي ملاق عملك المذكور من خير أو شر يوم القيامة.
[84.7]
{ فأما من أوتى كتبه } كتاب عمله { بيمينه } هو المؤمن.
[84.8]
{ فسوف يحاسب حسابا يسيرا } هو عرض عمله عليه كما في حديث الصحيحين وفيه
" من نوقش الحساب هلك "
وبعد العرض يتجاوز عنه.
[84.9]
{ وينقلب إلى أهله } في الجنة { مسرورا } بذلك.
[84.10]
{ وأما من أوتى كتبه ورآء ظهره } هو الكافر تغل يمناه إلى عنقه، وتخلع يسراه وراء ظهره فيأخذ بها كتابه.
[84.11]
{ فسوف يدعوا } عند رؤيته ما فيه { ثبورا } ينادي هلاكه بقوله: يا ثبوراه.
[84.12]
{ ويصلى سعيرا } يدخل النار الشديدة. وفي قراءة، بضم الياء وفتح الصاد واللام المشددة.
[84.13]
{ إنه كان فى أهله } عشيرته في الدنيا { مسرورا } باتباعه لهواه.
[84.14]
{ إنه ظن أن } مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي أنه { لن يحور } يرجع إلى ربه.
[84.15]
{ بلى } يرجع إليه { إن ربه كان به بصيرا } عالما برجوعه إليه.
[84.16]
{ فلآ أقسم } «لا» زائدة { بالشفق } هو الحمرة في الأفق بعد غروب الشمس.
[84.17]
{ واليل وما وسق } جمع ما دخل عليه من الدواب و غيرها.
[84.18]
{ والقمر إذا اتسق } اجتمع وتم نوره وذلك في الليالي البيض.
[84.19]
{ لتركبن } أيها الناس. أصله تركبونن حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال والواو لالتقاء الساكنين { طبقا عن طبق } حال، بعد حال، وهو الموت ثم الحياة وما بعدها من أحوال القيامة.
[84.20]
{ فما لهم } أي الكفار { لا يؤمنون } أي أي مانع لهم من الإيمان، أو أي حجة لهم في تركه مع وجود براهينه؟.
[84.21]
{ و } ما لهم { إذا قرىء عليهم القرءان لا يسجدون } يخضعون بأن يؤمنوا به لإعجازه؟.
[84.22]
{ بل الذين كفروا يكذبون } بالبعث وغيره.
[84.23]
{ والله أعلم بما يوعون } يجمعون في صحفهم من الكفر والتكذيب وأعمال السوء.
[84.24]
{ فبشرهم } أخبرهم { بعذاب أليم } مؤلم.
[84.25]
{ إلا } لكن { الذين ءامنوا وعملوا الصلحت لهم أجر غير ممنون } غير مقطوع ولا منقوص ولا يمن به عليهم.
[85 - سورة البروج]
[85.1]
{ والسمآء ذات البروج } الكواكب اثنا عشر برجا تقدمت في الفرقان [61:25].
[85.2]
{ واليوم الموعود } يوم القيامة.
[85.3]
{ وشهد } يوم الجمعة { ومشهود } يوم عرفة كذا فسرت الثلاثة في الحديث فالأول موعود به والثاني شاهد بالعمل فيه والثالث تشهده الناس والملائكة، وجواب القسم محذوف صدره، تقديره لقد.
[85.4]
{ قتل } لعن { أصحب الأخدود } الشق في الأرض.
[85.5]
{ النار } بدل اشتمال منه { ذات الوقود } ما توقد به.
[85.6]
{ إذ هم عليها } أي حولها على جانب الأخدود على الكراسي { قعود }.
[85.7]
{ وهم على ما يفعلون بالمؤمنين } بالله من تعذيبهم بالإلقاء في النار إن لم يرجعوا عن إيمانهم { شهود } حضور، روي أن الله أنجى المؤمنين الملقين في النار بقبض أرواحهم قبل وقوعهم فيها وخرجت النار إلى من ثم فأحرقتهم.
[85.8]
{ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز } في ملكه { الحميد } المحمود.
[85.9]
{ الذى له ملك السموات والأرض والله على كل شىء شهيد } أي ما أنكر الكفار على المؤمنين إلا إيمانهم.
[85.10]
{ إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنت } بالإحراق { ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم } بكفرهم { ولهم عذاب الحريق } أي عذاب إحراقهم المؤمنين في الآخرة، وقيل في الدنيا بأن أخرجت النار فأحرقتهم كما تقدم.
[85.11]
{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت لهم جنت تجرى من تحتها الأنهر ذلك الفوز الكبير }.
[85.12]
{ إن بطش ربك } بالكفار { لشديد } بحسب إرادته.
[85.13]
{ إنه هو يبدىء } الخلق { ويعيد } فلا يعجزه ما يريد.
[85.14]
{ وهو الغفور } للمذنبين من المؤمنين { الودود } المتودد إلى أوليائه بالكرامة.
[85.15]
{ ذو العرش } خالقه ومالكه { المجيد } بالرفع: المستحق لكمال صفات العلو.
[85.16]
{ فعال لما يريد } لا يعجزه شيء.
[85.17]
{ هل أتك } يا محمد { حديث الجنود }.
[85.18]
{ فرعون وثمود } بدل من الجنود واستغنى بذكر فرعون عن أتباعه، وحديثهم أنهم أهلكوا بكفرهم وهذا تنبيه لمن كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم والقرآن ليتعظوا.
[85.19]
{ بل الذين كفروا فى تكذيب } بما ذكر.
[85.20]
{ والله من ورآئهم محيط } لا عاصم لهم منه.
[85.21]
{ بل هو قرءان مجيد } عظيم.
[85.22]
{ فى لوح } هو في الهواء فوق السماء السابعة { محفوظ } بالجر من الشياطين ومن تغيير شيء منه طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب، وهو من درة بيضاء، قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
[86 - سورة الطارق]
[86.1]
{ والسماء والطارق } أصله كل آت ليلا ومنه النجوم لطلوعها ليلا.
[86.2]
{ وما أدراك } أعلمك { ما الطارق } مبتدأ وخبر في محل المفعول الثاني لأدرى و(ما) بعد(ما) الأولى خبرها وفيه تعظيم لشأن الطارق المفسر بما بعده هو:
[86.3]
{ النجم } أي الثريا أو كل نجم { الثاقب } المضيء لثقبه الظلام بضوئه وجواب القسم.
[86.4]
{ إن كل نفس لما عليها حافظ } بتخفيف «ما» فهي مزيدة وإن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي إنه واللام فارقة وبتشديدها فإن نافية ولما بمعنى إلا والحافظ من الملائكة يحفظ عملها من خير وشر.
[86.5]
{ فلينظر الإنسن } نظر اعتبار { مم خلق } من أي شيء؟.
