{ عما كانوا يعملون } [الحجر: 93] أي: يقدحون في القرآن، وينسبون إليه من المفتريات التي هو بريء منها، بعيد عنها بمراحل.
وإذا كان نزول القرآن للهداية العامة، والإرشاد الشامل { فاصدع بما تؤمر } واجهر به يا أكمل الرسل، وافرق بين الحق والباطل على الوجه المأمور فيه، وبين الهداية والضلال { وأعرض عن المشركين } [الحجر: 94] واتركهم وأنفسهم، ولا تلتفت إليهم، ولا تتعرض لدفعهم ومنعهم إن استهزئوا بك.
{ إنا كفيناك } أذى { المستهزئين } [الحجر: 95] عنك، وانتقمنا لأجلك منهم بأضعاف ما قصدوا بك من الاستهزاء والسخرية.
وكيف لا ننتقم منهم؛ إذ هم المشركون المسرفون { الذين يجعلون مع الله } المتوحد في ذاته وأوصافه وأفعاله { إلها آخر } مستحقا للعبادة { فسوف يعلمون } [الحجر: 96] عند انكشاف الحجر والأستار، قبح ما يفترون، وينسبون إلى الله افتراء ومراء.
{ ولقد نعلم } منك يا أكمل الرسل { أنك يضيق صدرك } من كظم غيظك، ويقل صبرك على تحمل أذاهم { بما يقولون } [الحجر: 97] مما لا يليق بجنابك من القدح في كلامنا، وإثبات الشركاء لنا مع وحدة ذاتنا، ومن استهزائهم بك، وبمن تبعك من المؤمنين، فعليك ألا تلتفت إليهم، ولا تسمع هذياناتهم، وإنما عليك العبرة منهم، وتنزيهنا وتقدسينا عن مقالاتهم.
{ فسبح بحمد ربك } إذا تسبيحك وتحميدك إيانا خير لك من استماع ما تفوهوا به مراء { وكن } في نفسك في جميع أوقاتك وحالاتك { من الساجدين } [الحجر: 98] الواضعين جباههم على تراب المذلة على قصد تعظيمنا وتبجلينا.
{ واعبد ربك } واجتهد في سلوك طريق المعرفة { حتى يأتيك اليقين } [الحجر: 99] ويحصل لك الكشف والشهود، ويرتفع عنك حجب الأنانية والوجود.
جعلنا الله من الموقنين المنكشفين بمنه وجوده.
خاتمة السورة
علك أيها السالك القاصد لسلوك طريق التوحيد - أنجح الله آمالك - أن تبتدئ أولا بعدما هذبت ظاهرك بالشرائع، وباطنك بالجلاء عن الموانع، بذكر الله الواحد الأحد الصمد، المتصف بجميع أوصاف الكمال إلى أن يؤدي ذكرك إلى الفكر المورث للمجاهدة والانزعاج، والشوق والابتهاج أحيانا، وواظب عليها إلى أن يستوعب جميع أوقاتك وحالاتك، وحينئذ ظهرت ولاحت على قلبك مقدمات المحبة والمودة، والعشف المزعج المفني، وصرت عليها زمانا إلى أن اشتاق وتعطش قلبك إلى فنائك وانقهارك في محبوبك.
অজানা পৃষ্ঠা