مَحَامِدٌ نَزَفَتْ شِعرِي لِيَملأها ... قالَ ما امتَلأتْ مِنهُ وَلا نَضَبا
قال الشيخ: كان ابو الفتح ابن ٠جني (يتأول هذا البيت على معنى إذا اعتقده وجب أن يروي) وما نضبا (ويفسر الغرض بأن الشاعر أراد بقوله:) ما امتلأت منه (الذي امتلأت. وصف شعره بأنه لم ينضب. وفي هذا طعن على الممدوح، لأنه وصف المحامد بالامتلاء من الشعر.
وإذا روى) ولا نضبا (فالمعنى أن محامده لم تمتلئ، وأن شعره لم ينضب، فهو مدح للمحامد وللشعر، وإذا رويت) وما نضبا (فهو يؤدي المعنى الذي تؤديه لا، ولكنه أشبه بها من ما.
وقال الأحسائي: يقول أن الشعر على غزارته وجمومه لم يملأها وقصر عنها على أنه لم ينفد.
ومن التي أولها:
بأبِي الشُّموسُ الجانِحاتُ غَوَارِبَا ... اللاَّبِساتُ من الحريرِ جَلاَبِبَا
قال الشيخ: رفع الشموس وما جرى مجراها يحتمل وجهين: أحدهما أن تكون مبتدأ، كأنه قال الشموس بابي مفديات. والآخر: أن يكون الخبر قوله الشموس، ويجوز وجه ثالث: وهو أن تكون الشموس مرفوعة لأنها اسم ما لم يسم فاعله، كأنه قال تفدى الشموس. ويجوز أن تنصب على معنى قوله أفدي بأبي الشموس، ومثل هذا قولهم بنفسي فلان، إذا أرادوا معنى الفداء. والجانحات المائلات، يقال جنحت الشمس للغروب، وجنحت النجوم إذا مالت للمغيب.
المُنهباتُ عُيونَنا وقُلُوبَنا ... وَجَناتِهنَّ النَّاهِبَاتِ النَّاهبا
قال ابن جني: يقول أنهبتنا وجناتهن. فلما نظرنا إليهن نهبن قلوبنا وعقولنا.
وحُبِيتُ مِن خُوصِ الرَكابِ بأسوَدٍ ... مِن دارِشٍ فغَدَوتُ أمشي رَاكِبا
قال الشيخ: الدارش كلة معربة، وهو الأديم المحبب، وإنما خفا أو شمشكا وخوص الركاب التي غارت عيونها، والركاب الإبل خاصة وقد كرر هذا المعنى في الفعل كما قال:
لا ناقَتِي تَقَبلُ الرَّدِيفَ ولا ... بالسَّوْطِ يَومَ الرّهانِ أجهدُها
وقد سبق إلى هذا المعنى القائل: إلَيكَ امتَطَينا الأرحبي المُلَسَّنا
فَلَقَدْ دَهِشتُ لما رأيتُ ودُونَهُ ... ما يُدهِشُ المَلَكَ الحَفيظَ الكاتِبا
قال: أصل الملك وملاك. ويدل على ذلك قولهم الملائكة، ووزنه مفعل فإذا حذفت الهمزة فقد ذهبت العين مفل. وعندهم أنه مأخوذ من الألوكة. وهي الرسالة وكأنه مقلوب، لأنه كان ينبغي أن يقال: مألك فأخرت الهمزة، وربما جاء في أشعار المحدثين الأملاك يريدون به جمع ملك وذلك غلط، وإنما جمع الملك ملائك وملائكة.
ومن التي أولها:
ضُرُوب النَّاسِ عُشَّاقُ ضُرُوبَا ... فأعذَرُهُمُ أشَفُّهُمُ حَبيبَا
قال الشيخ: ضروبا منصوب بوقوع الفعل عليها، وهو العشق فهذا الوجه الذي لا ينبغي أن يعدل عنه، وقد يمكن أن يقال هي منصوبة على الحال، كأنه قال الناس عشاق مختلفين في عشقهم. وقوله أعذرهم لا يجب أن يكون مأخوذا من قولك عذرت الرجل فهو معذور، لأنه حمل على ذلك كان أفعل التفضيل قد بني من فعل ما لم يسم فاعله وذلك ممتنع. ولكنه مأخوذ من قولهم عذر الرجل وأعذر إذا أتى بعذر. وفعل فعلا يعذر به من أساء إليه، يقال عذر من نفسه وأعذر إذا بين عذره. وأشفهم أي أفضلهم مأخوذ من الشف وهو الفضل والربح.
كأنَّ نُجومَهُ حَليٌ عَلَيهِ ... وقَدْ حُذِيَتْ قَوَائِمُهُ الجَبُوبا
قال ابن فورجة: شبه النجوم بالحلي على الليل، وأراد أن يصفه بالشيوع فقال وقد حذيت قوائمه الجبوبا، والجبوب الرض يعني كأن الليل جعلت الأرض له حذاء فهو متصل من السماء بالأرض. ويجوز أن يعني بذلك طول الليل.
وقال الأحسائي: شبه الليل بفرس أدهم محلى بالنجوم. والجبوب وهي الأرض قوائمه، وقيل لبعض العرض وسئل عن فرسه أتسبح في الجبوب؟ فقال: نعم وتتوغل في الشنخوب.
ومن التي أولها:
أعِيدوا صَباحِي فَهوَ عندَ الكَواعِبِ ... وَرُدُّوا رُقادِي فَهوَ لَحظُ الحَبائِبِ
قال ابن جني معناه ردوا الكواعب والحبائب ليرجع صباي وأبصر أمري إذا أبصرت إليهم وأبصرت إلى: ابن فورجة: يريد الكواعب حتى يعود صباحي، أيد هري ليل كله ولا صباح إلا في وجوههن، وحقق ذلك بقوله بعده:
فإنَّ نَهارِي لَيلَةً مُدلَهِمَّةٌ ... على مُقلَةٍ مِن فَقدِكم في غَياهِب
1 / 11