[86.6]
جوابه { خلق من ماء دافق } ذي اندفاق من الرجل والمرأة في رحمها.
[86.7]
{ يخرج من بين الصلب } للرجل { والترائب } للمرأة وهي عظام الصدر.
[86.8]
{ إنه } تعالى { على رجعه } بعث الإنسان بعد موته { لقادر } فإذا اعتبر أصله علم أن القادر على ذلك قادر على بعثه.
[86.9]
{ يوم تبلى } تختبر وتكشف { السرائر } ضمائر القلوب في العقائد والنيات.
[86.10]
{ فما له } لمنكر البعث { من قوة } يمتنع بها من العذاب { ولا ناصر } يدفعه عنه.
[86.11]
{ والسماء ذات الرجع } المطر لعوده كل حين.
[86.12]
{ والأرض ذات الصدع } الشق عن النبات.
[86.13]
{ إنه } أي القرآن { لقول فصل } يفصل بين الحق والباطل.
[86.14]
{ وما هو بالهزل } باللعب والباطل.
[86.15]
{ إنهم } أي الكفار { يكيدون كيدا } يعملون المكايد للنبي صلى الله عليه وسلم.
[86.16]
{ وأكيد كيدا } أستدرجهم من حيث لا يعلمون.
[86.17]
{ فمهل } يا محمد { الكفرين أمهلهم } تأكيد حسنه مخالفة اللفظ: أي أنظرهم { رويدا } قليلا وهو مصدر مؤكد لمعنى العامل، مصغر: رود أو أرواد على الترخيم، وقد أخذهم الله تعالى ببدر، ونسخ الإمهال بآية السيف أي الأمر بالقتال والجهاد.
[87 - سورة الأعلى]
[87.1]
{ سبح اسم ربك } أي نزه ربك عما لا يليق به و «اسم» زائد { الأعلى } صفة لربك.
[87.2]
{ الذى خلق فسوى } مخلوقه، جعله متناسب الأجزاء غير متفاوت.
[87.3]
{ والذى قدر } ما شاء { فهدى } إلى ما قدره من خير وشر.
[87.4]
{ والذى أخرج المرعى } أنبت العشب.
[87.5]
{ فجعله } بعد الخضرة { غثآء } جافا هشيما { أحوى } أسود يابسا.
[87.6]
{ سنقرئك } القرآن { فلا تنسى } ما تقرؤه.
[87.7]
{ إلا ما شآء الله } أي تنساه بنسخ تلاوته وحكمه. وكان صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة مع قراءة جبريل خوف النسيان فكأنه قيل له: لا تعجل بها إنك لا تنسى فلا تتعب نفسك بالجهر بها { إنه } تعالى { يعلم الجهر } من القول والفعل { وما يخفى } منهما.
[87.8]
{ ونيسرك لليسرى } للشريعة السهلة وهي الإسلام.
[87.9]
{ فذكر } عظ بالقرآن { إن نفعت الذكرى } من تذكره المذكور في.
[87.10]
{ سيذكر } بها { من يخشى } يخاف الله تعالى كآية
فذكر بالقرءان من يخاف وعيد
[45:50].
[87.11]
{ ويتجنبها } أي الذكرى أي يتركها جانبا لا يلتفت إليها { الأشقى } بمعنى الشقي أي الكافر.
[87.12]
{ الذى يصلى النار الكبرى } هي نار الآخرة، والصغرى نار الدنيا.
[87.13]
{ ثم لا يموت فيها } فيستريح { ولا يحيى } حياة هنيئة.
[87.14]
{ قد أفلح } فاز { من تزكى } تطهر بالإيمان.
[87.15]
{ وذكر اسم ربه } مكبرا { فصلى } الصلوات الخمس وذلك من أمور الآخرة، وكفار مكة معرضون عنها.
[87.16]
{ بل تؤثرون } بالفوقانية والتحتانية { الحيوة الدنيا } على الآخرة.
[87.17]
{ والأخرة } المشتملة على الجنة { خير وأبقى }.
[87.18]
{ إن هذا } أي إفلاح من تزكى وكون الآخرة خيرا { لفى الصحف الأولى } أي المنزلة قبل القرآن.
[87.19]
{ صحف إبرهيم وموسى } وهي عشرة صحف لإبراهيم، والتوراة لموسى.
[88 - سورة الغاشية]
[88.1]
{ هل } قد { أتك حديث الغشية } القيامة لأنها تغشى الخلائق بأهوالها.
[88.2]
{ وجوه يومئذ } عبر بها عن الذوات في الموضعين { خشعة } ذليلة.
[88.3]
{ عاملة ناصبة } ذات نصب وتعب بالسلاسل والأغلال.
[88.4]
{ تصلى } بفتح التاء وضمها { نارا حامية }.
[88.5]
{ تسقى من عين ءانية } شديدة الحرارة.
[88.6]
{ ليس لهم طعام إلا من ضريع } هو نوع من الشوك لا ترعاه دابة لخبثه.
[88.7]
{ لا يسمن ولا يغنى من جوع }.
[88.8]
{ وجوه يومئذ ناعمة } حسنة.
[88.9]
{ لسعيها } في الدنيا بالطاعة { راضية } في الآخرة لما رأت ثوابه.
[88.10]
{ فى جنة عالية } حسا ومعنى.
[88.11]
{ لا تسمع } بالتاء والياء { فيها لغية } أي نفس ذات لغو: أي هذيان من الكلام.
[88.12]
{ فيها عين جارية } بالماء بمعنى عيون.
[88.13]
{ فيها سرر مرفوعة } ذاتا وقدرا ومحلا.
[88.14]
{ وأكواب } أقداح لا عرى لها { موضوعة } على حافة العيون معدة لشربهم.
[88.15]
{ ونمارق } وسائد { مصفوفة } بعضها بجنب بعض يستند إليها.
[88.16]
{ وزرابي } بسط طنافس لها خمل { مبثوثة } مبسوطة.
[88.17]
{ أفلا ينظرون } أي كفار مكة نظر اعتبار { إلى الإبل كيف خلقت }.
[88.18]
{ وإلى السمآء كيف رفعت }.
[88.19]
{ وإلى الجبال كيف نصبت }.
[88.20]
{ وإلى الأرض كيف سطحت } أي بسطت، فيستدلون بها على قدرة الله تعالى ووحدانيته، وصدرت بالإبل لأنهم أشد ملابسة لها من غيرها. وقوله «سطحت» ظاهر في أن الأرض سطح، وعليه علماء الشرع، لا كرة كما قاله أهل الهيئة وإن لم ينقض ركنا من أركان الشرع.
[88.21]
{ فذكر } هم نعم الله ودلائل توحيده { إنمآ أنت مذكر }.
