{ وقولهم } أيضا إرجافا وإسماعا وتبجحا: { إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم } مع كونه { رسول الله } وكلمته وروحا منه { و } الحال أنه { ما قتلوه وما صلبوه } لأنه في حمى الله وفوق سمائه { ولكن شبه لهم } رجل منهم؛ أي: ألقى الله شبهه على حارس منهم يحرسه؛ ليظفروا عليه، فرفع المشبه به فبقي المشبه، فقتل وصلب، ثم اختلفوا فقالوا: إن كان هذا عيسى، فأين صاحبنا؟ وإن كان صاحبنا، فأين هو عيسى؟ { وإن الذين اختلفوا فيه } في قتله وصلبه ورفعه إلى السماء { لفي شك منه } تردد وارتياب { ما لهم به } وبأمره { من علم } تصديق ويقين { إلا اتباع الظن } والظن لا يغني عن الحق شيئا { و } الحق أنه { ما قتلوه يقينا } النساء: 157] كما زعموا.
{ بل } الحق أنه { رفعه الله } الرقيب عليه، المتولي لحفظه وأمره { إليه } أي: إلى كنفه وجواره؛ إنجازا لوعده في قوله:
إني متوفيك ورافعك إلي
[آل عمران: 55] { وكان الله } القادر على كل ما أراد وشاء { عزيزا } غالبا، مقتدرا على رفعه { حكيما } [النساء: 158] في قتل من شبه له؛ ليرجعوا بها.
[4.159-162]
ثم قال سبحانه: { وإن من أهل الكتاب } أي: ما من جميع من أنزل إليه الكتاب من المسلمين والنصارى واليهود، وسائر من أنزل إليهم أحد مكلف { إلا } وقد وجب له ولزم عليه، إنه { ليؤمنن به } أي: بعيسى - صلوات الله عليه وسلامه - حين نزوله؛ لتقوية دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو جامع لجميع الأديان؛ لإتيانها على التوحيد الذاتي.
وعند ظهوره صلى الله عليه وسلم اتحدت الأديان كلها، إلا أن المحجوبون لا يفهمون، مع أن عيسى - صلوات الله عليه وسلامه - من عجائب صنع الله، وبدائع مبدعاته، وغرائب مخترعاته، ومن أعزة أنبيائه وأجلة رسله، فلا بد أن يكون الإيمان به { قبل موته } إذ حكي في الحديث النبوي: إنه ينزل من السماء، ويعيش في الأرض زمانا، ويؤمن له جميع من في الأرض، ثم يموت قريب الساعة { ويوم القيامة يكون عليهم } أي: على جميع من آمن له، واتبع هداه { شهيدا } [النساء: 159] يشهد لهم بالإيمان عند الله.
{ فبظلم } خروج عن حدود الله، ونقض لعهوده صدر وظهر { من الذين هادوا حرمنا عليهم } في كتابهم { طيبات أحلت لهم } فيما مضى { و } أيضا { بصدهم عن سبيل الله } أي: إعراضهم عن طريق الحق إعراضا { كثيرا } [النساء: 160].
{ وأخذهم الربا } من المضطرين أضعافا مضاعفة { و } الحال أنه { قد نهوا عنه } في دينهم وكتابهم { وأكلهم أموال الناس بالباطل } بلا رخصة شرعية، مثل: السرقة، والغضب، والربا، والرشوة، وحيل الفقهاء، وتزويراتهم التي ينسبونها إلى الشرع الشريف افتراء، وتلبيسات أهل التشييخ والتدليس من هذا القبيل، ومن عظم جرم هؤلاء أسند سبحانه انتقامهم إلى نفسه بقوله: { وأعتدنا } صيرها وهيأنا { للكافرين } الساترين طريق الحق { منهم عذابا } بعيدا، وطردا { أليما } [النساء: 161] مؤلما؛ لتحسرهم على مرتبة أهل القرب والعناية.
{ لكن الراسخون في العلم منهم } وهم الذين يرتقون من مرتبة العلم إلى العين الحق { والمؤمنون } المصدقون الذين { يؤمنون بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك } بلا تفريق وتفاوت؛ إيمانا واحتسابا { والمقيمين الصلاة } وهم الذين يديمون الميل بجميع الإعضاء والجوارح؛ إطاعة وانقيادا؛ إذ رجوع الكل إليه { والمؤتون الزكاة } وهم الذين يؤتون ما نسب إليهم من زخرفات الدنيا؛ طلبا لمرضات الله، وهربا عن التعلق بغيره { والمؤمنون بالله } أي: الذين يوقنون بتوحيد الله { واليوم الآخر } المعد لثمرة الأعمال الصالحة في طريقه { أولئك } السعداء، الأمناء، الموحدون، المخلصون { سنؤتيهم } من لدنا { أجرا عظيما } [النساء: 162] هو الفوز بشرف اللقاء.
অজানা পৃষ্ঠা