{ في } الآيات المتعلقة لأمور { الدنيا } فتتصفوا بما فيها { و } أيضا تأملوا في الآيات المتعلقة لأمور { الآخرة } فتحققوا بها، وتمكنوا عليها واطمأنوا بسببها؛ ليتم لكم تهذيب الظاهر والباطن، وبعد ذلك يترتب ما يترتب { ويسألونك } أيضا { عن } أحوال { اليتامى } الذين لم يبلغوا الحلم، ولا متعهد لهم من ذوي القربى { قل إصلاح لهم } أحوالهم { خير } من إبقائهم في المذلة والهوان { وإن تخالطوهم } من غاية المرحمة والإشفاق { فإخوانكم } في الدين، يجزيكم الله خيرا إن كتنتم قاصدين فيه إصلاحهم ورعايتهم، دون إفساد مالهم وعرضهم { والله } الماطلع بمقاصدكم { يعلم المفسد } المبطل منكم { من المصلح } المحق، فيجازي كلا منهم على مقتضى علمه { ولو شآء الله } المطلع لإفسادكم وإعناتكم أن يفسد عليكم ويعنتكم { لأعنتكم } أذلكم وأفسدكم أشد من إفسادكم وإعناتكم إياهم { إن الله عزيز } غالب قادر على الانتقام { حكيم } [البقرة: 220] لا ينتقم بلا موجب.
[2.221-223]
{ و } من جملة الأحكام الموضوعة لإصلاحكم أن { لا تنكحوا } أيها المؤمنون النساء { المشركات } الكافرات { حتى يؤمن } لئلا يختلط ماؤكم بمهائن، وليوجد الولد على فطرة الإسلام { و } اعلموا أيها المؤمنون { لأمة مؤمنة } لكم أن تنكحوها { خير من } حرة { مشركة ولو أعجبتكم } مالها وجمالها { ولا تنكحوا } أيتها المؤمنات { المشركين } الكافرين { حتى يؤمنوا و } اعلمن أيتها المؤمنات { لعبد مؤمن } لنكاحكن { خير من } حر { مشرك ولو أعجبكم } ماله وجماله؛ إذ لا كفاءة بين المؤمن والكافر { أولئك } المشركون والمشركات { يدعون } أي: يريدون دعوتكم { إلى النار } المتفرعة على شركهم وكفرهم { والله } الهادي لكم إلى اختلاط المؤمنين والمؤمنات، الحافظ لمكافأتكم في النكاح والإنكاح { يدعوا إلى الجنة } المتفرعة على الإيمان والتوحيد { والمغفرة } المسلتزمة لدفع الآثام والمعاصي { بإذنه } بتوفيقه وإقداره { ويبين آياته } أي: أحكامه وآدابه وأخلاقه في كتابه { للناس لعلهم يتذكرون } [البقرة: 221] رجاء أن يتذكروا ويتعظوا بها ليهتدوا إلى زلال التوحيد.
{ ويسألونك } أيضا { عن المحيض } روي أن أهل الجاهلية كانوا لم يسكانوا لحيض ولم يؤاكلوها كفعل اليهود والمجوس، واستمر ذلك إلى أن سألوا أبا الدحداح مع جمع من الصحابة عن ذلك فنزلت: { قل هو أذى } مؤذ يتأذى منه من يقربه { فاعتزلوا النسآء في المحيض ولا تقربوهن } بالإتيان والوقاع لا بالمصاحبة والمخالطة والمؤاكلة { حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله } قاصدين فيه حكمة إبقاء نوع الإنسان المستخلف عن الله { إن الله يحب التوابين } عن الميل إلى خلاف ما أمر الله به { ويحب المتطهرين } [البقرة: 222] عن الأناس الظاهرة والباطنة.