[88.22]
{ لست عليهم بمصيطر } وفي قراءة (بمسيطر) بالسين بدل الصاد، أي بمسلط وهذا قبل الأمر بالجهاد [4:47].
[88.23]
{ إلا } لكن { من تولى } أعرض عن الإيمان { وكفر } بالقرآن.
[88.24]
{ فيعذبه الله العذاب الأكبر } عذاب الآخرة، والأصغر عذاب الدنيا بالقتل والأسر.
[88.25]
{ إن إلينآ إيابهم } رجوعهم بعد الموت.
[88.26]
{ ثم إن علينا حسابهم } جزاءهم لا نتركه أبدا.
[89 - سورة الفجر]
[89.1]
{ والفجر } أي فجر كل يوم.
[89.2]
{ وليال عشر } أي عشر ذي الحجة.
[89.3]
{ والشفع } الزوج { والوتر } بفتح الواو وكسرها لغتان: الفرد.
[89.4]
{ واليل إذا يسر } مقبلا ومدبرا.
[89.5]
{ هل فى ذلك } القسم { قسم لذى حجر } عقل؟ وجواب القسم محذوف أي: لتعذبن يا كفار مكة.
[89.6]
{ ألم تر } تعلم يا محمد { كيف فعل ربك بعاد }؟.
[89.7]
{ إرم } هي عاد الأولى، فإرم عطف بيان أو بدل، ومنع الصرف للعلمية والتأنيث { ذات العماد } أي الطول. كان طول الطويل منهم أربعمائة ذراع.
[89.8]
{ التى لم يخلق مثلها فى البلد } في بطشهم وقوتهم.
[89.9]
{ وثمود الذين جابوا } قطعوا { الصخر } جمع صخرة واتخذوها بيوتا { بالواد } وادي القرى.
[89.10]
{ وفرعون ذى الأوتاد } كان يتد أربعة أوتاد يشد إليها يدي ورجلي من يعذبه.
[89.11]
{ الذين طغوا } تجبروا { فى البلد }.
[89.12]
{ فأكثروا فيها الفساد } القتل وغيره.
[89.13]
{ فصب عليهم ربك سوط } نوع { عذاب }.
[89.14]
{ إن ربك لبالمرصاد } يرصد أعمال العباد فلا يفوته منها شيء ليجازيهم عليها.
[89.15]
{ فأما الإنسن } الكافر { إذا ما ابتله } اختبره { ربه فأكرمه } بالمال وغيره { ونعمه فيقول ربى أكرمن }.
[89.16]
{ وأمآ إذا ما ابتله } ربه { فقدر } ضيق { عليه رزقه فيقول ربى أهنن }.
[89.17]
{ كلا } ردع، أي ليس الإكرام بالغنى، والإهانة بالفقر، وإنما هو بالطاعة والمعصية، وكفار مكة لا ينتبهون لذلك { بل لا تكرمون اليتيم } لا يحسنون إليه مع غناهم أو لا يعطونه حقه من الميراث.
[89.18]
{ ولا يحضون } أنفسهم ولا غيرهم { يحض على طعام } أي إطعام { المسكين }.
[89.19]
{ ويأكلون التراث } الميراث { أكلا لما } أي شديدا، للمهم نصيب النساء والصبيان من الميراث مع نصيبهم منه أو مع مالهم.
[89.20]
{ ويحبون المال حبا جما } أي: كثيرا فلا ينفقونه، وفي قراءة بالفوقانية في الأفعال الأربعة.
[89.21]
{ كلا } ردع لهم عن ذلك { إذا دكت الأرض دكا دكا } زلزلت حتى ينهدم كل بناء عليها وينعدم.
[89.22]
{ وجآء ربك } أي أمره { والملك } أي الملائكة { صفا صفا } حال، أي مصطفين أو ذوي صفوف كثيرة.
[89.23]
{ وجائ يومئذ بجهنم } تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام بأيدي سبعين ألف ملك لها زفير وتغيظ { يومئذ } بدل من إذا وجوابها { يتذكر الإنسن } أي الكافر ما فرط فيه { وأنى له الذكرى }؟ استفهام بمعنى النفي، أي لا ينفعه تذكره ذلك.
[89.24]
{ يقول } مع تذكره { يا } للتنبيه { ليتنى قدمت } الخير والإيمان { لحياتى } الطيبة في الآخرة أو وقت حياتي في الدنيا.
[89.25]
{ فيومئذ لا يعذب } بكسر الذال { عذابه } أي الله { أحد } أي لا يكله إلى غيره.
[89.26]
{ و } كذا { لا يوثق } بكسر الثاء { وثاقه أحد } وفي قراءة بفتح الذال والثاء فضمير عذابه و وثاقه للكافر، والمعنى: لا يعذب أحد مثل تعذيبه ولا يوثق مثل إيثاقه.
[89.27]
{ يأيتها النفس المطمئنة } الآمنة وهي المؤمنة.
[89.28]
{ ارجعى إلى ربك } يقال لها ذلك عند الموت، أي: ارجعي إلى أمره وإرادته { راضية } بالثواب { مرضية } عند الله بعملك، أي جامعة بين الوصفين وهما حالان ويقال لها في القيامة:
[89.29]
{ فادخلى فى } جملة { عبادى } الصالحين.
[89.30]
{ وادخلى جنتى } معهم.
[90 - سورة البلد]
[90.1]
{ لا } زائدة { أقسم بهذا البلد } مكة.
[90.2]
{ وأنت } يا محمد { حل } حلال { بهذا البلد } بأن يحل لك فتقاتل فيه، وقد أنجز الله له هذا الوعد يوم الفتح. فالجملة اعتراض بين المقسم به وما عطف عليه.
[90.3]
{ ووالد } أي آدم { وما ولد } أي ذريته و «ما» بمعنى من.
[90.4]
{ لقد خلقنا الإنسن } أي الجنس { فى كبد } نصب وشدة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة.
[90.5]
{ أيحسب } أيظن الإنسان، قوي قريش، وهو أبو الأشدين [أو:الأشد، اسيد بن كلدة الجمحي، وأمثاله] بقوته { أن } مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي أنه { لن يقدر عليه أحد } والله قادر عليه.
[90.6]
{ يقول أهلكت } على عداوة محمد { مالا لبدا } كثيرا بعضه على بعض.
[90.7]
{ أيحسب أن } أي أنه { لم يره أحد } فيما أنفقه فيعلم قدره؟ والله عالم بقدره وأنه ليس مما يتكثر به ومجازيه على فعله السيىء.
[90.8]
{ ألم نجعل } استفهام تقرير، أي جعلنا { له عينين }؟.
[90.9]
{ ولسانا وشفتين }؟.
[90.10]
{ وهدينه النجدين }؟ بينا له طريق الخير والشر.
