[2.54-57]
{ و } ولما أنجزنا وعد موسى ورجع إلى قومه غضبان أسفا اذكروا { إذ قال موسى لقومه } المؤمنين له والمعاهدين من بعد رجوعه عن الميقات والتورية: { يقوم } الناقضون بعهدي ، والمجاوزون لحدود الله { إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل } إلها مستحقا للعبودية { فتوبوا } عن هذا الاعتقاد والاتخاذ، وارجعوا متذللين { إلى بارئكم } الذي برأكم من المعدم ليبرأكم عن هذا الظلم، وإذا تبتم ورجعتم { فاقتلوا أنفسكم } الأمارة بهذا الظلم، بأنوا الرياضات وترك المشتهيات والمستلذات، وقطع المألوفات وترك المستحسنات الملومين عليها بأنواع الملامات، حتى تكون مطمئنة بما فتنتم بها، راضية بجريان حكم القضاء، مرضية بالفناء بل فانية عن الفناء { ذلكم } المشار إليه من الإنابة والرجوع وإبراء الذمة والإذلال بأنواع الرياضات والفناء المطلق أيضا { خير لكم عند بارئكم } خالقكم الذي خلقكم للتوحيد والعرفان، وإذا تحقق إنابتكم وأخلاصكم فيها { فتاب عليكم } قبل توبتكم ورضي عنكم { إنه هو التواب } الرجاع للعباد إلى التوبة والإنابة { الرحيم } [البقرة: 54] لهم بقبول التوبة وإن عظمت زلتهم.
{ و } اذكروا أيضا { إذ قلتم } لموسى عند دعوتكم إلى الإيمان والهداية: { يموسى } المدعي للرسالة، الداعي إلى الله بمجرد الإخبار { لن نؤمن لك } ولما جئت به من عند ربك { حتى نرى الله } المرسل { جهرة } ظاهرا من غير حجاب كما يرى بعضنا بعضا { فأخذتكم الصعقة } النازلة من عين قهرنا وغضنا لإنكاركم ظهورنا الذي هو أظهر من الشمس، بل الشمس إنما هي لمعة من لمعات ذاتنا { وأنتم } حين ترونها { تنظرون } [البقرة: 55] متحيرين والهين بلا تدبير وتصرف، إلى أن صرتم فانين مقهورين تحت قهرنا.
{ ثم بعثنكم } أحييانكم وأنشأناكم بالتجلي اللطفي { من بعد موتكم } وفنائكم بالقهر والغصب امتنانا لكم { لعلكم تشكرون } [البقرة: 56] نعمة الوجود والحياة بد الموت، وتعتقدون الحشر والموعود به يوم الجزاء وتؤمنون بنه.
{ و } اذكروا أيضا إذ { ظللنا عليكم الغمام } يوم لا ظل إلا ظله، وأنتم تائهنن في التيه في الصيف، بأن سار معكم حيث شئتم، ولا يزول ظله عنكم { و } مع ذلك أنعمناكم فيها بأعظم من ذلك بأن { أنزلنا عليكم } من جانب السماء { المن } التي الترنجبين لسكن حرارتكم { و } أنزلنا لغذائكم { السلوى } وهو السماني، أو مثله في النزول من جانب السماء، وأبحنا لكم تناولهما، ولا تكفروا بها بأن قلنا لكم: { كلوا من طيبات ما رزقناكم } من خصائص النعم واشكروا لها { وما ظلمونا } بمنع المنافع ورد الفوائد { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } [البقرة: 57] من الفوائد العائدة لنفوسهم من ازدياد النعم في إدامة شكرنا، والتقرب إلينا في إقامة حدودنا.
[2.58-60]
{ و } واذكروا ظلمكم أيضا { إذ قلنا } بعد خروجكم من التيه إشفاقا لكم وامتنانا عليكم { ادخلوا هذه القرية } التي هي من منازل الأنبيا والأولياء وهي بيت المقدس { فكلوا منها } من مأكولاتها ومشروباتها { حيث شئتم } بلا مزاحم ولا مخاصم { رغدا } واسعا بلا خوف من السقم حتى يتقوى مزاجكم ويزول ضعفكم، وبعد تقويتكم المزاج بالنعم ارجعوا إلينا وتوجهوا نحو بيتنا التي فيها { وادخلوا الباب سجدا } مذللين خاضعين، واضعين جباهكم ووجوهكم على الأرض، وعند سجودكم استغفروا ربكم من خطاياكم { وقولوا } رجاؤنا منك يا مولانا { حطة } أي: حط ما صدر عنا وجرى علينا من المعاصي والآثام، وإذا دخلتم كما أمرتم واستغفرتم كما علمتم { نغفر لكم خطيكم } التي جئتم بها واستغفرتم لها { وسنزيد المحسنين } [البقرة: 58] منكم، الذين لم يتجاوزوا الحد ولم يخالفوا الأمر الراضون الذي لا مرتبة أعلى منه.
ولما أمرناهم بالدخل على هذا الوجه، وعلمناهم طريق الدعاء والاستغفار خالف بعضهم المأمول ظلما وتأويلا { فبدل الذين ظلموا } بالخروج عن أمرنا، قولنا لهم لإصلاح حالهم { قولا } آخر لفظا ومعنى { غير الذي قيل لهم } بأن أرادوا من اقول الملقى إليهم لفظا آخر، ومعنى آخر برأيهم الفاسد وطبعهم الكاسد حطا سمتاتا؛ أي: حنطة حمراء، ولما لم يأتوا بالمأمور به ومع ذلك بدلوا إلى ما تهوى أنفسهم أخذناهم بها { فأنزلنا على الذين ظلموا } تنصيصا عليهم وتخصيصا لهم، لتعلم أن سبب أخذهم ظلمهم { رجزا } طاعونا نازلا { من السمآء بما كانوا يفسقون } [البقرة: 59] يخرجون عن حدود الله المنزلة من السماء بأنواع الفسوق والعصيان.
{ و } اذكروا أيضا { إذ استسقى موسى } وطلب السقي بإنزال المطر { لقومه } حيث بثوا شكواهم عنده من شدة العطش في التيه { فقلنا } له مشيرا إلى ما يترقب من مطلوبه بل يستبعده: { اضرب } ولا تستعبد { بعصاك } التي استعنت بها في الأمور والوقائع { الحجر } الذي بين يديك فتفطن موسى بنور النبوة للأمر الوجوبي ، فضربه دفعة { فانفجرت منه } فجأة { اثنتا عشرة عينا } متمايزة منفردة كل منها عن صاحبتها بعدد رءوس الفرق الاثني عشر بحيث { قد علم كل أناس } من كل فرقة { مشربهم } المعينة لهم دفعا للتزاحم والتنازع، ثم أمرناكم بما ينفعكم ظاهرا وباطنا بأن قلنا لكم: { كلوا واشربوا } مترفهين متنعمين { من رزق الله } الذي رزقكم من محض فضله ولطفه من حيث لا تحتسبون ونهيناكم عما يضركم صورة { و } معنى بأن قلنا لكم: { لا تعثوا } أي: لا تظهروا { في الأرض } خيلاء متكبرين { مفسدين } [البقرة: 60] فيها بأنواع الفسادات منتهزين بها، و
الله لا يحب كل مختال فخور
অজানা পৃষ্ঠা