تفسير المنتصر الكتاني
تفسير المنتصر الكتاني
জনগুলি
تفسير قوله تعالى: (فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا)
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ [الكهف:٦٢].
لا نزال مع موسى نبي الله وكليمه، ومع الخضر نبي الله الصالح، ومع فتى موسى يوشع بن نون.
لقد أمر الله رسوله موسى أن يأتي الخضر ليتعلم منه، ويعلم بذلك أن في الأرض من هو أعلم منه، ولو أنه من أولي العزم من الرسل.
ونحن مع موسى وقد صحب معه فتاه النبي يوشع بن نون وقال له: ﴿لا أَبْرَحُ﴾ [الكهف:٦٠] أي: لا أزال أمشي وأسافر وأقطع الفيافي والبراري والقفار إلى أن أصل إلى مجمع البحرين كما قال لي ربي، وأجتمع بعبده الصالح الذي عنده من العلم ما ليس عندي، فإما أن أصل وإما أن أبقى ماشيًا مسافرًا ولو أحقابًا وأزمانًا ودهورًا.
(فلما جاوزا) أي: جاوزا بالمشي وبالانتقال وبالسير إذا بالغلام يوشع يفر منه الحوت حين مس ماء الحياة، ويقفز إلى داخل البحر حيث يصبح سربًا وطاقًا وممرًا يدخل به البحر.
(فلما جاوزا) أي: فلما تجاوز موسى وغلامه يوشع مجمع البحرين وهو المكان الذي تواعد فيه مع ربه ليلقى فيه الخضر، والعلامة الحوت الذي كان طبيخًا مملحًا، يعود للحياة فيفر من بين يدي غلام موسى ويجعل لنفسه سربًا ونفقًا داخل البحر، ويوشع نسي الحوت ولم يقل ذلك لموسى بن عمران، وموسى لم يشعر بالجوع حتى جاوز مجمع البحرين، أي: حتى جاوز طنجة وأفريقيا، ولعله دخل في الأرض التي سميت بعد ذلك الأندلس والتي فتحها المسلمون أيام الوليد بن عبد الملك.
وبعد أن جاوز موسى ويوشع مجمع البحرين شعر موسى بالجوع فقال لفتاه ولغلامه: (آتنا غداءنا) الغداء: هو الطعام غدوة، والعشاء الطعام عشية، وقوله: (آتنا غداءنا) معناه أن ذلك قد كان في وقت البكور.
وقال مع ذلك: (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا)، أي: لقينا في هذا السفر إلى عبد الله الصالح الخضر تعبًا ومشقة، وقد كانت المسافة طويلة جدًا من سيناء إلى المغرب، وقد كان موسى مع أتباعه بني إسرائيل في التيه، ولم يصل إلى القدس، وإنما وصل كما قلنا إلى أريحا حيث مات فيها، كما حدث رسول الله ﷺ: أنه في ليلة الإسراء رأى موسى يصلي عند الكثيب الأحمر في قبره في أريحا، وقال: (لو كنت هناك لأريتكم مكانه).
فذهب من هناك إلى مجمع البحرين: البحر الأبيض المتوسط، والبحر المحيط، قال هذا محمد بن كعب القرظي، وقال هذا الصحابي الجليل المقرئ العالم أبي بن كعب، وسيأتي معنا بعد ذلك اسم القرية التي دخلوها واستطعموا أهلها فأبوا أن يضيفوهما.
قال أبو هريرة عن هذه القرية: إنها بلدة في الأندلس.
إذًا: ثلاثة من كبار القوم صحابيان جليلان وتابعي مفسر، كلهم قالوا: إن المكان الذي كان عند مجمع البحرين هو في أرض أفريقيا في شمالها الفاصل بين قارة أفريقيا وقارة أوروبا.
13 / 2