[259]
قوله عز وجل : { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها } ؛ عطف هذه الآية على معنى الكلام الأول لا على اللفظ ، كأنه قال : أرأيت كالذي (حاج إبراهيم في ربه) (أو كالذي مر على قرية).
قال ابن عباس : (نزلت هذه الآية في عزير بن شريحيا ، وكان من علماء بني إسرائيل ، سباه بختنصر من بيت المقدس إلى أرض بابل حين سلطه الله عليه فخرب بيت المقدس ، فخرج عزير في أرض بابل ذات يوم على حمار ، فمر بدير هرقل على شاطئ دجلة ، فطاف بالقرية فلم ير بها ساكنا وعامة شجرها حامل ، فجعل يتعجب من خراب القرية وموت أهلها وكثرة حملها وهي ساقطة على سقوفها. وذلك أن السقف يقع قبل الحيطان ، ثم تقع الحيطان عليه ، فأخذ شيئا من التين والعنب ، وعصر العنب فشرب منه ، ثم جعل فضل التين في سلة وفضل العنب في الأخرى وفضل العصير في الزق ، ثم نظر إلى القرية ف { قال أنى يحيي هاذه الله بعد موتها } ؛ أي كيف يحيي الله هذه القرية بعد خرابها وموت أهلها!؟
لم يكن هذا القول منه إنكارا للبعث ، لكن أحب أن يرى كيف يحيي الله الموتى فيزداد بصيرة في إيمانه ، فنام في ذلك الدير ؛ { فأماته الله } في منامه ؛ { مئة عام } ؛ وأعمى عنه السباع والطير ، ثم أحياه فنودي : يا عزير : { كم لبثت } ؟ وكان أميت في صدر النهار ، { ثم بعثه } ؛ بعد مائة سنة في آخر النهار ، فظن أن مقدار لبثه يوم ، { قال كم لبثت } ؟ ف { قال لبثت يوما } ، فلما نظر إلى الشمس قد بقي منها شيء ، فقال : { أو بعض يوم } ؛ فنودي؟. { قال بل لبثت مئة عام } ؛ ميتا ، { فانظر إلى طعامك } ، من التين والعنب ، { وشرابك } ، العصير ، { لم يتسنه } ؛ أي لم يتغير طعمها بعد مائة عام ولم تغيرها السنون ؛ فنظر فإذا بالعنب والتين كما شاهده وبالعصير طريا.
ثم قيل له : { وانظر إلى حمارك } ؛ فنظر فإذا هو عظام بيض تلوح قد تفرقت أوصاله ، فسمع صوتا : (أيتها العظام البالية إني جاعل فيكن روحا فاجتمعن) فارتهشت العظام وسعى بعضها إلى بعض ، قال : فرأيت الصلب يسعى كل فقرة منها إلى صاحبتها ، ثم رأيت الوركين يسعيان إلى مكانهما ؛ والساقين إلى مكانهما ؛ والعطفين إلى مكانهما ، ثم رأيت كل الأضلاع يسعى كل واحد منهم إلى فقرته ، ثم رأيت الكعبين سعيا إلى مكانهما ؛ والذراعين إلى مكانهما ، ثم رأيت العنق يسعى كل فقرة منه إلى صاحبتها ، ثم جاء الرأس إلى مكانه ، ثم رأيت العصب والعروق واللحم ألقي عليه ، ثم بسط عليه الجلد ، ثم دري عليه الشعر ، ثم نفخ فيه الروح ، فإذا هو قائم ينهق. فخر عزير ساجدا لله تعالى ؛ وقال عند ذلك : { أعلم أن الله على كل شيء قدير }.
পৃষ্ঠা ২৩৯