214

[8.48-49]

{ و } من جملة ما يعين عليكم ويمد لنصركم: تغرير الشيطان وإغراؤه على أعدائكم إمدادا لكم فيصير وبالا عليهم، اذكروا { إذ زين } أي: حسن وحبب { لهم الشيطان أعمالهم } أي: عداوتهم وقتالهم معكم { وقال } الشيطان تحريضا لهم على القتال ملقيا في روعهم على سبيل الوسوسة، حتى خيلوا أنهم لا يغلبون أصلا اعتمادا على كثرة عددهم وعددهم: { لا غالب لكم اليوم من الناس } فلكم اليد والغلبة { وإني جار لكم } مجير لكم { فلما ترآءت الفئتان } أي: تلافيا وتلاحقا فرأى اللعين من صفوف الملائكة ما رأى { نكص على عقبيه } أي: رجع قهقرى { وقال إني بريء منكم } ومن جواركم { إني أرى } من جنود السماء { ما لا ترون } ينزلون منها؛ لإمداد هؤلاء بإذن الله { إني أخاف الله } من قهره وغضبه { والله } القادر على جميع وجوه الانتقام { شديد العقاب } [الأنفال: 48] أليم العذاب، لا نجاة للعصاة الغواة من عذابه وعقابه.

اذكروا { إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض } أي: الذين لم يصفوا عن شوب الشبهة، ولم يصلوا إلى مرتبة الاطمئنان في الإيمان، حين خرجتم نحو العدو مجزئين مع قلتكم وكثرة عددكم: { غر هؤلاء دينهم } فألقوا أنفسهم إلى التهلكة بأيديهم بخروج ثلاثمائة عزل بلا عدة إلى زهاء ألف مستعدين، لا تبالوا أيها المطمئنون بالإيمان بهم وبقولهم، لا تفتروا وتضعفوا من هذياناتهم، بل توكلوا على ربكم وفوضوا الأمر إليه { ومن يتوكل على الله } فهو حسبه { فإن الله عزيز } غالب في ذاته، قادر على إعانة من استعان منه { حكيم } [الأنفال: 49] متقن في فعله وأمره، ويأمر ما تستبعده العقول وتدهش فيه الأحلام.

[8.50-53]

{ ولو ترى } أيها الرائي وقت { إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } أي: يتوفاهم الملائكة، ويقتلهم يوم بدر حال كونهم { يضربون وجوههم } من يأتي منهم من أمامهم { وأدبارهم } أي: يضربون من خلفهم من يأتي من ورائهم { و } يقولون حين ضربهم وقتلهم تقريعا وتوبيخا: { ذوقوا } أيها المعاندون المعادون مع الله ورسوله { عذاب الحريق } [الأنفال: 50] أي: أنموذج عذاب النار حتى تصلوا إليها، ولو رأيت حالهم حينئذ أيها الرائي لرأيت أمرا فظيعا فجيعا.

{ ذلك } العذاب والنكال في النشأة الأولى والآخرة إنما عرض عليكم أيها المسرفون { بما قدمت أيديكم } أي: بشؤم ما كسبتم لأنفسكم من الكفر والشرك ومعاداة الرسول والمؤمنين، وبمقدار ما اقترفتم بلا ظلم عليكم { و } اعلموا { أن الله } المستوي على العدل القويم { ليس بظلم } أي: ظالم { للعبيد } [الأنفال: 51] الذين يظلمون أنفسهم باقتراف المعاصي والآثام، بل يجازيهم على مقتضى جرائمهم عدلا منه سبحانه.

إذ دأب هؤلاء المصرين المعاندين { كدأب آل فرعون } أي: سنتهم وعملهم كعمل آل فرعون وسنتهم { و } كدأب القوم { الذين } مضوا { من قبلهم } كعاد وثمود { كفروا } أولئك البعداء الخارجون عن طريق الحق { بآيات الله } المنزلة على رسله عتوا وعنادا كهؤلاء المصرين المستكبرين { فأخذهم الله } المنتقم منهم { بذنوبهم } التي كسبوها لنفوسهم كهؤلاء { إن الله } المتعزز برداء العظمة والجلال { قوي } على الانتقام { شديد العقاب } [الأنفال: 52] على من خرج عن مقتضى أمره، بحيث لا يرفع عقابه شيء.

{ ذلك } أي: حلول الغضب والنكال عليهم { بأن الله } المنعم المفضل { لم يك مغيرا } مبدلا محولا { نعمة أنعمها على قوم } تفضلا وامتنانا { حتى يغيروا } ويبلدوا { ما بأنفسهم } من مقتضيات العبودية والانقياد بالخروج عن حدود الله، ونقض عهوده وارتكاب نواهيه ومحظوراته، وتكذيب آياته ورسله كما غيرها قريش { وأن الله } المطلع لأحوال عباده { سميع } لما يقولون على الله وعلى رسوله حين بطرهم وغفلتهم { عليم } [الأنفال: 53] بما يخفون في نفوسهم من الأباطيل.

[8.54-56]

إذ دأب هؤلاء المسرفين المغيرين على ما هم عليه من المظاهرة والوفاق، والأخوة والقرابة { كدأب آل فرعون } خلوا { والذين من قبلهم } على ديدنتهم وسنتهم { كذبوا بآيات ربهم } كهؤلاء المكذبين { فأهلكناهم } وأستأصلناهم { بذنوبهم } أي: بشؤم ذنوبهم بأنواع العذاب بالطوفان والريح، والخسف والكسف { و } لا سيما { أغرقنآ آل فرعون } المسرفين المبالغين في العتو والاستكبار في اليم؛ لاستغراقهم في بحر الغفلة والضلال { وكل } من أولئك الطغاة وهؤلاء الغواة { كانوا ظالمين } [الأنفال: 54] أنفسهم بالخروج عن ربقة العبودية ورق الإطاعة والانقياد؛ لذلك جزيناهم بما جزيناهم وهل نجازي إلا الكفور؟!.

অজানা পৃষ্ঠা