503

فذهب موسى بإذن الله ووحيه إلى فرعون وأظهر الدعوة عنده، وأقام البينة عليها { فلما جآءتهم } أي: ظهرت على فرعون وقومه { آياتنا } الدالة على كمال قدرتنا وحكمتنا، وصدق من أرسلنا إليهم؛ لإرشادهم وتكميلهم، مع كونها { مبصرة } موضحة، مبينة لهم صدق موسى في دعوى الرسالة، ظاهرة لائحة في نفسها أنها معجزة، ما هي من جنس السحر والشعبذة { قالوا } من فرط عتوهم وعنادهم: { هذا سحر مبين } [النمل: 13] ظاهر، إنه مجعول بمكر وحيل.

{ و } من كمال استنكافهم واستكبارهم { جحدوا بها } وأنكروا لها، ولم يلتفتوا إليها ظاهرا { و } الحال أنها قد { استيقنتهآ أنفسهم } إنها معجزة خارقة للعادة صدرت عن أمر إلهي، لا عن مكر وخديعة فظلموا أنفسهم بتكذيب ما تستقر في أنفسهم صدقا وكونه معجزة { ظلما } صريحا، وعداوانا عن الحق، وميلا إلى الباطل حسدا وعنادا.

{ و } استكبروا على موسى، وأنكروا جميع ما جاء به من عند ربه { علوا } وعتوا { فانظر } أيها المعتبر الناظر { كيف كان عاقبة المفسدين } [النمل: 14] المستكبرين الذين يكذبون ما يعلمون يقينا حقيته في نفوسهم، وينسبونه بأفواههم إلى السحر والشعبذة عنادا ومكابرة، انظر عاقبتهم، كيف غرقوا واستؤصلوا إلى حيث لم يبق منهم أحد يخلفهم ويحيي اسمهم؟!.

[27.15-19]

{ و } من سعة جودنا، وعموم فيضنا وفضلنا { لقد آتينا } وأعطينا { داوود و } إبنه { سليمان علما } متعلقا بالحكم والأحكام، وعموم تدبيرات الأنام، وضبط أحوالهم وأوضاعهم المتداولة بينهم من الإنصاف والانتصاف وإقامة الحدود، وسد الثغور وغيرها من الأمور المتعلقة بضبط المملكة.

{ وقالا } بعدما آرادا أن يشكرا الله، ويؤديا حقوق نعمه الجليلة، ومنحه الفائضة الجزيلة: { الحمد } والمنة، والثناء التام الناشىء من عموم الألسنة، وجميع الجوارح الممنونة من نعمه، المغمورة بموائد لطفه وكرمه { لله } الواحد الأحد الصمد، المستحق لعموم المحامد والأثنية الصادرة من ذرائر الأكوان طوعا { الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين } [النمل: 15] له، الموحدين بذاته، المصدقين لأنبيائه ورسله وكتبه، وخصصنا من بينهم بمزيد الكرامة المتعلقة برئاسة الدارين، وسيادة النشأتين، وحكومة الثقلين، والحكمة المتقنة المتعلقة بمرتبتي الناسوت واللاهوت، وحضرة الرحموت والجبروت.

{ وورث سليمان داوود } يعني: بعدما انقرض داوود استخلف عنه سليمان عليه السلام، وورث من نبوته وحكمته وحكومته، وسخر له جميع ما سخر لداوود مع زيادات خلال عنه أبوه عليه السلام، وهو تسخير الجن والريح ومنطق الطيق، فإنها ما تيسر لأبيه { و } بعدما تمكن سليمان عليه السلام على مقر الحكومة والنبوة { قال } يوما للملأ الجالسين حوله تنويها وتشهيرا لنعم الله على نفسه: { يأيها الناس علمنا } بلسان الوحي وترجمانه { منطق الطير وأوتينا } من فضل الله علينا { من كل شيء } أي: كثير من الأشياء ما لم يؤت مثله أحد من العالمين { إن هذا } الإعطاء والتخصيص والتفضل { لهو الفضل المبين } [النمل: 16] الظاهر اللائح فضله على كل أحد، والملك العظيم الذي لم يؤت أحد من الأنبياء.

{ و } اذكر يا أكمل الرسل يوم { حشر } وجمع { لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير } وكان معسكره مسيرة مائة فرسخ، خمسة وعشرون للإنس، وخمسة وعشرون للجن، وخمسة وعشرون للطير، وخمسة وعشرون للوحش، تمشي كل طائفة منهم مع بني نوعه صافين مستوين، وإن تسابق بعضهم على بعض { فهم } حينئذ { يوزعون } [النمل: 17] ويحبسون؛ حتى يتلاحقوا ويتساوى صفوفهم، وكان سليمان عليه السلام يأمر الريح فترفعه فوق رءوسهم مشرفا عليهم، فتسير معه رخاء.

ومن كمال فضل الله عليه أنه ما تكلم أحد منهم بكلام إلا حملته الريح وألقته في سمعه، فبينا هو يسير مع عسكره هكذا رآه، وجنده حراث، فقال مستغربا: والله لقد أوتي آل داوود ملكا عظيما، فمشى سليمان عليه السلام إليه، فقال له: إنما مشيت إليك؛ لأوصيك ألا تتمنى ما لا تقدر عليه، ثم قال: والله لتسبيحة واحدة يتقبلها الله خير مما أوتي آل داوود.

وكان عليه السلام مع جنوده على الوجه الذي ذكر { حتى إذآ أتوا على واد النمل } هو واد بالشام كثير النمل؛ لذلك سميت به { قالت نملة } بعدما رأت سواد العسكر، و أشعرت بعبورهم على الوادي منادية لإخوانها، صائحة عليهم، صارخة: { يأيها النمل } الضعيف النحيف { ادخلوا مساكنكم } مسرعين متحرزين، ولا تقفوا في الصحراء حتى { لا يحطمنكم } ولا يطأنكم { وهم } بحوافر خيولهم { سليمان وجنوده } وإن كانوا من أرباب البر والتقوى، محترزين عن أمثال هذا الظلم الصريح إلا أنهم { لا يشعرون } [النمل: 18] بكم؛ لصغركم وحقارتكم فيطئوكم بلا شعور وإدراك.

অজানা পৃষ্ঠা