أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون
[الواقعة: 63-64]. صحيح أن الإنسان يقوم بحرث الأرض ورمي البذرة، وربما تعهد الزرع بالعناية والري، ولكن ليس في كل ما يفعله مهمة خلق، بل إن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء، ولو كنت تزرع بقدرتك فأت ببذرة من غير خلق الله، وأرض لم يخلقها الله، وماء لم ينزله الله من السماء. وطبعا لن تستطيع، ولكن ما هو مصدر الأشياء التي استحدثت؟ نقول: إن هناك فرقا بين وجود الشيء بالقوة ووجوده بالفعل.. فالنخلة مثلا حين كانت موجودة بالقوة، كانت نواة، ثم زرعت فأصبحت موجودة بالفعل. وأنت لا عمل لك في الحالتين فلا أنت بقوتك خلقت النواة - التي هي البذرة - ولا أنت بفعلك جعلت النواة تكبر لتصير نخلة بالفعل. على أن هناك أشياء مطمورة في الكون خلقها الله سبحانه وتعالى مع بداية الخلق، ثم تركها مطمورة في الكون حتى كشفها الله لمن يبحث عن أسراره في كونه. وكل كشف له ميلاد. إذا أخذنا مثلا ما تحت الثرى، أو الكنوز الموجودة تحت سطح الأرض. لقد ظلت مطمورة حتى هدى الله الإنسان إليها، وعلمه كيف يستخرجها. فالإنسان لم يخترع مثلا أو يوجد البترول أو المعادن. ولكنها كلها كانت مطمورة في الكون حتى جاء الوقت الذي يجب أن تؤدي فيه دورها في الحياة. فدلنا الحق عليها، فليس معنى أن الشيء كان غائبا عنا أنه لم يكن موجودا، أو أنه وجد لحظة اكتشافنا له. فالشيء الحادث الآن، والشيء الذي سيحدث بعد سنوات.. خلق الله سبحانه وتعالى كل عناصره، وأودعها في الأرض لحظة الخلق. والإنسان بما يكشف الله له من علم يستطيع تركيب هذه العناصر، ولكنه لا يستطيع خلقها أو إيجادها. والحق سبحانه وتعالى يقول: { ثم استوى إلى السمآء.. } [البقرة: 29]. حينما يقول الله جل جلاله: " استوى ".. يجب أن نفهم كل شيء متعلق بذات الله على أنه سبحانه ليس كمثله شيء. فالله استوى، والملوك تستوي على عروشها، وأنت تستوي على كرسيك. ولكن لأننا محكومون بقضية
ليس كمثله شيء..
[الشورى: 11]. لابد أن نعرف أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، والله حي، وأنت حي، هل حياتك كحياته؟ والله سبحانه وتعالى يعلم وأنت لا تعلم. هل علمك كعلمه؟ والله سبحانه وتعالى يقدر. وأنت تقدر. هل قدرتك كقدرته، طبعا لا. فعندما تأتي إلى " استوى " فلا تحاول أن تفهمها أبدا بالمفهوم البشري.. فالله سبحانه وتعالى يعلم ما في الأرض وما في السماء. وهو سبحانه يعلم المكان بكل ذراته، والموجودين في هذا المكان أو المكين بكل ذراته. وأنت تعرف ظاهر الأمر.. والله سبحانه وتعالى يعلم غيب السماوات والأرض حتى يوم القيامة، وبعد يوم القيامة. إذن: فهو جل جلاله ليس كمثله شيء. ولا يمكن أن تحيط أنت بعقلك بفعل يتعلق بذات الله سبحانه وتعالى. فعقلك قاصر عن أن يدرك ذلك. لذلك قل: سبحان الله. ليس كمثله شيء في كل فعل يتصل بذات الله: " استوى إلى السماء " هذا الكلام هو كلام الله. فالمتحدث هو الله عز وجل. بعض الناس يقولون: تلقينا القرآن وحفظناه. نقول لهم: إن الذي حفظ القرآن هو الله سبحانه وتعالى. وما دام قد حفظ كلامه فهو جل جلاله يعلم أن الوجود كله لن يتعارض مع القرآن الكريم.. والله سبحانه وتعالى حفظ القرآن ليكون حجة له على الناس. وما دام الله جل جلاله هو الخالق، وهو القائل، فلا توجد حقيقة في الكون كله تتصادم مع القرآن الكريم.. واقرأ قوله سبحانه وتعالى:
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
[الحجر: 9]. وهذا من عظمة الله أن حفظ كلامه ليكون حجة على الناس، والله سبحانه وتعالى وجدت صفاته قبل أن توجد متعلقات هذه الصفات، فهو جل جلاله خلق لأنه خالق. كأن صفة الخلق وجدت أولا وإلا كيف خلق أول خلقه، إن لم يكن سبحانه وتعالى خالقا؟ والله سبحانه وتعالى رزاق قبل أن يوجد من يرزقه. وإلا فبأي قدرة رزق الله أول خلقه؟ والله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون بكمال صفاته. وشهد أنه لا إله إلا هو قبل أن يشهد أي من خلق الله أنه لا إله إلا الله. واقرأ قوله تعالى:
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قآئما بالقسط..
[آل عمران: 18]. فالله سبحانه وتعالى شهد أنه لا إله إلا هو قبل أن يوجد أحد من خلقه يشهد بوحدانية ألوهيته، شهد أنه لا إله إلا هو قبل أن يخلق الملائكة ليشهدوا شهادة مشهد بأنه لا إله إلا الله، وأولو العلم شهادة علم. فكأن شهادة الذات للذات في قوله تعالى " شهد الله أنه لا إله إلا هو " هي التي يعتد بها، وهي أقوى الشهادات فالله ليس محتاجا من خلقه إلى امتداد الشهادة. الله سبحانه وتعالى بعد أن خلق الأرض وخلق السماء واستتب له الأمر. قال " وهو بكل شيء عليم " أي: لا تغيب ذرة من ملكه عن علمه. فهو عليم بكل ذرات الأرض وكل ذرات الناس، وكل ذرات الكون، والكون كله لا يفعل إلا بإذنه ومراده. واقرأ قوله تعالى:
يبني إنهآ إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير
[لقمان: 16].
অজানা পৃষ্ঠা