تَفْسِير أَسمَاء الله تَعَالَى التِّسْعَة وَالتسْعين
فَسرهَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن السّري الزّجاج ﵀ وَنور حفرته
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ الشَّيْخ أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد الْحَنْبَلِيّ ﵀ قَرَأت على أبي عَليّ الْحسن بن أَحْمد الْفَارِسِي النَّحْوِيّ ثمَّ نقلته من خطه قَالَ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن السّري الزّجاج ﵀ هَذِه تفاسير الْأَسَامِي الَّتِي رويت عَن رَسُول الله ﷺ فِي قَوْله (إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدَة) وَقد كَانَ القَاضِي إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق ﵀ طلبَهَا منا فأمليناها عَلَيْهِ ثمَّ نسخت لنا بعد
قَالَ أَبُو عَليّ وقرأتها عَلَيْهِ فِي مجْلِس وَاحِد
حَدثنَا أَبُو عَليّ قَالَ أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق قَالَ حَدثنَا صَفْوَان بن صَالح الثَّقَفِيّ قَالَ حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ حَدثنَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة قَالَ حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ (إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدَة إِنَّه
1 / 21
وتر يحب الْوتر من أحصاها دخل الْجنَّة)
فَأول مَا نفسره من ذَلِك قَوْله من أحصاها
إعلم أَن الْعَرَب تعبر عَن كَثْرَة الشَّيْء وسعته بالحصى يُقَال عِنْده حَصى من النَّاس أَي جمَاعَة وَقَالَ الشَّاعِر
(ولسنا إِذا عد الْحَصَى بأقلة ...)
وَقَالَ الْكُمَيْت
(لكم مَسْجِدا الله المزوران والحصى ... لكم قبصه من بَين أثرى وأقترا)
وَيُقَال حصيت الْحَصَى إِذا عددته وأحصيته إِذا ميزته بعضه من بعض
وَقَالَ الشَّاعِر
(ويربي على عد الرمال عديدنا ... ونحصى الْحَصَاة بل تزيد على الْعد) وإحصاء الْعد من هَذَا
1 / 22
والحصاة الْعقل أَيْضا قَالَ الشَّاعِر
(وَإِن لِسَان الْمَرْء مَا لم تكن لَهُ ... حَصَاة على عوراته لدَلِيل)
وَيُقَال أحصيت الشَّيْء إِذا أطقته واتسعت لَهُ وَقَالَ الله عز اسْمه ﴿علم أَن لن تحصوه فَتَابَ عَلَيْكُم﴾ أَرَادَ وَالله أعلم لن تطيقوه
وَقَالَ الشَّاعِر
(فأقع إِنَّك لَا تحصي بني جشم ... وَلَا تطِيق علاهم أَيَّة وقفُوا) يُرِيد لَا تطِيق بني جشم
فَيحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله ﷺ (من أحصاها) من أَكثر عَددهَا حَتَّى صَارَت حصاته لِكَثْرَة عده إِيَّاهَا
وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ من أطاقها أَي من أطَاق تمييزها وتفهمها فَحذف الْمُضَاف من قَوْله تَعَالَى ﴿علم أَن لن تحصوه﴾ الخ
1 / 23
وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ من عقلهَا وتدبر مَعَانِيهَا من الْحَصَاة الَّتِي هِيَ الْعقل وَقد تقدم ذكره
وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد مَعْنَاهُ عِنْدِي من عدهَا من الْقُرْآن لِأَن هَذِه الْأَسَامِي كلهَا مفرقة فِي الْقُرْآن فَكَأَنَّهُ أَرَادَ من تتبع جمعهَا وتأليفها من الْقُرْآن وعانى فِي جمعهَا مِنْهُ الكلفة وَالْمَشَقَّة دخل الْجنَّة
