[الإسراء: 32]، وقيل: لا تقربوا مواضعها وهي المساجد وهذا حين كانت الخمر مباحة، وروي أن عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) صنع طعاما وشرابا ودعا نفرا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين كانت الخمر مباحة فأكلوا وشربوا فلما ثملوا وجاء وقت الصلاة قدموا أحدهم ليصلي بهم فقرأ: قل يأيها الكافرون أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، فنزلت هذه الآية فكانوا لا يشربون في أوقات الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون ثم نزل تحريمها، وقيل: هو سكر النعاس، وغلبة النوم، قوله تعالى: { ولا جنبا إلا عابري سبيل } استثناء من عامة أحوال المخاطبين كأنه قال: لا تقربوا الصلاة في حال الجنابة إلا ومعكم حال أخرى تعتذرون فيها وهي حال السفر، وقيل: لا تقربوا المسجد جنبا إلا مجتازين فيه إلى الماء إذا كان الطريق فيه إلى الماء أو كان الماء فيه، وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأذن لأحد أن يمر بالمسجد ويجلس فيه وهو جنب إلا لعلي بن أبي طالب، قوله تعالى: { فتيمموا صعيدا طيبا } قيل: هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره وإن كان صخرا لا تراب عليه لو ضرب المتيمم يده عليه ومسح كان ذلك طهورا وهو مذهب أبي حنيفة قال ذلك جار الله، { إن الله كان عفوا غفورا } كناية عن الترخيص والتيسير، قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } نزلت في اليهود، نصيبا: حظا في علم التوراة { يشترون الضلالة } يعني يستبدلونها بالهدى وهو البقاء على اليهودية بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه هو النبي المبعوث العربي المبشر به في التوراة والإنجيل، قوله تعالى: { ويريدون أن تضلوا } أنتم أيها المؤمنون { السبيل } { والله أعلم بأعدائكم } وقد أخبركم بعداوة هؤلاء { وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا } فثقوا بولايته ونصرته دونهم أو لا تبالوا بهم فإن الله ينصركم عليهم، قوله تعالى: { من الذين هادوا } بيان للذين أوتوا نصيبا من الكتاب لأنهم يهود ونصارى، وقيل: نزلت في ناس من اليهود كانوا يأتون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخبرهم بما سألوه فإذا انصرفوا حرفوا كلامه (عليه السلام)، قوله تعالى: { واسمع غير مسمع } كانوا يقولون دعا له والمعنى اسمع لا سمعت، وقيل: معناه اسمع أصمك الله، وقيل: اسمع غير مجاب إلى ما تدعو { وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين } يريدون بذلك ذم رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم } وتهزئته وسخرية في الدين، ليا بألسنتهم: فتلا بها وتحريفا: أي يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون، راعنا موضع أنظرنا أو يلقون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقا { ولكن لعنهم الله بكفرهم } أي طردهم من الجنة وأبعدهم عنها { إلا قليلا } فيه قولان: أحدهما يريد عبد الله بن سلام وأصحابه، والثاني يريد إيمانا قليلا ضعيفا ركيكا.
[4.47-50]
قوله تعالى: { يأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم } الآية عن ابن عباس أنها
" نزلت في اليهود وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلم جماعة من أحبار اليهود منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن الأشرف وعبد الله بن سلام فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أني جئتكم بالحق " فقالوا: لا نعرف ذلك يا محمد، وقيل: لما نزلت أتى عبد الله بن سلام إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: ما كنت أراني أصل إليك حتى يتحول وجهي في قفاي، وسمع كعب بن الأشرف بهذه الآية فقال: يا رب آمنت يا رب أسلمت "
، { من قبل أن نطمس وجوها } فننكسها الوجوه إلى خلف والقفا إلى قدام، قيل: أراد بالطمس القلب والتغيير كما طمس أموال القبط وغيرها فقلبها، قوله تعالى: { أو نلعنهم } أو نخزيهم بالمسخ كما مسخنا { أصحاب السبت } قال جار الله: فإن قلت: فأين وقوع الوعيد؟ قلت: هو مشروط بالإيمان وقد آمن منهم ناس، وقيل: هو منتظر ولا بد من طمس ومسخ لليهود قبل يوم القيامة ولأن الله تعالى أوعدهم بأحد الأمرين نطمس وجوه منهم أو يلعنهم فإن الطمس تبديل أحوال رؤسائهم واجلائهم إلى الشام فقد كان ذلك والظاهر اللعن فإنهم ملعونون بكل لسان، ألا ترى إلى قوله تعالى:
هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير
[المائدة: 60] { وكان أمر الله مفعولا } الآية فلا بد أن يقع أحد الأمرين إن لم يؤمنوا، قوله عز وجل: { إن الله لا يغفر أن يشرك به } الآية، قيل: نزلت في وحش وأصحابه، وقيل: لا يغفر لليهود { ويغفر ما دون ذلك } لأهل التوحيد { ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما } أي ارتكبه، قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } نزلت في اليهود أتوا بأطفال لهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا: يا محمد هل على هؤلاء ذنب؟ قال: " لا " ، قالوا: والله ما نحن إلا كهيئتهم ما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل وما عملنا بالليل كفر عنا بالنهار، فنزلت الآية تكذيبا لهم، قال جار الله: هم اليهود والنصارى، قالوا: هم أبناء الله وأحباؤه، وقالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى { بل الله يزكي من يشاء } إعلام بأن تزكية الله عز وجل هي التي يعتد بها لا تزكية غيره لأنه العالم بمن هو أهل للتزكية، ومعنى يزكي من يشاء: يزكي المرتضين من عباده الذين عرف منهم الزكاء فوصفهم به قوله تعالى: { ولا يظلمون فتيلا } أي الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم أنفسهم حق جزائهم أو من يشاء يثابون على جزائهم ولا ينقص من ثوابهم ونحوه فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى، قوله تعالى: { انظر كيف يفترون على الله الكذب } في زعمهم أنهم عند الله أزكياء { وكفى } بزعمهم هذا { إثما مبينا } من بين سائر آثامهم.
[4.51-58]
قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت } الآية نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه وذلك أنه خرج إلى مكة في سبعين راكبا من اليهود يحالفون قريشا على محاربة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونقضوا عهده ونزلوا على أبي سفيان فقال لهم أهل مكة: أنتم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ولا نأمن أن يكون هذا منكم سكرا فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين ففعلوا، فهذا إيمانهم بالجبت { والطاغوت } لأنهم سجدوا للأصنام، والطاغوت: الشيطان، قال كعب: أنتم منا ونحن منكم وتعاقدوا على حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال أبو سفيان لكعب: إنك لتقرأ الكتاب فبين لنا أنحن أهدى سبيلا أم محمد؟ قال كعب: ماذا يقول محمد؟ قالوا: يأمر بعبادة الله وحده وينهى عن الشرك، قال: وما دينكم؟ قالوا: نحن ولاة البيت نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني وذكروا أفعالهم، فقال: أنتم أهدى سبيلا، وعن ابن عباس (رضي الله عنه): الجبت حيي بن أخطب، والطاغوت كعب بن الأشرف، وقيل: الجبت الأصنام وهو الظاهر والطاغوت الشيطان لعنه الله تعالى، وصف اليهود بالبخل والحسد وهما شر خصلتين، قوله تعالى: { أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا } أحدا مقدرا نقير: لفرط بخلهم، والنقير: النقرة في ظهر نواة التمر وهو مثل في القلة، كالفتيل والقطمير، والمراد بالملك أما ملك أهل الدنيا وإما ملك الله تعالى كقوله تعالى:
قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق
অজানা পৃষ্ঠা