قَطَّعتَهُمْ حَسدًا أرَاهُمْ ما بِهِمْ ... فَتَقَطَّعُوا حَسَدًا لِمَن لا يحسُدُ
قال ابن جني: أي تقطعوا حسدا، لأنك لا تحسد أحدا، لأنك فوق كل أحد، وقوله:) أراهم ما بهم (أي كشف عن أحوالهم في التقصير عنك، والتقصير دونك.
صِحْ يا لَجُلهُمَةٍ تَذَرْكَ وإنَّما ... أشفارُ عَينكَ ذَابِلٌ ومُهَنَّدُ
قال أبو العلاء: جلهمة هو أسم طي، والجلهمة مثل الجلهمة وهو ما استقبلك من الوادي، وقوله) أشفار عينيك ذابل ومهند (أي أنصارك قريب منك، فكأنهم في ذلك أشفار عينيك، ويجوز أن يكون المعنى أنهم إذا اجتمعوا إليك هابك الناس، فإذا نظرت إلى بعض أعدائك قام نظرك مقام الذابل، والمهند، ونسب ذلك إلى الأشفار لأنها مجاورة لناظر العين، فعلم الغرض في الكلام.
قال ابن فورجة: فسر ابن جني هذا البيت تفسيرا مضطربا، فقال أي تحدق بك الرماح والسيوف، فتغطي عينيك كما تغطيها الأشفار، وهذا كأنه من قول الآخر:
وإذا دُعوا لِنزالِ يَومِ كَريهةٍ ... ستروا شُعاعَ الشَّمسِ بالفُرسَانِ
هذا تفسير. وعندي أن الأمر بخلاف ذلك، وما بال الرماح والسيوف تغطي بها عينه دون سائر أعضائه. بل أي موضع في هذا البيت يدل على التغطية؟ وإنما قوله) تذرك وإنما أشفار عينك ذابل ومهند (كقولك: تركت عينه سماء هاطلة، وتركته وإنما جنبه دم سائل، إذ أثخنته ضربا، يريد إذا صحت يا لجلهمة اجتمعت إليك فها بك كل أحد، كأنك إذا نظرت إلى رجل بعينك أشرعت إليه رماحا وصلت عليه بسيوف، كأنه قال صح لهم لنجدتك تتركك، وهذه حالة من الهيبة في القلوب.
حَيٌّ يُشارَ إليكَ ذَا مَولاهُمُ ... وَهُمُ المَوَالي والخَلِيقَةُ أعبُدُ
قال ابن فورجة: قوله حي يريد به جلهمة، أي جلهمة حي يشار إليك أيها الممدوح أنك مولى لهم أي سيد، وهم أيضا الموالي أي السادات يريد أنك لم تسدهم لكونهم عبيدا، بل أنت سيدهم وهم سادات الناس، وكثير من النسخ المعتمدة وجدنا فيها) حتى يشار إليك (ولم نر نوره إلا أن هذه الرواية سائغة لطيفة، يعني أنهم يجتمعون حولك لا يتخلف عنك منهم أحد، إذا صحت يا لجلهمة، فعل المسودين المذعنين لك بالفضل والرئاسة والسؤدد.
أنَّى يكُونُ أبا البَرِيَّةٍ آدَمٌ ... وأبُوكَ والثَّقَلانِ أنتَ محَمَّدُ
قال ابن جني: في إعراب هذا البيت تعسف وتقديره كيف يكون آدم أبا البرية وأبوك محمد وأنت الثقلان، ففصل بين المبتدأ الذي) هو أبوك (وبين الخبر الذي هو) محمد (بالجملة التي هي قوله) والثقلان أنت (وهي أجنبية، أي أنت جميع الأنس والجن. وآدم واحد من الأنس، وأبوك محمد، فكيف يكون آدم أبا البرية؟ ومعنى) والثقلان أنت (أي أنك تقوم مقام الأنس والجن بغناك وفضلك.
ومن التي أولها:
أحُلمًا نرى أم زَمانًا جَديدَا ... أم الخَلقُ في شَخصِ حَيّ أُعِيدَا
قال ابن فورجة: يريد بحي رجلا واحدا، دعته الضرورة إلى ذلك وإنما هذا معنى قول أبي نواس:
وليسَ لِلهِ بِمُستَنكَرٍ ... أن يَجمَعَ العالَمَ في وَاحِدِ
إلا أنه أراد الزيادة في هذا المعنى، فمعنى أن الخلق الهالكين أيضا أعيدوا في شخص حي فحسن حي بهذا التقدير، وهو كقوله أيضا:
وَلَقِيتُ كُلَّ الفاضِلينَ كأنَّما ... رَدَّ الإلَهُ نُفُوسَهُمْ والأعصُرَا
رأينا بِبَدرٍ وآبائِهِ ... لِبَدرٍ وَلُودًا وبَدَرًا وَلِيدَا
قال أبو العلاء: لما شبه الممدوح بالبدر: إذ كان أسمه بدرا ادعى أنه قد رأى للبدر ولودا أي أبا، وللبدر وليدا أي مولودا، وهذه من الدعاوى الباطلة لأنه لا يعني إلا بدر السماء، وقوله لبدر نكرة، ولا يحتمل أن يكون معرفة لأنه لو كان ذلك لم يكن فيه مدح.
بَهِجرِ سُيُوفِكَ أغمادَها ... تَمَّنَّى الطُّلَى أن تكونَ الغُمُودَا
إلى الَهامِ تَصدُرُ عَن مِثلِهِ ... تَرَى صَدَرًا عَن وُرُودٍ وُرُودَا
قال ابن جني: يقول سيوفك لا ترجع إلى أغمادها، لأنك أبدا تضرب بها أعناق أعدائك، وهي تمنى أن تكون أغمادا لسيوفك، فلا تجتمع معها أبدا. وقوله إلى الهام البيت. أي أبدا سيوفك تصدر عن الهام إلى هام أخرى. فصدرها أبدا ورود.
1 / 26