أتعتقد وترى أيها الرائي أن لهم حظا من الإيمان والتوحيد؟ فليس لهم ذلك { أم لهم نصيب من الملك فإذا } أي: حين كانوا ملوكا متصرفين على وجه الأرض { لا يؤتون الناس } أي: القراء المحتاجين { نقيرا } [النساء: 53] بل قطميرا شحهم وبخلهم.
{ أم } بل { يحسدون الناس } المنظورين لله الناظرين بنوره { على مآ آتهم الله من فضله } من الحكمة والنبوة والكتاب المبين، ومن غاية حسدهم يكذبونهم وكتابهم عنادا وإذا أرادت أن ترى أيها الرائي من لهم نصيب من الكتاب والملك { فقد آتينآ } من محض جودنا وفضلنا { آل إبرهيم } وذريته الذي من جملتهم وصفوتهم محمد صلى الله عليه وسلم { الكتب } المبين للشرائع و الأحكام { والحكمة } السرائر المقتضية تشريعها { و } مع ذلك { آتيناهم } في الدنيا { ملكا عظيما } [النساء: 54] استيلاء بسطة ممتدة إلى يوم القيامة.
{ فمنهم من آمن به } بنوبتهم وعظمتهم وبسطتهم { ومنهم من صد عنه } أي: أعرض ولم يؤمن عتوا وعنادا، فلا تعجل يا أكمل الرسل بانتقامهم وعقوبتهم { وكفى بجهنم سعيرا } [النساء: 55] أي: كفى جهنم المسعورة المعدة لانتقامهم وتعذيبهم منتقما عنهم على أقبح وجه وأشد تعذيب.
[4.56-58]
قل للمؤمنين يا أكمل الرسل نيابة عنا، إخبارا لهم عن وخامة عاقبة هؤلاء المعرضين: { إن الذين كفروا بآيتنا } كهؤلاء المدبرين { سوف نصليهم } وندخلهم { نارا } معدة لجزاء الغواة بحيث { كلما نضجت } تفانت واضمحلت { جلودهم } بإحراق نار الخذلان { بدلنهم } من غاية قهرنا وانتقامنا { جلودا غيرها } مماثلة لما احترقت منها { ليذوقوا العذاب } أي: ليدوم لهم ذوقه وخذلانه { إن الله } المنتقم منهم { كان عزيزا } غالبا على الانتقام حسب المرام { حكيما } [النساء: 56] عادلا لا يظلم بالزيادة ولا يهمل بنقصان.
ثم قال سبحانه: { والذين آمنوا } بأياتنا { وعملوا الصالحات } امتثلوا بالصالحات المأمورة فيها { سندخلهم } من غاية فضلنا وجودنا { جنات } منتزهات من العلم والعين والحق { تجري من تحتها الأنهار } أنهار اللذات الروحانية المترتبة على التجليات الرحمانية الغير المتناهية، لذلك { خالدين فيهآ أبدا } بلا انقطاع وانصرام، ومع ذلك { لهم فيهآ أزواج } صواحب من الصفات والأسماء يؤانسهم { مطهرة } عن أدناس الطبيعة مطلقا { و } بالجملة: { ندخلهم } من غاية لطفنا إياهم { ظلا } مروحا لقلوبهم { ظليلا } [النساء: 57] ممدودا لا يزول أصلا.
واعلموا أيها المبشرون بهذه البشارة العظمى { إن الله } المبشر بأمثاله { يأمركم أن تؤدوا } وتدفعوا { الأمانات } من الأحوال والشهادات وسائر حقوق العباد { إلى أهلها و } يأمركم أيضا { إذا حكمتم بين الناس } المتخاصمين في الوقائع { أن تحكموا بالعدل } بالإنصاف والسوية بلا ميل إلى جانب أحد من المتخاصمين { إن الله } المصلح لأحوالكم { نعما } نعم شيئا { يعظكم به } ويأمركم بامتثاله { إن الله } المطلع على جميع حالاتكم { كان سميعا } لجميع أقوالكم { بصيرا } [النساء: 58] لنياتكم وأفعالكم فيها، لا يعزب عنه مثال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.
[4.59-61]
ثم قال سبحانه مناديا لأهل الإيمان إيصاء وتنبيها: { يا أيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم إطاعة الله وإطاعة رسوله { أطيعوا الله } بامتثال أوامره واجتناب نواهيه { وأطيعوا الرسول } الذي استخلفه من عنده يهديكم إلى توحيده { و } أطيعوا أيضا { أولي الأمر منكم } وهم الذي يقيمون شعائر الإسلام بينكم من الأمراء والحكام والقضاة المتجتهدين في تنقيذ الأحكام واستنباطه { فإن تنازعتم } أنتم مع حكامكم { في شيء } من أمور في أنه مطابق للشرع أو غير مطابق { فردوه } وراجعوا فيه { إلى } كتاب { الله و } أحاديث { الرسول } بأن عرضوا عليهما واستنبطوه منهما { إن كنتم تؤمنون بالله } المجازي لعباده على أعمالهم خيرا كان أو شرا { واليوم الآخر } المعد للجزاء { ذلك } الرد { خير } لكم من استبدادكم بعقولكم { وأحسن تأويلا } [النساء: 59] من تأويلكم، وأحمد عاقبة باستبدادكم.
{ ألم تر } أيها الرسول المرسل إلى كافة الأنام { إلى } المنافقين { الذين يزعمون أنهم ءامنوا بمآ أنزل إليك } من الفرقان الفارق بين الحق والباطل { ومآ أنزل من قبلك } من الكتب المنزلة على إخوانكم من الأنبياء - عليهم السلام - ومع ادعائهم هذا { يريدون أن يتحاكموا } ويتراجعوا في الوقائع { إلى الطاغوت } المضل عن مقتضى الإيمان والكتب { و } الحال أنهم { قد أمروا أن يكفروا به } أي: بالطاغوت { و } ما ذلك إلا أن { يريد الشيطان } الذي هو رئيس الطواغيت { أن يضلهم } عن طريق الحق { ضلالا بعيدا } [النساء: 60] إلى حيث لا يرجى منهم الاهتداء أصلا.
অজানা পৃষ্ঠা