وحينما دقق إليها النظر لأول مرة، من حيث لا تراه، رآها تجلس بشعرها الأسود الناعم يميل إلى الوراء قليلا، تضع ساقا على ساق وتنقر بأناملها المسحوبة على حافة الكرسي.
ولم يدر لماذا بدت كل الوجوه حولها باهتة كأنها مرسومة بالقلم الرصاص أو ممسوحة بالأستيكة وملامحها هي مرسومة بالحبر! كانت تمتد عند أنفها العالي الدقيق وتستدير عند شفتيها الممتلئتين، وكانت في جلستها تبدو ذات قوام ممشوق، كتفاها العاريتان من الأمام والخلف، وصدرها المحبوس داخل فستان السهرة الضيق، وخصرها النحيل، وساقاها الممتلئتان تحت ذيل الفستان الخفيف، وكل ما في جسمها يميل إلى استدارة جذابة مثيرة، وعيناها السوداوان اللامعتان بنظراتهما القوية المتوهجة التي تعيد أجرأ المفتونين إلى رشده.
ورآها بعد ذلك كثيرا، وحينما سمعها تتكلم لأول مرة بهت. كان صوتها يجمع بين الضدين العنيفين في شخصيتها، منتهى الرقة والضعف، ومنتهى المنطق والعقل. وهو لا يحب المرأة التي تتكلم، ويكون كلامها معقولا، إنه يريدها بلا منطق، بلا عقل، المرأة في رأيه لم تخلق لها شفتان لتقول شيئا سليما، وإنما لتهذي، لتهرف، لتفتح فمها وتقول أي شيء، أو لا تقول شيئا، وعليه هو أن يقفل فمها بشفتيه.
ورغم ذلك كان يحب أن يسمعها وهي تتكلم، ويتحرق شوقا إلى شيء فيها لا يدريه، لكن منطقها العنيد كان يقف دائما بينه وبينها.
لهذا كان حضورها إليه الليلة مثيرا، مع أنه تعود ألا يثيره شيء، وملامحه المتكبرة الزاهدة في كل شيء مشتاقة ومتلهفة إليها، وعيناه الحمراوان تدوران على محتويات نفسه من الداخل والخارج في قلق تشوبه لذة جديدة منعشة.
وأخيرا دق جرس الباب ودخلت هي، كانت تلبس ثوبا رماديا بسيطا ، وتضع على رقبتها «إيشارب» خفيفا أحمر يلهب لونها الأسمر المحروق وخديها البارزين. وخطت إلى داخل الصالة، في رشاقة طبيعية، وجلست على الكرسي الكبير المجاور لمكتبه في بساطة كأنها تجلس على مقعد في الأتوبيس.
وكانت عيناها تبتسمان في كبرياء عنيد، وفي نظراتها رغم ذلك سحر غريب جامع للسذاجة والذكاء معا، وابتسم في حذر، وهو يثبت عينيه في عينيها ويقول لها بصوت جعله متزنا: «أهلا وسهلا.»
وابتسمت ابتسامة جريئة، وقالت وهي تنظر إلى جبهته العريضة: «أهلا بك.»
ولم يقل شيئا بعد ذلك، أحس من لهجتها الجادة ونظرتها الجريئة أنها مسلحة أكثر من اللازم.
وسمعها بعد دقائق تقول: «فين الحاجات اللي عندك وعاوز تفرجني عليها؟»
অজানা পৃষ্ঠা