{ يأيها الذين امنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا }
" الآية نزلت في رجل من أهل فدك اسلم لم يسلم من قومه غيره لقيته سرية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه غنيمات له فقال: السلام عليكم لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا مسلم، فبدر اليه بعضهم فقتله، فلما اخبروا بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " لم قتلته وقد أسلم؟ " قال: انما قالها متعودا، فقال: " هل شققت عن قلبه؟ " ثم حمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ديته الى اهله ورد عليهم غنمه واختلفوا في اسم القاتل فقيل: هو أسامة، قال أسامة يا رسول الله استغفر لي قال: " فكيف بلا إله إلا الله " قال أسامة: فما زال يعيدها حتى وددت اني لم أكن اسلمت إلا يومئذ ثم استغفر لي وقال اعتق رقبة "
رواه في الكشاف، وأما الذي رواه شهاب الذين أحمد بن مفضل رحمه الله وذكره في الحاكم
" وروي أيضا في النزول أن اسم القاتل يحكم وكان بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيمن بعث فلقيه عامر بن الاصبط فحياه بتحية الاسلام وكان بينهما احنة فرماه بسهم فقتله فلما جاء الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جلس بين يديه فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا غفر الله لك " وما مضت ساعة حتى مات ودفنوه فلفظته الأرض فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " ان الارض تقبل من هو شر منه ولكن الله اراد أن يعظم حرمتكم "
فلما نزلت الآية حلف أسامة لا يقتل رجلا قال لا إله إلا الله { تبتغون عرض الحياة الدنيا } تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع النفاد فهو الذي يدعوكم الى ترك التثبيت { فعند الله مغانم كثيرة } تغتنم عن قتل رجل يظهر الاسلام { كذلك كنتم من قبل } أول ما دخلتم الإسلام سمعت منكم كلمة الشهادة فحقنت دماؤكم وأموالكم { فمن الله عليكم } بالاستقامة والاشهار بالإيمان والتقدم وإن صبرتم على ما فيه فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الاسلام كما فعل بكم وأن تعتبروا ظاهر الاسلام { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } لما نزلت الآية في فضل الجهاد جاء ابن أم مكتوم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: قد نزلت في الجهاد وما علمت وأنا لا الجهاد فهل لي رخصة؟ فنزل { غير أولي الضرر } روي ذلك عن ابن عباس يعني أولي العذر { والمجاهدون في سبيل الله } يعني الذين جاهدوا في سبيل الله ونصروا نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) { فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة } أي منزلة { وكلا وعد الله الحسنى } يعني المؤمنين القاعدين لعذر، والحسنى قيل: كل خير، وقيل: الحسنة { وفضل الله المجاهدين على القاعدين } غير أولي الضرر { أجرا عظيما درجات منه } قيل: منازل بعضها أعلى من بعض منازل الكرامة لأن النعم على مراتب بعضها أعلى من بعض، وقيل: هي الدرجات.
[4.97-104]
{ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } الآية نزلت في قوم من المنافقين كانوا يظهرون الشرك لقومهم والإيمان للمسلمين، وقيل: نزلت في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا ثم خرجوا إلى بدر لقتال المسلمين فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: غر هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر فبكتهم الملائكة بقولهم: { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا } أراد أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم ومن الهجرة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما فعل المهاجرون إلى أرض الحبشة وهذا دليل على ان الرجل إذا كان في بلد لا يتمكن فيها من إظهار دينه وعلم أنه في بلد أقوم وأدوم على العبادة حقت عليه الهجرة { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان } قال ابن عباس: كنت وأمي من الذين { لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا } وكنت غلاما صغيرا { ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة } الآية قيل: لما نزلت آيات الهجرة سمعها رجل من خزاعة يقال له جندب بن ضمرة وكان مريضا فأمر أهله أن يفرشوا له على سريره ويحملونه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففعلوا فمات في الطريق، وروي أنه لما خرج ومات وبلغ خبره المسلمين فقالوا: لو بلغ المدينة لكان أتم أجره، وقال المشركون: ما أدرك ما طلب فنزلت، وروي أن جندب بن ضمرة لما أدركه أخذ بيمينه على شماله ثم قال: اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك، وقيل: نزلت في أكثم بن صيفي فلما بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسل ولده إليه فآمن به فلما رجع إلى أبيه وأخبره بخبره كما كرامة لقومه ودعاهم إليها ثم قال لهم: أطيعوني يكن لكم شرف الدنيا والآخرة، فقالوا: خرف الشيخ فلما عصوه ركب راحلته وتوجه الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) فلحقه رجل من سفهاء قومه فذعر الناقة فسقط منها فانكسرت رقبته فنزلت، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) "