[90.11]
{ فلا } فهلا { اقتحم العقبة } جاوزها؟.
[90.12]
{ وما أدرك } أعلمك { ما العقبة } التي يقتحمها تعظيما لشأنها، والجملة اعتراض. وبين سبب جوازها بقوله:
[90.13]
{ فك رقبة } من الرق بأن يعتقها.
[90.14]
{ أو إطعم فى يوم ذى مسغبة } مجاعة.
[90.15]
{ يتيما ذا مقربة } قرابة.
[90.16]
{ أو مسكينا ذا متربة } أي لصوق بالتراب لفقره، وفي قراءة بدل الفعلين مصدران مرفوعان مضاف الأول لرقبة، ومنون الثاني، فيقدر قبل العقبة اقتحام. والقراءة المذكورة بيانه.
[90.17]
{ ثم كان } عطف على اقتحم و ثم للترتيب الذكري، المعنى كان وقت الاقتحام { من الذين ءامنوا وتواصوا } أوصى بعضهم بعضا { بالصبر } على الطاعة وعن المعصية { وتواصوا بالمرحمة } الرحمة على الخلق.
[90.18]
{ أولئك } الموصوفون بهذه الصفات { أصحب الميمنة } اليمين.
[90.19]
{ والذين كفروا بئايتنا هم أصحب المشئمة } الشمال.
[90.20]
{ عليهم نار مؤصدة } بالهمزة والواو بدله، مطبقة.
[91 - سورة الشمس]
[91.1]
{ والشمس وضحها } ضوئها.
[91.2]
{ والقمر إذا تلها } تبعها طالعا عند غروبها.
[91.3]
{ والنهار إذا جلها } بارتفاعه.
[91.4]
{ واليل إذا يغشها } يغطيها بظلمته، و(إذا) في الثلاثة لمجرد الظرفية والعامل فيها فعل القسم.
[91.5]
{ والسمآء وما بنها }.
[91.6]
{ والأرض وما طحها } بسطها.
[91.7]
{ ونفس } بمعنى نفوس { وما سوها } في الخلقة و «ما» في الثلاثة مصدرية أو بمعنى من.
[91.8]
{ فألهمها فجورها وتقوها } بين لها طريقي الخير والشر، وأخر التقوى رعاية لرؤوس الآي، وجواب القسم:
[91.9]
{ قد أفلح } حذفت منه اللام لطول الكلام { من زكها } طهرها من الذنوب.
[91.10]
{ وقد خاب } خسر { من دسها } أخفاها بالمعصية. وأصله دسسها أبدلت السين الثانية ألفا تخفيفا.
[91.11]
{ كذبت ثمود } رسولها صالحا { بطغوها } بسبب طغيانها.
[91.12]
{ إذ انبعث } أسرع { أشقها } واسمه (قدار) إلى عقر الناقة برضاهم.
[91.13]
{ فقال لهم رسول الله } صالح { ناقة الله } أي ذروها { وسقيها } شربها في يومها وكان لها يوم ولهم يوم.
[91.14]
{ فكذبوه } في قوله ذلك عن الله المرتب عليه نزول العذاب بهم إن خالفوه { فعقروها } قتلوها ليسلم لهم ماء شربها. { فدمدم } أطبق { عليهم ربهم } العذاب { بذنبهم فسوها } أي الدمدمة عليهم، أي عمهم بها فلم يفلت منه أحد.
[91.15]
{ ولا } بالواو والفاء { يخاف } تعالى { عقبها } تبعتها.
[92 - سورة الليل]
[92.1]
{ واليل إذا يغشى } بظلمته كل ما بين السماء والأرض.
[92.2]
{ والنهار إذا تجلى } تكشف وظهر، و(إذا) في الموضعين لمجرد الظرفية والعامل فيها فعل القسم.
[92.3]
{ ومآ } بمعنى من أو مصدرية { خلق الذكر والأنثى } آدم وحواء وكل ذكر وكل أنثى، والخنثى المشكل عندنا ذكر أو أنثى عند الله تعالى، فيحنث بتكليمه من حلف لا يكلم ذكرا ولا أنثى.
[92.4]
{ إن سعيكم } عملكم { لشتى } مختلف فعامل للجنة بالطاعة وعامل للنار بالمعصية.
[92.5]
{ فأما من أعطى } حق الله { واتقى } الله.
[92.6]
{ وصدق بالحسنى } أي بلا إله إلا الله في الموضعين.
[92.7]
{ فسنيسره لليسرى } للجنة.
[92.8]
{ وأما من بخل } بحق الله { واستغنى } عن ثوابه.
[92.9]
{ وكذب بالحسنى }.
[92.10]
{ فسنيسره } نهيئه { للعسرى } للنار.
[92.11]
{ وما } نافية { يغنى عنه ماله إذا تردى } في النار.
[92.12]
{ إن علينا للهدى } لتبيين طريق الهدى من طريق الضلال ليمتثل أمرنا بسلوك الأول ونهينا عن ارتكاب الثاني.
[92.13]
{ وإن لنا للأخرة والأولى } أي الدنيا فمن طلبهما من غيرنا فقد أخطأ.
[92.14]
{ فأنذرتكم } خوفتكم يا أهل مكة { نارا تلظى } بحذف إحدى التاءين من الأصل وقرىء (تتلظى) بثبوتها، أي تتوقد.
[92.15]
{ لا يصلها } يدخلها { إلا الأشقى } بمعنى الشقي.
[92.16]
{ الذى كذب } النبي { وتولى } عن الإيمان وهذا الحصر مؤول لقوله تعالى
ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء
[48:4] فيكون المراد الصلي المؤبد.
[92.17]
{ وسيجنبها } يبعد عنها { الأتقى } بمعنى التقي.
[92.18]
{ الذى يؤتى ماله يتزكى } متزكيا به عند الله تعالى بأن يخرجه لله تعالى لا رياء ولا سمعة فيكون زاكيا عند الله تعالى، وهذا نزل في الصديق رضي الله تعالى عنه لما اشترى بلالا المعذب على إيمانه وأعتقه، فقال الكفار إنما فعل ذلك ليد كانت له عنده فنزلت.
[92.19]
{ وما لأحد عنده من نعمة تجزى }.
[92.20]
{ إلا } لكن فعل ذلك. { ابتغآء وجه ربه الأعلى } أي طلب ثواب الله.
[92.21]
{ ولسوف يرضى } بما يعطاه من الثواب في الجنة، والآية تشمل من فعل مثل فعله رضي الله تعالى عنه فيبعد عن النار ويثاب.
[93 - سورة الضحى]
[93.1]
{ والضحى } أي أول النهار أو كله.
[93.2]
{ واليل إذا سجى } غطى بظلامه أو سكن.
