وإن كان نزاعهم في الدعوى الثالثة، فإن كان مقصودهم من الالتزام بها التفصي عن شبهة المعتزلة والمحافظة على قاعدة الاشتقاق، المقتضية لقيام المبدأ بذات من صدق عليه المشتق، أو الفرار عن محذور إثبات الجارحة للبارئ تعالى، أو كونه محلا للحوادث.
ففيه: عدم الحاجة إليه بعد ملاحظة ما ذكرناه من قيام مدفع لا يستدعي شيئا مما ذكر، وإن كان مقصودهم به دعوى امتناع صدور الكلام اللفظي منه ولو بواسطة الايجاد في الأجسام الخارجية، أو وجوب كونه متكلما بواسطة المعنى القائم بالنفس، فهي دعوى لا شاهد عليها من عقل ولا نقل، إذ لا نجد في حكم العقل ولا خطاب الشرع ما يقضي بشئ من الامتناع والوجوب، هذا مضافا إلى أن الطلب الذي يعتبرونه أحد قسمي الكلام النفسي ويحكمون عليه بالقدم يستحيل كونه قديما، لابتنائه على الاختيار.
ومن البين أن المسبوق بالاختيار حادث، ولكونه باعتبار أنه أمر نسبي بين أمور ثلاث منها المطلوب منه، مركبا من جهتي الصدور والتعلق، الذي هو حادث بحدوث متعلقه وشروطه فيكون الطلب حادثا، ولا يجدي قدمه باعتبار جهة صدوره - بعد تسليمه - لأن المركب من القديم والحادث ليس بقديم، وإلا فأصل جهة الصدور أيضا حادث كما عرفت، فلا يجديهم دعوى: أن الطلب عندنا اصطلاح في جهة الصدور فقط وهو ليس بحادث، ولأنه عند انعقاده الخارجي يقتضي علاجيا (1) على معنى استلزامه له لا محالة فيكون ملزوما للحادث، ومن المستحيل كون القديم ملزوما للحادث وإلا لم يكن قديما.
ثم إن تأملت في تضاعيف كلماتنا المتعلقة بمقالة الأشاعرة في الكلام النفسي إصلاحا وإفسادا تعرف أن ما في كلام بعضهم من بناء دفع ما ذكروه في التفصي عن شبهة اتحاد الدليل والمدلول على بطلان الكلام النفسي ليس بسديد.
পৃষ্ঠা ৯৪