218

يعني: الموعود بقوله: { ويغفر لكم والله غفور رحيم } [الأنفال: 70].

{ وإن يريدوا } أولئك الأسارى { خيانتك } بعدما عاهدت معهم وتلفطت بهم فلا تتعجب من خيانته ونقضهم { فقد خانوا الله } بالكفر والشرك، ونقض العهد والخروج عن مقتضى المأمور { من قبل فأمكن } أي: أمكنك ومكنك أولا عليهم حتى انتقمت { منهم } يوم بدر بالقتل والأسر، فإن عادوا ورجعوا بالخيانة أمكنكم ثانيا وثالثا فلا تبال بهم وبخيانتهم فإن الله معينك وناصرك، يعصمك من مكائدهم { والله } المطلع لمخايلهم { عليم } بنياتهم { حكيم } [الأنفال: 71] بمجازاتهم يجازيهم على مقتضى علمه.

[8.72]

ثم قال سبحانه: { إن الذين آمنوا } وأيقنوا بتوحيد الله ووجوب وجوده { وهاجروا } على بقعة الإمكان طالبين الترقي إلى المراتب العلية { وجاهدوا بأموالهم } منفقين لها؛ ليتجردوا عنها ويتطهروا نفوسهم عن الميل والمحبة إليها { وأنفسهم } ممسكين لها عن مقتضياتها ومشتهياتها، باذلين { في سبيل الله } ليتحققوا بمرتبة الفناء فيه، ليفوزوا ببقائه.

{ والذين } تحققوا بمرتبة التوحيد وتمكنوا فيها { ءاووا } أي: مكنوا ووطنوا من يرجع إليهم، ويسترشد منهم من أهل الطلب والإرادة { و } بعد تمكينهم وتوطينهم { نصروا } وأعانوا بالتنبيهات اللائقة إمدادا لهم، وبالواردات الغيبية والإلهامات القلبية والمكاشفات العينية { أولئك } السعداء المقبولون عند الله، الوالهون في بيداء ألوهيته { بعضهم أوليآء بعض } يتناصرون ويتعانون إلى أن يرتفع تعددهم وتضمحل كثرتهم، وسقط الافتراق والاجتماع عنهم، وانقطع السلوط والطلب، وفني السالك والسلوك و المسلك، وبقي ما بقيى، لا إله إلا هو لا شيء سواه، وكل شيء هالك إلا وجهه.

{ والذين آمنوا } بالله { ولم يهاجروا } إلى الفناء فيه { ما لكم } أيها الواصلون { من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } ويتشمروا السلوك مسلك الفناء { و } بعدما دخلوا باب الطلب { إن استنصروكم } و استعانوا منكم { في الدين } أي: في سلوك طريق التفويض والانقياد { فعليكم النصر } أي: لزم عليكم أن تنصروهم وتعينوا عليهم؛ ليغلبوا على جنود القوى البهيمية، والشياطين الشهوية والغضبية { إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق } من جنود النفس اللوامة المطلعة لغوائل الأمارة الخبيثة ووخمسة عاقبتها { والله } المطلع لجميع حالاتكم { بما تعملون } من النصر والإعاة { بصير } [الأنفال: 72] يجازيكم على مقتضى بصارته وخبرته.

[8.73-75]

{ والذين كفروا } بالله، ولم يتفطنو سر سريان وحدته الذاتية السارية في جميع الأكوان، ولم يتنبهوا للفناء في ذاته، ومع ذلك كذبوا لرسل المنبهين، المبشرين المنذرين إصلاحا لهم وإرشادا، أولئك الأشقياء المردودون { بعضهم أوليآء بعض } يتعاونون ويتعاضدون في كفرهم وجهلهم { إلا تفعلوه } أي: ألا تفعلوا ما أمرتم به من الموالاة والمواصلة، والنصر والمعاونة { تكن فتنة } سارية { في الأرض } أي: طبيعة العدم { و } حدث فيها { فساد كبير } [الأنفال: 73] هو غفلة الأظلال عن الذات، والظل والصور عن ذي الصورة، والعكوس عما انعكس فيها.

{ والذين ءامنوا وهاجروا } أي: سلكوا وسافروا، وبعدما تحققوا باليقين العلمي { وجهدوا } أي: ارتضاوا؛ أي: انخلعوا عن جلباب التعين { في سبيل الله } الذي هو الفناء فيه؛ ليتحققوا باليقين العيني { والذين ءاووا } ووالوا ألوياء الإرادة { ونصروا } أرباب الطلب { أولئك } الواصلون المبرزون { هم المؤمنون } المتحققون، المبثتون في مرتبة اليقين الحقي { حقا } ثابتا بلا دغدغة استكمال وانتظار، متقررا في مقر التوحيد ومقعد المصدق عند مليك مقتدر { لهم } بعد وصولهم إلى مقرهم { مغفرة } ستر لأنانيتهم التي كانوا عليها على مقتضى تعيناتهم { ورزق كريم } [الأنفال: 74] من الكشف والشهود، نزلا ن عند العزيز العليم.

ثم بشر سبحانه بما بشر به من اقتفى أثركم أيها المكاشفون الواصلون، وسلك سبيلكم من أصحاب الإرادة والطلب، فقال: { والذين آمنوا من بعد وهاجروا } كما هاجرتم أيها الفائزون الواصلون { وجاهدوا معكم } في سبيل الله وترويج دينه وسنته بأنفسهم وأموالهم كما جاهدتم أنتم { فأولئك } المجاهدون الباذلون { منكم } أي: من جملتكم وعدادكم، وأجرهم عند الله مثل أجركم، وهم إخوانكم وأرحامكم في الدين { وأولوا الأرحام } وذووا المناسبات والقرابات في الدين والعرفان { بعضهم أولى ببعض } في الولاية والنصر، والمصاحبة والمؤاخاة { في كتاب الله } أي: في حضرة علمه ولوح قضائه { إن الله } المتجلي على ذرائر الآفاق { بكل شيء } من رقائق المناسبات ودقائقها { عليم } [الأنفال: 75] بعلمه الحضوري، لا يعرب عن حضوره شيء.

অজানা পৃষ্ঠা