تفسير قوله تعالى: (لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم)
ثم قال: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء:١٠] فنكر الكتاب لتعظيمه أي: أنزلنا إليكم كتابًا عظيمًا فيه ذكركم، أي: فيه شرفكم، فتتشرفون بهذا الكتاب الذي هو بلسان عربي مبين.
فقال: ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء:١٠] وهنا الذكر بمعنى الشرف، أي: أنزلنا عليكم كتابًا باللغة العربية ليكون شرفًا لكم على غيركم من الأمم.
فمن المفترض أنه إن جاءنا كتاب يشرفنا بلغتنا أن نفرح بهذا الكتاب، ونفرح بهذه المنزلة التي أنزلنا الله ﷿ إياها، ولكنهم غاروا على النبي ﷺ وحسدوه.
قال: ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء:١٠] أين عقولكم؟ هل تتركون هذا القرآن حتى يأخذ به الأعاجم؟! وقد قال النبي ﷺ: (لو كان هذا العلم في الثريا لناله رجال من هؤلاء)، يعني: أمثال سلمان الفارسي وغيره رضوان الله ﵎ عليهم.
وصدق النبي ﷺ، فقد نال العجم أشياء كثيرة ما نالها العرب، حتى إنه يأتي الخليفة في زمن من الأزمنة ويسأل: من العالم في أرض مصر؟ فيقولون: فلان، فيقول: عربي أم أعجمي؟ قالوا: أعجمي، من العالم في أرض الشام؟ يقولون: فلان، فيقول: عربي أم أعجمي؟ قالوا: أعجمي، من العالم في المدينة ومكة في كذا في كذا حتى قالوا له: عالم عربي، فقال: لقد كادت روحي أن تزهق حتى ذكرتم عالمًا واحدًا.
المقصود: أن القرآن ذكر للعرب وشرف لهم وتذكرة لهم، فالمفترض أن يعقلوا ما فيه فيعملون به، فيدفعهم إلى التقدم والرقي، ويدفعهم إلى أن يسودوا غيرهم من الأمم، ولكنهم تركوه وراءهم ظهريًا فعاقبهم الله سبحانه بما هم فيه.
قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء:١٠] أي: فيه شرفكم، فهذا هو المعنى الأوجز في هذه الآية ورجحه الكثير من المفسرين كـ الطبري وغيره.
وقيل: ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء:١٠] أي: فيه ذكر أمر دينكم، يعني: الأحكام الشرعية ونحوها.
أو ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء:١٠] فيه ذكر ما تصيرون إليه يوم القيامة من جنة أو نار.
﴿أو فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء:١٠] بمعنى: فيه حديثكم الذي تنسجونه فيما بينكم وتسرونه، فيذكره الله ﷿ لنبيه ويدافع عن دينه وعن نبيه ﷺ، ويفضح هؤلاء المتكلمين.
وقيل: ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء:١٠] بمعنى: فيه مكارم الأخلاق، ولا شك أن هذا كله في هذا القرآن العظيم.
ولكن أوجه المعاني ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء:١٠] أي: فيه الشرف لكم بما يحمل من مكارم الأخلاق، وبما يحمل من إعجاز وتعجيز لخلق الله ﷿.
وجاء في حديث النبي ﷺ: (القرآن حجة لك أو عليك) هذا القرآن العظيم الذي هو شرف لك إما أن تأخذه فيكون حجة لك، وإما أن تتركه وراءك فيكون حجة عليك.
وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأ أو تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها).
فالغرض بيان أن هذا القرآن إما حجة لك وإما حجة عليك، قال تعالى: ﴿كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء:١٠].
2 / 8