من { يجد في الأرض مراغما كثيرا } يعني طريقا يراغم فيه أي يفارقهم فيه على رغمهم والرغم الهون فقد وقع أجره على الله فقد وقع ثوابه عليه { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } الآية نزلت في صلاة الخوف، وقيل: في صلاة السفر عن ابن عباس وجابر رضي الله عنهما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى بأصحابه الظهر ورأى المشركون ذلك فندموا لو كانوا واقعوهم وعزموا على الايقاع بالمسلمين أن اشتغلوا بصلاتهم، فاطلع الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) على أسرارهم، وروي أن بعضهم قال لبعض: دعوهم فإن لهم صلاة أحب إليهم من آبائهم وأمهاتهم يعنون صلاة العصر فإذا رأيتموهم قاموا إليها فشدوا عليهم فاقتلوهم فنزل جبريل بصلاة الخوف، وقيل: كان سبب اسلام خالد بن الوليد، وقيل: رفع الجناح في وضع الأسلحة نزل في عبد الرحمن بن عوف ومن خرج في تلك الوقعة، ثم بين تعالى صلاة الخوف فقال: { وإذا كنت فيهم } يا محمد { فأقمت لهم الصلاة } يعني في أصحابك الضاربين في الأرض الخائفين { فلتقم طائفة منهم معك في الصلاة } وفيه حذف تقديره وطائفة تجاه العدو { وليأخذوا أسلحتهم } قيل: المأمور بأخذ السلاح الطائفة المأمورة بالصلاة معه تأخذ السيف والخنجر والدرع فتلبسته الطائفة التي تكون تجاه، وتقديره: { وليأخذوا } الطائفة الأخرى { أسلحتهم } ويكونوا بأزاء العدو واختلفوا إذا سجدت الطائفة الأولى وفرغوا من ركعة كيف يصنعون على أقوال: تسلم وتمضي إلى وجه العدو وتأتي الطائفة الأخرى وتصلي بهم ركعة وتصلي بهم هذا مذهب من يرى صلاة الخوف ركعة والإمام ركعتان مذهب جائز عن مجاهد، الثاني أن يتم الصلاة لكل طائفة فيصلي بهم ركعتين بكل طائفة مرة وهذا مروي عن الحسن، الثالث يصلي بالطائفة الأولى بركعة أخرى والإمام قائم حتى تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم يجلس في التشهد إلى أن يتموا ركعة أخرى ثم يسلم وهذا مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والشافعي، الرابع أن الطائفة الأولى يصلي بهم ركعة ويعودون إلى وجه العدو وتأتي الطائفة الأخرى فيكبرون ويصلي بهم الركعة الثانية ويسلم الإمام ويعودون هم إلى وجه العدو وتأتي الطائفة الأولى فيقضون ركعة بغير قراءة لأنهم لاحقون ويسلمون ويرجعون إلى وجه العدو وتأتي الطائفة الثانية ويقضون ركعة بغير قراءة لأنهم مسبوقون عن ابن مسعود وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وذكر ذلك في الحاكم { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا } وهم الذين كانوا بإزاء العدو { فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } أي ثم ليكونوا حذرين من عدوكم { ود الذين كفروا } تمنى الكفار { لو تغفلون عن أسلحتكم } عن آلات الحرب { وأمتعتكم } ما بها بلاغكم { فيميلون عليكم ميلة واحدة } أي يحملون عليكم حملة واحدة { ولا جناح عليكم } أي لا حرج ولا إثم { إن كان بكم أذى من مطر } أو أنتم بازاء العدو { أو كنتم مرضى } أي بكم علة أو جراح وضعفتم عن حمل السلاح { أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم } أي كونوا على حذر { فإذا قضيتم الصلاة } فإذا صليتم في حال الخوف والقتال فصلوها { قياما } مشايفين ومقارعين { وقعودا } جاثمين على الركب مرامين { فإذا اطمأننتم } حين تضع الحرب أوزارها { فأقيموا الصلاة } فاقضوا ما صليتم في تلك الأحوال التي هي أحوال القلق { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } محدودا بأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها { ولا تهنوا } ولا تضعفوا ولا تنافوا { في ابتغاء القوم } في طلب الكفار بالقتال والتعرض لهم ثم ألزمهم الحجة بقوله تعالى: { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون } أي ليس ما تكابدون من الألم مختصا بكم إنما هو مشترك بينكم وبينهم يصيبكم كما يصيبهم وأنتم ترجون النصر من الله وإظهار الدين والثواب العظيم { وكان الله عليما حكيما } لا يكلفكم شيئا ولا يأمركم ولا ينهاكم إلا بما هو عالم به فيما يصلحكم ويحسن عاقبته بكم.
[4.105-113]
অজানা পৃষ্ঠা