তাফসির সাদর আল-মুতাআল্লিহীন
تفسير صدر المتألهين
জনগুলি
فما من حيوان إلا وله قوة الحس، أي حس كان، وإن كان مجرد قوة اللمس، وهذا أنزل مراتب الحيوانات كالدود والخراطين، وآخر مراتب الحيوانية يتحقق فيما له الحواس الظاهرة والباطنة جميعا، فإن كان مع ذلك يستعد لإدراك المعقولات بالقوة فهو الواقع في آخر الدرجات الحيوانية وأول النشآت الإنسانية ومنازله، فأول منزل من منازل الإنسان الذي يشارك معه سائر الحيوان، هو نشأة الحس، ويقال لها: الدنيا، وعالم الشهادة، وتقابله الآخرة وعالم الغيب، وهذا العالم هو منزل الأبدان والقوالب الحسية، والآخرة منزل النفوس، وبعدها منزل الأرواح القدسية.
وللإنسان أن ينتقل من منزل الى منزل، فالمحسوسات منزله الأول، والمتخيلات منزله الثاني، والمعقولات منزله الثالث، وهذا الانتقال هو بعينه من قبيل الانتقالات الفكرية الواقعة له من المحسوس الى المتخيل، ومنه الى المعقول.
فالدنيا نشأة الحس وعالم الشهادة، والإنسان ما دام كونه في هذه النشأة بحسب الطبع، غير مرتق الى ما وراءها، فهو بعد من جملة البهائم والدواب والأنعام، وإذا انتقل الى نيل المتخيلات والوهميات مقتصرا عليهما، فهو من قبيل الجن، إذ الجن والشياطين إدراكاتها مقصورة على المتخيلات والموهومات، وليس يفتح لهم باب الملكوت الأعلى.
وبعد هذا المنزل يترقى الإنسان الى إدراك الأمور التي لا تدخل في حس ولا تخيل ولا وهم، فيشاهد الأمور المستقبلة الدائمة، ويكشاف الصور العقلية، ويتهيأ لادراك الحقائق الاخروية والسرور الأبدي، ويصل الى السعادة القصوى التي ليس وراءها سعادة، وهذا هو آخر درجات الإنسان، وبه يتم حقيقة الإنسانية، لأن تمام حقيقته هي الروح المنسوبة الى الله تعالى في قوله:
ونفخت فيه من روحي
[الحجر:29].
وإذا علمت هذه المقدمات، فاعلم أن الإيقان بالآخرة الذي مدح الله به طائفة من العرفاء والمحققين من أهل الإيمان، المهتدين بنور الله؛ هو مكاشفة أحوال الآخرة ومشاهدة الأرواح المجردة عن غشاوة هذه القوالب بواسطة انفتاح باب الملكوت على روزنة القلوب، وأعني بهذه الأرواح؛ الحقائق المحضة والصور المجردة عن كسوة التلبيس وغشاوة الأشكال.
وهذا العالم لا نهاية له، بخلاف عوالم المحسوسات والمتخيلات، فإنها متناهية، وأكثر الناس إدراكهم مقصور على عالم الحس والتخيل من الطبيعيات والمقداريات، ولم يؤمنوا بما وراء المحسوس والمتخيل، ولم يعلموا علم ما قبل الطبيعة، ولم يذعنوا بها كما قال تعالى:
ومآ أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين
[يوسف:103].
অজানা পৃষ্ঠা