{ وما اختلف فيه } أي: في الكتاب المنزل إليهم بالتكذيب والإنكار أحد من الناس { إلا } القوم { الذين أوتوه } أي: الكتاب، وكان اختلافهم { من بعد ما جآءتهم البينت } الواضحات المصدقات، بأنه منزل لهم من عند الله العليم الحكيم { بغيا } خروجا عن طريق الحق وحسدا لأهله واقعا { بينهم } من وساوس شياطينهم، من الجاه و الرئاسة والعتو والاستكبار { فهدى الله } بلطفه { الذين آمنوا } بالنبي المبعوث، والكتاب المنزل معه { لما اختلفوا فيه } من الأمور الدينية مع المعاندين المنكرين، والحال أنه { من الحق } الصريح المطابق للواقع، واختلافاتهم أيضا معهم إنما يكون { بإذنه } أي: بأمره المنزل في كتابه { والله } المرشد لكل العباد إلى ما هم عليه { يهدي } بفضله { من يشآء } من خلص عباده { إلى صرط مستقيم } [البقرة: 213] الموصل إلى بابه بلا عوج وضلال.
[2.214-216]
أرجوتم وطمعتم أيها المحمديون المتوجون إلى زلال التوحيد، وصفو التجريد والتفريد، أن تصلوا إليه بأنيتكم هذه بلا سولك ومجاهدة، وسكر وصحو، وتلوين وتمكين، وقيد وإطلاق، ونفي وإثبات، وفناء وبقاء، وهيهات هيهات.
{ أم حسبتم } تمنيتم متوقعا { أن تدخلوا } فجأة بهويتكم هذه بلا إفنائها أو فنائها في هوية الله { الجنة } التي ارتفعت عندها الهويات، واضمحلت دونها الماهيات { ولما يأتكم } أي: لما يأتكم { مثل الذين خلوا } مضوا { من قبلكم } أي: شأنهم وقصتهم المشهورة المعروفة المنسوبة إلى الأحرار الأبرار الواصلين إلى دار القرار كيف { مستهم } بأبدانهم وأجسادهم وهوياتهم الجسمانية { البأسآء } المذلة الدميمة المزمنة المزعجة المفنية لإتيانهم، وكيف مستهم أيضا بأرواحهم المتكثرة بأشباحهم المتربتة على الأوصاف الذاتية الإلهية { والضرآء } المسقطة للإضافات كلها { و } بعد ما وصلوا إلى هذه المرتبة المعبرة بالقيامة والطامات الكبرى عند العارف { زلزلوا } اضطربوا وتلونوا وتذبذبوا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وكان حالهم بين الحيرة والحسرة يترددون ويتحيرون، إلى أن غلب عليهم المحبة والشوق، وانبعث من المحبة الخالصة والإرادة الصادقة العشق المفرط المنبعث من جذب المعشوق الماثل بالطبع نحوه واحتاجوا إلى نصر الله وتوفيقه، وجذبه بلطف، فاضطروا في بين وبين، وأين إلى أين { حتى يقول الرسول } المرشد إلى طريق التوحيد مناجيا مع الله وأفعاله؛ إذ هم { و } أيضا { الذين آمنوا معه } مشايعين له في قوله ودعائه مشاركين معه في نهر الاشتياق والاستبطاء وقلة الصبر والجزع والفزع والاضطرار والمراقبة والانتظار { متى نصر الله } حتى يتخلص من التلون والتمكن والكون والتكون والظهور والإظهار والغيب والشهادة، وغير ذلك من الإضافات.
قيل لهم: وما لنا تعيين القائل؟ إذ لا قائل إلا هو، منبها مستقربا مستعجبا مستغربا { ألا } تنبهوا أيها الأطلال الممدودة المتعددة المنتشئة من الأوصاف المحمودة الذاتية الأحدية المضافة بعضها إلى بعض ارفعوا إضافتكم عن البين وغشاوتكم عن العين، حتى اتصل العين بالعين، وارتفع البين عن البين وقولوا: وما أدري ها هنا أيضا ما القائل وما المقول، وما القول وما المقول إليه، وما هذا وماذا؟.
أدركنا بلطفك عن حجاب الألفاظ وغشاوة العبارة.
{ إن نصر الله قريب } [البقرة: 214] حاضر غير مغيب لو تنبهتم إلى ذي ظلكم، والتنبه له محال إلا من كشف سبحانه عليه كيفية الظل والإظلال والاستعداد والتعدد الحاصل فيه، والكوائن الغير المتناهية، والمكونات الغير المحصورة الحاصلة فيه بأشخاصها وأنواعها وأجناسها إلى ما شاء الله، لا حول ولا وقة إلا بالله.
(و) بالجملة: لا تحوم الفهوم حول سرادقات عز جلله حتى يشقق عن كائناته ومصنوعاته، ليس كمثله شيء ليقاس عليه ولا غيره حتى يسمع منه ويبصر به، وهو السميع البصير العليم، وليس وراء الله مرمى { يسألونك } أيها الهادي للكل عن الإنفاق وعما ينفق به، ويقولون: { ماذا ينفقون } أي: أي شيء ينفق المنفق في سبيل الله؟ { قل } لهم يا أكمل الرسل كلاما ناشئا عن محض الحكمة: { مآ أنفقتم } سواء كانت تمرة أو كسرة أو حبة أو ذرة صادرة { من خير } خالص من ثوب المشوب المنة والأذى { فللوالدين والأقربين } إليكم نسبا أولى إن كانوا مستحقين { و } بعد ذلك أولاهم { اليتامى } الذين لا متعهد لهم { و } بعد ذلك { المساكين } الذين أسكنهم المذلة والهوان { و } بعد ذلك { ابن السبيل } الذين تعذر وصولهم إلى مملوكاتهم { و } اعلموا أيها المؤمنون أن { ما تفعلوا من خير } خالصا لرضائه سبحانه { فإن الله به عليم } [البقرة: 215] لصدروه عنه وعن جريان حكمه وسنته.
ثم لما ظهر أمر الإسلام وعلا قدره وارتفع مناره، فرض الله سبحانه على المؤمنين الموقنين بطريق التوحيد المشاجرة والمقاتلة مع المخالفين، الناكبين عن طريق الحق بالشرك والإشراك؛ ليظهر شمس التوحيد على النفاق، ويضمحل شوب الكثرة والثنوية المنبعثة عن الكفر والنفاق، ويتميز الحق عن الباطل والوجود عن العدم العاطل، فقال: { كتب عليكم } أيها المؤمنون { القتال } مع مخالفيكم من أهل الكثرة { وهو كره } مكروه مستهجن { لكم } ما دمتم في أنانيتكم وهويتكم هذا، وما دمتم فيها مع تكثر الإضافات ولوازم الإمكان والإضافات { وعسى أن تكرهوا شيئا } في النشأة الأولى { وهو خير لكم } في النشأة الأخرى { وعسى أن تحبوا شيئا } منها { وهو شر لكم } فيها { والله } الهادي لكم إلى سواء السبيل { يعلم } خيركم ويأمركم به وشرك فيحذركم عنه { وأنتم } بهويتكم هذه { لا تعلمون } [البقرة: 216] شيئا من الخير والشر، بل لكم الإطاعة والإنقياد بما أمر ونهى والعلم عند الله العزيز العليم.
[2.217-218]
অজানা পৃষ্ঠা