[93.3]
{ ما ودعك } تركك يا محمد { ربك وما قلى } أبغضك. نزل هذا لما قال الكفار عند تأخر الوحي عنه خمسة عشر يوما: إن ربه ودعه وقلاه.
[93.4]
{ وللأخرة خير لك } لما فيها من الكرامات لك { من الأولى } الدنيا.
[93.5]
{ ولسوف يعطيك ربك } في الآخرة من الخيرات عطاء جزيلا { فترضى } فقال صلى الله عليه وسلم
" إذن لا أرضى وواحد من أمتي في النار "
إلى هنا تم جواب القسم بمثبتين بعد منفيين.
[93.6]
{ ألم يجدك } استفهام تقرير أي وجدك { يتيما } بفقد أبيك قبل ولادتك أو بعدها { فئاوى } بأن ضمك إلى عمك أبي طالب.
[93.7]
{ ووجدك ضآلا } عما أنت عليه الآن من الشريعة { فهدى } أي فهداك إليها.
[93.8]
{ ووجدك عآئلا } فقيرا { فأغنى } أغناك بما قنعك به من الغنيمة وغيرها. وفي الحديث:
" ليس الغنى كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ".
[93.9]
{ فأما اليتيم فلا تقهر } بأخذ ماله أو غير ذلك.
[93.10]
{ وأما السآئل فلا تنهر } تزجره لفقره.
[93.11]
{ وأما بنعمة ربك } عليك بالنبوة وغيرها { فحدث } أخبر. وحذف ضميره صلى الله عليه وسلم في بعض الأفعال رعاية للفواصل.
[94 - سورة الشرح]
[94.1]
{ ألم نشرح } استفهام تقرير أي شرحنا { لك } يا محمد { صدرك } بالنبوة وغيرها؟.
[94.2]
{ ووضعنا } حططنا { عنك وزرك }.
[94.3]
{ الذى أنقض } أثقل { ظهرك } وهذا كقوله تعالى:
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك
[2:48].
[94.4]
{ ورفعنا لك ذكرك } بأن تذكر مع ذكري في الأذان والإقامة والتشهد والخطبة وغيرها.
[94.5]
{ فإن مع العسر } الشدة { يسرا } سهولة.
[94.6]
{ إن مع العسر يسرا } والنبي صلى الله عليه وسلم قاسى من الكفار شدة، ثم حصل له اليسر بنصره عليهم.
[94.7]
{ فإذا فرغت } من الصلاة { فانصب } اتعب في الدعاء.
[94.8]
{ وإلى ربك فارغب } تضرع.
[95 - سورة التين]
[95.1]
{ والتين والزيتون } أي المأكولين أو جبلين بالشام ينبتان المأكولين.
[95.2]
{ وطور سينين } الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى، ومعنى (سينين) المبارك أو الحسن بالأشجار المثمرة.
[95.3]
{ وهذا البلد الأمين } مكة لأمن الناس فيها جاهلية وإسلاما.
[95.4]
{ لقد خلقنا الإنسن } الجنس { فى أحسن تقويم } تعديل لصورته.
[95.5]
{ ثم رددنه } في بعض أفراده { أسفل سفلين } كناية عن الهرم والضعف فينقص عمل المؤمن عن زمن الشباب، ويكون له أجره بقوله تعالى:
[95.6]
{ إلا } أي لكن { الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فلهم أجر غير ممنون } مقطوع. وفي الحديث
" إذا بلغ المؤمن من الكبر ما يعجزه عن العمل كتب له ما كان يعمل "
[95.7]
{ فما يكذبك } أيها الكافر { بعد } أي بعد ما ذكر من خلق الإنسان في أحسن صورة، ثم رده إلى أرذل العمر الدال على القدرة على البعث { بالدين } بالجزاء المسبوق بالبعث والحساب؟ أي ما يجعلك مكذبا بذلك ولا جاعل له؟
[95.8]
{ أليس الله بأحكم الحكمين }؟ أي هو أقضى القاضين وحكمه بالجزاء من ذلك. وفي الحديث
" من قرأ والتين إلى آخرها فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين "
[96 - سورة العلق]
[96.1]
{ اقرأ } أوجد القراءة مبتدئا { باسم ربك الذى خلق } الخلائق.
[96.2]
{ خلق الإنسن } الجنس { من علق } جمع علقة وهي القطعة اليسيرة من الدم الغليظ.
[96.3]
{ اقرأ } تأكيد للأول { وربك الأكرم } الذي لا يوازيه كريم حال من ضمير اقرأ.
[96.4]
{ الذى علم } الخط { بالقلم } وأول من خط به إدريس عليه السلام.
[96.5]
{ علم الإنسن } الجنس { ما لم يعلم } قبل تعليمه من الهدى والكتابة والصناعة وغيرها.
[96.6]
{ كلا } حقا { إن الإنسن ليطغى }.
[96.7]
{ أن رءاه } أي نفسه { استغنى } بالمال. نزل في أبي جهل و «رأى» علمية و «استغنى» مفعول ثان و «أن رآه» مفعول له.
[96.8]
{ إن إلى ربك } يا إنسان { الرجعى } أي الرجوع تخويف له فيجازى الطاغي بما يستحقه.
[96.9]
{ أرءيت } في مواضعها الثلاثة للتعجب { الذى ينهى } هو أبو جهل.
[96.10]
{ عبدا } هو النبي صلى الله عليه وسلم { إذا صلى }.
[96.11]
{ أرءيت إن كان } أي المنهي { على الهدى }.
[96.12]
{ أو } للتقسيم { أمر بالتقوى }.
[96.13]
{ أرءيت إن كذب } أي الناهي النبي { وتولى } عن الإيمان.
[96.14]
{ ألم يعلم بأن الله يرى } ما صدر منه، أي يعلمه فيجازيه عليه، أي اعجب منه يا مخاطب من حيث نهيه عن الصلاة ومن حيث إن المنهي على الهدى آمر بالتقوى، ومن حيث إن الناهي مكذب متول عن الإيمان.
[96.15]
{ كلا } ردع له { لئن } لام قسم { لم ينته } عما هو عليه من الكفر { لنسفعا بالناصية } لنجرن بناصيته إلى النار.
[96.16]
{ ناصية } بدل نكرة من معرفة { كذبة خاطئة } وصفها بذلك مجاز والمراد صاحبها.
[96.17]
{ فليدع ناديه } أي أهل ناديه وهو مجلس يتخذ ليتحدث فيه القوم، وكان قال للنبي صلى الله عليه وسلم - لما انتهره حيث نهاه عن الصلاة -: لقد علمت ما بها رجل أكثر ناديا مني لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلا جردا ورجالا مردا.
