جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾، وترة يقولون: ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ كل ذلك عجزًا عن الإتيان بمثله، علمنا قصورهم عنه، ومحال أن يقال: إنه عورض فلم ينقل، " فالنفوس " مهتزة لنقل مادق زجل، وقد رأينا كتبًا كثيرًا صنفت في الطعن على الإسلام قد نقلت وتدوولت.
وهذه الجملة المذكورة، وإن كانت دالة على كون القرآن معجزًا، فليس بمقنع إلا بتبيين فصلين: أحدهما: أن يبين ما الذي هو معجز: أهو اللفظ، أم المعنى، أم النظم؟ أم ثلاثتها؟ فإن كل كلام منظوم مشتمل على هذه الثلاثة.
والثاني: أن المعجز: هو ما كان نوعه غير داخل تحت الإمكان، كإحياء الموتى وإبداع الأجسام.
فأما ما كان نوعه مقدورًا، فمحله محل الأفضل، " وما كان من باب الأفضل " في النوع، فإنه لا يحسم نسبة ما دونه إليه.
وإن تباعدت النسبة حتى صارت جزءًا من ألف، فإن النجار الحاذق وإن لم يبلغ شأوه لا يكون معجزًا.
إذا استطاع غيره جنس فعله، فنقول وبالله التوفيق: إن الإعجاز " قد ذكر " في القرآن " على وجهين: أحدهما: إعجاز متعلق بفصاحة، والثاني: بصرف الناس عن معارضته: فأما الإعجاز المتعلق بالفصاحة: فليس يتعلق ذلك بعنصره الذي هو اللفظ والمعنى، وذلك أن الفاظه ألفاظهم، ولذلك قال تعالى: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾، وقال: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ تنبيهًا على أن هذا الكتاب مركب من هذه الحروف التي هي مادة الكلام.
ولا يتعلق أيضًا بمعانيه، فإن كثيرًاَ منها موجود في " الكتب المتقدمة " ولذلك قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾، وقال ﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ وما هو معجز فيه من جهة المعنى، كالإخبار بالغيب فإعجازه ليس برجع إلى القرآن بما هو قرآن، بل هو لكونه خبرًا بالغيب، وذلك سواء كونه النظم أو بغيره.
وسواء كان موردًا بالفارسية أو بالعربية أو بلغة أخرى أو بإشارة أو بعبارة.
فإذا بالنظم المخصوص صار القرآن قرآنا.
كما أنه بالنظم المخصوص صار الشعر شعرًا، أو الخطبة خطبة.
1 / 44