পুরানো বিশ্বের খাবার
الطعام في العالم القديم
জনগুলি
بعد أن تناولت بإيجاز القرن السابق للإسكندر الأكبر، أبدأ الآن بتناول تأثير هذه التطورات على روما، ثم الصورة التي يرسمها أثينايوس لنا بكل هذه المواد المتاحة لديه. وسيعزز هذا من الاهتمام الذي نوجهه للعادات المتبعة في تناول الطعام لدى الطبقة الراقية؛ إذ إن لها تأثيرا في معظم الثقافات يتجاوز بكثير نسبتها من السكان. ثم أنتقل للحديث عن غالبية السكان بعد ذلك.
فالقصور الملكية الفاخرة التي كان يسكنها ملوك الحقبة الهلنستية - مثل السلوقيين والبطالمة الذين جاءوا فيما بعد - ظلت تحرص على مظاهر الإسراف، بما في ذلك الولائم. ويتضح الطابع التنافسي لتلك الولائم - بفضل أثينايوس مرة أخرى - حين ظهر منافس جديد، وهو مدينة روما الناشئة؛ ففي القرن الثاني قبل الميلاد، تمكنت روما من غزو مقدونيا القديمة، وأقام القائد العسكري إميليوس باولوس ألعابا مبهرة. ويحكي أثينايوس (مستشهدا ببوليبيوس) أن الملك السلوقي أنطيوخوس الرابع الظاهر أقام مهرجانا باهرا في المنتزه الملكي في دافني بالقرب من مدينة أنطاكية؛ إذ لم يكن يرغب في أن يفوقه أحد. كان المهرجان يحتوي على عرض رائع لأسلحة من تراقيا ومقدونيا وروما، وأعقبت ذلك صور مقدسة، وحيوانات مخصصة لتكون قرابين، ونساء يركبن هوادج مزينة بمعادن نفيسة ومعطرة بزيوت غالية مثل زيوت الزعفران والحلبة ونباتات أخرى، وولائم تسع 1000 أو 1500 أريكة ثلاثية المقاعد.
وأدت هذه العروض إلى انتشار مظاهر التفاخر بالثروة التي ظهرت في الانتصارات الرومانية التي تحققت لاحقا؛ فمن ناحية، كان ينظر إلى هذه العروض على أنها غير رومانية (راجع الفصل السابع)، ولكنها من ناحية أخرى كانت تبشر بمواكب استعراض الثراء والولائم التي كانت تفوقها بكثير في روما التي أتت في نهاية المطاف بأنماط تناول الطعام ذات الطابع الإمبراطوري في عهد الإمبراطور أغسطس وخلفائه. وثمة نقطتان إضافيتان، نتناولهما لاحقا في هذا الفصل؛ أولا: تدور معظم المناقشة حتى الآن حول الحكام، فلا بد أن نتناول أيضا الطبقات الراقية المولعة بالتنافس والموجودة في المدن الإغريقية والرومانية. ثانيا: كثيرا ما تكون الولائم وغيرها من أنماط تناول الطعام عبارة عن فئة فرعية من مظاهر أخرى للتفاخر بالثراء؛ مثل: سكنى القصور، أو أدوات المائدة الفضية والذهبية، أو وجود حاشية كبيرة من العبيد. وربما كان التنافس في عادات تناول الطعام تلبيه مظاهر التفاخر بالثراء هذه بدلا من التطورات المتعلقة بالطعام نفسه. (3) أثينايوس متحدثا عن الاندماج الإغريقي الروماني
يمكننا أن نتتبع التأثير الإغريقي على روما بطريقة أخرى، وذلك من خلال العرض الذي يقدمه أثينايوس؛ فالرسالة التي كتبها هيبولوكوس التي تصف مأدبة كارانيوس من الوثائق المفيدة للغاية، وقد حافظ عليها أثينايوس جزئيا لندرتها (من الممكن أن نضاهي ذلك بقدرته الفريدة على الحفاظ على نصوص لأركستراتوس وماترو وعدد من النصوص الهزلية التي تصف المآدب)، ولكن تلك الندرة لها أهمية خاصة. والكثير من النصوص لا تصف باستفاضة مجموعة الأطباق الهائلة التي كانت تقدم في المآدب الرسمية؛ فالتفاصيل تفقد جاذبيتها بعد برهة، إلا في حالة إضافة عناصر جذب تعتمد على اللهجة الساخرة أو أي أسلوب سردي آخر، وهذا هو