{ نسآؤكم } أيها المؤمنون { حرث لكم } أي: موضع حراثتكم ومحل إتيانكم { فأتوا حرثكم أنى شئتم } مقبلين أو مدبرين، روي أن اليهود كانوا يقولون: من جامع امرأته من جانب دبرها كان ولده أحول، رد الله عليهم بهذه الآية { وقدموا لأنفسكم } أيها المستكشفون عن سرائر الأمور من الحكم والأسرار المودعة في التلذذ والنزول والانبعاث والشوق والانتعاش، وأنواع الكيفيات المستحدثة عند الوقاع لإيجاد النسل وإبقاء النوع، ولا تغفلوا عن سرائره، ولا تطمئوا بمجرد قضاء الشهوة كالحيوانات العجم { واتقوا الله } عن الخيانة والخباثة، والإتيان إلى غير المآتي المأمورة في الشرع، وغير ذلك من المحظورات المسقطة لحرمات الله الواقعة في أمر الجماع والاجتماع؛ إذ هو منزلة إقدام أولي الأحلام من عظماء الأنام { واعلموا أنكم } بأجمعكم { ملاقوه } سبحانه فتزودوا بزاد يليق بجانبه { وبشر } يا أكمل الرسل { المؤمنين } [البقرة: 223] القائمين بحدود الله، المحافظين عليها دائما، الخائفين من خشية الله، الراجين من رحمة الله بأن لهم عند ربهم روضة الرضاء وجنة التسليم.
[2.224-227]
{ و } من جملة الأخلاق المنزلة لكم أن { لا تجعلوا } اسم { الله عرضة } وجهة ومعرضا { لأيمانكم } المتعلقة بكل دني خسيس وحق وباطل؛ أي: لا تكثروا الحلف بالله في الأمور؛ إذ أنتم بشريتكم ما تخلون عن شوب الكذب والبطلان، ما لكم والتلفظ باسم الحق الحقيق الحقية لترويج الأمور المزخرفة بالباطلة { أن تبروا } افعلوا الخيرات وواظبا على الطاعات، وتوجهوا إلى الله في عموم الأوقات وشمول الحالات { و } إن أردتم أن { تتقوا } اجتنبوا عن المحظورات، واحذروا عن المحرمات، وارجعوا نحو ربكم بإسقاط الإضافات { و } إن أردتم أن { تصلحوا بين الناس } تليينا لقلوبهم، ادعوهم إلى التوحيد بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أقوم { والله سميع } لإيمانكم { عليم } [البقرة: 224] بنياتكم فيجازيكم على مقتضى علمه بحالكم، هذا في الأيمان المثبتة للوقائع والأحكام، المقاربة للقصد والإرادة.
وأما الإيمان الجارية على ألسنة العوام بلا إثبات ونفي، بل على سبيل الاتفاق فمما يعفى عنه، فلذلك قال سبحانه: { لا يؤاخذكم الله باللغو } الواقع { في أيمانكم } بلا قصد وإرادة { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } بواسطة الأيمان الكاذبة من الأمور الباطلة التي لا تطابق الواقع، فلبستم فيها وأثبتهم بها { والله غفور } لكم لو تبتم ورجعتم إليه عما كسبتم من الآثام { حليم } [البقرة: 225] بالانتقام رجاء أن يتوبوا عنها.
ثم قال سبحانه: { للذين يؤلون } أي: يحلفون أن يمتنعوا { من } وقاع { نسآئهم تربص أربعة أشهر } أي: يلزم عليم الانتظار إلى أن تنقضي مدة أربعة أشهر { فإن فآءو } أي: رجعوا في هذه المدة عن الحلف بأن جامعوا معهن، حنثوا { فإن الله غفور } بحنثهم يتجاوز عنهم بالكفارة { رحيم } [البقرة: 229] لهم بإبقاء النكاح بينهم.
{ وإن عزموا الطلاق } بلا حنث الحلف { فإن الله سميع } يسمع منهم الطلاق { عليم } [البقرة: 227] بنفرة قلوبهم منهن.
অজানা পৃষ্ঠা