قلا يا أكمل الرسل إمحاضا للنصح: { إن ينصركم الله } المولي لأموركم بعزته وسلطانه { فلا غالب لكم } أي: لا أحد يغلبكم ويخاصمكم؛ لكونكم في حمى الله وكنف حوله وقوته { وإن يخذلكم } بقهره وسخطه { فمن ذا الذي ينصركم من بعده } أي: من بعد قهره وبطشه { وعلى الله } المعز المذل القوي المتين { فليتوكل المؤمنون } [آل عمران: 160] في جميع أمورهم حتى خلصوا وأخلصوا.
[3.161-164]
ثم لما نسب المنافقون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما برأه الله ذيل عصمته عنه من الخيانة والغلول، راد الله عليهم في ضمن الحكمة الكلية، الشاملة لجميع الأنبياء؛ إذ مرتبة النبوة مطلقا مصونة عن أمثال هذه الخرافات، فقال: { وما كان } أي: ما صح وما جاز { لنبي } من الأنبياء، خصوصا خاتم النبوة والرسالة صلى الله عليه وسلم { أن يغل } يخون ويحيف بالنسبة إلى أحد { ومن يغلل } أحدا من الناس { يأت بما غل يوم القيامة } أي: تأتي مغلولة مع ما غل فيه على رءوس الأشهاد { ثم توفى كل نفس } مطيعة أو عاصية جزاء { ما كسبت } أي: يعطي جزاء ما كسبت وافيا { وهم } في تلك الحالة { لا يظلمون } [آل عمران: 161] لا ينقصون من أجورهم؛ إذ لا ظلم فيها، بل يزاد عليها تفضلا وامتنانا.
{ أفمن اتبع } انقاد وأطاع { رضوان الله } أي: رضاه، ورضي الله عنه؛ لتحققه بمقام الرضا ومأواه جنة التسليم { كمن بآء } رجع وقصد بكفر وظلم مستلزم { بسخط } عظيم { من الله و } بسببه { مأواه جهنم } البعد الطرد { وبئس المصير } [آل عمران: 162] والمنقلب مصير أهل الكفر والظلم وحاشا ليسوا كمثلهم.
بل { هم } أي: المتابعون رضوان الله { درجت } عالية عظيمة { عند الله } حسب درجات أعمالهم { والله } المطلع لحالات عباده { بصير بما يعملون } [آل عمران: 163] يجازيهم على مقتضى عملهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
والله { لقد من الله } منة عظيمة { على المؤمنين } المخلصين { إذ بعث فيهم } لهدايتهم { رسولا } مرشدا لهم، ناشئا { من أنفسهم } يرشدهم بأنواع الإرشاد { يتلوا عليهم } ويسمعهم أولا { آياته } الدالة على وحدة ذاته { ويزكيهم } ثانية عن وسوسة شياطين الأهواء، المضلة عن طريق التوحيد { ويعلمهم } ثالثا { الكتاب } المبين لهم طريقة تصفية الظاهر، وما يتعلق بعالم الشهادة { و } رابعا بعلمهم { الحكمة } المصفية للباطن عن الميل إلى الغير والسوى، الموصلة إلى سدرة المنتهى التي عندها جنبة المأوى { وإن كانوا من قبل } أي: قبل انكشافهم بالمراتب الأربعة { لفي ضلال مبين } [آل عمران: 164] وخذلان عظيم.
نبهنا بفضلك عن نومة الغافلين.
[3.165-168]
{ أو لمآ أصبتكم مصيبة } أي: أتيأسون وتقنطون من فضل الله عليكم أيها المؤمنون حين أصابتكم مصيبة يوم أحد، ولا تذكرون نصره يوم بدر؛ إذ { قد أصبتم } فيه { مثليها } إذ قتلتم سبعين وأسرتم سبعين؟ { قلتم } من غاية حزنكم وأسفكم: { أنى هذا } أي: من أين حدث لنا هذه الحادثة الهائلة ونحن قد وعدنا النصر والظفر؟ { قل } لهم يا أكمل الرسل إلزاما وتبكيتا: { هو من عند أنفسكم } بعدم تثبتكم وتصبركم على المكان الذي عينكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم وفائكم على العهد الذي عاهدتم معه، أو من الفدية التي أخذتم يوم بدر، مع أن الأولى قتلهم واستئصالهم { إن الله } المطلع على جميع مخايلكم { على كل شيء } من المصيبة والإصابة { قدير } [آل عمران: 165].
{ و } اعلموا أيها المؤمنون، الموقنون بقدرة الله على عموم الإنعام والانتقام أن { مآ أصابكم يوم التقى الجمعان } الصفان يوم أحد { فبإذن الله } المنتقم منكم؛ لتغييركم ما في ضميركم من نية التقريب بالميل إلى زخرفة الدنيا، واتباع الهوى { و } إنما يبتليكم الله بما ابتلاكم { ليعلم } وليميز { المؤمنين } [آل عمران: 166] الذين ثبتوا على الإيمان، واستقروا على شعائر الإسلام من غيرهم.
অজানা পৃষ্ঠা