قَالَ أَبُو إِسْحَاق وَيجوز أَن يكون معنى قَوْله دخل الْجنَّة الْأَمْن من الْعَذَاب وَتَحْصِيل الثَّوَاب بِمَنْزِلَة من قد دخل الْجنَّة
وَفِي النَّاس من لَا يعد اسْم الله من هَذِه الْجُمْلَة وَيَقُول إِن هَذِه الْأَسْمَاء كلهَا مُضَافَة إِلَى الله فَكيف يعد هُوَ مِنْهَا وَمِنْهُم من يفْسد هَذَا الرَّأْي ويهجنه وَيَزْعُم أَن اسْم الله الْأَعْظَم هُوَ قَوْلنَا الله ويعدها من الْجُمْلَة وَلَا يعد مَالك الْملك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام إِلَّا اسْما وَاحِدًا
1 / 24
وَاحْتج من يَقُول إِن اسْم الله الْأَعْظَم إِمَّا الله وَإِمَّا الرَّحْمَن بقوله ﷿ ﴿قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن أيا مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى﴾
وَأما الْكَلَام فِي قَوْلنَا الله فعلى وَجْهَيْن لفظا وَمعنى أما اللَّفْظ فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَن أَصله إلاه فعال وَيُقَال بل أَصله لاه فعل
وَلَا تلْتَفت إِلَى مَا ذكره فِي كتاب الْقُرْآن فَإِن الصَّحِيح مَا ذكرهَا هُنَا
وَاخْتلفُوا فِي هَل هُوَ مُشْتَقّ أم غير مُشْتَقّ
فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه مُشْتَقّ وَذهب جمَاعَة مِمَّن يوثق بِعِلْمِهِ إِلَى أَنه غير مُشْتَقّ وعَلى هَذَا القَوْل الْمعول وَلَا تعرج على قَول من ذهب إِلَى أَنه مُشْتَقّ من وَله يوله وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَو كَانَ مِنْهُ لقيل فِي تفعل مِنْهُ توله لِأَن الْوَاو فِيهِ وَاو فِي توله وَفِي إِجْمَاعهم على أَنه تأله بِالْهَمْز مَا يبين أَنه لَيْسَ من وَله وَأنْشد أَبُو زيد لرؤية
1 / 25
(لله در الغانيات المده ... سبحن واسترجعن من تألهي)
قَالَ وَيُقَال تأله فلَان إِذا فعل فعلا يقربهُ من الْإِلَه
فَإِن قَالَ قَائِل مَا أنْكرت أَنه من بَاب وَله وَإِنَّمَا قلب على حد أحد وأناة مَا وجد عَنهُ مندوحة لقلَّة ذَلِك وشذوذه عَن الْقيَاس
وَمعنى قَوْلنَا إلاه إِنَّمَا هُوَ الَّذِي يسْتَحق الْعِبَادَة وَهُوَ تَعَالَى الْمُسْتَحق لَهَا دون من سواهُ
وَأَنا أذكر كل هَذِه الْأَسْمَاء على مَا جَاءَت بِهِ الرِّوَايَة الَّتِي قدمنَا ذكرهَا وأفسرها على مَا يبلغهُ علمنَا وتتسع لَهُ معرفتنا وَالله نسْأَل الْعِصْمَة والتوفيق لما يقربنا مِنْهُ قولا وفعلا إِنَّه على مَا يَشَاء قدير
هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم الْملك القدوس السَّلَام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار المتكبر الْخَالِق البارئ المصور الْغفار القهار الْوَهَّاب الرَّزَّاق
1 / 26
الفتاح الْعَلِيم الْقَابِض الباسط الْخَافِض الرافع الْمعز المذل السَّمِيع الْبَصِير الحكم الْعدْل اللَّطِيف الْخَبِير الْحَلِيم الْعَظِيم الغفور الشكُور الْعلي الْكَبِير الحفيظ المقيت الحسيب الْجَلِيل الْكَرِيم الرَّقِيب الْمُجيب الْوَاسِع الْحَكِيم الْوَدُود الْمجِيد الْبَاعِث الشَّهِيد الْحق الْوَكِيل الْقوي المتين الْوَلِيّ الحميد المحصي المبدي المعيد المحيي المميت الْحَيّ القيوم الْوَاجِد الْمَاجِد الْوَاحِد الْأَحَد الصَّمد الْقَادِر المقتدر الْمُقدم الْمُؤخر الأول الآخر الظَّاهِر الْبَاطِن الْوَالِي المتعالي الْبر التواب المنتقم الْعَفو الرؤوف مَالك الْملك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام المقسط الْجَامِع الْغَنِيّ الْمُغنِي الْمَانِع الضار النافع النُّور الْهَادِي البديع الْبَاقِي الْوَارِث الرشيد الصبور
