226

، فهذا هو الدعاء، ومضمون ذلك الدعاء هو " اعبدوا الله ". " انظروا في السماوات والأرض " ، " افعلوا كذا من أوامر وانتهوا عن تلك النواهي " ، هذا ما يريده الرسول. إذن فالرسول يشترك مع الراعي في الدعاء والنداء، وهم اشتركوا مع المرعي في أنهم لم يفهموا إلا الدعاء والنداء فقط، وفي الاستجابة هم { صم بكم عمي } [البقرة: 171]، فالمدعو به لم يسمعوه، وكأنهم اشتركوا مع الحيوان في أنهم لا يستمعون إلا للدعاء والنداء، إنما المدعو به ومضمون النداء هم لا يعقلونه ولا يفهمونه. وبكم لا ينطقون بمطلوب الدعوة وهو " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " ، وليس عندهم عقل يدير حركة العيون لينظروا في ملكوت السماوات والأرض ليظهر لهم وجه الحق في هذه المسألة. إذن، فمثل الذين كفروا بالرسول كمثل الماشية مع الراعي، فهم لا يسمعون إلا مجرد الدعاء، كما أن الماشية تسمع الراعي ولا تعقل، مع الفارق لأن الدواب ليس مطلوبا منها أن ترد على من يناديها. ولا تسمع غير ذلك من المدعو به لذا كان الكافرون شر الدواب. وقول الحق: " صم " أي مصابون بالصمم وهو آفة تمنع الأذن من أداء مهمتها. و " بكم " أي مصابون بآفة تصيب اللسان فتمنعه من أداء مهمته، إلا أن السبب في الصمم سبب إيجابي، لأن هناك شيئا قد سد منفذ السمع فلا تسمع، وبسبب الصمم فهم بكم، والبكم هو عجز اللسان عن الكلام، لأن الإنسان إن لم يسمع فهو لن يتكلم.

ولذلك فإن الإنسان إذا وجد في بيئة عربية فهو يتكلم اللغة العربية، وإذا نشأ الإنسان في بيئة إنجليزية فهو يتكلم لغة إنجليزية. وهب أنك قد نشأت في بيئة تتكلم العربية ثم لم تسمع كلمة من كلماتها هل تتكلم بها؟، إذن: فاللسان ينطق بما تسمعه الأذن، فإذا لم تسمع الأذن لا يتكلم اللسان. والصمم يسبق البكم، ولذلك فالبكم هو آفة سلبية، وتجد أن اللسان يتحرك ويصوت أصواتا لا مدلول لها ولا مفهوم. فهل نفهم من قوله تعالى عنهم: " صم " أنهم مصابون بالصمم؟.. لا، إن الحق يقول: لقد جعلت الأذن لتسمع السماع المفيد فكأنها معطلة لا تسمع شيئا. وكذلك اللسان أوجدته ليتكلم الكلام المفيد، بحيث من لا يتكلم به كأنه أبكم، والعقل أوجدته ليفكر به فإذا لم يفكر تفكيرا سليما منطقيا، فكأن صاحبه لا عقل له. فالأصم حقيقة خير من الذي يملك حاسة السمع ولا يفهم بها، لأن الأصم له عذره، والأبكم كذلك، والمجنون أيضا له عذره، فليت هؤلاء الكفار كانوا كذلك، لقد صموا آذانهم عن سماع الدعوة، وهم بكم عن النطق بما ينجيهم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهم عمي عن النظر في آيات الكون، فلو أن عندهم بصرا لنظروا في الكون كما قال الله تعالى:

إن في خلق السماوات والأرض واختلاف اليل والنهار لآيات لأولي الألباب

[آل عمران: 190]. فلو أنهم نظروا في خلق السماوات والأرض لاهتدوا بفطرتهم إلى أن لهذا الوجود المتقن المحكم صانعا قد صنعه، لكنهم لا يعقلون، لأن عملية العقل تنشأ بعد أن تسمع، وبعد اكتمال الحواس، ولذلك فالإنسان في تكوينه الأول حركي حسي، يرى ويسمع ويتذوق ثم تتكون عنده من بعد ذلك القضايا العقلية. ويقول الحق بعد ذلك: { يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم... }.

[2.172]

وهذا خطاب من الله للذين آمنوا بأن يأكلوا من الطيبات، وقد سبق في الآية 168 خطاب مماثل في الموضوع نفسه ولكن للناس جميعا وهو قوله تعالى:

يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا

[البقرة: 168]. وقلنا: إن الحق سبحانه وتعالى ساعة يخاطب الناس جميعا، فهو يلفتهم إلى قضية الإيمان، ولكن حين يخاطب المؤمنين فهو يعطيهم أحكام الإيمان ، فالله لا يكلف بحكم إلا من آمن به، أما من لم يؤمن به، فلا يكلفه بأي حكم، لأن الإيمان التزام. وما دمت قد التزمت بأنه إله حكيم فخذ منه أحكام دينك. وعدل الله اقتضى ألا يكلف إلا من يؤمن، وهذا على خلاف مألوف البشر، لأن تكليفات القادة من البشر للبشر تكون لمن يرضى بقيادتهم ومن لم يرض، وإذا كان للقائد من البشر قوة، فإنه يستخدمها لإرغام من يوجدون تحت ولايته على تنفيذ ما يقول. وخطاب الله للمؤمنين هنا جاء بقوله: { كلوا من طيبات ما رزقناكم } [البقرة: 172]، ذلك أن المؤمن يتقين تماما بأن الله هو الخالق وهو الذي يرزق. ويذيل الآية الكريمة بقوله: { واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } [البقرة: 172]، فشكر العبد المؤمن للرب الخالق واجب، ما دام العبد المؤمن يختص الله بالعبادة. ويقول الحق بعد ذلك: { إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أهل به لغير الله... }.

[2.173]

ونجد أن استخدام " الموت " يأتي في كلمات منوعة، ففيه: " ميت " و " ميتة " ، و " ميتة " ومثال ذلك ما يقوله الحق:

অজানা পৃষ্ঠা