وما لك في غالب من خلاق
قال الزجاج: هو النصيب الوافر من الخير، وأكثر ما يستعمل في الخير، ويكون للشر على قلة.
{ شروا }: أي باعوا أنفسهم به، يقال: شرى بمعنى اشترى، وشرى بمعنى باع من الأضداد، قال الشاعر:
وشريت بردا ليتني
من بعد برد كنت هامة
{ لمثوبة }: المثوبة: الثواب والجزاء، أي لثواب وجزاء عظيم من الله تعالى على إيمانهم وتقواهم.
المعنى الإجمالي
يخبر المولى جل ثناؤه أن أحبار اليهود وعلماءهم نبذوا كتابه الذي أنزله على عبده ورسوله (موسى) عليه السلام وهو التوراة، كما نبذ أحفادهم الكتاب الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن، مع أن الرسول جاء مصدقا لما بين أيديهم من التوراة، فلا عجب أن يكون الأحفاد مثل الأجداد، في الاستكبار والعناد، فهؤلاء ورثوا عن أسلافهم البغي، والإفساد، والعناد.
لقد نبذ أولئك كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم واتبعوا طرق السحر والشعوذة التي كانت تحدثهم بها الشياطين في عهد ملك سليمان، وما كان (سليمان) عليه السلام ساحرا، ولا كفر بتعلمه السحر، ولكن الشياطين هم الذين وسوسوا إلى الإنس وأوهموهم أنهم يعلمون الغيب، وعلموهم السحر حتى فشا أمره بين الناس.
وكما اتبع رؤساء اليهود (السحر) و(الشعوذة) كذلك اتبعوا ما أنزل على الرجلين الصالحين، أو الملكين: (هاروت) و(ماروت) بمملكة بابل، فقد أنزلهما الله تعالى إلى الأرض، لتعليم السحر، ابتلاء من الله للناس، وما يعلمان السحر من أجل السحر، وإنما من أجل إبطاله، ليظهرا للناس الفرق بين (المعجزة) و(السحر)، ولله أن يبتلي عباده بما شاء، كما امتحن قوم طالوت بالنهر، وقد كثر السحر في ذلك الزمان، وأظهر السحرة أمورا غريبة وقع بسببها الشك في (النبوة)، فبعث الله تعالى الملكين لتعليم أبواب السحر، حتى يزيلا الشبه، ويميطا الأذى عن الطريق.. ومع ذلك فقد كانا يحذران الناس من تعلم السحر واستخدامه في الأذى والضرر، وكانا إذا علما أحدا قالا له: إنما هذا امتحان من الله وابتلاء فلا تكفر بسببه واتق الله فلا تستعمله في الإضرار، فمن تعلمه ليتوقى ضرره ويدفع أذاه عن الناس فقد نجا وثبت على الإيمان، ومن تعلمه معتقدا صحته ليلحق الأذى بالناس فقد ضل وكفر، فكان الناس فريقين: فريق تعلمه عن نية صالحة ليدفع ضرره عن الناس، وفريق تعلمه عن نية خبيثة ليفرق به بين الرجل وأهله، وبين الصديق وصديقه، ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس، وهؤلاء قد خسروا دنياهم وآخرتهم، لأنهم عرفوا أن من تجرد لهذه الأمور المؤذية، ما له في الآخرة من نصيب ولبئسما باعوا به أنفسهم لو كان عندهم فهم وإدراك.
অজানা পৃষ্ঠা