القسم العملي
مقدار التلاوة:
قد كان النبي ﵌ لا يخلي ليله ونهاره من تلاوة القرآن، وكان- كما قال القرطبي-: «يختمه في سبع». وهكذا قال لعبد الله بن عمرو ﵁: «وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً». وقد كان قال له أولا: «وَاقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ». فلما قال له: إنه يطيق أكثر من ذلك نقله إلى العشرين، وإلى الخمسة عشر، وإلى العشر، وانتهى به إلى السبع في قول الأكثر (١). وكان هذا فعل الأكثرين من السلف.
وعند الترمذي وغيره، من حديث ابن عمرو ﵁ مرفوعًا: «لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» (٢). وهذا ترخيص فيما دون السبع، وترغيب عما دون الثلاث.
وقد فهم السلف من هذه الأحاديث بيان ما يكون وظيفة وحزبا يستمر عليه؛ فلذا لم يمتنعوا من ختم القرآن في أقل من ذلك في مرات في بعض الأحوال، وقد ثبت عن كثير منهم ختم القرآن في ركعة واحدة.
ولا شك أن أحوال حملة القرآن تختلف في التفرغ للتلاوة والاشتغال بغيرها.
_________
(١) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه البخاري في فضائل القرآن باب ٣٤، والصوم باب ٥٨. وأبو داود في رمضان باب ٨ و٩. والنسائي في الصيام باب ٧٦ و٧٨. وابن ماجه في الإقامة باب ١٧٨. ولفظ الحديث بتمامه كما رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن (باب ٣٤، حديث رقم ٢٠٥٢): «حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة عن مغيرة عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنّته فيسألها عن بعلها فتقول: نِعْمَ الرجل من رجل، لم يطأ لنا فراشًا ولم يفتش لنا كنفًا مذ أتيناه. فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي ﷺ، فقال: القني به. فلقيته بعد، فقال: كيف تصوم؟ قال: كل يوم. قال: وكيف تختم؟ قال: كل ليلة. قال: صم في كل شهر ثلاثة واقرأ القرآن في كل شهر. قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: صم ثلالة أيام في الجمعة. قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: صم أفضل الصوم صوم داود، صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة. فليتني قبلت رخصة رسول الله ﷺ؛ وذلك أني كبرت وضعفت. فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار، والذي يقرؤه يعرضه من النهار ليكون أخف عليه بالليل، واذا أراد أن يتقوى افطر أياما وأحصى وصام مثلهن، كراهية أن يترك شيئا فارق النبي ﷺ. قال ابو عبد الله: وقال بعضهم في ثلاث وفي خمس، وأكثرهم على سبع».
(٢) أخرجه الترمذي في القرآن باب ١١. وأبو داود في رمضان باب ٨ و٩. وابن ماجه في الإقامة باب ١٧٨. والدارمي في الصلاة باب ١٧٣. وأحمد في المسند (٢/ ١٦٤، ١٦٥، ١٨٩، ١٩٣، ١٩٥).
1 / 34