تفسير المنتصر الكتاني
تفسير المنتصر الكتاني
জনগুলি
تفسير قوله تعالى: (وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب)
قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف:٥٨].
يخبر الله تعالى أنه رحمة منه ﷻ يمهل الإنسان الظالم فلا يؤاخذه، ويعطيه فرصة من حياته، خمسين سنة، سبعين عامًا، قرنًا من القرون، سنة أو سنوات وما يشاء الله.
والله ﷻ كما وصفه النبي ﵊: (لا أحد أصبر من الله) يقال عنه ويقال، وهو مع ذلك يرزق الكافر ويعطيه ويسلم حواسه، ومع ذلك يأبى إلا الكفر والعناد؛ لتبقى الحجة البالغة لله.
ذاك من رحمته لعله يومًا يعود إلى ربه، لعله يومًا يقول: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين، لعله يفكر يومًا: أن الله لم يخلقنا عبثًا، وأن الله خلقنا لنعبده ولنطيعه، فما أوجدنا وخلقنا إلا لنعبده مخلصين له الدين ﷻ وعلا مقامه.
قوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الكهف:٥٨] (الغفور) صيغة مبالغة أي: كثير المغفرة، وعلى عاقب يعاقب بالقليل على الجرم الكثير، ويكافئ ويجازي بالكثير على العمل القليل، ذاك من رحمته ومغفرته.
قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الكهف:٥٨] أي: صاحب الرحمة ﷻ، ويوم خلق الرحمة كانت رحمته قد سبقت غضبه ﷻ، فهو يرحم الكبير والصغير والمؤمن والكافر، ورحمته للكافر بأن يمهله ليعيش زمنًا وليسمع زمنًا عله يرعوي فيعود لربه.
ولقد فسر ابن تيمية قوله تعالى: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ [الحجر:٩٥] في خطابه لرسوله ﵊، أن هؤلاء المستهزئين جميعًا ختم الله لهم بسوء الخاتمة، وهي خاتمة ذل وعقوبة وإذلال، ولعذاب الله لهم يوم القيامة أنكى وأشد.
واذكر إن شئت أبا لهب وأبا جهل وأبي بن خلف وعتبة وعتيبة والكثير الكثير، وهو قد قال ﵀: تلك سنة الله مع المستهزئين في الحياة النبوية وبعدها، وحكى أشباهًا مما حصل في عصره وقبل عصره، وقد كان في القرن الثامن، وهكذا قل عنا الآن، وإلى ما بعد الآن، وإلى يوم القيامة.
قد يكون الكافر كافرًا عن جهل وبلادة، ولكنه لا يهزأ ولا يعاند، ولا يكون قليل الأدب مع رسول الله ومع المقدسات، ومع بيت الله الحرام ومع المسجد النبوي، ومع كلام الله، ومع السنة المطهرة.
قوله تعالى: ﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ﴾ [الكهف:٥٨] يخبر تعالى أنه لو يؤاخذ الكافرين، ويحاسب الظالمين، لعجل لهم العذاب، ولما أمهلهم، ولما أعطاهم فرصة من حياة ليتعلموا، ومن هنا يقول النبي ﵊: (إن الله يمهل ولا يهمل)، وهذا الإمهال تارة رحمة، وتارة لتبقى الحجة البالغة لله، وأن هذا المشرك أو الظالم مد في عمره وحياته، وفي ماله وقوته وسلطانه، ومع ذلك لم يزدد إلا كفرًا، ولم يزدد عن الله إلا بعدًا.
فهذا عندما يكون كذلك يكون قد صعد الران على قلبه، فلا تفيد معه موعظة ولا آية من كتاب الله، ولا حديث من سنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
قوله تعالى: ﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [الكهف:٥٨] أي: لو يؤاخذ الظالمين الذين قال عنهم إنهم استهزءوا بآيات الله، وبما أنذروا به، وهؤلاء الظالمون لو يؤاخذهم ويحاسبهم بما اكتسبوا وفعلوا من كفر وشرك، وكسبوا من ظلم، لأسرع بعذابه ونقمته، ولم يمهلهم ولا ساعة، ولكن لرحمته -وهو الغفور ذو الرحمة- قد شاء أن يعطي هؤلاء فرصة الحياة، فلا يؤاخذهم، ولا يحاسبهم، ولا يعجل لهم العذاب، ممهلًا لهم إما أن يعودوا إلى التوحيد وإما أن يكون ذلك حجة لله بالغة عليهم.
قوله تعالى: ﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ﴾ [الكهف:٥٨] أي: في الدنيا قبل الآخرة كما كان يعامل الأمم السابقة قوم نوح وهود وصالح ولوط، وقوم فرعون، ولكن الله من رحمته بعباده لم يسرع العذاب لهم، بل أمهلهم لعلهم يعودون إليه.
قال تعالى: ﴿بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف:٥٨] أي: بل لهؤلاء المشركين والظالمين موعد وعدوا في وجودهم فيه وعرضهم فيه على الله، وهو يوم القيامة، قد وعدوا بالحياة الثانية، وبالبعث بعد الموت؛ ليحاسبوا على ما عملوا، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
فمن فعل الخير دخل الجنة، ومن ارتكب الشر دخل النار، فهذا الموعد لا موئل عنه ولا مفر، هو موعدهم ومرجعهم، وهو مآلهم (لن يجدوا عنه موئلًا) أي: لن يجدوا عنه مرجعًا ولا مفرًا ولا مكانًا يئوبون إليه، ويستغيثون به، يفرون إليه من عذابه وعقابه، ولكن هيهات هيهات! يوم ينادي: أنا الملك أنا الديان!! أين الملوك؟! فلا يجيب أحد، ثم يجيب نفسه بنفسه ﷻ.
نأتيه فرادى ليس معنا حول ولا طول ولا أنصار ولا أولاد ولا أشياع ولا جيوش، نأتي فرادى كما خلقنا فرادى.
11 / 4