262

[11.38-43]

{ و } بدما أوصاه الحق وأمره، شرع { يصنع الفلك } بتعليم جبرائيل عليه السلام إياه بإذن الله { و } كان { كلما مر عليه ملأ } طائف { من قومه } حين اشتغل بالفلك { سخروا منه } واسهزءوا به؛ لكونه في بادية لا ماء فيها، وقالوا على سبيل التهكم: صرت نجارا بعدما كنت نبيا { قال } لهم نوح المكشوف عنده مآل ما أمر الحق له: { إن تسخروا منا } الآن لجهلكم بسر صنيعنا { } فإنا نسخر منكم حين كنا على الفكل وأنتم غرقى { كما تسخرون } [هود: 38] اليوم منا.

{ فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم } [هود: 39] وتدركون وبال ما أنتم عليه من الاستهزاء والسخرية.

{ حتى إذا جآء أمرنا } وجان أجلنا الذي أجلنا لمقتهم وهلاكهم { وفار } أي: نبع حينئذ { التنور } المعهود في حضرة علمنا، نبع ماء الطوفان، وبعد فوران التنور وغليانه وأطلعت عليه امرأته فأخبرته إياه { قلنا } له تفضيلا عليه وامتنانا: { احمل فيها } أي: في السفينة { من كل زوجين } أي: من جنس ما يعيش في الهواء { اثنين } ذكرا وأنثى { و } احمل أيضا عليها { أهلك } أي: جميع أهل بيتك { إلا من سبق عليه القول } منا في سابق قضائنا بأنه كان من الكفارين المغرقين { و } احمل أيضا عليها { من آمن } لك من قومك { و } الحال أنه { مآ آمن معه } من قومه { إلا قليل } [هود: 40] قيل: كانوا تسعة وسبعين وزوجته السملمة وبنوه الثلاثة: سام وحام ويافث ونساؤهم، واثنان وسبعون رجلا من غيرهم.

روي أنه عليه لسلام أتم السفينة وكان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسين، وجعل لها ثلاثة بطون، فحمل في أسفلها الدواب والوحوش، وفي أوسطها الإنس، وفي أعلاها الطير.

{ و } بعدما نبع التنور وانتشر الماء وانبسط على الأرض { قال } نوح بوحي الله إياه: { اركبوا فيها } أي: صيروا في جوفها متمكنين، واستقروا عليها قائلين متيمنين: { بسم الله } إذ هو سبحانه بحوله وقوته { مجريها ومرساها } حيث أراد إجراءها وإرساءها { إن ربي } الذي رباني بلطفه وأوصاني بصنعها { لغفور } لمن استغفر له { رحيم } [هود: 41] يقبل توبته ويمحو زلته ومنجو عن عذابه، فركبوا مسمين متيمنين.

{ وهي } أي: السفينة { تجري بهم في } خلال { موج } وهو ما ارتفع من الماء من شدة الريح عال { كالجبال } الشامخ { و } حينئذ { نادى نوح ابنه } المسمى بكنعان { وكان في معزل } من آبيه؛ أي: اعتزل عنه وانصرف عن دينه، فرآه بين الماء، فتحرك عطف الأبوة فصاح عليه: { يبني } صغره للشفقة والترحم { اركب معنا } لتنجو من الغرق { ولا تكن مع الكافرين } [هود: 42] حتلا لا نغرق.

{ قال } ابنه مستنكرا عليه: { سآوي } والتجئ { إلى جبل } عال { يعصمني من } إغراق { المآء } بشموخه وعلوه { قال }: يا بني { لا عاصم } ولا ينجي { اليوم من أمر الله } المبرم وحكمه المحكم { إلا من رحم } الله وأنجاه؛ إذ لا عاصم غيره { و } حينئذ { حال بينهما } أي: بين نوح وابنه { الموج } العظيم { فكان من المغرقين } [هود: 43] أي: صار ابنه من الغرقى الهالكين.

[11.44-49]

{ و } بعدما انبسط الماء على وجه الأرض، وعلا على أعالي الجبال وأقلال الرواسي وهلك من عليها { قيل } من وراء سرادقات العز والجلال مناديا آمرا على الأرض والسماء مثل النداء على ذوي العقول المكلفين المبادرين إلى امتثال الأوامر: { يأرض } النابعة للماء المخرجة له { ابلعي مآءك } أي: انشقي ما نبع عنك من الماء { ويسمآء } الماطرة الهامرة { أقلعي } وأمسكي ماءكم ولا تمطري؛ إذ يمطر لماء مثلما نبع من الأرض { و } بعد ورود الأمر الإلهي { غيض المآء } ونقص بنشف الأرض وإمساك السماء { وقضي الأمر } الموعود الذي هو إهلاك الكفار وإنجاء المؤمنين { و } بعد انقضاء المأمور وإنجاز الموعود { استوت } السفينة واستقرت { على الجودي } جبل بالموصل، وقيل: بالشام، وقيل: أو آمل.

অজানা পৃষ্ঠা