[96.18]
{ سندع الزبانية } الملائكة الغلاظ الشداد لإهلاكه. في الحديث:
" لو دعا ناديه لأخذته الزبانية عيانا "
[96.19]
{ كلا } ردع له { لا تطعه } يا محمد في ترك الصلاة { واسجد } صل لله { واقترب } منه بطاعته.
[97 - سورة القدر]
[97.1]
{ إنآ أنزلنه } أي القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا { فى ليلة القدر } أي الشرف والعظم.
[97.2]
{ وما أدراك } أعلمك يا محمد { ما ليلة القدر } تعظيم لشأنها وتعجيب منه.
[97.3]
{ ليلة القدر خير من ألف شهر } ليس فيها ليلة القدر فالعمل الصالح فيها خير منه في ألف شهر ليست فيها.
[97.4]
{ تنزل الملئكة } بحذف إحدى التاءين من الأصل { والروح } أي جبريل { فيها } في الليلة { بإذن ربهم } بأمره { من كل أمر } قضاه الله فيها لتلك السنة إلى قابل و «من» سببية بمعنى الباء.
[97.5]
{ سلم هى } خبر مقدم ومبتدأ { حتى مطلع الفجر } بفتح اللام وكسرها إلى وقت طلوعه. جعلت سلاما لكثرة السلام فيها من الملائكة لا تمر بمؤمن ولا بمؤمنة إلا سلمت عليه.
[98 - سورة البينة]
[98.1]
{ لم يكن الذين كفروا من } للبيان { أهل الكتب والمشركين } أي عبدة الأصنام: عطف على «أهل» { منفكين } خبر «يكن»، أي زائلين عما هم عليه { حتى تأتيهم } أي أتتهم { البينة } أي الحجة الواضحة وهي محمد صلى الله عليه وسلم.
[98.2]
{ رسول من الله } بدل من «البينة» وهو النبي صلى الله عليه وسلم { يتلوا صحفا مطهرة } من الباطل.
[98.3]
{ فيها كتب } أحكام مكتوبة { قيمة } مستقيمة، أي يتلو مضمون ذلك وهو القرآن، فمنهم من آمن به ومنهم من كفر.
[98.4]
{ وما تفرق الذين أوتوا الكتب } في الإيمان به صلى الله عليه وسلم { إلا من بعد ما جآءتهم البينة } أي هو صلى الله عليه وسلم أو القرآن الجائي به معجزة له، وقبل مجيئه صلى الله عليه وسلم كانوا مجتمعين على الإيمان به إذا جاء فحسده من كفر به منهم.
[98.5]
{ ومآ أمروا } في كتابيهم التوراة والإنجيل { إلا ليعبدوا الله } أي يعبدوه فحذفت أن وزيدت اللام { مخلصين له الدين } من الشرك { حنفآء } مستقيمين على دين إبراهيم ودين محمد إذا جاء فكيف كفروا به؟ { ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة وذلك دين } الملة { القيمة } المستقيمة.
[98.6]
{ إن الذين كفروا من أهل الكتب والمشركين فى نار جهنم خلدين فيهآ } حال مقدرة أي مقدرا خلودهم فيها من الله تعالى { أولائك هم شر البرية }.
[98.7]
{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت أولائك هم خير البرية } الخليقة.
[98.8]
{ جزآؤهم عند ربهم جنت عدن } إقامة { تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيهآ أبدا رضى الله عنهم } بطاعته { ورضوا عنه } بثوابه { ذلك لمن خشى ربه } خاف عقابه فانتهى عن معصيته تعالى.
[99 - سورة الزلزلة]
[99.1]
{ إذا زلزلت الأرض } حركت لقيام الساعة { زلزالها } تحريكها الشديد المناسب لعظمتها.
[99.2]
{ وأخرجت الأرض أثقالها } كنوزها وموتاها فألقتها على ظهرها.
[99.3]
{ وقال الإنسن } الكافر بالبعث { مالها }؟إنكارا لتلك الحالة.
[99.4]
{ يومئذ } بدل من «إذا» وجوابها { تحدث أخبارها } تخبر بما عمل عليها من خير وشر.
[99.5]
{ بأن } بسبب أن { ربك أوحى لها } أي أمرها بذلك. وفي الحديث:
" تشهد على كل عبد أو أمة بكل ما عمل على ظهرها "
[99.6]
{ يومئذ يصدر الناس } ينصرفون من موقف الحساب { أشتاتا } متفرقين فآخذ ذات اليمين إلى الجنة وآخذ ذات الشمال إلى النار { ليروا أعملهم } أي جزاءها من الجنة أو النار.
[99.7]
{ فمن يعمل مثقال ذرة } زنة نملة صغيرة { خيرا يره } يرى ثوابه.
[99.8]
{ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } يرى جزاءه.
[100 - سورة العاديات]
[100.1]
{ والعديت } الخيل تعدو في الغزو وتضبح { ضبحا } هو صوت أجوافها إذا عدت.
[100.2]
{ فالموريت } الخيل توري النار { قدحا } بحوافرها إذا سارت في الأرض ذات الحجارة بالليل.
[100.3]
{ فالمغيرت صبحا } الخيل تغير على العدو وقت الصبح بإغارة أصحابها.
[100.4]
{ فأثرن } هيجن { به } بمكان عدوهن أو بذلك الوقت { نقعا } غبارا لشدة حركتهن.
[100.5]
{ فوسطن به } بالنقع { جمعا } من العدو ، أي صرن وسطه، وعطف الفعل على الاسم لأنه في تأويل الفعل أي واللاتي عدون فأورين فأغرن.
[100.6]
{ إن الإنسن } الكافر { لربه لكنود } لكفور يجحد نعمته تعالى.
[100.7]
{ وإنه على ذلك } أي كنوده { لشهيد } يشهد على نفسه بصنعه.
[100.8]
{ وإنه لحب الخير } أي المال { لشديد } أي لشديد الحب له فيبخل به.
[100.9]
{ أفلا يعلم إذا بعثر } أثير وأخرج { ما فى القبور } من الموتى أي بعثوا.
[100.10]
{ وحصل } بين وأفرز { ما فى الصدور } القلوب من الكفر والإيمان.
[100.11]
{ إن ربهم بهم يومئذ لخبير } لعالم فيجازيهم على كفرهم. أعيد الضمير جمعا نظرا لمعنى الإنسان، وهذه الجملة دلت على مفعول «يعلم» أي إنا نجازيه وقت ما ذكر. وتعلق «خبير» ب «يومئذ» وهو تعالى خبير دائما لأنه يوم المجازاة.
[101 - سورة القارعة]
[101.1]
{ القارعة } أي القيامة التي تقرع القلوب بأهوالها.
[101.2]
{ ما القارعة } تهويل لشأنها، وهما مبتدأ وخبر: خبر القارعة.
