الأدعية.
فإذا ثبت هذه الجملة.
فالاستعانة بالله: طلب الأمرين.
فبحصول الضروريات من المعاون يتوصل إلى اكتساب الثواب، وبحصول غير الضروريات منها يتسهل علينا السلوك إليها.
إن قيل: كيف قال: " إياك " نعبد ولو قال: " نعبدك " كان أوجز منه لفظًا؟ قيل: إن عادتهم أن يقدموا من الفاعل والمفعول ما القصد الأول إليه، والاهتمام متوجه نحوه، وإن كان في ذكر الجملة القصدان جميعًا.
تقول: بالأمير استخف الجند - إذا كان القصد الأول ذكر من وقع به استخفاف الجند - و" الأمير أستخف بالجند - إذا كان القصد الأول إلى من أقدم على الاستخفاف بهم.
ولما كان القصد الأول - في هذا الموضع - ذكر المعبود دون الإخبار عن إتخاذ عبادتهم، كان تقديم ذكره أولى.
وعلى هذا قوله تعالى:
﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ وأيضًا، ففي ذكر المفعول إشارة إلى إثبات الحكم المذكور ونفيه عن غيره تقول: إليك أفزع تنبيهًا أني لا أفزع إلا إليك.
وإذا قال: أفزع إليك، فليس فيه المعنى وعلى هذا فسر ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما فقال: معناه: لا نوجد غيرك وقال بعضهم: إنما نبه تعالى بتقديم ذكر أن تكون نظر العباد من المعبود إلى عبادتهم له لا من العبادة إلى المعبود، وعلى ذلك فضل ما حكي الله عن نبينا ﵇ إذ قال: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ فنظر من الله تعالى إلى نفسه على ما حكى عن موسى ﵇ حين قال: ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي﴾ فقدم ذكر نفسه، ونظر منها إلى ربه
إن قيل: لم كرر إياك؟.
قيل لأنه لو قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، لكان يصح أن يعتقد أن الاستعانة بغيره، وكان إعادته أبلغ.
إن قيل: لم قدم العبادة على الاستعانة، وحق الاستعانة أن تكون مقدمة، إذ لا سبيل إلى عبادته إلا بمعونته؟ قيل: قد قالوا: هو على التقديم والتأخير.
وقيل: الواو لا تقتضي الترتيب.
والوجه - في ذلك - أن الله تعالى علم خلقه بذلك أن يقدموا حقه ثم يسألوه ليمونوا مستحقين للإجابة.
ويجوز أن يكون قوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾: في موضع الحال، نحو قول الشاعر:
بَأَيْدِيّ رِجَالٍ لَمْ يشُيِمُوا سُيُوفَهُمْ ...
ولم يكْثُر الْقَتْلَى بِهَا حِينَ سُلَّتِ.
1 / 59