قالت يأيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم
[النمل: 29] كل التفاصيل حذفت من أن الهدهد أخذ الكتاب وطار إلى ملكة سبأ وألقى الكتاب أمام عرشها.. والتقطت بلقيس ملكة سبأ الكتاب وقرأته، ودعت قومها وبدأت تروي إليهم قصة الكتاب.. كل هذا حذف لأنه مفهوم. قال موسى: يا رب اسق قومي.. والله سبحانه وتعالى قال له: إن أردت الماء لقومك.. كل هذا محذوف.. وتأتي الآية الكريمة: { فقلنا اضرب بعصاك الحجر } [البقرة: 60]. { اضرب بعصاك الحجر } [البقرة: 60] لنا معها وقفة.. الإنسان حين يستسقي الله.. يطلب منه أن ينزل عليه مطرا من السماء، والحق تبارك وتعالى كان قادرا على أن ينزل على بني إسرائيل مطرا من السماء. ولكن الله جل جلاله أراد المعجزة.. فقال سأمدكم بماء ولكن من جنس ما منعكم الماء وهو الحجر الموجود تحت أرجلكم.. لن أعطيكم ماء من السماء.. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يري بني إسرائيل مدى الإعجاز .. فأعطاهم الماء من الحجر الذي تحت أرجلهم. ولكن من الذي يتأثر بالضرب: الحجر أم العصا؟.. العصا هي التي تتأثر وتتحطم والحجر لا يحدث فيه شيء.. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد بضربة واحدة من العصا أن ينفلق الحجر.. ولذلك يقول الشاعر:
أيا هازئا من صنوف القدر
بنفسك تعنف لا بالقدر
ويا ضاربا صخرة بالعصا
ضربت العصا أم ضربت الحجر
إن انفجار الماء من ضربة العصا دليل على أن العصا أشارت فقط إلى الصخرة فتفجر منها الماء.. وحتى لو كانت العصا من حديد.. هل تكون قادرة على أن تجعل الماء ينبع من الحجر؟ فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه كان من الممكن أن ينزل الماء من السماء.. ولكن الله أرادها نعمة مركبة.. ليعلموا أنه يستطيع أن يأتي الماء من الحجر الصلب.. وأن نبع الماء من متعلقات " كن ". هنا لابد أن ننظر إلى تعنت بني إسرائيل قالوا لموسى هب أننا في مكان لا حجر فيه. من أين ينبع الماء؟.. لابد أن نأخذ معنا الحجر حتى إذا عطشنا نضرب الحجر بالعصا.. ونسوا أن هناك ما يتم بالأسباب وما يتم بكلمة " كن " ، ولذلك تجد مثلا كبار الأطباء يحتارون في علاج مريض.. ثم يشفى على يد طبيب ناشىء حديث التخرج.. هل هذا الطبيب الناشىء يعرف أكثر من أساتذته الذين علموه؟.. الجواب طبعا لا. إن التلميذ لا يتفوق على أستاذه الذي علمه فليس العلاج بالأسباب وحدها ولكن بقدرة المسبب.. ولذلك جاء موعد الشفاء على يد هذا الطبيب الناشىء، فكشف الله له الداء وألهمه الدواء. يقول الحق سبحانه وتعالى: { فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا } [البقرة: 60] لماذا اثنتا عشرة عينا. لأن اليهود كانوا يعيشون حياة انعزال. كل مجموعة منهم كانت تسمى " سبطا " لها شيخ مثل شيخ القبيلة.. والحق تبارك وتعالى يقول: { قد علم كل أناس مشربهم } [البقرة: 60] أي كل سبط أو مجموعة ذهبت لمشرب.. نبعت العيون من الحجر وامتدت متشعبة إلى الأسباط جميعا كل في مكانه.. فإذا ما أخذوا حاجتهم ضرب موسى الحجر فيجف. ولذلك نعرف أن الحجر كان يعطيهم الماء على قدر الحاجة وكانت الجهة السفلى من الحجر الملامسة للأرض.. والجهة العليا التي ضرب عليها بالعصا لم ينبع منهما شيء، أما باقي الجهات الأربع فقد نبع منها كل منها ثلاثة ينابيع. وهناك شيء في اللغة يسمونه اللفظ المشترك.. وهو الذي يستخدم في معان متعددة.. فإذا قلت سقى القوم دوابهم من العين.. العين هنا عين الماء، وإذا قلت أرسل الأمير عيونه في المدينة يعني أرسل جنوده.. وإذا قلت اشتريته بعين أي بذهب.. وإذا قلت نظر إلي بعينه شذرا أي ببصره.. إذن كلمة عين تستخدم في أشياء متعددة، ومعناها هنا عين الماء الجارية. قوله تعالى: { قد علم كل أناس مشربهم } [البقرة: 60] أي أن كل سبط عرف مكانه الذي يلزمه.. حتى لا يضيع من كل منهم الماء.
. ولكن الإنسان حينما يكون مضطرا يلتزم بما يطلبه الله منه ويكون ملتزما بالأداء، فإذا فرج الله كربه وعادت إليه النعمة يعود إلى طغيانه.. ولذلك يقول الحق جل جلاله فيها: { كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين } [البقرة: 60] أي لا يكون شكركم على النعمة بالإفساد في الأرض.. واقرأ قوله تعالى:
لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل
[سبأ: 15-16]. هنا نرى أن أهل سبأ رزقهم الله فأعرضوا عن شكره.. كانوا يتيهون بالسد الذي يحفظ لهم مياه الأمطار، ويمدهم بما يحتاجون إليه منها طوال العام، وأخذوا يتفاخرون بعلمهم ونسوا الله الذي علمهم.. فكان هذا السد هو النكبة أو الكارثة التي أهلكت زرعهم.. كذلك حدث لبني إسرائيل، قيل لهم: { كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين } [البقرة: 60]. فأفسدوا في الأرض ونسوا نعمة الله فنزل بهم العذاب.
অজানা পৃষ্ঠা