فقد عددنا الْأَسْمَاء كلهَا على مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَر الَّذِي قدمْنَاهُ وَمر الْكَلَام مِنْهَا فِي قَوْلنَا الله
1 / 27
فَأَما الرَّحْمَن والرحيم فهما اسمان رقيقان وَأَحَدهمَا أرق من الآخر
٢ - الرَّحْمَن يخْتَص بِاللَّه ﷾ وَلَا يجوز إِطْلَاقه فِي غَيره
وَقَالَ بعض أهل التَّفْسِير الرَّحْمَن الَّذِي رحم كَافَّة خلقه بِأَن خلقهمْ وأوسع عَلَيْهِم فِي رزقهم
٣ - والرحيم خَاص فِي رَحمته لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ بِأَن هدَاهُم إِلَى الْإِيمَان وَهُوَ يثيبهم فِي الْآخِرَة الثَّوَاب الدَّائِم الَّذِي لَا يَنْقَطِع
1 / 28
وَقد قَالُوا رحمان الْيَمَامَة وَإِنَّمَا قيل لَهُ ذَلِك على جِهَة الِاسْتِهْزَاء بِهِ والتهكم
فَأَما الْفَائِدَة فِي إِعَادَة هَاتين اللفطتين مَعَ الِاشْتِقَاق وَاللَّفْظ وَاحِد فَهِيَ لما ذَكرْنَاهُ من تزايد معنى فعلان فِي رحمان وعمومه فِي الْخلق كلهم أَلا ترى أَن بِنَاء فعلان إِنَّمَا هُوَ لمبالغة الْوَصْف
يُقَال فلَان غَضْبَان وإناء ملآن وَإِنَّمَا هُوَ للممتلى غَضبا وَمَاء فَلهَذَا حسن الْجمع بَينهمَا
وَفِيه وَجه آخر وَهُوَ أَنه إِنَّمَا حسن ذَلِك لما فِي التَّأْكِيد من التكرير
وَقد جَاءَ مثله فِي الْقُرْآن قَالَ الله عز اسْمه ﴿فغشيهم من اليم مَا غشيهم﴾ وَلَو قَالَ فغشيهم مَا غشي لَكَانَ الْكَلَام مُسْتَقِيمًا
وَكَذَلِكَ قَوْلهم المَال بيني وَبَين زيد وَبَين زيد وَبَين عَمْرو وَلَو قَالَ بَين زيد وَعَمْرو لَكَانَ مفهوما وَقَالَ بَين الْأَشَج وَبَين قيس باذخ بخ بخ لوالده وللمولود
وَقَالُوا فِي الْكَلَام هُوَ جاد مجد وَمثله كثير
1 / 29
٤ - الْملك أصل الْملك فِي الْكَلَام الرَّبْط والشد يُقَال ملكت الْعَجِين أملكهُ ملكا إِذا شددت عجنه وَيُقَال أملكوا الْعَجِين فَإِنَّهُ أحد الريعين
وإملاك الْمَرْأَة من هَذَا إِنَّمَا هُوَ ربطها بِالزَّوْجِ
وَقَالَ أَصْحَاب الْمعَانِي الْملك النَّافِذ الْأَمر فِي ملكه إِذْ لَيْسَ كل مَالك ينفذ أمره وتصرفه فِيمَا يملكهُ فالملك أَعم من الْمَالِك وَالله تَعَالَى مَالك المالكين كلهم والملاك إِنَّمَا استفادوا التَّصَرُّف فِي أملاكهم من جِهَته تَعَالَى
٥ - القدوس يُقَال قدوس وقدوس وَالضَّم أَكثر وَفِي التَّفْسِير إِنَّه الْمُبَارك فِي قَوْله تَعَالَى
﴿ادخُلُوا الأَرْض المقدسة الَّتِي كتب الله لكم﴾ وَقد قيل أَيْضا إِنَّه هُنَا المطهرة وَالتَّقْدِيس التَّطْهِير وَقيل للسطل قدس لِأَنَّهُ يتَطَهَّر فِيهِ
وَمثله قَوْلهم للسطيحة مطهرة لأَنهم كَانُوا يتطهرون مِنْهَا
وَقَالَ لي بَعضهم إِن أصل الْكَلِمَة سرياني وَإنَّهُ فِي الأَصْل قدشا وهم يَقُولُونَ فِي دعواتهم قديش قديش فأعربته الْعَرَب قَالَت قدوس
٦ - السَّلَام قَالَ أهل اللُّغَة يُقَال سلمت على فلَان تَسْلِيمًا
1 / 30
وَسلَامًا وَقَالَ بَعضهم فِي قَول الله ﷿ ﴿وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما﴾ أَرَادَ وَالله أعلم تسلما مِنْهُ وَبَرَاءَة
وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد معنى وَصفنَا الله تَعَالَى بِأَنَّهُ السَّلَام مِنْهُ وَإِنَّمَا تَأَول قَوْلهم سلم الله على فلَان وَسَلام الله عَلَيْهِ
وَقَالَ النمر بن تولب
(سَلام الْإِلَه وريحانه ... وَرَحمته وسماء دُرَر)
وَيُقَال السَّلَام هُوَ الَّذِي سلم من عَذَابه من لَا يسْتَحقّهُ
٧ - الْمُؤمن أصل الْإِيمَان التَّصْدِيق والثقة وَقَالَ الله عز قَائِلا ﴿وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا﴾ أَي لفرط محبتك ليوسف لَا تصدقنا
وَيُقَال إِنَّمَا سمى الله نَفسه مُؤمنا لِأَنَّهُ شهد بوحدانيته فَقَالَ تَعَالَى ﴿شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ﴾ كَمَا شَهِدنَا نَحن
وَحكى أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ مَا آمَنت أَن أجد صحابة أومن إِيمَانًا أَي مَا وثقت
1 / 31
فَمَعْنَى الْمُؤمن إِذا وَصفنَا بِهِ المخلوقين هُوَ الواثق بِمَا يَعْتَقِدهُ المستحكم الثِّقَة
وَيُقَال إِنَّه فِي وصف الله تَعَالَى يُفِيد أَنه الَّذِي أَمن من عَذَابه من لَا يسْتَحقّهُ
٨ - الْمُهَيْمِن فسر الْقُرْآن على أوجه كَثِيرَة يُقَال إِنَّه الشَّاهِد تَقول فلَان مهيمنى على فلَان إِذا كَانَ شَاهِدي عَلَيْهِ
وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد تخاصم أَعْرَابِيَّانِ إِلَى عمَارَة بن عقيل بن بِلَال بن جرير فِي بعض الْأَمر فَقَالَ لأَحَدهمَا أَلَك مهيمن فَقَالَ مهيمني حِجَارَة اللابة
وَقَالَ الشَّاعِر
(وَلَا تدخر قولا فَأَنت الْمُهَيْمِن ...)
وَيُقَال إِن الْمُهَيْمِن الرَّقِيب الْحَافِظ وَيُقَال بل الْمُهَيْمِن أَصله المؤيمن فأبدلت الْهمزَة هَاء كَمَا قَالُوا هرقت المَاء وأرقته وهنرت الثَّوْب وأنرته وهرحت الدَّابَّة وأرحتها وهياك وَإِيَّاك
وَقَالَ الراجز
(إياك أَن تمنى بشعشعان ...)
وَقَالُوا هَذَا الَّذِي فعل وأذا الَّذِي فعل
1 / 32
وَقَالَ الْقَائِل
(وَأتوا صواحبها فَقُلْنَ أذا الَّذِي ... منح الْمَوَدَّة غَيرنَا وجفانا)
وَقَالَ بَعضهم الْمُهَيْمِن اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى وَهُوَ غير مُشْتَقّ
وَقَالَ النمر بن تولب
(جَزَاك الْمُهَيْمِن دَار الْجنان ... ولقاك مني الْجَزَاء المجيدا)
٩ - الْعَزِيز أصل ع ز ز فِي الْكَلَام الْغَلَبَة والشدة وَيُقَال عزني فلَان على الْأَمر إِذا غلبني عَلَيْهِ
وَقَالَ الله تَعَالَى ذكره ﴿فعززنا بثالث﴾ أَرَادَ وَالله أعلم قوينا أمره وشددناه وَقَالَ تَعَالَى ﴿وعزني فِي الْخطاب﴾ أَرَادَ غلبني
وَقَالَ جرير
(يعز على الطَّرِيق بمنكبيه ... كَمَا ابترك الخليع على القداح)
1 / 33
وَيُقَال عزه يعزه وَالله تَعَالَى هُوَ الْغَالِب كل شَيْء فَهُوَ الْعَزِيز الَّذِي ذل لعزته كل عَزِيز
وَقَالَ أَبُو كَبِير الْهُذلِيّ وَوصف عقَابا واعتظلت فِي جبل
(حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى فرَاش عزيزة ... سَوْدَاء رَوْثَة أنفها كالمخصف)
١٠ - الْجَبَّار أصل جبر فِي الْكَلَام إِنَّمَا وضع للنماء والعلو وَيُقَال جبر الله الْعظم إِذا نماه وَقَالَ العجاج
(قد جبر الدّين الْإِلَه فجبر ...)