[101.3]
{ ومآ أدراك } أعلمك { ما القارعة } زيادة تهويل لها و «ما» الأولى مبتدأ وما بعدها خبره، و «ما» الثانية وخبرها في محل المفعول الثاني لأدري.
[101.4]
{ يوم } ناصبة دل عليه القارعة، أي تقرع { يكون الناس كالفراش المبثوث } كغوغاء الجراد المنتشر يموج بعضهم في بعض للحيرة إلى أن يدعوا للحساب.
[101.5]
{ وتكون الجبال كالعهن المنفوش } كالصوف المندوف في خفة سيرها حتى تستوي مع الأرض.
[101.6]
{ فأما من ثقلت موزينه } بأن رجحت حسناته على سيئاته.
[101.7]
{ فهو فى عيشة راضية } في الجنة، أي ذات رضا بأن يرضاها أي مرضية له.
[101.8]
{ وأما من خفت موزينه } بأن رجحت سيئاته على حسناته.
[101.9]
{ فأمه } فمسكنه { هاوية }.
[101.10]
{ ومآ أدراك ما هيه } أي ما هاوية.
[101.11]
هي { نار حامية } شديدة الحرارة وهاء «هيه» للسكت تثبت وصلا ووقفا. وفي قراءة تحذف وصلا.
[102 - سورة التكاثر]
[102.1]
{ ألهكم } شغلكم عن طاعة الله { التكاثر } التفاخر بالأموال والأولاد والرجال.
[102.2]
{ حتى زرتم المقابر } بأن متم فدفنتم فيها أو عددتم الموتى تكاثرا.
[102.3]
{ كلا } ردع { سوف تعلمون }.
[102.4]
{ ثم كلا سوف تعلمون } سوء عاقبة تفاخركم عند النزع، ثم في القبر.
[102.5]
{ كلا } حقا { لو تعلمون علم اليقين } أي علما يقينا عاقبة التفاخر ما اشتغلتم به.
[102.6]
{ لترون الجحيم } النار جواب قسم محذوف. وحذف منه لام الفعل وعينه وألقيت حركتها على الراء.
[102.7]
{ ثم لترونها } تأكيد { عين اليقين } مصدر: لأن رأى وعاين، بمعنى واحد.
[102.8]
{ ثم لتسئلن } حذف منه نون الرفع لتوالي النونات وواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين { يومئذ } يوم رؤيتها { عن النعيم } ما يلتذ به في الدنيا من الصحة والفراغ والأمن والمطعم والمشرب وغير ذلك.
[103 - سورة العصر]
[103.1]
1 والعصر } الدهر، أو ما بعد الزوال إلى الغروب، أو صلاة العصر.
[103.2]
{ إن الإنسن } الجنس { لفى خسر } في تجارته.
[103.3]
{ إلا الذين ءامنوا وعملوا الصلحت } فليسوا في خسران { وتواصوا } أوصى بعضهم بعضا { بالحق } أي الإيمان { وتواصوا بالصبر } على الطاعة وعن المعصية.
[104 - سورة الهمزة]
[104.1]
{ ويل } كلمة عذاب، أو واد في جهنم { لكل همزة لمزة } أي كثير الهمز واللمز، أي الغيبة. نزلت فيمن كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كأمية بن خلف والوليد بن المغيرة وغيرهما.
[104.2]
{ الذى جمع } بالتخفيف والتشديد { مالا وعدده } أحصاه وجعله عدة لحوادث الدهر.
[104.3]
{ يحسب } لجهله { أن ماله أخلده } جعله خالدا لا يموت.
[104.4]
{ كلا } ردع { لينبذن } جواب قسم محذوف أي ليطرحن { فى الحطمة } التي تحطم كل ما ألقي فيها.
[104.5]
{ ومآ أدراك } أعلمك { ما الحطمة }.
[104.6]
{ نار الله الموقدة } المسعرة.
[104.7]
{ التى تطلع } تشرف { على الأفئدة } القلوب فتحرقها وألمها أشد من ألم غيرها للطفها.
[104.8]
{ إنها عليهم } جمع الضمير رعاية لمعنى «كل» { مؤصدة } بالهمز وبالواو بدلها مطبقة.
[104.9]
{ فى عمد } بضم الحرفين وبفتحهما { ممددة } صفة لما قبله فتكون النار داخل العمد.
[105 - سورة الفيل]
[105.1]
{ ألم تر } استفهام تعجب أي اعجب { كيف فعل ربك بأصحب الفيل } هو (محمود)، وأصحابه: أبرهة ملك اليمن وجيشه، بنى بصنعاء كنيسة ليصرف إليها الحاج عن مكة، فأحدث رجل من كنانة فيها ولطخ قبلتها بالعذرة احتقارا لها فحلف أبرهة ليهدمن الكعبة، فجاء مكة بجيشه على أفيال مقدمها (محمود) فحين توجهوا لهدم الكعبة أرسل الله تعالى عليهم ما قصه في قوله:
[105.2]
{ ألم يجعل } أي جعل { كيدهم } في هدم الكعبة { فى تضليل } خسار وهلاك؟
[105.3]
{ وأرسل عليهم طيرا أبابيل } جماعات جماعات؟ قيل لا واحد له كأساطير، وقيل واحده:أبول أو إبال أو إبيل كعجول ومفتاح وسكين.
[105.4]
{ ترميهم بحجارة من سجيل } طين مطبوخ.
[105.5]
{ فجعلهم كعصف مأكول } كورق زرع أكلته الدواب وداسته وأفنته أي أهلكهم الله تعالى كل واحد بحجره المكتوب عليه اسمه، وهو أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة. يخرق البيضة والرجل والفيل ويصل إلى الأرض. وكان هذا عام مولد النبي صلى الله عليه وسلم.
[106 - سورة قريش]
[106.1]
{ لإيلف قريش }.
[106.2]
{ إيلفهم } تأكيد وهو مصدر آلف بالمد { رحلة الشتآء } إلى اليمن { و } رحلة { الصيف } إلى الشام في كل عام يستعينون بالرحلتين للتجارة على المقام بمكة لخدمة البيت الذي هو فخرهم، وهم ولد النضر بن كنانة.
[106.3]
{ فليعبدوا } تعلق به ل «إيلاف» والفاء زائدة { رب هذا البيت }.
[106.4]
{ الذى أطعمهم من جوع } أي من أجله { وءامنهم من خوف } أي من أجله وكان يصيبهم الجوع لعدم الزرع بمكة وخافوا جيش الفيل.
[107 - سورة الماعون]
[107.1]
{ أرءيت الذى يكذب بالدين } بالجزاء والحساب، أي هل عرفته وإن لم تعرفه.
[107.2]
{ فذلك } بتقدير هو بعد الفاء { الذى يدع اليتيم } أي يدفعه بعنف عن حقه.
