تفسير المنتصر الكتاني
تفسير المنتصر الكتاني
জনগুলি
معنى قوله تعالى: (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة)
ثم قالوا: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ﴾ [الكهف:١٩].
وكانوا دخلوا ومعهم بضعة دراهم، فشعروا بالجوع، فقالوا: لقد جعنا، فابعثوا واحدًا منكم بورقكم.
والورق: الفضة، فقد كانت العملة التي يتعاملون بها من الفضة، وهذا دليل على أنهم كانوا يتعاملون بالورق، ولا يتبادلون السلع.
وفي الزمن السحيق ما كانت هناك دراهم ولا دنانير، وكان الناس يتعاملون بالمبادلة، فيعطيك الملح، وتعطيه الفلفل، ويعطيك لحم الدجاج، وتعطيه لحم الأغنام.
وسلكت هذا الأمر ألمانيا أيام هتلر، فلم يكن عندها ذهب، فأرادت أن تسقط قيمته دوليًا، فأبت أن تشتري شيئًا بالعملة، فكانت تقول: عندي من المواد كذا وكذا، فأعطوني كذا وكذا، وخذوا مقابله هذه المادة، وبذلك أسقطت قيمة الذهب والفضة عالميًا.
قالوا: المدينة كانت طرسوس، والله أعلم بحقيقة الحال، وهناك كهف اليوم في الأردن يقال عنه: إنه كهفهم، وقيل: في أيلة، وقيل: في أرض تركيا، وهذه الأماكن متجاورة.
قال تعالى: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف:١٩].
لقد كانوا يظنون بأن الملك الجبار الذي أراد قتلهم لا يزال حيًا، وأن الدنيا هي الدنيا، وأن الحال هو الحال، فخافوا من دقيانوس ومن خدامه ومن مجتمعه الوثني، فأخذ هذا دراهم وخرج، فزاغ بصره، فكان يمشي في الشوارع كالهائم، فالمدينة ليست بالمدينة، كإنسان عاش فيما قبل عصر الطائرات والصواريخ والمخترعات، ثم بعث فأخذ ينظر إلى الأشياء فذهل، فقال: ارجعوني إلى قبري.
ففر ورجع إلى قبره، وما استطاع أن يعيش مع هؤلاء البشر.
فهذا خرج فوجد المدينة قد تغيرت معالمها، وقد تغيرت دورها، ولم ير أحدًا في الطريق يعرفه، فأخذ يتساءل: هل أنا في طرسوس؟! ومن هؤلاء؟ وما هي هذه الأزياء؟! وما هذه الوجوه؟! ورأى شعارات الدكاكين تدل على التوحيد، وأن الناس مؤمنون، فقال: متى كان هذا؟! لقد دخلنا الكهف صباحًا، واستيقظنا مساء، فهل بين الصباح والمساء يحدث كل هذا؟! فكان يستغرب، ومن رآه يستغرب منه ويتعجب منه، إلى أن وقف أمام دكان، وأراد خبزًا، كما قال تعالى: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ [الكهف:١٩].
أي: لينظر الحلال من الحرام، فلا يأتينا بما لا يحل، بل بشيء لذيذ طيب، وكانوا جياعًا.
4 / 14