وَيُقَال نَخْلَة جبارَة إِذا فَاتَت الْيَد وفواتها الْيَد علو وَزِيَادَة
وَقَالَ الشَّاعِر
(طَرِيق وجبار رواء أُصُوله ... عَلَيْهِ أبابيل من الطير تنعب)
1 / 34
وَالله تَعَالَى عَال على خلقه بصفاته الْعَالِيَة وآياته الْقَاهِرَة وَهُوَ الْمُسْتَحق للعلو والجبروت تَعَالَى
١١ - المتكبر هُوَ متفعل من الْكبر وأصل تفعل فِي الْكَلَام مَوْضُوع لمن تعاطى الشَّيْء وَلَيْسَ هُوَ من أَهله يُقَال تحلم فلَان وتعظم وَقَالَ
(تحلم عَن الأدنين واستبق ودهم ... وَلنْ تَسْتَطِيع الْحلم حَتَّى تحلما)
يَقُول لَا تبلغ فِيهِ مبلغا رَضِيا حَتَّى تتعاطاه وَلَا مُسْتَحقّ لصفة الْكبر والتكبر إِلَّا الله سُبْحَانَهُ كَمَا رُوِيَ عَن رَسُول الله ﷺ حاكيا عَن ربه
أَنه قَالَ سُبْحَانَهُ ﴿الْكِبْرِيَاء رِدَائي فَمن نَازَعَنِي رِدَائي قصمته﴾
١٢ - الْخَالِق أصل الْخلق فِي الْكَلَام التَّقْدِير يُقَال خلقت الشَّيْء خلقا إِذا قدرته وَقَالَ زُهَيْر يمدح رجلا
1 / 35
ولأنت تفري مَا خلقت وَبَعض الْقَوْم يخلق ثمَّ لَا يفري
يَقُول أَنْت إِذا قدرت أَمرك قطعته أَي تتمّ على عزمك فِيهِ وتمضيه وَلست مِمَّن يشرع فِي الْأَمر ثمَّ يَبْدُو لَهُ فيتركه
وَقَالَ الْحجَّاج وَإِنَّمَا احتججنا بِكَلَامِهِ لِأَنَّهُ كَانَ بَقِيَّة الفصاحة
إِنِّي لَا أخلق إِلَّا فريت تمدح بِهَذَا الْمَعْنى الَّذِي ذَكرْنَاهُ
وَقَالَ الله تَعَالَى ذكره ﴿وتخلقون إفكا﴾ أَي تقدرونه وتهيئونه
وَمِنْه قَوْلهم حَدِيث مختلق يُرَاد أَنه قدر تَقْدِير الصدْق وَهُوَ كذب
فالخلق فِي اسْم الله تَعَالَى هُوَ ابْتِدَاء تَقْدِير النشء
1 / 36
فَالله تَعَالَى خَالِقهَا ومنشئها وَهُوَ متممها ومدبرها ﴿فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ﴾
١٣ - البارئ يُقَال برأَ الله الْخلق فَهُوَ يبرؤهم برءا إِذا فطرهم
والبرء خلق على صفة فَكل مبروء مَخْلُوق وَلَيْسَ كل مَخْلُوق مبروءا وَذَلِكَ لِأَن الْبُرْء من تبرئة الشَّيْء من الشَّيْء من قَوْلهم برأت من الْمَرَض وبرئت من الدّين أَبْرَأ مِنْهُ فبعض الْخلق إِذا فصل من بعض سمي فاعلة بارئا وَفِي الْأَيْمَان ﴿لَا وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة﴾
وَقَالَ أَبُو عَليّ هُوَ الْمَعْنى الَّذِي بِهِ انفصلت الصُّور بَعْضهَا من بعض فصورة زيد مُفَارقَة لصورة عَمْرو وَصُورَة حمَار مُفَارقَة لصورة فرس فَتَبَارَكَ الله خَالِقًا وبارئا
١٤ - المصور هُوَ مفعل من الصُّورَة وَهُوَ تَعَالَى مُصَور كل صُورَة لَا على مِثَال احتذاه وَلَا رسم ارتسمه تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا
١٥ - الْغفار أصل الغفر فِي الْكَلَام السّتْر والتغطية يُقَال اصبغ ثَوْبك فَهُوَ أَغفر للوسخ أَي أحمل لَهُ وأستر
1 / 37
وَمعنى الغفر فِي الله سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يستر ذنُوب عباده ويغطيهم بستره كَمَا جَاءَ فِي الدُّعَاء يَا ستار استرنا بسترك الْحسن الْجَمِيل
وكما جَاءَ فِي الْخَبَر الْمَأْثُور عَن رَسُول الله ﷺ أَنه كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ لاتهتك أستارنا وَلَا تبل أخبارنا وَلَا تكلنا إِلَى أَنْفُسنَا طرفَة عين
١٦ - القهار الْقَهْر فِي وضع الْعَرَبيَّة الرياضة والتذليل يُقَال قهر فلَان النَّاقة إِذا راضها وذللها وَأنْشد أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ
(عواص مراحا لم يدن لقاهر ...)
