بل هو رأس الموحدينن، ورئيس التحقق واليقين { شاكرا لأنعمه } أي: صارفا لنعم الله إلى ما خلقه سبحانه لأجله على الوجه الأعدل الأقوم بلا تبذير وتقتير، طالبا فيه رضاء الله بلا شائبة من الرياء والسمعة؛ لذلك { اجتباه } واختاره للرسالة العامة { وهداه إلى صراط مستقيم } [النحل: 121] موصل إلى توحيده بلا عوج وانحراف.
{ وآتيناه في الدنيا } من لدنا تفضلا عليه وإحسانا { حسنة } صورية إلى حيث لا تنقطع آثار إنفاقه وجوده إلى يوم القيامة { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } [النحل: 122] لقبولنا، الواصلين إلى صفاء توحيدنا.
[16.123-128]
{ ثم } بعدما أشرنا إليك يا أكمل الرسل كما استحقاقه، ولياقته للاقتدار والمتابعة { أوحينآ إليك } تكريما لك وله { أن اتبع } في إيصال الدعوة، وتبليغ الرسالة، وإظهار الدين والأحكام، والرق والتليين مع الأنام، والحكم والتواضع معهم على أبلغ وجه وأكمل نظام { ملة إبراهيم } أي: خصلة جدك - عليك و عليه الصلاة والسلام - إذ كان { حنيفا } مائلا عن كلا طرفي الإفراط والتفريط في جميع الأطوار والأخلاق، والأفعال والأقوال { وما كان من المشركين } [النحل: 123] المستكبرين في خلق من الأخلاق، ووصف من الأوصاف، بل كان على مقتضى صرافة التوحيد، وعدالة اليقين والتحقيق؛ لذلك صار إماما للموحدين إلى قيام الساة.
ثم قال سبحانه تعييرا على المشركين، وتقريعا لهم: { إنما جعل السبت } أي: قدر وفرض لحوق وبال يوم السبت، وأنواع العقوبات والمسخ { على } المشركين { الذين اختلفوا فيه } وجادلوا مع نبيهم في تعيينه واختياره؛ إذ أمرهم موسى عليه السلام بتعظيم يوم الجمعة واتخاذها عيدا، فأبوا معللين: إن الله قد فرغ من خلق السماوات والأرض في السبت، فنحن نوافقه، ونتخذه عيدا، فألزمهم الله تعظيم السبت، وتحريم الصيد فيه، فاحتالوا فيه ، فاصطادوا بالمكر، فمسخهم الله، ولحقهم من الوبال ما لحقهم { وإن ربك } يا أكمل الرسل { ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } [النحل: 124] ويجادلون مع الرسل، فيجازيهم ويعاقبهم على مقتضى ما صدر عنهم.
ثم أشار سبحانه إلى تتميم تكريم حبيبه صلى الله عليه وسلم، وتعظيم رتبته، وتهذيب أخلاقه، وتكميل حكمته ورسالته، وتعميم رأفته ورحمته إلى جميع البرية، وكافة الخليقة؛ إذ هو مبعوث على الكل بالرحمة العامة، وهو خاتم الرسالة والنبوة، ومكمل أمر التشريع والتكميل؛ إذ العلة الغائبة في مطلق التشريع والإنزال والإرسال إنما هي ظهور مرتبته ومكانته التي هي الدعوة إلى التوحيد الذاتي، ومتى ظهرت فقد كملت وتمت؛ لذلك نزل في شأنه:
اليوم أكملت لكم دينكم
[المائدة: 3].
وهي آخر أية نزلت من القرآن، وقال صلى الله عليه وسلم:
" بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "
অজানা পৃষ্ঠা