পুরানো বিশ্বের খাবার
الطعام في العالم القديم
জনগুলি
كثيرا ما كان الطب هو المحفز على استيراد منتجات جديدة، وليست مذاقاتها الممتعة. عند بدء استعمال الطماطم والشوكولاتة لأول مرة في أوروبا في أوائل العصر الحديث، لم يرق طعمهما على الفور للناس، لكن كان لكل منهما استعمالات طبية مرغوب فيها، بما في ذلك استخدامهما كمنشطات جنسية؛ ومن ثم، كان نبات السيلفيوم يستعمل كدواء وكنكهة عطرية في آن واحد، والأمر نفسه ينطبق كذلك على الثوم والبصل المتوافرين محليا. وكان الفلفل، الذي ربما أصبح يستخدم كنكهة عطرية لاحقا في الإمبراطورية الرومانية، يستعمل أساسا كدواء، وكان من الأصناف المطلوبة في القصور الملكية في الحقبة الهلنستية؛ حيث كان يستعمل كترياق للسم. ولوحظت هذه الخاصية في الفلفل في فترة مبكرة معاصرة لثيوفراستوس؛ إذ يقول إن ثمة نوعين من الفلفل، وكلاهما يساعد على التدفئة ويبطل مفعول نبات الشوكران السام (9، 20، 1 وأثينايوس 2، 66). تشمل مناقشة أثينايوس فيما يبدو كلا من النكهة والدواء. وربما كان قصر ميثريداتس الملكي في مملكة بنطس من العوامل التي أسهمت في الترف الذي اتسمت به روما؛ ولكنه شجع أيضا على استخدام أنواع الترياق لإبطال مفعول السم. ومن ناحية أخرى، يتساوى عدد مرات ذكر فطر عيش الغراب كسم مع مرات ذكره كطعام.
يهدف هذا العرض الموجز للأطعمة إلى أن يكون كاشفا أكثر منه شاملا، والسؤال المهم الذي يجب طرحه هو: ما مكانة ووضع الشخص الذي يتولى مهمة تصنيف الطعام؟ كان الأطباء على الأرجح يجدون استعمالات دوائية للكثير من الأطعمة التي لم تكن طيبة المذاق، مثل نبات البيقة ذي المذاق المر (وهو طعام للماشية في الأحوال العادية) أو الجراء أو الجمال. ويذكر المؤلفون التابعون لمدرسة أبقراط كل هذه الأنواع. وكان للخضراوات دور كبير في النظام الغذائي للفقراء، وغالبا ما كان الأثرياء يزدرون الخضراوات، إلا إذا كانوا يهدفون إلى عيش حياة بسيطة. لكن، كان للخضراوات مزايا كثيرة من وجهة نظر الفيلسوف المتقشف والطبيب، كما يوضح جالينوس في الجزء الثاني من كتابه «عن قوى الأطعمة».
والأهم من ذلك أن الأمر كان يستند حتما إلى بعض المعايير الصارمة: أولا الموقع، فالجمال من المشاهد المألوفة في مصر أو العراق ولكن ليس في اليونان؛ ثم تأتي الجغرافيا والمناخ؛ ثم الموسم. اضطر بعض الناس - أو اختاروا - أن يعيشوا بحسب الموسم، بينما كان بوسع آخرين تجاهل الموسم، وذلك فيما يتعلق قطعا بأزمات نقص الطعام. ولم يستطع إلا القلائل تناسي التغيرات الموسمية خارج الأماكن الشبيهة بالفردوس، مثل تلك التي عاش فيها الفينيقيون الذين أتى هوميروس على ذكرهم، ومسوخ سايكلوبس، وفي المدن الفاضلة الواردة في الأعمال الأدبية (للاطلاع عليها، راجع الفصل التاسع). وكانت أكثر التجارب التي اقتربت من تحقيق ذلك فيما يبدو هي العيد البطلمي في وادي النيل (وللاطلاع على معلومات عنه راجع الفصل الثالث). (3-1) الثقافة الإغريقية والثقافة الرومانية
يتناول هذا الكتاب فترة تمتد لألف عام من استهلاك الطعام في الثقافة الإغريقية، ونحو ستمائة عام من الثقافة الرومانية، فضلا عن دراسة موجزة لبعض الثقافات الأخرى بما في ذلك الفارسية والمصرية والسلتية. لا بد من حديث مختصر عن البنية المركبة للثقافة الإغريقية الرومانية. كانت الثقافة الإغريقية مميزة للغاية، وكان للطهي دور محوري وحاسم فيها؛ مما يتيح للإغريق نيل مكانة بين كبرى ثقافات الطعام في العالم (راجع أدناه). يبدأ هذا الكتاب بقصائد لهوميروس من