" كنت سمعه... وبصره... ويده... ورجله... ".
أتسلمون وتفوضون أموركم إلى الله ورسوله أيها المؤمنون المسلمون، وتقبلون دين الإسلام تعبدا { أم تريدون } وتقصدون { أن تسألوا } وتقترحوا عن سرائر الآيات النازلة عليكم لإصلاحكم حالكم عنادا ومكابرة { رسولكم كما سئل موسى من قبل } عن الآيات النازلة لإصلاح بني إسرائيل مما نزل من آية إلا ويسألوه على وجه الإلحاح والاقتراح، فيجازيهم الله على مقتضى اقتراحهم، وإن اقترحتم كما اقترحوا يجازيكم الله كما جازاهم { و } اعلموا أن { من يتبدل الكفر } الموهوم المذموم { بالإيمان } المحقق المجزوم { فقد ضل سوآء السبيل } [البقرة: 108] طريق الحق المستقيم الموصل إلى التوحيد كما ضل بنو إسرائيل بمخالفة كتاب الله وتكذيب رسله.
ثم اعلموا أيها المؤمنون أنه { ود كثير من أهل الكتاب } خصوصا اليهود والنصارى { لو يردونكم } بأنواع الحيل والنفاق { من بعد إيمانكم } بالله وكتبه ورسله { كفارا } مردين واجب القتل والمقت عند الله، وليس ودادتهم كفركم لغايى تصلبهم في دينهم ونهاية غيرتهم عليه بل { حسدا } لكم ناشئا { من عند أنفسهم } من غاية عداوتهم معكم { من بعد ما تبين } ظهر { لهم } أن دينكم { الحق } المطابق للواقع بشهادة كتابهم ونبيهم، وإذا فهمتم أمرهم وعرفتم عداوتهم { فاعفوا } عن الانتقام والعقوبة { واصفحوا } أعرضوا عن التعبير في التقريع واصبروا { حتى يأتي الله } باسمه المنتقم { بأمره } المبرم من ضرب الذلة والمسكنة والغضب عليهم دائما { إن الله } المتجلي باسم المنتقم { على كل شيء قدير } [البقرة: 109] من أنواع الانتقامات قدير على الوجه الأصعب الأشد.
[2.110-113]
{ و } بعدما فوضتم أموركم إلى الله، واتخذتموه وكيلا حفيظا لكم عن أدائكم { أقيموا الصلاة } رابطوا ظواهركم وبواطنكم إليه سبحانه دائما على وجه التذلل والخضوع والانكسار والخشوع { وآتوا الزكاة } طهروا قلوبكم عن الميل إلى ما سوى الحق { و } اعلموا أن { } ما تقدموا في هذه النشأة { لأنفسكم من خير } من التوجه الدائم والإعراض الدائم عن محبة الغير { تجدوه عند } ظهور توحيد { الله } وتجريده وتفريده على قلوبكم { إن الله } المحيط بذواتكم { بما تعملون } من خير { بصير } [البقرة: 110] عليم خبير.
{ و } من جملة حيلتهم معكم ووداداتهم كفركم أنهم { قالوا } لكم على وجه العظة والتذكير { لن يدخل الجنة } من أهل الأديان { إلا من كان هودا أو نصارى تلك } المهملات ما هي إلا { أمانيهم } التي يخرمونها في نفوسهم بلا كتاب ولا دليل، وإن ادعوا الدليل { قل } له يا أكمل الرسل إلزاما: { هاتوا } أيها المدعون { برهانكم } من آيات الله وسنن رسله { إن كنتم صادقين } [البقرة: 111] في دعوة الاختصاص.
قل لهم يا أكمل الرسل كلاما ناشئا عن محض الحكمة والإخلاص لا وجه لدعوى اختصاص الجنة لا منكم ولا منا: { بلى } أي: بل مبنى الأمر على أن { من أسلم وجهه } وسلم وجهه المنسوب إليه مجازا { لله } المنسوب إليه حقيقة { وهو } في نفسه { محسن } عارف مشاهد { فله أجره } مرجعه ومقصده { عند } مرتبة { ربه } المخصوص له { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [البقرة: 112] لغنائهم عن قابلية الخوف والحزن ومقتضيات الطبيعة وبقائهم بمرتبة ربهم.
{ و } من عدم تفطنهم للإيمان والإذعان وعدم تنبههم على طريق التوحيد و العرفان { قالت اليهود }: الدين ديننا والكتاب كتابنا والنبي نبينا { ليست النصارى على شيء } في أمر الدين، بل هم ضالون عن طريق الحق، لا يهتدون النبي أصلا إلا أن يؤمنوا بديننا { و } أيضا { قالت النصارى }: ديننا حق وشريعتنا مؤيدة ونبينا مخلد { ليست اليهود على شيء } في الدين والإيمان، بل الدين ديننا { و } الحال أن { هم } أي: كلا الفريقين { يتلون الكتاب } المنزل على نبيهم، ويدعون الإيمان والإذعان، ومع ذلك لم يخلصوا من الجهل والعناد، ولم ينتبهوا على التوحيد المزيح للاختلاف ، المشعر للوفاق والاتحاد، بل فرق بينهم وبين المشركين النافيين للصانع؛ إذ { كذلك قال الذين لا يعلمون } الكتاب والنبي والدين والإيمان { مثل قولهم } بأن الحق ما نحن عليه بلا كتاب ولا نبي؛ لأن الإنسان مجبول على تجريح ما هو عليه سواء كان حقا أو باطلا، صلاحا أو فسادا، والأنبياء إنما يرسلون ويبعثون؛ ليميزوا لهم الحق عن الباطل والصالح عن الفاسد، وهم مع بعثة الرسل إليهم سواء كان مع المشركين الذين لا كتاب لهم ولا نبي { فالله } المحيط بسرائرهم وضمائرهم { يحكم بينهم } على مقتضى علمه بأعمالهم وأحوالهم { يوم القيامة } المعد لجزاء الأعمال { فيما كانوا فيه يختلفون } [البقرة: 113] على مقتضى آرائهم وأهوائهم فيجازيهم بمقتضى ما يعملون ويعلمون.
[2.114-117]
{ ومن } على الله المظهر للعباد ليعرفوه، ويتوجهوا نحوه في الأمكنة المعدة للتوجه { أظلم ممن منع مساجد الله } الموضوعة { أن يذكر فيها اسمه } أي: يذكر فيها أساؤه، والمؤمنون الموقنون بأسمائه الحسنى { و } مع المنع { سعى في خرابهآ } ليستأصلها ويخرجها عما يعدله { أولئك } المشركون { ما كان لهم أن يدخلوهآ } لنجاستهم وخباثتهم، وإن دخلوها لحاجة أحيانا لا بد لهم أن يدخلوها { إلا خآئفين } خاضعين متذللين مستوحشين، بحيث لم يتوجهوا يمنة ويسرة استحياء من الله، بل منكوسين رءوسهم على الأرض إلى أن يخرجوا، قل يا أكمل الرسل نيابة عنا: { لهم في الدنيا خزي } [البقرة: 114] حرمان عن الكمال الإنساني يكفرهم وظلمهم.
অজানা পৃষ্ঠা