يومئذ يتلذذون أو هم { يومئذ } [الفرقان: 24] أي: يوم انقطاع السلوك، وانكشاف السدل والأغطية المانعة من الشهود { خير مستقرا } [الفرقان: 24] من جهة استقرارهم في مقر التوحيد، آمنين عن وساوس الأوهام والخيالات الباطلة { وأحسن مقيلا } [الفرقان: 24] يستريحون فيه بلا مقتضيات القوى والآلات البشرية المنخلعين عن لوازم ناسوتهم مطلقا، مشرفين بخلع من قبل اللأهوت وحضرة الرحموت.
{ و } ذلك { يوم تشقق السمآء } تتصفى، وتتجلى سماء الأسماء الإلهية المنكدرة المحتجة { بالغمام } أي: بغيوم التعينات العدمية المنعكسة منها { ونزل الملائكة } المهيمين عند الذات الأحدية، وهي الأسماء والصفات التي استأثر الله به في غيبه بلا انعكاس وانبساط وامتداد ظل كسائر الأسماء الفعالة { تنزيلا } [الفرقان: 25] على صرافة تجردهم بلا تدنس وانغماس بغيوم التعينات والتعلقات.
حنيئذ نودي من وراء سرادقات العز والجلال: { الملك } المطلق والاستيلاء التام والسلطنة الغالية { يومئذ الحق } الثابت اللائق، والمثبت على ما ينبغي ويليق { للرحمن } المستوي على عروش ذرائر الأكوان بعموم الرحمة وشمول الفضل والامتنان، بلا تقدير مكيال وميزان من زمان أو مكان { وكان } ذلك اليوم والشأن { يوما } وشأنا { على الكافرين } الساترين بغيوم هوياتهم الباطلة هوية الحق الظاهر في الآفاق والأنفس { عسيرا } [الفرقان: 26] في غاية العسر والشدة، وعلى الموحدين الواصلين إلى مرتبة الفناء، الفانين في الله، الباقين ببقائه يسيرا في غاية اليسر والسهولة.
[25.27-31]
{ و } اذكر يا أكمل الرسل لمن ظلمك وأساء الأدب معك، وأراد مقتك وطردك بغيا عليك واستكبارا { يوم يعض الظالم } الجاحد الخارج عن مقتضى الأدب مع الله ورسوله { على يديه } تحسرا على تفريطه وإفراطه في العتو والاستكبار، والجحود والإنكار { يقول } حينئذ متحسرا متمنيا: { يليتني اتخذت مع الرسول } الهادي إلى سواء السبيل { سبيلا } [الفرقان: 27] يوصلني إلى منهج الرشاد، وينجني عن هذا العذاب.
{ يويلتى } تعالي يا هلكتى، أسرعي { ليتني لم أتخذ فلانا } مضلا { خليلا } [الفرقان: 28] صديقا أضلني عن خلة الرسول المرشد المنجي والله.
ذلك المغوي { لقد أضلني عن الذكر } أي: عن ذكر الله ذكر رسوله ومصاحبة المؤمنين { بعد إذ جآءني } واختلط معي، وصار صديقي وخليلي، بل صار شيطانا فوسوس علي، وأعرضني عن طريق الحق { وكان الشيطان } المضل المغوي سواء كان جنا أو إنسا أو نفسا { للإنسان } المجبول على الغفلة والنسيان { خذولا } [الفرقان: 29] يخذله ويحرمه عن الجنان، ويسوقه إلى دركات النيران بأنواع الخيبة والحرمان، ونعوذ بك يا ذا الفضل والإحسان من شر الشيطانز
{ و } بعدما طعنوا في القرآن كثيرا، ونبذوه وراء ظهورهم نبذا يسيرا بلا التفات لهم إليه وإلى ما فيه من الأوامر والنواهي { قال الرسول } مشتكيا إلى الله مناجيا: { يرب إن قومي } الذي بعثتني إليهم؛ لأهديهم وأرشدهم إلى توحيدك، وأبني لهم حدود ما أنزلت إلي من الكتاب المعجز الجامع لجميع ما في الكتب السالفة، المشتمل على جميع المعارف والحقائق والحكم، والأحكام المتعلقة بالتدين والتخلق في طريق توحيدك وتفريدك وتقديسك، مع أن هؤلاء الجهلة المسرفين { اتخذوا هذا القرآن } مع سطوع برهانه، وقواطع حججه وتبيانه { مهجورا } [الفرقان: 30] متروكا لا يلتفتون إليه ولا يسترشدون منه، ولا يتوجهون نحوهن بل يقدحون فيه ويكذبون، وينسبون إليه ما لا يليق بشأنهز
{ و } بعدما بث صلى الله عليه وسلم شكواه إلى ربه، وبسط فيها معه سبحانه ما بسط، قال سبحانه تسلية له صلى الله عليه وسلم، وإزالة لشكواه: لا تبال بهم وبشأنهم، ولا تحزن من سوء فعالهم؛ إذ { كذلك } أي: مثل ما جعلنا لك يا أكمل الرسل أعداء منكرين مكذبين { جعلنا } أيضا { لكل نبي } من الأنبياء الماضين { عدوا من المجرمين } المنكرين المكذبين لهم، ويسيئون الأدب معهم ويطعنون بكتبهم، ولا ينصرونهم ولا يروجون دينهم ولا يقبلون منهم قولهم، وليس هذا مخصوصا بك و بدينك وكتباك { و } بالجملة: لا تحزن عليهم؛ إذ { كفى بربك } أي: كفى ربك لك { هاديا } يرشدك إلى مقصدك، ويغلبك على عدوك { ونصيرا } [الفرقان: 31] حسيبا يكفيك مؤونة شرورهم وعداوتهم وإنكارهم.
[25.32-36]
অজানা পৃষ্ঠা