المتعارف أن تاريخها يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد. كان الرومان، الذين نتحدث عنهم بدءا من القرن الثالث قبل الميلاد فصاعدا، يرون أنفسهم مختلفين تماما في بعض النواحي عن الإغريق. وفي الفصل السابع، ندرس وصفهم لأنفسهم كقوم بسطاء يشتغلون بالزراعة أساسا، لم يفسدهم التأثير الأجنبي والتجارة في الكماليات والسلع المترفة؛ ومع ذلك، توجد أدلة كثيرة على أن الرومان تعاونوا مع الإغريق ومع شعوب إيطالية قديمة متأثرة بالإغريق منذ القرن السادس، بل ومنذ فترة سابقة على ذلك. علاوة على ذلك، كان الإغريق قد أنشئوا مدنا في شبه الجزيرة الإيطالية بدءا من القرن الثامن قبل الميلاد وإلى ما بعد ذلك، وقد ساعد ذلك على هدم الفارق بين ما هو إغريقي وما هو روماني، وتلاشى هذا الفارق أكثر بعد أن ضم الرومان اليونان في القرن الثاني قبل الميلاد، وحكموا إيطاليا واليونان كإمبراطورية شاسعة مطلة على البحر المتوسط على مدار القرون الأربعة التالية التي يتناولها هذا الكتاب. وآنذاك، لم يكن وجود الإغريق منحصرا في اليونان؛ فأفضل الإنجازات في مجال الطهي لم يأت عادة من البر الرئيسي لليونان على الإطلاق، ولم يكن وجود الرومان منحصرا في إيطاليا كذلك. وما إن تحولت الإمبراطورية الرومانية من حكم جمهوري إلى حكم استبدادي يرأسه إمبراطور، حتى كانت الإمبراطورية الرومانية - التي كانت فعليا إمبراطورية إغريقية رومانية - هي الإمبراطورية التي قد أصبحت، بحسب تعبير أندرو دالبي، «إمبراطورية الملذات». وللجمع بين كل هذه العناصر، يعتمد هذا الكتاب على الأعمال الموسوعية الأربعة التي جمع مادة كل منها بلينوس وبلوتارخ وجالينوس وأثينايوس. (3-2) ما السمات المميزة للطعام في الثقافة الإغريقية الرومانية؟
إن دراسة الطعام الإغريقي والروماني بصفته نظاما ثقافيا مميزا أمر مستحسن في حد ذاته، ولكن ربما يكون من الممكن طرح دفاع أقوى عن هذا النظام؛ فالثقافة الإغريقية، وشقيقتها الثقافة الرومانية، عبارة عن نظامين ثقافيين يدخل الطعام في بنيتهما إلى حد فريد، الأمر الذي يمكن مقارنته بكبرى ثقافات الطعام في الصين والهند. وبينما كان الطعام ينم عن أنماط الإنتاج والتوزيع والبنية الاجتماعية، كان يقع أيضا في صميم النظام الطبي الذي وضعه الأطباء التابعون لمدرسة أبقراط في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد. وكانت سوائل الحياة (الأخلاط) في عالمي النبات والحيوان وثيقة الصلة بسوائل الحياة التي كانت تتحكم في جسم الإنسان وكانت تخضع للعوامل الموسمية والمناخية، بل صنف أحد أبحاث أبقراط - بعنوان «الحمية 1» - البشر بصفتهم يعيشون في نظام كوني قائم على النار والماء. وتصورت نظرية أخرى من نظريات أبقراط عملية الهضم على أنها طهي المواد الغذائية بحرارة الجسم. وكان طهي الطعام قبل أكله ليس إلا جزءا من الوسيلة المتحضرة لتمثيل الطعام ليصبح جاهزا لامتصاصه في جسم الإنسان؛ إذ كان الكثير من المؤلفين القدماء يرون أن البشر حيوانات، وإن كانوا سلالة مختلفة من الحيوانات. وكان النظام الديني يحكمه أساس منطقي مختلف، ولكن ظل الطعام - الحيواني وغير الحيواني - في هذا الجانب أيضا يقع في صميم العلاقات المتبادلة بين الآلهة والبشر؛ إذ كان الكائن الأدنى - أي الإنسان - يقدم للكائن الأعلى - أي الإله - حياة الحيوان أو النبات الذي كان يقتل كقربان. وكان النظام الديني يجمع بين الفكر الأسطوري والأنشطة الشعائرية التي تقام للاحتفال والعبادة، وكان أيضا يدمج الفرد في الجماعة.