[107.3]
{ ولا يحض } نفسه ولا غيره { على طعام المسكين } أي إطعامه. نزلت في العاصي بن وائل أو الوليد بن المغيرة.
[107.4]
{ فويل للمصلين }.
[107.5]
{ الذين هم عن صلاتهم ساهون } غافلون يؤخرونها عن وقتها.
[107.6]
{ الذين هم يرآءون } في الصلاة وغيرها.
[107.7]
{ ويمنعون الماعون } كالإبرة والفأس والقدر والقصعة.
[108 - سورة الكوثر]
[108.1]
{ إنآ أعطينك } يا محمد { الكوثر } هو نهر في الجنة وهو حوضه ترد عليه أمته، والكوثر: الخير الكثير من النبوة والقرآن والشفاعة ونحوها.
[108.2]
{ فصل لربك } صلاة عيد النحر { وانحر } نسكك.
[108.3]
{ إن شانئك } أي مبغضك { هو الأبتر } المنقطع عن كل خير، أو المنقطع العقب. نزلت في العاصي بن وائل سمى النبي صلى الله عليه وسلم: أبتر، عند موت ابنه القاسم.
[109 - سورة الكافرون]
[109.1]
{ قل يأيها الكفرون }.
[109.2]
{ لا أعبد } في الحال { ما تعبدون } من الأصنام.
[109.3]
{ ولا أنتم عبدون } في الحال { مآ أعبد } وهو الله تعالى وحده.
[109.4]
{ ولا أنآ عابد } في الاستقبال { ما عبدتم }.
[109.5]
{ ولا أنتم عبدون } في الاستقبال { مآ أعبد } علم الله منهم أنهم لا يؤمنون، وإطلاق «ما» على الله على وجه المقابلة.
[109.6]
{ لكم دينكم } الشرك { ولى دين } الإسلام. وهذا قبل أن يؤمر بالحرب. وحذف ياء الإضافة القراء السبعة وقفا ووصلا. وأثبتها يعقوب في الحالين.
[110 - سورة النصر]
[110.1]
{ إذا جآء نصر الله } نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه { والفتح } فتح مكة.
[110.2]
{ ورأيت الناس يدخلون فى دين الله } أي الإسلام { أفواجا } جماعات بعد ما كان يدخل فيه واحد واحد، وذلك بعد فتح مكة جاءه العرب من أقطار الأرض طائعين.
[110.3]
{ فسبح بحمد ربك } أي متلبسا بحمده { واستغفره إنه كان توابا } وكان صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة يكثر من قول:
" سبحان الله وبحمده ،أستغفر الله وأتوب إليه "
، وعلم بها أنه قد اقترب أجله، وكان فتح مكة في رمضان سنة ثمان. وتوفي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة عشر.
[111 - سورة المسد]
[111.1]
{ تبت } خسرت { يدآ أبى لهب } أي جملته، وعبر عنها باليدين مجازا لأن أكثر الأفعال تزاول بهما، وهذه الجملة دعاء { وتب } خسر هو، وهذه خبر كقولهم: أهلكه الله وقد هلك . ولما خوفه النبي بالعذاب فقال: إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي منه بمالي وولدي نزل:
[111.2]
{ ما أغنى عنه ماله وما كسب } أي كسبه، أي ولده وأغنى بمعنى يغني.
[111.3]
{ سيصلى نارا ذات لهب } أي تلهب وتوقد فهي مآل تكنيته لتلهب وجهه إشراقا وحمرة.
[111.4]
{ وامرأته } عطف على ضمير «يصلى» سوغه الفصل بالمفعول وصفته، وهي أم جميل { حمالة } بالرفع والنصب { الحطب } الشوك والسعدان تلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم.p>
[111.5]
{ فى جيدها } عنقها { حبل من مسد } أي ليف. وهذه الجملة حال من «حمالة الحطب» الذي هو نعت ل«امرأته» أو خبر مبتدأ مقدر.
[112 - سورة الإخلاص]
[112.1]
{ قل هو الله أحد } فالله خبر «هو» و «أحد» بدل منه أو خبر ثان.
[112.2]
{ الله الصمد } مبتدأ وخبر: أي المقصود في الحوائج على الدوام.
[112.3]
{ لم يلد } لانتفاء مجانسته. { ولم يولد } لانتفاء الحدوث عنه.
[112.4]
{ ولم يكن له كفوا أحد } أي مكافئا ومماثلا و «له» متعلق ب «كفوا» وقدم عليه لأنه محط القصد بالنفي، وأخر «أحد» وهو اسم «يكن» عن خبرها رعاية للفاصلة.
[113 - سورة الفلق]
[113.1]
{ قل أعوذ برب الفلق } الصبح.
[113.2]
{ من شر ما خلق } من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد كالسم وغير ذلك.
[113.3]
{ ومن شر غاسق إذا وقب } أي الليل إذا أظلم، أوالقمر إذا غاب.
[113.4]
{ ومن شر النفثت } السواحر تنفث { فى العقد } التي تعقدها في الخيط تنفخ فيها بشيء تقوله من غير ريق. وقال الزمخشري معه كبنات لبيد المذكور.
[113.5]
{ ومن شر حاسد إذا حسد } أظهر حسده وعمل بمقتضاه كلبيد المذكور من اليهود الحاسدين للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الثلاثة الشامل لها «ما خلق» بعده لشدة شرها.
[114 - سورة الناس]
[114.1]
{ قل أعوذ برب الناس } خالقهم ومالكهم خصو بالذكر تشريفا لهم ومناسبة للاستفادة من شر الموسوس في صدورهم.
[114.2]
{ ملك الناس }.
[114.3]
{ إله الناس } بدلان أو صفتان أو عطفا بيان وأظهر المضاف اليه فيهما زيادة للبيان.
[114.4]
{ من شر الوسواس } أي الشيطان سمي بالحدث لكثرة ملابسته له { الخناس } لأنه يخنس ويتأخر عن القلب كلما ذكر الله.
[114.5]
{ الذي يوسوس في صدور الناس } قلوبهم إذاغفلوا عن ذكر الله.
[114.6]
{ من الجنة والناس } باين للشيطان الموسوس أنه جني أوإنسي،كقوله تعالى:
شياطين الإنس والجن
[112:6] أو من الجنة بيان له (والناس) عطف على( الوسواس) وعلى كل شمل شر لبيد وبناته المذكورين ،واعترض الأول بأن الناس لا يوسوس في صدورهم الناس إنما يوسوس في صدورهم الجن ،وأجيب بأن الناس يوسوسون أيضا بمعنى يليق بهم في الظاهر ثم تصل وسوستهم إلى القلب وتثبت فيه بالطريق المؤدي إلى ذلك والله تعالى أعلم.
অজানা পৃষ্ঠা