[87]
قوله تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل } ، أي أعطينا موسى التوراة جملة واحدة ، وأردفنا وأتبعنا من بعده رسلا ؛ رسولا من بعد رسول ؛ يقال : قفى أثره وقفى غيره في التعدية مأخوذ من قفاء الإنسان ؛ قال الله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم }[الإسراء : 36]. وقيل : إن الله تعالى أنزل التوراة على موسى جملة واحدة ، وأمره أن يحملها فلم يطق ؛ فبعث الله بكل آية ملكا ، فلم يطيقوا حملها ؛ فبعث الله بكل حرف ملكا ، فلم يطيقوا ، فخففها الله على موسى ، فحملها وعمل بها.
قوله تعالى : { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } ؛ يعني من إحياء الموتى ؛ وإبراء الأكمه والأبرص ؛ ونزول المائدة. ومعنى { البينات } : الدلالات اللائحات والعلامات الواضحات. وقوله تعالى : { وأيدناه بروح القدس } ؛ المد (آيدناهما) القوة ؛ أي وأعناه بجبريل. خفف ابن كثير (القدس) وثقله الآخرون. وهما لغتان مثل (الرعب والسحت). قال السدي والضحاك وقتادة : (روح القدس : جبريل). قال الحسن : (القدس : هو الله عز وجل ، وروحه : جبريل عليه السلام). وأضافه إلى نفسه تكريما وتخصيصا ، نحو : بيت الله ؛ وناقة الله ؛ وعبدالله. وقال السدي : (القدس : البركة) وقد أعظم الله تعالى بركة جبريل إذ نزل عامة وحي أنبيائه على لسانه. وتأييد عيسى بجبريل عليه السلام أنه كان قرينه يسير معه حيثما سار ؛ ورفعه إلى السماء حين أراد اليهود قتله. وقيل : سمي جبريل روح القدس ؛ لأن بمجيئه يحيي الكفار بالإسلام.
والقدس : الظاهر. وقيل : المبارك. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : (روح القدس : اسم الله الأعظم ، وبه كان يحيي الموتى ؛ ويري الناس تلك العجائب).
وقال ابن زيد : هو الإنجيل جعله الله روحا كما جعل القرآن لمحمد روحا. قال الله تعالى : { وكذلك أوحينآ إليك روحا من أمرنا }[الشورى : 52].
فلما سمعت اليهود بذكر عيسى ؛ قالوا : يا محمد لا مثل عيسى كما تزعم عملت ؛ ولا كما تقص علينا من الأنبياء فعلت ، فائتنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقا. فقال الله تعالى : { أفكلما جآءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم } ؛ أي أفكلما جاءكم أيها اليهود رسول بما لا يوافق هواكم { استكبرتم } أي تكبرتم وتعظمتم عن الإيمان به ، { ففريقا كذبتم } ؛ مثل عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، { وفريقا تقتلون } ، مثل زكريا ويحيى وسائر من قتلوا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. والألف في { أفكلما } ألف استفهام معناه التوبيخ والزجر.
পৃষ্ঠা ৮৬