ومن السمات المميزة الأخرى للثقافة الإغريقية الرومانية الإنتاج الأدبي الغزير - الشفهي والمكتوب - الذي يعبر عن الطعام والعناصر المتعددة المرتبطة به في الكثير من الأجناس الأدبية، ويشمل هذا الإنتاج أيضا كتب الطهي، وهو ما لا ينتجه الكثير من الثقافات. صدرت كتب الطهي بحلول عام 400 قبل الميلاد، في غضون نصف قرن من صدور أقدم الأبحاث الطبية. وفيما يتعلق بالأعمال الأدبية الأخرى، نجد أن الطعام لعب دورا فعالا في أعمال هوميروس، وهي أقدم نص أدبي معروف لنا . وفيما بعد، نجد أن بعض الأجناس الأدبية - مثل المسرحيات التراجيدية والكوميدية - كانت ترتبط بالأعياد؛ حيث كان تقديم القرابين وتناولها على المسرح يعكسان - على نحو رمزي يناسب كل جنس من تلك الأجناس الأدبية - الأنشطة التي كان الممثلون والمشاهدون يمارسونها في الاحتفالات السابقة على تقديم المسرحية. وكانت ثمة أجناس أخرى ترتبط بجلسات احتساء الشراب، ومن هذه الأجناس الكثير من الشعر القديم، ومن المفارقة أيضا وجود الكثير إلى حد ما من المناقشات الفلسفية. واتخذت مقطوعات الهجاء الرومانية هي الأخرى من الطعام وطقوس تناول الطعام وسيلة معبرة للغاية للذم الذي تصبه على كل الشرور الاجتماعية التي كانت تدعي أنها تكشف عنها. ثم ظهرت الكتابات التقنية على غرار الأدلة الإرشادية المتعلقة بالزراعة، والأبحاث الطبية المعنية بالتغذية وعلم العقاقير، وكتب الطهي التي سبق ذكرها، والأعمال المعنية بالدراسات الحيوانية والنباتية، وأعمال غريبة ذات طابع مختلط مثل القصيدة التي تتناول الطهي والتي ألفها أركستراتوس (القرن الرابع قبل الميلاد)، والقصيدة التي تدور حول صيد الأسماك التي ألفها أوبيان (في القرن الثاني الميلادي). (3-3) الأطعمة المحلية
تمثل الاعتبارات المحلية أهمية خاصة في هذه الدراسة. سنجد الكثير من الأمثلة في الفصلين الرابع والخامس. بادئ ذي بدء، توضح هذه الاختلافات مدى التنوع الزماني والمكاني للمنطقة قيد البحث، وقد ظهر الاختلاف الأكبر بين المراكز الكبرى أي المدن الكبرى - مثل: روما، والإسكندرية، وأثينا (على نطاق أصغر) - وغيرها من الأماكن، وظهرت أيضا اختلافات بين الشرق والغرب وبين المناطق الجبلية والسهول، وذلك كما سنرى في وصف إيطاليا قديما وحديثا (راجع الفصل الرابع). ولوحظ كذلك وجود تنوع بين أماكن قريبة جدا بعضها من بعض، وكانت المناخات المحلية في اليونان مناسبة لزراعة أنواع مختلفة من الحبوب وغيرها من المحاصيل في أماكن مختلفة. ويصر عالم النباتات الطبية ديسقوريدوس على أنه يتوجب على الطبيب فحص كل نبات في مكانه؛ لأن الموقع من العوامل التي تتحكم في تحديد خصائص النبات. ويسرد الشاعر الهزلي يوبولوس نباتات معينة من مدن بعينها (الشذرة 18): «الخردل القبرصي، والمحمودة، والرشاد الميليتوسي، والثوم الساموثراكي، والسيلفيوم وسيقانه من قرطاج ، والزعتر من جزيرة هايميتوس، والبردقوش من جزيرة تينيدوس» (ترجمه إلى الإنجليزية: دالبي). وبخصوص المأكولات البحرية، فإن كتاب «حياة الترف» من تأليف أركستراتوس يرشد القراء إلى أفضل الأسماك الموجودة في مدن معينة؛ فعلى سبيل المثال: تنصح الشذرة 35، 5-7، بأن «الأسماك لذيذة في بيزنطة وكاريستو، ولكن مدينة كيفالويديس في جزيرة سيكلز الشهيرة تكثر فيها أسماك التونة، وهي أفضل بكثير من هذه الأسماك» (ترجمه إلى الإنجليزية: أولسون وسينس). ويقتصر كتاب دالبي «إمبراطورية الملذات» (2000) على دراسة هذه العلاقات المحلية مع الطعام والشراب، التي تنتشر في النصوص القديمة.
