[5.61-64]
{ وإذا جآءوكم } مدعين المحبة لكم ولدينكم؛ مداهنة ونفاقا، حيث { قالوا آمنا } بنبيكم، وبما جاء به من عند ربه، لا تبالوا بهم وبإيمانهم، ولا تصاحبوا معهم { و } الحال أنهم { قد دخلوا } عليكم متلبسين { بالكفر } والإصرار { وهم } أيضا { قد خرجوا به } بل زادوا إصرارا وعنادا، وإن أظهروا خلافه { والله } المطلع لضمائر عباده { أعلم بما كانوا يكتمون } [المائدة: 61] من الكفر والنفاق، وبغض رسول الله الذين آمنوا معه.
{ وترى } أيها الرائي { كثيرا منهم } أي: من اليهود والنصارى { يسارعون } ويبادرون { في الإثم } أي: الخصلة الذميمة عقلا وشرعا { والعدوان } أي: التجاوز عن الحدود الشرعية { و } خصوصا { أكلهم السحت } أي: الحرام { لبئس } أي: بئس شيئا { ما كانوا يعملون } [المائدة: 62] ويكسبون لأنفسهم من الأمور التي تستجلب العذاب والنكال.
{ لولا } هلا { ينهاهم } ويمنعهم { الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم } افتراء على الله، وعلى كتابه { وأكلهم السحت } زاعمين إباحته { لبئس ما كانوا يصنعون } [المائدة: 63] لبئس شيئا يصنعونه لأنفسهم برأيهم الفاسد، وعقلهم القاصر الكاسد.
{ و } من غاية جهلهم بالله، ونهاية غفلتهم عن مقتضيات أوصافه { قالت اليهود يد الله مغلولة } مقبوضة، يقتر بالرزق حين فقدوا البسطة والرخاء الذي كانوا فيه قبل تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه؛ دعاء عليهم: { غلت أيديهم } عن جميع الخيرات والمبرات بضرب الذلة والمسكنة عليهم في الدنيا، وفي الآخرة بالأغلال والسلاسل يسحبون بها إلى الجحيم.
{ و } أعظم منه أنهم { لعنوا } طردوا عن مرتبة الإنسانية { بما قالوا } على ما قالوا على الله الجواد، الكريم ما لا يليق بجنابه { بل يداه } أي: أوصافه اللطفية والقهرية { مبسوطتان ينفق كيف يشآء } ويتعلق إرادته لمن يشاء؛ لطفا وجودا، ويمنع عمن يشاء قهرا وعدلا { و } الله { ليزيدن كثيرا منهم } حقدا وحسدا من { مآ أنزل إليك } يا أكمل الرسل؛ إنعاما وإفضالا لك { من ربك طغيانا } اجتراء وظلما على الله، لا يليق بجنابه { وكفرا } إصرارا وتشددا على ما هم عليه من الشرك والعناد.
{ و } بسبب طغيانهم وكفرهم { ألقينا } وأوقعنا { بينهم العداوة والبغضآء إلى يوم القيامة } لا ينفقون، ولا يوافقون أصلا، بل { كلمآ أوقدوا نارا للحرب } مع المسلمين وصمموا العزم نحوه { أطفأها الله } بإيقاع المخالفة والعداوة بينهم { و } بالجملة: هم { يسعون في الأرض } دائما، مستمرين { فسادا } أي: لأجل الفساد، وإثارة الفتن { والله } المصلح لأحوال عباده { لا يحب المفسدين } [المائدة: 64] المعاندين منهم، المجترئين على الله وعلى رسوله؛ مكابرة وعنادا.
[5.65-67]
{ ولو أن أهل الكتب ءامنوا } بك وبكتابك { واتقوا } عما اجترؤوا عليه في حق الله، وفي حقك { لكفرنا عنهم } أي: محنا عن ديوان أعمالهم بالمرة { سيئاتهم } التي كانوا عليها { ولأدخلنهم } تفضلا وامتنانا { جنت النعيم } [المائدة: 65] منتزهات العلم والعين والحق، إن أخلصوا في إيمانهم.
{ ولو أنهم } أي: أهل الكتاب { أقاموا التوراة } وامتثلوا بأوامرها، وأظهروا ما فيها من الأحكام والعبر والتذكيرات، سيما بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ونعته { و } أقاموا أيضا { الإنجيل } وعملوا بمقتضى ما فيه { و } كذا جميع { مآ أنزل إليهم من ربهم } لوسع عليهم الرزق الصوري والمعنوي إلى حيث { لأكلوا } الرزق { من فوقهم ومن تحت أرجلهم } - ذكر الجهتين يغني عن الجهات كلها - لو كوشفوا بوحدة الله من جميع الجوانب والجهات، ولا يرون غير الله في مظاهره ومجاليه { منهم أمة مقتصدة } معتدلة، لا من أهل التفريط، ولا من أهل الإفراط، يرجى إيمانهم، وكشفهم { و } إن كان { كثير منهم سآء ما يعملون } [المائدة: 66] أي: ساء عملهم في الإفراط والتفريط عن جادة الاعتدال والتوحيد.
অজানা পৃষ্ঠা