{ إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } استهزاء بهم، وإنما قيل: إنما سميت الأوثان عباد إلا أنها مملوكة لله تعالى، وقيل: صارت مخلوقة أمثالكم، وقوله تعالى: { ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها } أي ليس لهم أي للأوثان هذه الحواس فأنتم أفضل منهم فلم عبدتموهم؟ روي ذلك في الحاكم عن أبي علي، { قل } يا محمد { ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون } روي أن المشركين خوفوه بآلهتهم فأجابهم بذلك، يعني ادعوا الأوثان ثم كيدون بأجمعكم، أي أمكروا بي فلا تنظرون أي لا تؤخروا لتعلموا أن كيدكم لا يضرني لأن الله تعالى يدفع عني { إن وليي الله } أي ناصري وحافظي { الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين } ، قوله تعالى: { والذين تدعون من دونه } يعني الأصنام { لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون } ، قيل: الأوثان، وقيل: الكفار لا ينصرون أنفسهم ولا معبودهم { وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } ، قيل: هم عباد الأوثان ينظرون إليك كأنهم لا يبصرونك كراهة النظر إليك، وبغضا منهم لك لأنهم لا يتأملون حقائق ما ينظرون اليه من آيات الله ومعجزات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين } ، قيل: لما نزلت الآية سأل جبريل فقال: لا أدري حتى أسأل، ثم رجع فقال: يا محمد ان ربك يقول: أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفوا على من ظلمك، وعن جعفر الصادق (عليه السلام): " أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق وليس في القرآن أجمع لمكارم الأخلاق منها " { واعرض عن الجاهلين } يعني لا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم، وقال بعضهم في قوله: { واعرض عن الجاهلين } نسختها آية السيف { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ } أي يعرض لك ويصيبك من وسوسة في خلاف ما أمرت به { فاستعذ بالله } أي استجر بالله من نزغه، { إنه سميع عليم }.
[7.201-206]
قوله تعالى: { إن الذين اتقوا } الكفر والكبائر { إذا مسهم } إذا أصابهم { طائف } قيل: وسوسة، وقيل: غضب { تذكروا } في الوعد والوعيد، وقيل: تذكروا الله تعالى فتركوا الذنب { فإذا هم مبصرون } ما عليهم من الخطيئة والعصيان، وما لهم من الثواب والرضوان { وإخوانهم } يعني إخوان الشياطين في الضلال { يمدونهم } الشياطين، وقيل: إخوان الشياطين المشركين، وإنما سماهم إخوانا لقبولهم منهم { ثم لا يقصرون } أي يكفون عن أغوائهم، وقيل: لا يمسكون، ومعنى: { لولا اجتبيتها } هلا اجتمعتها افتعالا من عند نفسك، لأنهم كانوا يقولون: { ما هذا إلا إفك مفترى } يعني القرآن { بصائر } حجج وبراهين { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا } ظاهرة وجوب الاستماع والانصات وقت تلاوة القرآن وفي صلاة وغير صلاة، وقيل: كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت ثم صار سنة في غير الصلاة أن ينصت القوم إذا كانوا في مجلس يقرأ فيه القرآن، وقيل: معناه استمعوا له اعملوا بما فيه ولا تجاوزوه { واذكر ربك في نفسك } هو عام في الاذكار من قراءة القرآن وغيرها من الدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك، وقيل: هو أمر بالصلاة، وقيل: بالقراءة في الصلاة { تضرعا } تخشعا وتذللا، وقيل: المراد به الصلوات المكتوبات { وخيفة } خفا خوفا من عقابه { ودون الجهر من القول } ومتكلما كلاما دون الجهر لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص { بالغدو والآصال } ، قيل: أراد دوام الذكر ومعنى بالغدو وقت أول النهار، والآصال العشي { ولا تكن من الغافلين } الذين يغفلون عن ذكر الله تعالى: { إن الذين عند ربك } هم الملائكة (صلوات الله عليهم) قال الحاكم: والآية تدل على أن الملائكة أفضل من بني آدم { ويسبحونه } ينزهونه عما لا يليق عليه { وله يسجدون } ، قيل: يخضعون، وقيل: يهلون.
فصل
لا خلاف أن في آخر الأعراف سجدة، قال أبو حنيفة: كل موضع للسجود في آخر السورة أو قريبا منه فهو بالخيار إن شاء ركع وإن شاء سجد ورفع رأسه قام وقرأ القرآن ثم ركع، واختلفوا في حكمها فقال أبو حنيفة: سجدة التلاوة واجبة، شرط فيها من الطهارة والقبلة وغيرها ما يشرط في الصلاة، وقال الشافعي: سنة مؤكدة، قال أبو حنيفة: يكبر ويسجد ويكبر ويرفع رأسه مكبر ولا سلام، وقال الشافعي: فيه سلام.
[8 - سورة الأنفال]
[8.1-3]
{ يسألونك عن الأنفال } النفل الغنيمة لأنها من فضل الله تعالى وعطائه، وهو أن يقول الإمام في الحرب: " من قتل قتيلا فله سلبه " أو قال لسريته: " ما أصبتم فهو لكم ويلزم الإمام الوفاء بما وعد منه " وعند الشافعي في أحد قوليه: لا يلزم، ولقد وقع الاختلاف بين المسلمين في غنائم بدر وقسمتها فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف يقسم ولمن الحكم في قسمته أللمهاجرين أم للأنصار أم لهم جميعا؟ فنزلت السورة وبين أن أمر ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليكم فيها كيف شاء ليس لأحد غيره فيها حكم،
" وعن سعد بن أبي وقاص: قتل أخي عمير يوم بدر، فقتلت به سعد بن أبي العاص، وأخذت سيفه فأعجبني، فجئت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقلت: إن الله قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف، فقال: " ليس هذا لي ولا لك " فطرحته وبي ما لا يعلمه إلا الله تعالى من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد نزلت سورة الأنفال فقال لي: " يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي وإنه قد صار لي فخذه "
وعن عبادة بن الصامت: نزلت فينا يا معشر أهل بدر { قل الأنفال لله والرسول } يعني أنها مختصة بالله ورسوله بأمر الله تعالى بقسمها على ما يقتضيه حكمه بأمر الله تعالى، وكان في ذلك تقوى الله، وطاعة رسوله، واصلاح ذات البين { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله } ، قيل: ذكر بتوحيده وصفاته ووعده ووعيده { وجلت قلوبهم } يعني خافت، وقيل: فزعت استعظاما لذكره { وإذا تليت عليهم آياته } يعني القرآن { زادتهم إيمانا } تصديقا إلى تصديقهم { وعلى ربهم يتوكلون } أي يفوضون أمرهم إليه { الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون } يريد الزكاة المفروضة، وقيل: على سبيل البر.
অজানা পৃষ্ঠা