ما يهدف إليه بيترونيوس في عشاء تريمالكيو الذي نناقشه في الفصل التاسع؛ ففي هذا النص نجد راويا أقل درجة من الراوي العليم بكل شيء يضيف مزيدا من الفكاهة إلى حماقات المضيف. ويوجد فعلا عنصر مشابه في الأسلوب السردي الذي ينتهجه هيبولوكوس، فهو ليس الراوي العليم بكل شيء، بل يكون بحاجة إلى آراء الآخرين (عن موضوع الملابس الشفافة التي يرتديها الموسيقيون). ولكن النص يقدم لنا الكثير من التفاصيل؛ إذ يقدم الكثير من أطباق اللحم والطيور الرئيسية. ولا نجد ما يشبه هذا كثيرا في النصوص الواردة من المدن الإغريقية في الحقب القديمة، ولكنه موجود في الولائم الرومانية، بما فيها عشاء تريمالكيو؛ إذ يقدم فيه خنزير مشوي محشو بالطيور والبقول والمأكولات البحرية. ومن العادات التي تظهر أيضا في الولائم الرومانية حشو حيوان بحيوان آخر. وتأتي إشارات كثيرة للخبز ومنتجات الحبوب. أقيمت مأدبة كارانيوس بمناسبة حفل زفاف، وربما لذلك تسلم الضيوف الكثير من الهدايا، ومن الواضح أن هذه الأمور من العادات المميزة والمنتشرة، ويعج النص بعدد من الإشارات إلى مظاهر الثراء والهدايا الفاخرة. وهذه المأدبة من المآدب القائمة على توزيع الطعام، وهو ما يتطلب مزيدا من المناقشة، ما دام توزيع الطعام - سواء أكان بمعرفة المدينة ذات الحكم الذاتي أم فاعل خير - كان في فترات كثيرة صورة من صور تأكيد الذات والنفوذ السياسي. ثم نجد اهتماما شديدا بالأثاث عامة وأثاث المائدة وحجم الصحون والمعدن الذي صنعت منه. والغرفة التي تقام فيها المأدبة معدة خصوصا بحيث تكشف عن سمات كانت تخفيها الأقمشة من قبل؛ ففي العصر الروماني، كانت الأشكال الميكانيكية من هذا الاختراع من السمات المعتادة في المآدب الفاخرة، وتحدث عنها سينيكا وبيترونيوس، واستخدمها نيرون في قصره المسمى «القصر الذهبي»؛ وهذه المعلومة أيضا تتطلب مزيدا من التحليل. ويتخلل المأدبة قدر كبير من الترفيه، ونجد مقارنات بين ذلك وبين الميل للاقتصاد المعروف عن أثينا، ونجد عدة بدايات جديدة، حين يؤتى بالماء والأكاليل، وهذه أيضا من التفاصيل التي أناقشها فيما يلي. ثم يقدم النبيذ للضيوف فور وصولهم، وهو أهم ما في المأدبة؛ فهذه العادة تشبه العادات الواردة في الملاحم التي ألفها هوميروس، ولكن جرى العرف على أن احتساء الخمر (في جلسة الشراب) كان يعقب المرحلة المخصصة للطعام من المأدبة الإغريقية (أي الديبنون). وأناقش فيما يأتي الترتيب المحتمل للطعام والشراب في المأدبة الإغريقية. وعلى أي حال، تشبه العادة المقدونية العادة الرومانية، وتشبه كذلك العادة التي كان يتبعها أثينايوس في المآدب التي أقامها لضيوفه الحكماء في كتابه «مأدبة الحكماء» أو «ديبنوسوفيستاي». ولا يقول أثينايوس صراحة إن عادات تناول الطعام الرومانية كانت متأثرة بشدة بالمقدونيين أكثر من تأثرها بالولايات الإغريقية الصغيرة، ولكنه ربما يشير إلى ذلك بوضع مأدبة كارانيوس في صدارة كتابه الذي يتناول المآدب (الجزء الرابع). ويقدم الطاهي في «مأدبة الحكماء» أيضا خنزيرا محشوا يشبه إلى حد كبير الخنزير الذي قدمه كارانيوس في مأدبته (وهي المعلومة المذكورة في دالبي 1988)، مع أنه من الجائز أن تكون هذه إشارة ضمنية أو تورية أدبية استخدمها أثينايوس أكثر من كونها تعبيرا عن العادات الرومانية.
