তাফকির ফারিদা ইসলামিয়্যা
التفكير فريضة إسلامية
জনগুলি
وصرح أهل هذه الصناعة بأن السؤال الخطابي قد ينقض الحقيقة إذا ورد في صيغة الخطاب دون أن يزيد فيها حرفا أو كلمة، ومن أمثلتهم على ذلك أن مجرما قضي عليه أن يقف في جمع حافل، ويشهد على نفسه بالسرقة؛ فينادي فيهم: أنا مجرم. ويكررها ثلاث مرات.
فلما وقف في الجمع الحافل نادى كما أمروه ولكن بصيغة الخطاب، فطفق يقول كأنه يستفهم ويستنكر: أيها الناس، أنا مجرم؟! أنا مجرم أيها الناس؟! فكان في صيغة السؤال الخطابية إنكار للاعتراف الذي أرادوه عليه، دون أن يزيد حرفا أو كلمة في عبارة الاعتراف ...
هذه الصناعة - صناعة الجدل - ليست في شيء من المنطق القويم المطلوب للبحث عن الحقيقة، ولكنها صناعة يتعلمها طالبها وهو عالم أنه ينشد الغلبة على خصومه في المناقشة بالحق أو بالباطل؛ فإن لم يتعلمها عامدا هذا العمد، فقد ينساق إليها بطبيعة الجدل وشهوة المغالبة، فيؤثر المغالطة على المصارحة، ويصر على المكابرة مجهلة بالحقيقة، أو مكابرة فيها ...
وما من أمة فتح فيها باب الجدل وغلبت فيها شهواته ثم سلمت من جرائرها، سواء كانت هذه الآفة مما ينجم عن تعليم الصناعة، أو كانت مما تخلقه اللجاجة والتمادي في الملاحاة والبغضاء ...
وقد ضرب المثل بالجدل «البيزنطي» في طول اللجاجة وسوء العاقبة، وقلة الجدوى لطلاب الحقيقة والصلاح، ولكن البيزنطيين لم يكونوا بدعا في هذه الآفة، ولم ينفردوا بالجدل على غير طائل كلما فتحت أبوابه على مصطلحات المنطق، أو على غير مصطلح مفهوم غير اللدد والعناد؛ فإن بني إسرائيل قد سبقوا البيزنطيين إلى أمثال هذه المجادلات الخاوية إلا من الباطل والشحناء، وجاء السيد المسيح إليهم فوجد فيهم طائفة الكتبة والفريسيين لا عمل لها غير اختلاق الحيل والشراك؛ لاقتناص الناس بمغالطات الألفاظ وألاعيب الحذلقة والتمويه.
وكان لتلك الآفة صرعاها بين البيزنطيين كما كان لها صرعاها قبلهم بين بني إسرائيل، فكانت آفة الجدل على أبناء القرون الوسطى من المشتغلين بالفلسفة والمنطق، أو بالتفسيرات الدينية والمهاترات المذهبية أشد عليهم من آفة الجهل والجمود على التقاليد ...
ويؤخذ من أخبار الأمم التي امتحنت بالمنازعات الجدلية أن هذه الآفة مرض اجتماعي تتشابه أعراضه في الأمم، ولا تنحصر في اليونان أو بني إسرائيل، فلا يزال الجدل حيث كان مقترنا بأعراضه الوبيلة، وأشهرها وأوبلها ثلاثة؛ وهي: إغراء الناس بالمماحكة بالقشور دون الجوهر واللباب من حقائق الأمور، وإثارة البغضاء والشحناء على غير طائل ولعا بالغلبة والاستعلاء؛ بدعوى العلم والصواب، وإشاعة الخلاف بين الآراء جماعة بعد جماعة إلى غير نهاية يقف عندها ذلك الخلاف. فتنقسم الأمة إلى شيع، وتنقسم الشيعة إلى فرق، وتنقسم الفرقة إلى شعب وفروع حتى لا تبقى فئة واحدة على رأي واحد وإن قلت في العدد، وصغرت في منزلة التفكير.
ولما انتقلت هذه الآفة إلى الأمم الإسلامية فشت فيها هذه الأعراض جميعا، ولمس الخاصة والعامة أضرارها في بيئات العلم والدين، وتشاءم بها المسلمون أشد من تشاؤم اليونان بالسفسطائيين والمسيحيين الأولين بالكتبة والفريسيين؛ لأن مجادلات السفسطة والتأويل نجمت في اليونان وبني إسرائيل من بين أنفسهم، ولم تنتقل إليهم من الأجانب الغرباء عنهم.
أما فتنة الجدل ومصطلحاته الكلامية فقد انتقلت إلى المسلمين من أمم غريبة على أيدي التراجمة الدخلاء، فتسربت إلى الأذهان شبهات كثيرة من أمرها، ووهم بعض الخاصة - فضلا عن العامة - أنها مكيدة مبيتة للأمة الإسلامية تواطأ عليها أعداؤها من خارجها وداخلها، وتداولت الألسنة قصصا عن نقل هذه العلوم الدخيلة تشبه الأساطير ونوادر الرواة والمتخيلين.
ومن أمثلة هذه الشوائع المترددة ما رواه جلال الدين السيوطي عن الشيخ نصر المقدسي من كتابه «الحجة في تارك المحجة»؛ حيث يقول: «إن بني العباس قامت دولتهم على الفرس، وكانت الرياسة فيهم وفي قلوب أكثر الرؤساء منهم الكفر والبغض للعرب ودولة الإسلام، فأحدثوا في الإسلام الحوادث التي تؤذن بهلاك الإسلام، ولولا أن الله تبارك وتعالى وعد نبيه
অজানা পৃষ্ঠা