وتساعدنا الاعتبارات المحلية أيضا في معرفة البلدان المطلة على البحر المتوسط قديما على نحو يشبه ما عليه الحال في العصر الحديث؛ فكما أن إيطاليا الحديثة تتسم بنزعة محلية شديدة، كانت إيطاليا القديمة هكذا أيضا. ولا نجد مصادر توضح هذه الاختلافات أفضل من مصادرنا، وهم المؤلفون الموسوعيون بلينوس وجالينوس وأثينايوس. يكشف بلينوس عن تميز المناطق المحلية في إيطاليا، ويتناول جالينوس الفروق بين الحبوب التي تزرع في مناطق آسيا الصغرى، ويتناول أثينايوس الفروق بين المدن الإغريقية في اليونان وفي آسيا الصغرى؛ كما يتحدثون عن إسبرطة وكريت وثيساليا وبيوتيا والكثير من المناطق الأخرى. تؤثر النظم الاجتماعية على الإنتاج والاستهلاك الزراعيين: راجع الفصل الثاني عن إسبرطة وأثينا.
أثينا هي الموقع الأول الذي نتناوله، وهي مدينة ذات حكم ذاتي تضم بعض السهول الخصبة - مثل منطقة إلفسينا المعروفة بزراعة الحبوب - وتكثر فيها التلال الصخرية والأراضي الصالحة لزراعة العنب والزيتون ومنتجات الغابات مثل الفحم. وكانت هذه المدينة ذات الحكم الذاتي تشمل مركزا حضريا كبيرا، فلم يكن من السهل أن تحقق الاكتفاء الذاتي؛ ولذلك كانت تكثر من الاستيراد؛ وأدى هذا إلى زيادة في الاستيراد - خاصة إبان الحقبة الاستعمارية لأثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، والقرن الرابع قبل الميلاد إلى حد أقل - إذ جاءت كل أنواع الواردات التي أشاد بها المؤلفون الهزليون، وامتدحها كذلك كل من المؤرخ زينوفون (كتاب بوروي، 1) وبريكليس في الوصف الذي كتبه المؤرخ ثيوسيديديس (2، 38). وتطلعنا الروايات التي تتحدث عن عادات تناول الطعام عن وجود نمط معين لعادات تناول الطعام في أثينا. كان من الوارد الإفراط في تناول الطعام، وخصوصا تناول الأسماك (ديفيدسون 1997، ويلكنز 2000). وظهرت أيضا دعاوى تلح على التمسك بالبساطة والتقشف، كما جاء آنفا. يتحدث أثينايوس عن أسلوب أثيني في تناول الطعام، يتسم بكثرة الأطباق الصغيرة مثل الوجبة الهندية الحديثة. (مصادره هزلية ساخرة؛ ومن ثم ربما تكون مضللة.) وكانت الأعياد التي تقام في إطار الشعائر الدينية تعبر عن توجهات أيديولوجية معينة، وكانت هذه الأعياد - التي كانت أثينا تحظى بالكثير منها - تتيح للأثينيين تناول كميات من اللحم البقري وغيره من اللحوم أكثر من غيرهم من الإغريق. وكانت الأعياد أيضا تمجد قوة أثينا الاستعمارية، وأدت إلى تدفق السلع إليها، وهو ما تناولته المسرحيات الكوميدية التي كانت تقدم في أعياد ديونيسوس. وبناء على الأدلة المأخوذة من المصادر الهزلية، كان المشاهدون الأثينيون يستمتعون فيما يبدو بتصوير جيرانهم الميجاريين الذين أرهقتهم الحرب على أنهم يتضورون جوعا، وأنهم أصبحوا بحاجة إلى السلع التي كانوا عادة يصدرونها، وهي الملح والثوم. وفي المصدر نفسه، كان أهالي بيوتيا أغبياء ومستعدين لبيع المنتجات الزراعية الغالية وأسماك الإنكليس بسعر بخس (أريستوفان، مسرحية «الأخارانيون»). وأكدت أثينا بساطتها بصفة خاصة عن طريق المضيفة المركزية في المدينة - في مبنى البريتانيون - حيث كانت بعض الأطعمة كالزيتون ومخبوزات الشعير تذكر الجميع بالأطعمة البسيطة في أثينا القديمة، وذلك أيضا وفقا لأحد المصادر الهزلية، وهو الشذرة رقم 7 للشاعر الهزلي شيونيديز. ويشترك هذا الوصف الذاتي في الكثير من السمات مع روما في حقبة لاحقة، ومن الممكن عقد مقارنة مثيرة للاهتمام بين مدينة ذات حكم ذاتي تقع بعيدا عن البحر ومدينة ذات حكم ذاتي تقع في منطقة جبلية. سيكون من الوارد في المدينة الجبلية احتساء الحليب، بل الجعة أيضا، وسيقل احتمال تناول الأسماك والأطعمة المستوردة من الخارج. ومن المهم دراسة هذه العناصر، حتى لو بوصفها احتمالات نظرية. وتصلنا معلومات أقل عنها لأن المدن الكبرى كانت مراكز ليس فقط لعادات تناول الطعام المتنوعة، بل لإنتاج النصوص ونشرها أيضا (للاستزادة راجع الفصلين الرابع والخامس).
