{ و } اعلموا أيها المؤمنين { ما جعله الله } الهادي لعابده إلى زلال توحيده، أمثال هذه الإمدادات والإرهاصات الواردة في أمثال هذه الوقائع { إلا بشرى لكم } يبشركم بمقام التوكل والتفويض والرضا والتسليم { ولتطمئن قلوبكم به } أي: لتكونوا مطمئنين بالله، فانين ببقائه { و } اعلموا أيضا { ما النصر } والانهزام { إلا } مقدرين { من عند الله } العليم العلام { العزيز } القادر والغالب على الإنعام والانتقام { الحكيم } [آل عمران: 126] المتقن في فعله على أتم الوجه، وأكمل النظام.
وإنما جعله وبشر به { ليقطع } وليستأصل { طرفا } جملة وجماعة { من الذين كفروا } أعرضوا عن طريق التوحيد، فينهزم الباقون { أو يكبتهم } أي: يخزيهم ويرديهم { فينقلبوا } جميعا { خآئبين } [آل عمران: 127] خاسرين، نادمين.
وإذا كان الكل من عند الله العزيز الحكيم { ليس لك } يا أكمل الرسل { من الأمر شيء } أي: شيء من أمورهم، بل الأمر كله لله، فله أن يفعل معهم ما شاء وأراد، إما أن يستأصلهم { أو يتوب عليهم } توبة تنجيهم من أنانيتهم { أو يعذبهم } دائما؛ جزاء لظلمهم وكفرهم { فإنهم ظالمون } [آل عمران: 128] مستقرون على الظلم ما داموا في الحياة الدنيا.
{ و } كيف لا تكون أمورهم مفوضة إلى الله؛ إذ { لله } خاصة مستقلة بلا مزاحم ومشارك { ما } ظهر { في السموت وما } ظهر { في الأرض يغفر } يستر { لمن يشآء } جريمة المخالفة لطريق التوحيد بعد رجوعه وإنابته إليه سبحانه { ويعذب } بها { من يشآء } في جهنم البعد والخذلان { والله غفور } لمن تاب واستغفر { رحيم } [آل عمران: 129] لمن استحى وندم.
[3.130-134]
ثم خاطب سبحانه المؤمنين، مناديا لهم بما يتعلق برسوخهم في طريق التوحيد من الخصائل الجميلة والشيم المرضية، فقال: { يأيها الذين آمنوا } بالله ورسوله، مقتضى إيمانكم { لا تأكلوا الربوا } سيما إذا كان { أضعفا مضعفة } بحيث يستغرق مال المديون مجانا { واتقوا الله } المنتقم الغيور، ولا تجاوزوا عن حدوده { لعلكم تفلحون } [آل عمران: 130] توفوزون بامتثال مأموراته ومرضياته.
{ واتقوا } أيها المؤمنون { النار التي أعدت } هيئت { للكافرين } [آل عمران: 131] أصالة وللمقتفين إثرهم؛ تبعا، ويعلمون معاملتهم؛ استنكارا واستكبارا.
{ و } إن أردتم الفلاح { أطيعوا الله والرسول } المبين لكم طريق أطاعة الله { لعلكم ترحمون } [آل عمران: 132] من عند الله، إن أخلصتم في انقايدكم وطاعاتكم.
{ و } لا تتكئوا، ولا تتكلوا إلى طاعاتكم وعبادتكم، ولا تزنوها عند الله، بل { سارعوا } بادروا وواظبوا { إلى } طلب { مغفرة من ربكم } ستر ومحو لهوياتكم { و } وصول { جنة } منزل ومقر { عرضها السموت } أي: الأسماء الصفات الإلهية القائمة بذات الله { والأرض } أي: طبيعة العدم القابل لانعكاس أشعة تلك الأسماء والصفات، إنما { أعدت } وهيئت { للمتقين } [آل عمران: 133] من أهل التوحيد، وهم الذين يرفعون غشاوة الغيرية وغطاء التعامي عن نور الوجود مطلقا. لذلك هم: { الذين ينفقون } من طيبات ما سكبوا من رزق صوري ومعنوي للمستخقين من أهل الله، سواء كانوا { في السرآء } أي: حين الفراغة عن الشواغل العائقة عن التوجه الحقيقي { والضرآء } عند عروض العوارض اللاحقة عن لوازم البشر { والكاظمين الغيظ } أي: الماسكين، الكافين غيظهم عند ثوران القوة الغضبية، وهيجان الحمية البشرية الناشئة عن مقتيضات القوى الحيوانية { والعافين عن الناس } الذين يعفون ويتركون عقوبة من يسوءهم ويظلمهم؛ لتحققهم في مقر التوحيد المسقط للإضافات والاختلافات مطلقا { والله } المطلع لسرائر عباده { يحب المحسنين } [آل عمران: 134] منهم بجميع أنواع الإحسان، خصوصا بكظم الغيظ والعفو عند القدرة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم:
অজানা পৃষ্ঠা