ثم ألحت الحوادث والأعمال بعده، فلم تبق للقلم فرصة للتحرير ولا للسان مجال في التفسير ... وإنا لله.
...
لم يكتب الأخ الصديق أماليه في التفسير، ولم يكتب تلامذته الكثيرون شيئًا منها. وضاع على الأمة كنز علم لا يقوّم بمال، ولا يعوض بحال. ومات فمات علم التفسير وماتت طريقة "ابن باديس" في التفسير.
ولكن الله تعالى أبى إلاّ أن يذيع فضله وعلمه. فألهمه كتابة مجالس معدودة من تلك الدروس، وكان ينثرها فواتح لأعداد مجلة "الشهاب" ويسميها "مجالس التذكير"، وهي نموذج صادق من فهمه للقرآن وتفسيره له، كما أنها نموذج من أسلوبه الكتابي.
هذه المجالس العامرة هي التي تصدّى الأخ الوفي السيد "أحمد بو شمال"، عضد الإمام المفسر وصفيه، وكاتبه والمؤتمن على أسراره- لتجريدها من مجلة الشهاب ونشرها كتابًا مستقلًا؛ قيامًا بحق الوفاء للإمام الفقيد، وإحياء لذكراه أخرج أشرف أثر من آثاره، يستروح القراء منه نفحات منعشة من روح ذلك الرجل العظيم؛ ويقرءونه فلا يزيدهم عرفانًا بقدره، فحسبهم ما بنى وشاد، وعلم وأفاد، وما ربى للأمة من رجال كالجبال، وما بث فيها من فضائل وآداب، وما أبقى لها من تراث علمي خالد؛ لا يرثه الأخ عن الأخ، ولا الولد عن الوالد.
وشكرًا للأخ الوفي "أحمد بو شمال" (١) على هذا العمل الذي هو عنوان الوفاء ١٣٦٧هـ-١٩٤٨م.
محمد البشير الإبراهيمي
_________
(١) نشر السيد أحمد بو شمال من هذه المجالس القيمة آيات مختارة من سورة الفرقان فقط، لأسباب خارجة عن الإرادة وقتها.
وقد وفقنا الله تعالى لجمع المجالس القرآنية التي افتتح بها ابن باديس مجلة الشهاب كلها؛ بعد تعب ومشقة، يراها القارئ الكريم بين يديه كاملة.
1 / 21