وأما الجواب عن المنافع الثابتة في قوله تعالى : [ومنافع للناس] (¬2) بعد قوله : [ فيهما إثم كبير] (¬3) أوكثير ، كما قرئ بهما فالمراد إما اللذة والفرح في الخمر ،وإصابة المال بلا كد في الميسر ،كما اقتصر عليه الجلال ، كماأن المراد بالأثم فيهما ما ينشأ عنهما من المفلسد من الإتلاف ،والعربدة في الخمر ، وسلب المال والأهل لمن قامر بهما ، ثم صار أسفا بعد ، كما أفاده غيره ، وعلى هذا التفسير فالمنافع باقية ، وأما من فسر المنافع بتشجيع الجبان ، وما معه كتقوية الطبيعة فإخبار عما كان قبل التحريم ، وإلا فقد سلبت تلك المنافع / بعده كما أخبر به الصادق المصدوق بقوله : ( لم يجعل الله شفاء أمتي ) ، 5ب وعلى فرض وقوع الشفاء لبعض الأجساد الخبيثة الرديئة ، فقد يقع بالسم الشفاء ، وهو قاتل لوقته بالكلية ، ومن بديع التفسير [فيهما إثم كبير] ، أي في تناولهما ، [ومنافع للناس] أي في تركها ، وإذا بعده ما بعده ، ثم قال الجلال : ولما نزلت [يسألونك ... ] (¬1) الخ، شربها قوم ، وامتنع آخرون ، إلى أن حرمتها آية المائدة ، وهو صريح في وقوع النسخ ، وأن التحريم به ، لا بترجيح المفسدة على المنفعة ، كما قال به المعتزلة ، وفيه إيماء لرد من قال كالبيضاوي ، وقيل : التحريم ثابت بأية [يسألونك.. ] الخ ، بترجيح المفسدة على المنفعة ، فإنه مبني على التحسين والتقبيح القطعيين ، ولا يقول بهما إلا المعتزلة ، كما أفاده العلامة الشهاب في حاشيته / عليه ، وعبارة العلامة الخطيب 6 أفي التفسير ، روي لما نزل بمكة قوله تعالى : [ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا] (¬1) ، وكان المسلمون يشربونها ، وهي لهم حلال يومئذ ، ثم إن عمر ومعاذا في نفر من الصحابة قالوا : افتنا في الخمر يا رسول الله ، فإنها مذهبة للعقل ، فنزلت هذه الآية ، فشربها قوم وتركها آخرون ، ثم إن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما ، ودعا ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأتاهم بخمر ، فشربوا ، وسكروا ، فحضرته صلاة المغرب ، فقدموا بعضهم ليصلي بهم ، فقرأ : قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ، هكذا قرأ السورة بحذف لا ، فأنزل الله [ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ] (¬2) فحرم/6ب السكر في أوقات الصلاة ، فتركها قوم ، وقالوا لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة ، وتركها قوم في أوقات الصلاة ، وشربوها في غير وقتها ، حتى كان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء ، فيصبح وقد زال عنه السكر ، ويشرب بعد صلاة الصبح ، فيصحوا وقت الظهر ، ثم إن عثمان بن مالك صنع طعاما ، ودعا رجالا من المسلمين فيهم سعد بن أبي وثاص رضي الله تعالى عنه ، وقد كان شق لهم رأس بعير فأكلوا منه ، وشربوا الخمر حتى أخذت منهم ، ثم افتخروا عند ذلك ، وانتسبوا ، وتناشدوا الأشعار ، فأنشد سعد قصيدة فيها هجاء للأنصار ، وفخر لقومه ، فأخذ رجل من الأنصار لحي البعير ، فضرب به رأس سعد ، فشجه / فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشكا له الأنصاري ، فقال عمر: 7 أاللهم بين لنا بيانا في الخمر شافيا ، فنزل [إنما الخمر والميسر] (¬1) إلى قوله تعالى [فهل أنتم منتهون] (¬2) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : انتهينا يا رب .
قال القفال (¬3) : الحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب أن القوم كانوا ألفوا شرب الخمر ، وكان انتفاعهم به كثيرا ، فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق عليهم ، فاستعمل في التحريم هذا التدريج والرفق .
وبيان معنى الخمر والميسر معلوم ومشهور ، وفي كتب الفقهاء والمفسرين محرر ومسطور ، يخرجنا تتبعه عن أداء هذا الغرض ، الذي أداؤه على كل أحد واجب ومفترض ، وكنا في غنية عن هذا التعب بالكل / لكن أحوجنا إليه تبجح بعض الأغبياء في 7 ب المجالس بالوساوس الشيطانية ، قاصدين به الطعن في النصوص القرآنية ، والأحاديث النبوية ، متحيلين به على المروق من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، كما أخبر بذلك المخصوص بالوسيلة ، والفضيلة ، والكرامة ، والدرجة العلية ، وما دروا أن زمام هذه الشريعة محفوظ لرب البرية ، وأنه جعل لها في كل عصر حماة يحرسونها وراثة من الحضرة المحمدية .
نسأله سبحانه أن يصلح لنا النية ، وأن يطهر منا الطوية بجاه النبي وآله ذوو النفوس الزكية ، وصحبه ذوو السادة المرضية ، آمين .
পৃষ্ঠা ৮