تلكم هي أهم الخطوط البارزة في جهاده، ذكرناها مجملة في هذه العجالة.
منهاج ابن باديس العلمي وصعاب لقيها:
خلق المستعمر أوزارًا كثيرة، ولذا كان على ابن باديس أن يبدأ من الصفر:
فجلس للتدريس في قسنطينة متطوعًا ابتغاء وجه الله منذ (١٩١٣م- ١٩٤٠م). وتسامع الناس به، فتقاطروا إليه يتعلمون دينهم ولغتهم، حتى ضاقت بهم قسنطينة، وأقض ذلك مضاجع الاستعمار، وحث على التعليم وإنشاء المدارس وسارعت الأمة إلى تلبية الدعوة، وبنت حوالي ١٧٠ مدرسة حرة عربية، كان فيها ما يزيد على خمسين ألف طالب وطالبة، فهو لم يملك ولم ير سلاحا أقوى من تعليم المغلوبين المستضعفين، يقودهم إلى النصر المبين.
وفي سنة ١٩٢٢م تأكد الشيخ أن الطرقية المنحرفة في الجزائر سبب من أسباب البدع والخرافات، ومساعدة المستعمر، فرأى مناوأتها ومنازلتها وجهًا لوجه، وحمل عليها حملات قاسية، وأنشأ لذلك جريدة (المنتقد) ومن اسمها يظهر غرضها، فكانت نارًا ونورًا، ولكن المستعمر أخرس الجريدة بسرعة، وأصدر الشيخ غيرها.
وفي مقالاته الصحفية ردد كثيرًا أن مقومات الجزائر ثلاثة: الإسلام، والعربية، والأرض الجزائرية بحدودها. ودعا إلى وحدة المغرب العربي الكبير (من طرابلس الغرب حتى المحيط الأطلسي). ودعا إلى القومية العربية، ووحدة الوطن العربي الكبير، وأشاد في كل مناسبة بالعرب والعربية والإسلام والوطنية.
وعاونه المجيدون والنابهون من أصدقائه وأبنائه الطلاب، وانبثوا في أنحاء التراب الوطني، يحملون رسالة العربية والإسلام، فما انقضت مدة حتى كان الفوج الأول من تلاميذه مستكمل الأدوات من فكر صحيحة، وعقول نيرة، ونفوس طامحة، وعزائم صادقة، وألسن صقيلة، وأقلام كاتبة، وكانت تلك الكتائب الأولى من تلامذته هي طلائع العهد الجديد الزاهر.
وإن "لعبد الحميد بن باديس" منة على كل من يحمل بين جنبيه روحا جديدة أو فكرة سديدة من أبناء الجزائر أينما كانوا، لا فرق في ذلك بين طلاب العلم، وبين غيرهم من طلاب الحياة في جميع فروعها.
ورأى ابن باديس أن مصائب الجزائر هي: الاستعمار الضاري، المعتمد على الحديد والنار. والاستعمار الروحي الذي يمثله بعض مشايخ الطرق المضلين أو الجاهلين المتغلغلين في الشعب والممالئين لفرنسا.
فخطب ابن باديس وحاضر، وكتب وناظر وناقش وجادل في الصحافة، والمساجد، والأندية، والمحافل والأسواق .. ونادى بضرورة تعليم الصغار ولو في بيوت آلهم، وطالب برد أوقاف المسلمين التي استولى عليها المستعمر، احترامًا لشرط الواقف، وليكون للمسلمين عزة وكرامة، ولتنفق في سبيل الله الذي أوقفت من أجله، ونادى باستقلال القضاء، وحرية التعليم،
1 / 11