وَالله تَعَالَى قهر المعاندين بِمَا أَقَامَ من الْآيَات والدلالات على وحدانيته وقهر جبابرة خلقه بعز سُلْطَانه وقهر الْخلق كلهم بِالْمَوْتِ
١٧ - الْوَهَّاب هُوَ فعال من قَوْلك وهبت أهب هبة وَالْهِبَة تمْلِيك الشَّيْء بِلَا مثل والمثل فِي الشَّرْع على وَجْهَيْن قيمَة وَثمن وَالله تَعَالَى وهاب الهبات كلهَا
١٨ - الرَّزَّاق الرزق إِبَاحَة الِانْتِفَاع بالشَّيْء على وَجه يحسن ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَمن رزقناه منا رزقا حسنا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ سرا وجهرا﴾ وَالله تَعَالَى هُوَ الرَّزَّاق وَهُوَ الرازق
1 / 38
١٩ - الفتاح هُوَ من قَوْلك فتحت الْبَاب أفتحه فتحا ثمَّ كثر واتسع فِيهِ حَتَّى سمي الْحَاكِم فاتحا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يفتح المستغلق بَين الْخَصْمَيْنِ وأنشدوا
(أَلا أبلغ بني عَمْرو رَسُولا ... فَإِنِّي عَن فتاحتكم غَنِي)
وَالله تَعَالَى ذكره فتح بَين الْحق وَالْبَاطِل فأوضح الْحق وَبَينه وأدحض الْبَاطِل وأبطله فَهُوَ الفتاح
٢٠ - الْعَلِيم الْعَلِيم والعالم بِمَعْنى وَاحِد وفعيل وفاعل يَشْتَرِكَانِ فِي كثير من الصِّفَات
قَالُوا ضريب وضارب وعريف وعارف وأنشدوا
(أَو كلما وَردت عكاظ قَبيلَة ... بعثوا إِلَيّ عريفهم يتوسم)
1 / 39
وَحسن الْإِعَادَة لاخْتِلَاف معنييهما لِأَن الْعَلِيم فِيهِ صفة زَائِدَة على مَا فِي الْعَالم
وَحكي عَن قطرب أَن قَوْلنَا عليم فِي اسْم الله تَعَالَى يُفِيد الْعلم بالغيوب فَفِي إِعَادَة اللَّفْظَيْنِ الْآن معنى حسن
٢١ - ٢٢ الْقَابِض الباسط الْأَدَب فِي هذَيْن الاسمين أَن يذكرَا مَعًا لِأَن تَمام الْقُدْرَة بذكرهما مَعًا أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت إِلَى فلَان قبض أَمْرِي وَبسطه دلا بمجموعها أَنَّك تُرِيدُ أَن جَمِيع أَمرك إِلَيْهِ
وَتقول لَيْسَ إِلَيْك من أَمْرِي بسط وَلَا قبض وَلَا حل وَلَا عقد أَرَادَ لَيْسَ إِلَيْك مِنْهُ شَيْء وَقَالَ الشَّاعِر
(مَتى لَا مَتى أدركتم لَا أبالكم ... بِأَيْدِيكُمْ اللَّذَّات بسطي أَو قبضي)
٢٣ - الْخَافِض الْخَفْض ضد الِارْتفَاع وَتقول فلَان فِي خفض من الْعَيْش أَي فِي دعة ولين وطمأنينة وَقَالَ أَبُو عَليّ هُوَ ضد قَوْلهم هُوَ فِي عَيْش رتب لِأَن من هُوَ فِي ارْتِفَاع ونشز من الأَرْض لَا يطمئن من هُوَ فِي وهدة ودعة وَهُوَ الله ﷾ يخْفض من اسْتحق الْخَفْض من أعدائه وَيرْفَع من اسْتحق الرّفْع من أوليائه وكل ذَلِك حِكْمَة مِنْهُ وصواب
1 / 40