ويلفت أثينايوس أيضا الانتباه - كما رأينا - إلى التباين مع أثينا، ويقارن تأثير مقدونيا القديمة على الملوك المتنافسين في البلدان الهلنستية، الذين كان الكثير منهم قادة عسكريين مقدونيين وكانوا هم خلفاء الإسكندر الأكبر. والسمة اللافتة الأخيرة في مأدبة كارانيوس هي نفخ البوق في ختام المأدبة، وهو ما يعلق هيبولوكوس عليه بأنه من العادات المقدونية في المآدب الكبيرة (يحضر هذه المأدبة عشرون مدعوا). ويأتي استعمال مشابه للبوق في مأدبة تريمالكيو، وهذه العادة مشهودة في أماكن أخرى من الثقافة الرومانية، خصوصا في البيئة العسكرية. وذكرنا في بداية الفصل الفخامة الفريدة التي تتسم بها مأدبة هيبولوكوس، وتلك الفخامة هي على وجه التحديد السمة المميزة للمآدب التي أقامها لارينسيس، المضيف الروماني، للمدعوين إلى مأدبة الحكماء الواردة في المآدب الخيالية التي يرويها أثينايوس في نهاية الفترة التي نتناولها. وللاطلاع على هذه الموضوعات في كتاب أثينايوس، راجع الصفحات 27 و274-275، ودالبي 1996: 152-183. (4) عادات تناول الطعام والنظام الغذائي لدى السواد الأعظم من السكان
تتسم البنى الديموغرافية للمدن والمناطق الريفية القديمة بالتنوع والتعقيد والتغير على مدار الزمن، ولأغراض هذا الكتاب نجد أن أفضل مناقشة لها ترد في المقالات التي جمعها جارنسي (1998)، وهي واردة في قائمة المراجع المرفقة في الكتاب. كثيرا ما تقسم النصوص القديمة فئات السكان تقسيما نسبيا إلى الفئات الأغنى والأفقر، أو الفئات الأفضل والأسوأ في المجتمع. حين نشير في هذا الكتاب إلى الطبقات الراقية في الحضر، فإننا نقصد أقل من 10 بالمائة من السكان، أما بخصوص النسبة البالغة 90 بالمائة فأكثر، فقد عاش بعض هذا العدد في ظروف أفضل بكثير من غيرهم، في كل من الحضر والريف. وكان من الشائع أنه عند تعرض مؤن الطعام المخصصة للسكان للخطر - وهي من الحالات التي لم تكن نادرة، كما يوضح كل من جالينوس وجارنسي (1988، 1998) - كانت غالبا ما تضرب المجاعات الريف قبل الحضر، والفقراء قبل الأغنياء. أما بخصوص الطبقات الراقية، فإن أهم مخاطر المجاعات لم تكن تهدد مؤن الطعام المخصصة لهم، بل كانت تهدد الاستقرار السياسي.
كانت غالبية السكان القدماء تقاسي شظف العيش إما كمزارعين يعملون بزراعة الكفاف، أو كعمال أجراء لا يمتلكون أراضي، وهو ما لم يكن يكفي لضمان الطعام الكافي للأسرة على مدى السنوات. وكانت هذه الغالبية من السكان تحظى بالطعام الذي كان بحسب المفهوم الحديث «عضويا» و«نقيا»، ولكن كانت تشوبها سلبيات كبيرة منها عدم ضمان وصول المؤن ورداءة مستوى جودتها في غالب الأحيان؛ ومن ثم، يخبرنا جالينوس أن الريفيين في ميسيا كانوا يرسلون محصول القمح الذي حصدوه إلى المدن، في حين أن المزارعين أنفسهم كانوا يأكلون الحبوب الأرخص والأردأ. يخبرنا جالينوس أيضا عن وجود أطعمة معينة كان الناس عادة يتجنبونها، وكانوا يطعمونها الحيوانات؛ ومع ذلك، أصبحت تلك الأطعمة مخصصة للبشر حين كانت تشتد أزمات نقص الطعام؛ وهو بذلك يضع حدودا مهمة بين أطعمة البشر وأطعمة الحيوانات. وإذا كان الريفيون يأكلون أحيانا طعام الحيوانات، فهل كان ذلك يجعلهم أقرب للحيوانات من وجهة نظر سكان المدن؟ كان بعض الناس يرى ذلك قطعا، وسنناقش هذه الموضوعات في الفصلين الرابع والسابع.
وكان المواطنون الفقراء المقيمون في المدن يأكلون أيضا طعاما أقل جودة من طعام الأغنياء ، وكثيرا ما كان المؤلفون يلفتون الانتباه إلى هذه الفوارق، على غرار ما يفعله جوفينال بطريقة متطرفة في «المقطوعة الهجائية الخامسة». فكان الفقراء على الأرجح يأكلون في الأماكن العامة، أو على الأقل يشترون طعاما جاهزا ويأخذونه معهم لمنازلهم، وكانوا أقل قدرة على شراء عبيد لإعداد الطعام، وكانت المساحة المخصصة لطهي الطعام في منازلهم محدودة، خصوصا إذا كانوا يسكنون في بنايات تضم شققا على الطراز الروماني. ثمة أدلة كثيرة على وجود مقاصف مخصصة لبيع الأطعمة والمشروبات الجاهزة في بومبي وأثينا، بالإضافة إلى أدلة من النصوص تدل على أن المقاصف كانت أحيانا تضم متاجر أو «كابيليا» في المدن الإغريقية (الشكل
2-1 ). وقد نوقشت هذه الأدلة مناقشة مستفيضة في ديفيدسون 1997، مع أني في الفصل السادس أعترض على بعض النتائج التي استخلصها.
شكل 2-1: تكثر المقاصف المقامة عند المفارق في شوارع بومبي وهركولانيوم، وكانت قطعا موجودة أيضا في الكثير من المدن القديمة الأخرى. وكانت الأباريق المدمجة في المناضد تحتوي على خمور (ساخنة وباردة)، وكذلك أطعمة يمكن شراؤها وتناولها في المنازل؛ فالاختيار بين تناول الطعام في مكان بيعه، أو شرائه لتناوله في المنزل، ليس مقصورا على العالم الحديث.
অজানা পৃষ্ঠা