فالمؤمن يتخذ الأسباب، ثم يطلب المسبب من الله، وما لا يعرف الناس له سببا يطلبه من الله وحده، يدعوه ويقول: "يا الله"، ويعتقد ان بابه مفتوح، وان اجابته حاصلة لا يدعو غيره بدله، ولا يدعو غيره معه، وال يتخذ غيره وسيطا في الدعاء بينه وبينه. هذا هو الدعاء الذي هو مخّ العبادة.
غاية العبادة:
قلت ان للعبادة جسدا هو الألفاظ التي ينطق بها اللسان، والأعمال التي تقوم بها الأعضاء، ولها روح وروحها العقيدة التي دفعت اليها، والغاية التي عملت من أجلها، أي النتائج التي قصدها من عملها وقد شرحت جانبا من هذه العقيدة، وسألمّ الآن بطرف من هذه المقاصد.
المقصد الصحيح للعبادة: أن يكون الباعث عليها، والمقصود بها رضا الله، فلا نعملها للمال، ولا للجاه، ولا لنيل اعجاب الناس، ولا نتخذها سلما إلى متع الدنيا، ولا نريد بها الشهرة بالصلاح، وهذا المقصد الصحيح يسمى (الاخلاص)، وما يداخله من المقاصد الاخرى يدعى (الرياء)، والذي يحدّد المقصد من العمل هو (النية). والله لا يسألنا يوم القيامة عن الأعمال فقط بل يسألنا لماذا عملناها، وقد يكون العمل صالحا في ذاته ولكن لم يصح المقصد منه، ولم تسلم النية، ولم تكن خالصة لله، فيتحول صلاحه إلى فساد، وحسنه إلى قبح.
الصلاة مثلا عمل صالح، ولكن اذا كانت نية المصلي أن يراه الناس، فيعتقدوا صلاحه فيعطوه الأموال، ويهدوا إليه الهدايا. ولم يصل امتثالا لأمر الله، وطلبا لرضاه، كانت صلاته هذه عملا سيئا، وان كانت الصلاة في الأصل من الأعمال الحسنة.
لذلك تفاوتت هجرة المهاجرين، فكان منها الحسن والسيء، وان كان ظاهرها واحدا، وكانوا جميعا قد اشتركوا في السفر والارتحال، ومشوا في وقت واحد، في طريق واحد. فمن كان يقصد الفرار بدينه، ورضا ربه، كانت سفرته هجرة لله، يثاب عليها ثواب المهاجرين، ومن كان خاطبا امرأة في
1 / 77