{ والذين يصلون } ويتصفون بعموم { مآ أمر الله به } من المأمورات والمرضيات والمعارف والحقائق والخصائل الجميلة والأخلاق الحميدة { أن يوصل ويخشون } عن ارتكاب المنهيات والمحظورات والذمائم من الأطوار والأخلاق { ربهم ويخافون } من الله وعن مخالفة أمره ومقتضى نهيه { سوء الحساب } [الرعد: 21] ورداءة المنقلب والمآب.
{ والذين صبروا } إذا أصابتهم مصيبة وأحاطتهم بلية { ابتغاء وجه ربهم } وطلب مرضاته، مسترجعين إليه سبحانه، متضرعين نحوه { وأقاموا الصلاة } أي: أداموا الميل والتوجه إليه في جميع الأحوال والأزمان { وأنفقوا } للفقراء المستحقين { مما رزقناهم } ووفقناهم وأقدرناهم لكسبها وجمعها { سرا } أي: على وجه لا يشعر الفقير منفعة؛ لئلا يتأذى بالمن والأذى { وعلانية } على وجه يعشر به؛ لكي يبالغ المنفق في التذلل والانكسار بحيث لا يتوهم المنة أصلا { و } أيضا الذين { يدرءون } أي: يدفعون ويسقطون { بالحسنة } أي: بالخصلة الحميدة والخلق المرضي { السيئة } أي: الذميمة من الخصائل والأخلاق { أولئك } السعداء الأولياء، ذوو العهد والوفاء والخوف والرجاء، الصابرون على البلاء، الراضون بما جرى عليهم من سوء القضاء، المتوجهون إلى المولى في السراء والضراء، المنفقون لرضاه من عندهم للفقراء، حصل { لهم } حين كانوا في النشأة الأولى { عقبى الدار } [الرعد: 22] الأخرى، أي: ما يحصل فيها من اللذات والمثوبات ورفع الدرجات ونيل المرادات.
[13.23-28]
ومن جملتها: { جنات عدن } أي: دار إقامة وخلود { يدخلونها } هم أصالة واستحقاقا { و } يدخل أيضا بشفاعتهم وتبعيتهم { من صلح } لصحبتهم ورفاقهم { من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } ومن ينتمي إليهم { و } حين استقروا وتمكنوا فيها يزورهم { الملائكة } ترحيبا وتعظيما { يدخلون عليهم من كل باب } [الرعد: 23] من أبواب الجنة.
قائلين: { سلام عليكم } أيها الفائزون بالفلاح والنجاح { بما صبرتم } في دار الابتلاء لأنواع المحن والبلاء { فنعم عقبى الدار } [الرعد: 24] أي: منزلكم ومنقلبكم في دار القرار وعواقب أموركم فيها من الفرح الدائم والسرور المستمر.
ثم بين سبحانه على مقتضى سنته من تعقيب عواقب حسن الأبرار بقبح أحوال الأسرار عواقبهم بقوله: { والذين ينقضون عهد الله } الذي عهدوا معه في بدء الوجود وأصل الفطرة { من بعد ميثاقه } مع وثاقته وأحكامه { و } مع ذلك { يقطعون } ويتركون { مآ أمر الله به أن يوصل } ويحافظ عليها { ويفسدون في الأرض } بأنواع الفسادات من الظلم والزور والافتراء والمراء والمكابرة مع الأنبياء والأولياء، وسوء الظن مع أرباب المحبة والولاء { أولئك } المعزولون عن ساحة عن القبول { لهم اللعنة } أي: الطرد والحرمان والرد والخذلان في النشاة الأولى { ولهم سوء الدار } [الرعد: 25] ورداءة المرجع والمآب في النشأة الأخرى.
ثم لما افتخر أهل مكة بما عندهم من الأمتعة والزخارف وبأهوائها، واستحقوا فقراء المؤمنين وشنعوا عليهم، رد عليهم بكلام ناشئ عن محض الحكمة فقال: { الله } المطلع لاستعدادات عباده { يبسط } أي: يكثر ويوسع { الرزق لمن يشآء } من عباده في النشأة الأولى { ويقدر } أي: يقبض وينقص على من يشاء إرادة واختبار؛ حمكة منه وتدبيرا { و } هم بمفاخرهم ومباهاتهم بحطام الدنيا قد { فرحوا بالحياة الدنيا } المستعارة التي لا قرار لها ولا ثبات بل { وما الحياة الدنيا } وما يترتر عليها من اللذات الفانية والمشتهيات الغير الباقية { في } جانب حياة { الآخرة } وما يترتب عليها من اللذات الدائمة والمئويات الباقية { إلا متاع } [الرعد: 26] قليل حقير، لائق به ولا يلتفت إليه.
{ و } من خبث طينتهم ورداءة فطرتهم { يقول الذين كفروا } بك وبكتابك وبدينك: { لولا } أي: هلا { أنزل عليه آية } ملجئة لإيماننا { من ربه } مع أنه يدعي التأييد منه، ومع شغفه لإيماننا { قل } لهم: ما علي إلا البلاغ { إن الله } المطلع لضمائر عباده { يضل من يشآء } على مقتضى علمه وعدله لمن اراد إضلاله وانتقامه { ويهدي إليه } على مقتضى جوده { من أناب } [الرعد: 27] إليه من ظهر القلب؛ إذ كلي ميسر لما خلق له.
{ الذين آمنوا } بتوحيد { وتطمئن قلوبهم } أي: تسكن وتستقر من دغدغة التقليد الباطل والتلوين المضمحل الزائل { بذكر الله } الواحد الأحد، المستقل في الوجود بلا اضطراب وتعدد وتردد، فقد اضمحلت وتلاشت عن صحائف خواطرهم نقوش الاعتبار والسوى مطلقا { ألا } أيها الطالبون إلى مرتبة الكشف و الشهود { بذكر الله } المسقط للإضافات { تطمئن القلوب } [الرعد: 28] وتتمكن في مقام الحضور وتستريح عن تشاويش الأوهام.
[13.29-31]
অজানা পৃষ্ঠা