إن باكستان تتهم نهرو دائما بالرغبة في القضاء على باكستان، ولكنني سمعتهم في كراتشي يتهمون شخصا آخر هو لورد مونتباتن البريطاني ويقولون: إنه أكبر أصدقاء نهرو، وإنه هو المسئول الأول!
ويبدو أن الإنجليز عندما اضطروا إلى الانسحاب من شبه جزيرة الهند عز عليهم أن ينسحبوا دون أن يتركوا أثرا من آثار استعمارهم البغيض، فخلفوا من ورائهم بعض المشكلات الخطيرة التي تواجهها باكستان اليوم، وتعمل على أن تحلها مع جاراتها من الدول الأخرى بكافة الوسائل السلمية.
وأولى هذه المشاكل تكوين باكستان من وحدتين كبيرتين: باكستان الغربية التي تقع في الشمال الغربي من الهند، باكستان الشرقية وتقع في الشمال الشرقي من الهند.
فمن العجيب في هذا التكوين الشاذ أن الهند نفسها تفصل بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية، إذ يقع جزء كبير من شمال الهند بينهما كما أن المسافة بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية في أقرب المواضع تبلغ نحو 1200 ميل تقع كلها داخل حدود الهند الشمالية طبعا. لقد ذكرني هذا الوضع بموقف هتلر من بولندا عند نشوب الحرب العالمية الثانية في عام 1939، فقد كان الممر البولندي قبل هذه الحرب يفصل بين الجزء الأكبر من الوطن الألماني وبين جزء صغير هو «بروسيا الشرقية»، وكان هتلر لا ينقطع قبل عام 1939 عن المطالبة بوصل الحدود بين ألمانيا وبين بروسيا الشرقية، وربما لو قبل الحلفاء وقتئذ مسالمته في هذا وتنازلوا له عن الممر البولندي الذي كانت تملكه بولونيا في ذلك الوقت، لما هاجم بولندا ولما نشبت الحرب في عام 1939 ولتغير وجه التاريخ.
2
ولا شك أن وجود قسم كبير من باكستان في الشرق وصعوبة الاتصال بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية، من العوامل التي تؤثر على علاقة باكستان الشرقية بالحكومة المركزية في كراتشي الواقعة في الغرب، كما أنه مما يزيد من نفقات الدفاع الذي يستنزف نسبة كبيرة من ميزانية الباكستان، وذلك لأن كل قسم من قسمي الباكستان، الشرقي والغربي، يحتاج إلى وسائل دفاعية كاملة مما يضاعف النفقات.
ليس هذا فحسب، بل إن الباكستان والهند كانتا تؤلفان قبل التقسيم وحدة سياسية واقتصادية كاملة، فلما أجري التقسيم على أساس طائفي دون اعتبار للعوامل الاقتصادية كان من نتيجة ذلك أن وقع ظلم واضح على باكستان، فقد ظهر فيما بعد أن منابع الأنهار التي تروى منها باكستان تقع كلها في ولايات ضمت للهند أو ولايات واقعة تحت سيطرة الهند، والأنهار بالنسبة لباكستان هي شرايين الحياة التي تبعث الروح والنماء في الأرض.
وكان من نتيجة ذلك أن وقع نزاع خطير على مياه الأنهار بين الهند وباكستان، وكان النزاع يدور حول من هو صاحب الحق الأول في مياه الأنهار، فالهند تدعي لنفسها هذا الحق لأن الأنهار تنبع في ولاياتها، وباكستان تتمسك بهذه الأنهار لأنها تجري في أراضيها ولأنها مصدر الحياة لسكانها.
وعندما هددت المجاعة حياة الملايين من سكان الباكستان في عام 1952-1953 كان سبب القحط هو قلة المياه في مجاري الأنهار، وظهر أن الهند قد استولت على نسبة كبيرة من مياه هذه الأنهار وكانت باكستان تعتمد عليها لري أرضها، هذا مع العلم أن أراضي باكستان كفيلة بإنتاج ما يكفي سكانها من طعام.
ومشكلة اللاجئين، وهي أكبر المشاكل التي تواجهها باكستان، جاءت هي الأخرى في أعقاب التقسيم.
অজানা পৃষ্ঠা