من الممكن أن تدفعنا دراسة المناطق الجبلية في اليونان وإيطاليا (فضلا عن آسيا الصغرى في العصر الروماني) إلى أن نسأل هل كان سكان هذه المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة يشتركون في أطعمة معينة مع الشعوب غير المتأثرة بالحضارة الإغريقية. يعرض هيرودوت بأسلوب مشوق عادات تناول الطعام المختلفة في أوصاف للفرس والمصريين، والسكوثيين والليبيين الرعويين في الأجزاء الأول والثاني والرابع من كتابه. وهذا الاهتمام بالتناقض يخفي أوجه التشابه، التي يساعد المنظور المحلي على إظهارها؛ فاستهلاك القمح أو زيت الزيتون - على سبيل المثال - تحدده الاعتبارات الجغرافية في البلدان المطلة على البحر المتوسط بقدر ما تحدده الممارسات الثقافية. وربما كان من المرجح أن المقيمين في الأماكن البعيدة عن المراكز القديمة في العالم كانوا يشربون الحليب ويأكلون الزبد ويزرعون أنواعا مختلفة من الحبوب، بل يقدمون أيضا القرابين على نحو يختلف بعض الشيء عن أهل المدن؛ بعبارة أخرى، كانوا أكثر ميلا لعيش حياة لا تعتمد على زيت الزيتون والنبيذ كإضافات للغذاء الأساسي المكون من الحبوب. إذا كانت هناك أوجه للتشابه بين الرعويين في إيطاليا واليونان ونظرائهم في أطراف المناطق الواقعة تحت التأثير الإغريقي الروماني، كان هناك أيضا وجهان آخران من أوجه التشابه مع الشعوب «الهمجية». ووجه الشبه الأول هو تنوع المدن الإغريقية والرومانية بسبب اتصال المئات منها بشعوب أخرى وأساليب حياة أخرى؛ ومن ثم، تمكن أثينايوس من اكتشاف بعض الحالات المدهشة لعادة تقديم قرابين من الأسماك، مع أن الإغريق لم يعتادوا ذلك. ويسلط بحثه المستفيض عن الثقافة الإغريقية الرومانية الضوء على الكثير من العادات المدهشة، بسبب اتصال الإغريق والرومان بشعوب أخرى في أنحاء بلدان البحر المتوسط. وكان وجه الشبه الثاني - الذي كان موجودا على نطاق واسع في روما في عهد الإمبراطورية كما في الكثير من المدن الإغريقية - هو الميل للترف والإسراف. وكثيرا ما يظهر هذا الاتجاه المتمثل في السعي وراء المتع في النصوص الكلاسيكية القديمة بصفته رذيلة من رذائل الهمجيين التي كثيرا ما تسللت إلى الثقافة الإغريقية الرومانية. راجع المناقشة الواردة في الفصل السابع عن الصورة القديمة التي كانت تكنها روما عن نفسها باعتبارها من الثقافات التي لم تعرف التجارة البحرية والأسماك، وعن نفور بلينوس في ارتياع من مناقشة عن المحار رأى أنها شهوانية إلى حد شائن. وازدهر هذا النوع من الترف فيما يبدو في مستعمرات إغريقية معينة، ونشأ على وجه التحديد من الإنتاج الزراعي الجيد. وازدهر الترف في روما؛ لأن مركز أي إمبراطورية عالمية كان يجتذب الثروة إليه. وكانت بعض جوانب هذه المعيشة المترفة المفترضة - كالتي كانت موجودة في مدن ساحل البحر الأيوني من آسيا الصغرى - متأثرة بثقافة بلاد فارس وغيرها من الثقافات الشرقية. ونشأت أمثلة أخرى - خصوصا في صقلية وجنوبي إيطاليا حتى خليج نابولي شمالا - من داخل الثقافة الإغريقية، فيما يبدو، ومن أقدم الأمثلة على ذلك مدينتا سيباريس وكروتون.
অজানা পৃষ্ঠা