قال أبو العلاء: اتفق له في هذين البيتين ما لم يتفق لغيره من تشبيه الممدوح بأبيه، وتشبيه أبيه بجده، ثم كذلك حتى استوفى سبعة في النسب وعشرة في المقابلة، وحمدون اسم لم يتسم به العرب في القديم، وقل ما بنوا اسما على فعلون، وقد ذهب قوم إلى أن زيتون فعلون وقد ذكر فيما أغفله سيبويه من الأبنية وكان الزجاج يذهب إلى أنه جمع سلامة لزيت ومثل هذا يبعد.
قال أبو علي ابن فورجة: هذا المعنى من أحسن معاني أبيات هذه القصيدة، والبيتان من جياد أبياتها، وما لأحد من الشعراء قصيدة على هذا الوزن إلا وهذه أجود منها، وقد تهزأ منه الصاحب أبو القاسم فقال ولم ننفك مستحسنين لجميع الأسامي في الشعر كقول الشاعر:
إن يقتُلوكَ فقد ثَلَلتَ عُرُوشَهُمْ ... بعُتَيبَةَ بنِ الحارِثِ بنِ شِهابِ
وقوله الآخر: عِياذَ بن أسماء بن زيدِ بنِ قَاربِ واحتذى هذا الفاضل على طرقهم، فقال وأنت أبو الهيجاء البيتين وهذه من الحكمة التي ذكرها أرسطاطاليس وأفلاطون لهذا الخلف الصالح، وليس على حسن الاستنباط قياس هذا كلامه. فليت شعري مم العجب؟ من استقباحه ما هو أحسن شعره؟ أم من تهزئه الذي لا يليق بما نحن بصدده؟ أم من ظنه أنه إذا تهزأ توهم الناس فيه أنه يعلم ما ليس يعلمونه، ولقد جود أبو الطيب حيث يقول:
وكمْ مِنْ عائِبٍ قَولًا صَحيحًا ... وَأفَتُهُ منَ الفَهمِ السَّقيمِ
ويقول:
وَمَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍ مَريضٍ ... يَجِدْ مُرًّا بِه الماءَ الزُّلالا
أما سبك البيت فأحسن سبك، يريد أنك تشبه أباك، وأبوك كان يشبه أباه، وأبوه كان يشبه أباه، فأنت أبوك إذ كان فيك أخلاقه، وأبوك أبوه إلى آخر الآباء فليت شعري ما الذي استقبحه؟ وقد جاراني بعض أهل العلم في هذا البيت فقال استقبح قوله) حمدان حمدون وحمدون حارث (وليس في حمدان ما يستقبح من حيث اللفظ ولا المعنى، ولنسلم له أن حمدان وحمدونا لفظتان مستهجنتان، فكيف يصنع والرجل أسمه هذا وهل يستعير له أبا غير أبيه أم هل يسميه بلفظة حسنة يخترعها؟ ولقد كان الذنب في ذلك للآباء لا للمتنبي. وقد قال أبو بكر محمد بن دريد الأزدري في بعض قصائده:
وَقيسُ بن عَمرو بنِ العُبيد بن ضَاطرٍ ... أناخ على ساسٍ مَسيرًا فَجعجعَا
وقال في أخرى:
وقيسُ بنُ مَسعودٍ بن قَيس بن خالدٍ ... وعمرو بنُ كلثومٍ شهاب الأراقمِ
فما الذي غض من قوله ضاطر، واسم الرجل ضاطر وهل أقبح منه؟.
وأما قوله هذه من الحكمة التي ذكرها أرسطاطاليس وأفلاطون، فلا يقاس به كلام. أترى من باب الفلسفة أن يقال فلان مثل أبيه في الشبه؟ أم هو من المعاني الغامضة التي لا يفهمها إلا الفلاسفة؟ سبحان من سخر له هذا الكلام وما كنا له مقرنين!.
ومن التي أولها: ما سَدِكَتْ عِلَّةُ بِمَورُودِ
تَحمِلُ أغمادُها الفِداءَ لَهُمْ ... فانتَقَدُوا الضَّربَ كالأخادِيدِ
قال أبو العلاء: يريد أنه وعدهم المال فأقام الخيل التي له ناصرة مقام الأموال. فانتقدوا ضربا كالأخاديد، أي جعلوا ذلك كنقد المال، وهذا على سبيل الهزء.
ومن التي أولها: لكُلِّ أمرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدَا
سَرَيتَ إلى جَيحانَ من أرضِ آمِدٍ ... ثَلاثًا لقَد أدناكَ رَكضٌ وأبعَدَا
1 / 23