وطافت برأسي فكرة أصل الإنسان: ماذا كان؟ حيوان من خلية واحدة يزحف على هذه الأرض! أو قطعة طين من هذا الطين الذي يغطي الأرض؟ وتنبهت فجأة وقد أحسست أن العربة وقفت، ورأيت عددا كبيرا من الفلاحين يحيط بالعربة، وسمعت أصواتا خشنة تقول: «الست الدكتورة وصلت.»
وهنا صحوت من غفوتي وتذكرت أنني الست الدكتورة التي وصلت، وأنني قدمت من القاهرة لأتسلم عملي اليوم بوحدة طحلة المجمعة.
ونزلت من العربة، وما إن استقرت قدماي على الأرض حتى رأيت رجالا بالجلاليب ونساء بالطرح ينحنون على يدي يقبلونها، وقادوني إلى البيت المخصص لي في مظاهرة حارة من آلاف التسليمات والترحيبات.
ودخلت البيت، ووجدتني داخل صالة كبيرة منسقة في وسطها منضدة كمائدة الطعام وضعوا عليها حقائبي! - ده بيت لطيف فعلا، مين اللي رتب الفرش ده؟
وسمعتهم يقولون في صوت واحد: «محمود.» - محمود مين؟
وأشاروا إليه، كان رجلا ريفيا جاوز الخمسين من عمره، قصير القامة يلبس جلبابا ليس له لون معين، وطاقية صفراء من الصوف، وكان شكل وجهه غريبا علي، فيه قبح شديد منفر، أنفه كبير على قمته شعر أسود قصير، وعيناه مدفونتان في حفرتين شديدتي الضيق، وأهدابه متلاصقة كأنها لزجة، وشفته العليا أعرض من السفلى على عكس الناس.
وأدرت وجهي عنه بسرعة، وطلبت منهم أن ينصرفوا لأستريح. وانصرفوا جميعا إلا هو ذلك المحمود، رأيته يأخذ حقائبي ويقول بلهجة ريفية: الشنط دي نطلعها فوق يا ست الدكتورة؟
وكدت أقول له دعها وانصرف، ولكني كنت متعبة فعلا وفي حاجة إلى بعض الملابس التي بداخل هذه الحقائب فقلت له: «أيوه، طلعها فوق.»
وأخذ الحقائب وصعد السلم، وكان البيت مكونا من طابقين: طابق علوي فيه حجرة النوم والحمام، وطابق سفلي فيه حجرة الطعام والمطبخ.
ووضع محمود الحقائب بجوار الدولاب وتراجع إلى الوراء وهو يقول: الست الدكتورة تطلب إيه للغدا؟
অজানা পৃষ্ঠা